البنيوية اللغوية الأمريكية

[ابوالوليد المسلم]

البنيوية اللغوية الأمريكية


أ. د. عبدالله أحمد جاد الكريم حسن






تابع علماء بعض المدارس الأمريكية اللغوية ما توصلت إليه المدارس الأوربية البنيوية، وأضافوا إليها وأيدوا وعارضوا... إلخ. وجاء "سابير"[1] رائد البنيوية الأمريكية ومعلم الأجيال من علماء اللغة الأمريكيين وتلميذ من تلامذة "بواز"، وكان واسع الثقافة له اهتمامات علمية وكثيرة ومتنوعة. ويبدو أنه قد بدأ دراسته للغة بعيده عن أفكار "سوسير" ولكن فكرة النماذج اللغوية التي نادى بها لا تبعد كثيرًا عن التفرقة التي وضعها "سوسير" بين اللغة والكلام. وفكرة النماذج اللغوية: هي أن كل إنسان يحمل في داخله الملامح الأساسية لنظام لغته ؛ أي: إن جميع النماذج الفعلية التي تقدمها اللغة لتأكيد عملية الاتصال، هي نماذج ثابتة، وهي الخليقة بالدراسة؛ لأنها الأهم والأكثر حيوية في حياة اللغة. وذلك مقابل الاستخدام الفعلي للغة المتمثل في المادة اللغوية المنطوقة [2].



أما بلومفيلد 1949م[3] Bloomfield فيعد علمًا من أعلام الدراسات اللغوية في أمريكا، وكتابه "اللغة" يعدونه هناك "إنجيل علم اللغة" ؛ إذ إن البحث اللغوي الأمريكي ـ مهما تعددت اتجاهاته ومناهجه ـ يدين بالفضل لهذا العالم ومبادئه، سواء أكان ذلك بالاتفاق معه أو بمعارضته. وقد أفاد "بلومفيلد" من المعين السويسري؛ إذ تأثر به و أخذ عنه فكرتين مهمتين:

الفكرة الأولى: النظرة السنكرونية في التعامل مع اللغة.

والأخرى: الفكرة البنيوية للغة في عموم معناها.



والبنيوية عند "بلومفيد" وأتباعه بنيوية من نوع خاص، وهي في الوقت نفسه مبدأ من منظومة من المبادئ التي تكون منهجًا عامًا ؛ لا يمكن فهمه أو التعرف عليه بوجه مقبول إلا بالنظر في جملة هذه المبادئ بصورة ما[4]، فلقد التزم "بلومفيلد" بالمنهج البنيوي الوصفي ولكن بطريقة خاصة أصبحت علمًا عليه وعلى مدرسته.



ومما سبق يمكننا القول أن البنيوية التقليدية مرت بثلاث مراحل يمكن تمييز بعضها عن بعض على النحو الآتي [5]:

المرحلة الأولى: مرحلة دي سوسير والأوروبيين في عمومهم، وكان جل اهتمامهم باللغة لا بالكلام، وبيان العلاقات الداخلية بين وحدات الجملة، تلك العلاقات التي تعد النواة للمعنى التام للجملة.



المرحلة الثانية: بنيوية"بلو مفيلد "وأتباعه الخلص، وهي تهتم بالكلام لا باللغة، وتحصر عملها في البنيية السطحية على أساس من النظر الشكلي، دون الاهتمام بالمعنى.



المرحلة الثالثة: "بنيوية " أمريكية موزعة سارت على جملة من مبادئ "بلومفيلد"، ولكنها أدخلت الوظيفة أو المعنى في الحسبان. وجاءت بعد أو مواكبة للمرحلة الثالثة نظرات "زليج هاريس" ؛ وهي ذات سمية "بنيوية" ونظرات "بايك".

[1] سابير، إدوارد (1884 -1939م): عالم أمريكي متخصص في علم الإنسان (الأنثروبولوجيا) وعلم اللغة. بحث في العلاقـة بين اللغة والثقافة والشخصية. وكانت مساهمته في علم اللغة في دراسة التراكيب اللغوية، وتاريخ اللغات، وتحليل أوجه الشبه والاختلاف بين اللغات. حوت آثار سابير الكثير من المقالات، وكتابًا واحدًا موسعًا بعنوان اللغة: مقدمة في دراسة الكلام. ينظر: محيي الدين محسب، اللغة والفكر والعالم: دراسة في النسبية اللغوية بين الفرضية والتحقق، الشركة المصرية العالمية للنشر، لونجمان، مصر، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، ط 1، 1997م، و جون إي جوزيف، أعلام الفكر اللغوي التقليد الغربي في القرن العشرين، ترجمة: أحمد شاكر الكلابي، ط1، بيروت، دار الكتاب الجديد المتحدة، 2006م.



[2] حلمي خليل، العربية وعلم اللغة البنيوي، الإسكندرية، دار المعرفة الجامعية، (ص119).




[3] ولد ( لينار بلومفيلد ) سنة (1887م) وتوفي سنة (1949م)، وهو الذي أسس المجلة المتخصصة langage)) سنة (1924م ـ1925م)، كما كان أحد مؤسسي الجمعية اللسانية الأمريكية، ولم يكن منظرًا في اللسانيات العامة فقط، بل كان رائدًا في اللسانيات التطبيقية أيضًا. ينظر: عبد العزيز حليلي، قضايا لسانية ؛ السوسيولسانيات، التصريف، أقسام الكلام، فاس، أنفو برانت، 1999م، (ص59).



[4] بشر، التفكير اللغوي، (ص:113).



[5] ينظر: النعيمي، ناصر إبراهيم، المدرسة البنيوية قراءة في المباديء والأعلام ( مرجع سابق ).