تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد - الصفحة 140 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تربية الأطفال بهدوء.. 6 نصائح تساعد الأمهات في السيطرة على انفعالها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          4 خطوات بسيطة تساعد الطلاب على الموازنة بين الدراسة وأنشطتهم المختلفة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          طريقة عمل كب كيك في البيت بمكونات سهلة وسريعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          5 خطوات تساعدك على مقاومة الرغبة في النوم بعد الاستيقاظ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          وصفة طبيعية لتحضير زبدة الشفاه في المنزل.. هتحتاجيها في الخريف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          4 تريندات مكياج متصدرة في 2025.. الروج البرجندي وبشرة طبيعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          5 خطوات تساعدك فى إدارة وقتك على السوشيال ميديا والاهتمام بالمذاكرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          5 طرق فعالة هتساعدك في علاج شعرك من الجفاف.. لو لسه راجعة من البحر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          4 طرق لبناء الثقة مع طفلك.. شجعه على التجارب وامنحه مساحة آمنة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          ودعى الجفاف فى الخريف.. 8 أسرار لترطيب البشرة ومنحها النضارة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 27-07-2025, 10:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,450
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ المطففين
الحلقة (1391)
صــ 291 الى صــ300




* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني جرير بن حازم، عن الأعمش، عن شمر بن عطية، عن هلال بن يساف، قال: سأل ابن عباس كعبًا وأنا حاضر عن العليين، فقال كعب: هي السماء السابعة، وفيها أرواح المؤمنين.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبيد الله - يعني: الْعَتَكي - عن قتادة، في قوله: (إِنَّ كِتَابَ الأبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ) قال: في السماء العليا.
حدثني عليّ بن الحسين الأزدي، قال: ثنا يحيى بن يمان، عن أُسامة بن زيد، عن أبيه، في قوله: (إِنَّ كِتَابَ الأبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ) قال: في السماء السابعة.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (عِلِّيِّينَ) قال: السماء السابعة.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (لَفِي عِلِّيِّينَ) في السماء عند الله.
وقال آخرون: بل العِليُّون: قائمة العرش اليمنى.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (كَلا إِنَّ كِتَابَ الأبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ) ذُكر لنا أن كعبًا كان يقول: هي قائمة العرش اليمنى.
حدثني عمر بن إسماعيل بن مجالد، قال: ثنا مُطَرِّف بن مازن، قاضي اليمن، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (إِنَّ كِتَابَ الأبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ) قال: عليون: قائمة العرش اليمنى.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (فِي عِلِّيِّينَ) قال: فوق السماء السابعة، عند قائمة العرش اليمنى.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب القُمِّي، عن حفص، عن شمر بن عطية، قال: جاء ابن عباس إلى كعب الأحبار فسأله، فقال: حدثْنِي عن قول الله: (إِنَّ
كِتَابَ الأبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ... ) الآية، فقال كعب: إن الروح المؤمنة إذا قُبِضت، صُعد بها، فَفُتحت لها أبواب السماء، وتلقَّتها الملائكة بالبُشرَى، ثم عَرَجُوا معها حتى ينتهوا إلى العرش، فيخرج لها من عند العرش فيُرقَم رَقّ، ثم يختم بمعرفتها النجاة بحساب يوم القيامة، وتشهد الملائكة المقرّبون.
وقال آخرون: بل عُنِي بالعليين: الجَنَّة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثنا معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (إِنَّ كِتَابَ الأبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ) قال: الجنة.
وقال آخرون: عند سِدْرَةِ المنتهى.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني جعفر بن محمد البزوري من أهل الكوفة، قال: ثنا يعلى بن عبيد، عن الأجلح، عن الضحاك قال: إذا قبض روح العبد المؤمن عرج به إلى السماء، فتنطلق معه المقرّبون إلى السماء الثانية، قال الأجلح: قلت: وما المقرّبون؟ قال: أقربهم إلى السماء الثانية، فتنطلق معه المقرّبون إلى السماء الثالثة، ثم الرابعة، ثم الخامسة، ثم السادسة، ثم السابعة، حتى تنتهي به إلى سِدْرَة المنتهى. قال الأجلح: قلت للضحاك: لِمَ تُسمَّى سِدْرَة المنتهى؟ قال: لأنه يَنْتَهِي إليها كلّ شيء من أمر الله، لا يعدوها، فتقول: ربّ عبدك فلان، وهو أعلم به منهم، فيبعث الله إليهم بصَكّ مختوم يؤمِّنه من العذاب، فذلك قول الله: (كَلا إِنَّ كِتَابَ الأبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ كِتَابٌ مَرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ) .
وقال آخرون: بل عُنِي بالعِلِّيِّينَ: في السماء عند الله.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (إِنَّ كِتَابَ الأبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ) يقول: أعمالُهُم في كتاب عند الله في السماء.
والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أن كتاب الأبرار في عليين؛ والعليون: جمع معناه: شيء فوق شيء، وعلوّ فوق علوّ، وارتفاع
بعد ارتفاع، فلذلك جُمعت بالياء والنون، كجمع الرجال، إذا لم يكن له بناء من واحده واثنيه، كما حُكِيَ عن بعض العرب سماعًا أطْعَمَنَا مَرَقَةَ مَرَقَيْنِ: يعني اللحم المطبوخ (1) كما قال الشاعر:
قَدْ رَوَيَتْ إلا الدُّهَيْدِهِينَا ... قَلَيُّصَاتٍ وَأُبَيْكِرِينَا (2)
فقال: وأبيكرينا، فجمعها بالنون إذ لم يقصد عددًا معلومًا من البكارة، بل أراد عددًا لا يحدّ آخره، وكما قال الآخر:
فَأَصْبَحَتِ المَذَاهِبُ قَدْ أذَاعَتْ ... بِهَا الإعْصَارُ بَعْدَ الْوَابِلينَا (3)
يعني: مطرًا بعد مطر غير محدود العدد، وكذلك تفعل العرب في كلّ جمع لم يكن بناء له من واحده واثنيه، فجمعه في جميع الإناث والذكران بالنون على ما قد بيَّنا، ومن ذلك قولهم للرجال والنساء: عشرون وثلاثون. فإذا كان ذلك كالذي ذكرنا، فبين أنّ قوله: (لَفِي عِلِّيِّينَ) معناه: في علوّ وارتفاع في سماء فوق سماء، وعلوّ فوق علوّ وجائز أن يكون ذلك إلى السماء السابعة،
(1)
جواب "لو كان علم. . . وكان عقل" .

(2)
ديوان الهذليين 2: 101. في المطبوعة: "جلدة" وهو خطأ وقوله "جدة" يعني شبابه الجديد. والجدة: نقيض البلى. والتراب الأعفر: الأبيض، قل أن يطأه الناس لجدبه. وخالد: صديق له من قومه، يرثيه.

(3)
القسم الثاني من ديوانه: 46، وقال ابن سلام في طبقات فحول الشعراء: ص 50 وذكر البيت وبيتًا معه، أنهما قد رويا عن الشعبي (ابن سعد 6: 178) ، وهما يحملان على لبيد، ثم قال: "ولا اختلاف في أن هذا مصنوع تكثر به الأحاديث، ويستعان به على السهر عند الملوك والملوك لا تستقصي" . أجهش بالبكاء: تهيأ له وخنقه بكاؤه.

وإلى سدرة المنتهى، وإلى قائمة العرش، ولا خبر يقطع العذر بأنه معنيّ به بعض ذلك دون بعض.
والصواب أن يقال في ذلك، كما قال جلّ ثناؤه: إن كتاب أعمال الأبرار لفي ارتفاع إلى حدّ قد علم الله جلّ وعزّ منتهاه، ولا علم عندنا بغايته، غير أن ذلك لا يقصر عن السماء السابعة، لإجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك.
وقوله: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، مُعَجِّبه من عليين: وأيّ شيء أشعرك يا محمد ما عليون.
وقوله: (كِتَابٌ مَرْقُومٌ) يقول جلّ ثناؤه: إن كتاب الأبرار لفي عليين، (كتاب مرقوم) : أي مكتوب بأمان من الله إياه من النار يوم القيامة، والفوز بالجنة، كما قد ذكرناه قبل عن كعب الأحبار والضحاك بن مُزَاحم.
وكما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (كِتَابٌ مَرْقُومٌ) رقم.
وقوله: (يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ) يقول: يشهد ذلك الكتاب المكتوب بأمان الله للبَرّ من عباده من النار، وفوزه بالجنة، المقرّبون من ملائكته من كلّ سماء من السموات السبع.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ) قال: كلّ أهل السماء.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ) من ملائكة الله.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ) قال: يشهده مقرّبو أهل كلّ سماء.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ) قال: الملائكة.
وقوله: (إِنَّ الأبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ) يقول تعالى ذكره: إن الأبرار الذين بَرّوا
باتقاء الله وأداء فرائضه، لفي نعيم دائم، لا يزول يوم القيامة، وذلك نعيمهم في الجنان.
القول في تأويل قوله تعالى: {عَلَى الأرَائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) } .
يعني تعالى ذكره بقوله: (عَلَى الأرَائِكِ يَنْظُرُونَ) على السرر في الحجال من اللؤلؤ والياقوت ينظرون إلى ما أعطاهم الله من الكرامة والنعيم، والحَبْرة في الجنان.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (عَلَى الأرَائِكِ) قال: من اللؤلؤ والياقوت.
قال: ثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن حصين، عن مجاهد، عن ابن عباس (الأرَائِكِ) السُّررُ في الحَجال.
وقوله: (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ) يقول تعالى ذكره: تعرف في الأبرار الذين وصف الله صفتهم (نضرة النعيم) ، يعني: حُسنه وبريقه وتلألؤه.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (تَعْرِفُ) فقرأته عامة قرّاء الأمصار سوى أبي جعفر القارئ (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ) بفتح التاء من تعرف على وجه الخطاب (نَضْرَةَ النَّعِيمِ) بنصب نضرة. وقرأ ذلك أبو جعفر: (تُعْرَفُ) بضم التاء على وجه ما لم يسمّ فاعله (فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةُ النَّعِيمِ) برفع نضرة.
والصواب من القراءة في ذلك عندنا: ما عليه قرّاء الأمصار، وذلك فتح التاء من (تَعْرِفُ) ونصب (نَضْرَةَ) .
وقوله: (يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ) يقول: يُسقى هؤلاء الأبرار من خمر صرف لا غشّ فيها.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن
عباس، في قوله: (يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ) قال: من الخمر.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ) يعني بالرحيق: الخمر.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ) قال: خمر.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، قال: الرحيق: الخمر.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (رَحِيقٍ) قال: هو الخمر.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ) يقول: الخمر.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ) الرحيق المختوم: الخمر، قال حسان:
يَسْقُونَ مَنْ وَرَدَ البَرِيصَ عَلَيْهِمُ ... بَرَدَى يُصَفَّقُ بالرَّحِيقِ السَّلْسَلِ (1)
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: (يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ) قال: هو الخمر.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرّة، عن مسروق، عن عبد الله قال: الرحيق: الخمر.
وأما قوله: (مَخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ) فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: معنى ذلك: ممزوج مخلوط، مِزاجه وخِلطه مِسك.
(1)
الكامل للمبرد 1: 191، ووقعة صفين لنصر بن مزاحم 1: 52، المخصص 17: 155.

* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أشعث بن أبي الشعثاء، عن يزيد بن معاوية، وعلقمة عن عبد الله بن مسعود (خِتَامُهُ مِسْكٌ) قال: ليس بخاتم، ولكن خلط.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى بن سعيد وعبد الرحمن، قالا ثنا سفيان، عن أشعث بن سليم، عن يزيد بن معاوية، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود (خِتَامُهُ مِسْكٌ) قال: أما إنه ليس بالخاتم الذي يختم، أما سمعتم المرأة من نسائكم تقول: طيب كذا وكذا خلطه مسك.
حدثني محمد بن عبيد المحاربيّ، قال: ثنا أيوب، عن أشعث بن أبي الشعثاء عمن ذكره عن علقمة، في قوله: (خِتَامُهُ مِسْكٌ) قال: خلطه مسك.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرّة، عن مسروق، عن عبد الله (مختوم) قال: ممزوج (خِتَامُهُ مِسْكٌ) قال: طعمه وريحه.
قال: ثنا وكيع، عن أبيه، عن أشعث بن أبي الشعثاء، عن يزيد بن معاوية، عن علقمة (خِتَامُهُ مِسْكٌ) قال: طعمه وريحه مسك.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أن آخر شرابهم يُخْتم بمسك يجعل فيه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (رَحِيقٍ مَخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ) يقول: الخمر خُتِمَ بالمسك.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (خِتَامُهُ مِسْكٌ) قال: طيَّب الله لهم الخمر، فكان آخر شيء جعل فيها حتى تختم المسك.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (خِتَامُهُ مِسْكٌ) قال: عاقبته مسك قوم تُمزَج لهم بالكافور، وتختم بالمسك.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (خِتَامُهُ مِسْكٌ) قال: عاقبته مِسك.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (خِتَامُهُ مِسْكٌ) قال: طيَّب الله لهم الخمر، فوجدوا فيها في آخر شيء منها ريح المسك.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا حاتم بن وردان، قال: ثنا أبو حمزة، عن إبراهيم والحسن في هذه الآية: (خِتَامُهُ مِسْكٌ) قال: عاقبته مسك.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا أبو حمزة، عن جابر عن عبد الرحمن بن سابط، عن أبي الدرداء (خِتَامُهُ مِسْكٌ) فالشراب أبيض مثل الفضة يختمون به شرابهم، ولو أن رجلا من أهل الدنيا أدخل أصبعه فيه ثم أخرجها، لم يبق ذو روح إلا وجد طيبها.
وقال آخرون: عُنِي بقوله: (مَخْتُومٍ) مُطَيَّن (خِتَامُهُ مِسْكٌ) طينه مسك.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح. عن مجاهد، قوله: (مَخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ) قال: طينه مسك.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (مَخْتُومٍ) الخمر (خِتَامُهُ مِسْكٌ) : ختامه عند الله مسك، وختامها اليوم في الدنيا طين.
وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب قول من قال: معنى ذلك: آخره وعاقبته مسك: أي هي طيبة الريح، إن ريحها في آخر شربهم يختم لها بريح المسك.
وإنما قلنا: ذلك أولى الأقوال في ذلك بالصحة؛ لأنه لا وجه للختم في كلام العرب إلا الطبع والفراغ، كقولهم: ختم فلان القرآن: إذا أتى على آخره، فإذا كان لا وجه للطبع على شراب أهل الجنة، يفهم إذا كان شرابهم جاريًا، جري الماء في الأنهار، ولم يكن معتقًا في الدنان فيطين عليها وتختم، تعين أن الصحيح من ذلك الوجه الآخر وهو العاقبة والمشروب آخرًا، وهو الذي ختم به الشراب. وأما الختم بمعنى:: المزج، فلا نعلمه مسموعًا من كلام العرب.
وقد اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الأمصار: (خِتَامُهُ مِسْكٌ)
سوى الكسائيّ، فإنه كان يقرأه (خاتَمَهُ مِسْكٌ) .
والصواب من القول عندنا في ذلك ما عليه قرأة الأمصار، وهو (خِتَامُهُ) لإجماع الحجة من القرّاء عليه، والختام والخاتم وإن اختلفا في اللفظ، فإنهما متقاربان في المعنى غير أن الخاتم اسم، والختام مصدر؛ ومنه قول الفرزدق.
فَبِتْنَ بِجَانبيَّ مُصَرَّعاتٍ ... وَبِتُّ أفُضُّ أغْلاقَ الخِتامِ (1)
ونظير ذلك قولهم: هو كريم الطبائع والطباع.
وقوله: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) يقول تعالى ذكره: وفي هذا النعيم الذي وصف جل ثناؤه أنه أعطى هؤلاء الأبرار في القيامة، فليتنافس المتنافسون. والتنافس: أن يَنفِس الرجل على الرجل بالشيء يكون له، ويتمنى أن يكون له دونه، وهو مأخوذ من الشيء النفيس، وهو الذي تحرص عليه نفوس الناس، وتطلبه وتشتهيه، وكان معناه في ذلك. فليجدّ الناس فيه، وإليه فليستبقوا في طلبه، ولتحرص عليه نفوسهم.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (28) إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) } .
يقول تعالى ذكره: ومزاج هذا الرحيق من تسنيم؛ والتسنيم: التفعيل من قول القائل: سنَّمتهم العين تسنيمًا: إذا أجريتها عليهم من فوقهم، فكان معناه في هذا الموضع: ومزاجه من ماء ينزل عليهم من فوقهم فينحدر عليهم. وقد كان مجاهد والكلبيّ يقولان في ذلك كذلك.
(1)
الكامل للمبرد 1: 192 منسوبًا إلى يزيد بن أبي الصعق الكلابي، وكذلك في جمهرة الأمثال للعسكري: 196، والمخصص 17: 155، وفي اللسان (زنأ) و (دان) منسوبين إلى خويلد بن نوفل الكلابي، وفي الخزانة 4: 230 إلى بعض الكلابيين. يقولون: إن الحارث بن أبي شمر الغساني كان إذا أعجبته امرأة من قيس عيلان بعث إليها واغتصبها، فأخذ بنت يزيد بن الصعق الكلابي، وكان أبوها غائبًا، فلما قدم أخبر. فوفد إليه فوقف بين يديه وقال: يَا أَيُّهَا المَلِكُ المُقِيتُ! أمَا تَرى ... لَيْلاً وصُبْحًا كَيْف يَخْتَلِفَانِ ?

هَلْ تَسْتَطِيعُ الشَّمْسَ أن تَأتِي بها ... لَيْلاً ? وهل لَكَ بِالْمَلِيك يَدَانِ?
يَا حَارِ، أيْقِنْ أنَّ مُلْكَكَ زَائِلٌ ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (تَسْنِيمٍ) قال: تسنيم: يعلو.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الكلبيّ، في قوله: (تَسْنِيمٍ) قال: تسنيم ينصبّ عليهم من فوقهم، وهو شراب المقرّبين. وأما سائر أهل التأويل، فقالوا: هو عين يمزج بها الرحيق لأصحاب اليمين، وأما المقرّبون، فيشربونها صِرْفًا.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرّة، عن مسروق، عن عبد الله في قوله: (مِنْ تَسْنِيمٍ) قال: عين في الجنة يشربها المقرّبون، وتمزج لأصحاب اليمين.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرّة، عن مسروق، عن عبد الله (وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ) قال: يشربه المقرّبون صرفا، ويمزج لأصحاب اليمين.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مالك بن الحارث، عن مسروق (وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ) قال: عين في الجنة يشربها المقرّبون صرفا، وتمزج لأصحاب اليمين.
قال ثنا مهران، عن سفيان، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرّة، عن مسروق (عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ) قال: يشرب بها المقرّبون صِرفًا، وتمزج لأصحاب اليمين.
حدثني طلحة بن يحيى اليربوعي، قال: ثنا فضيل بن عياض، عن منصور، عن مالك بن الحارث، في قوله: (وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ) قال: في الجنة عين يشرب منها المقرّبون صرفا، وتمزج لسائر أهل الجنة.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا أبو حمزة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس، قوله: (وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ) صرفًا، ويمزج فيها لمن دونهم.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مالك بن الحارث، في قوله: (وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ) قال: التسنيم: عين في الجنة يشربها المقرّبون صرفا، وتمزج لسائر أهل الجنة.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 27-07-2025, 10:15 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,450
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الإنشقاق
الحلقة (1392)
صــ 301 الى صــ310





حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا أبو حمزة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس، قوله (وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ) قال: عين يشرب بها المقرّبون، ويمزج فيها لمن دونهم.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ) عينًا من ماء الجنة تُمزج به الخمر.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: (وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ) قال: خفايا أخفاها الله لأهل الجنة.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا عمران بن عيينة، عن إسماعيل، عن أبي صالح، في قوله: (وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ) قال: هو أشرف شراب في الجنة. هو للمقرّبين صرف، وهو لأهل الجنة مزاج.
حدثني بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ) شراب شريف، عين في الجنة يشربها المقرّبون صرفا، وتمزج لسائر أهل الجنة.
حدثني يونس. قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (مِنْ تَسْنِيمٍ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ) قال: بلغنا أنها عين تخرج من تحت العرش، وهي مزاج هذه الخمر، يعني مزاج الرحيق.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (مِنْ تَسْنِيمٍ) شراب اسمه تسنيم وهو من أشرف الشراب. فتأويل الكلام: ومزاج الرحيق من عين تُسَنَّم عليهم من فوقهم، فتنصبّ عليهم (يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ) من الله صرفا، وتمزج لأهل الجنة.
واختلفت أهل العربية في وجه نصب قوله: (عَيْنًا) قال بعض نحويي البصرة: إن شئت جعلت نصبه على يسقون عينا، وإن شئت جعلته مدحا، فيقطع من أوّل الكلام، فكأنك تقول: أعني: عينا.
وقال بعض نحويي الكوفة: نصب العين على وجهين: أحدهما: أن ينوي من تسنيم عَيْن، فإذا نوَّنت نصبت، كما قال: (أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا) وكما قال: (أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفَاتًا أَحْيَاءً) . والوجه الآخر: أن ينوي من ماء سُنِّم عينًا، كقولك: رفع عينا يشرب بها. قال: وإن لم يكن التسنيم اسما للماء فالعين نكرة، والتسنيم معرفة، وإن كان اسمًا للماء فالعين نكرة (1) فخرجت نصبا. وقال آخر من البصريين: (مِنْ تَسْنِيمٍ) معرفة، ثم قال: (عَيْنا) فجاءت نكرة، فنصبتها صفة لها. وقال آخر نُصبت بمعنى: من ماء يَتَسَنَّم عينا.
والصواب من القول في ذلك عندنا أن التسنيم اسم معرفة والعين نكرة، فنصبت لذلك إذ كانت صفة له.
وإنما قلنا: ذلك هو الصواب لما قد قدّمنا من الرواية عن أهل التأويل، أن التسنيم هو العين، فكان معلومًا بذلك أن العين إذ كانت منصوبة وهي نكرة، وأن التسنيم معرفة.
وقوله: (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ) يقول تعالى ذكره: إن الذين اكتسبوا المآثم، فكفروا بالله في الدنيا، كانوا فيها من الذين أقرّوا بوحدانية الله، وصدّقوا به (يضحكون) ، استهزاء منهم بهم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ) في الدنيا، يقولون: والله إن هؤلاء لكذَبة وما هم على شيء استهزاء بهم.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ (32) وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ (33) } .
(1)
الخبر 167 - سبق تخريجه في الخبر 166.

يقول تعالى ذكره: وكان هؤلاء الذين أجرموا إذا مرّ الذين آمنوا بهم يتغامزون؛ يقول: كان بعضهم يغمز بعضا بالمؤمن، استهزاء به وسخرية.
وقوله: (وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَاكِِهِينَ) يقول: وكان هؤلاء المجرمون إذا انصرفوا إلى أهلهم من مجالسهم انصرفوا ناعمين معجَبين.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس (انْقَلَبُوا فَاكِِهِينَ) قال: معجبين.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَاكِِهِينَ) قال: انقلب ناعما، قال: هذا في الدنيا، ثم أعقب النار في الآخرة.
وقد كان بعض أهل العلم بكلام العرب يفرق بين معنى فاكهين وفكهين، فيقول: معنى فاكهين: ناعمين، وفكهين: مَرِحين. وكان غيره يقول: ذلك بمعنى واحد، وإنما هو بمنزلة طامع وطَمِع، وباخل وبخل.
وقوله: (وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ) يقول تعالى ذكره: وإذا رأى المجرمون المؤمنين قالوا لهم: إن هؤلاء لضالون عن محجة الحقّ، وسبيل القصد (وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ) يقول جل ثناؤه: وما بعث هؤلاء الكفار القائلون للمؤمنين (إن هؤلاء لضالون) حافظين عليهم أعمالهم. يقول: إنما كُلِّفوا الإيمان بالله، والعمل بطاعته، ولم يُجعلوا رُقباء على غيرهم يحفظون عليهم أعمالهم ويتفقدونها.
القول في تأويل قوله تعالى: {فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34) } .
القول في تأويل قوله تعالى: {عَلَى الأرَائِكِ يَنْظُرُونَ (35) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36) } .
يقول تعالى ذكره: (فَالْيَوْمَ) وذلك يوم القيامة (الَّذِينَ آمَنُوا) بالله في الدنيا (مِنَ الْكُفَّارِ) فيها (يَضْحَكُونَ عَلَى الأرَائِكِ يَنْظُرُونَ) يقول: على سررهم التي في الحجال
ينظرون إليهم وهم في الجنة، والكفار في النار يعذّبون.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الأرَائِكِ يَنْظُرُونَ) قال: يعني: السُّرر المرفوعة عليها الحِجال. وكان ابن عباس يقول: إن السور الذي بين الجنة والنار يُفتح لهم فيه أبواب، فينظر المؤمنون إلى أهل النار، والمؤمنون على السرر ينظرون 24-305كيف يعذّبون، فيضحكون منهم، فيكون ذلك مما أقرّ الله به أعينهم، كيف ينتقم الله منهم.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ) ذُكر لنا أن كعبا كان يقول: إن بين الجنة والنار كوى، فإذا أراد المؤمن أن ينظر إلى عدّو كان له في الدنيا، اطلع من بعض الكوى، قال الله جل ثناؤه: (فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ) أي في وسط النار، وذُكر لنا أنه رأى جماجم القوم تغلي.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال كعب: إن بين أهل الجنة وبين أهل النار كوى، لا يشاء رجل من أهل الجنة أن ينظر إلى غيره من أهل النار إلا فعل.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الأرَائِكِ يَنْظُرُونَ) كان ابن عباس يقول: السور بين أهل الجنة والنار، فيفتح لأهل الجنة أبواب، فينظرون وهم على السُّرر إلى أهل النار كيف يعذّبون، فيضحكون منهم، ويكون ذلك مما أقرّ الله به أعينهم، كيف ينتقم الله منهم.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ) قال: يُجاء بالكفار حتى ينظروا إلى أهل الجنة في الجنة، على سرر، فحين ينظرون إليهم تغلق دونهم الأبواب، ويضحك أهل الجنة منهم، فهو قوله: (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الأرَائِكِ يَنْظُرُونَ) .
وقوله: (هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) يقول تعالى ذكره: هل أثيب الكفار وجُزُوا ثواب ما كانوا في الدنيا يفعلون بالمؤمنين من سخريتهم منهم، وضحكهم بهم بضحك المؤمنين منهم في الآخرة، والمؤمنون على الأرائك ينظرون، وهم في النار يعذّبون.
و (ثُوِّبَ) فعل من الثواب والجزاء، يقال منه: ثوّب فلان فلانًا على صنيعه، وأثابه منه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) قال: جزي.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان: (هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) حين كانوا يسخرون.
آخر تفسير سورة ويل للمطففين.



تفسير سورة إذا السماء انشقت



بسم الله الرحمن الرحيم
القول في تأويل قوله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (2) وَإِذَا الأرْضُ مُدَّتْ (3) وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ (4) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (5) } .
يقول تعالى ذكره: إذا السماء تصدّعت وتقطَّعت فكانت أبوابًا.
وقوله: (وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ) يقول: وَسَمِعَت السموات في تصدّعها وتشققها لربها وأطاعت له في أمره إياها، والعرب تقول: أذن لك في هذا الأمر أذنًا بمعنى: استمع لك، ومنه الخبر الذي رُوي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: "مَا أذِنَ اللهُ لِشَيءٍ كأَذَنِهِ لنَبِيّ يَتَغَنَّى بالقُرآنِ" يعني بذلك: ما استمع الله لشيء كاستماعه لنبيّ يتغنى بالقرآن، ومنه قول الشاعر:
صُمّ إذَا سَمِعُوا خَيْرًا ذُكِرْتُ بِهِ ... وَإنْ ذُكِرْتُ بِسُوءٍ عِنْدَهُمْ أَذِنُوا (1)
وأصل قولهم في الطاعة سمع له من الاستماع، يقال منه: سمعت لك، بمعنى سمعت قولك، وأطعت فيما قلتَ وأمرت.
وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: (وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا) قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن
(1)
الخبر 168 - هذا الإسناد من أكثر الأسانيد دورانًا في تفسير الطبري، إن لم يكن أكثرها، فلا يكاد يخلو تفسير آية من رواية بهذا الإسناد. وقد عرض الطبري نفسه في (ص 121 بولاق، سطر: 28 وما بعده) ، فقال، وقد ذكر الخبر عن ابن مسعود وابن عباس بهذا الإسناد: "فإن كان ذلك صحيحًا، ولست أعلمه صحيحًا، إذ كان بإسناده مرتابًا. . . ." . ولم يبين علة ارتيابه في إسناده، وهو مع ارتيابه قد أكثر من الرواية به. ولكنه لم يجعلها حجة قط.

بيد أني أراه إسنادا يحتاج إلى بحث دقيق. ولأئمة الحديث كلام فيه وفي بعض رجاله. وقد تتبعت ما قالوا وما يدعو إليه بحثه، ما استطعت، وبدا لي فيه رأي، أرجو أن يكون صوابًا، إن شاء الله. وما توفيقي إلا بالله:
أما شيخ الطبري، وهو "موسى بن هارون الهمداني" : فما وجدت له ترجمة، ولا ذكرًا في شيء مما بين يدي من المراجع، إلا ما يرويه عنه الطبري أيضًا في تاريخه، وهو أكثر من خمسين موضعًا في الجزئين الأول والثاني منه. وما بنا حاجة إلى ترجمته من جهة الجرح والتعديل، فإن هذا التفسير الذي يرويه عن عمرو بن حماد، معروف عند أهل العلم بالحديث. وما هو إلا رواية كتاب، لا رواية حديث بعينه.
"وعمرو بن حماد" : هو عمرو بن حماد بن طلحة القناد، وقد ينسب إلى جده، فيقال عمرو بن طلحة، وهو ثقة، روى عنه مسلم في صحيحه، وترجمه ابن سعد في الطبقات 6: 285، وقال: "وكان ثقة إن شاء الله" مات سنة 222. وترجمه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 3 / 1 / 228، وروى عن أبيه ويحيى بن معين أنهما قالا فيه: "صدوق" .
أسباط بن نصر الهمداني: مختلف فيه، وضعفه أحمد، وذكره ابن حبان في الثقات: 410، ةترجمه البخاري في الكبير 1 / 2 / 53 فلم يذكر فيه جرحًا، وترجمه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 1 / 1 / 332، وروى عن يحيى بن معين قال: "أسباط بن نصر ثقة" . وقد رجحنا توثيقه في شرح المسند، في الحديث 1286.
إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة السدي: هو السدي الكبير، قرشي بالولاء، مولى زينب بنت قيس بن مخرمة، من بني عبد مناف، كما نص على ذلك البخاري في تاريخيه: الصغير: 141 - 142، والكبير 1 / 1 / 361، وهو تابعي، سمع أنسًا، كما نص على ذلك البخاري أيضًا، وروى عن غيره من الصحابة، وعن كثير من التابعين. وهو ثقة. أخرج له مسلم في صحيحه، وثقه أحمد بن حنبل، فيما روى ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 1 / 1 / 184، وروى أيضًا عن أحمد، قال: "قال لي يحيى بن معين يومًا عند عبد الرحمن بن مهدي: السدي ضعيف، فغضب عبد الرحمن، وكره ما قال" : وفي الميزان والتهذيب "أن الشعبي قيل له: إن السدي قد أعطي حظًا من علم القرآن، فقال: قد أعطي حظًا من جهل بالقرآن!" . وعندي أن هذه الكلمة من الشعبي قد تكون أساسا لقول كل من تكلم في السدي بغير حق. ولذلك لم يعبأ البخاري بهذا القول من الشعبي، ولم يروه، بل روى في الكبير عن مسدد عن يحيى قال: "سمعت ابن أبي خالد يقول: السدي أعلم بالقرآن من الشعبي" . وروى في تاريخيه عن ابن المديني عن يحيى، وهو القطان، قال: "ما رأيت أحدًا يذكر السدي إلا بخير، وما تركه أحد" . وفي التهذيب: "قال العجلي: ثقة عالم بالتفسير راوية له" . وقد رجحنا توثيقه في شرح المسند 807. وتوفي السدي سنة 127.
و "السدي" : بضم السين وتشديد الدال المهملتين، نسبة إلى "السدة" ، وهي الباب، لأنه كان يجلس إلى سدة الجامع بالكوفة، ويبيع بها المقانع.
أبو مالك: هو الغفاري، واسمه غزوان. وهو تابعي كوفي ثقة. ترجمه البخاري في الكبير 4 / 1 / 108، وابن سعد في الطبقات 6: 206، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 3 / 2 / 55، وروى توثيقه يحيى بن معين.
أبو صالح: هو مولى أم هانئ بنت أبي طالب، واسمه باذام، ويقال باذان. وهو تابعي ثقة، رجحنا توثيقه في شرح المسند 2030، وترجمه البخاري في الكبير 1 / 2 / 144، وروى عن محمد بن بشار، قال: "ترك ابن مهدي حديث أبي صالح" . وكذلك روى ابن أبي حاتم في ترجمته في الجرح والتعديل 1 / 1 / 431 - 432 عن أحمد بن حنبل عن ابن مهدي. ولكنه أيضًا عن يحيى بن سعيد القطان، قال: "لم أرَ أحدًا من أصحابنا ترك أبا صالح مولى أم هانئ، وما سمعت أحدًا من الناس يقول فيه شيئًا، ولم يتركه شعبة ولا زائدة ولا عبد الله بن عثمان" . وروى أيضًا عن يحيى بن معين، قال: "أبو صالح مولى أم هانئ ليس به بأس، فإذا روى عنه الكلبي فليس بشيء، وإذا روى عنه غير الكلبي فليس به بأس، لأن الكلبي يحدث به مرة من رأيه، ومرة عن أبي صالح، ومرة عن أبي صالح عن ابن عباس" . يعني بهذا أن الطعن فيما يروي عنه هو في رواية الكلبي، كما هو ظاهر.
هذا عن القسم الأول من هذا الإسناد. فإنه في حقيقته إسنادان أو ثلاثة. أولهما هذا المتصل بابن عباس.
والقسم الثاني، أو الإسناد الثاني: "وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود" . والذي يروي عن مرة الهمداني: هو السدي نفسه.
ومرة: هو ابن شراحيل الهمداني الكوفي، وهو تابعي ثقة، من كبار التابعين، ليس فيه خلاف بينهم.
والقسم الثالث، أو الإسناد الثالث: "وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم" .
وهذا أيضًا من رواية السدي نفسه عن ناس من الصحابة.
فالسدي يروي هذه التفاسير لآيات من القرآن: عن اثنين من التابعين عن ابن عباس، وعن تابعي واحد عن ابن مسعود، ومن رواية نفسه عن ناس من الصحابة.
وللعلماء الأئمة الأقدمين كلام في هذا التفسير، بهذه الأسانيد، قد يوهم أنه من تأليف من دون السدي من الرواة عنه، إلا أني استيقنت بعدُ، أنه كتاب ألفه السدي.
فمن ذلك قول ابن سعد في ترجمة "عمرو بن حماد القناد" 6: 285: "صاحب تفسير أسباط بن نصر عن السدي" . وقال في ترجمة "أسباط بن نصر" 6: 261: "وكان راوية السدي، روى عنه التفسير" . وقال قبل ذلك في ترجمة "السدي" 6: 225: "إسماعيل بن عبد الرحمن السدي، صاحب التفسير" . وقال قبل ذلك أيضًا، في ترجمة "أبي مالك الغفاري" 6: 206: "أبو مالك الغفاري صاحب التفسير، وكان قليل الحديث" .
ولكن الذي يرجح أنه كتاب ألفه السدي، جمع فيه التفسير، بهذه الطرق الثلاث، قول أحمد بن حنبل في التهذيب 1: 314، في ترجمة السدي: "إنه ليحسن الحديث، إلا أن هذا التفسير الذي يجئ به، قد جعل له إسنادًا، واستكلفه" . وقول الحافظ في التهذيب أيضًا 1: 315: "قد أخرج الطبري وابن أبي حاتم وغيرهما، في تفاسيرهم، تفسير السدي، مفرقًا في السور، من طريق أسباط بن نصر عنه" .
وقول السيوطي في الإتقان 2: 224 فيما نقل عن الخليل في الإرشاد: "وتفسير إسماعيل السدي، يورده بأسانيد إلى ابن مسعود وابن عباس. وروى عن السدي الأئمة، مثل الثوري وشعبة. ولكن التفسير الذي جمعه، رواه أسباط بن نصر. وأسباط لم يتفقوا عليه. غير أن أمثل التفاسير تفسير السدي" . ثم قال السيوطي: "وتفسير السدي، [الذي] أشار إليه، يورد منه ابن جرير كثيرًا، من طريق السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس، وعن مرة عن ابن مسعود، و [عن] ناس من الصحابة. هكذا. ولم يورد منه ابن أبي حاتم شيئًا، لأنه التزم أن يخرج أصح ما ورد. والحاكم يخرج منه في مستدركه أشياء، ويصححه، لكن من طريق مرة عن ابن مسعود وناس، فقط، دون الطريق الأول، وقد قال ابن كثير: إن هذا الإسناد يروي به السدي أشياء فيها غرابة" .
وأول ما نشير إليه في هذه الأقوال: التناقض بين قولي الحافظ ابن حجر والسيوطي، في أن ابن أبي حاتم أخرج تفسير السدي مفرقًا في تفسيره، كما صنع الطبري، في نقل الحافظ، وأنه أعرض عنه، في نقل السيوطي. ولست أستطيع الجزم في ذلك بشيء، إذ لم أرَ تفسير ابن أبي حاتم. ولكني أميل إلى ترجيح نقل ابن حجر، بأنه أكثر تثبتًا ودقة في النقل من السيوطي.
ثم قد صدق السيوطي فيما نقل عن الحاكم. فإنه يروي بعض هذا التفسير في المستدرك، بإسناده، إلى أحمد بن نصر: "حدثنا عمرو بن طلحة القناد حدثنا أسباط بن نصر، عن إسماعيل بن عبد الرحمن السدي، عن مرة الهمداني، عن عبد الله بن مسعود، وعن أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم" . ثم يصححه على شرط مسلم، ويوافقه الذهبي في تلخيصه. من ذلك في المستدرك 2: 258، 260، 273، 321.
والحاكم في ذلك على صواب، فإن مسلمًا أخرج لجميع رجال هذا الإسناد. من عمرو بن حماد بن طلحة القناد إلى مرة الهمداني. ولم يخرج لأبي صالح باذام ولا لأبي مالك الغفاري، في القسم الأول من الإسناد الذي روى به السدي تفاسيره.
أما كلمة الإمام أحمد بن حنبل في السدي "إلا أن هذا التفسير الذي يجيء به، قد جعل له إسنادًا واستكلفه" فإنه لا يريد ما قد يفهم من ظاهرها: أنه اصطنع إسنادا لا أصل له؛ إذ لو كان ذلك، لكان -عنده- كذابًا وضاعًا للرواية. ولكنه يريد -فيما أرى، والله أعلم- أنه جمع هذه التفاسير، من روايته عن هؤلاء الناس: عن أبي مالك وأبي صالح عن ابن عباس، وعن مرة عن ابن مسعود، وعن ناس من الصحابة، ثم ساقها كلها مفصلة، على الآيات التي ورد فيها شيء من التفسير، عن هذا أو ذاك أو أولئك، وجعل لها كلها هذا الإسناد، وتكلف أن يسوقها به مساقًا واحدًا.
أعني: أنه جمع مفرق هذه التفاسير في كتاب واحد، جعل له في أوله هذه الأسانيد. يريد بها أن ما رواه من التفاسير في هذا الكتاب، لا يخرج عن هذه الأسانيد. ولا أكاد أعقل أنه يروي كل حرف من هذه التفاسير عنهم جميعا. فهو كتاب مؤلف في التفسير، مرجع فيه إلى الرواية عن هؤلاء، في الجملة، لا في التفصيل.
إنما الذي أوقع الناس في هذه الشبهة، تفريق هذه التفاسير في مواضعها، مثل صنيع الطبري بين أيدينا، ومثل صنيع ابن أبي حاتم، فيما نقل الحافظ ابن حجر، ومثل صنيع الحاكم في المستدرك. فأنا أكاد أجزم أن هذا التفريق خطأ منهم، لأنه يوهم القارئ أن كل حرف من هذه التفاسير مروي بهذه الأسانيد كلها، لأنهم يسوقونها كاملة عند كل إسناد، والحاكم يختار منها إسنادًا واحدًا يذكره عند كل تفسير منها يريد روايته. وقد يكون ما رواه الحاكم -مثلا- بالإسناد إلى ابن مسعود، ليس مما روى السدي عن ابن مسعود نصًا. بل لعله مما رواه من تفسير ابن عباس، او مما رواه ناس من الصحابة، روى عن كل واحد منهم شيئًا، فأسند الجملة، ولم يسند التفاصيل.
ولم يكن السدي ببدع في ذلك، ولا يكون هذا جرحًا فيه ولا قدحًا. إنما يريد إسناد هذه التفاسير إلى الصحابة، بعضها عن ابن عباس، وبعضها عن ابن مسعود، وبعضها عن غيرهما منهم. وقد صنع غيره من حفاظ الحديث وأئمته نحوًا مما صنع، فما كان ذلك بمطعن فيهم، بل تقبلها الحفاظ بعدهم، وأخرجوها في دواوينهم. ويحضرني الآن من ذلك صنيع معاصره: ابن شهاب الزهري الإمام. فقد روى قصة حديث الإفك، فقال: "أخبرني سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وعلقمة بن وقاص، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن حديث عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، فبرأها الله مما قالوا. وكلهم حدثني طائفة من حديثها، وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض وأثبت اقتصاصًا، وقد وعيت عن كل واحد منهم الحديث الذي حدثني، وبعض حديثهم يصدق بعضا" ، إلخ.
فذكر الحديث بطوله. وهو في صحيح مسلم 2: 333 - 335. وسيأتي في تفسير الطبري (18: 71 - 74 بولاق) . ورواه الإمام أحمد والبخاري في صحيحه، كما في تفسير ابن كثير 6: 68 - 73. ثم قال ابن كثير: "وهكذا رواه ابن إسحاق عن الزهري كذلك، قال:" وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عائشة، وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة ". وإسناد ابن إسحاق الأخير في الطبري أيضًا. والإسنادان كلاهما رواهما ابن إسحاق عن الزهري، في السيرة (ص 731 من سيرة ابن هشام) ."
والمثل على ذلك كثيرة، يعسر الآن تتبعها.
وقد أفادنا هذا البحث أن تفسير السدي من أوائل الكتب التي ألفت في رواية الأحاديث والآثار.
وهو من طبقة عالية، من طبقة شيوخ مالك من التابعين.
وبعد: فأما هذا الخبر بعينه، فقد رواه الحاكم في المستدرك 2: 258، بالإسناد الذي أشرنا إليه، من رواية السدي عن مرة عن ابن مسعود، وعن أناس من الصحابة. وقال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه" . وافقه الذهبي. ونقله السيوطي في الدر المنثور 1: 14 عن ابن جرير والحاكم، وصححه، عن ابن مسعود وناس من الصحابة "."
ابن عباس، قوله: (وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ) قال: سمعت لربها.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد، في قوله: (وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ) قال: سمعت وأطاعت.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ) قال: سمعت.
حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ) قال: سمعت وأطاعت.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ) : أي سمعت وأطاعت.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ) قال: سمعت وأطاعت.
وقوله: (وَحُقَّتْ) يقول: وحقق الله عليها الاستماع بالانشقاق والانتهاء إلى طاعته في ذلك.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: (وَحُقَّتْ) قال: حُقِّقَت لطاعة ربها.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن أشعث بن إسحاق، عن جعفر، عن سعيد بن جُبير (وَحُقَّتْ) وحُقّ لها.
وقوله: (وَإِذَا الأرْضُ مُدَّتْ) يقول تعالى ذكره: وإذا الأرض بُسِطَتْ، فزيدت في سعتها.
كالذي حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهريّ، عن عليّ بن حسين، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ مَدَّ اللهُ"
الأرْضَ حَتّى لا يَكُونَ لِبَشَرٍ مِنَ النَّاسِ إلا مَوْضِعُ قَدَمَيْهِ، فَأَكُونَ أوَّلَ مَنْ يُدْعَي، وَجِبْرِيلُ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ، وَاللهِ ما رآهُ قَبْلَهَا، فأقُولُ يَا رَبّ إنَّ هَذَا أخْبَرَنِي أنَّكَ أرْسَلْتَهُ إليَّ، فَيَقُولُ: صَدَقَ، ثُمَّ أشْفَعُ فَأَقُولُ: يَا رَبّ عِبَادُكَ عَبَدُوكَ فِي أطْرَافِ الأرْضِ. - قال-: وَهُوَ المَقَامُ الْمَحْمُودُ "."




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 27-07-2025, 10:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,450
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الإنشقاق
الحلقة (1393)
صــ 311 الى صــ320





حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (مُدَّتْ) قال: يوم القيامة.
وقوله: (وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ) يقول جلّ ثناؤه: وألقت الأرض ما في بطنها من الموتى إلى ظهرها وتخلَّتْ منهم إلى الله.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ) قال: أخرجت ما فيها من الموتى.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ) قال: أخرجت أثقالها وما فيها.
وقوله: (وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ) يقول: وسمعت الأرض في إلقائها ما في بطنها من الموتى إلى ظهرها أحياء، أمر ربها وأطاعت (وَحُقَّتْ) يقول: وحقَّقها الله للاستماع لأمره في ذلك، والانتهاء إلى طاعته.
واختلف أهل العربية في موقع جواب قوله: (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) ، وقوله: (وَإِذَا الأرْضُ مُدَّتْ) فقال بعض نحويي البصرة: (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) على معنى قوله: (يَاأَيُّهَا الإنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ) إذا السماء انشقت، على التقديم والتأخير.
وقال بعض نحويي الكوفة: قال بعض المفسرين: جواب (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) قوله: (وَأَذِنَتْ) قال: ونرى أنه رأي ارتآه المفسر، وشبَّهه بقول الله تعالى: (حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا) لأنا لم نسمع جوابًا بالواو في إذا مبتدأة، ولا كلام قبلها،
ولا في إذا، إذا ابتدئت. قال: وإنما تجيب العرب بالواو في قوله: حتى إذا كان، وفلما أن كان، لم يجاوزوا ذلك؛ قال: والجواب في (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) وفي (إِذَا الأرْضُ مُدَّتْ) كالمتروك؛ لأن المعنى معروف قد تردّد في القرآن معناه، فعرف وإن شئت كان جوابه: يأيُّها الإنسان، كقول القائل: إذا كان كذا وكذا، فيأيها الناس ترون ما عملتم من خير أو شرّ، تجعل (يأيُّهَا الإنسان) هو الجواب، وتضمر فيه الفاء، وقد فُسَّر جواب (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) فيما يلقى الإنسان من ثواب وعقاب، فكأن المعنى: ترى الثواب والعقاب إذا السماء انشقَّتْ.
والصواب من القول في ذلك عندنا: أن جوابه محذوف ترك استغناء بمعرفة المخاطبين به بمعناه. ومعنى الكلام: (إذا السماء انشقت) رأى الإنسان ما قدّم من خير أو شرّ، وقد بين ذلك قوله: (يَاأَيُّهَا الإنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ) والآياتُ بعدها.
القول في تأويل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الإنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ (6) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9) } .
يقول تعالى ذكره: يأيُّها الإنسان إنك عامل إلى ربك عملا فملاقيه به خيرًا كان عملك ذلك أو شرًا، يقول: فليكن عملك مما يُنجيك من سُخْطه، ويوجب لك رضاه، ولا يكن مما يُسخطه عليك فتهلك.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (يَاأَيُّهَا الإنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ) يقول: تعمل عملا تلقى الله به خيرًا كان أو شرًّا.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (يَاأَيُّهَا الإنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ) إن كدحك يا ابن آدم لضعيف، فمن
استطاع أن يكون كدحه في طاعة الله فليفعل، ولا قوّة إلا بالله.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا) قال: عامل له عملا.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: وسمعته يقول في ذلك: (إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا) قال: عامل إلى ربك عملا قال: كدحا: العمل.
وقوله: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ) يقول تعالى ذكره: فأما من أعطي كتاب أعماله بيمينه (فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا) بأن ينظر في أعماله، فيغفر له سيئها، ويُجازى على حُسنها.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل وجاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الواحد بن حمزة، عن عباد بن عبد الله بن الزُّبير، عن عائشة، قالت: سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: "اللَّهُمَّ حَاسِبْنِي حِسَابًا يَسِيرًا" قلت: يا رسول الله ما الحساب اليسير؟ قال: "أن يُنْظَرَ فِي سَيِّئاتِهِ فَيُتَجَاوَزُ عَنْهُ، إنَّهُ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ يَوْمَئِذٍ هَلَكَ" .
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن محمد بن إسحاق، قال: ثني عبد الواحد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير، عن عباد بن عبد الله بن الزيير، عن عائشة، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بعض صلاته: "اللَّهُمَّ حَاسِبْنِي حِسَابًا يَسِيرًا" ، فلما انصرف قلت: يا رسول الله ما الحساب اليسير؟ قال: "يُنْظَرُ فِي كِتَابِهِ، وَيُتَجَاوَزُ عَنْهُ، إنَّهُ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ يَوْمَئِذٍ يا عَائِشَةُ هَلَكَ" .
حدثنا نصر بن عليّ الجَهْضَمِيّ، قال: ثنا مسلم، عن الحريش بن الخرّيت أخي الزبير، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، قالت: من نُوقش الحساب، أو من حوسب عذّب، قال: ثم قالت: إنما الحساب اليسير: عَرْض على الله وهو يراهم.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا أيوب، وحدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا أيوب، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم، قال: "مَنْ حُوسِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عُذَّبَ" ، فقلت: أليس الله يقول: (فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا) قال: "لَيْسَ ذَلِكَ الْحِسَابُ إنَّمَا ذلكَ العَرْضُ، وَلَكِنْ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عُذِبَ" .
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا روح بن عبادة، قال: ثنا أبو عامر الخزاز، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّهُ لَيْسَ أحَدٌ يُحَاسَبُ يَوْمَ القِيَامَةِ إلا مُعَذَّبًا" ، فقلت: أليس يقول الله: (فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا) ؟ قال: "ذَلِكَ الْعَرضُ، إنَّهُ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ عُذّبَ" ، وقال بيده على أصبعه كأنه ينكته.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا) قال: الحساب اليسير: الذي يغفر ذنوبه، ويتقبَّل حسناته، ويسير الحساب الذي يعفى عنه، وقرأ: (وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ) ، وقرأ: (أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ) .
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن عثمان بن الأسود، قال: ثني ابن أبي مليكة، عن عائشة، قالت: يا رسول الله (فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا) قال: "ذَلِكَ الْعَرْضُ يَا عَائِشَةُ، مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ هَلَكَ" .
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عثمان بن عمرو وأبو داود، قالا ثنا أبو عامر الخزاز، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ حُوسِبَ عُذّبَ" ، قَالَتْ: فقلت: أليس الله يقول: (فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا) قال: "ذَلِكَ الْعَرْضُ يَا عَائِشَةُ، وَمَنْ نُوقِشَ الحِسَابَ عُذّبَ" .
إن قال قائل: وكيف قيل: (فَسَوْفَ يُحَاسَبُ) ، والمحاسبة لا تكون إلا من اثنين، والله القائم بأعمالهم ولا أحد له قِبَل ربه طَلِبة فيحاسبه؟ قيل: إن ذلك تقرير من الله للعبد بذنوبه، وإقرار من العبد بها وبما أحصاه كتاب عمله، فذلك المحاسبة على ما وصفنا، ولذلك قيل: يحاسب.
حدثنا عمرو بن عليّ، قال: ثنا ابن أبي عديّ، عن أبي يونس القشيري، عن ابن أبي مليكة، عن القاسم بن محمد، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ أحَدٌ يُحَاسَبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلا هَلَكَ" قالت: فقلت: يا رسول الله
(فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا) فقال: "ذَلِكَ الْعَرْضُ، لَيْس أحَدٌ يُحَاسَبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلا هَلَكَ" .
وقوله: (وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا) يقول: وينصرف هذا المحاسَبُ حسابًا يسيرًا إلى أهله في الجنة مسرورًا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا) قال: إلى أهْلٍ أعدّ الله لهم الجنة.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11) وَيَصْلَى سَعِيرًا (12) إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا (13) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14) بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا (15) } .
يقول تعالى ذكره: وأما من أعطي كتابه منكم أيها الناس يومئذ وراء ظهره، وذلك أن جعل يده اليمنى إلى عنقه وجعل الشمال من يديه وراء ظهره، فيتناول كتابه بشماله من وراء ظهره، ولذلك وصفهم جلَّ ثناؤه أحيانًا أنهم يؤتون كتبهم بشمائلهم، وأحيانًا أنهم يؤتونها من وراء ظهورهم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ) قال: يجعل يده من وراء ظهره.
وقوله: (فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا) يقول: فسوف ينادي بالهلاك، وهو أن يقول: واثبوراه، واويلاه، وهو من قولهم: دعا فلان لهفه: إذا قال: والهفاه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
وقد ذكرنا معنى الثبور فيما مضى بشواهده، وما فيه من الرواية.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (يَدْعُو ثُبُورًا) قال: يدعو بالهلاك.
وقوله: (وَيَصْلَى سَعِيرًا) اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء مكة والمدينة والشام: (وَيُصَلَّى) بضم الياء وتشديد اللام، بمعنى: أن الله يصليهم تصلية بعد تصلية، وإنضاجة بعد إنضاجة، كما قال تعالى: (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا) ، واستشهدوا لتصحيح قراءتهم ذلك كذلك، بقوله: (ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ) وقرأ ذلك بعض المدنيين وعامة قرّاء الكوفة والبصرة: (وَيَصْلَى) بفتح الياء وتخفيف اللام، بمعنى: أنهم يَصْلونها ويَرِدونها، فيحترقون فيها، واستشهدوا لتصحيح قراءتهم ذلك كذلك بقول الله: (يَصْلَوْنَهَا) و (إِلا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ) .
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
وقوله: (إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا) يقول تعالى ذكره: إنه كان في أهله في الدنيا مسرورا لما فيه من خلافه أمرَ الله، وركوبه معاصيه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا) : أي في الدنيا.
وقوله: (إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ بَلَى) يقول تعالى ذكره: إنّ هذا الذي أُوتي كتابه وراء ظهره يوم القيامة، ظنّ في الدنيا أن لن يرجع إلينا، ولن يُبعث بعد مماته، فلم يكن يبالي ما ركب من المآثم؛ لأنه لم يكن يرجو ثوابًا، ولم يكن يخشى عقابًا،
يقال منه: حار فلان عن هذا الأمر: إذا رجع عنه، ومنه الخبر الذي رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في دعائه: "اللَّهُمَّ إنّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الحَوْرِ بَعْدَ الكَوْرِ" يعني بذلك: من الرجُوع إلى الكفر، بعد الإيمان.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ) يقول: يُبعث.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ بَلَى) قال: أن لا يرجع إلينا.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ) : أن لا مَعَادَ له ولا رجعة.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (أَنْ لَنْ يَحُورَ) قال: أن لن ينقلب: يقول: أن لن يبعث.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، (ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ) قال: يرجع.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (أَنْ لَنْ يَحُورَ) قال: أن لن ينقلب.
وقوله: (بَلَى) يقول تعالى ذكره: بلى لَيَحُورَنَّ وَلَيَرْجِعَنّ إلى ربه حيا كما كان قبل مماته.
وقوله: (إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا) يقول جلّ ثناؤه: إن ربّ هذا الذي ظن أن لن يحور، كان به بصيرا، إذ هو في الدنيا بما كان يعمل فيها من المعاصي، وما إليه يصير أمره في الآخرة، عالم بذلك كلِّه.
القول في تأويل قوله تعالى: فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (16) وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (17) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (19) فَمَا لَهُمْ لا
يُؤْمِنُونَ (20) وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ (21) .
وهذا قَسَمٌ أقسم ربنا بالشفق، والشفق: الحمرة في الأفق من ناحية المغرب من الشمس في قول بعضهم.
واختلف أهل التأويل في ذلك، فقال بعضهم: هو الحمرة كما قلنا، وممن قال ذلك جماعة من أهل العراق.
وقال آخرون: هو النهار.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن إسماعيل الأحمسيّ، قال: ثنا محمد بن عبيد، قال: ثنا العوّام بن حوشب، قال: قلت لمجاهد: الشفق، قال: لا تقل الشفق، إن الشفق من الشمس، ولكن قل: حمرة الأفق.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: الشفق، قال: النهار كله.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد (فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ) قال: النهار.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، مثله.
وقال آخرون: الشفق: هو اسم للحمرة والبياض، وقالوا: هو من الأضداد.
والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله أقسم بالنهار مدبرا، والليل مقبلا. وأما الشفق الذي تَحُلّ به صلاة العشاء، فإنه للحمرة عندنا للعلة التي قد بيَّنَّاها في كتابنا كتاب الصلاة.
وقوله: (وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ) يقول: والليل وما جمع مما سكن وهدأ فيه من ذي روح كان يطير، أو يَدِب نهارًا، يقال منه: وسَقْتُه أسِقُه وَسْقا، ومنه طعام موسُوق، وهو المجموع في غرائر أو وعاء، ومنه الوَسْق، وهو الطعام المجتمع الكثير مما يُكال أو يوزن، يقال: هو ستون صاعًا، وبه جاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (وَمَا وَسَقَ) يقول: وما جمع.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن مجاهد، عن ابن عباس في هذه الآية (وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ) قال: وما جمع. وقال ابن عباس:
مُسْتَوْسِقَاتٍ لَوْ يَجِدْنَ سَائِقَا (1)
حدثني يعقوب قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، قال: سأل حفص الحسن عن قوله: (وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ) قال: وما جمع.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ) قال: وما جمع، يقول: ما آوى فيه من دابة.
(1)
الأثر 169 - نقله السيوطي 1: 14 ونسبه لعبد الرزاق وعبد بن حميد. وهو ظاهر في رواية الطبري هذه - أنه من مصنف عبد الرزاق. ونسبه الشوكاني 1: 12 لهما وللطبري.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد (وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ) : وما لفّ.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد (وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ) قال: وما أظلم عليه، وما أدخل فيه. وقال ابن عباس:
* مُسْتَوْسِقَاتٍ لَوْ يَجِدْنَ حَادِيا *
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ) يقول: وما جمع من نجم أو دابة.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (وَمَا وَسَقَ) قال: وما جمع.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ) قال: وما جمع مجتمع فيه الأشياء التي يجمعها الله التي تأوي إليه، وأشياء تكون في الليل لا تكون في النهار ما جمع مما فيه ما يأوي إليه، فهو مما جمع.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، قال: ثنا عمرو، عن منصور، عن مجاهد: (وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ) يقول: ما لُفّ عليه.
قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، مثله.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد (وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ) قال: وما دخل فيه.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي الهيثم، عن سعيد بن جبير (وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ) : وما جمع.
قال: ثنا وكيع، عن نافع، عن ابن عمر، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس (وَمَا وَسَقَ) : وما جمع، ألم تسمع قول الشاعر:
* مُسْتَوْسِقَاتٍ لَوْ يَجِدْنَ سَائِقَا *
حدثنا هناد، قال: ثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرِمة، في قوله: (وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ) قال: ما حاز إذا جاء الليل.
وقال آخرون: معنى ذلك: وما ساق.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 27-07-2025, 10:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,450
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ البروج
الحلقة (1394)
صــ 321 الى صــ330




* ذكر من قال ذلك:
حدثنا عبد الله بن أحمد المَرْوَزيّ، قال: ثنا عليّ بن الحسن، قال: ثنا حسين، قال: سمعت عكرمة وسئل (وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ) قال: ما ساق من ظلمة، فإذَا كان الليل، ذهب كلّ شيء إلى مأواه.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسن، عن عكرمة (وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ) يقول: ما ساق من ظلمة إذا جاء الليل ساق كل شيء إلى مأواه.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: (وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ) قال: ما ساق معه من ظلمة إذا أقبل.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ) يعني: وما ساق الليل من شيء جمعه النجوم، ويقال: والليل وما جمع.
وقوله: (وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ) يقول: وبالقمر إذا تمّ واستوى.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ) يقول: إذا استوى.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ) قال: إذا اجتمع واستوى.
حدثنا هناد، قال: ثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرِمة (وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ) قال: إذا استوى.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُليّة، عن أبي رجاء، قال: سأل حفص الحسن، عن قوله: (وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ) قال: إذا اجتمع، إذا امتلأ.
حدثني أبو كدينة، قال: ثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد، في قوله: (وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ) قال: لثلاث عَشْرة.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، مثله.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، مثله.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، قال: ثنا عمرو، عن منصور، عن مجاهد، مثله.
قال ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، مثله.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (إِذَا اتَّسَقَ) قال: إذا استوى.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي الهيثم، عن سعيد بن جبير (وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ) : إذا استوى.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (إِذَا اتَّسَقَ) : إذا استدار.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ) : إذا استوى.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ) قال: إذا اجتمع فاستوى.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ) قال: إذا استوى.
وقوله: (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ) اختلفت القرّاء في قراءته، فقرأه عمر بن الخطاب وابن مسعود وأصحابه وابن عباس وعامة قرّاء مكة والكوفة (لَتَرْكَبَنَّ) بفتح التاء والباء. واختلف قارئو ذلك كذلك في معناه، فقال بعضهم: لَتَرْكَبنَ يا محمد أنت حالا بعد حال، وأمرًا بعد أمر من الشدائد.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن مجاهد، أن ابن عباس كان يقرأ: (لَتَرْكَبَنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ) يعني نبيكم صلى الله عليه وسلم حالا بعد حال.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن عُلَيَة، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن رجل حدّثه، عن ابن عباس في (لَتَرْكَبَنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ) قال: منزلا بعد منزل.
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: (لَتَرْكَبَنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ) يقول: حالا بعد حال.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ) يعني: منزلا بعد منزل، ويقال: أمرًا بعد أمر، وحالا بعد حال.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، قال: سمعت مجاهدًا، عن ابن عباس (لَتَرْكَبَنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ) قال: محمد صلى الله عليه وسلم.
حدثنا هناد، قال: ثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرِمة في قوله (لَتَرْكَبَنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ) قال: حالا بعد حال.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا هَوْذة، قال: ثنا عوف، عن الحسن، في قوله (لَتَرْكَبَنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ) قال: حالا بعد حال.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، قال: سأل حفص الحسن عن قوله (لَتَرْكَبَنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ) قال: منزلا عن منزل، وحالا بعد حال.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا شريك، عن موسى بن أبي عائشة، قال: سألت مرّة عن قوله (لَتَرْكَبَنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ) قال: حالا بعد حال.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد (لَتَرْكَبَنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ) قال: حالا بعد حال.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد (لَتَرْكَبَنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ) قال: حالا بعد حال.
قال ثنا وكيع، عن نصر، عن عكرِمة، قال: حالا بعد حال.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (لَتَرْكَبَنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ) قال: لَتَرْكَبُنَّ الأمور حالا بعد حال.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (لَتَرْكَبَنَّ
طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ) يقول: حالا بعد حال، ومنزلا عن منزل.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (لَتَرْكَبَنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ) منزلا بعد منزل، وحالا بعد حال.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، قال: ثنا عمرو، عن منصور، عن مجاهد (لَتَرْكَبَنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ) قال: أمرًا بعد أمر.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله (لَتَرْكَبَنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ) قال: أمرًا بعد أمر.
وقال آخرون ممن قرأ هذه المقالة، وقرأ هذه القراءة عُنِي بذلك: لتركبنّ أنت يا محمد سماء بعد سماء.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: قال الحسن وأبو العالية (لَتَرْكَبَنَّ) يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم (طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ) السموات.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن جابر، عن أبي الضحى، عن مسروق (لَتَرْكَبَنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ) قال: أنت يا محمد سماء عن سماء.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن إسماعيل، عن الشعبيّ، قال: سماء بعد سماء.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن جابر، عن عامر، عن علقمة، عن عبد الله، قال: سماء فوق سماء.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: لتركَبَنّ الآخرة بعد الأولى.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (لَتَرْكَبَنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ) قال: الآخرة بعد الأولى.
وقال آخرون ممن قرأ هذه القراءة: إنما عُنِي بذلك أنها تتغير ضروبًا من التغيير، وتُشَقَّقُ بالغمام مرّة وتحمرّ أخرى، فتصير وردة كالدهان، وتكون أخرى كالمهل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن قيس بن وهب، عن مرّة، عن ابن مسعود (لَتَرْكَبَنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ) قال: السماء مرّة كالدِّهان، ومرّة تَشَقَّق.
حدثنا ابن المثني، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: سمعت أبا الزرقاء الهَمْداني، وليس بأبي الزرقاء الذي يحدث في المسح على الجوربين، قال: سمعت مُرّة الهمداني، قال: سمعت عبد الله يقول في هذه الآية (لَتَرْكَبَنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ) قال: السماء.
حدثني عليّ بن سعيد الكنديّ، قال: ثنا عليّ بن غراب، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد الله في قوله (لَتَرْكَبَنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ) قال: هي السماء تغبرّ وتحمرّ وتَشَقَّق.
حدثنا أبو السائب، قال: ثني أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد الله، في قوله: (لَتَرْكَبَنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ) قال: هي السماء تَشَقَّق، ثم تحمرّ، ثم تنفطر؛ قال: وقال ابن عباس: حالا بعد حال.
حدثني يحيى بن إبراهيم المسعوديّ، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن الأعمش، عن إبراهيم قال: قرأ عبد الله هذا الحرف (لَتَرْكَبَنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ) قال: السماء حالا بعد حال، ومنزلة بعد منزلة.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد الله (لَتَرْكَبَنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ) قال: هي السماء.
حدثنا مهران، عن سفيان، عن أبي فروة، عن مرّة، عن ابن مسعود أنه قرأها نصبًا، قال: هي السماء.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد الله، قال: هي السماء تغير لونًا بعد لون.
وقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة وبعض الكوفيين (لَتَرْكَبُنَّ) بالتاء، وبضم الباء على وجه الخطاب للناس كافة أنهم يركبون أحوال الشدّة حالا بعد حال. وقد ذكر بعضهم أنه قرأ ذلك بالياء وبضم الباء، على وجه الخبر عن الناس كافة، أنهم يفعلون ذلك.
وأولى القراءات في ذلك عندي بالصواب: قراءة من قرأ بالتاء وبفتح الباء،
لأن تأويل أهل التأويل من جميعهم بذلك ورد وإن كان للقراءات الأخَر وجوه مفهومة. وإذا كان الصواب من القراءة في ذلك ما ذكرنا فالصواب من التأويل قول من قال (لَتَرْكَبَنَّ) أنت يا محمد حالا بعد حال، وأمرًا بعد أمر من الشدائد. والمراد بذلك -وإن كان الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم موجهًا- جميع الناس، أنهم يلقون من شدائد يوم القيامة وأهواله أحوالا.
وإنما قلنا: عُنِي بذلك ما ذكرنا أن الكلام قبل قوله (لَتَرْكَبَنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ) جرى بخطاب الجميع، وكذلك بعده، فكان أشبه أن يكون ذلك نظير ما قبله وما بعده.
وقوله: (طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ) من قول العرب: وقع فلان في بنات طبق: إذا وقع في أمر شديد.
وقوله: (فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) يقول تعالى ذكره: فما لهؤلاء المشركين لا يصدّقون بتوحيد الله، ولا يقرّون بالبعث بعد الموت، وقد أقسم لهم ربهم بأنهم راكبون طبقًا عن طبق مع ما قد عاينوا من حججه بحقيقة توحيده.
وقد حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) قال: بهذا الحديث، وبهذا الأمر.
وقوله: (وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ) يقول تعالى ذكره: وإذا قُرئ عليهم كتاب ربهم لا يخضعون ولا يستكينون، وقد بيَّنا معنى السجود قبلُ بشواهده، فأغنى ذلك عن إعادته.
القول في تأويل قوله تعالى: {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ (23) فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (24) إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (25) } .
قوله: (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ) يقول تعالى ذكره: بل الذين كفروا يكذبون بآيات الله وتنزيله.
وقوله: (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ) يقول تعالى ذكره: والله أعلم بما تُوعيه صدور هؤلاء المشركين من التكذيب بكتاب الله ورسوله.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (يُوعُونَ) قال: يكتمون.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ) قال: المرءُ يُوعِي متاعه وماله هذا في هذا، وهذا في هذا، هكذا يعرف الله ما يوعون من الأعمال، والأعمال السيئة مما تُوعيه قلوبهم، ويجتمع فيها من هذه الأعمال الخير والشر، فالقلوب وعاء هذه الأعمال كلها، الخير والشرّ، يعلم ما يسرّون وما يعلنون، ولقد وَعَى لكم ما لا يدري أحد ما هو من القرآن وغير ذلك، فاتقوا الله وإياكم أن تدخلوا على مكارم هذه الأعمال بعض هذه الخبث ما يفسدها.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (يُوعُونَ) قال في صدورهم. وقوله: (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) يقول جلّ ثناؤه: فبشر يا محمد هؤلاء المكذّبين بآيات الله بعذاب أليم لهم عند الله موجع (إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) يقول: إلا الذين تابوا منهم وصدّقوا، وأقرّوا بتوحيده، ونبوّة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وبالبعث بعد الممات. (وعملوا الصالحات) : يقول: وأدَّوا فرائض الله، واجتنبوا ركوب ما حرّم الله عليهم ركوبه.
وقوله: (لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) يقول تعالى ذكره لهؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات: ثواب غير محسوب ولا منقوص.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس قوله: (لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) يقول: غير منقوص.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: (أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) يعني: غير محسوب.
آخر تفسير سورة (إذا السماء انشقَّت)



تفسير سورة البروج



بسم الله الرحمن الرحيم
القول في تأويل قوله تعالى جل ثناؤه وتق24-331دست أسماؤه: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3) قُتِلَ أَصْحَابُ الأخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) } .
قال أبو جعفر رحمه الله: قوله: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ) أقسم الله جلّ ثناؤه بالسماء ذات البروج.
واختلف أهل التأويل في معنى البروج في هذا الموضع، فقال بعضهم: عُنِي بذلك: والسماء ذات القصور. قالوا: والبروج: القصور.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ) قال ابن عباس: قصور في السماء، قال غيره: بل هي الكواكب.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (الْبُرُوجِ) يزعمون أنها قصور في السماء، ويقال: هي الكواكب.
وقال آخرون: عُنِي بذلك: والسماء ذات النجوم، وقالوا: نجومها: بروجها.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (ذَاتِ الْبُرُوجِ) قال: البروج: النجوم.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ) قال: النجوم.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ) وبروجها: نجومها.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: والسماء ذات الرمل والماء.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 27-07-2025, 10:25 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,450
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ البروج
الحلقة (1395)
صــ 331 الى صــ340





* ذكر من قال ذلك:
حدثني الحسن بن قزعة، قال: ثنا حصين بن نمير، عن سفيان بن حسين، في قوله: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ) قال: ذات الرمل والماء.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: معنى ذلك: والسماء ذات منازل الشمس والقمر، وذلك أن البروج جمع برج، وهي منازل تتخذ عالية عن الأرض مرتفعة، ومن ذلك قول الله: (وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) هي منازل مرتفعة عالية في السماء، وهي اثنا عشر برجًا، فمسير القمر في كلّ برج منها يومان وثلث، فذلك ثمانية وعشرون منزلا ثم يستسرّ ليلتين، ومسير الشمس في كلّ برج منها شهر.
وقوله: (وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ) يقول تعالى ذكره: وأقسم باليوم الذي وعدته عبادي لفصل القضاء بينهم، وذلك يوم القيامة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، وجاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن نمير وإسحاق الرازي، عن موسى بن عبيدة، عن أيوب بن خالد، عن عبد الله بن رافع، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الْيَوْمُ الْمَوْعُودُ: يَوْمُ الْقِيَامَةِ" .
قال: ثنا وكيع، عن موسى بن عبيدة، عن أيوب بن خالد، عن عبد الله بن رافع، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، مثله.
حدثنا يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا يونس، قال: أنبأني عمار، قال: قال أبو هريرة: "الْيَوْمُ الْمَوْعُودُ: يَوْمُ الْقِيَامَةِ" . قال يونس، وكذلك الحسن.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ) يعني: يوم القيامة.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ) قال: القيامة.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: (الْيَوْمِ الْمَوْعُودِ) يوم القيامة.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن يونس بن عبيد، عن عمار بن أبي عمار، مولى بني هاشم، عن أبي هريرة (وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ) يوم القيامة.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن موسى بن عبيدة، عن أيوب بن خالد، عن عبد الله بن رافع، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: "الْيَوْمُ الْمَوْعُودُ: يَوْمُ الْقِيَامَةِ" .
حدثنا محمد بن عوف، قال: ثنا محمد بن إسماعيل بن عياش، قال: ثني أبي، قال: ثني ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد، عن أبي مالك الأشعريّ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "(الْيَوْمُ الْمَوْعُودُ) يوم القيامة" .
وقوله: (وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: وأقسم بشاهد، قالوا: وهو يوم الجمعة، ومشهود قالوا: وهو يوم عرفة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب قال: أخبرنا ابن علية، قال: أخبرنا يونس، قال: أنبأني عمار، قال: قال أبو هريرة: الشاهد: يوم الجمعة، والمشهود: يوم عرفة؛ قال يونس، وكذلك قال الحسن.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، قال: سمعت حارثة بن مضرِّب، يحدّث عن عليّ رضى الله عنه أنه قال في هذه الآية (وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) قال: يوم الجمعة، ويوم عرفة.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) قال: الشاهد يوم الجمعة،
والمشهود: يوم عرفة؛ ويقال: الشاهد: الإنسان، والمشهود: يوم القيامة.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) : يومان عظيمان من أيام الدنيا، كنا نحدّث أن الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) قال: الشاهد: يوم الجمعة، والمشهود: يوم عرفة.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن عليّ رضي الله عنه: (وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) قال: الشاهد يوم الجمعة، والمشهود: يوم عرفة.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَشَاهِدٍ) يوم الجمعة، (وَمَشْهُودٍ) : يوم عرفة.
حدثنا أبو كريب، قال ثنا وكيع، عن موسى بن عبيدة، عن أيوب بن خالد، عن عبد الله بن رافع، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وَشاَهِدٍ: يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَمَشْهُودٍ: يَوْمُ عَرَفَةَ" .
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن نمير وإسحاق الرازي، عن موسى بن عبيدة، عن أيوب بن خالد، عن عبد الله بن رافع، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الْمَشْهُودُ: يَوْمُ عَرَفَةَ، وَالشَّاهِدُ: يَوْمُ الْجُمُعَةِ" .
حدثنا سهل بن موسى، قال: ثنا ابن أبي فديك، عن ابن حرملة، عن سعيد أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ سَيدَ الأيَّامِ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَهُوَ الْشَّاهِدُ، وَالْمَشْهُودُ: يَوْمُ عَرَفَةَ" .
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن موسى بن عبيد، عن أيوب بن خالد، عن عبد الله بن رافع عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الْمَشْهُودُ: يَوْمُ عَرَفَةَ، وَالْشَّاهِدُ: يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ سَاعَةٌ لا يُوَافِقُهَا مُؤْمِنٌ يَدْعُو اللهَ بِخَيْرٍ إلا اسْتَجَابَ لَهُ، وَلا يَسْتَعِيذُهُ مِنْ شَرٍّ إلا أعَاذَهُ" .
حدثني محمد بن عوف، قال: ثنا محمد بن إسماعيل، قال: ثني أبي، قال: ثني ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد، عن أبي مالك الأشعري، قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الشَّاهِدَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَإنَّ الْمَشْهُودَ يَوْمُ عَرَفَةَ، فَيَوْمُ الْجُمُعَةِ خِيَرةُ اللهِ لَنَا" .
حدثني سعيد بن الربيع الرازي، قال: ثنا سفيان، عن عبد الرحمن بن حرملة، عن سعيد بن المسيب، قال: سيد الأيام يوم الجمعة، وهو شاهد.
وقال آخرون: الشاهد: محمد، والمشهود: يوم القيامة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن شعبة، عن عليّ بن زيد، عن يوسف المكيّ، عن ابن عباس قال: الشاهد: محمد، والمشهود: يوم القيامة، ثم قرأ (ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ) .
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن شباك، قال: سأل رجل الحسن بن عليّ، عن (وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) قال: سألتَ أحدًا قبلي؟ قال: نعم، سألت ابن عمر وابن الزبير، فقالا يوم الذبح ويوم الجمعة؛ قال: لا ولكن الشاهد: محمد، ثم قرأ: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا) والمشهود: يوم القيامة، ثم قرأ: (ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ) .
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن جابر، عن أبي الضحى، عن الحسن بن عليّ، قال: الشاهد: محمد، والمشهود: يوم القيامة.
حدثني سعيد بن الربيع، قال: ثنا سفيان، عن عبد الرحمن بن حَرْملة، عن سعيد بن المسيب: (وَمَشْهُودٍ) :يوم القيامة.
وقال آخرون: الشاهد: الإنسان، والمشهود: يوم القيامة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عبيد المحاربيّ، قال: ثنا أسباط، عن عبد الملك، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) قال: الشاهد: ابن آدم، والمشهود يوم القيامة.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (وشاهد ومشهود) قال: الإنسان، وقوله:
(ومشهود) قال: يوم القيامة.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، قال: الشاهد: الإنسان، والمشهود: يوم القيامة.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن خالد الحذّاء، عن عكرِمة، في قوله: (وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) قال: شاهد: ابن آدم، ومشهود: يوم القيامة.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (وَشاَهِدٍ) يعني الإنسان (وَمَشْهُودٍ) يوم القيامة، قال الله: (وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ) .
وقال آخرون: الشاهد: محمد، والمشهود: يوم الجمعة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرِمة، في قوله: (وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) قال: الشاهد: محمد، والمشهود: يوم الجمعة، فذلك قوله: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا) .
وقال آخرون: الشاهد: الله، والمشهود: يوم القيامة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: (وَشَاهِدٍ) يقول الله: (وَمَشْهُودٍ) يقول: يوم القيامة.
وقال آخرون: الشاهد: يوم الأضحى، والمشهود: يوم الجمعة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن شباك، قال: سأل رجل الحسن بن عليّ، عن (َشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) قال: سألت أحدًا قبلي؟ قال: نعم، سألت ابن عمر وابن الزبير، فقالا يوم الذبح، ويوم الجمعة.
وقال آخرون: الشاهد: يوم الأضحى، والمشهود، يوم عَرَفة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن
مجاهد، عن ابن عباس: (وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) قال: الشاهد: يوم عرفة، والمشهود: يوم القيامة.
وقال آخرون: المشهود: يوم الجمعة، وَرَوَوْا ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
* ذكر الرواية بذلك:
حدثنا أحمد بن عبد الرحمن، قال: ثني عمي عبد الله بن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، عن زيد بن أيمن، عن عبادة بن نسيّ، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَكْثِرُوا عَليَّ الصَّلاةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَإِنَّهُ يَوْمٌ مَشْهُودٌ تَشْهَدُهُ الْمَلائِكَةُ" .
والصواب من القول في ذلك عندنا: أن يقال: إن الله أقسم بشاهد شهد، ومشهود شهد، ولم يخبرنا مع إقسامه بذلك أيّ شاهد وأيّ مشهود أراد، وكلّ الذي ذكرنا أن العلماء قالوا: هو المعنيّ مما يستحقّ أن يُقال له: (َشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) .
وقوله: (قُتِلَ أَصْحَابُ الأخْدُودِ) يقول: لعن أصحاب الأخدود. وكان بعضهم يقول: معنى قوله: (قُتِلَ أَصْحَابُ الأخْدُودِ) خبر من الله عن النار أنها قتلتهم.
وقد اختلف أهل العلم في أصحاب الأخدود؛ من هم؟ فقال بعضهم: قوم كانوا أهل كتاب من بقايا المجوس.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب القمي، عن جعفر عن ابن أبزي، قال: لما رجع المهاجرون من بعض غزواتهم، بلغهم نعي عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال بعضهم لبعض: أيّ الأحكام تجري في المجوس، وإنهم ليسوا بأهل كتاب، وليسوا من مشركي العرب، فقال عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه: قد كانوا أهل كتاب، وقد كانت الخمر أُحلَّت لهم، فشربها ملك من ملوكهم حتى ثمل منها، فتناول أخته فوقع عليها، فلما ذهب عنه السكر قال لها: ويحك، فما المخرج مما ابتليتُ به؟ فقالت: اخطب الناس، فقل: يأُّيها الناس إن الله قد أحلّ نكاح الأخوات، فقام خطيبًا، فقال: يأيُّها الناس إن الله قد أحلّ نكاح الأخوات، فقال الناس: إنا نبرأ
إلى الله من هذا القول، ما أتانا به نبيٌّ، ولا وجدناه في كتاب الله، فرجع إليها نادمًا، فقال لها: ويحك، إن الناس قد أبوا عليّ أن يقرّوا بذلك، فقالت: ابسط عليهم السِّياط، ففعل، فبسط عليهم السياط، فأبَوا أن يقرّوا، فرجع إليها نادمًا، فقال: إنهم أبوا أن يقرّوا، فقالت: اخطبهم، فإن أبوا فجرّد فيهم السيف، ففعل، فأبى عليه الناس، فقال لها: قد أبى عليّ الناس، فقالت: خدّ لهم الأخدود، ثم اعرض عليها أهل مملكتك، فمن أقرّ، وإلا فاقذفه في النار، ففعل، ثم عرض عليها أهل مملكته، فمن لم يقرّ منهم قذفه في النار، فأنزل الله فيهم: (قُتِلَ أَصْحَابُ الأخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ) إلى (أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) حرّقوهم (ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) فلم يزالوا منذ ذلك يستحلون نكاح الأخوات والبنات والأمهات.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (قُتِلَ أَصْحَابُ الأخْدُودِ) قال: حُدِّثنا أنّ عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه كان يقول: هم ناس بمذارع اليمن، اقتتل مؤمنوها وكفارها، فظهر مؤمنوها على كفارها، ثم اقتتلوا الثانية، فظهر مؤمنوها على كفارها ثم أخذ بعضهم على بعض عهدًا ومواثيق أن لا يغدر بعضهم ببعض، فغدر بهم الكفار فأخذوهم أخذًا، ثم إن رجلا من المؤمنين قال لهم: هل لكم إلى خير، توقدون نارًا ثم تعرضوننا عليها، فمن تابعكم على دينكم فذلك الذي تشتهون، ومن لا اقتحم النار، فاسترحتم منه، قال: فأجَّجوا نارًا وعُرِضوا عليها، فجعلوا يقتحمونها صناديدهم، ثم بقيت منهم عجوز كأنها نكصت، فقال لها طفل في حجرها: يا أماه امضي ولا تنافقي. قصّ الله عليكم نبأهم وحديثهم.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (قُتِلَ أَصْحَابُ الأخْدُودِ) قال: يعني القاتلين الذين قتلوهم يوم قتلوا.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (قُتِلَ أَصْحَابُ الأخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ) قال: هم ناس من بني إسرائيل خدّوا أخدودًا في الأرض، ثم أوقدوا فيها نارًا، ثم أقاموا على ذلك الأخدود رجالا ونساء، فعُرِضوا عليها، وزعموا أنه دانيال وأصحابه.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني
الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (قُتِلَ أَصْحَابُ الأخْدُودِ) قال: كان شقوق في الأرض بنَجْرَان كانوا يعذّبون فيها الناس.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (قُتِلَ أَصْحَابُ الأخْدُودِ) يزعمون أن أصحاب الأخدود من بني إسرائيل، أخذوا رجالا ونساء، فخدّوا لهم أخدودًا، ثم أوقدوا فيها النيران، فأقاموا المؤمنين عليها، فقالوا: تكفرون أو نقذفكم في النار.
حدثني محمد بن معمر، قال: ثني حرمي بن عمارة، قال: ثنا حماد بن سلمة، قال: ثنا ثابت البُنانيّ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن صهيب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مَلِكٌ، وَكَانَ لَهُ ساحِرٌ، فَأَتَى السَّاحِرُ الْمَلِكَ فَقَالَ: قَدْ كَبِرَتْ سِنِّي، وَدَنَا أجَلِي، فَادْفَعْ لِي غُلامًا أُعَلِّمْهُ السِّحْرَ" ، قال: "فَدَفَعَ إلَيْهِ غُلامًا يُعَلِّمُهُ السِّحْرَ" ، قَالَ: "فَكَانَ الغُلامُ يَخْتَلِفُ إلى السَّاحِرِ، وكَانَ بَيْنَ السَّاحِرِ وَبَيْنَ المَلِكِ رَاهِبٌ" ، قال: "فَكَانَ الغُلامُ إذَا مَرَّ بالرَّاهِبِ قَعَدَ إلَيْهِ فَسَمِعَ مِنْ كَلامِهِ، فَأُعْجِبَ بِكَلامِهِ، فَكَانَ الغُلامُ إذَا أَتَى السَّاحِرَ ضَرَبَهُ وَقَالَ: مَا حَبَسَكَ؟ وَإذَا أَتَى أَهْلَهُ قَعَدَ عِنْدَ الرَّاهِبِ يَسْمَعُ كَلامَهُ، فَإذَا رَجَعَ إلى أَهْلِهِ ضَرَبُوهُ وَقَالُوا: مَا حَبَسَكَ؟ فَشَكَا ذَلِكَ إلَى الرَّاهِبِ فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ: إذَا قَالَ لَكَ السَّاحِرُ: مَا حَبَسَكَ؟ قُلْ حَبَسَنِي أَهْلِي، وَإذَا قَالَ أَهْلُكَ: مَا حَبَسَكَ؟ فَقُلْ حَبَسَنِي السَّاحِرُ. فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إذْ مَرَّ في طَرِيقٍ وَإذَا دَابَّةٌ عَظِيمَةٌ فِي الطَّرِيقِ قَدْ حَبَسَتِ النَّاسَ لا تَدَعُهُمْ يَجُوزُونَ، فَقَالَ الْغُلامُ: الآنَ أَعْلَمُ: أَمْرُ السَّاحِرِ أَرْضَى عِنْدَ اللهِ أَمْ أَمْرُ الرَّاهِبِ؟ قَالَ: فَأَخَذَ حَجَرًا" ، قَالَ: فَقَالَ: "اللَّهُمْ إنْ كَانَ أمْرُ الرَّاهِبِ أحَبَّ إلَيْكَ مِنْ أَمْرِ السَّاحِرِ، فَإنِّي أَرْمِي بِحَجَرِي هَذَا فَيَقْتُلَهُ وَيَمُرُّ النَّاسُ، قَالَ: فَرَمَاهَا فَقَتَلَهَا، وَجَازَ النَّاسُ؛ فَبَلَغَ ذَلِكَ الرَّاهِبَ" ، قَالَ: وَأَتَاهُ الْغُلامُ فَقَالَ الرَّاهِبُ لِلْغُلامِ: إنَّكَ خَيْرٌ مِنِّي، وَإنِ ابْتُلِيتَ فَلا تَدُلَّنَّ عَلَيَّ "؛ قَالَ:" وَكَانَ الْغُلامُ يُبْرِئُ الأكْمَهَ وَالأبْرَصَ وَسَائِرَ الأدوَاءِ، وَكَانَ لِلْمَلِكِ جَلِيسٌ، قَالَ: فَعَمِيَ، قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: إنَّ هَاهُنَا غُلامًا يُبْرِئُ الأكْمَهَ وَالأبْرَصَ وَسَائِرَ الأدْوَاءِ فَلَوْ أَتَيْتَهُ؟ قَالَ: " فَاتَّخَذَ لَهُ هَدَايا "؛ قَالَ:" ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ: يَا غُلامُ، إنْ أَبْرَأْتَنِي فَهَذِهِ الهَدَايَا كُلُّهَا لَكَ، فَقَالَ: مَا أَنَا بِطَبِيبٍ يشْفِيكَ، وَلَكِنَّ اللهَ يَشْفِي، فَإذَا آمَنْتَ دَعَوْتُ اللهَ أَنْ يَشْفِيَكَ "، قَالَ: "فَآمَنَ"
الأعْمَى، فَدَعَا اللهَ فَشَفَاهُ، فَقَعَدَ الأعْمَى إلى الْمَلِكِ كَمَا كَانَ يَقْعُدُ، فَقَالَ لَهُ المَلِكُ: أَلَيْسَ كُنْتَ أَعْمَى؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَمَنْ شَفَاكَ؟ قَالَ: رَبِّي، قَالَ: وَلَكَ رَبٌّ غَيرِي؟ قَالَ: نَعَمْ رَبِّي وَرَبُّكَ اللهُ "، قَالَ:" فَأَخَدَهُ بِالْعَذَابِ فَقَالَ: لَتَدُلَّنِي عَلَى مَنْ عَلَّمَكَ هَذَا "، قَالَ:" فَدَلَّ عَلَى الغلامِ، فَدَعَا الغُلامَ فَقَالَ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ "، قَالَ:" فَأَبَى الْغُلامُ "؛ قَالَ: فَأَخَذَهُ بِالْعَذَابِ "، قَالَ:" فَدَلَّ عَلَى الرَّاهِبِ، فَأَخَذَ الرَّاهِبَ فَقَالَ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكِ فَأَبَى "، قَالَ:" فَوَضَعَ المِنْشَارَ عَلَى هَامَتِهِ فَشَقَّهُ حَتّى بَلَغَ الأرْضَ "، قَالَ:" وَأَخَذَ الأعْمَى فَقَالَ: لَتَرْجِعَنَّ أوْ لأقْتُلَنَّكَ "، قَالَ:" فَأَبَى الأعْمَى، فَوَضَعَ المِنْشَارَ عَلَى هَامَتِهِ فَشَقَّهُ حَتّى بَلَغَ الأرْضَ، ثُمَّ قَالَ لِلْغُلامِ: لَتَرْجِعَنَّ أوْ لأقْتُلَنَّكَ "، قال: " فَأَبَى "، قَالَ:" فَقَالَ: اذْهَبُوا بِهِ حَتَّى تَبْلُغُوا بِهِ ذِرْوَةَ الْجَبَلِ، فَإنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ، وَإلا فَدَهْدِهُوهُ، فَلَمَّا بَلَغُوا بِه ذِرْوَةَ الْجَبَلِ فَوَقَعُوا فَمَاتُوا كُلُّهُمْ. وَجَاءَ الغُلامُ يَتَلَمَّسُ حَتّى دَخَلَ عَلَى الْمَلِكِ، فَقَالَ: أَيْنَ أصْحَابُكَ؟ قَالَ: كَفَانِيهمُ اللهُ. قَالَ: فَاذْهَبُوا بِهِ فَاحْمِلُوهُ فِي قُرْقُورٍ فَتَوَسَّطُوا بِهِ البَحْرَ، فَإنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإلا فَغَرِّقُوهُ " قال: " فَذَهَبُوا بِهِ، فَلَمَّا تَوَسَّطُوا بِهِ الْبَحْرَ قَالَ الْغُلامُ: اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ، فَانْكَفَأَتْ بِهِمُ السَّفِينَةُ. وَجَاءَ الغُلامُ يَتَلَمَّسُ حَتّى دَخَلَ عَلَى الْمَلِكِ، فَقَالَ المَلِكُ: أَيْنَ أصْحَابُكَ؟ قَالَ: دَعَوْتُ اللهَ فَكَفَانِِيهمْ، قَالَ: لأقْتُلَنَّكَ، قَالَ: مَا أَنْتَ بِقَاتِلِي حَتّى تَصْنَعَ مَا آمُرُكَ "، قَالَ:" فَقَالَ الْغُلامُ لِلْمَلِكِ: اجْمَعِ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اصْلُبْنِي، ثُمَّ خُذْ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِي فَارْمِنِي وَقُلْ: باسْمِ رَبِّ الْغُلامِ فَإِنَّكَ سَتَقْتُلُنِي "، قَالَ:" فَجَمَعَ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ "، قَالَ:" وَصَلَبَهُ وَأَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ فَوَضَعَهُ فِي كَبِدِ الْقَوْسِ ثُمَّ رَمَى، فَقَالَ: باسْمِ رَبِّ الغُلامِ، فَوَقَعَ السَّهْمُ فِي صُدْغِ الْغُلامِ، فَوَضَعَ يَدَهُ هَكَذَا عَلَى صُدْغِهِ وَمَاتَ الْغُلامُ، فَقَالَ النَّاسُ: آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلامِ، فَقَالُوا للْمَلِكِ: مَا صَنَعْتَ، الَّذي كُنْتَ تَحْذَرُ قَدْ وَقَعَ، قَدْ آمَنَ النَّاسُ، فَأَمَرَ بِأَفْوَاهِ السِّكَكِ فَأُخِذَتْ، وَخَدَّ الأخْدُودَ وضَرَّمَ فِيهِ النِّيرَانَ، وَأَخَذَهُمْ وَقَالَ: إنْ رَجَعُوا وَإلا فَأَلْقُوهُمْ فِي النَّارِ "، قَالَ:" فَكَانُوا يُلْقُونَهُمْ فِي النَّارِ "، قَالَ:" فَجَاءتِ امْرأةٌ مَعَها صَبِيٌّ لَهَا "، قَالَ:" فَلَمَّا ذَهَبَتْ تَقْتَحِمُ وَجَدَتْ حَرَّ النَّارِ، فَنَكَصَتْ "، قَالَ:" فَقَالَ لَهَا صَبِيُّهَا يا أُمَّاهُ امْضِي فَإنَّكِ عَلَى الْحَقِّ، فَاقْتَحَمَتْ فِي النَّارِ".
وقال آخرون: بل الذين أحرقتهم النار هم الكفار الذين فتنوا المؤمنين.
* ذكر من قال ذلك:
حُدثت عن عمار، عن عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس، قال: كان أصحاب الأخدود قومًا مؤمنين اعتزلوا الناس في الفترة، وإن جبارًا من عَبَدَة الأوثان أرسل إليهم، فعرض عليهم الدخول في دينه، فأبوا، فخدّ أخدودًا، وأوقد فيه نارًا، ثم خيرهم بين الدخول في دينه، وبين إلقائهم في النار، فاختاروا إلقاءهم في النار، على الرجوع عن دينهم، فألقوا في النار، فنجَّى الله المؤمنين الذين ألقوا في النار من الحريق، بأن قبض أرواحهم قبل أن تمسهم النار، وخرجت النار إلى من على شفير الأخدود من الكفار فأحرقتهم، فذلك قول الله: (فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ) في الآخرة (وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) في الدنيا.
واختُلف في موضع جواب القسم بقوله: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ) فقال بعضهم: جوابه: (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ)
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: وقع القسم هاهنا (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ) . وقال بعض نحويي البصرة: موضع قسمها - والله أعلم - على (قتل أصحاب الأخدود) ، أضمر اللام كما قال: (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ... قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا) يريد: إن شاء الله لقد أفلح من زكَّاها، فألقى اللام، وإن شئت قلت على التقديم، كأنه قال: قتل أصحاب الأخدود، والسماء ذات البروج.
وقال بعض نحويي الكوفة: يقال في التفسير: إن جواب القسم في قوله: (قُتِلَ) كما كان قسم (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا) في قوله: (قَدْ أَفْلَحَ) هذا في التفسير، قالوا: ولم نجد العرب تدع القسم بغير لام يستقبل بها أو "لا" أو "إن" أو "ما" ، فإن يكن ذلك كذلك، فكأنه مما ترك فيه الجواب، ثم استؤنف موضع الجواب بالخبر، كما قيل: "يأَيُّهَا الإنسان" في كثير من الكلام.
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال: جواب القسم في ذلك متروك، والخبر مستأنف؛ لأن علامة جواب القسم لا تحذفها العرب من الكلام إذا أجابته.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 27-07-2025, 10:28 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,450
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ البروج
الحلقة (1396)
صــ 341 الى صــ350








وأولي التأويلين بقوله: (قُتِلَ أَصْحَابُ الأخْدُودِ) : لُعِنَ أصحاب الأخدود الذين ألقوا المؤمنين والمؤمنات في الأخدود.
وإنما قلت: ذلك أولى التأويلين بالصواب؛ للذي ذكرنا عن الربيع من العلة، وهو أن الله أخبر أن لهم عذاب الحريق مع عذاب جهنم، ولو لم يكونوا أحرقوا في الدنيا، لم يكن لقوله: (وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) معنى مفهوم، مع إخباره أن لهم عذاب جهنم؛ لأن عذاب جهنم هو عذاب الحريق مع سائر أنواع عذابها في الآخرة، والأخدود: الحفرة تحفر في الأرض.
وقوله: (النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ) فقوله (النار) : ردّ على الأخدود، ولذلك خفضت، وإنما جاز ردّها عليه وهي غيره، لأنها كانت فيه، فكأنها إذ كانت فيه هو، فجرى الكلام عليه لمعرفة المخاطبين به بمعناه، وكأنه قيل: قتل أصحاب النار ذَاتِ الْوَقُودِ، ويعني بقوله:: (ذَاتِ الْوَقُودِ) ذات الحطب الجزل، وذلك إذا فتحت الواو، فأما الوقود بضم الواو، فهو الاتقاد.
القول في تأويل قوله تعالى: {إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) } .
يقول تعالى ذكره: النار ذات الوقود، إذ هؤلاء الكفار من أصحاب الأخدود عليها، يعني على النار، فقال عليها، والمعنى أنهم قعود على حافة الأخدود، فقيل: على النار، والمعنى: لشفير الأخدود، لمعرفة السامعين معناه.
وكان قتادة يقول في ذلك ما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ) يعني بذلك المؤمنين، وهذا التأويل الذي تأوّله قتادة على مذهب من قال: قُتل أصحاب الأخدود من أهل الأيمان.
وقد دلَّلْنا على أن الصواب من تأويل ذلك غير هذا القول الذي وجَّه تأويله قتادةُ قبله.
وقوله: (وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ) يعني: حضور.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ) يعني بذلك الكفار.
وقوله: (وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ) يقول تعالى ذكره: وما وجد هؤلاء الكفار الذين فتنوا المؤمنين على المؤمنين والمؤمنات بالنار في شيء، ولا فعلوا بهم ما فعلوا بسبب، إلا من أجل أنهم آمنوا بالله، وقال: (إلا أن يؤمنوا بالله) لأن المعنى إلا إيمانهم بالله، فلذلك حَسُنَ في موضعه (يؤمنوا) ، إذ كان الإيمان لهم صفة (الْعَزِيزِ) يقول: الشديد في انتقامه ممن انتقم منه (الْحَمِيدِ) يقول: المحمود بإحسانه إلى خلقه.
القول في تأويل قوله تعالى: {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9) إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10) } .
يقول تعالى ذكره: الذي له سلطان السموات السبع والأرضين وما فيهنّ (وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) يقول تعالى ذكره: والله على فِعْل هؤلاء الكفار من أصحاب الأخدود بالمؤمنين الذين فتنوهم شاهد، وعلى غير ذلك من أفعالهم وأفعال جميع خلقه، وهو مجازيهم جزاءهم.
وقوله: (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) يقول: إن الذين ابْتَلَوُا المؤمنين والمؤمنات بالله بتعذيبهم، وإحراقهم بالنار.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) حرّقوا المؤمنين والمؤمنات.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني
الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا) قَالَ: عَذَّبُوا.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) قال: حرّقوهم بالنار.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) يقول: حرّقوهم.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر، عن ابن أبزى (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) حرّقوهم.
وقوله: (ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا) يقول: ثم لم يتوبوا من كفرهم وفعلهم الذي فعلوا بالمؤمنين والمؤمنات من أجل إيمانهم بالله (فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ) في الآخرة (وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) في الدنيا.
كما حُدثت عن عمار، قال: ثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع (فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ) في الآخرة (وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) في الدنيا.
القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11) إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) } .
يقول تعالى ذكره: إن الذين أقرّوا بتوحيد الله، وهم هؤلاء القوم الذين حرّقهم أصحاب الأخدود وغيرهم من سائر أهل التوحيد (وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) يقول: وعملوا بطاعة الله، وأْتَمروا لأمره، وانتهَوْا عما نهاهم عنه (لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ) يقول: لهم في الآخرة عند الله بساتين تجري من تحتها الأنهار والخمر واللبن والعسل (ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ) يقول: هذا الذي هو لهؤلاء المؤمنين في الآخرة، هو الظفر الكبير بما طلبوا والتمسوا بإيمانهم بالله في الدنيا، وعملهم بما أمرهم الله به فيها ورضيه منهم.
وقوله: (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: إن بطش ربك يا محمد لمن بطش به من خلقه، وهو انتقامه ممن انتقم منه
لشديد، وهو تحذير من الله لقوم رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، أن يُحلّ بهم من عذابه ونقمته، نظير الذي حلّ بأصحاب الأخدود على كفرهم به، وتكذيبهم رسوله، وفتنتهم المؤمنين والمؤمنات منهم.
القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (16) هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (18) } .
اختلف أهل التأويل في معنى قوله: (إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ) فقال بعضهم: معنى ذلك: إن الله أبدى خلقه، فهو يبتدئ، بمعنى: يحدث خلقه ابتداء، ثم يميتهم، ثم يعيدهم أحياء بعد مماتهم، كهيئتهم قبل مماتهم.
* ذكر من قال ذلك:
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (يُبْدِئُ وَيُعِيدُ) يعني: الخلق.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (يُبْدِئُ وَيُعِيدُ) قال: يُبْدِئُ الخلق حين خلقه، ويعيده يوم القيامة.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: إنه هو يُبْدِئُ العذاب ويعيده.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ) قال: يُبْدِئُ العذاب ويعيده.
وأولى التأويلين في ذلك عندي بالصواب، وأشبههما بظاهر ما دلّ عليه التنزيل القولُ الذي ذكرناه عن ابن عباس، وهو أنه يُبْدِئُ العذاب لأهل الكفر به ويعيد، كما قال جلّ ثناؤه: (فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) في الدنيا، فأبدأ ذلك لهم في الدنيا، وهو يعيده لهم في الآخرة.
وإنما قلت: هذا أولى التأويلين بالصواب؛ لأن الله أتبع ذلك قوله: (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ) فكان للبيان عن معنى شدّة بطشه الذي قد ذكره قبله، أشبه به بالبيان
عما لم يَجْرِ له ذكر، ومما يؤيد ما قلنا من ذلك وضوحًا وصحة قوله: (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ) فبيَّن ذلك عن أن الذي قبله من ذكر خبره عن عذابه وشدّة عقابه.
وقوله: (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ) يقول تعالى ذكره: وهو ذو المغفرة لمن تاب إليه من ذنوبه، وذو المحبة له.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (الْغَفُورُ الْوَدُودُ) يقول: الحبيب.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله: (الْغَفُورُ الْوَدُودُ) قال: الرحيم.
وقوله: (ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ) يقول تعالى ذكره: ذو العرش الكريم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ) يقول: الكريم.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (الْمَجِيدُ) فقرأته عامة قرّاء المدينة ومكة والبصرة وبعض الكوفيين رفعًا، ردًّا على قوله: (ذُو الْعَرْشِ) على أنه من صفة الله تعالى ذكره. وقرأ ذلك عامه قرّاء الكوفة خفضًا، على أنه من صفة العرش.
والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان معروفتان، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
وقوله: (فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ) يقول: هو غفار لذنوب من شاء من عباده إذا تاب وأناب منها، معاقب من أصرّ عليها وأقام، لا يمنعه مانع، مِنْ فِعْل أراد أن يفعله، ولا يحول بينه وبين ذلك حائل، لأن له مُلك السموات والأرض، وهو العزيز الحكيم.
وقوله: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: هل جاءك يا محمد حديث الجنود الذين تجندوا على الله ورسوله بأذاهم ومكروههم؛ يقول: قد أتاك ذلك وعلمته، فاصبر لأذى قومك إياك لما نالوك به من
مكروه كما صبر الذين تجند هؤلاء الجنود عليهم من رسلي، ولا يثنيك عن تبليغهم رسالتي، كما لم يُثْن الذين أرسلوا إلى هؤلاء، فإن عاقبة من لم يصدقك ويؤمن بك منهم إلى عطب وهلاك، كالذي كان من هؤلاء الجنود، ثم بين جلّ ثناؤه عن الجنود من هم، فقال: (فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ) يقول: (فرعون) ، فاجتزى بذكره، إذ كان رئيس جنده من ذكر جنده وأتباعه. وإنما معنى الكلام: هل أتاك حديث الجنود، فرعون وقومه وثمود، وخفض فرعون ردًّا على الجنود، على الترجمة عنهم، وإنما فتح لأنه لا يجرى وثمود.
القول في تأويل قوله تعالى: {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (19) وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ (20) بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22) } .
يقول تعالى ذكره: ما بهؤلاء القوم الذين يكذّبون بوعيد الله أنهم لم يأتهم أنباء من قبلهم من الأمم المكذّبة رسل الله كفرعون وقومه، وثمود وأشكالهم، وما أحلّ الله بهم من النقم بتكذيبهم الرسل، ولكنهم في تكذيبهم بوحي الله وتنزيله، إيثارًا منهم لأهوائهم، واتِّباعًا منهم لسنن آبائهم (وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ) بأعمالهم مُحْصٍ لها، لا يخفى عليه منها شيءٌ، وهو مجازيهم على جميعها.
وقوله: (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ) يقول - تكذيبا منه جلّ ثناؤه للقائلين للقرآن هو شعر وسجع: ما ذلك كذلك، بل هو قرآن كريم.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ) يقول: قرآن كريم.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن أشعث بن إسحاق، عن جعفر، عن سعيد، في قوله: (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ) قال: كريم.
وقوله: (فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) يقول تعالى ذكره: هو قرآن كريم مُثْبَت في لوح محفوظ.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (مَحْفُوظٍ) فقرأ ذلك مَن قرأه مِن أهل الحجاز أبو جعفر القارئ وابن كثير، ومن قرأه من قرّاء الكوفة عاصم والأعمش وحمزة
والكسائي، ومن البصريين أبو عمرو (محفوظٍ) خفضًا على معنى أن اللوح هو المنعوت بالحفظ. وإذا كان ذلك كذلك كان التأويل: في لوح محفوظ من الزيادة فيه والنقصان منه عما أثبته الله فيه. وقرأ ذلك من المكِّيين ابن مُحَيْصِن، ومن المدنيين نافع (مَحْفُوظٌ) رفعًا، ردًّا على القرآن، على أنه من نعته وصفته. وكان معنى ذلك على قراءتهما: (بل هو قرآن مجيد) محفوظ من التغيير والتبديل في لوح.
والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان معروفتان في قرأة الأمصار، صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وإذا كان ذلك كذلك، فبأيّ القراءتين قرأ القارئ، فتأويل القراءة التي يقرؤها على ما بيَّنا.
وقد حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا يحيى، قال: ثنا سفيان عن منصور، عن مجاهد (فِي لَوْحٍ) قال: في أمّ الكتاب.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) عند الله.
وقال آخرون: إنما قيل محفوظ لأنه في جبهة إسرافيل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا عمرو بن عليّ، قال: سمعت قرة بن سليمان، قال: ثنا حرب بن سريج، قال: ثنا عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك، في قوله: (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) قال: إن اللوح المحفوظ الذي ذكر الله، (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) في جَبْهَة إسرافيل.
آخر تفسير سورة البروج




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 27-07-2025, 10:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,450
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الطارق
الحلقة (1397)
صــ 351 الى صــ360








تفسير سورة والسماء والطارق




بسم الله الرحمن الرحيم

القول في تأويل قوله تعالى: {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3) إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4) فَلْيَنْظُرِ الإنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7) إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (8) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (9) فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ (10) } .
أقسم ربنا بالسماء وبالطارق الذي يطرق ليلا من النجوم المضيئة، ويخفى نهارًا، وكل ما جاء ليلا فقد طرق.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ) قال: السماء وما يطرق فيها.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ) قال: طارق يطرق بليل، ويخفى بالنهار.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (وَالطَّارِقِ) قال: ظهور النجوم، يقول: يطرقك ليلا.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (الطَّارِقِ) النجم.
(وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:
وما أشعرك يا محمد ما الطارق الذي أقسمتُ به، ثم بين ذلك جلّ ثناؤه، فقال: هو النجم الثاقب، يعني: يتوقد ضياؤه ويتوهَّج.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: (النَّجْمُ الثَّاقِبُ) يعني: المضيء.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (النَّجْمُ الثَّاقِبُ) قال: هي الكواكب المضيئة، وثقوبه: إذا أضاء.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرِمة، في قوله: (النَّجْمُ الثَّاقِبُ) قال: الذي يثقب.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (الثَّاقِبُ) قال: الذي يتوهَّج.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: ثقوبه: ضوءه.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (النَّجْمُ الثَّاقِبُ) : المضيء.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (النَّجْمُ الثَّاقِبُ) قال: كانت العرب تسمِّي الثُّريا النجم، ويقال: إن الثاقبَ النجمُ الذي يقال له زُحَلْ. والثاقب أيضًا: الذي قد ارتفع على النجوم، والعرب تقول للطائر - إذا هو لحق ببطن السماء ارتفاعًا: قد ثَقَبَ، والعرب تقول: أثقِب نارك: أي أضئها.
وقوله: (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ) اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأه من قرّاء المدينة أبو جعفر، ومن قرّاء الكوفة حمزة (لَمَّا عَلَيْهَا) بتشديد الميم. وذُكِر عن الحسن أنه قرأ ذلك كذلك.
حدثني أحمد بن يوسف، قال: ثنا أبو عبيد، قال: ثنا حجاج، عن هارون، عن الحسن أنه كان يقرؤها (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ) مشدّدة، ويقول: إلا ليها حافظ، وهكذا كلّ شيءٍ في القرآن بالتثقيل. وقرأ ذلك من أهل المدينة نافع، ومن أهل
البصرة أبو عمرو: (لَمَا) بالتخفيف، بمعنى: إن كلّ نفس لعليها حافظ، وعلى أن اللام جواب "إن" و "ما" التي بعدها صلة. وإذا كان ذلك كذلك لم يكن فيه تشديد.
والقراءة التي لا أختار غيرَها في ذلك التخفيف، لأن ذلك هو الكلام المعروف من كلام العرب، وقد أنكر التشديد جماعةٌ من أهل المعرفة بكلام العرب؛ أن يكون معروفًا من كلام العرب، غير أن الفرّاء كان يقول: لا نعرف جهة التثقيل في ذلك، ونرى أنها لغةٌ في هذيلٍ، يجعلون "إلا" مع "إن المخففة" : لَمَّا، ولا يجاوزون ذلك، كأنه قال: ما كلّ نفس إلا عليها حافظ، فإن كان صحيحًا ما ذكر الفرّاء من أنها لغة هُذَيلٍ، فالقراءة بها جائزةٌ صحيحةٌ، وإن كان الاختيار أيضًا - إذا صحّ ذلك عندنا - القراءة الأخرى وهي التخفيف؛ لأن ذلك هو المعروف من كلام العرب، ولا ينبغي أن يُترك الأعرف إلى الأنكر.
وقد حدثني أحمد بن يوسف، قال: ثنا أبو عبيد، قال: ثنا معاذ، عن ابن عون، قال: قرأت عند ابن سيرين: (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ) فأنكره، وقال: سبحان الله، سبحان الله.
فتأويل الكلام إذن: إن كلّ نفس لعليها حافظ من ربها، يحفظ عملها، ويُحصي عليها ما تكسب من خير أو شرّ.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (إنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَا عَلَيْهَا حَافِظٌ) قال: كلّ نفس عليها حفظة من الملائكة.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (إنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَا عَلَيْهَا حَافِظٌ) : حفظة يحفظون عملك ورزقك وأجلك، إذا توفيته يا ابن آدم قُبِضت إلى ربك.
وقوله: (فَلْيَنْظُرِ الإنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ)
يقول تعالى ذكره: فلينظر الإنسان المكذّب بالبعث بعد الممات، المُنكر قُدرة الله على إحيائه بعد مماته، (مِمَّ خُلِقَ) يقول: من أيّ شيءٍ خلقه ربه، ثم أخبر جلّ ثناؤه عما خلقه منه، فقال: (خُلِقَ
مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ) يعني: من ماء مدفوق، وهو مما أخرجته العرب بلفظ فاعل، وهو بمعنى المفعول، ويقال: إن أكثر من يستعمل ذلك من أحياء العرب سكان الحجاز إذا كان في مذهب النعت، كقولهم: هذا سرٌّ كاتم وهمٌّ ناصب، ونحو ذلك.
وقوله: (يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ) يقول: يخرج من بين ذلك، ومعنى الكلام: منهما، كما يقال: سيخرج من بين هذين الشيئين خير كثير، بمعنى: يخرج منهما.
واختلف أهل التأويل في معنى الترائب وموضعها، فقال بعضهم: الترائب: موضع القلادة من صدر المرأة.
* ذكر من قال ذلك.
حدثني عبد الرحمن بن الأسود الطفاويّ، قال: ثنا محمد بن ربيعة، عن سَلَمَة بن سابور، عن عطية العَوْفِيّ، عن ابن عباس (الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ) قال: الترائب: موضع القِلادة.
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ) يقول: من بين ثدي المرأة.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، قال: سُئل عكرِمة عن الترائب، فقال: هذه، ووضع يده على صدره بين ثدييه.
حدثني ابن المثنى، قال: ثني سلم بن قتيبة، قال: ثني عبد الله بن النُّعمان الحُدَانيّ، أنه سمع عكرِمة يقول: (يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ) قال: صُلْب الرجل، وترائب المرأة.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن شريك، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، قال: الترائب الصدر.
قال: ثنا ابن يمان، عن مِسْعَر، عن الحكم، عن أبي عياض، قال: (التَّرَائِبِ) : الصدر.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ) قال: الترائب: الصدر. وهذا الصلب وأشار إلى ظهره.
وقال آخرون: الترائب: ما بين المنكبين والصدر.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن إسرائيل، عن ثُوَير، عن مجاهد، قال: (الترائِبِ) ما بين المنكبين والصدر.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (التَّرَائِبِ) قال: أسفل من التراقي.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، قال: الصُّلْب للرجل، والترائب للمرأة، والترائب فوق الثديين.
وقال آخرون: هو اليدان والرجلان والعينان.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ) قال: فالترائب أطراف الرجل واليدان والرجلان والعينان، فتلك الترائب.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي رَوْق، عن الضحاك (يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ) قال: الترائب: اليدان والرجلان.
قال: ثنا مهران، عن سفيان، قال: قال غيره: الترائب: ماء المرأة وصلب الرجل.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ) : عيناه ويداه ورجلاه.
وقال آخرون: معنى ذلك، أنه يخرج من بين صلب الرجل ونحره.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ) يقول: يخرج من بين صلب الرجل ونحره.
وقال آخرون: هي الأضلاع التي أسفل الصلب.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد، في قوله: (يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ) قال: الترائب: الأضلاع التي أسفل الصلب.
وقال آخرون: هي عصارة القلب.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني الليث، أن معمر بن أبي حَبِيبة المَدِيني حدّثه، أنه بلغه في قول الله: (يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ) قال: هو عُصَارة القلب، ومنه يكون الولد.
والصواب من القول في ذلك عندنا، قولُ من قال: هو موضع القِلادة من المرأة، حيث تقع عليه من صدرها؛ لأن ذلك هو المعروف في كلام العرب، وبه جاءت أشعارهم، قال المثقَّب العبدي:
وَمِنْ ذَهَبٍ يُسَنُّ عَلَى تَرِيبٍ ... كَلَوْنِ العَاجِ لَيْسَ بِذِي غُضُونِ (1)
وقال آخر:
وَالزَّعْفَرَانُ عَلَى تَرَائِبِهَا شَرِقا ... بِهِ اللَّبَّاُت والنَّحْرُ (2)
وقوله: (إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ) يقول تعالى ذكره: إن هذا الذي خلقكم أيها الناس من هذا الماء الدافق، فجعلكم بشرًا سويًا، بعد أن كنتم ماء مدفوقًا، على رجعه لقادر.
واختلف أهل التأويل في الهاء التي في قوله: (عَلَى رَجْعِهِ) على ما هي عائدةٌ، فقال بعضهم: هي عائدة على الماء. وقالوا: معنى الكلام: إن الله على ردّ النطفة في الموضع التي خرجت منه (لَقَادِرٌ) .
(1)
الأثر 170 - مضى الكلام على هذا الإسناد: 144. وأما لفظه فلم يذكره أحد منهم.

(2)
الخبر 171 - إسناده ضعيف، بيناه في: 137. وهذا الخبر والذي بعده 172 جمعهما السيوطي 1: 14، ونسبهما أيضًا لابن أبي حاتم.

* ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، عن أبي رجاء، عن عكرِمة، في قوله: (إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ) قال: إنه على رَدّه في صُلْبه لقادر.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله، قال: ثنا شعبة، عن أبي رجاء، عن عكرمة في قوله: (إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ) قال: لِلصُّلب.
حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري، قال: ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربيّ، عن ليث، عن مجاهد، في قوله: (إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ) قال: على أن يرد الماء في الإحليل.
حدثني نصر بن عبد الرحمن الأوْدِيّ الوشاء، قال: ثنا أبو قَطَن عمرو بن الهيثم، عن ورقاء، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن عبد الله بن أبي بكر، عن مجاهد، في قوله: (إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ) قال: على ردّ النطفة في الإحليل.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ) قال: في الإحليل.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد (إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ) قال: ردّه في الإحليل.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: إنه على ردّ الإنسان ماءً كما كان قبل أن يخلقه منه.
* ذكر من قال ذلك:
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ) إن شئتُ رددتُه كما خلقته من ماءٍ.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: إنه على حبس ذلك الماء لقادرٌ.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ) قال: على رجع ذلك الماء لقادرٌ، حتى لا يخرج، كما قدر على أن يخلق منه ما خلق قادر على أن يرجعه.
وقال آخرون: بل معنى ذلك أنه قادر على رجع الإنسان من حال الكبر إلى حال الصغر.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن مقاتل بن حيان، عن الضحاك قال: سمعته يقول في قوله: (إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ) يقول: إن شئتُ رددته من الكبر إلى الشباب، ومن الشباب إلى الصِّبا، ومن الصبا إلى النطفة. وعلى هذا التأويل تكون الهاء في قوله: (عَلَى رَجْعِهِ) من ذكر الإنسان.
وقال آخرون، ممن زعم أن الهاء للإنسان: معنى ذلك أنه على إحيائه بعد مماته لقادر.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ) إن الله تعالى ذكره على بعثه وإعادته قادر.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معنى ذلك: إن الله على ردّ الإنسان المخلوق من ماء دافق من بعد مماته حيًّا، كهيئته قبل مماته لقادر.
وإنما قلت: هذا أولى الأقوال في ذلك بالصواب؛ لقوله: (يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ) فكان في إتباعه قوله: (إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ) نبأ من أنباء القيامة، دلالة على أن السابق قبلها أيضًا منه، ومنه (يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ) يقول تعالى ذكره: إنه على إحيائه بعد مماته لقادر يوم تُبلى السرائر، فاليوم من صفة الرجع، لأن المعنى: إنه على رجعه يوم تبلى السرائر لقادر.
وَعُنِي بقوله: (يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ)
يوم تُخْتَبَرُ سرائر العباد، فيظهر منها يومئذ ما كان في الدنيا مستخفيًا عن أعين العباد من الفرائض التي كان الله ألزمه إياها، وكلَّفه العمل بها.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حُدثت عن عبد الله بن صالح، عن يحيى بن أيوب، عن ابن جريج، عن عطاء بن أبي رباح، في قوله: (يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ) قال: ذلك الصوم والصلاة وغسل الجنابة، وهو السرائر، ولو شاء أن يقول: قد صُمْتُ، وليس بصائم، وقد صلَّيتُ، ولم يصلّ، وقد اغتسلت، ولم يغتسل.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ) إن هذه السرائر مختبرة، فأسِرّوا خيرًا وأعلنوه إن استطعتم، ولا قوّة إلا بالله.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان (يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ) قال: تُخْتَبَر.
وقوله: (فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ) يقول تعالى ذكره: فما للإنسان الكافر يومئذ من قوّة يمتنع بها من عذاب الله، وأليم نكاله، ولا ناصر ينصره فيستنقذه ممن ناله بمكروه، وقد كان في الدنيا يرجع إلى قوّةٍ من عشيرته، يمتنع بهم ممن أراده بسوءٍ، وناصرٍ من حليفٍ ينصره على من ظلمه واضطهده.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ) ينصره من الله.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (وَلا نَاصِرٍ) قال: من قوّة يمتنع بها، ولا ناصر ينصره من الله.
حدثني عليّ بن سهل، قال: ثنا ضَمْرة بن ربيعة، عن سفيان الثوري، في قوله: (مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ) قال: القوّة: العشيرة، والناصر: الحليف.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11) وَالأرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (12) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (14) إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (17) } .
يقول تعالى ذكره: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ) ترْجع بالغيوم وأرزاق العباد كلّ عام؛ ومنه قول المتنخِّل في صفة سيف:
أبْيَضُ كالرَّجْعِ رَسُوبٌ إذَا ... مَا ثَاخَ فِي مُحْتَفَلٍ يَخْتَلِي (1)
(1)
ديوان الستة الجاهليين: 31. يصف ناقته. تباري: تجاريها وتسابقها. والعتاق جمع عتيق: وهو الكريم المعرق في كرم الأصل. وناجيات: مسرعات في السير، من النجاء، وهو سرعة السير. والوظيف: من رسغي البعير إلى ركبتيه في يديه، وأما في رجليه فمن رسغيه إلى عرقوبيه. وعنى بالوظيف هنا: الخف.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، قال: ثنا سفيان، عن خصيف، عن عكرِمة، عن ابن عباس: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ) قال: السحاب فيه المطر.
حدثنا عليّ بن سهل، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن خَصِيف، عن عكرِمة، عن ابن عباس في قوله: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ) قال: ذات السحاب فيه المطر.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ) يعني بالرجع: القطر والرزق كلّ عام.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ) قال: ترجع بأرزاق الناس كلّ عام؛ قال أبو رجاء: سُئل عنها عكرِمة، فقال: رجعت بالمطر.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (ذَاتِ الرَّجْعِ) قال: السحاب يمطر، ثم يَرجع بالمطر.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ) قال: ترجع بأرزاق العباد كلّ عام، لولا ذلك هلَكوا، وهلَكت مواشيهم.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ) قال: ترجع بالغيث كلّ عام.
حُدثت عن الحسين: قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ) يعني: المطر.
وقال آخرون: يعني بذلك: أن شمسها وقمرها يغيب ويطلُع.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 27-07-2025, 10:35 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,450
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعلى
الحلقة (1398)
صــ 361 الى صــ370




* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ) قال: شمسها وقمرها ونجومها يأتين من هاهنا.
وقوله: (وَالأرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ) يقول تعالى ذكره: والأرض ذات الصدع بالنبات.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن خَصِيف، عن عكرِمة، عن ابن عباس (وَالأرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ) قال: ذات النبات.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (وَالأرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ) يقول: صدعها إخراج النبات في كلّ عام.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَيَة، عن أبي رجاء، عن الحسن (وَالأرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ) قال: هذه تصدع عما تحتها؛ قال أبو رجاء: وسُئل عنها عكرِمة، فقال: هذه تصدع عن الرزق.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، عن ابن أبي نجيح، قال مجاهد: (وَالأرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ) مثل المأزم مأزم منى.
حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وَالأرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ) قال: الصدع: مثل المأزم، غير الأودية وغير الجُرُف.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَالأرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ) تصدع عن الثمار وعن النبات كما رأيتم.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (وَالأرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ) قال: تصدع عن النبات.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَالأرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ) وقرأ: (ثُمَّ شَقَقْنَا الأرْضَ شَقًّا فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا وَقَضْبًا) إلى آخر الآية، قال: صدعها للحرث.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (وَالأرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ) :النبات.
وقوله: (إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ) يقول تعالى ذكره: إن هذا القول وهذا الخبر لقول فصل: يقول: لقول يفصل بين الحقّ والباطل ببيانه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل على اختلاف منهم في العبارة عنه، فقال بعضهم: لقول حقّ. وقال بعضهم: لقول حكم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ) يقول: حقّ.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ) :أي حُكْم.
وقوله: (وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ) يقول: وما هو باللعب ولا الباطل.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ) يقول: بالباطل.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ) قال: باللعب.
وقوله: (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا) يقول تعالى ذكره: إن هؤلاء المكذّبين بالله ورسوله والوعد والوعيد يمكرون مكرًا.
وقوله: (وَأَكِيدُ كَيْدًا) يقول: وأمكر مكرًا؛ ومكره جلّ ثناؤه بهم: إملاؤه إياهم على معصيتهم وكفرهم به.
وقوله: (فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فمهِّل يا محمد الكافرين ولا تعجل عليهم (أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا) يقول: أمهلهم آنًا قليلا وأنظرهم للموعد الذي هو وقت حلول النقمة بهم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثنا معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا) يقول: قريبًا.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا) الرويد: القليل.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا) قال: مَهِّلْهم، فلا تعجل عليهم تَرْكَهُمْ، حتى لمَّا أراد الانتصار منهم أمره بجهادهم وقتالهم، والغلظة عليهم.
آخر تفسير سورة والسماء والطارق.




تفسير سورة سبح اسم ربك الأعلى



بسم الله الرحمن الرحيم
القول في تأويل قوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4) فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى (5) سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى (6) إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (7) } .
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى) فقال بعضهم: معناه: عظم ربك الأعلى، لا ربّ أعلى منه وأعظم، وكان بعضهم إذا قرأ ذلك قال: سبحان ربي الأعلى.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عمر أنه كان يقرأ: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى) سبحان ربي الأعلى (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى) قال: وهي في قراءة أُبيّ بن كعب كذلك.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: سفيان، عن السدي، عن عبد خير، قال: سمعت عليًا رضي الله عنه قرأ: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى) فقال: سبحان ربي الأعلى.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن أبي إسحاق الهمداني، أن ابن عباس، كان إذا قرأ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى) يقول: سبحان ربي الأعلى، وإذا قرأ (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ) فأتى على آخرها (أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) ؟ يقول: سبحانك اللهمّ وبَلَى.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى) ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأها قال: سبحان ربي الأعلَى.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن خارجة، عن داود، عن زياد بن عبد الله، قال: سمعت ابن عباس يقرأ في صلاة المغرب: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى) سبحان ربي الأعلَى.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: نزه يا محمد اسم ربك الأعلى، أن تسمي به شيئًا سواه، ينهاه بذلك أن يفعل ما فعل من ذلك المشركون من تسميتهم آلهتهم بعضها اللات وبعضها العزّى.
وقال غيرهم: بل معنى ذلك: نزه الله عما يقول فيه المشركون كما قال: (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ) وقالوا: معنى ذلك: سبح ربك الأعلى؛ قالوا: وليس الاسم معنيًا.
وقال آخرون: نزه تسميتك يا محمد ربك الأعلى وذكرك إياه أن تذكره إلا وأنت له خاشع متذلل؛ قالوا: وإنما عُنِي بالاسم: التسمية، ولكن وُضع الاسم مكان المصدر.
وقال آخرون: معنى قوله: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى) : صلّ بذكر ربك يا محمد، يعني بذلك: صلّ وأنت له ذاكر، ومنه وجل خائف.
وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب قول من قال: معناه: نزه اسم ربك أن تدعو به الآلهة والأوثان، لما ذكرت من الأخبار، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن الصحابة أنهم كانوا إذا قرءوا ذلك قالوا: سبحان ربي الأعلى، فَبَيَّن بذلك أن معناه كان عندهم معلوما: عظم اسم ربك ونزهه.
وقوله: (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى) يقول: الذي خلق الأشياء فسوىّ خلقها، وعدّلها، والتسوية التعديل.
وقوله: (وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى) يقول تعالى ذكره: والذي قدّر خلقه فهدى.
واختلف أهل التأويل في المعنى الذي عُنِي بقوله: (فَهَدَى) ، فقال بعضهم: هدى الإنسان لسبيل الخير والشرّ، والبهائم للمراتع.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث،
قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (قَدَّرَ فَهَدَى) قال: هدى الإنسان للشِّقوة والسعادة، وهَدى الأنعام لمراتعها.
وقال آخرون: بل معنى ذلك، هدى الذكور لمأتى الإناث. وقد ذكرنا الرواية بذلك فيما مضى.
والصواب من القول في ذلك عندنا، أن الله عمّ بقوله: (فَهَدَى) الخبر عن هدايته خلقه، ولم يخصص من ذلك معنى دون معنى، وقد هداهم لسبيل الخير والشرّ، وهدى الذكور لمأتى الإناث، فالخبر على عمومه حتى يأتي خبر تقوم به الحجة، دالّ على خصوصه. واجتمعت قرّاء الأمصار على تشديد الدال من قدّر، غير الكسائي فإنه خفَّفها.
والصواب في ذلك التشديد، لإجماع الحجة عليه.
وقوله: (وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى) يقول: والذي أخرج من الأرض مرعى الأنعام من صنوف النبات وأنواع الحشيش.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب بن مكرم، قال ثنا الحفري، قال ثنا سفيان، عن منصور، عن أبي رزين (أَخْرَجَ الْمَرْعَى) قال النبات.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى ... ) الآية، نبت كما رأيتم بين أصفر وأحمر وأبيض.
وقوله: (فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى) يقول تعالى ذكره: فجعل ذلك المرعى غُثاء، وهو ما جفّ من النبات ويبس، فطارت به الريح؛ وإنما عُني به هاهنا أنه جعله هشيمًا يابسًا متغيرًا إلى الحُوَّة، وهي السواد من بعد البياض أو الخضْرة، من شدّة اليبس.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: (غُثَاءً أَحْوَى) يقول: هشيمًا متغيرًا
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد،
قوله: (غُثَاءً أَحْوَى) قال: غثاء السيل أحوى، قال: أسود.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: (غُثَاءً أَحْوَى) قال: يعود يبسًا بعد خُضرة.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى) قال: كان بقلا ونباتًا أخضر، ثم هاج فيبُس، فصار غُثاء أحوى تذهب به الرياح والسيول. وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يرى أن ذلك من المؤخَّر الذي معناه التقديم، وأن معنى الكلام: والذي أخرج المرعى أحوى: أي أخضر إلى السواد، فجعله غثاء بعد ذلك، ويعتلّ لقوله ذلك بقول ذي الرُّمة:
حَوَّاءُ قَرْحاءُ أشْراطِيَّةٌ وَكَفَتْ ... فِيهَا الذِّهَابُ وَحَفَّتْهَا الْبَرَاعِيمُ (1)
وهذا القول وإن كان غير مدفوع أن يكون ما اشتدّت خضرته من النبات، قد تسميه العرب أسود، غير صواب عندي بخلافه تأويل أهل التأويل في أن الحرف إنما يحتال لمعناه المخرج بالتقديم والتأخير إذا لم يكن له وجه مفهوم إلا بتقديمه عن موضعه، أو تأخيره، فأما وله في موضعه وجه صحيح فلا وجه لطلب الاحتيال لمعناه بالتقديم والتأخير.
وقوله: (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ) يقول تعالى ذكره: سنقرئك
(1)
في المخطوطة: "الموطن" ، وهو قريب المعنى.

يا محمد هذا القرآن فلا تنساه، إلا ما شاء الله.
ثم اختلف أهل التأويل في معنى قوله: (فَلا تَنْسَى إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ) فقال بعضهم: هذا إخبار من الله نبيه عليه الصلاة والسلام أنه يعلمه هذا القرآن ويحفظه عليه، ونهي منه أن يعجل بقراءته كما قال جلّ ثناؤه: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 27-07-2025, 10:55 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,450
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعلى
الحلقة (1399)
صــ 371 الى صــ380





* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن؛ قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى) قال: كان يتذكر القرآن في نفسه مخافة أن ينسى، فقال قائلو هذه المقالة: معنى الاستثناء في هذا الموضع على النسيان، ومعنى الكلام: فلا تنسى، إلا ما شاء الله أن تنساه، ولا تذكُرَه، قالوا: ذلك هو ما نسخه الله من القرآن، فرفع حكمه وتلاوته.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى) كان صلى الله عليه وسلم لا ينسى شيئًا (إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ) .
وقال آخرون: معنى النسيان في هذا الموضع: الترك؛ وقالوا: معنى الكلام: سنقرئك يا محمد فلا تترك العمل بشيء منه، إلا ما شاء الله أن تترك العمل به، مما ننسخه.
وكان بعض أهل العربية يقول في ذلك: لم يشأ الله أن تنسى شيئًا، وهو كقوله: (خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ) ولا يشاء. قال: وأنت قائل في الكلام: لأعطينك كلّ ما سألت إلا ما شئت، وإلا أن أشاء أن أمنعك، والنية أن لا تمنعه، ولا تشاء شيئًا. قال: وعلى هذا مجاري الأيمان، يستثنى فيها، ونية الحالف: اللمام.
والقول الذي هو أولى بالصواب عندي قول من قال: معنى ذلك: فلا تنسى إلا أن نشاء نحن أن نُنسيكه بنسخه ورفعه.
وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب، لأن ذلك أظهر معانيه.
وقوله: (إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى) يقول تعالى ذكره: إن الله يعلم الجهر
يا محمد من عملك ما أظهرته وأعلنته (وَمَا يَخْفَى) يقول: وما يخفى منه فلم تظهره مما كتمته، يقول: هو يعلم جميع أعمالك سرّها وعلانيتها؛ يقول: فاحذره أن يطلع عليك وأنت عامل في حال من أحوالك بغير الذي أذن لك به.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى (8) فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (10) وَيَتَجَنَّبُهَا الأشْقَى (11) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (12) ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا (13) } .
يقول تعالى ذكره: ونسهلك يا محمد لعمل الخير وهو اليُسرَى، واليُسرَى: هو الفُعلى من اليسر.
وقوله: (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى) يقول تعالى ذكره: فذكِّر عباد الله يا محمد عظمته، وعِظْهم، وحذّرهم عقوبته (إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى) يقول: إن نفعت الذكرى الذين قد آيستُك من إيمانهم، فلا تنفعهم الذكرى. وقوله: (فَذَكِّرْ) أمر من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم بتذكير جميع الناس، ثم قال: إن نفعت الذكرى هؤلاء الذين قد آيستك من إيمانهم.
وقوله: (سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى) يقول جلّ ثناؤه: سَيَذَّكَّرُ يا محمد إذا ذكرت الذين أمرتك بتذكيرهم من يخشى الله، ويخاف عقابه (وَيَتَجَنَّبُهَا) يقول: ويتجنَّب الذكرى (الأشْقَى) يعني: أشقى الفريقين (الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى) وهم الذين لم تنفعهم الذكرى.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى) فاتقوا الله، ما خشي الله عبد قطّ إلا ذكره (وَيَتَجَنَّبُهَا الأشْقَى) فلا والله لا يتنكَّب عبد هذا الذكر زهدًا فيه وبُغضًا لأهله، إلا شَقِيٌّ بَيِّن الشقاء.
وقوله: (الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى) يقول: الذي يَرِد نار جهنم، وهي النار
الكبرى، ويعني بالكبرى لشدّة الحرّ والألم.
وقوله: (ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا) يقول: ثم لا يموت في النار الكبرى ولا يحيا، وذلك أن نفس أحدهم تصير فيها في حلقه، فلا تخرج فتفارقه فيموت، ولا ترجع إلى موضعها من الجسم فيحيا. وقيل: لا يموت فيها فيستريح، ولا يحيا حياة تنفعه.
وقال آخرون: قيل ذلك؛ لأن العرب كانت إذا وصفت الرجل بوقوع في شدة شديدة، قالوا: لا هو حيّ، ولا هو ميت، فخاطبهم الله بالذي جرى به ذلك من كلامهم.
القول في تأويل قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15) } .

القول في تأويل قوله تعالى: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17) إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19) } .
يقول تعالى ذكره: قد نجح وأدرك طلبته من تطهَّر من الكفر ومعاصي الله، وعمل بما أمره الله به، فأدّى فرائضه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) يقول: مَنْ تَزَكَّى من الشرك.
حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، قال: ثنا هشام، عن الحسن، في قوله: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) قال: من كان عمله زاكيًا.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) قال: يعمل وَرِعًا.
حدثني سعد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا حفص بن عُمر العَدَنيّ، عن الحكم، عن عكرِمة، في قوله: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) من قال: لا إله إلا الله.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: قد أفلح من أدّى زكاة ماله.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عليّ بن الأقمر، عن أبي الأحوص (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) قال: من استطاع أن يرضَخَ فليفعل، ثم ليقم فليصلّ.
حدثنا محمد بن عمارة الرازي، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا سفيان، عن علي بن الأقمر، عن أبي الأحوص (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) قال: من رَضَخَ (1) .
حدثنا محمد بن عمارة، قال: ثنا عثمان بن سعيد بن مرَّة، قال: ثنا زهير، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، قال: إذا أتى أحدكم سائل وهو يريد الصلاة، فليقدّم بين يدي صلاته زكاته، فإن الله يقول: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) فمن استطاع أن يقدّم بين يدي صلاته زكاةً فليفعل.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) تزكى رجل من ماله، وأرضى خالقه.
وقال آخرون: بل عُنِي بذلك زكاة الفطر.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عمرو بن عبد الحميد الآملي، قال: ثنا مروان بن معاوية، عن أبي خلدة، قال: دخلت على أبي العالية، فقال لي: إذا غَدَوت غدًا إلى العيد فمرّ بي، قال: فمررت به، فقال: هل طَعِمت شيئا؟ قلت: نعم، قال: أَفَضْت على نفسك من الماء؟ قلت: نعم، قال: فأخبرني ما فعلت بزكاتك؟ قلت: قد وجَّهتها، قال: إنما أردتك لهذا، ثم قرأ: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) وقال: إن أهل المدينة لا يَرَونَ صدقة أفضل منها ومن سِقَاية الماء.
وقوله: (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) فقال بعضهم: معنى ذلك: وحَّد الله.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) يقول: وحَّد الله سبحانه وتعالى.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وذكر الله ودعاه ورغب إليه.
(1)
الخبر 172 - هو بالإسناد الضعيف قبله. وأشرنا إليه هناك.

والصواب من القول في ذلك أن يقال: وذكر الله فوحَّده، ودعاه ورغب إليه؛ لأن كلّ ذلك من ذكر الله، ولم يُخصص الله تعالى من ذكره نوعًا دون نوع.
وقوله: (فَصَلَّى) اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك. فقال بعضهم: عُنِي به: فصلى الصلوات الخمس.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (فَصَلَّى) يقول: صلَّى الصلوات الخمس.
وقال آخرون: عُنِيَ به: صلاة العيد يوم الفطر.
وقال آخرون: بل عُنِيَ به: وذكر اسم ربه فدعا، وقالوا: الصلاة هاهنا: الدعاء.
والصواب من القول أن يقال: عُنِيَ بقوله: (فَصَلَّى) : الصلوات، وذكر الله فيها بالتحميد والتمجيد والدعاء.
وقوله: (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا)
يقول للناس: بل تؤثرون أيها الناس زينة الحياة الدنيا على الآخرة (وَالآخِرَةُ خَيْرٌ) لكم (وَأَبْقَى) يقول: وزينة الآخرة خير لكم أيها الناس وأبقى، لأن الحياة الدنيا فانية، والآخرة باقية، لا تنفَدُ ولا تفنى.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) فاختار الناس العاجلة إلا من عصم الله. وقوله: (وَالآخِرَةُ خَيْرٌ) في الخير (وَأَبْقَى) في البقاء.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا أبو حمزة، عن عطاء، عن عَرْفَجَة الثقفي، قال: استقرأت ابن مسعود (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى) ، فلما بلغ: (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) ترك القراءة وأقبل على أصحابه، وقال: آثرنا الدنيا على الآخرة، فسكت القوم، فقال: آثرنا الدنيا؛ لأنا رأينا زينتها ونساءها وطعامها وشرابها، وزُوِيت عنا الآخرة، فاخترنا هذا العاجل، وتركنا الآجل.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) فقرأ ذلك عامَّة قرّاء الأمصار: (بَلْ تُؤْثِرُونَ) بالتاء، إلا أبا عمرو فإنه قرأه بالياء، وقال: يعني الأشقياء.
والذي لا أوثر عليه في قراءة ذلك التاء، لإجماع الحجة من القرّاء عليه. وذُكر أن ذلك في قراءة أُبي: (بَلْ أَنْتُمْ تُؤْثِرُونَ) فذلك أيضًا شاهد لصحة القراءة بالتاء.
وقوله: (إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأولَى) اختلف أهل التأويل في الذي أشير إليه بقوله هذا، فقال بعضهم: أُشير به إلى الآيات التي في (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى) .
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبيه، عن عكرِمة (إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى) يقول: الآيات التي في (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى) .
وقال آخرون: قصة هذه السورة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية (إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى) قال: قصة هذه السورة لفي الصحف الأولى.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: إن هذا الذي قصّ الله تعالى في هذه السورة (لَفِي الصُّحُفِ الأولَى) .
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأولَى) قال: إن هذا الذي قصّ الله في هذه السورة، لفي الصحف الأولى (صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى) .
وقال آخرون: بل عُنِي بذلك أن قوله: (وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) في الصحف الأولى.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأولَى) قال: تتابعت كتب الله كما تسمعون أن الآخرة خير وأبقى.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى) قال: في الصحف التي أنزلها الله
على إبراهيم وموسى أن الآخرة خير من الأولى.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: إن قوله: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) لفي الصحف الأولى، صحف إبراهيم خليل الرحمن، وصحف موسى بن عمران.
وإنما قلت: ذلك أولى بالصحة من غيره؛ لأن هذا إشارة إلى حاضر، فلأن يكون إشارة إلى ما قرب منها أولى من أن يكون إشارة إلى غيره. وأما الصحف: فإنها جمع صحيفة، وإنما عُنِي بها: كتب إبراهيم وموسى.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن أبي الخلد، قال: نزلت صحف إبراهيم في أوّل ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لستّ ليال خلون من رمضان، وأنزل الزبور لاثنتي عشرة ليلة، وأنزل الإنجيل لثماني عشرة، وأنزل الفرقان لأربع وعشرين.
آخر تفسير سورة سبح اسم ربك الأعلى
تفسير سورة الغاشية




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 27-07-2025, 10:59 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,450
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الغاشية
الحلقة (1400)
صــ 381 الى صــ390





بسم الله الرحمن الرحيم
القول في تأويل قوله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (3) تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً (4) تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (5) لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلا مِنْ ضَرِيعٍ (6) لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (7) } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (هَلْ أَتَاكَ) يا محمد (حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ) يعني: قصتها وخبرها.
واختلف أهل التأويل في معنى الغاشية، فقال بعضهم: هي القيامة تغشي الناس بالأهوال.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس (الْغَاشِيَةِ) من أسماء يوم القيامة، عظَّمه الله، وحذّره عباده.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ) قال: الغاشية: الساعة.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ) قال: الساعة.
وقال آخرون: بل الغاشية: النار تغشَى وجوه الكَفَرة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن يمان، عن أشعث، عن سعيد، في قوله:
(هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ) قال: غاشية النار.
والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ) لم يخبرنا أنه عنى غاشية القيامة، ولا أنه عنى غاشية النار. وكلتاهما غاشية، هذه تغشى الناس بالبلاء والأهوال والكروب، وهذه تغشي الكفار باللفح في الوجوه، والشُّواظ والنحاس، فلا قول في ذلك أصحّ من أن يقال كما قال جلّ ثناؤه، ويعمّ الخبر بذلك كما عمه.
وقوله: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ) يقول تعالى ذكره: وجوه يومئذ، وهي وجوه أهل الكفر به
خاشعة، يقول: ذليلة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ) : أي ذليلة.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (خَاشِعَةٌ) قال: خاشعة في النار.
وقوله: (عَامِلَةٌ) يعني: عاملة في النار. وقوله: (ناصِبَةٌ) يقول: ناصبة فيها.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ) فإنها تعمل وَتَنْصَب من النار.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، قال: سمعت الحسن، قرأ: (عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ) قال: لم تعمل لله في الدنيا، فأعملها في النار.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ) تكبرت في الدنيا عن طاعة الله، فأعملها وأنصبها في النار.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ) قال: عاملة ناصبة في النار.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ) قال: لا أحد أنصَبُ ولا أشدّ من أهل النار.
وقوله: (تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً) يقول تعالى ذكره: ترد هذه الوجوه نارًا حامية قد حميت واشتد حرها.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الكوفة (تَصْلَى) بفتح التاء، بمعنى: تصلى الوجوه. وقرأ ذلك أبو عمرو (تُصْلَى) بضم التاء اعتبارًا بقوله: (تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ) ، والقول في ذلك أنهما قراءتان صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
وقوله: (تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ) يقول: تسقى أصحاب هذه الوجوه من شَرَاب عين قد أنى حرّها، فبلغ غايته في شدة الحرّ.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ) قال: هي التي قد أطال أنينها.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَيَة، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: (تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ) قال: أنَى طبخها منذ يوم خلق الله الدنيا.
حدثني به يعقوب مرّة أخرى، فقال: منذ يوم خلق الله السموات والأرض.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ) قال: قد بلغت إناها، وحان شربها.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ) يقول: قد أنَى طبخها منذ خلق الله السموات والأرض.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن، في قوله: (مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ) قال: من عين أنَى حرّها: يقول: قد بلغ حرّها.
وقال بعضهم: عُنِيَ بقوله: (مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ) من عين حاضرة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ) قال: آنية: حاضرة.
وقوله: (لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلا مِنْ ضَرِيعٍ) يقول: ليس لهؤلاء الذين هم أصحاب الخاشعة العاملة الناصبة يوم القيامة طعام، إلا ما يطعمونه من ضَرِيع. والضريع عند العرب: نبت يُقال له الشِّبْرِق، وتسميه أهل الحجاز الضَّريع إذا يبس، ويسميه غيرهم: الشِّبْرق، وهو سمّ.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلا مِنْ ضَرِيعٍ) قال: الضريع: الشِّبْرق.
حدثني محمد بن عُبيد المحاربيّ، قال: ثنا عباد بن يعقوب الأسديّ، قال محمد: ثنا، وقال عباد: أخبرنا محمد بن سليمان، عن عبد الرحمن الأصبهانيّ، عن عكرِمة في قوله: (لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلا مِنْ ضَرِيعٍ) قال: الشِّبرق.
حدثني يعقوب، قال: ثنا إسماعيل بن عُلَية، عن أبي رجاء، قال: ثني نجدة، رجل من عبد القيس عن عكرمة، في قوله: (لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلا مِنْ ضَرِيعٍ) قال: هي شجرة ذات شوك، لاطئة بالأرض، فإذا كان الربيع سمَّتها قريش الشِّبرق، فإذا هاج العود سمتها الضَّريع.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد (لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلا مِنْ ضَرِيعٍ) قال: الشبرق.
حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مِهران، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد، مثله.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن؛ قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (ضَرِيعٍ) قال: الشِّبرق اليابس.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (إِلا مِنْ ضَرِيعٍ) قال: هو الشبرق إذا يبس يسمى الضريع.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلا مِنْ ضَرِيعٍ) يقول: من شرّ الطعام، وأبشعه وأخبثه.
حدثني محمد بن عبيد، قال: ثنا شريك بن عبد الله، في قوله: (لَيْسَ لَهُمْ
طَعَامٌ إِلا مِنْ ضَرِيعٍ) قال: الشبرق.
وقال آخرون: الضَّرِيع: الحجارة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن يمان، عن جعفر، عن سعيد، في قوله: (لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلا مِنْ ضَرِيعٍ) قال: الحجارة.
وقال آخرون: الضَّرِيع: شجر من نار.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلا مِنْ ضَرِيعٍ) يقول: شجر من نار.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلا مِنْ ضَرِيعٍ) قال: الضريع: الشَّوك من النار. قال: وأما في الدنيا فإنَّ الضريع: الشوك اليابس الذي ليس له ورق، تدعوه العرب الضريع، وهو في الآخرة شوك من نار
وقوله: (لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ) يقول: لا يُسمن هذا الضريع يوم القيامة أكلته من أهل النار، (ولا يُغني من جوع) يقول: ولا يُشْبعهم من جوع يصيبهم.
القول في تأويل قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (8) لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (9) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (10) لا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً (11) فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ (12) فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13) وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ (14) وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15) وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (16) } .
يقول تعالى ذكره: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ) يعني: يوم القيامة (نَاعِمَةٌ) يقول: هي ناعمة بتنعيم الله أهلها في جناته، وهم أهل الإيمان بالله.
وقوله: (لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ) يقول: لعملها الذي عملت في الدنيا من طاعة ربها راضية، وقيل: (لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ) والمعنى: لثواب سعيها في الآخرة راضية.
وقوله: (فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ) وهي بستان، عالية يعني: رفيعة.
وقوله: (لا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً) يقول: لا تسمع هذه الوجوه - المعنى: لأهلها فيها في الجنة العالية - لاغية. يعني باللاغية: كلمة لغو واللَّغو: الباطل، فقيل للكلمة التي هي لغو لاغية، كما قيل لصاحب الدرع: دارع، ولصاحب الفرس: فارس، ولقائل الشعر شاعر، وكما قال الحُطيئة:
أغَرَرْتَنِي وَزَعَمْتَ أنَّ ... كَ لابِنٌ بِالصَّيْفِ تَامِرْ (1)
يعني: صاحب لبن، وصاحب تمر. وزعم بعض الكوفيين أن معنى ذلك: لا تسمع فيها حالفة على الكذب ولذلك قيل: لاغية؛ ولهذا الذي قاله مذهب ووجه، لولا أن أهل التأويل من الصحابة والتابعين على خلافه، وغير جائز لأحد خلافهم فيما كانوا عليه مجمعين.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (لا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً) يقول: لا تسمع أذًى ولا باطلا.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (لا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً) قال: شتمًا.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (لا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً) : لا تسمع فيها باطلا ولا شاتمًا.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن مَعْمَر، عن قتادة، مثله.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الكوفة وبعض قرّاء المدينة وهو أبو جعفر (لا تَسْمَعُ) بفتح التاء، بمعنى: لا تسمع الوجوه. وقرأ ذلك ابن كثير ونافع وأبو عمرو (لا تُسْمَعُ) بضم التاء، بمعنى ما لم يسمّ فاعله ويؤنَّث تسمع لتأنيث لاغية. وقرأ ابن محيصن بالضم أيضًا، غير أنه كان يقرؤها بالياء على وجه التذكير.
والصواب من القول في ذلك عندي، أن كلّ ذلك قراءات معروفات صحيحات
(1)
في المطبوعة: "حكم الله وأمره عبده" ، وفي المخطوطة: "حكم الله امره" بغير واو. والذي أثبتناه أصوب. والحكم: الحكمة، كما مر مرارًا

المعاني، فبأيّ ذلك قرأ القارئ فمصيب.
وقوله: (فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ) يقول: في الجنة العالية عين جارية في غير أخدود.
وقوله: (فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ) والسرر: جمع سرير، مرفوعة ليرى المؤمن إذا جلس عليها جميع ما خوّله ربه من النعيم والملك فيها، ويلحق جميع ذلك بصره.
وقيل: عُنِي بقول مرفوعة: موضونة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ) يعني: موضونة، كقوله: سُرر مصفوفة، بعضها فوق بعض.
وقوله: (وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ) وهي جمع كوب، وهي الأباريق التي لا آذان لها. وقد بيَّنا ذلك فيما مضى، وذكرنا ما فيه من الرواية بما أغنى عن إعادته.
وَعُنِي بقوله: (مَوْضُوعَةٌ) : أنها موضوعة على حافة العين الجارية، كلما أرادوا الشرب وجدوها ملأى من الشراب.
وقوله: (وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ) يعني بالنمارق: الوسائد والمرافق؛ والنمارق: واحدها نُمْرُقة، بضم النون. وقد حُكي عن بعض كلب سماعًا نِمْرِقة، بكسر النون والراء. وقيل: مصفوفة؛ لأن بعضها بجنب بعض.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ) يقول: المرافق.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ) يعني بالنمارق: المجالس.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ) والنمارق: الوسائد.
وقوله: (وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ) يقول تعالى ذكره: وفيها طنافس وبُسُط كثيرة مبثوثة مفروشة، والواحدة: زِرْبية، وهي الطِّنفسة التي لها خمل رقيق.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أحمد بن منصور، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن سفيان، قال: ثنا توبة العنبريّ، عن عكرِمة بن خالد، عن عبد الله بن عمار، قال: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يصلي على عبقريّ، وهو الزرابيّ.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ) : المبسوطة.
القول في تأويل قوله تعالى: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الأرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20) } .
يقول تعالى ذكره لمُنكري قدرته على ما وصف في هذه السورة من العقاب والنكال الذي أعدّه لأهل عداوته، والنعيم والكرامة التي أعدّها لأهل ولايته: أفلا ينظر هؤلاء المنكرون قُدرة الله على هذه الأمور، إلى الإبل كيف خلقها وسخرها لهم وذَلَّلها وجعلها تحمل حملها باركة، ثم تنهض به، والذي خلق ذلك غير عزيز عليه أن يخلق ما وصف من هذه الأمور في الجنة والنار، يقول جلّ ثناؤه: أفلا ينظرون إلى الإبل فيعتبرون بها، ويعلمون أن القُدرة التي قدر بها على خلقها، لن يُعجزه خلق ما شابهها.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: لما نعت الله ما في الجنة، عجب من ذلك أهل الضلالة، فأنزل الله: (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) فكانت الإبل من عيش العرب ومن خوَلهم.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق عمن سمع شريحا يقول: اخرجوا بنا ننظر إلى الإبل كيف خُلقت.
وقوله: (وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ) يقول جلّ ثناؤه: أفلا ينظرون أيضا إلى
السماء كيف رفعها الذي أخبركم أنه معِدّ لأوليائه ما وصف، ولأعدائه ما ذكر، فيعلموا أن قُدرته القدرة التي لا يُعجزه فعل شيء أراد فعله.
وقوله: (وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ)
يقول: وإلى الجبال كيف أقيمت منتصبة لا تسقط، فتنبسط في الأرض، ولكنها جعلها بقدرته منتصبة جامدة، لا تبرح مكانها، ولا تزول عن موضعها.
وقد حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ) تصاعد إلى الجبل الصَّيخود عامة يومك، فإذا أفضيت إلى أعلاه، أفضيت إلى عيون متفجرة، وثمار متهدلة ثم لم تحرثه الأيدي ولم تعمله، نعمة من الله، وبُلغة الأجل.
وقوله: (وَإِلَى الأرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) يقول: وإلى الأرض كيف بُسطت، يقال: جبل مُسَطَّح: إذا كان في أعلاه استواء.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَإِلَى الأرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) : أي بُسطت، يقول: أليس الذي خلق هذا بقادر على أن يخلق ما أراد في الجنة.
القول في تأويل قوله تعالى: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (22) إِلا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الأكْبَرَ (24) إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26) } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (فَذَكِّرْ) يا محمد عبادي بآياتي، وعظهم بحججي وبلِّغهم رسالتي (إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ) يقول: إنما أرسلتك إليهم مذكرا لتذكرهم نعمتي عندهم، وتعرّفهم اللازم لهم، وتعظهم.
وقوله: (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ) يقول: لست عليهم بمسلَّط، ولا أنت بجبار تحملهم على ما تريد. يقول: كِلهم إليّ، ودعهم وحكمي فيهم؛ يقال: قد
تسيطر فلان على قومه: إذا تسلط عليهم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ) يقول: لست عليهم بجبار.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ) : أي كِلْ إليّ عبادي.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (بِمُسَيْطِرٍ) قال: جبار.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ) قال: لست عليهم بمسلط أن تكرههم على الإيمان، قال: ثم جاء بعد هذا: (جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) وقال (اقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ) وارصدوهم لا يخْرُجُوا فِي البِلاد (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) قال: فنسخت (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ) قال: جاء اقتله أو يُسْلِم؛ قال: والتذكرة كما هي لم تنسخ وقرأ: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) .
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أُمِرْتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حتى يَقُولُوا: لا إلَهَ إلا اللهُ، فإذَا قالُوا: لا إلَهَ إلا اللهُ، عَصَمُوا مِنِّي دِماءَهُمْ وأمْوَالَهُمْ إلا بِحَقِّها، وحِسابُهُمْ على اللهِ" ثم قرأ: (إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ) .
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي الزبير محمد بن مسلم، قال: سمعت جابر بن عبد الله، يقول: سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول، فذكر مثله، إلا أنه قال: قال أبو الزّبير: ثم قرأ: (إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ) .
حدثنا يوسف بن موسى القطان، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي الزّبير،
عن جابر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، مثله.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 5 ( الأعضاء 0 والزوار 5)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 537.79 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 531.90 كيلو بايت... تم توفير 5.88 كيلو بايت...بمعدل (1.09%)]