|
هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الخامس تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(357) الحلقة (371) صــ 421 إلى صــ 440 [ ص: 421 ] القول في تأويل قوله ( فقد استمسك بالعروة الوثقى ) قال أبو جعفر : " والعروة " في هذا المكان ، مثل للإيمان الذي اعتصم به المؤمن ، فشبهه في تعلقه به وتمسكه به بالمتمسك بعروة الشيء الذي له عروة يتمسك بها ، إذ كان كل ذي عروة فإنما يتعلق من أراده بعروته . وجعل - تعالى ذكره - الإيمان الذي تمسك به الكافر بالطاغوت المؤمن بالله من أوثق عرى الأشياء بقوله : " الوثقى " " والوثقى " " فعلى " من " الوثاقة " . يقال في الذكر : " هو الأوثق " وفي الأنثى : " هي الوثقى " كما يقال : " فلان الأفضل ، وفلانة الفضلى " . وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 5847 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " بالعروة الوثقى " قال : الإيمان . 5848 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله . 5849 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : " العروة الوثقى " هو الإسلام . 5850 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا سفيان ، عن أبي السوداء ، عن جعفر - يعني ابن أبي المغيرة - عن سعيد بن جبير قوله : " فقد استمسك بالعروة الوثقى " قال : لا إله إلا الله . [ ص: 422 ] 5851 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن أبي السوداء النهدي ، عن سعيد بن جبير مثله . 5852 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك : " فقد استمسك بالعروة الوثقى " مثله . القول في تأويل قوله ( لا انفصام لها ) قال أبو جعفر : يعني - تعالى ذكره - بقوله : " لا انفصام لها " لا انكسار لها . " والهاء والألف " في قوله : " لها " عائد على " العروة " . ومعنى الكلام : فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله ، فقد اعتصم من طاعة الله بما لا يخشى مع اعتصامه خذلانه إياه ، وإسلامه عند حاجته إليه في أهوال الآخرة ، كالمتمسك بالوثيق من عرى الأشياء التي لا يخشى انكسار عراها . وأصل " الفصم " الكسر ، ومنه قول أعشى بني ثعلبة : ومبسمها عن شتيت النبات غير أكس ولا منفصم [ ص: 423 ] وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 5853 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " لا انفصام لها " قال : لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم . 5854 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله . 5855 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " لا انفصام لها " قال : لا انقطاع لها . القول في تأويل قوله ( والله سميع عليم ( 256 ) ) قال أبو جعفر : يعني - تعالى ذكره - : " والله سميع إيمان المؤمن بالله وحده الكافر بالطاغوت عند إقراره بوحدانية الله ، وتبرئه من الأنداد والأوثان التي تعبد [ ص: 424 ] من دون الله . " عليم " بما عزم عليه من توحيد الله وإخلاص ربوبيته قلبه ، وما انطوى عليه من البراءة من الآلهة والأصنام والطواغيت ضميره ، وبغير ذلك مما أخفته نفس كل أحد من خلقه ، لا ينكتم عنه سر ، ولا يخفى عليه أمر ، حتى يجازي كلا يوم القيامة بما نطق به لسانه ، وأضمرته نفسه ، إن خيرا فخيرا ، وإن شرا فشرا . القول في تأويل قوله : ( الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات ) قال أبو جعفر : يعني - تعالى ذكره - بقوله : " الله ولي الذين آمنوا " نصيرهم وظهيرهم ، يتولاهم بعونه وتوفيقه " يخرجهم من الظلمات " يعني بذلك : يخرجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان . وإنما عنى ب " الظلمات " في هذا الموضع الكفر . وإنما جعل " الظلمات " للكفر مثلا ؛ لأن الظلمات حاجبة للأبصار عن إدراك الأشياء وإثباتها ، وكذلك الكفر حاجب أبصار القلوب عن إدراك حقائق الإيمان والعلم بصحته وصحة أسبابه . فأخبر - تعالى ذكره - عباده أنه ولي المؤمنين ، ومبصرهم حقيقة الإيمان وسبله وشرائعه وحججه ، وهاديهم ، فموفقهم لأدلته المزيلة عنهم الشكوك ، بكشفه عنهم دواعي الكفر ، وظلم سواتره [ عن ] أبصار القلوب . [ ص: 425 ] ثم أخبر - تعالى ذكره - عن أهل الكفر به ، فقال : " والذين كفروا " يعني الجاحدين وحدانيته " أولياؤهم " يعني نصراؤهم وظهراؤهم الذين يتولونهم " الطاغوت " يعني الأنداد والأوثان الذين يعبدونهم من دون الله " يخرجونهم من النور إلى الظلمات " يعني ب " النور " الإيمان ، على نحو ما بينا " إلى الظلمات "ويعني ب " الظلمات " ظلمات الكفر وشكوكه الحائلة دون أبصار القلوب ورؤية ضياء الإيمان وحقائق أدلته وسبله . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل : ذكر من قال ذلك : 5856 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور " يقول : من الضلالة إلى الهدى " والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت " الشيطان : " يخرجونهم من النور إلى الظلمات " يقول : من الهدى إلى الضلالة . 5857 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك : " الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور " الظلمات : الكفر ، والنور : الإيمان " والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات " يخرجونهم من الإيمان إلى الكفر . 5858 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، في قوله - تعالى ذكره - : " الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور " يقول : من الكفر إلى الإيمان " والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات " يقول : من الإيمان إلى الكفر . [ ص: 426 ] 5859 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن عبدة بن أبي لبابة ، عن مجاهد أو مقسم في قول الله : " الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات " قال : كان قوم آمنوا بعيسى ، وقوم كفروا به ، فلما بعث الله محمدا - صلى الله عليه وسلم - آمن به الذين كفروا بعيسى ، وكفر به الذين آمنوا بعيسى أي : يخرج الذين كفروا بعيسى إلى الإيمان بمحمد - صلى الله عليه وسلم - " والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت " آمنوا بعيسى وكفروا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - قال : " يخرجونهم من النور إلى الظلمات " . 5860 - حدثنا المثنى قال : حدثنا الحجاج بن المنهال قال : حدثنا المعتمر بن سليمان قال : سمعت منصورا ، عن رجل ، عن عبدة بن أبي لبابة قال في هذه الآية : " الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور " إلى " أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون " قال : هم الذين كانوا آمنوا بعيسى ابن مريم ، فلما جاءهم محمد - صلى الله عليه وسلم - كفروا به ، وأنزلت فيهم هذه الآية . قال أبو جعفر : وهذا القول الذي ذكرناه عن مجاهد وعبدة بن أبي لبابة [ ص: 427 ] يدل على أن الآية معناها الخصوص ، وأنها - إذ كان الأمر كما وصفنا - نزلت فيمن كفر من النصارى بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وفيمن آمن بمحمد - صلى الله عليه وسلم - من عبدة الأوثان الذين لم يكونوا مقرين بنبوة عيسى ، وسائر الملل التي كان أهلها يكذب بعيسى . فإن قال قائل : أوكانت النصارى على حق قبل أن يبعث محمد - صلى الله عليه وسلم - فكذبوا به ؟ قيل : من كان منهم على ملة عيسى ابن مريم - صلى الله عليه وسلم - فكان على حق ، وإياهم عنى الله - تعالى ذكره - بقوله : ( يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله ) [ النساء : 136 ] . فإن قال قائل : فهل يحتمل أن يكون قوله : " والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات " أن يكون معنيا به غير الذين ذكر مجاهد وعبدة : أنهم عنوا به من المؤمنين بعيسى ، أو غير أهل الردة والإسلام ؟ . قيل : نعم يحتمل أن يكون معنى ذلك : والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يحولون بينهم وبين الإيمان ، ويضلونهم فيكفرون ، فيكون تضليلهم إياهم حتى يكفروا إخراجا منهم لهم من الإيمان ، يعني صدهم إياهم عنه ، وحرمانهم إياهم خيره ، وإن لم يكونوا كانوا فيه قبل ، كقول الرجل : " أخرجني والدي من ميراثه " إذا ملك ذلك في حياته غيره ، فحرمه منه حظه ولم يملك ذلك القائل هذا [ ص: 428 ] الميراث قط فيخرج منه ، ولكنه لما حرمه ، وحيل بينه وبين ما كان يكون له لو لم يحرمه ، قيل : " أخرجه منه " وكقول القائل : " أخرجني فلان من كتيبته " يعني لم يجعلني من أهلها ، ولم يكن فيها قط قبل ذلك . فكذلك قوله : " يخرجونهم من النور إلى الظلمات " محتمل أن يكون إخراجهم إياهم من الإيمان إلى الكفر على هذا المعنى ، وإن كان الذي قاله مجاهد وغيره أشبه بتأويل الآية . فإن قال لنا قائل : وكيف قال : " والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور " فجمع خبر " الطاغوت " بقوله : " يخرجونهم " " والطاغوت " واحد ؟ قيل : إن " الطاغوت " اسم لجماع وواحد ، وقد يجمع " طواغيت " . وإذا جعل واحده وجمعه بلفظ واحد ، كان نظير قولهم : " رجل عدل ، وقوم عدل " " ورجل فطر وقوم فطر " وما أشبه ذلك من الأسماء التي تأتي موحدا في اللفظ واحدها وجمعها ، وكما قال العباس بن مرداس : فقلنا أسلموا إنا أخوكم فقد برئت من الإحن الصدور قال أبو جعفر : يعني - تعالى ذكره - بذلك : هؤلاء الذين كفروا " أصحاب النار " أهل النار الذين يخلدون فيها - يعني في نار جهنم - دون غيرهم من أهل الإيمان ، إلى غير غاية ولا نهاية أبدا . القول في تأويل قوله ( ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك ) قال أبو جعفر : يعني - تعالى ذكره - بقوله : " ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه " ألم تر يا محمد بقلبك . " الذي حاج إبراهيم " يعني الذي خاصم [ ص: 430 ] " إبراهيم " يعني : إبراهيم نبي الله - صلى الله عليه وسلم - " في ربه أن آتاه الله الملك " يعني بذلك : حاجه فخاصمه في ربه ؛ لأن الله آتاه الملك . وهذا تعجيب من الله - تعالى ذكره - نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم - من الذي حاج إبراهيم في ربه . ولذلك أدخلت " إلى " في قوله : " ألم تر إلى الذي حاج " وكذلك تفعل العرب إذا أرادت التعجيب من رجل في بعض ما أنكرت من فعله قالوا : " ما ترى إلى هذا " ؟ ! والمعنى : هل رأيت مثل هذا ، أو كهذا ؟ ! . وقيل : إن " الذي حاج إبراهيم في ربه " جبار كان ببابل يقال له : نمروذ بن كنعان بن كوش بن سام بن نوح وقيل : إنه نمروذ بن فالخ بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح . ذكر من قال ذلك : 5861 - حدثني محمد بن عمرو ، حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : " ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك " قال : هو نمروذ بن كنعان . 5862 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله . 5863 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو نعيم ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد مثله . 5864 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن النضر بن عربي ، عن مجاهد مثله . [ ص: 431 ] 5865 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه " قال : كنا نحدث أنه ملك يقال له نمروذ ، وهو أول ملك تجبر في الأرض ، وهو صاحب الصرح ببابل . 5866 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة قال : هو اسمه نمروذ ، وهو أول ملك تجبر في الأرض ، حاج إبراهيم في ربه . 5867 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : " ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك " قال : ذكر لنا أن الذي حاج إبراهيم في ربه كان ملكا يقال له نمروذ ، وهو أول جبار تجبر في الأرض ، وهو صاحب الصرح ببابل . 5868 - حدثنا موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : هو نمروذ بن كنعان . 5869 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : هو نمروذ . 5870 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق مثله . 5871 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر قال : أخبرني زيد بن أسلم بمثله . 5872 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : أخبرني عبد الله بن كثير أنه سمع مجاهدا يقول : هو نمروذ . قال ابن جريج : هو نمروذ ، ويقال إنه أول ملك في الأرض . [ ص: 432 ] القول في تأويل قوله ( إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين ( 258 ) ) قال أبو جعفر : يعني - تعالى ذكره - بذلك : ألم تر يا محمد إلى الذي حاج إبراهيم في ربه حين قال له إبراهيم : " ربي الذي يحيي ويميت " يعني بذلك : ربي الذي بيده الحياة والموت ، يحيي من يشاء ويميت من أراد بعد الإحياء . قال : أنا أفعل ذلك ، فأحيي وأميت ، أستحيي من أردت قتله فلا أقتله ، فيكون ذلك مني إحياء له وذلك عند العرب يسمى " إحياء " كما قال - تعالى ذكره - : ( ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ) [ سورة المائدة : 32 ] وأقتل آخر ، فيكون ذلك مني إماتة له . قال إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - : فإن الله الذي هو ربي يأتي بالشمس من مشرقها ، فأت بها - إن كنت صادقا أنك إله - من مغربها ! قال الله - تعالى ذكره - : " فبهت الذي كفر " يعني انقطع وبطلت حجته . يقال منه : " بهت يبهت بهتا " . وقد حكي عن بعض العرب أنها تقول بهذا المعنى : " بهت " . ويقال : " بهت الرجل " إذا افتريت عليه كذبا " بهتا وبهتانا وبهاتة " . وقد روي عن بعض القرأة أنه قرأ : " فبهت الذي كفر " بمعنى : فبهت إبراهيم الذي كفر . [ ص: 433 ] وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 5873 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة في قوله : " إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت " وذكر لنا أنه دعا برجلين ففتل أحدهما واستحيا الآخر ، فقال : أنا أحيي هذا ! أنا أستحيي من شئت ، وأقتل من شئت ! قال إبراهيم عند ذلك : " فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب " " فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين " . 5874 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : " أنا أحيي وأميت " أقتل من شئت ، وأستحيي من شئت ، أدعه حيا فلا أقتله . وقال : ملك الأرض مشرقها ومغربها أربعة نفر : مؤمنان وكافران ، فالمؤمنان : سليمان بن داود وذو القرنين ، والكافران : بختنصر ونمروذ بن كنعان ، لم يملكها غيرهم . 5875 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن زيد بن أسلم : أول جبار كان في الأرض نمروذ . فكان الناس يخرجون فيمتارون من عنده الطعام ، فخرج إبراهيم يمتار مع من يمتار ، فإذا مر به ناس قال : من ربكم ؟ قالوا : أنت ! حتى مر إبراهيم ، قال : من ربك ؟ قال : الذي يحيي ويميت ؟ قال : أنا أحيي وأميت ! قال إبراهيم : فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب ! فبهت الذي كفر . قال : فرده بغير طعام . قال : فرجع إبراهيم على أهله . فمر على كثيب أعفر ، فقال : ألا آخذ من هذا فآتي به [ ص: 434 ] أهلي فتطيب أنفسهم حين أدخل عليهم ! فأخذ منه فأتى أهله . قال : فوضع متاعه ثم نام ، فقامت امرأته إلى متاعه ، ففتحته فإذا هي بأجود طعام رآه أحد ، فصنعت له منه ، فقربته إليه ، وكان عهد أهله ليس عندهم طعام ، فقال : من أين هذا ؟ قالت : من الطعام الذي جئت به ! فعلم أن الله رزقه ، فحمد الله . ثم بعث الله إلى الجبار ملكا أن آمن بي وأتركك على ملكك ! قال : وهل رب غيري ؟ ! فجاءه الثانية ، فقال له ذلك ، فأبى عليه . ثم أتاه الثالثة فأبى عليه ، فقال له الملك : اجمع جموعك إلى ثلاثة أيام ! فجمع الجبار جموعه ، فأمر الله الملك ، ففتح عليه بابا من البعوض ، فطلعت الشمس ، فلم يروها من كثرتها ، فبعثها الله عليهم فأكلت لحومهم ، وشربت دماءهم ، فلم يبق إلا العظام ، والملك كما هو لم يصبه من ذلك شيء . فبعث الله عليه بعوضة ، فدخلت في منخره ، فمكث أربعمائة سنة يضرب رأسه بالمطارق ، وأرحم الناس به من جمع يديه وضرب بهما رأسه . وكان جبارا أربعمائة عام ، فعذبه الله أربعمائة سنة كملكه ، وأماته الله . وهو الذي بنى صرحا إلى السماء فأتى الله بنيانه من القواعد ، وهو الذي قال الله : ( فأتى الله بنيانهم من القواعد ) [ النحل : 26 ] . 5876 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قول الله : " ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه " قال : هو نمروذ كان بالموصل والناس يأتونه ، فإذا دخلوا عليه ، قال : من ربكم ؟ فيقولون : أنت ! [ ص: 435 ] فيقول : أميروهم . فلما دخل إبراهيم ، ومعه بعير خرج يمتار به لولده . قال : فعرضهم كلهم ، فيقول : من ربكم ؟ فيقولون : أنت ! فيقول : أميروهم ! حتى عرض إبراهيم مرتين ، فقال : من ربك ! ؟ قال : ربي الذي يحيي ويميت ! قال : أنا أحيي وأميت ، إن شئت قتلتك فأمتك ، وإن شئت استحييتك . قال إبراهيم : فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب ، فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين " . قال : أخرجوا هذا عني فلا تميروه شيئا ! فخرج القوم كلهم قد امتاروا ، وجوالقا إبراهيم يصطفقان . حتى إذا نظر إلى سواد جبال أهله قال : ليحزني صبيتي إسماعيل وإسحاق ، لو أني ملأت هذين الجوالقين من هذه البطحاء ، فذهبت بهما ، قرت عينا صبيتي ، حتى إذا كان الليل أهرقته ! قال : فملأهما ، ثم خيطهما ، ثم جاء بهما . فترامى عليهما الصبيان فرحا ، وألقى رأسه في حجر سارة ساعة ، ثم قالت : ما يجلسني ! قد جاء إبراهيم تعبا لغبا ، لو قمت فصنعت له طعاما إلى أن يقوم ! قال : فأخذت وسادة فأدخلتها مكانها ، وانسلت قليلا قليلا لئلا توقظه . قال : فجاءت إلى إحدى الغرارتين ففتقتها ، فإذا حوارى من النقي لم يروا مثله عند أحد قط ، فأخذت منه فعجنته وخبزته ، فلما أتت توقظ إبراهيم جاءته حتى وضعته بين يديه ، فقال : أي شيء هذا [ ص: 436 ] يا سارة ؟ قالت : من جوالقك ، لقد جئت وما عندنا قليل ولا كثير قال : فذهب ينظر إلى الجوالق الآخر فإذا هو مثله ، فعرف من أين ذاك . 5877 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قال : لما قال له إبراهيم : ربي الذي يحيي ويميت قال هو - يعني نمروذ : فأنا أحيي وأميت فدعا برجلين ، فاستحيا أحدهما ، وقتل الآخر ، قال : أنا أحيي وأميت قال : أي أستحيي من شئت . فقال إبراهيم : فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب " فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين " . 5878 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : لما خرج إبراهيم من النار ، أدخلوه على الملك ، ولم يكن قبل ذلك دخل عليه فكلمه ، وقال له : من ربك ؟ قال : ربي الذي يحيي ويميت قال نمروذ : أنا أحيي وأميت ! أنا أدخل أربعة نفر بيتا ، فلا يطعمون ولا يسقون ، حتى إذا هلكوا من الجوع أطعمت اثنين وسقيتهما فعاشا ، وتركت اثنين فماتا . فعرف إبراهيم أن له قدرة بسلطانه وملكه على أن يفعل ذلك ، قال له إبراهيم : فإن ربي الذي يأتي بالشمس من المشرق ، فأت بها من المغرب ! فبهت الذي كفر . وقال : إن هذا إنسان مجنون ! فأخرجوه ، ألا ترون أنه من جنونه اجترأ على آلهتكم فكسرها ، وأن النار لم تأكله ! وخشي أن يفتضح في قومه أعني نمروذ وهو قول الله - تعالى ذكره - : ( وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه ) [ سورة الأنعام : 83 ] ، فكان يزعم أنه رب وأمر بإبراهيم فأخرج . 5879 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : أخبرني عبد الله بن كثير أنه سمع مجاهدا يقول : قال : أنا أحيي وأميت ، أحيي فلا أقتل ، وأميت من قتلت قال ابن جريج ، كان أتى [ ص: 437 ] برجلين ، فقتل أحدهما ، وترك الآخر ، فقال : أنا أحيي وأميت ، قال : أقتل فأميت من قتلت ، وأحيي قال : استحيي فلا أقتل . 5880 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثني محمد بن إسحاق قال : ذكر لنا - والله أعلم - أن نمروذ قال لإبراهيم فيما يقول : أرأيت إلهك هذا الذي تعبد وتدعو إلى عبادته ، وتذكر من قدرته التي تعظمه بها على غيره ، ما هو ؟ قال له إبراهيم : ربي الذي يحيي ويميت . قال نمروذ : فأنا أحيي وأميت ! فقال له إبراهيم : كيف تحيي وتميت ؟ قال : آخذ رجلين قد استوجبا القتل في حكمي ، فأقتل أحدهما فأكون قد أمته ، وأعفو عن الآخر فأتركه وأكون قد أحييته ! فقال له إبراهيم عند ذلك : فإن الله يأتي بالشمس من المشرق ، فأت بها من المغرب أعرف أنه كما تقول ، فبهت عند ذلك نمروذ ، ولم يرجع إليه شيئا ، وعرف أنه لا يطيق ذلك . يقول - تعالى ذكره - : " فبهت الذي كفر " يعني وقعت عليه الحجة يعني نمروذ . قال أبو جعفر : وقوله : " والله لا يهدي القوم الظالمين " يقول : والله لا يهدي أهل الكفر إلى حجة يدحضون بها حجة أهل الحق عند المحاجة والمخاصمة ؛ لأن أهل الباطل حججهم داحضة . وقد بينا أن معنى " الظلم " وضع الشيء في غير موضعه ، والكافر وضع جحوده ما جحد في غير موضعه ، فهو بذلك من فعله ظالم لنفسه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال ابن إسحاق . [ ص: 438 ] 5881 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثني محمد بن إسحاق : " والله لا يهدي القوم الظالمين " أي : لا يهديهم في الحجة عند الخصومة لما هم عليه من الضلالة . القول في تأويل قوله ( أو كالذي مر على قرية ) قال أبو جعفر : يعني - تعالى ذكره - بقوله : " أو كالذي مر على قرية " نظير الذي عنى بقوله : " ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه " من تعجيب محمد - صلى الله عليه وسلم - منه . وقوله : " أو كالذي مر على قرية " عطف على قوله : " ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه " وإنما عطف قوله : " أو كالذي " على قوله : " إلى الذي حاج إبراهيم في ربه " وإن اختلف لفظاهما لتشابه معنييهما ؛ لأن قوله : " ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه " بمعنى : هل رأيت يا محمد كالذي حاج إبراهيم في ربه ؟ ثم عطف عليه بقوله : " أو كالذي مر على قرية " ؛ لأن من شأن العرب العطف بالكلام على معنى نظير له قد تقدمه ، وإن خالف لفظه لفظه . وقد زعم بعض نحويي البصرة أن " الكاف " في قوله ، " أو كالذي مر على قرية " زائدة ، وأن المعنى : ألم ترى إلى الذي حاج إبراهيم ، أو الذي مر على قرية . وقد بينا قبل فيما مضى أنه غير جائز أن يكون في كتاب الله شيء لا معنى له ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . [ ص: 439 ] واختلف أهل التأويل في " الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها " . فقال بعضهم : هو عزير . ذكر من قال ذلك : 5882 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن ناجية بن كعب . " أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها " قال : عزير . 5883 - حدثنا ابن حميد . قال : حدثنا يحيى بن واضح قال : حدثنا أبو خزيمة ، قال : سمعت سليمان بن بريدة في قوله : " أو كالذي مر على قرية " قال : هو عزير . 5884 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها " قال : ذكر لنا أنه عزير . 5885 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة [ مثله ] . 5886 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه قوله : " أو كالذي مر على قرية " قال : قال الربيع : ذكر لنا - والله أعلم - أن الذي أتى على القرية هو عزير . 5887 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج ، عن عكرمة : " أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها " قال : عزير . [ ص: 440 ] 5888 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط عن السدي : " أو كالذي مر على قرية " قال : عزير . 5889 - حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها " إنه هو عزير . 5890 - حدثني يونس قال : قال لنا سلم الخواص : كان ابن عباس يقول : هو عزير . وقال آخرون : هو أورميا بن حلقيا ، وزعم محمد بن إسحاق أن أورميا هو الخضر . 5891 - حدثنا بذلك ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثنا ابن إسحاق قال : اسم الخضر فيما كان وهب بن منبه يزعم عن بني إسرائيل - أورميا بن حلقيا ، وكان من سبط هارون بن عمران . ![]()
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() ![]() |