شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان - الصفحة 5 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4973 - عددالزوار : 2089322 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4551 - عددالزوار : 1363388 )           »          كيف تصنع ب"لا إله إلا الله" يوم القيامة؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          رأس المنافقين ( عبد الله بن أُبَيّ بن سلول) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          الإسراء والمعراج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          الأخوَّة.. تلك الحلقة المفقودة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          محمد بن القاسم الثقفي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          الإسلام عقيدة وعبادة وأخلاق وتشريع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          معركتنا مع الشيطان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          أويس القرني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > ملتقى اخبار الشفاء والحدث والموضوعات المميزة > رمضانيات
التسجيل التعليمـــات التقويم

رمضانيات ملف خاص بشهر رمضان المبارك / كيف نستعد / احكام / مسابقات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13-02-2023, 11:44 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,786
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان





شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
من صــ 716الى صــ 725
(48)
المجلد الثانى
كتاب الصيام
(18)






809 - وأيضاً؛ فما روت عائشة قالت: «اعتكف مع النبي صلى الله عليه وسلم بعض أزواجه, وكانت ترى الدم والسفرة والطست تحتها وهي تصلي». رواه البخاري وغيره.

810 - [و] عن كثير مولى [ابن] سمرة أن امرأة أرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أريد أن أعتكف العشر الأواخر وأنا أستحاض؛ فما ترى؟ قال: «ادخلي المسجد, واقعدي في طست, فإذا امتلأ؛ فليهراق عنك». رواه النجاد.
فقد مكَّن النبي صلى الله عليه وسلم امرأته أن تعتكف في المسجد وهي مستحاضة, وهي لا تفعل ذلك إلا بأمره, وأمر ال
تي سألته أن تدخل المسجد, والأمر يقتضي الوجوب, ولو كان الاعتكاف في البيت جائزاً؛ لما أمرها بالمسجد, ولأمرها بالبيت؛ فإنه أسهل وأيسر وأبعد عن تلويث المسجد بالنجاسة وعن مشقة جمل الطست ونقله.


811 - وهو صلى الله عليه وسلم لم يخير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً.
فعلم أن الجلوس في غير المسجد ليس باعتكاف.

812 - وأيضا؛ ما روى قتادة, عن أبي حسان وجابر بن زيد: «أن ابن عباس سئل عن امرأة جعلت عليها أن تعتكف في مسجد نفسها في بيتها؟ فقال: بدعة, وأبغض الأعمال إلى الله تعالى البدع, لا اعتكاف إلا في مسجد تقام فيه الصلاة». رواه حرب.
مع ما تقدم من غيره من الصحابة؛ فإنهم لم يفرقوا بين الرجال والنساء, وعائشة منهم, ومعلوم أنها لا تهمل ش
أن اعتكافها, ولم يعرف عن صحابي خلافه, لا سيما والصحابي إذا قال: بدعة؛ علم أنه غير مشروع؛ كما أنه إذا قال: سنة؛ علم أنه مشروع.
فعلى هذا يجوز اعتكافها في كل مسجد, سواء أقيمت فيه الجماعة أو لم تقم.
هكذا ذكر كثير من أصحابنا, منهم القاضي في «المجرد» وأبو الخطاب وابن عقيل وعامة المتأخرين؛ لأن الجماعة
ليست واجبة عليها, فسيَّان في حقها مسجد جماعة وغيره.
813 - وقد روى ابن أبي مليكة؛ قال: اعتكفت عائشة بين حراء وثيبر, فكنا نأتيها هناك وعبداً لها يؤمها». رواه حرب.
وليس هناك مسجد تقام فيه الجماعة.

وقال القاضي في «خلافه»: كل موضع لا يصح اعتكاف الرجل فيه لا يصح اعتكاف المرأة فيه.
وكذلك الخرقي وابن أبي موسى وغيرهما اشترطوا للاعتكاف مسجداً يجمع فيه, ولم يفرقوا بين الرجل
والمرأة.
وقال أحمد في رواية ابن منصور: الاعتكاف في كل مسجد تقام فيه الصلاة, ولم يفرق. . . .
وهذا ظاهر ما تقدم ذكره عن الصحابة؛ فإنهم لم يفرقوا, لا سيما حديث ابن عباس؛ فإنه سئل عن اعتكاف المرأة؟ فقال: «لا اعتكاف إلا في مسجد تقام فيه الصلاة» , وحديث عائشة أيضاً؛ فإن اعتكاف النساء لا بد أن يدخل في عموم كلامهما
.
وأما اعتكافها في مسجد حراء؛ فقد كان يؤمها فيه عبدها, وهذا يؤيد أنه لا بد في الاعتكاف من مسجد جماعة.
وأيضاً؛ فإن المقصود من المسجد إقامة الصلاة فيه؛ فاعتكافها في مسجد لا جماعة فيه كاعتكافها في بيتها, والجماعة إن لم تك
ن واجبة عليها في الأصل, لكن إذا أرادت الاعتكاف, فجاز أن يجب عليها ما لم يكن واجباً قبل ذلك؛ كما لو أرادت الجمعة والجماعة؛ وجب عليها ما يجب على المأموم, وإن لم يجب بدون ذلك.
وإذا كان الاعتكاف يوجب الاحتباس في المسجد, مع أنه غير مقصود لنفسه, بل لغيره؛ فلأن يوجب الجماعة التي [هي] أفضل العبادات الأولى, ولأن ذلك لو لم يكن واجباً. . . .

ولا يكره الاعتكاف للعجوز التي لا يكره لها شهود الجمعة والجماعة.
وهل يكره للشابة؟
المنصوص عنه الرخصة مطلقاً.

قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله سئل النساء: يعتكفن؟ قال: نعم؛ قد اعتكف النساء.
فعمَّ, ولم يخص الشابة من غيرها, وقد تقدم نحو ذلك في رواية أبي داو
ود.
وقال القاضي: قياس قوله أنه يكره للشابة؛ لأنه قد نص على ذلك في خروجها لصلاة العيدين, وأنه مكروه.
وهذا اختيار القاضي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بنقض قباب أزواجه لما أردن الاعتكاف معه.
814 - وقالت عائشة رضي الله عنها: لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء؛ لمنعهن كما
منعت نساء بني إسرائيل.
ولأنه خروج من البيت لغير حاجة, فكره للشابة؛ كالخروج للجمعة والجماعة.
قال القاضي: وكذلك يكره لها الطواف نهاراً.

والصحيح المنصوص. . . .
لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لعائشة وحفصة أن يعتكفا معه, وكانتا شابتين.
815 - وقد اعتكف معه امرأة من أزواجه كانت ترى الدم, وقد جاء مفسراً أنها أم سلمة رضي الله ع
نها, ولم تكن عجوزاً.
وإنما أمرهن بتقويض الأبنية لما خافه عليهن من المنافسة والغيرة, ولهذا
قال: «آلبر يردن؟».
ولأن مريم عليها السلام قد اخبر الله سبحانه أنها جعلت محررة له, وكانت مقيمة في المسجد الأقصى في المحراب, وأنها انتبذت من أهلها مكاناً شرقيّاً, فاتخذت من دونهم حجاباً, وهذا اعتكاف في المسجد واحتجاب فيه, وشرع ما قبلنا شرع لنا, ما لم يرد شرعنا بنسخه, ولأن هذه العبادة لا تفعل إلا في المسجد, فلو كرهت لها؛ للزم تفويتها بالكلية, ونحن لا ننهى عن العبادة بالكلية؛ لجواز أن يفتتن بها إنسان, مع أن الظاهر خلافه.

ولهذا لا يكره لها الخروج لمصلحة متعينة من عيادة أهلها ونحو ذلك؛ بخلاف خروجها في الجنائز؛ فإنه لا فائدة فيه, وفيه مفاسد ظاهرة.
ولهذا لا يكره لها حج النافلة, بل هو جهادها, مع أن خوف الفتنة به أشد ما لم يكن فعله إلا كذلك.

وأما خروجها للجمعة والجماعة إن سلم؛ فلها مندوحة عن ذلك بأن تصلي في بيتها, وكذلك الطواف إن سلم؛ فإن لها في الطواف بالليل مندوحة عن النهار.
فعلى هذا لا يستحب الاعتكاف للنساء, ولا يكون الأولى بتركه, بل الأولى فعله, إذا لم يك
ن فيه مفسدة.
كما قال في رواية أبي داوود, وذكر النساء يعتكفن في المسجد ويضرب لهن فيه الخيم: وقد ذهب هذا من الناس, ويستحب لها أن تستتر من الرجال بخباء ونحوه.

نص عليه اقتداء بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ونساء السلف كما ذكره أحمد, ولأن المسجد يحضره الرجال, والأفضل للنساء أن لا يرين الرجال ولا يراهم الرجال.

ويضرب الخباء في موضع لا يصلي فيه الرجال؛ لئلا تقطع صفوفهم وتضيق عليهم.
ولا بأس أن يستتر الرجل أيضاً, بل هو أفضل.
816 - فإن عائشة؛ قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف؛ صلى الصبح, ثم دخل معتكفه, وإنه أمر بخباء فضرب».
وفي لفظ للبخاري: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان, فكنت أضرب له خباء, فيصلي الصبح, ثم يدخله».



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 14-02-2023, 05:07 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,786
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان





شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
من صــ 726الى صــ 735
(49)
المجلد الثانى
كتاب الصيام
(19)




817 - وعن أبي سعيد: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأول من رمضان, ثم اعتكف العشر الأوسط, في قبة تركية, على سدتها حصير». قال: «فأخذ الحصير بيده, فنحاها في ناحية القبة, ثم أطلع رأسه, فكلم الناس, فدنوا منه». رواه مسلم بهذا اللفظ, وهو في «الصحيحين» , قد تقدم.

وقد تقدم في الصلاة: أنه اتخذ حجرة من حصير في رمضان, فصلى فيها ليالي, فصلى بصلاته ناس.
وينبغي أن يكون استتار المعتكف مستحبّاً؛ اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم, وليجمع له فضل الصلاة في المسجد, وفضل إخفاء العمل, وليجمع عليه قلبه بذلك, فلا يشتغل برؤية الناس وسماع كلامهم, ولينقطع الناس عنه فلا يجالسونه ويخاطبونه.

الفصل الخامس: أن الاعتكاف في المسجد الجامع الذي تقام فيه الجمعة والجماعة أفضل؛ لأنه إذا اعتكف في غيره؛ لم يجز له ترك الجمعة, فيجب عليه الخروج من معتكفه, وقد كان يمكنه الاحتراز عن هذا الخروج بالاعتكاف في المسجد الأعظم, و
هذا إنما يكون في اعتكاف تتخلله جمعة.
فأما إن لم تتخلله جمعة؛ فإن اعتكف في غير مسجد الجمعة, وخرج للجمعة؛ جاز؛ لما تقدم من
الحديث المرفوع وأقاويل الصحابة: أن الاعتكاف في كل مسجد تقام فيه الجماعة, لا سيما والاعتكاف الغالب إنما يكون في العشر الأواخر من رمضان, ولا بد أن يكون فيها جمعة.
818 - وقد روي ذلك صريحاً عن علي رضي الله عنه؛ قال: «إذا اعتكف الرجل؛ فليشهد الجمعة, وليحضر الجنازة, وليعد المريض, وليأت أهله يأمرهم بحاجته وهو قائم». رواه سعيد.

ولم يستثنوا ذلك.
فأما قول الزهري المتقدم؛ فليس هو متصلاً, وهو من صغار التابعين, ويشبه أن يكون م
حمولاً على الاستحباب.
وأيضاً؛ فإن الخروج للجمعة خروج لحاجة لا تتكرر, فلم يقطع الاعتكاف؛ كالخروج
للحيض.
وأيضاً؛ فإن من أصلنا أن قطع التتابع في الصيام والاعتكاف لعذر لا يمنع البناء, وإن أمكن الاحتراز منه؛ كما سنذكر إن شاء الله تعالى.
وأيضاً؛ فإن اعتكاف العشر الأواخر سنة, وتكليف الناس يعتكفوا في المسجد الأعظم فيه مشقة عظيمة, وربما لم يتهيأ ذلك لكثير من الناس, فعفي عن الخروج للجمعة كما عفي عن الخروج لحاجة الإِنسان.

وأيضاً؛ فإن من أصلنا أنه يجوز له اشتراط الخروج لما له منه بد؛ فالخروج الذي يقع مستثنى بالشرع أولى وأحرى, سواء كان الاعتكاف واجباً أو مستحبّاً تطوعاً, وسواء كان نذراً متتابعاً أو نذراً مطلقاً, وسواء كان الاعتكاف قليلاً يمكن فعله في غير يوم الج
معة أو لا بد من تخلل يوم الجمعة له.
وركن الاعتكاف شيئان:
أحدهما: لزوم المسجد, فلو خرج منه لغير حاجة؛ بطل اعتكافه؛ كما نبين إن شاء الله تعالى.
الثاني: النية؛ فلا يصح الاعتكاف حتى يقصد لزوم المسجد لعبادة الله, فلو لزم المسجد من غير قصد؛ لم يكن معتكفاً؛ ولو قصد القعود فيه
لعبادة يعملها؛ كصلاة مكتوبة, أو تعلم علم أو تعليمه.
[و] إذا قطع النية بأن نوى ترك الاعتكاف؛ بطل في قياس قول أصحابنا؛ كما قلنا في الصوم والصلاة والطواف ونحوها.
ويتخرج على قول ابن حامد.
فأما الصوم؛ فإن السنة للمعتكف أن يكون صائماً؛ لأن الله سبحانه ذكر آية الاعتكاف في ضمن آية
الصوم, ولأن النبي صلى الله عليه وسلم فسر الاعتكاف بفعله, وإنما كان يعتكف في شهر رمضان وهو صائم.
وقد أجمع الناس على استحباب الصوم للمعتكف, ولأن الصوم أعون له على كف النفس على الفضول؛ فإنه مفتاح العبادة, فيجتمع له حبس النفس عن الخروج, وحبسها عن الشهوات, فيتم مقصود الاعتكاف.
فإن اعتكف بدون الصوم؛ فهل يصح؟ على روايتين:

إحداهما: لا يصح.
819 - لما روى عبد الرحمن بن إسحاق, عن الزهري, عن عروة, عن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: «السنة على المعتكف أن لا يعود مريضاً, ولا يشهد جنازة, ولا يمس امرأة, ولا يباشرها, ولا يخرج لحاجة؛ إلا لما لا بد منه, ولا اعتكاف إلا بصوم, ولا اعتكاف
إلا في مسجد جامع». رواه أبو داوود, وقال: غير ابن إسحاق, لا يقول فيه: قالت: السنة. جعله قول عائشة.
820 - ورواه الدارقطني من حديث ابن جريج, عن ابن شهاب, عن سعيد وعروة, عن عائشة: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان, وأن السنة للمعتكف أن لا يخرج إلا لحاجة الإِنسان, ولا يتبع جنازة, ولا يعود مريضاً, ولا يمس امرأة, ولا يباشرها, ولا اعتكاف إلا في مسجد جماعة, ويأمر من اعتكف أن يصوم».

وقال الدارقطني: يقال: إن قوله: «إن السنة للمعتكف. . .» إلى آخره: ليس من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم, وإنه من كلام الزهري, ومَنْ أدرجه في الحديث فقد وهم.
821 - 823 - وعن ابن عمر وابن عباس وعائشة: أنهم قالوا: «لا اعتكاف إلا بصوم». رواه سعيد.

ولأن الاعتكاف لبث في مكان مخصوص, فلم يكن قربة, حتى ينضم إليه قربة أخرى؛ كالوقوف بعرفة ومزدلفة, لا يكون قربة حتى ينضم إليه الإِحرام, ولأن المعتكف ممنوع مما يمنع منه الصائم من القبلة ونحوها؛ فلأن يمنع مما منعه الصائم ك
الأكل والشرب أولى.
فعلى هذه الرواية: لا يصح إفراده بالزمان الذي لا يصح صومه؛ كليلة مفردة, ويوم العيد, وأيام التشريق.
ولو نذر اعتكافاً؛ لزمه الصوم.
فأما إن اعتكف يوم العيد ويوماً آخر معه؛ فإنه يصح على ظاهر ما قالو
ه.
وهل يصح اعتكاف بعض يوم أو ليلة وبعض يوم إذا صام اليوم كله؟ فيه وجهان:
أحدهما": لا يجزيه. قاله القاضي في «المجرد» وأبو الخطاب في «الهداية».
والثاني: يجزيه.

ولو نذر على هذا أن يعتكف, ولم يسم شيئاً؛ لزمه أن يصوم مع اعتكافه.
وهل يجزيه صوم يوم أو بعض يوم؟. . . .
وإن اعتكف تطوعاً:

فقال في رواية حنبل, وقد سئل عن الاعتكاف في غير شهر رمضان؟ فقال: لا يكون إلا في شهر رمضان؛ إلا النذر, فإن كان نذراً؛ فلا بأس, وإنما الاعتكاف في شهر رمضان؛ لأنه لا اعتكاف إلا بصوم.

وظاهره أنه لا اعتكاف إلا بصوم واجب, وربما يكون وجهه أن الاعتكاف يلزم بالشروع, وصوم التطوع لا يلزم بالشروع, فإذا اعتكف في غير رمضان صائماً متطوعاً؛ كان مخيراً في ترك الصوم دون الاعتكاف.
ويحتمل أن يكون كلامه يُخَرَّج على عادة الناس. . . .
وقال القاضي: إذا قلنا: من شرطه الصوم؛ فلا بد أن يكون صائماً في الجملة تطوعاً أو رمضا
ن أو قضاء رمضان أو نذراً. . . .
والرواية الثانية: يصح بغير صوم, والاستحباب له أن يصوم. وهذا اختيار أصحابنا؛ لأن الله سبحانه قال: {طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ} [البقرة: آية 125] , وقال تعالى في موضع: وَالْقَائِمِينَ} [الحج: آية 26].
فعلم أن المقام في بيت الله هو العكوف فيه من غير شرط, وأنه عبادة بنفسه؛ كما كان الطواف والركوع والسجود عبادة بنفسه.
ولأن العكوف في اللغة: الإِقبال على الشيء على وجه المواظبة, وهذا يحصل من الصائم والمفطر, وهو لفظ معروف, ولا إجمال فيه.
ولأن العاكفين على الأصنام ولَهاً سمُّوا بذلك بمجرد احتباسهم عليها, وإن لم يصوموا؛ فالمحتبس لله في بيته عاكف له, وإن لم يكن صائماً.
ولأن الله سبحانه أطلق قوله: {عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] , ولم يخصص به صائماً من غيره.

نعم؛ لما أباح المباشرة للصائم بالليل, وقد يكون معتكفاً؛ نهاه أن يباشر في حال عكوفه؛ ليتبين أن كل واحد من الصوم والعكوف [مانع] من المباشرة.
824 - وأيضاً؛ ما روى ابن عمر: أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام. قال: «فأوف بنذرك». رواه الجماعة إلا أبا داود.

825 - وفي لفظ للبخاري: «أوف بنذرك, اعتكف ليلة». فاعتكف ليلة.
ولو كان الصوم شرطاً في صحته؛ لما جاز اعتكاف ليلة؛ لأن الليل لا صوم فيه. . . .
فإن قيل: معنى الحديث: نذرت أن أعتكف ليلة بيومها؛ فإن العرب تذكر الليالي وتدخل الأيام فيها تبعاً:

بدليل ما روي عن ابن عمر عن عمر: أنه جعل على نفسه يوماً يعتكفه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أوف بنذرك».
وفي رواية في الصحيح لهما أو لأحدهما: أن عمر سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة, بعد أن رجع من الطائف, فقال: يا رسول الله! إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف يوماً في المسجد الحرام؛ فكيف ترى؟ قال: «اذهب؛فاعتكف يوماً». رواه مسلم.
قال: «وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه جارية من الخمس, فلما أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا الناس. فقال عمر: يا عبد الله! اذهب إلى تلك الجارية فخل سبيلها».


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 15-02-2023, 10:49 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,786
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان



شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
من صــ 736الى صــ 745
(50)
المجلد الثانى
كتاب الصيام
(20)


826 - وأيضاً؛ عن عبد الله بن بديل, عن عمرو بن دينار, عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن عمر جعل عليه أن يعتكف في الجاهلية ليلة أو يومها عند الكعبة, فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: «اعتكف وصم». قال: فبينما هو معتك
ف؛ إذ كبر الناس, فقال: ما هذا يا عبد الله؟ قال: سبي هوزان, أعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال. وتلك الجارية فأرسلها معهم. رواه أبو داوود.
فهذا نص في أنه أمره بالصيام, ودليل على أن الاعتكاف كان نهاراً؛ لأن تكبير الناس وانتشار
هم في أمورهم وظهور عتق السبي إنما كان بالنهار.
قال عبد الله بن عمر: بعثت بجاريتي إلى أخوالي في بني جمح ليصلحوا لي منها, حتى أطوف بالبيت ثم آتيهم إذا فرغت, فخرجت من


المسجد, فإذا الناس يشتدون, فقلت: ما شأنكم؟ فقالوا: رد علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءنا وأبناءنا. فقلت: دونكم صاحبتكم؛ فهي في بني جمح. فانطلقوا فأخذوها.

827 - وأيضاً؛ فقد روى إسحاق بن راهوية عن ابن عمر: أنه قال: «لا اعتكاف أقل من يوم وليلة».
827 - وقد روى عن سعيد: أنه قال: «لا اعتكاف إلا بصوم».

فلو كان يروى عن عمر أنه اعتكف ليلة مفردة؛ لما قال هذا ولا هذا.
فقد أجاب أصحابنا عن الأول:
بجواز أن يكونا واقعتين.
وبجواز أن يكون عنى باليوم والليلة؛ لأن رواية البخاري صريحة بأنه اعتكف ليلة, وأما الرواية الأخرى؛ فق
ال الدارقطني: سمعت أبا بكر النيسابوري يقول: هذا حديث منكر؛ لأن الثقات من أصحاب عمرو ن دينار لم يذكروه, منهم: ابن جريج, وابن عيينة, وحماد بن سلمة, وحماد بن زيد, وابن بديل ضعيف.
829 - وأيضاً؛ تقدم في حديث عائشة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان, فتركه, واعتكف في العشر الأول من شوال».

وفي لفظ: «فلما أفطر؛ اعتكف عشراً من شوال».
وفي لفظ: «فلم يعتكف في رمضان حتى اعتكف في آخر العشر من شوال».
رواهن البخاري.

فقد بينت عائشة أنه اعتكف العشر الأول من شوال, وهذا إنما يكون إذا اعتكف يوم العيد, لا سيما ومقصوده عشر مكان عشر, وكان يدخل معتكفه بعد صلاة الفجر اليوم الأول من العشر؛ فلذلك ينبغي أن يكون قد دخل معتكفه بعد صلاة العيد.
وقولها: «حتى اعتكف في العشر»؛ يعني - والله أعلم - في آخر عشر رمضان؛ يعني: في منسلخه ومنقضاه, وهذا يقتضي أن اعتكافه في أول يوم من شوال؛ كما دلت عليه بقية الروايات, لكن يحتمل أنه لم يحتسب بيوم الفطر, بل بالليلة التي تليه؛ إلا أن يكون دخل ليلة العيد, ويحتمل أن يصح اعتكاف يوم العيد مع أيام أخر.
وأيضاً؛ فإنه عبادة من العبادات, فلم يكن الصوم شرطاً في صحتها كسائر العبادات.

ولأنه ليس فيه اشتراط الصوم كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس صحيح, والحكم إنما يثبت بواحدة
من هذه الجهات؛ بخلاف نفي الاشتراط؛ فإنه ثابت بالنفي الأصلي وعدم الدليل الدال على الإِيجاب.
وأما حديث عائشة؛ فقد ذكر أبو داوود وغيره أن المشهور أنه من قولها.

وكذلك قول الزهري: «السنة»: عنى به السنة في اعتقاده؛ كما يقول الفقيه: حكم الله في هذه المسألة كذا وكذا, والسنة أن يفعل كذا, وحكم الشريعة كذا؛ يعني به: فيما [علمته] وأدركته.
والذي يبين أن الزهري لم يكن عنده بذلك أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم:

830 - ما رواه سعيد, عن الدراوردي, عن أبي سهيل؛ قال: «كان على امرأة من أهلي اعتكاف, فسألت عمر بن عبد العزيز؟ فقال: ليس عليها صيام؛ إلا أن تجعله على نفسها. وقال الزهري: لا اعتكاف إلا بصوم. فقال له عمر: عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا. قال: فعن أبي بكر؟ قال: لا. قال: فعن عمر؟ قال: لا. وأظنه قال: عن عثمان؟ قال: لا. قال أبو سهيل: فخرجت من عنده, فلقيت طاووساً وعطاء, فسألتهما, فقال طاووس: كان فلان لا يرى عليها صياماً إلا أن تجعله على نفسها».
831 - وروي بهذا الإِسناد عن طاووس, عن ابن عباس؛ قال: «ليس على المعتكف صيام؛ إلا أن يجعله على
نفسه».
832 - ورواه الدارقطني مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم, وقال: رفعه السوسي, وغيره لا يرفعه.
833 - وعن مقسم: أن عليّاً وابن مسعود قالا: «إن شاء الله المعتكف ص
ام, وإن شاء لم يصم».
834 - وقال ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما: «لا اعتكاف إلا بصوم». رواهما سعيد.
وأما اعتكاف النبي صلى الله عليه وسلم صائماً؛ فلأنه كان يتحرى أفضل الأحوال في اعتكافه, ولهذا كان يعتكف العشر الأواخر, مع أن اعتكاف غيرها جائز, وكان يعتكف عشراً, ولو اعتكف أقل جاز.

وأما قياسه على الوقوف؛ فينقلب عليهم بأن يقال: فلم يكن الصوم شرطاً في صحته كالأصل, وهذا أجود؛ لأنه قد صرح فيه بالحكم, ثم القرينة المتضمنة إلى الوقوف هي الإِحرام, وهي تنعقد بالنية, ومثله في الاعتكاف لا بد من النية.
وأما اشتراط زيادة على النية؛ فإنه وإن وجب في الأصل, لكنه ي
صح بدونه.
ثم الفرق بين المسجد والمعرِّف ظاهر؛ فإن المسجد لدخوله مزية على غيره في كل وقت, وعلى كل حال, ولهذا يجب صونه عن أشياء كثيرة, والمعرّف لا يمتاز المكث فيه إلا في يوم مخصوص على وجه مخصوص؛ فكيف يقاس بهذا؟!
فعلى هذا يصح اعتكافه ليلة مفردة ويومي العيدين وأيام التشريق مفردات.
ولو نذر اعتكافاً؛ لم يلزمه الصوم؛ إلا أن ينذره.

فعلى هذا لا بد من اللبث فيه, فلو اجتاز في المسجد, ولم يلبث فيه؛ لم يكن عاكفاً عند أصحابنا؛ بخلاف الوقوف بعرفة؛ فإن الواجب فيه الكون في ذلك المكان؛ لأن العكوف هو الاحتباس والمقام كما تقدم, وذلك لا يحصل إلا بنوع لبث.
فعلى هذا: إذا نذر اعتكافاً مطلقاً, وقلنا: الصوم واجب فيه:

فقال القاضي وابن عقيل وأبو الخطاب: أقله يوم واحد.
وإن قلنا: ليس الصوم شرطاً فيه على ظاهر المذهب؛ لم يكن لأقله حد, فيجزيه ما يقع عليه الاسم؛ كما قلنا في الصلاة والصوم والصدقة.
قال القاضي وابن عقيل: ولسنا نريد بقولنا: أقل ما يقع عليه الاسم أن يجلس أقل ما يقع عليه اسم ا
لجلوس, بل ما يُسمى به معتكفاً لابثاً, وإنما يحصل هذا باستقرار ما وقع عليه اسم لبثه.
فأما أن يوقع عقيب ما وقع عليه اسم لبث؛ فلا.
قالوا: والمستحب له أن لا ينقص من يوم وليلة.

وقال بعض أصحابنا: يلزمه ما يُسمى به معتكفاً, [ولو ساعة من نهار؛ فاللحظة وما لا يسمى به معتكفاً]؛ لا يجزيه.
فأما إذا مر في المسجد, ولم يقف؛ فليس بمعتكف قولاً واحداً.

وإذا نذر أن يعتكف صائماً أو وهو صائم؛ لزمه ذلك, ولم يجز له أن يفرد الصوم عن الاعتكاف في المشهور من المذهب؛ لأن الصوم في الاعتكاف صفة مقصودة كالتتابع, فوجب الوفاء به, فلو ترك ذلك؛ لزمه أن يستأنف الصوم والاعتكاف معاً, وليس له أن يقضي كل منهما مفرداً.
وقيل:. . . .
ولو نذر أن يعتكف صائماً؛ فكذلك على أحد الوجهين.
ولو قال: لله عليَّ أن أعتكف وأصوم.

فقال القاضي: هو بالخيار بين الإِفراد والمقارنة.
ولو نذر أن يعتكف مصلياً؛ فقيل: هو على أحد الوجهين.
وقيل: لا يجب الجمع هنا, وإن وجب في الأولى.

ولو قال: لله عليَّ أن أصلي وأصوم؛ فله أن يفرد ويقرن؛ لأن أحدهما ليس شعاراً للآخر. . . .
وإذا أفطر في اعتكافه, وقلنا: الصوم شرط فيه, أو كان قد نذره في اعتكافه؛ بطل اعتكافه؛ كما يبطل بالوطء والخروج.
فإذا كان متتابعاً؛ كان عليه الاستئناف.

وإن كان معيناً؛ ففيه الوجهان.
وقال ابن أبي موسى: من صام في اعتكافه, إذا أفطر فيه عامداً, وقلنا: الصوم من شرطه؛ استأنفه, وإذا قلنا: ليس الصوم شرطاً فيه؛ فلا شيء عليه؛ إلا أن يكون أوجب الاعتكاف بالصوم, فيلزمه قضاء ما أفطر فيه من الاعتكاف بالصوم في أحد الوجهين, وفي الآخر يلزمه استئنافه.

ولعل وجه هذا أن الصوم إذا كان شرطاً فيه؛ كان الفطر مبطلاً له؛ كالجماع, فيبطل كله؛ لأنه عبادة واحدة, يطرأ الفساد عليها, فأبطلها كلها كسائر العبادات.
وأما إذا أوجب الصوم على نفسه, ولم يكن شرطاً لصحته؛ لم يكن الفطر مبطلاً للاعتكاف, وإنما يكون فيه ترك الوفاء بالنذر, وذلك ينجبر بالقضاء والكفارة؛ كما لو نذر صوم أيام متتابعة فأفطر بعضها.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 08-02-2023, 10:39 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,786
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان





شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
من صــ 666الى صــ 675
(43)
المجلد الثانى
كتاب الصيام
(13)




وفي رواية: «سألت ابن كعب, فقلت: إن أخاك ابن مسعود يقول: من يقم الحول؛ يصب
ليلة القدر. فقال: رحمه الله؛ أراد ألا يتّكل الناس, أما إنه قد علم أنها في رمضان, وأنها في العشر الأواخر. ثم حلف لا يستثني: إنها ليلة سبع وعشرين. فقلت: بأي شيء تقول ذلك يا أبا المنذر؟ قال: بالعلامة (أو: بالآية) التي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنها تطلع يومئذ لا شعاع لها». رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه, قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وفي رواية: قلت: وما تلك الآية؟ قال: أن تصبح الشمس يومئذ بيضاء لا شعاع لها حتى ترتفع كأنها الطست.
753 - وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه؛ قال: «قمنا مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم ليلة ثلاث وعشرين إلى ثلث الليل الأول, ثم قمنا معه ليلة خمس وعشرين إلى نصف الليل, ثم قام بنا ليلة سبع وعشرين حتى ظننا أن لا ندرك الفلاح, وكنا ندعو السحر: الفلاح, فأما نحن؛ فنقول: ليلة السابعة, ليلة سبع وعشرين, وأنتم تقولون: ليلة ثلاث وعشرين السابعة؛ فمن أصوب؟! نحن أو أنتم». رواه أحمد والنسائي.
ويلي هذه الليلة سابعة تبقى؛ كما ذكره الإِمام أحمد.

قالوا عن النبي صلى الله عليه وسلم: «في سبع بقين» , وقالوا: «في ثلاث بقين» , وهي على هذا التقدير إما ليلة ثلاث وعشرين أو أربع وعشرين, وهي أول السبع البواقي التي خصت في حديث ابن عمر ومؤذن النبي صلى الله عليه وسلم, وقد جاء ذلك منصوصاً في حديث بلال وغيره.
754 - وعن الحسن: أنه كان يقول: «ليلة سابعة تبقى ليلة أربع وعشرين».
755 - وهو كذلك في الحديث المرفوع عن أبي بكرة.
وقد تقدم تفسير أبي سعيد أن ليلة سابعة تبقى ليلة أربع وعشرين, ثم قد اختصها دون سائر الليالي.
756 - فروي عن أبي نضرة, عن أبي سعيد؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: «ليلة القدر ليلة أربع وعشرين». رواه الطيالسي في «مسنده» بإسناد جيد.
757 - ورواه هدبة بن خالد, عن أبي سعيد موقوفاً؛ قال: ليلة القدر هي ليلة أربع وعشرين, نحن أعلم بالحساب منكم, هي ليلة أربع وعشرين السابعة, وليلة ثلاث وعشرين ثامنة تبقى.
ويؤيد ذلك أنه قد روي أن القرآن نزل فيها.
ومنهم من يفسرها بليلة ثلاث وعشرين؛ كما تقدم عن أيوب وغيره.
758 - عن أبي المليح, عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما؛ قال: «أنزل الله صحف إبراهيم علي
ه السلام في أول ليلة من شهر رمضان, وأنزل الإِنجيل على عيسى عليه السلام في ثمان عشرة ليلة من شهر رمضان, وأنزل القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم لأربع وعشرين خلت من شهر رمضان». رواه هشام بن عمار وأبو حفص بن شاهين عن علي بن عاصم عن عبد الله بن سعيد بن يحيى عن عبيد الله بن أبي حميد عنه.

759 - ورواه أبو حفص بن شاهين عن واثلة بن الأسقع مرفوعاً.
760 - وعن إسماعيل بن عياش, عن عبد الله بن دينار؛ قوله.
وقد تفسر بليلة ثلاث وعشرين؛ كما تقدم عن أيوب.
761 - وذلك لما روى بشر بن سعيد, عن عبد الله بن أنيس الجهني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أريت ليلة القدر ثم أنسيتها, وأراني صبيحتها أسجد في ماء وطين». قال: فمطرنا ليلة ثلاث وعشرين, فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم, فانصرف وإن أثر الماء والطين على جبهته وأنفه, وكان عبد الله بن أنيس يقول: ثلاث وعشرين. رواه أحمد ومسلم.
762 - وعن محمد بن إبراهيم, عن [ابن] عبد الله بن أنيس, عن أبيه؛ قال: قلت: يا رسول الل
ه! إن لي بادية أكون فيها, وأنا أصلي فيها بحمد الله؛ فمرني بليلة أنزلها إلى هذا المسجد. فقال: «انزل في ليلة ثلاث وعشرين». فقيل لابنه: كيف كان أبوك يصنع؟ قال: كان يدخل المسجد إذا صلى العصر, فلا يخرج منه لحاجة حتى يصلي الصبح, فإذا صلى الصبح؛ وجد دابته على باب المسجد, فجلس عليها فلحق بباديته. رواه أبو داوود.

763 - [و] [عن الزهري] , عن ضمرة بن عبد الله بن أنيس, عن أبيه؛ [قال: كنت في مجلس بني سلمة, وأنا أصغرهم] , فقالوا: من يسأل لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر؟ وذلك صبيحة إحدى وعشرين من رمضان, فخرجت, فوافيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة المغرب, ثم قمت بباب بيته, فمرَّ بي, فقال: «ادخل». فدخلت, فأتي بعشائه, فرأيتني أكف عنه من قلته, فلما فرغ؛ قال: «[ناولني] نعلي». فقام وقمت معه, فقال: «كأنَّ لك حاجة». قلت: أجل؛ أرسلني إليك رهط [من] بني سلمة يسألونك عن ليلة القدر؟ فقال: «كم الليلة؟». [فقلت:] اثنان وعشرون. قال: «هي الليلة». ثم رجع فقال: «أو القابلة»؛ يريد: ليلة ثلاث وع
شرين. رواه أبو داوود والنسائي.
764 - وعن معاذ بن عبد الله بن حبيب؛ قال: قالوا لعبد الله بن أنيس الجهني: يا أبا يحيى! حدثنا كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر في ليلة القدر المباركة؟ فقال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في مسجد جهينة, فقلنا: يا رسول الله! متى نلتمس هذه الليلة المباركة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «التمسوها [هذه] الليلة». فقال رجل: يا رسول الله! لثامنة تبقى؟ فقال: «ولكن لسابعة تبقى, إن الشهر لا يتم». رواه هدبة بن خالد وحسن والليث.
765 - وعن ابن عباس؛ قال: «أتيت وأنا نائم في رمضان, فقيل لي: إن الليلة ليلة القدر. فقمت وأنا ناعس, فتعلقت ببعض أطناب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي». فقال ابن عباس: «فنظرت في الليلة؛ فإذا هي ليلة ثلاث وعشرين». فقال ابن عباس: «إن الشيطان يطلع مع الشمس كل يوم؛ إلا ليلة القدر؛ فإنها تطلع يومئذ لا شعاع لها». رواه سعيد.
والذي يبين أن السابعة أرجى الليالي, وأنها سابعة تمضي أو تبقى:

766 - ما رواه أحمد, ثنا عبد الرزاق, ثنا معمر, عن قتادة وعاصم, أنهما سمعا عكرمة يقول: قال ابن عباس: «دعا عمر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, فسألهم عن ليلة القدر؟ فأجمعوا أنها في العشر الأواخر. فقلت لعمر رضي الله عنه: إني لأعلم (أو: إني لأظن) أي ليلة هي. قال: وأي ليلة هي؟ قال: قلت: سابعة تمضي أو سابعة تبقى من العشر الأواخر. قال: ومن أين تعلم؟ قال: خلق الله سبع سماوات وسبع أرضين وسبعة أيام, وإن الدهر يدور في سبع, وخلق الإِنسان ويأكل ويسجد على سبع, والطواف سبع, والجمار سبع. فقال عمر: لقد فطنت لأمر ما فطنّا له».

767 - وعن عاصم بن كليب, عن أبيه, عن خاله؛ قال: سأل عمر ابن الخطاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكان يسألني معهم, مع الأكابر منهم, ويقول لي: لا تتكلم حتى يتكلموا. فقال: علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في ليلة القدر: «اطلبوها في العشر الأواخر وتراً»؛ ففي أي الوتر ترون؟ قال: فأكثر القوم في الوتر. فقال: ما لك لا تتكلم يا ابن عباس؟ قال: قلت: إن شئت تكلم
ت برأيي. قال: عن رأيك أسألك. قال: قلت: رأيت الله تعالى أكثر ذكر السبع في القرآن, فذكر السماوات سبعاً, والأرضين سبعاً, والطواف سبعاً, والجمار سبعاً, وما شاء الله في ذلك, وخلق الإِنسان في سبعة, وجعل رزقه في سبعة. فقال: كل ما ذكرت عرفت؛ فما قولك: خلق الإِنسان من سبعة وجعل رزقه في سبعة؟ قال: خلق الإِنسان من سلالة من طين, ثم جعله نطفة في قرار مكين. . . إلى قوله: {خَلْقًا آخَرَ} [المؤمنون: آية 14] , ثم قرأ: {أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا. . .} إلى قوله: {وَأَبًّا} [عبس: آية 25 - 31] , والأب ما أنبتت الأرض مما لا يأكل الناس؛ فما أراها إلا ليلة ثلاث وعشرين لسبع بقين. قال عمر: غلبتموني, لا تأتوا بإجابة [كإجابة] هذا الغلام الذي لم تجتمع شؤون رأسه». رواه المحاملي.
ورواه أحمد في «مسنده» المرفوع عنه, عن الدورقي, عن ابن إدريس, عنه.

وقد تقدم حديث أبي سعيد في ليلة الحادي والعشرين, ونبه عليه أحمد بقوله: «تسع تبقى».
وهذه الأحاديث كلها تقتضي أنها تكون في هذه الليالي كلها, وقد كانت في عام من الأعوام في إحدى هذه الليالي, فتكون متنقلة في الليالي العشر.

وحكى هذا عن أحمد نفسه, وهو مقتضى ما ذكره القاضي وغير من أصحابنا.
ومن أصحابنا من قال: إنها ليلة واحدة في كل سنة لا تتغير, وزعم أنه مقتضى كلام أحمد, وليس بصحيح.
وبكل حال؛ فلا نجزم لليلة بعينها أنها ليلة القدر على الإِطلاق, بل هي مبهمة في العشر؛ كما دلت عليه النصوص.
وينبني على ذلك: أنه لو نذر قيام ليلة القدر؛ لزمه, ولم يجزه في غيرها, فيلزمه قيام ليالي العشر كلها؛ كمن نذر ونسى صلاة من يوم لا يعلم عينها, ولو علق عتاقاً أو طلاقاً بليلة القدر قبل دخول العشر؛ حكم به إذا انقضى العشر, إن كان في أثناء العشر؛ حكم به في مثل تلك الليلة من العام المقبل؛ إن قيل: لا تنتقل, وإن قيل: تنتقل؛ لم يحكم به حتى ينصرم العشر من العام القابل, وهو الصواب. والله أعلم.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 09-02-2023, 04:14 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,786
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان





شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
من صــ 676الى صــ 685
(44)
المجلد الثانى
كتاب الصيام
(14)



* فصل:
وعلامتها ما تقدم أن الشمس تطلع يومئذ لا شعاع لها, كأنها الطست حتى ترتفع, ذكر مع
نى ذلك مرفوعاً في حديث أبي وابن مسعود, وجاء عن ابن عباس أيضاً.
768 - وعن عبادة بن الصامت؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أمارة ليلة القدر أنها صافية [بلجة] , كأن فيها قمراً ساطعاً, ساكنة ساجية, لا برد فيها ولا حر, ولا يحل لكوكب أن يرمى به فيها حتى تصبح, وإن أمارتها أن الشمس صبيحتها تخرج مستوية ليس لها شعاع مثل القمر ليلة البدر, لا يحل للشيطان أن يخرج معها يومئذ». رواه أحمد.
769 - وعن حماد بن سلمة, عن حميد, عن الحسن: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
: «اطلبوا ليلة القدر في العشر الأواخر؛ التاسعة, والسابعة, والخامسة, وآخر ليلة, هي ليلة بلجة, لا حارة ولا باردة, ولا يرمى فيها بنجم, ولا ينبح فيها كلب». رواه هدبة بن خالد عنه.
770 - وعن عبيد بن عمير؛ قال: «كنت ليلة السابع والعشرين في البحر. فأخذت من مائه, فوجدته عذباً سلساً. . .».


* فصل:
ويستحب الاجتهاد في العشر مطلقاً.
771 - لما روي عن عائشة؛ قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر؛ أحيا الليل, وأيقظ أهله, وشد المئزر». متفق عليه.
وفي رواية لمسلم: «وجدَّ وشدَّ المئزر».
وفي رواية له: كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره.
772 - وعن علي؛ قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يوقظ أهله في العشر الأواخر م
ن رمضان». رواه أحمد والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
ورواه عبد الله بن أحمد, ولفظه: «إذا دخل العشر الأواخر؛ شد المئزر».

وفي لفظ: «رفع المئزر, وأيقظ نساءه».
قيل لأبي بكر بن عياش: ما رفع المئزر؟ قال: اعتزل
النساء.
773 - وعن عائشة: أنها قالت: يا رسول الله! أرأيت إن وافقت ليلة [القدر] ما أقول؟ قال: «[تقولين:] اللهم! إنك عفو تحب العفو فاعف عني». رواه الخمسة إلى أبا داود, وصححه الترمذي, ولفظه: قلت: يا رسول الله! إن علمت أي ليلة القدر؛ ما أقول؟ قال: قولي: (فذكره).
774 - ويحصل النصيب منها؛ لحديث أبي [ذر]؛ [فإنه] يقتضي أن قيامها يحصل بالقيام مع الإِمام.

775 - وعن مالك: أنه بلغه أن سعيد بن المسيب كان يقول: «من شهد العشاء
ليلة القدر؛ فقد أخذ بحظه».
776 - وعن الضحاك: «أنه قيل له: أرأيت النفساء والحائض والنائم والمسافر؛ هل لهم في ليلة القدر نصيب؟ قال: نعم؛ كل من تقبَّل الله عمله سيعطيه نصيبه من ليلة القدر لا يخيبه أبداً».
******
باب الاعتكاف

مسألة:
وهو لزوم مسجد لطاعة الله فيه.
جماع معنى الاعتكاف والاحتباس والوقوف والمقام.
يقال: عَكَفَ على الشيء يعكُف ويعكِف عُكوفاً, وربما قيل: عَكْفاً: إذا أقبل عليه مواظباً. ومنه قوله تعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} [الأعراف: آية 138]. وقوله سبحانه حكاية عن إبراهيم عليه السلام {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} [الأنبياء: 52] وقوله أيضاً: {قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ} [الشعراء: 71].
فعداه باللام؛ لأن المعنى: أنتم لها عابدون ولها قانتو
ن.
777 - ومرَّ علي رضي الله عنه بقوم يلعبون بالشطرنج, فقال: ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون؟!
ويقال: فلان عاكف على فرج حرام
وعكف حول الشيء: استداروا.
وقال الطرماح:

فَبَاتَ بَنَاتُ الَّيْلِ حَوْليَ عًكّفا عُكُوفَ البَواكِي بَيْنَهُنَّ صَرِيعُ ثم صار هذا في لسان الشرع عند الإِطلاق مختصّاً بالعكوف لله وعليه في بيته:
كما قال تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187].
وقال تعالى: {طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: آية 125].
وقال في موضع آخر: {لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ} [الحج: آية 26].
ولم يذكر العكوف لمن, وعلى مَن؛ لأن عكوف المؤمن لا ي
كون إلا لله.
ويستعمل متعدياً أيضاً, فيقال: عكفه يعكفُه ويعكِفه عكُفاً: إذا حبسه ووقفه؛ كما قال تعالى: {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} [الفتح: آية 25] , ويقال: ما عكفك عن كذا؟ أي: ما حبسك عنه, وعكف الجوهر في النظم.
والتاء في الاعتكاف تفيد ضرباً من المعالجة والمزاولة؛ لأن فيه كلفة؛ كما يقال: لست وألست, وعمل واعتمل, وقطع واقتطع.
وربما حسب بعضهم أنه مطاوع عكفه فاعتكف, كما يقال: انعكف عليه, وهو ضعيف.

ولما كان المرء لا يلزم ويواظب إلا من يحبه ويعظمه؛ كما كان المشركون يعكفون على أصناهم وتماثيلهم, ويعكف أهل الشهوات على شهواتهم؛ شرع الله سبحانه لأهل الإِيمان أن يعكفوا على ربهم سبحانه وتعالى.
وأخص البقاع بذكر اسمه سبحانه والعبادة له بيوته المبنية لذلك؛ فلذلك كان الاعتكاف ل
زوم المسجد لطاعة الله فيه.
ولو قيل: لعبادة الله فيه؛ كان أحسن؛ فإن الطاعة موافقة الأمر, وهذا يكون بما هو في الأصل عبادة؛ كالصلاة, وبما هو في الأصل غير عبادة, وإنما يصير عبادة بالنية؛ كالمباحات كلها؛ بخلاف العبادة؛ فإنها التذلل للإِله سبحانه وتعالى.
وأيضاً؛ فإن ما لم يؤمر به من العبادات, بل رغب فيه: هو عبادة, وإن لم يكن طاعة؛ لعدم الأمر.
ويسمى أيضاً الجوار والمجاورة.
778 - قالت عائشة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يُصغي إليَّ رأسه وهو مجاور في المسجد, فأرج
له وأنا حائض». رواه البخاري.
لأنه قد جاور الله سبحانه بلزوم بيته ومكاناً واحداً لعبادته:
779 - كما في الحديث: يقول الله تعالى: أنا جليس مَن ذكرني».
ويسمى المقام بمكة مجاورة؛ لأنه مجاور بيت الله؛ كما يجاور الرجل بيت الرجل.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 10-02-2023, 11:35 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,786
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان





شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
من صــ 686الى صــ 695
(45)
المجلد الثانى
كتاب الصيام
(15)



مسألة:
وهو سنة لا يجب إلا بالنذ
ر.
في هذا فصلان:
أحدهما: أن الاعتكاف سنة وقربة بالكتاب والسنة والاِجماع: أما الكتاب:
فقوله تعالى: {طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: آية 125].
وقوله في الآية الأخرى: {وَالْقَائِمِينَ} [الحج: آية 26].

وقوله سبحانه: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِ
دِ} [البقرة: آية 178].
وأما السنة:780 - فروى ابن عمر؛ قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان».
781 - وعن عائشة؛ قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى, ثم اعتكف أزواجه من بعده». متفق عليهما.

782 - وقد تقدم حديث أبي سعيد: «أنه اعتكف هو وأصحابه العشر الأوسط والآخر».
وفي رواية: «اعتكف العشر الأول أيضاً».
783 - وكان يعتكف أزواجه معه.

وفاته الاعتكاف عاماً فاعتكف في العام القاب
ل عشرين.
وتركه مرة في رمضان فاعكتف العشر الأول من شوال.
وهذا كله يدل على محافظته صلى الله ع
ليه وسلم.
وأجمع المسلمون على أنه قربة وعمل صا
لح.
وأيضاً؛ ففيه من القرب والمكث في بيت الله, وحبس النفس على عبادة الله, وإخلاء القلب من الشواغل عن ذكر الله, والتخلي لأنواع العبادات المحضة من [التفكر] وذكر الله وقراءة القرآن والصلاة والدعاء والتوبة والاستغفار إلى غير ذلك من أنواع القرب.
784 - وقد روي عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في المعتكف: «هو يعكف الذنوب, ويجري له من الحسنات كعامل الحسنات كلها». رواه ابن ماجه.

وهو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن المعتكف قد حبس الذنوب ووقفها, وامتنع منها؛ فلا تخلص إليه.
785 - كما قال: «الصوم جنة».
وقد تهيأ لجميع العبادات.

فإن قيل: هذا الحديث فيه فرقد السبخي, وقد تكلم فيه, ولهذا قال أبو داوود: قلت لأحمد: تعرف في فضل الاعتكاف شيئاً؟ قال: لا؛ إلا شيئاً ضعيفاً. وكذلك تقل أبو طالب.
قيل: فرقد السبخي رجل صالح, قد كتب الناس أحاديثه, وأحاديث الترغيب والترهيب يت
سامح في أسانيدها؛ كما قال أحمد: إذا جاء الترغيب والترهيب؛ سهلنا, إذا جاء الحلال والحرام؛ شددنا.
وقول أحمد: «إلا شيئاً ضعيفاً»: إشارة إلى أن إسناده ليس قويّاً, وهذا القدر قدر لا يمنع الاحتجاج به في الأحكام؛ فكيف في الفضائل.
786 - وقد روى إسحاق بن راهوية, عن أبي الدرداء؛ قال: «من اعتكف ليلة؛ كان له كأجر عمرة, و
من اعتكف ليلتين؛ كان له كأجر عمرتين. . .» ثم ذكر على قدر ذلك.
الفصل الثاني: أنه ليس بواجب في الشرع, بل يجب بالنذر, وهذا إجماع.
قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الاعتكاف لا يجب على الناس فرضاً؛ إلا أن يوجب المرء على نفسه الاعتكاف نذراً, فيجب عليه.
وهذا لأن الله لم يوجبه ولا رسوله, وكان أكثر الناس لا يعتكفون على عهد النبي صلى الله عليه وسلم, فلم يأمرهم به.

787 - بل قال لهم لما اعتكف العشر الأوسط: «إني أتيت, فقيل لي: إنها في العشر الأواخر؛ فمن أحب منكم أن يعتكف؛ فليعتكف».
وترك الاعتكاف مرة, وهو مقيم, ثم قضاه في شوال.

وأما وجوبه بالنذر:
788 - فلما روت عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من نذر أن يطيع الله؛ فليطعمه, ومن نذر أن يعصي الله؛ فلا يعصيه».
789 - وعن عمر: أنه قال: يا رسول الله! إني نذرت أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام. فقال: - «أوف بنذرك». متفق عليهما.
قال أبو بكر: ويستحب أن لا يدع أحد [الاعتكاف في العشر الأواخر] من شهر رمضان؛ لأن النبي
صلى الله عليه وسلم داوم عليه وقضاه لما فاته, وكل ما واظب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من السنن المؤكدة؛ كقيام الليل ونحوه.
وإذا شرع في الاعتكاف؛ ينوي مدة من الزمان؛ لم يلزم بالشروع عند أصحابنا.
ولو قطعه [مُدّة]؛ لم يلزمه قضاؤه؛ لأن من أصلنا المشهور: أنه لا يلزم بالشروع إلا الإِحرام, لكن يستحب له إتمامه, وأن يقضيه إذا قطعه.

وكذلك أيضاً لو كان له ورد من الاعتكاف, ففاته؛ استحب قضاؤه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك اعتكاف العشر الأواخر من شهر رمضان لما ضرب أزواجه الأخبية, ثم قضاه من شوال, ولم يأمر أزواجه بالقضاء؛ لأنه لم يكن من عادتهن, وإنما عزَمْنَ عليه ذلك العام, ولأن قضاءه غير واجب؛ ولأنهن لم يكن شرعْنَ فيه, وهو صلى الله عليه وسلم كان قد شرع فيه؛ لأن المسجد كله م
وضع للاعتكاف, وهو قد دخل المسجد حين صلى بالناس, فالظاهر أنه نوى الاعتكاف من حينئذ؛ لأنه لم يكن في نيته الخروج منه بعد ذلك.
790 - وعن أبي بن كعب رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان, فلم يعتكف عاماً, فلما كان العام المقبل؛ اعتكف عشرين ليلة». رواه أحمد وأبو داوود وابن ماجه.
وفي لفظ: «سافر عاماً, فلما كان العام المقبل؛ اعتكف
عشرين».
791 - وعن أنس؛ قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان, فلم يعتكف عاماً, فلما كان في العام المقبل؛ اعتكف عشرين».
رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح غريب.

ورواه أحمد, ولفظه: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان مقيماً؛ اعتكف العشر الأواخر من رمضان, فإذا سافر؛ اعتكف من العام المقبل عشرين».
ويتخرج أن يلزم بالشروع قياساً على الرواية التي في الصوم والصلاة, لكن قد يفرق. . . .
فإن قيل: إذا كان له الخروج منه, ثم له أن يدخل فيه متى شاء؛ فما معنى قولهم: يحر
م على المعتكف كذا, ويجب عليه كذا؟!
قيل: له فوائد:
إحداها: أن المحرمات في الاعتكاف من المباشرة والخروج من المسجد لغير حاجة, و
إنما له أن يفعلها إذا نوى ترك الاعتكاف, فيكون قد فعله على وجه الترك للاعتكاف, فلا يكون حين فعله معتكفاً.
أما أن يستديم نية الاعتكاف ويفعل ذلك؛ فلا يحل له ذلك, بل يكون قد اتخذ آيات الله هزواً, ويكون بمنزلة الحائض إذا أمسكت تعتقد الصوم [صحيحاً] , وبمنزلة ما لو تكلم أو أحدث في الصلاة أو أكل في الصوم مع بقاء اعتقاد الصل
اة, وهذا لأن العبادة التي ليست واجبة, إذا أراد أن يفعلها؛ فإنه يجب أن يفعلها على الوجه المشروع, وليس له أن يُخل بأركانها وشروطها, وإنْ كان له تركها بالكلية, ولو لم يستدم النية ذكراً ولا نوى الخروج منه.
الثانية: انه إذا فعل ما ينافيه من خروج ومباشرة؛ انقطع الاعتكاف, فلو أراد أن يعود إليه؛ كان اعتكافاً ثانياً, يحتاج إلى تجديد نية, ولا يكفيه استصحاب حكم النية الأولى, حتى إنا إذا لم نجوز الاعتكاف أقل [من يوم] فاعتكف بعض يوم, ثم قطعه, ثم أراد أن يتمه باقي اليوم؛ لم يصح ذلك؛ كما لو أصبح صائماً فأكل, ثم أراد أن يتم الصوم.

الثالثة: أنه إذا نذر الاعتكاف معيناً أو مطلقاً؛ صارت هذه الأمور واجبة عليه, وحرم عليه ما ينافي الاعتكاف بكل حال؛ كما لو نذر صوماً معيناً أو مطلقاً أو صلاة مؤقتة أو مطلقة.
وإن لم ينو مدّة, لكن قال: أقعد ما بدا لي, أو إلى أن يكون كذا. . . .
وإذا أبطل الاعتكاف؛ لم يبطل ما مضى منه. قاله بعض أصحابنا.
وكذلك قال القاضي في التطوع, وهذا ينبني على أقل الاعتكاف. . . .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 11-02-2023, 10:33 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,786
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان



شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
من صــ 696الى صــ 705
(46)
المجلد الثانى
كتاب الصيام
(16)





* فصل:
ولا يصح الاعتكاف إلا من مسلم عاقل؛ لأن الكافر والمجنون ليسا من أهل العبادة.
فأما الصبي. . . .
* فصل:

قال أصحابنا: ليس للرقيق قِنّاً كان أو مدبراً أو أم ولد الاعتكاف بغير إذن السيد, ولا للزو
جة الاعتكاف بدون إذن الزوج؛ لأن منافع العبد والزوجة مستحقة للسيد والزوج, وفي الاعتكاف تعطيل منافعهم عليه, فإن أذن له في الاعتكاف؛ اعتكف ما شاء, ولم يخرج إلى الجمعة؛ لأنها غير واجبة على أحد منهم.

فإن أراد السيد أو الزوج منع من أذن له بعد الدخول فيه؛ فله ذلك؛ لأنه تطوع, والخروج منه جائز. هكذا قال أصحابنا.
ويتخرج على قولنا: إن التطوع يلزم بالشروع: أنه ليس أن يخرجهما منه. . . .
فإذا كان نذراً, وقد دخل فيه بإذنه؛ لم يكن له أن يخرجه منه؛ كما لو أذن له في الإِحرام والصيام والواجب, سواء كان معيناً أو مطلقاً. . . .
وإن دخل في النذر بغير إذنه, و [هو قد] كان نذره بإذنه, [وهو معين؛ لم يملك منعه,
وإن كان نذره بإذنه] , وهو غير معين؛ ففيه وجهان.
وإن لم يأذن في النذر؛ فقيل: له منعه منه وقطعه عليه؛ لأنه لا يملك تفويت حقه. وقيل:. . .
وأما المكاتب؛ فله أن يعتكف بدون إذن سيده؛ لأنه لا يستحق منافعه؛ كما له أن يحج في ال
منصوص عنه إذا لم يحل نجم في غيبته؛ لأنه بمنزلة المدين.
والمعتق بعضه ليس له أن يعتكف إلا أن يكون بينه وبين السيد [مهاياة] , فيعتكف في أيامه خاصة.
مسألة:
ويصح من المرأة في كل مسجد, ولا يصح من الرجل إلا في مسجد تقام فيه الجماعة, واعت
كافه في مسجد تقام فيه الجمعة أفضل.
في هذا الكلام فصول:
الأول: أن الاعتكاف لا يصح إلا في مسجد, ويصح في كل مسجد في الجملة, سواء ف
ي ذلك مساجد الأنبياء, وهي المساجد الثلاثة أو غيرها؛ لأن الله تعالى قال: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: آية 187].
فلم ينه عن المباشرة إلا من عكف في المسجد, وتخصيصه بالذكر يقتضي أن ما عداه بخلافه, وتبقى مباشرة العاكف في غير المسجد على الإِباحة.

وإذا لم يكن العاكف في غير المسجد منهيّاً عن المباشرة؛ علم أنه ليس باعتكاف شرعي؛ لأنا لا نعني بالاعتكاف الشرعي إلا ما تحرم معه المباشرة؛ كما أنا لا نعني بالصوم الشرعي إلا ما حرم فيه الكل والشرب, ولأن كل معتك
ف تحرم عليه المباشرة؛ فلو كان المقيم في غير المسجد معتكفاً؛ لحرمت عليه المباشرة كغيره.
فإن قيل: فقوله تعالى: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}: دليل على أنه قد يكون عاكفاً في غير المسجد؛ لأن التقييد بالصفة [بما لولا هو] لدخل في المطلق.
قلنا: لا ريب أن كل مقيم في مكان ملازم له فهو عاكف كما تقدم, لكن الكلام في النوع الذي شرعه الله ت
عالى؛ كما أن كل ممسك يسمى صائماً, وكل قاصد يسمى متيمماً, ثم لما أمر الله تعالى بتيمم الصعيد وأمر بالإِمساك عن المفطرات؛ صار ذلك هو النوع المشروع.
على أن الصفة قد تكون للتبيين والإِيضاح؛ كما في قوله تعالى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [المؤمنون: آية 117] , وقوله: وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [البقرة: آية 61] , ونحو ذلك.

فإن قيل: فلو لزم الإِنسان بقعة, يعبد الله تعالى فيها خالياً من الناس أو غير خال, مثل كهف أو غار أو بيت أو شعب؛ فهل يشرع ذلك ويستحب؟. . . .
قيل: أما إذا قصد مكاناً خالياً. . . .
وإنما جاز في كل مسجد؛ لأن الله سبحانه عمَّ المساجد بالذكر, ولم يخص مسجداً دون مسجد, وهو اسم جمع, معرف باللام, والمباشرة نكرة في سياق النفي, فيكون معنى الكلام: لا تفعلوا شيئاً من المباشرة وأنتم عاكفون في
مسجد من المساجد.
وله أن يلزم بقعة بعينه لاعتكافه, وإن كره ذلك لغيره؛ لأن الاعتكاف عبادة واحدة؛ فلزوم المكان لأجلها كلزومه لصلاة واحدة وإقراء قرآن في وقت ونحو ذلك, وقيامه منه لحاجة لا تسقط حقه منه؛ لأن مَن قام
من مجلس [ثم] عاد إليه؛ فهو أحق به.
وأصل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في موضع بعينه من المسجد.
792 - قال نافع: «قد [أراني] ابن العمر الموضع الذي كان يعتكف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد». رواه مسلم.
الفصل الثاني: أن المسجد هو المكان المبني للصلوات الخمس, وبيت قناديله وسطحه منه, وحوائطه, والمنارة المبنية في حيطانه أو داخله.
فلو اعتكف فيها أو صعد عليها؛ جاز عند أصحابن
ا.
قال أصحابنا: ويستحب الأذان لكل أحد, ونحن للمعتكف أشد استحباباً, وإن كانت متصلة بحائط المسجد, وهي خارجة عن سمت حائط المسجد؛ فهي منه كالمحرا
ب.
قال القاضي: كلها منه منفصلة أو متصلة. . . .
وإن كانت المنارة خارج المسجد وخارج رحبته, فخرج المعتكف للتأذين فيها؛ ففيه وجهان:
أحدهما: لا يبطل؛ لأنها مبنية للمسجد, فأشبهت المتصلة به.
والثاني: يبطل.

قال ابن عقيل: وهو الشبه؛ لأنها ليست من المسجد.
وأما الرحبة: ففيها روايتان:
إحداهما: هي من المسجد.
قال في رواية المروذي: يخرج المعتكف إلى الرحبة, هي من المسجد.
والثانية: ليست منه.

قال في رواية ابن الحكم: إذا سمع أذان العصر في رحبة المسجد الجامع؛ انصرف ولم يصل, ليس هو بمنزلة المسجد, حدّ المسجد هو الذي جعل عليه حائط وباب.
793 - وهذا لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المعتكف
ات إذا حضن أن يقمن في رحاب المسجد.
قال القاضي: إن كانت محوطة عن الطريق, وعليها أبواب؛ فهي تابعة للمسجد.
وإن كانت [مشروعة] عن الطريق وغير محازة؛ مثل: رحاب جامع المنصور, ورحاب جامع دمشق؛ فحكمها حكم الطريق, لا يجوز الخروج إليها لغير حاجة.

فإن قلنا: الرحبة من المسجد؛ فكذلك المنارة التي فيها.
وإن قلنا: ليست هي منه؛ ففي الخروج إلى المنارة التي فيها وجهان.
الفصل الثالث: أمنه لا يصح اعتكاف الرجل إلا في مسجد تقام فيه الصلوات الخمس جماعة, سواء كانت الجماعة تتم بدون المعتكف أو لا تتم إلا به, حتى لو اعتكف رجلان في مسجد, فأقاما به الجماعة؛ جاز.
فإن رجا أن يجمع فيه, وغلب على ظنه ذلك, مثل إن نوى أن يؤذن فيه, فيجيء من يصلي معه؛ صار مسجد جماعة.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 16-02-2023, 10:56 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,786
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان





شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
من صــ 746الى صــ 755
(51)
المجلد الثانى
كتاب الصيام
(21)


مسألة:
ومن نذر الاعتكاف أو الصلاة في مسجد؛ فله فعل ذلك في غيره؛ إلا المساجد الثلاثة, فإذا نذر ذلك في المسجد الحرام؛ لزمه, وإذا نذره في مسجد المدينة؛ فله فعله في المسجد الحرام وحده, وإن نذره في المسجد الأق
صى؛ فله فعله فيهما.
في هذا الكلام مسائل:المسألة الأولى: إذا نذر الصلاة والاعتكاف في مسجد بعينه غير المساجد الثلاثة؛ فله فعل ذلك فيه وفي غيره من المساجد.
وكذلك لو نذر فعل ذلك بزاوية من المسجد؛ فله فعله في ز
اوية أخرى.
فإن اعتكف في مسجد؛ لم يجز له الخروج منه إلى غيره؛ لأنه خروج
لما له منه بد.
فإن خرج لحاجة, فأتم اعتكافه في مسجد مرَّ به؛ جاز, وإن كان أبعد من حاجته؛ لم يجز فيما ذكره أصحابنا؛ لأنه لا يجب بالنذر إلا ما كان قربة قبل النذر.
835 - لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من نذر أن يطيع الله؛ فليطعه».

وليس قصد مسجد بعينه دون غيره طاعة؛ إلا المساجد الثلاثة.
وإن كان الصفة التي يمتاز بها مسجد عن مسجد أمراً مباحاً؛ لم يجب الوفاء.
لكن إذا صلى واعتكف في غير المسجد الذي عينه؛ فهل يلزمه كفارة يمين؟ على وجهين.
ولو اعتكف في غير مسجد, مثل السوق ونحوه؛ لم يجزه؛ لأن المساجد لها مزية
على سائر البقاع.
ولو صلى في بيته؛ ففيه وجهان:أحدهما: يجزيه؛ لأنه قد عادل فضل الصلاة في المسجد فضل النافلة في البيت.
836 - وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «أفضل صلاة المرء في بيته؛ إلا المكتوبة».
والثاني: لا يجزيه؛ لأن المسجد أفضل من غيره, وإنما فضلت الصلاة في البيت لأجل الإِخفاء. قال القاضي: وإذا أخفى النافلة في المسجد وفي بيته؛ كانت التي أخفاها في المسجد أفضل من التي أخفاها في بيته.
فإن كان المسجد المنذور فيه عتيقاً؛ ففيه وجهان. . . .
وسواء كان أبعد عن داره أو لم يكن؛ كما لو نذر الصلاة في المسجد الأقصى وهو بالمدينة؛ أجزأته الصلاة في مسجد المدينة.
وإن نذره في المسجد الجامع؛ فقال القاضي: يجوز أن يعتكف في غيره.
وإن نذر أن يصلي المكتوبة في جماعة؛ لزمه ذلك.
فإن صلى منفرداً؛ صحت صلاته, وبقي عليه إثم النذر. ذكره القاضي, فيجب عليه.

وقال أبو طالب: سألت أبا عبد الله عن رجل نذر أن يصلي في بيت المقدس, ثم خرج إلى مكة أو المدينة؛ أجزأته الصلاة؟ قال: نعم. قلت: ولا يخرج إلى بيت المقدس؟ قال: نعم؛ حديث ابن عمر: «أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بوفاء النذور» , وقال الله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [الإِنسان: آية 7]. قلت: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «صل ههنا» للذي نذر أن يصلي في بيت المقدس
. قال: نعم.
738 - لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام».
فإنما أمره النبي صلى الله عليه وسلم لأنه أفضل من بيت المقدس, وما كان سوى المسجد الحرام ومسجد المدينة؛ لم يجزه إلا الوفاء به.
وظاهر. . . .
المسألة الثانية: أنه إذا نذر الصلاة والاعتكاف في المسجد الحرام؛ لم يجزه إلا فيه, وإن نذره في مسجد ا
لنبي صلى الله عليه وسلم؛ لم يجزه إلا فيه أو في المسجد الحرام, وإن نذره في المسجد الأقصى؛ لم يجزه إلا في أحد الثلاثة. نص أحمد على ذلك كله.
838 - لما روى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن رجلاً قال يوم الفتح: يا رسول الله! إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس. فقال: «صل ههنا». فسأله, فقال: «صل ههنا». فسأله فقال: «فشأنك إذاً». رواه أحمد وأبو داوود. واحتج به أحمد.

839 - عن رجل من الأنصار: أن رجلاً جاء يوم الفتح, فقال: يا نبي الله! إني نذرت لأن فتح الله للنبي والمؤمنين مكة لأصلين في بيت المقدس. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ههنا فصل». فقال الرجل قوله هذا ثلاث مرات, كل ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ههنا فصل». ثم قال في الرابعة مقالته هذه, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اذهب فصلِّ فيه, فوالذي بعث محمداً بالحق؛ لو صليت ههنا؛ لقضى ذلك كل صلاة في بيت المقدس». رواه أحمد.

وإنما أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة في المسجد الحرام لفضله, وأن الصلاة فيه تقضي عنه الصلاة في بيت المقدس؛ كما بين ذلك, وكما فهمه عنه أصحابه.
840 - فروى ابن عباس أن امرأة شكت شكوى, فقالت: إن شفاني الله لأخرجن فلأصلين في بيت المقدس, فبرأت, ثم تجهزت تريد الخروج, فجاءت ميمونة تسلم عليها, وأخبرتها بذلك, فقالت: اجلسي فكلي ما صنعت وصلي في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «صلاة فيه أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا مسجد الكعبة».
رواه أحمد ومسلم.
وأيضاً فإن أفضل المساجد المسجد الحرام, ثم مسجد النبي صلى الله عليه وسلم, ثم المسجد الأق
صى.
841 - لما روى أبو هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام». رواه الجماعة إلا أبا داوود.
842 - وعن ابن عمر؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه؛ إلا المسجد الحرام». رواه مسلم وغيره.
وقد تقدم عن ميمونة مثله.

843 - وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام, وصلاة في المسجد الحرام أفضل من ألف صلاة فيما سواه». رواه أحمد وابن ماجه من حديث عبيد الله بن عمرو الرقي عن عبد الكريم عن عطاء عن جابر.
844 - وعن عبد الله بن الزبير, عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه؛ إلا المسجد الحرام, وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة في هذا». رواه أحمد. وقال ابن عبد البر: هو أحسن حديث روي في ذلك.
845 - وعن أبي الدرداء؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فضل الصلاة في المسجد الحرام على غ
يره مائة ألف صلاة, وفي مسجدي ألف صلاة, وفي بيت المقدس خمس مئة صلاة». رواه البزار وقال: هذا حديث حسن.
وإذا كان كذلك؛ فمن نذر الصلاة في المسجد الحرام مثلاً؛ فقد نذر مائة ألف صلاة, فلا يجزئ عنها صلاة أو خمس مئة صلاة أو ألف صلاة.
ومن نذر في المسجد الأقصى وصلى في المسجد الحرام؛ فقد أتى بأفضل من المنذور من جنسه.
وأيضاً؛ فإن كل ما كان مرغباً في فعله؛ وجب بالنذر؛ كالحج والعمرة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «من نذر أن يطيع الله؛ فليطعه».
846 - وهذا مرغب فيه؛ لما روى أبو هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى اله عليه وسلم: «لا تشد الرحال إل
ا إلى ثلاث مساجد: المسجد الحرام, ومسجدي هذا, والمسجد الأقصى». متفق عليه.
وفي رواية لمسلم: «إنما يسافر إلى ثلاث مساجد».
847 - وعن أبي سعيد, عن النبي صلى الله عليه وسلم: نحو الأول. رواه البخاري.
والمسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم قد زيد فيهما في عهد الخلفاء الراشدين وخلفاء بني أمية وبني العباس.
فإذا صلى في المزيد. . . .

* فصل:
وإذا نذر المشي إلى بيت المقدس أو إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم؛ انعقد نذره, ولزمه ذلك, وكان موجبه الصلاة فيه.
قال أحمد: إذا نذر المشي إلى بيت المقدس: هو مثل المشي إلى بيت الله الحرام.
* فصل:

فأما إن نذر الصوم بمكان بعينه؛ أجزأه الصوم بكل مكان. قاله أصحابنا.
وهل يلزمه كفارة لفوات التعيين؟
وإن نذر الذبح أو الصدقة بمكان بعينه. . . .
* فصل:
فأما الأزمنة:
إذا نذر صوماً في وقت بعينه؛ تعين كما تقدم.
وإن نذر الصلاة في وقت بعينه. . . .

وإن نذر الاعتكاف في وقت بعينه. . . .


* فصل:
وإذا أراد أن يعتكف العشر الأواخر أو شهر رمضان ونحو ذلك؛ فإنه يدخل معتكفه قبل غروب الشمس من أول ليلة؛ لأنه لا يكون معتكفاً جميع العشر أو جميع الشهر إلا باعتكاف أول ليلة منه, لا سيما هي إحدى الليالي التي يلتمس فيها ليلة القدر.
قال أبو عبد الله في رواية الأثرم: وقيل له: متى يدخل معتكفه؟ فقد كنت أحب له أن يدخل معتكفه بالليل حتى يبيت في معتكفه, ولكن حديث عمرة عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل إذا صلى الغداة.
[وذكر حنبل] مثل حديث عمرة عن عائشة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل الاعتكاف إذا صلى الغداة».
فيدخل المعتكف قبل غروب الشمس, فيكون يبتدئ ليلة ويخرج منه إلى المصلى.
وقال في رواية أبي طالب: إذا أراد أن يعتكف؛ دخل من صلاة المغرب, فيعتكف اليوم والليلة. قلت: ما تقول أنت؟ قال: إن قال: أيام؛ اعتكف من صلاة الفجر, إنما ذكر الأيام, وإن كان يريد الشهر؛ فمن صلاة المغرب من أول الشهر, إنما هو زيادة خير. قال أبو بكر: وبهذا أقول.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 17-02-2023, 10:58 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,786
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان





شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
من صــ 756الى صــ 765
(52)
المجلد الثانى
كتاب الصيام
(22)



848 - ويدل على ذلك ما روى أبو سعيد؛ قال: اعتكفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشر الأوسط من رمضان, فخرجنا صبيحة عشرين. قال: فخطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة عشرين, فقال: «إني رأيت ليلة القدر, وإني أنسيتها, فالتمسوها في العشر الأواخر في وتر؛ فإني رأيت إني أسجد في ماء وطين, ومن كان اعتكف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فليرجع».
فرجع الناس إلى المسجد, وما نرى في السماء قزعة. قال: فجاءت سحابة, فمطرت, وأقيمت الصلاة, فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطين والماء, حتى رأيت الطين في أرنبته وجبهته. رواه البخاري.
وفي لفظ له: «من كان اعتكف معي؛ فليعتكف العشر الأواخر؛ فقد رأيت هذه الليلة ثم أنسيتها».
وقد بين صلى الله عليه وسلم أن من اعتكف العشر الأواخر؛ فإنه يعتكف ليلة إحدى وعشرين.
وعنه: فيمن يعتكف العشر: أنه يدخل بعد صلاة الصبح أو قبل طلوع الفجر على الروايتين في اليوم.

وقد ذكر ابن أبي موسى رواية فيمن أراد اعتكاف شهر: أنه يدخل قبل طلوع الفجر من أوله. وسيأتي إن شاء الله.
849 - فإن قيل: فقد روي عن عائشة رضي الله عنها: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف؛ صلى الفجر, ثم دخل معتكفه, وأنه أمر بخبائه, فضرب, ثم أراد الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان». متفق عليه.

قلنا: قد أجيب عن ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد أن يعتكف الأيام لا الليالي, ويشبه والله أعلم أن يكون دخوله معتكفه صبيحة العشرين قبل الليلة الحادية والعشرين؛ فإنه ليس في حديث عائشة أنه كان يدخل معتكفه صبيحة إحدى
وعشرين, وإنما ذكرت أنه كان يدخل المعتكف بعد صلاة الفجر, مع قولها: «إنه أمر بخبائه فضرب, ثم أراد الاعتكاف في العشر الأواخر». والعشر صفة لليالي لا للأيام؛ فمحال أن يريد الاعتكاف في الليالي العشر وقد مضت ليلة منها, وإنما كون ذلك إذا استقبلها بالاعتكاف, وقد ذكرت أنه اعتكف عشراً قضاء للعشر التي تركها, وإنما يقضي عشراً من كان يريد أن يعتكف عشراً.
وفي حديث أبي سعيد: «أنه لما كان صبيحة عشرين؛ أمر الناس بالرجوع إلى المسجد»؛ فقد علم من عادته أنه يدخل المعتكف نهاراً, يستقبل العشر الذي يعتكفه, ويؤيد ذلك أنه لم يكن يدخل معتكفه إلا بعد صلاة الفجر, وقد مضى من النهار جزء,
مع أنه لم يكن يخرج من منزله إلى المسجد حتى يصلي ركعتي الفجر في بيته, وهذا لا يكون مستوعباً للنهار أيضاً.
وذكر القاضي فقال: يحتمل أنه كان يفعل ذلك في اليوم العشرين استظهاراً ببياض يوم زيادة قبل دخول العشر الأواخر, وقد نقل عن هذا عنه.
850 - فروت عمرة عن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يجاور صبيحة عشرين من رمضان».
فثبت أن المر على ما تأولنا.


* فصل:
ومن نذر اعتكاف ليلة؛ لم يلزمه يومها.
وإن نذر اعتكاف يوم؛ لم تلزمه ليلته.
قال في رواية علي بن سعيد: وقيل له: مالك يقول: إذا نذر أن يعتكف ليلة؛ فعليه أن يعتكف يوماً وليلته. فقال أحمد: هذا خلاف ما أوجبه على نفسه.

وعليه أن يعتكف يوماً متصلاً أو ليلة متصلة, وليس له أن يفرق الاعتكاف في ساعات من أيام؛ لأن اليوم المطلق عبارة عن بياض نهار متصل, وكذلك الليلة المطلقة عبارة عن سواد ليلة متصلة.
فإن قال: عليَّ أن أعتكف يوماً من وقتي هذا, وكان في بعض نهار؛ لزمه الاعتكاف من ذلك الوقت إلى مثله, ويدخل فيه الليل؛ لأنه من نذره, وإنما لزمه بعض يومين لتعيينه.

فإن كان المنذور ليلة؛ دخل معتكفه قبل الغروب, أو خرج منه بعد طلوع الفجر الثاني.
وإن كان يوماً؛ لزمه - إذا قلنا: ليس من شرط الاعتكاف الصوم- أن يدخل معتكفه قبل طلوع الفجر, ويخرج منه بعد غروب الشمس؛ لأن اليوم والليلة يتعاقبان, وآخر الليلة طلوع الفجر, فهو أول اليوم. هذا هو المشهور من المذهب
.
وروي عنه: يدخل معتكفه وقت صلاة الفجر, ويخرج منه بعد غروب الشمس؛ لحديث عائشة المتقدم, ولأن اليوم محقق إنما هو من طلوع الشمس, وقبل ذلك مشترك بين اليوم والليلة؛ فقد يتبع هذا تارة ويتبع هذا تارة.
وإن نذر اعتكاف شهر بعينه؛ دخل معتكفه قبل غروب الشمس من أول ليلة في الشهر, فإذا طلع هلال الشهر الثاني؛ خرج من معتكفه, فإن طلع الهلال نهاراً؛ لم يخرج من الاعتكاف في المشهور عنه, بناء على الاحتياط في الهلال المرئي نهاراً, وعلى أنه للمستقبلة بكل حال, وإن قلنا: هو للماضية؛ خرج. هذا هو المنصوص عنه المشهور عند أصحابه.

قال ابن أبي موسى: وقيل عنه فيمن أراد اعتكاف شهر: أن يدخل معتكفه قبل طلوع الفجر من أوله, ويخرج منه بعد غروب الشمس من آخره.
ووجه هذا من حديث عائشة: [أنه بنى] على أن الاعتكاف لا يكون إلا بصوم, وإنما يصح في الليل تبعاً للنهار, أو أول ليلة من الشهر, ليس بصيام,فلا يبتدئ الاعتكاف في وقت لا يصلح للصوم.
وإن قيل: إن الصوم فيه مستحب؛ فقد يقال: يحمل القصد والنذر على الوجه الأحسن الأكمل, وهو ما فيه صوم, وإن كان شهراً مطلقاً. . . .
وإن نذر اعتكاف عشرة أيام متتابعة إما مطلقة أو معينة:
فذكر أبو بكر وابن عقيل فيها روايتين:

إحداهما: وهي الصريحة: أنه لا يدخل فيه الليلة الأولى؛ كما نقله أبو طالب, وهي اختيار أبي بكر وابن عقيل والقاضي أخيراً. وفرق أحمد وأبو بكر بين الأيام والشهر, سواء كانت الأيام معينة أو مطلقة.

والرواية الثانية: يدخل أول ليلة على وجه التبع؛ لأن الأيام تذكر ويدخل فيها الليالي, وليست صريحة.
وذكر القاضي عن أصحابنا طريقين:
أحدهما: لا تدخل الليلة الأولى لا في المطلقة ولا في المعينة. على رواية أبي طالب والأثرم, وهذا اختياره في «خلافه».
والثانية: (تدخل). وهي قوله في «المجرد»
.
وقال القاضي في «المجرد» وابن عقيل: إن عيَّن أياماً من الشهر, مثل أن يقول: أعتكف العشر الأواخر من رم
ضان, أو [عيَّن] نذراً نذره أو تطوع به؛ فهذا يلزمه أن يدخل ليلة الحادي والعشرين؛ لأن الليلة تابعة ليومها, فلزمه أن يأتي بالتابع كالليالي التي تتخلل الأيام؛ فههنا هو عبارة عن أول اليوم.
قال: وعلى هذا يحمل كلامه في رواية أبي طالب والأثرم.

وإن قال: عليَّ أن أعتكف هذه العشر أو العشر الأواخر من رمضان؛ فعلى ما ذكره القاضي: هو مثل أن يقال: هذه الأيام. حتى قال في «خلافه»: لو نذر اعتكاف عشر بعينه, كالعشر الأواخر من رمضان؛ لم يدخل ليلة العشر فيه. وغيره: تدخل الليلة هنا, وإن لم يدخل في لفظ الأيام.

وإذا نذر اعتكاف العشر؛ لم يكن له أن يخرج إلى هلال شوال. ذكره القاضي. وإن كان العشر عبارة عن الليالي؛ لأن بياض نهار كل يوم يدخل في ليلته, ويجزيه, سواء كان الشهر تامّاً أو ناقصاً؛ لأنه إذا أطلق العشر؛ فإنما يفهم منه ما بين العشر الأوسط وهلال شوال.
ولو نذر اعتكاف عشر مطلق أو عشرة أيام؛ لم يجزه إلا عشرة تامة, فإذا اعتكف العشر الآخر من رمضان, وكان ناقصاً؛
لزمه أن يعتكف يوم العيد.
وإذا نذر عشراً مطلقاً, أو عشر ليال؛ فهل يلزمه بياض اليوم الذي يلي آخر ليلة؟. . . .


* فصل:
وإذا نذر اعتكاف شهر مطلق؛ أجزأه ما بين الهلالين إن كان ناقصاً.
وإن كان شرع في أثناء شهر؛ لزمه استيفاء ثلاثين يوماً, فإن شرع في أثناء يوم. . . .
وإن قال: ثلاثين يوماً؛ لم يجزه إلا ثلاثين, فإذا كان ناقصاً؛ فعليه يوم آخر.

وإذا نذر اعتكاف شهر؛ لزمه أن يعتكف شهراً متتابعاً, سواء قلنا فيمن نذر صوم شهر يلزمه التتابع أم لا. قاله القاضي وأصحابه. لأن الاعتكاف يصح بالليل والنهار, فاقتضى التتابع؛ كمدة الإِيلاء والعِنَّة.
وإذا حلف لا يكلمه شهر وعليه الصوم. . . .
ومن أصحابنا من خرج في هذه المسألة وجهين؛ قياساً على مَن نذر أن يصوم شهراً: هل يلزمه التتابع أو يجوز له التفريق؟ على روايتين.
لأنها عبادة يجوز فعلها متتابعة ومفرقة, فأشبهت الصوم, والأول أجود؛ لأنه لو نذر اعتكاف عشر؛ لزمه متتابعاً, وإن جاز
تفريقه؛ فكذلك الشهر.
وإذا نذر اعتكاف ثلاثين يوماً؛ فقال القاضي: يلزمه التتابع كما يلزمه في الشهر؛ كما لو حلف لا يكلمه عشرة أيام.
فعلى هذا إن نذر اعتكاف ليلتين:

فقال: يحتمل أن يلزمه ليلتان ويوم.
وقال أبو الخطاب: يجوز أن يفرقهما, وإن أوجبنا التتابع في لفظ الشهر؛ لأن أحمد فرق ب
ين اللفظين في نذر الصيام:
فقال في رواية ابن الحكم في رجل قال: لله عليَّ أن أصوم عشرة أيام: يصومها متتابعاً. وإذا قال: شهراً؛ فهو متتابع, وإذا قال: ثلاثين يوماً؛ فله أن يفرق.
فعلى هذا: إن نذر اعتكاف عشرة أيام؛ تلزمه متتابعة كما يلزمه الصوم.
وقال ابن عقيل عن أحمد: الفرق بين الأيام والشهر, فأوجب التتابع في الشهر دون الأيام.
وزعم القاضي أنه لا فرق بين ثلاثين يوماً وعشرة أيام. قال: ولعله سهو من الراوي.

وليس كما قال؛ لأن عدول الحالف عن لفظ (شهر) إلى لفظ (ثلاثين يوماً) , مع أنه أصل, وهو خلاف المعتاد: دليل على أنه أراد معنى يختص به؛ بخلاف لفظ عشرة أيام؛ فإنه ليس لها إلا لفظ واحد, والمطلق في القرآن من الصوم محمول على التتابع؛ فكذلك في كلام الآدميين.

وإذا وجب التتابع؛ لزمه اعتكاف الليالي التي تتخلل الأيام, فأما ليلة أول يوم؛ فلا تلزمه؛ مثل أن يقول: لله عليَّ اعتكاف يومين. فتجب الليلة التي بينهما دون التي قبلهما, هذا هو المشهور. وعلى الرواية المذكورة.
قيل: تجب الليلة التي قبل.

قال ابن عقيل: ويتخرج وجوب يومين بلا ليلة أصلاً؛ كما لو أفرد؛ لأن ليلة اليوم الأول لما لم يلزم أن تدخل في اعتكافه؛ كذلك ليلة اليوم الثاني.
وأما إذا لم يجب التتابع؛ فإنما تجب عشرة أيام بلا ليال. ذكره ابن عقيل وغيره. كما لو قال: عليَّ أن أعتكف يوماً؛ فإن اليو
م اسم لبياض النهار خاصة, وهذا كله عند الإِطلاق.
فإن نوى شيئاً أو شرطه بلفظه؛ عمل بمقتضاه قولاً واحداً. . . .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 18-02-2023, 10:43 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,786
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان





شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
من صــ 766الى صــ 775
(53)
المجلد الثانى
كتاب الصيام
(23)





* فصل:
وإذا نذر اعتكاف يوم يقدم فلان؛ انعقد نذره؛ لأنه نذر قربة, يمكنه الوفاء ببعضها, كما لو نذر صوم يوم يقدم فلان؛ فإن قدم ليلاً؛ لم يلزم النذر؛ لفوات الشرط, وإن قدم نهاراً؛ اعتكف ما بقي من النهار, ولم يلزمه قضاء ما مضى قبل قدوم
ه؛ كما لو قال: لله عليَّ أن أعتكف أمس.
وإن قدم والناذر عاجزاً عن الاعتكاف لمرض أو حبس أو نحو ذلك؛ فعليه مع الكفارة قضاء ما بقي من النهار دون ما مضى؛ لأنه لم يجب عليه إلا اعتكاف ما بقي. هذا قول القاضي وأصحابه وأبو محمد وغيرهم من المتأخرين.
[من شرط] الصوم؛ فإنه يلزمه القضاء, ولا يصح اعتكاف بعض يوم عن نذره؛ لعدم شرطه, و
هو النذر.
وعلى الوجه الآخر؛ يجزيه اعتكاف ما بقي منه إذا كان صائماً.

واصل هذا أن عندهم مقتضى النذر في الصوم والاعتكاف الفعل فيما بقي من الزمان بعد القدوم, وأما ما وجد قبل القدوم؛ فليس بواجب عليه, لكن لما لم يمكن في الصوم أن يصام بعض يومه؛ لزمه صوم يوم كامل, حتى إذا كان قد أصبح صائماً متطوعاً؛ أجزأه تمام ما بقي من نذره.
وقال أبو بكر: إذا قدم في بعض النهار؛ كان عليه كفارة يمين والقضاء, ولا معنى لإِتمامه
من يوم آخر.
وحكاه عن أحمد؛ كما قد نص أحمد في غير موضع في الصوم على مثل ذلك.
وهذا لأن لفظ الناذر اقتضى اعتكاف جميع اليوم كما اقتضى صوم جميع اليوم, وقد تعذر ذلك؛ فعليه القضاء في الاعتكاف, كما عليه قضاء الصوم والكفارة لفوات المعين. . . .

مسألة:

ويستحب للمعتكف الاشتغال بالقرب واجتناب ما لا يعنيه من قول أو فعل.
فيه فصلان:
أحدهما: أن الذي ينبغي للمعتكف أن يشتغل بالعبادات المحضة التي بينه وبين الله تعالى؛ مثل: القرآن, وذكر الله تعالى, والدعاء, والاستغفار, والصلاة والتفكر, ونحو ذلك.

فأما العبادات المتعلقة بالناس؛ مثل: إقراء القرآن, والتحديث, وتعليم العلم, وتدريسه, والمناظرة فيه, ومجالسة أهله: إذا قصد به وجه الله تعالى, لا المباهاة؛ فقال الآمدي: هل الأفضل للمعتكف أن يشتغل بإقراء القرآن والفقه أو يشتغل بنفسه؟ على روايتين:
إحداهما: يشتغل بإقراء الفقه. وهذا اختيار الآمدي وأبي الخطاب؛ لأن هذا يتعدَّى نفعه إلى الناس, وما تعدى نفعه من الأعمال أفضل مما اقتصر نفعه على صاحبه.

والثانية: لا يستحب له ذلك. وهذا هو المشهور عنه, وعليه جمهور أصحابنا؛ مثل: أبي بكر, والقاضي, وغيرهما.
قال القاضي والشريف وغيرهما: يكره ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اعتكف؛ دخل معتكفه, واشتغل بنفسه, ولم يجالس أصحابه, ولم يحادثهم كما كان يفعل قبل الاعتكاف, ولو كان ذلك أفضل؛ لفعله, ولأن الاعتكاف هو من جنس الصلاة والطواف, ولهذا قرن الله تعالى بينهما في قوله: {طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: آية 125].
ولما كان في الصلاة والطواف شغل عن كلام الناس, وكذلك الاعتكاف, وذلك أنها عبادة شرع لها المسج
د, فلا يستحب الإِقراء حين التلبس بها كالصلوات والطواف.
قال القاضي: لا خلاف أنه يكره أن يهدي القرآن وهو يصلي أو يطوف, كذلك الاعتكاف, ولأن العكوف على الشيء هو الإِقبال عليه على وجه المواظبة, ولا يحصل ذلك للعاكف إلا بالتبتل إلى الله سبحانه وترك الاشتغال بشيء آخر.

وأما كون النفع المتعدي أفضل؛ فعنه أجوبة:
أحدها: أنه لا يلزم من كون الشيء أفضل أن يكون مشروعاً في كل عبادة, بل وضع الفاضل في
غير موضعه يجعله مفضولاً, وبالعكس.
ولهذا؛ قراءة القرآن أفضل من التسبيح, وهي مكروهة في الركوع والسجود, ولهذا لا يشرع هذا في الصلاة والطواف, وإن كانا أفضل من الصلاة والطواف النافلتين.
الثاني: أن كونهما أفضل يقتضي الاشتغال بهما عن الاعتكاف.
قال الآمدي: لا تختلف الرواية أن من أراد أن يبتدئ الاعتكاف؛ فتشاغله بإقراء القرآن أفضل من تشاغله بالاعتكاف.
قال أحمد في رواية المروذي؛ وقد سئل عن رجل يقرئ في المسجد, ويريد أن يعتكف؟ فقال: إذا فعل هذا؛ كان لنفسه, وإذا قعد؛ كان له ولغيره, يقرئ أعجب إليَّ.

وفي لفظ: لا يتطيب المعتكف, ولا يقرئ في المسجد وهو معتكف, وله أن يختم في كل يوم, فإذا فعل ذلك؛ كان لنفسه, وإذا قعد في المسجد؛ كان له ولغيره, يقعد في المسجد يقرئ أحب إليَّ من أن يعتكف.
الثالث: أن النفع المتعدي ليس أفضل مطلقاً, بل ينبغي للإِنسان أن يكون له ساعات يناجي فيها ربه, ويخلو فيها بنفسه ويحاسبها, ويكون فعله ذلك أفضل من اجتماعه بالناس ونفعهم, ولهذا كان خلْوة الإِنسان في الليل بربه أفضل من اجتماعه بالناس. . . .


* فصل:
قال أحمد في رواية ابن حرب: المعتكف إذا أراد أن ينام؛ نام متربعاً؛ لئلا [تبطل] عليه الطهارة, فإذا كان نهاراً, وأراد أن ينام؛ فلا بأس أن يستند إلى سارية, ويكون ماء طهارته معلوماً؛ لئلا يقوم من نومه وليس معه ماء
.
قال علي بن حرب: إنما أراد أحمد أن يكون ماؤه معلوماً, لا يكون يستيقظ يشتغل قلبه بالطلب.
قال أبو بكر: لا ينام إلا عن غلبة, ولا ينام مضطجعا, ويكون الماء منه قريباً؛ لأن الله سمى العاكف قائ
ماً, والقائم هو الواقف للشيء المراعي له, والنوم يضيع ذلك عليه, ولأن العكوف على الشيء هو القيام عليه على سبيل الدوام, وذلك لا يكون من النائم.
نعم؛ يفعل منه ما تدعو إليه الضرورة؛ كما يخرج من المسجد لضرورة.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اعتكف العشر الأواخر؛ أحيا الليل كله, وشد المئزر.
فإن شق عليه النوم قاعداً:

851 - عن نافع, عن ابن عمر رضي الله عنهما: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اعتكف؛ طرح له فراش, ويوضع له سريره وراء أسطوانة [التوبة]». رواه ابن ماجه.

*الفصل الثاني:
أنهه ينبغي له اجتناب ما لا يعنيه من القول والعمل؛ فإن هذا مأمور به في كل وقت.
852 - لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه
». رواه أبو داود.
وقال أحمد في رواية المروذي: يجب على المعتكف أن يحفظ لسانه, ولا يؤويه إلا سقف المسجد, ولا ينبغي له إذا اعتكف أن يخيط أو يعمل.
قال أصحابنا: ولا يستحب له أن يتحدث بما أحب, وإن لم يكن مأثماً, ويكره لكل أحد السباب والجدال والقتال والخصومة, وذلك للمعتكف أشد كراهة.
853 - قال علي رضي الله عنه: «أيما رجل اعتكف؛ فلا يساب ولا يرفث في الحديث,
ويأمر أهله بالحاجة (أي: وهو يمشي) , ولا يجلس عندهم». رواه أحمد.
قالوا: ويجوز الحديث ما لم يكن إثماً.
854 - لحديث صفية: أنها زارت النبي صلى الله عليه وسلم ليلاً في معتكفه فحدثته.

قال أحمد في رواية الأثرم: لا بأس أن يقول للرجل: اشتر لي كذا, واصنع كذا.
وفي معنى ذلك ما يأمر به مما يحتاجه أو يأمر بمعروف من غير إطالة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان معتكفاً؛ أطلع رأسه من القبة, وقال: «من كان اعتكف معي؛ فليعتكف العشر الأواخر. . .» الحديث, وتحدث مع
صفية بنت حُيي.
قالوا: فإن خالف وخاصم أو قاتل؛ لم يبطل اعتكافه؛ لأن ما لا يبطل العبا
دة مباحه لا يبطلها محظوره؛ كالنظر, وعكسه الجماع.
فأما الصمت عن كل كلام؛ فليس بمشروع في دين الإِسلام.
قال ابن عقيل: يكره الصمت إلى الليل.
وقال غيره من أصحابنا: بل يحرم مداومة الصمت.
والأشبه: أنه عن صمت عن كلام واجب - كأمر بمعروف ونهي عن منكر وتعين عليه ونحو ذلك -؛ حرم, وإن سكت عن مستحب أو فرض قام به غيره - كتعليم العلم والإِصلاح بين الناس ونحو ذلك -؛
فهو مكروه.
فإن أراد المعتكف أن يفعل ذلك؛ لم يستحب ل
ه ذلك, وهو مكروه أو محرم.
855 - وذلك لما روي عن علي رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: «لا صمات يوم إلى الليل». رواه أبو داوود.
856 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً قائماً في الشمس, فقال: «منْ هذا؟». قالوا: هذا أبو إسرائيل؛ نذر أن يقوم في الشمس ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم. فقال: «مروه فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه». رواه البخاري.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 188.26 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 182.37 كيلو بايت... تم توفير 5.88 كيلو بايت...بمعدل (3.13%)]