تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد - الصفحة 18 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4999 - عددالزوار : 2120258 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4579 - عددالزوار : 1398718 )           »          الندب و الإباحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          التدليس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          زيادة العدل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          هل يجوز تقليد أهل المدينة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 209 - عددالزوار : 137725 )           »          كيف يمكن علاج فقدان الشهية؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          سولوسمارت الرفيق الذكي لإدارة الإنسولين بدقة وثقة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          ما هو شاي هوجيتشا؟ وما هي فوائده؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16-04-2022, 01:13 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,262
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثانى
سُورَةُ الْمَائِدَةِ
الحلقة (174)
صــ356 إلى صــ 360


يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن [ ص: 356 ] الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم

قوله تعالى: يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر اختلفوا فيمن نزلت على خمسة أقوال . أحدها: أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بيهودي وقد حمموه وجلدوه ، فقال: أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قالوا: نعم ، فدعا رجلا من علمائهم ، فقال: أنشدك الله الذي أنزل التوراة على موسى ، هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قال: لا ، ولكنه كثر في أشرافنا ، فكنا نترك الشريف ، ونقيمه على الوضيع ، فقلنا: تعالوا نجمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع ، فاجتمعنا على التحميم والجلد . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه" فأمر به فرجم ، ونزلت هذه الآية ، رواه البراء بن عازب .

[ ص: 357 ] والثاني: أنها نزلت في ابن صوريا آمن ثم كفر ، وهذا المعنى مروي عن أبي هريرة .

والثالث: أنها نزلت في يهودي قتل يهوديا ، ثم قال: سلوا محمدا فإن كان بعث بالدية ، اختصمنا إليه ، وإن كان بعث بالقتل ، لم نأته ، قاله الشعبي .

والرابع: أنها نزلت في المنافقين ، قاله ابن عباس ، ومجاهد .

والخامس: أن رجلا من الأنصار أشارت إليه قريظة يوم حصارهم على ماذا ننزل؟ فأشار إليهم: أنه الذبح ، قاله السدي . قال مقاتل: هو أبو لبابة بن عبد المنذر ، قالت له قريظة: أتنزل على حكم سعد ، فأشار بيده: أنه الذبح ، وكان حليفا لهم . قال أبو لبابة: فعلمت أني قد خنت الله ورسوله ، فنزلت هذه الآية . ومعنى الكلام: لا يحزنك مسارعة الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم وهم المنافقون ، ومن الذين هادوا وهم اليهود .

(سماعون للكذب) قال سيبويه: هو مرفوع بالابتداء . قال أبو الحسن الأخفش: ويجوز أن يكون رفعه على معنى: ومن الذين هادوا سماعون للكذب . وفي معناه: أربعة أقوال .

أحدها: سماعون منك ليكذبوا عليك . والثاني: سماعون للكذب ، أي: قائلون له . والثالث: سماعون للكذب الذي بدلوه في توراتهم . والرابع: سماعون للكذب ، أي: قابلون له ، ومنه: "سمع الله لمن حمده" أي: قبل .

[ ص: 358 ] وفي قوله (سماعون لقوم آخرين لم يأتوك) قولان .

أحدهما: يسمعون لأولئك ، فهم عيون لهم .

والثاني: سماعون من قوم آخرين ، وهم رؤساؤهم المبدلون التوراة .

وفي السماعين للكذب ، وللقوم الآخرين قولان .

أحدهما: أن "السماعين للكذب" يهود المدينة ، والقوم الآخرون [الذين لم يأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم] يهود فدك . والثاني: بالعكس من هذا .

وفي تحريفهم الكلم خمسة أقوال .

أحدها: أنه تغيير حدود الله في التوراة ، وذلك أنهم غيروا الرجم ، قاله ابن عباس ، والجمهور .

والثاني: تغيير ما يسمعونه من النبي صلى الله عليه وسلم بالكذب عليه ، قاله الحسن .

والثالث: إخفاء صفة النبي صلى الله عليه وسلم . والرابع: إسقاط القود بعد استحقاقه .

والخامس: سوء التأويل ، وقال ابن جرير: المعنى يحرفون حكم الكلم ، فحذف ذكر الحكم لمعرفة السامعين بذلك .

قوله تعالى: من بعد مواضعه قال الزجاج : أي: من بعد أن وضعه الله مواضعه ، فأحل حلاله ، وحرم حرامه .

قوله تعالى: يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه في القائلين لهذا قولان .

أحدهما: أنهم اليهود ، وذلك أن رجلا وامرأة من أشرافهم زنيا ، فكان حدهما الرجم ، فكرهت اليهود رجمهما ، فبعثوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسألونه عن قضائه في الزانيين إذا أحصنا ، وقالوا: إن أفتاكم بالجلد فخذوه ، وإن أفتاكم بالرجم فلا تعملوا به ، هذا قول الجمهور . [ ص: 359 ] والثاني: أنهم المنافقون . قال قتادة: وذلك أن بني النضير كانوا لا يعطون قريظة القود إذا قتلوا منهم ، وإنما يعطونهم الدية ، فإذا قتلت قريظة من النضير لم يرضوا إلا بالقود تعززا عليهم ، فقتل بنو النضير رجلا من قريظة عمدا ، فأرادوا رفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال رجل من المنافقين: إن قتيلكم قتيل عمد ، ومتى ترفعوا ذلك إلى محمد خشيت عليكم القود ، فإن قبلت منكم الدية فأعطوا ، وإلا فكونوا منه على حذر . وفي معنى "فاحذروا" ثلاثة أقوال .

أحدها: فاحذروا أن تعملوا بقوله الشديد . والثاني: فاحذروا أن تطلعوه على ما في التوراة فيأخذكم بالعمل به . والثالث: فاحذروا أن تسألوه بعدها .

قوله تعالى: ومن يرد الله فتنته في "الفتنة" ثلاثة أقوال .

أحدها: أنها بمعنى: الضلالة ، قاله ابن عباس ، ومجاهد . والثاني: العذاب ، قاله الحسن ، وقتادة . والثالث: الفضيحة ، ذكره الزجاج .

قوله تعالى: فلن تملك له من الله شيئا أي: لا تغني عنه ، ولا تقدر على استنقاذه . وفي هذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم من حزنه على مسارعتهم في الكفر .

قوله تعالى: لم يرد الله أن يطهر قلوبهم قال السدي: يعني المنافقين واليهود ، لم يرد أن يطهر قلوبهم من دنس الكفر ، ووسخ الشرك بطهارة الإيمان والإسلام .

قوله تعالى: لهم في الدنيا خزي أما خزي المنافقين ، فبهتك سترهم وإطلاع النبي على كفرهم ، وخزي اليهود بفضيحتهم في إظهار كذبهم إذ كتموا الرجم ، وبأخذ الجزية منهم . قال مقاتل: وخزي قريظة بقتلهم وسبيهم ، وخزي النضير بإجلائهم .
[ ص: 360 ] سماعون للكذب أكالون للسحت فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين

قوله تعالى: سماعون للكذب قال الحسن يعني حكام اليهود يسمعون الكذب ممن يكذب عندهم في دعواه ، ويأتيهم برشوة فيأخذونها . وقال أبو سليمان: هم اليهود يسمعون الكذب ، وهو قول بعضهم لبعض: محمد كاذب ، وليس بنبي ، وليس في التوراة رجم ، وهم يعلمون كذبهم .

قوله تعالى: أكالون للسحت قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، والكسائي ، وأبو جعفر: "السحت" مضمومة الحاء مثقلة . وقرأ نافع ، وابن عامر ، وعاصم ، وحمزة: "السحت" ساكنة الحاء خفيفة . وروى خارجة بن مصعب ، عن نافع: أكالون للسحت بفتح السين وجزم الحاء . قال أبو علي: السحت والسحت لغتان . وهما اسمان للشيء المسحوت ، وليسا بالمصدر ، فأما من فتح السين ، فهو مصدر سحت ، فأوقع اسم المصدر على المسحوت ، كما أوقع الضرب على المضروب في قولهم: هذا الدرهم ضرب الأمير . وفي المراد بالسحت ثلاثة أقوال .

أحدها: الرشوة في الحكم . والثاني: الرشوة في الدين ، والقولان عن ابن مسعود . والثالث: أنه كل كسب لا يحل ، قاله الأخفش .

قوله تعالى: فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم فيمن أريد بهذا الكلام قولان .

أحدهما: اليهوديان اللذان زنيا ، قاله الحسن ، ومجاهد ، والسدي .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 16-04-2022, 01:14 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,262
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثانى
سُورَةُ الْمَائِدَةِ
الحلقة (175)
صــ361 إلى صــ 365


والثاني: رجلان من قريظة والنضير قتل أحدهما الآخر ، قاله قتادة . وقال [ ص: 361 ] ابن زيد: كان حيي بن أخطب قد جعل للنضيري ديتين ، والقرظي دية ، لأنه كان من النضير ، فقالت قريظة: لا نرضى بحكم حيي ، ونتحاكم إلى محمد ، فقال الله تعالى: لنبيه فإن جاؤوك فاحكم بينهم الآية .

فصل

اختلف علماء التفسير في هذه الآية على قولين .

أحدهما: أنها منسوخة ، وذلك أن أهل الكتاب كانوا إذا ترافعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم كان مخيرا ، إن شاء حكم بينهم ، وإن شاء أعرض عنهم ، ثم نسخ ذلك بقوله: وأن احكم بينهم بما أنزل الله فلزمه الحكم ، وزال التخيير ، وهذا مروي عن ابن عباس ، وعطاء ، ومجاهد ، وعكرمة ، والسدي .

والثاني: أنها محكمة ، وأن الإمام ونوابه في الحكم مخيرون إذا ترافعوا إليهم ، إن شاؤوا حكموا بينهم ، وإن شاؤوا أعرضوا عنهم ، وهذا مروي عن الحسن ، والشعبي ، والنخعي ، والزهري ، وبه قال أحمد بن حنبل ، وهو الصحيح ، لأنه [ ص: 362 ] لا تنافي بين الآيتين ، لأن إحداهما: خيرت بين الحكم وتركه . والثانية: بينت كيفية الحكم إذا كان .
وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين

قوله تعالى: وكيف يحكمونك وعندهم التوراة قال المفسرون: هذا تعجيب من الله عز وجل لنبيه من تحكيم اليهود إياه بعد علمهم بما في التوراة من حكم ما تحاكموا إليه فيه ، وتقريع لليهود إذ يتحاكمون إلى من يجحدون نبوته ، ويتركون حكم التوراة التي يعتقدون صحتها .

قوله تعالى: فيها حكم الله فيه قولان .

أحدهما: حكم الله بالرجم ، وفيه تحاكموا ، قاله الحسن .

والثاني: حكمه بالقود ، وفيه تحاكموا ، قاله قتادة .

قوله تعالى: ثم يتولون من بعد ذلك فيه قولان .

أحدهما: من بعد حكم الله في التوراة . والثاني: من بعد تحكيمك .

قوله تعالى: وما أولئك بالمؤمنين قولان .

أحدهما: ليسوا بمؤمنين لتحريفهم التوراة . والثاني: ليسوا بمؤمنين أن حكمك من عند الله لجحدهم نبوتك .
[ ص: 363 ] إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون

قوله تعالى: إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور قال المفسرون: سبب نزول هذه الآية: استفتاء اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر الزانيين ، وقد سبق . و "الهدى": البيان . فالتوراة مبينة صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، ومبينة ما تحاكموا فيه إليه . و "النور": الضياء الكاشف للشبهات ، والموضح للمشكلات .

وفي النبيين الذين أسلموا ثلاثة أقوال .

أحدها: أنهم الأنبياء من لدن موسى إلى عيسى ، قاله الأكثرون .

فعلى هذا القول في معنى "أسلموا" أربعة أقوال .

أحدها: سلموا لحكم الله ، ورضوا بقضائه . والثاني: انقادوا لحكم الله ، فلم يكتموه كما كتم هؤلاء . والثالث: أسلموا أنفسهم إلى الله عز وجل . والرابع: أسلموا لما في التوراة ودانوا بها ، لأنه قد كان فيهم من لم يعمل بكل ما فيها كعيسى عليه السلام . قال ابن الأنباري: وفي "المسلم" قولان .

أحدهما: أنه سمي بذلك لاستسلامه وانقياده لربه . والثاني: لإخلاصه لربه ، من قوله: ورجلا سلما لرجل [الزمر: 29] أي: خالصا له .

[ ص: 364 ] والثاني: أن المراد بالنبيين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، قاله الحسن ، والسدي . وذلك حين حكم على اليهود بالرجم ، وذكره بلفظ الجمع كقوله: أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله [النساء: 54]

وفي الذي حكم به منها قولان . أحدهما: الرجم والقود . والثاني: الحكم بسائرها ما لم يرد في شرعه ما يخالف . والثالث: النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، ومن قبله من الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين ، قاله عكرمة .

قوله تعالى: للذين هادوا قال ابن عباس : تابوا من الكفر . قال الحسن: هم اليهود . قال الزجاج : ويجوز أن يكون في الآية تقديم وتأخير على معنى: إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور للذين هادوا يحكم بها النبيون الذين أسلموا . فأما "الربانيون" فقد سبق ذكرهم في (آل عمران) . وأما "الأحبار" فهم العلماء واحدهم حبر وحبر ، والجمع أحبار وحبور . وقال الفراء: أكثر ما سمعت العرب تقول في واحد الأحبار: حبر بكسر الحاء . وفي اشتقاق هذا الاسم ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه من الحبار وهو الأثر الحسن ، قاله الخليل . والثاني: أنه من الحبر الذي يكتب به ، قاله الكسائي . والثالث: أنه من الحبر الذي هو الجمال والبهاء . وفي الحديث "يخرج رجل من النار قد ذهب حبره وسبره" أي: جماله وبهاؤه . فالعالم بهي بجمال العلم ، وهذا قول قطرب .

وهل بين الربانيين والأحبار فرق أم لا؟ فيه قولان .

أحدهما: لا فرق ، والكل علماء ، هذا قول الأكثرين ، منهم ابن قتيبة ، والزجاج . وقد روي عن مجاهد أنه قال: الربانيون: الفقهاء العلماء ، وهم فوق الأحبار . وقال السدي: الربانيون العلماء ، والأحبار القراء . وقال ابن زيد: [ ص: 365 ] "الربانيون": الولاة ، و "الأحبار": العلماء ، وقيل: الربانيون: علماء النصارى ، والأحبار: علماء اليهود .

قوله تعالى: بما استحفظوا من كتاب الله قال ابن عباس : بما استودعوا من كتاب الله وهو التوراة . وفي معنى الكلام قولان .

أحدهما: يحكمون بحكم ما استحفظوا . والثاني: العلماء بما استحفظوا . قال ابن جرير: "الباء" في قوله: (بما استحفظوا) من صلة الأحبار .

وفي قوله: (وكانوا عليه شهداء) قولان .

أحدهما: وكانوا على ما في التوراة من الرجم شهداء ، رواه أبو صالح عن ابن عباس .

والثاني: وكانوا شهداء لمحمد عليه السلام بما قاله أنه حق . رواه العوفي عن ابن عباس .

قوله تعالى: فلا تخشوا الناس واخشون قرأ ابن كثير ، وعاصم ، وحمزة ، وابن عامر ، والكسائي: "واخشون" بغير ياء في الوصل والوقف . وقرأ أبو عمرو: بياء في الوصل وبغير ياء في الوقف ، وكلاهما حسن . وقد أشرنا إلى هذا في (آل عمران) ثم في المخاطبين بهذا قولان .

أحدهما: أنهم رؤساء اليهود ، قيل لهم: فلا تخشوا الناس في إظهار صفة محمد ، والعمل بالرجم ، واخشوني في كتمان ذلك ، روى هذا المعنى أبو صالح عن ابن عباس . قال مقاتل: الخطاب ليهود المدينة ، قيل لهم: لا تخشوا يهود خيبر أن تخبروهم بالرجم ، ونعت محمد ، واخشوني في كتمانه .

والثاني: أنهم المسلمون ، قيل لهم: لا تخشوا الناس ، كما خشيت اليهود الناس ، فلم يقولوا الحق ، ذكره أبو سليمان الدمشقي .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 16-04-2022, 01:15 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,262
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثانى
سُورَةُ الْمَائِدَةِ
الحلقة (176)
صــ366 إلى صــ 370


[ ص: 366 ] قوله تعالى: ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا في المراد بالآيات قولان .

أحدهما: أنها صفة محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن .

والثاني: الأحكام والفرائض . والثمن القليل مذكور في (البقرة) .

فأما قوله: ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون وقوله تعالى بعدها: فأولئك هم الظالمون فأولئك هم الفاسقون . فاختلف العلماء فيمن نزلت على خمسة أقوال .

أحدها: أنها نزلت في اليهود خاصة ، رواه عبيد بن عبد الله عن ابن عباس ، وبه قال قتادة . والثاني: أنها نزلت في المسلمين ، روى سعيد بن جبير عن ابن عباس نحو هذا المعنى . والثالث: أنها عامة في اليهود ، وفي هذه الأمة ، قاله ابن مسعود ، والحسن ، والنخعي ، والسدي . والرابع: أنها نزلت في اليهود والنصارى ، قاله أبو مجلز . والخامس: أن الأولى في المسلمين ، والثانية في اليهود ، والثالثة في النصارى ، قاله الشعبي .

وفي المراد بالكفر المذكور في الآية الأولى قولان .

أحدهما: أنه الكفر بالله تعالى . والثاني: أنه الكفر بذلك الحكم ، وليس بكفر ينقل عن الملة .

وفصل الخطاب: أن من لم يحكم بما أنزل الله جاحدا له ، وهو يعلم أن الله أنزله ، كما فعلت اليهود ، فهو كافر ، ومن لم يحكم به ميلا إلى الهوى من غير جحود ، فهو ظالم وفاسق . وقد روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أنه قال: [ ص: 367 ] من جحد ما أنزل الله فقد كفر ، ومن أقر به ولم يحكم به فهو فاسق وظالم .
وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون

قوله تعالى: وكتبنا أي: فرضنا (عليهم) أي: على اليهود (فيها) أي: في التوراة . قال ابن عباس : وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس ، فما بالهم يخالفون ، فيقتلون النفسين بالنفس ، ويفقؤون العينين بالعين؟ وكان على بني إسرائيل القصاص أو العفو ، وليس بينهم دية في نفس ولا جرح ، فخفف الله عن أمة محمد بالدية .

قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن عامر: النفس بالنفس ، والعين بالعين ، والأنف بالأنف ، والأذن بالأذن ، والسن بالسن ، ينصبون ذلك كله ويرفعون "والجروح" وكان نافع ، وعاصم ، وحمزة ينصبون ذلك كله ، وكان الكسائي يقرأ: "أن النفس بالنفس" نصبا ، ويرفع ما بعد ذلك . قال أبو علي: وحجته [ ص: 368 ] أن الواو لعطف الجمل ، لا للاشتراك في العامل ، ويجوز أن يكون حمل الكلام على المعنى ، لأن معنى: وكتبنا عليهم: قلنا لهم: النفس بالنفس ، فحمل العين على هذا ، وهذه حجة من رفع الجروح . ويجوز أن يكون مستأنفا ، لا أنه مما كتب على القوم ، وإنما هو ابتداء إيجاب . قال القاضي أبو يعلى: وقوله: العين بالعين ، ليس المراد قلع العين بالعين ، لتعذر استيفاء المماثلة ، لأنا لا نقف على الحد الذي يجب قلعه ، وإنما يجب فيما ذهب ضوؤها وهي قائمة ، وصفة ذلك أن تشد عين القالع ، وتحمى مرآة ، فتقدم من العين التي فيها القصاص حتى يذهب ضوؤها . وأما الأنف فإذا قطع المارن ، وهو مالان منه ، وتركت قصبته ، ففيه القصاص ، وأما إذا قطع من أصله ، فلا قصاص فيه ، لأنه لا يمكن استيفاء القصاص ، كما لو قطع يده من نصف الساعد . وقال أبو يوسف ، ومحمد: فيه القصاص إذا استوعب . وأما الأذن ، فيجب القصاص إذا استوعبت ، وعرف المقدار . وليس في عظم قصاص إلا في السن ، فإن قلعت قلع مثلها ، وإن كسر بعضها ، برد بمقدار ذلك . وقوله: والجروح قصاص يقتضي إيجاب القصاص في سائر الجراحات التي يمكن استيفاء المثل فيها .

قوله تعالى: فمن تصدق به يشير إلى القصاص .

فهو كفارة له في هاء "له" قولان .

أحدهما: أنها إشارة إلى المجروح ، فإذا تصدق بالقصاص كفر من ذنوبه ، وهو قول ابن مسعود ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، والحسن ، والشعبي .

[ ص: 369 ] والثاني: إشارة إلى الجارح إذا عفا عنه المجروح ، كفر عنه ما جنى ، وهذا قول ابن عباس ، ومجاهد ، ومقاتل ، وهو محمول على أن الجاني تاب من جنايته ، لأنه إذا كان مصرا فعقوبة الإصرار باقية .
وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين

قوله تعالى: وقفينا على آثارهم أي: وأتبعنا على آثار النبيين الذين أسلموا (بعيسى) فجعلناه يقفو آثارهم (مصدقا) أي: بعثناه مصدقا (لما بين يديه) وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا ليس هذا تكرارا للأول ، لأن الأول لعيسى ، والثاني للإنجيل ، لأن عيسى كان يدعو إلى التصديق بالتوراة ، والإنجيل أنزل وفيه ذكر التصديق بالتوراة .
وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون

قوله تعالى: وليحكم أهل الإنجيل قرأ الأكثرون: بجزم اللام على معنى الأمر ، تقديره: وأمرنا أهله أن يحكموا بما أنزل الله فيه . وقرأ الأعمش ، وحمزة: بكسر اللام ، وفتح الميم على معنى "كي" فكأنه قال: وآتيناه الإنجيل لكي يحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه .
وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من [ ص: 370 ] الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون

قوله تعالى: وأنزلنا إليك الكتاب يعني: القرآن (بالحق) أي: بالصدق مصدقا لما بين يديه من الكتاب قال ابن عباس : يريد كل كتاب أنزله الله تعالى . وفي "المهيمن" أربعة أقوال .

أحدها: أنه المؤيمن رواه التميمي عن ابن عباس ، وبه قال سعيد بن جبير ، وعكرمة ، وعطاء ، والضحاك . وقال المبرد: "مهيمن" في معنى: "مؤيمن" إلا أن الهاء بدل من الهمزة ، كما قالوا: أرقت الماء ، وهرقت ، وإياك وهياك .

وأرباب هذا القول يقولون: المعنى: أن القرآن مؤتمن على ما قبله من الكتب إلا أن ابن أبي نجيح روى عن مجاهد: ومهيمنا عليه . قال: محمد مؤتمن على القرآن . فعلى قوله ، في الكلام محذوف ، كأنه قال: وجعلناك يا محمد مهيمنا عليه ، فتكون هاء "عليه" راجعة إلى القرآن . وعلى غير قول مجاهد ترجع إلى الكتب المتقدمة .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 16-04-2022, 01:17 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,262
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثانى
سُورَةُ الْمَائِدَةِ
الحلقة (177)
صــ371 إلى صــ 375

[ ص: 371 ] والثاني: أنه الشاهد ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، وقتادة ، والسدي ، ومقاتل .

والثالث: أنه المصدق على ما أخبر عن الكتب ، وهذا قول ابن زيد ، وهو قريب من القول الأول .

والرابع: أنه الرقيب الحافظ ، قاله الخليل .

قوله تعالى: فاحكم بينهم يشير إلى اليهود بما أنزل الله إليك في القرآن ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق قال أبو سليمان: المعنى: فترجع عما جاءك . قال ابن عباس : لا تأخذ بأهوائهم في جلد المحصن .

[ ص: 371 ] قوله تعالى: لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا قال مجاهد: الشرعة: السنة ، والمنهاج: الطريق . وقال ابن قتيبة: الشرعة والشريعة واحد . والمنهاج: الطريق الواضح . فإن قيل: كيف نسق "المنهاج" على "الشرعة" وكلاهما بمعنى واحد؟ فعنه جوابان .

أحدهما: أن بينهما فرقا من وجهين: أحدهما: أن "الشرعة" ابتداء الطريق ، والمنهاج: الطريق المستمر ، قاله المبرد . والثاني: أن "الشرعة" الطريق الذي ربما كان واضحا ، وربما كان غير واضح . والمنهاج: الطريق الذي لا يكون إلا واضحا ، ذكره ابن الأنباري . فلما وقع الاختلاف بين الشرعة والمنهاج ، حسن نسق أحدهما على الآخر .

والثاني: أن الشرعة والمنهاج بمعنى واحد . وإنما نسق أحدهما على الآخر لاختلاف اللفظين . قال الحطيئة:


ألا حبذا هند وأرض بها هند وهند أتى من دونها النأي والبعد


فنسق البعد على النأي لماخالفه في اللفظ ، وإن كان موافقا له في المعنى ، ذكره ابن الأنباري . وأجاب عنه أرباب القول الأول ، فقالوا: "النأي": كل ما قل بعده أو كثر كأنه المفارقة ، والبعد إنما يستعمل فيما كثرت مسافة مفارقته .

وللمفسرين في معنى الكلام قولان .

أحدهما: لكل ملة جعلنا شرعة ومنهاجا ، فلأهل التوراة شريعة ، ولأهل [ ص: 373 ] الإنجيل شريعة ، ولأهل القرآن شريعة ، هذا قول الأكثرين . قال قتادة: الخطاب للأمم الثلاث: أمة موسى ، وعيسى ، وأمة محمد ، فللتوراة شريعة ، وللإنجيل شريعة ، وللفرقان شريعة يحل الله فيها ما يشاء ، ويحرم ما [يشاء] بلاء ، ليعلم من يطيعه ممن يعصيه ، [ولكن] الدين الواحد الذي لا يقبل غيره ، التوحيد والإخلاص لله الذي جاءت به الرسل .

والثاني: أن المعنى: لكل من دخل في دين محمد جعلنا القرآن شرعة ومنهاجا ، هذا قول مجاهد .

قوله تعالى: ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة فيه قولان .

أحدهما: لجمعكم على الحق .

والثاني: لجعلكم على ملة واحدة ولكن ليبلوكم أي: ليختبركم في ما آتاكم من الكتب ، وبين لكم من الملل . فإن قيل: إذا كان المعني بقوله: لكل جعلنا [ ص: 374 ] منكم شرعة :نبينا محمدا مع سائر الأنبياء قبله ، فمن المخاطب بقوله: ليبلوكم ؟ فالجواب: أنه خطاب لنبينا ، والمراد به سائر الأنبياء والأمم . قال ابن جرير: والعرب من شأنها إذا خاطبت غائبا ، فأرادت الخبر عنه أن تغلب المخاطب ، فتخرج الخبر عنهما على وجه الخطاب .

قوله تعالى: فاستبقوا الخيرات قال ابن عباس ، والضحاك: هو خطاب لأمة محمد عليه السلام . قال مقاتل: و "الخيرات": الأعمال الصالحة . إلى الله مرجعكم في الآخرة فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون من الدين . قال ابن جرير: قد بين ذلك في الدنيا بالأدلة والحجج ، وغدا يبينه بالمجازاة .
وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون

قوله تعالى: وأن احكم بينهم بما أنزل الله سبب نزولها: أن جماعة من اليهود منهم كعب بن أسيد ، وعبد الله بن صوريا ، وشأس بن قيس ، قال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى محمد ، لعلنا نفتنه عن دينه ، فأتوه ، فقالوا: يا محمد ، قد عرفت أنا أحبار اليهود وأشرافهم ، وأنا إن تبعناك ، اتبعك اليهود ، وإن بيننا وبين قوم خصومة ، فنحاكمهم إليك ، فتقضي لنا عليهم ، ونحن نؤمن بك ، فأبى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونزلت هذه الآية ، هذا قول ابن عباس . وذكر مقاتل أن [ ص: 375 ] جماعة من بني النضير قالوا له: هل لك أن تحكم لنا على أصحابنا أهل قريظة في أمر الدماء كما كنا عليه من قبل ، ونبايعك؟ فنزلت هذه الآية . قال القاضي أبو يعلى: وليس هذه الآية تكرارا لما تقدم ، وإنما نزلتا في شيئين مختلفين ، أحدهما: في شأن الرجم ، والآخر: في التسوية في الديات حتى تحاكموا إليه في الأمرين .

قوله تعالى: واحذرهم أن يفتنوك أي: يصرفوك عن بعض ما أنزل الله إليك وفيه قولان .

أحدهما: أنه الرجم ، قاله ابن عباس . والثاني: شأن القصاص والدماء ، قاله مقاتل .

قوله تعالى: فإن تولوا فيه قولان .

أحدهما: عن حكمك . والثاني: عن الإيمان ، فاعلم أن إعراضهم من أجل أن الله يريد أن يعذبهم ببعض ذنوبهم . وفي ذكر البعض قولان .

أحدهما: أنه على حقيقته ، وإنما يصيبهم ببعض ما يستحقونه .

والثاني: أن المراد به الكل ، كما يذكر لفظ الواحد ، ويراد به الجماعة ، كقوله: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء [الطلاق: 1] والمراد: جميع المسلمين . وقال الحسن: أراد ما عجله من إجلاء بني النضير وقتل بني قريظة .

قوله تعالى: وإن كثيرا من الناس لفاسقون قال المفسرون: أراد اليهود .

وفي المراد بالفسق هاهنا ثلاثة أقوال . أحدها: الكفر ، قاله ابن عباس . والثاني: الكذب ، قاله ابن زيد . والثالث: المعاصي ، قاله مقاتل .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 16-04-2022, 01:19 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,262
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثانى
سُورَةُ الْمَائِدَةِ
الحلقة (178)
صــ376 إلى صــ 380

أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون

[ ص: 376 ] قوله تعالى: أفحكم الجاهلية يبغون قرأ الجمهور "يبغون" بالياء ، لأن قبله غيبة ، وهي قوله: وإن كثيرا من الناس لفاسقون وقرأ ابن عامر: "تبغون" بالتاء ، على معنى: قل لهم . وسبب نزولها: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حكم بالرجم على اليهوديين تعلق بنو قريظة ببني النضير ، وقالوا: يا محمد هؤلاء إخواننا ، أبونا واحد ، وديننا واحد ، إذا قتلوا منا قتيلا أعطونا سبعين وسقا من تمر ، وإن قتلنا منهم واحدا أخذوا منا أربعين ومائة وسق ، وإن قتلنا منهم رجلا قتلوا به رجلين ، وإن قتلنا امرأة قتلوا بها رجلا ، فاقض بيننا بالعدل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس لبني النضير على بني قريظة فضل في عقل ولا دم" فقال بنو النضير: والله لا نرضى بقضائك ، ولا نطيع أمرك ، ولنأخذن بأمرنا الأول ، فنزلت هذه الآية ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . قال الزجاج : ومعنى الآية: أتطلب اليهود حكما لم يأمر الله به ، وهم أهل كتاب الله ، كما تفعل الجاهلية؟! .

قوله تعالى: ومن أحسن من الله حكما قال ابن عباس : ومن أعدل؟! .

وفي قوله: لقوم يوقنون قولان .

أحدهما: يوقنون بالقرآن ، قاله ابن عباس . والثاني: يوقنون بالله ، قاله مقاتل . وقال الزجاج : من أيقن تبين عدل الله في حكمه .
[ ص: 377 ] يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين

قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء في سبب نزولها ثلاثة أقوال . .

أحدها: أنها نزلت في أبي لبابة حين قال لبني قريظة إذ رضوا بحكم سعد: إنه الذبح ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . وهو قول عكرمة .

والثاني: أن عبادة بن الصامت قال: يا رسول الله إن لي موالي من اليهود ، وإني أبرأ إلى الله من ولاية يهود ، فقال عبد الله بن أبي: إني رجل أخاف الدوائر ، ولا أبرأ إلى الله من ولاية يهود ، فنزلت هذه الآية ، قاله عطية العوفي .

والثالث: أنه لما كانت وقعة أحد خافت طائفة من الناس أن يدال عليهم الكفار ، فقال رجل لصاحبه: أما أنا فألحق بفلان اليهودي ، فآخذ منه أمانا ، [ ص: 378 ] أو أتهود معه ، فنزلت هذه الآية ، قاله السدي ، ومقاتل . قال الزجاج : لا تتولوهم في الدين . وقال غيره: لا تستنصروا بهم ، ولا تستعينوا ، (بعضهم أولياء بعض) في العون والنصرة .

قوله تعالى: ومن يتولهم منكم فإنه منهم فيه قولان .

أحدهما: من يتولهم في الدين ، فإنه منهم في الكفر .

والثاني: من يتولهم في العهد فإنه منهم في مخالفة الأمر .
فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين

قوله تعالى: فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم قال المفسرون: نزلت في المنافقين ، ثم لهم في ذلك قولان .

أحدهما: أن اليهود والنصارى كانوا يميرون المنافقين ويقرضونهم فيوادونهم ، فلما نزلت لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء قال المنافقون: كيف نقطع مودة قوم إن أصابتنا سنة وسعوا علينا ، فنزلت هذه الآية ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . وممن قال: نزلت في المنافقين ، ولم يعين: مجاهد ، وقتادة .

والثاني: أنها نزلت في عبد الله بن أبي ، قاله عطية العوفي .

وفي المراد بالمرض قولان .

أحدهما: أنه الشك ، قاله مقاتل . والثاني: النفاق ، قاله الزجاج .

[ ص: 379 ] وفي قوله: يسارعون فيهم ثلاثة أقوال .

أحدها: يسارعون في موالاتهم ومناصحتهم ، قاله مجاهد ، وقتادة .

والثاني: في رضاهم ، قاله ابن قتيبة . والثالث: في معاونتهم على المسلمين ، قاله الزجاج . وفي المراد "بالدائرة" قولان .

أحدهما: الجدب والمجاعة ، قاله ابن عباس . قال ابن قتيبة: نخشى أن يدور علينا الدهر بمكروه ، يعنون الجدب ، فلا يبايعونا ، و [نمتار فيهم] فلا يميرونا .

والثاني: انقلاب الدولة لليهود على المسلمين ، قاله مقاتل .

وفي المراد بالفتح أربعة أقوال .

أحدها: فتح مكة ، قاله ابن عباس ، والسدي . والثاني: فتح قرى اليهود ، قاله الضحاك . والثالث: نصر النبي صلى الله عليه وسلم على من خالفه ، قاله قتادة ، والزجاج .

والرابع: الفرج ، قاله ابن قتيبة . وفي الأمر أربعة أقوال .

أحدها: إجلاء بني النضير وأخذ أموالهم ، وقتل قريظة ، وسبي ذراريهم ، قاله ابن السائب ، ومقاتل . والثاني: الجزية ، قاله السدي . والثالث: الخصب ، قاله ابن قتيبة . والرابع: أن يؤمر النبي صلى الله عليه وسلم بإظهار أمر المنافقين وقتلهم ، قاله الزجاج . وفيما أسروا قولان .

أحدهما: موالاتهم . والثاني: قولهم لعل محمدا لا ينصر .
ويقول: الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين

قوله تعالى: ويقول الذين آمنوا قرأ أبو عمرو ، بنصب اللام على معنى: وعسى أن يقول . ورفعه الباقون ، فجعلوا الكلام مستأنفا . وقرأ ابن كثير ، [ ص: 380 ] ونافع ، وابن عامر يقول: بغير واو ، مع رفع اللام ، وكذلك في مصاحف أهل مكة والمدينة . قال المفسرون: لما أجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير ، اشتد ذلك على المنافقين ، وجعلوا يتأسفون على فراقهم ، وجعل المنافق يقول لقريبه المؤمن إذا رآه جادا في معاداة اليهود: أهذا جزاؤهم منك ، طال والله ما أشبعوا بطنك؟ فلما قتلت قريظة ، لم يطق أحد من المنافقين ستر ما في نفسه ، فجعلوا يقولون: أربعمئة حصدوا في ليلة ، فلما رأى المؤمنون ما قد ظهر من المنافقين ، قالوا: (أهؤلاء) يعنون المنافقين (الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم) قال ابن عباس : أغلظوا في الأيمان . وقال مقاتل: جهد أيمانهم: القسم بالله . وقال الزجاج : اجتهدوا في المبالغة في اليمين (إنهم لمعكم) على عدوكم (حبطت أعمالهم) بنفاقهم .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 16-04-2022, 01:20 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,262
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثانى
سُورَةُ الْمَائِدَةِ
الحلقة (179)
صــ381 إلى صــ 385

يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم

قوله تعالى: من يرتد منكم عن دينه قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي: يرتد ، بإدغام الدال الأولى في الأخرى ، وقرأ نافع ، وابن عامر: يرتدد ، بدالين . قال الزجاج : "يرتدد" هو الأصل ، لأن الثاني إذا سكن من المضاعف ، ظهر التضعيف . فأما "يرتد" فأدغمت الدال الأولى في الثانية ، وحركت الثانية بالفتح ، لالتقاء الساكنين . قال الحسن: علم الله أن قوما يرجعون عن الإسلام بعد موت نبيهم عليه السلام ، فأخبرهم أنه سيأتي بقوم يحبهم ويحبونه . وفي المراد بهؤلاء القوم ستة أقوال . [ ص: 381 ] أحدها: أبو بكر الصديق وأصحابه الذين قاتلوا أهل الردة ، قاله علي بن أبي طالب ، والحسن عليهما السلام ، وقتادة ، والضحاك ، وابن جريج . قال أنس بن مالك: كرهت الصحابة قتال مانعي الزكاة ، وقالوا: أهل القبلة ، فتقلد أبو بكر سيفه ، وخرج وحده ، فلم يجدوا بدا من الخروج على أثره .

والثاني: أبو بكر ، وعمر ، روي عن الحسن أيضا .

والثالث: أنهم قوم أبي موسى الأشعري ، روى عياض الأشعري أنه لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هم قوم هذا" يعني: أبا موسى .

والرابع: أنهم أهل اليمن ، رواه الضحاك ، عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد .

والخامس: أنهم الأنصار ، قاله السدي .

والسادس: المهاجرون والأنصار ، ذكره أبو سليمان الدمشقي . قال ابن جرير: وقد أنجز الله ما وعد فأتى بقوم في زمن عمر كانوا أحسن موقعا في الإسلام ممن ارتد .

قوله تعالى: أذلة على المؤمنين قال علي بن أبي طالب عليه السلام: أهل [ ص: 382 ] رقة على أهل دينهم ، أهل غلظة على من خالفهم في دينهم . وقال الزجاج : معنى "أذلة": جانبهم لين على المؤمنين ، لا أنهم أذلاء .

يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم لأن المنافقين يراقبون الكفار ، ويظاهرونهم ، ويخافون لومهم ، فأعلم الله عز وجل أن الصحيح الإيمان لا يخاف في الله لومة لائم ، ثم أعلم أن ذلك لا يكون إلا بتوفيقه ، فقال: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء يعني: محبتهم لله ، ولين جانبهم للمسلمين ، وشدتهم على الكافرين .
إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون

قوله تعالى: إنما وليكم الله ورسوله اختلفوا فيمن نزلت على أربعة أقوال .

أحدها: أن عبد الله بن سلام وأصحابه جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: إن قوما قد أظهروا لنا العداوة ، ولا نستطيع أن نجالس أصحابك لبعد المنازل ، [ ص: 383 ] فنزلت هذه الآية ، فقالوا: رضينا بالله وبرسوله وبالمؤمنين ، وأذن بلال بالصلاة ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا مسكين يسأل الناس ، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل أعطاك أحد شيئا"؟ قال: نعم . قال: "ماذا"؟ قال: خاتم فضة . قال: "من أعطاكه"؟ قال: ذاك القائم ، فإذا هو علي بن أبي طالب ، أعطانيه وهو راكع ، فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال مقاتل .

وقال مجاهد: نزلت في علي بن أبي طالب ، تصدق وهو راكع .

والثاني: أن عبادة بن الصامت لما تبرأ من حلفائه اليهود نزلت هذه الآية في حقه ، رواه العوفي عن ابن عباس .

والثالث: أنها نزلت في أبي بكر الصديق ، قاله عكرمة .

والرابع: أنها نزلت فيمن مضى من المسلمين ومن بقي منهم ، قاله الحسن .

قوله تعالى: ويؤتون الزكاة وهم راكعون فيه قولان .

أحدهما: أنهم فعلوا ذلك في ركوعهم ، وهو تصدق علي عليه السلام بخاتمه في ركوعه . والثاني: أن من شأنهم إيتاء الزكاة وفعل الركوع .

[ ص: 384 ] وفي المراد بالركوع ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه نفس الركوع على ما روى أبو صالح عن ابن عباس . وقيل: إن الآية نزلت وهم في الركوع . والثاني: أنه صلاة التطوع بالليل والنهار ، وإنما أفرد الركوع بالذكر تشريفا له ، وهذا مروي عن ابن عباس أيضا .

والثالث: أنه الخضوع والخشوع ، وأنشدوا:


لا تذل الفقير علك أن تر كع يوما والدهر قد رفعه


ذكره الماوردي . فأما "حزب الله" فقال الحسن: هم جند الله . وقال أبو عبيدة: أنصار الله . ثم فيه قولان .

أحدهما: أنهم المهاجرون والأنصار ، قاله ابن عباس .

والثاني: الأنصار ، ذكره أبو سليمان .
[ ص: 385 ] يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين

قوله تعالى: لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا سبب نزولها: أن رفاعة بن زيد بن التابوت ، وسويد بن الحارث كانا قد أظهرا الإسلام ، ثم نافقا ، وكان رجال من المسلمين يوادونهما ، فنزلت هذه الآية ، قاله ابن عباس . فأما اتخاذهم الدين هزوا ولعبا ، فهو إظهارهم الإسلام ، وإخفاؤهم الكفر ، وتلاعبهم بالدين . والذين أوتوا الكتاب: اليهود والنصارى ، والكفار: عبدة الأوثان . قرأ ابن كثير ، ونافع ، وابن عامر ، وحمزة: "والكفار" بالنصب على معنى: لا تتخذوا الكفار أولياء . وقرأ أبو عمرو ، والكسائي: "والكفار" خفضا ، لقرب الكلام من العامل الجار ، وأمال أبو عمرو الألف . واتقوا الله أن تولوهم .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 16-04-2022, 01:21 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,262
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثانى
سُورَةُ الْمَائِدَةِ
الحلقة (180)
صــ386 إلى صــ 390

وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون


قوله تعالى: وإذا ناديتم إلى الصلاة في سبب نزولها قولان .

أحدهما: أن منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا نادى إلى الصلاة ، وقام المسلمون [ ص: 386 ] إليها ، قالت اليهود: قاموا لا قاموا ، صلوا لا صلوا ، على سبيل الاستهزاء والضحك ، فنزلت هذه الآية ، قاله ابن السائب .

والثاني: أن الكفار لما سمعوا الأذان حسدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين على ذلك ، وقالوا: يا محمد لقد أبدعت شيئا لم نسمع به فيما مضى من الأمم الخالية ، فإن كنت تدعي النبوة ، فقد خالفت في هذا الأذان الأنبياء قبلك ، فما أقبح هذا الصوت ، وأسمج هذا الأمر ، فنزلت هذه الآية ، ذكره بعض المفسرين . وقال السدي: كان رجل من النصارى بالمدينة إذا سمع المنادي ينادي: أشهد أن محمدا رسول الله ، قال: حرق الكاذب ، فدخلت خادمه ذات ليلة بنار وهو نائم ، وأهله نيام ، فسقطت شرارة فأحرقت البيت ، فاحترق هو وأهله .

والمناداة: هي الأذان ، واتخاذهم إياها هزوا: تضاحكهم وتغامزهم ذلك بأنهم قوم لا يعقلون ما لهم في إجابة الصلاة ، وما عليهم في استهزائهم بها .
قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون

قوله تعالى: قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا سبب نزولها: أن نفرا من اليهود أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسألوه عمن يؤمن به من الرسل ، فذكر جميع الأنبياء ، فلما ذكر عيسى ، جحدوا نبوته ، وقالوا: والله ما نعلم دينا شرا من دينكم ، فنزلت هذه الآية والتي بعدها ، قاله ابن عباس . وقرأ الحسن ، والأعمش: "تنقمون" بفتح القاف . قال الزجاج : يقال: نقمت على الرجل أنقم ، ونقمت [ ص: 387 ] عليه أنقم ، والأول أجود . ومعنى "نقمت": بالغت في كراهة الشيء ، والمعنى: هل تكرهون منا إلا إيماننا ، وفسقكم ، لأنكم علمتم أننا على حق ، وأنكم فسقتم .
قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل

قوله تعالى: هل أنبئكم بشر من ذلك قال المفسرون: سبب نزولها: قول اليهود للمؤمنين: والله ما علمنا أهل دين أقل حظا منكم في الدنيا والآخرة ، ولا دينا شرا من دينكم . وفي قوله: بشر من ذلك قولان .

أحدهما: بشر من المؤمنين ، قاله ابن عباس .

والثاني: بشر مما نقمتم من إيماننا ، قاله الزجاج . فأما "المثوبة": فهي الثواب . قال الزجاج : وموضع "من" في قوله: من لعنه الله إن شئت كان رفعا ، وإن شئت كان خفضا ، فمن خفض جعله بدلا من "شر" فيكون المعنى: أنبئكم بمن لعنه الله؟ ومن رفع فبإضمار "هو" كأن قائلا قال: من ذلك؟ فقيل: هو من لعنه الله . قال أبو صالح عن ابن عباس: من لعنه الله بالجزية ، وغضب عليه بعبادة العجل ، فهم شر مثوبة عند الله . وروي عن ابن عباس أن المسخين من أصحاب السبت: مسخ شبابهم قردة ، ومشايخهم خنازير . وقال غيره: القردة: أصحاب السبت ، والخنازير: كفار مائدة عيسى . وكان ابن قتيبة يقول: أنا أظن أن هذه القردة ، والخنازير هي المسوخ بأعيانها توالدت . قال: واستدللت بقوله تعالى: وجعل منهم القردة والخنازير فدخول الألف واللام يدل على المعرفة ، وعلى أنها القردة التي تعاين ، ولو كان أراد شيئا انقرض ومضى ، لقال: وجعل [ ص: 388 ] منهم قردة وخنازير ، إلا أن يصح حديث أم حبيبة في "المسوخ" فيكون كما قال عليه السلام . قلت: أنا . وحديث أم حبيبة في "الصحيح" انفرد بإخراجه مسلم ، وهو أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: يا رسول الله ، القردة والخنازير هي مما مسخ؟ فقال النبي عليه السلام: "[إن الله] لم يمسخ قوما أو يهلك قوما ، فيجعل لهم نسلا ولا عاقبة ، وإن القردة والخنازير قد كانت قبل ذلك" وقد ذكرنا في سورة (البقرة) عن ابن عباس زيادة بيان ذلك ، فلا يلتفت إلى ظن ابن قتيبة .

قوله تعالى: وعبد الطاغوت فيها عشرون قراءة . قرأ ابن كثير ، وعاصم ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، ونافع ، والكسائي: "وعبد" بفتح العين والباء والدال ، ونصب تاء "الطاغوت" وفيها وجهان .

أحدهما: أن المعنى: وجعل منهم القردة والخنازير ومن عبد الطاغوت .

والثاني: أن المعنى: من لعنه الله وعبد الطاغوت . وقرأ حمزة: "وعبد الطاغوت" بفتح العين والدال ، وضم الباء ، وخفض تاء الطاغوت . قال ثعلب: ليس لها وجه إلا أن يجمع فعل على فعل . وقال الزجاج : وجهها أن الاسم بني على "فعل" كما تقول علم زيد ، ورجل حذر ، أي: مبالغ في الحذر . فالمعنى: جعل منهم خدمة الطاغوت ومن بلغ في طاعة الطاغوت الغاية . وقرأ ابن مسعود ، [ ص: 389 ] وأبي بن كعب: "وعبدوا" بفتح العين والباء ، ورفع الدال على الجمع "الطاغوت" بالنصب . وقرأ ابن عباس ، وابن أبي عبلة: "وعبد" بفتح العين والباء والدال ، إلا أنهما كسرا تاء "الطاغوت" . قال الفراء: أرادا "عبدة" فحذفا الهاء . وقرأ أنس بن مالك: "وعبيد" بفتح العين والدال وبياء بعد الباء وخفض تاء "الطاغوت" . وقرأ أيوب ، والأعمش: "وعبد" برفع العين ونصب الباء والدال مع تشديد الباء ، وكسر تاء "الطاغوت" . وقرأ أبو هريرة ، وأبو رجاء ، وابن السميفع: "وعابد" بألف ، مكسورة الباء ، مفتوحة الدال ، مع كسر تاء "الطاغوت" . وقرأ أبو العالية ، ويحيى بن وثاب: "وعبد" برفع العين والباء ، وفتح الدال ، مع كسر تاء "الطاغوت" . قال الزجاج : هو جمع عبيد وعبد ، مثل رغيف ورغف ، وسرير وسرر ، والمعنى: وجعل منهم عبيد الطاغوت . وقرأ أبو عمران الجوني ، ومورق العجلي ، والنخعي: "وعبد" برفع العين وكسر الباء مخففة ، وفتح الدال مع ضم تاء "الطاغوت" . وقرأ أبو المتوكل ، وأبو الجوزاء ، وعكرمة: "وعبد" بفتح العين والدال ، وتشديد الباء ، مع نصب تاء "الطاغوت" . وقرأ الحسن ، وأبو مجلز ، وأبو نهيك: "وعبد" بفتح العين والدال ، وسكون الباء خفيفة مع كسر تاء "الطاغوت" . وقرأ قتادة ، وهذيل ابن شرحبيل: "وعبدة" بفتح العين والباء والدال وتاء في اللفظ منصوبة بعد الدال "الطواغيت" بألف وواو وياء بعد الغين على الجمع . وقرأ الضحاك ، وعمرو بن [ ص: 390 ] دينار: "وعبد" برفع العين وفتح الباء والدال ، مع تخفيف الباء ، وكسر تاء "الطاغوت" .

وقرأ سعيد بن جبير ، والشعبي: "وعبدة" مثل حمزة ، إلا أنهما رفعا تاء "الطاغوت" .

وقرأ يحيى بن يعمر ، والجحدري: "وعبد" بفتح العين ورفع الباء والدال ، مع كسر تاء "الطاغوت" . وقرأ أبو الأشهب العطاردي: "وعبد" برفع العين وتسكين الباء ونصب الدال ، مع كسر تاء "الطاغوت" . وقرأ أبو السماك: "وعبدة" بفتح العين والباء والدال وتاء في اللفظ بعد الدال مرفوعة ، مع كسر تاء "الطاغوت" . وقرأ معاذ القارئ: "وعابد" مثل قراءة أبي هريرة ، إلا أنه ضم الدال . وقرأ أبو حيوة: "وعباد" بتشديد الباء وبألف بعدها مع رفع العين ، وفتح الدال . وقرأ ابن حذلم ، وعمرو بن فائد: "وعباد" مثل أبي حيوة ، إلا أن العين مفتوحة ، والدال مضمومة . وقد سبق ذكر "الطاغوت" في سورة (البقرة)

وفي المراد به هاهنا قولان . أحدهما: الأصنام . والثاني: الشيطان .

قوله تعالى: أولئك شر مكانا أي: هؤلاء الذين وصفناهم شر مكانا من المؤمنين ، ولا شر في مكان المؤمنين ، ولكن الكلام مبني على كلام الخصم ، حين قالوا للمؤمنين: لا نعرف شرا منكم ، فقيل: من كان بهذه الصفة فهو شر منهم .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 13-05-2022, 09:40 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,262
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثانى
سُورَةُ الْمَائِدَةِ
الحلقة (181)
صــ391 إلى صــ 395

وإذا جاءوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به والله أعلم بما كانوا يكتمون

قوله تعالى: وإذا جاءوكم قالوا آمنا قال قتادة: هؤلاء ناس من اليهود كانوا يدخلون على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيخبرونه أنهم مؤمنون بما جاء به وهم متمسكون بضلالتهم .

[ ص: 391 ] قوله تعالى: وقد دخلوا بالكفر أي: دخلوا كافرين ، وخرجوا كافرين ، فالكفر معهم في حالتيهم ، والله أعلم بما كانوا يكتمون من الكفر والنفاق .
وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون

قوله تعالى: وترى كثيرا منهم يعني: اليهود (يسارعون) أي: يبادرون (في الإثم) وفيه قولان . أحدهما: أنه المعاصي ، قاله ابن عباس . والثاني: الكفر ، قاله السدي . فأما العدوان فهو الظلم .

وفي "السحت" ثلاثة أقوال .

أحدها: الرشوة في الحكم . والثاني: الرشوة في الدين . والثالث: الربا .
لولا ينهاهم الربانيون والأحبار "لولا": بمعنى: "هلا" ، و "الربانيون" مذكورون في (آل عمران) ، و "الأحبار" قد تقدم ذكرهم في هذه السورة . وهذه الآية من أشد الآيات على تاركي الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، لأن الله تعالى جمع بين فاعل المنكر وتارك الإنكار في الذم . قال ابن عباس : ما في القرآن آية أشد توبيخا من هذه الآية .
وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلما أوقدوا نارا للحرب [ ص: 392 ] أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين

قوله تعالى: وقالت اليهود يد الله مغلولة قال أبو صالح عن ابن عباس: نزلت في فنحاص اليهودي وأصحابه ، قالوا: يد الله مغلولة . وقال مقاتل: فنحاص وابن صلوبا ، وعازر بن أبي عازر . وفي سبب قولهم هذا ثلاثة أقوال .

أحدها: أن الله تعالى كان قد بسط لهم الرزق ، فلما عصوا الله تعالى في أمر محمد صلى الله عليه وسلم وكفروا به كف عنهم بعض ما كان بسط لهم ، فقالوا: يد الله مغلولة ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال عكرمة .

والثاني: أنه الله تعالى استقرض منهم كما استقرض من هذه الأمة ، فقالوا: إن الله بخيل ، ويده مغلولة فهو يستقرضنا ، قاله قتادة .

والثالث: أن النصارى لما أعانوا بختنصر المجوسي على تخريب بيت المقدس ، قالت اليهود: لو كان الله صحيحا ، لمنعنا منه ، فيده مغلولة ، ذكره قتادة أيضا .

والمغلولة: الممسكة المنقبضة . وعن ماذا عنوا أنها ممسكة ، فيه قولان .

أحدهما: عن العطاء ، قاله ابن عباس ، وقتادة ، والفراء ، وابن قتيبة ، والزجاج .

والثاني: ممسكة عن عذابنا ، فلا يعذبنا إلا تحلة القسم بقدر عبادتنا العجل ، قاله الحسن . وفي قوله: غلت أيديهم ثلاثة أقوال .

أحدها: غلت في جهنم ، قاله الحسن . والثاني: أمسكت عن الخير ، قاله مقاتل . والثالث: جعلوا بخلاء ، فهم أبخل قوم ، قاله الزجاج . قال ابن الأنباري: وهذا خبر أخبر الله تعالى به الخلق أن هذا قد نزل بهم ، وموضعه نصب على معنى الحال . تقديره: قالت اليهود هذا في حال حكم الله بغل أيديهم ، ولعنته [ ص: 393 ] إياهم ، ويجوز أن يكون المعنى: فغلت أيديهم ، ويجوز أن يكون دعاء ، معناه: تعليم الله لنا كيف ندعو عليهم ، كقوله: تبت يدا أبي لهب [اللهب: 1 ] وقوله: لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين [الفتح: 27] .

وفي قوله: ولعنوا بما قالوا ثلاثة أقوال .

أحدها: أبعدوا من رحمة الله . والثاني: عذبوا في الدنيا بالجزية ، وفي الآخرة بالنار . والثالث: مسخوا قردة وخنازير . وروى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من لعن شيئا لم يكن للعنه أهلا رجعت اللعنة على اليهود بلعنة الله إياهم" . قال الزجاج : وقد ذهب قوم إلى أن معنى "يد الله": نعمته ، وهذا خطأ ينقضه بل يداه مبسوطتان فيكون المعنى على قولهم: نعمتاه ، ونعم الله أكثر من أن تحصى . والمراد بقوله: بل يداه مبسوطتان : أنه جواد ينفق كيف يشاء وإلى نحو هذا ذهب ابن الأنباري . قال ابن عباس : إن شاء وسع في الرزق ، وإن شاء قتر .

قوله تعالى: وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا

قال الزجاج : كلما أنزل عليك شيء ، كفروا به ، فيزيد كفرهم . و "الطغيان" هاهنا: الغلو في الكفر . وقال مقاتل: وليزيدن بني النضير ما أنزل إليك من ربك من أمر الرجم والدماء طغيانا وكفرا .

[ ص: 394 ] قوله تعالى: وألقينا بينهم العداوة والبغضاء فيمن عني بهذا قولان .

أحدهما: اليهود والنصارى ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، ومقاتل . فإن قيل: فأين ذكر النصارى؟ فالجواب: أنه قد تقدم في قوله: لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء . والثاني: أنهم اليهود ، قاله قتادة .

قوله تعالى: كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ذكر إيقاد النار مثل ضرب لاجتهادهم في المحاربة ، وقيل: إن الأصل في استعارة اسم النار للحرب أن القبيلة من العرب كانت إذا أرادت حرب أخرى أوقدت النار على رؤوس الجبال ، والمواضع المرتفعة ، ليعلم استعدادهم للحرب ، فيتأهب من يريد إعانتهم . وقيل: كانوا إذا تحالفوا على الجد في حربهم ، أوقدوا نارا ، وتحالفوا .

وفي معنى الآية قولان .

أحدهما: كلما جمعوا لحرب النبي صلى الله عليه وسلم فرقهم الله .

والثاني: كلما مكروا مكرا رده الله .

قوله تعالى: ويسعون في الأرض فسادا فيه أربعة أقوال .

أحدها: بالمعاصي ، قاله ابن عباس ، ومقاتل . والثاني: بمحو ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من كتبهم ، ودفع الإسلام ، قاله الزجاج . والثالث: بالكفر . والرابع: بالظلم ، ذكرهما الماوردي .
ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم

قوله تعالى: ولو أن أهل الكتاب يعني: اليهود والنصارى (آمنوا) بالله وبرسله (واتقوا) الشرك (لكفرنا عنهم سيئاتهم) التي سلفت .
[ ص: 395 ] ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون

قوله تعالى: ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل قال ابن عباس : عملوا بما فيهما . وفيما أنزل إليهم من ربهم قولان . أحدهما: كتب أنبياء بني إسرائيل . والثاني: القرآن لأنهم لما خوطبوا به كان نازلا إليهم .

قوله تعالى: لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم فيه قولان .

أحدهما: لأكلوا بقطر السماء ، ونبات الأرض ، وهذا قول ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 13-05-2022, 09:40 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,262
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثانى
سُورَةُ الْمَائِدَةِ
الحلقة (182)
صــ396 إلى صــ 400


والثاني: أن المعنى لوسع عليهم ، كما يقال: فلان في خير من قرنه إلى قدمه ، ذكره الفراء ، والزجاج . وقد أعلم الله تعالى بهذا أن التقوى سبب في توسعة الرزق كما قال: لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض [الأعراف: 96] وقال: ويرزقه من حيث لا يحتسب [الطلاق: 3]

قوله تعالى: منهم أمة مقتصدة يعني: من أهل الكتاب ، وهم الذين أسلموا منهم ، قاله ابن عباس ، ومجاهد . وقال القرظي: هم الذين قالوا: المسيح عبد الله ورسوله . و "الاقتصاد" الاعتدال في القول والعمل من غير غلو ولا تقصير .
يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين

قوله تعالى: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك ذكر المفسرون أن هذه [ ص: 396 ] الآية نزلت على أسباب ، روى الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لما بعثني الله برسالته ، ضقت بها ذرعا ، وعرفت أن من الناس من يكذبني" ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يهاب قريشا واليهود والنصارى ، فأنزل الله هذه الآية . وقال مجاهد: لما نزلت يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك قال: "يا رب كيف أصنع؟ إنما أنا وحدي يجتمع علي الناس" ، فأنزل الله وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس وقال مقاتل: لما دعا اليهود ، وأكثر عليهم ، جعلوا يستهزؤون به ، فسكت عنهم ، فحرض بهذه الآية . وقال ابن عباس : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرس فيرسل معه أبو طالب كل يوم رجالا من بني هاشم يحرسونه حتى نزلت عليه هذه الآية ، فقال: "يا عماه إن الله قد عصمني من الجن والإنس" . وقال أبو هريرة: نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم تحت شجرة وعلق سيفه فيها ، فجاء رجل فأخذه ، فقال: يا محمد من يمنعني منك؟ فقال: "الله" ، فنزل قوله: والله يعصمك من الناس . قالت عائشة: سهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة ، فقلت: ما شأنك؟ قال: ألا رجل صالح يحرسني الليلة ، فبينما نحن في ذلك إذ سمعت صوت السلاح ، فقال: "من هذا"؟ فقال: سعد وحذيفة جئنا نحرسك ، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى [ ص: 397 ] سمعت غطيطه ، فنزلت والله يعصمك من الناس فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من قبة أدم وقال: "انصرفوا أيها الناس ، فقد عصمني الله تعالى" . قال الزجاج : قوله: بلغ ما أنزل إليك معناه: بلغ جميع ما أنزل إليك ، ولا تراقبن أحدا ، ولا تتركن شيئا منه مخافة أن ينالك مكروه ، فإن تركت منه شيئا ، فما بلغت . قال ابن قتيبة: يدل على هذا المحذوف قوله: والله يعصمك وقال ابن عباس : إن كتمت آية فما بلغت رسالتي . وقال غيره: المعنى: بلغ جميع ما أنزل إليك جهرا ، فإن أخفيت شيئا منه لخوف أذى يلحقك ، فكأنك ما بلغت شيئا . وقرأ أبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي: "رسالته" على التوحيد . وقرأ نافع: "رسالاته" على الجمع .

قوله تعالى: والله يعصمك من الناس قال ابن قتيبة: أي: يمنعك منهم . وعصمة الله: منعه للعبد من المعاصي ، ويقال: طعام لا يعصم ، أي: لا يمنع من الجوع . فإن قيل: فأين ضمان العصمة وقد شج جبينه ، وكسرت رباعيته ، وبولغ في أذاه؟ فعنه جوابان .

أحدهما: أنه عصمه من القتل والأسر وتلف الجملة ، فأما عوارض الأذى ، فلا تمنع عصمة الجملة . والثاني: أن هذه الآية نزلت بعدما جرى عليه ذلك ، لأن "المائدة" من أواخر ما نزل .

[ ص: 398 ] قوله تعالى: إن الله لا يهدي القوم الكافرين فيه قولان .

أحدهما: لا يهديهم إلى الجنة . والثاني: لا يعينهم على بلوغ غرضهم .
قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا فلا تأس على القوم الكافرين

قوله تعالى: قل يا أهل الكتاب لستم على شيء سبب نزولها: أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ألست تؤمن بما عندنا من التوراة ، وتشهد أنها حق؟ قال: بلى ، ولكنكم أحدثتم وجحدتم ما فيها ، فأنا بريء من إحداثكم . فقالوا: نحن على الهدى ، ونأخذ بما في أيدينا ، ولا نؤمن بك ، فنزلت هذه الآية ، قاله ابن عباس .

فأما أهل الكتاب ، فالمراد بهم اليهود والنصارى . وقوله: لستم على شيء أي: لستم على شيء من الدين الحق حتى تقيموا التوراة والإنجيل ، وإقامتهما: العمل بما فيهما ، ومن ذلك الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم . وفي الذي أنزل إليهم من ربهم قولان قد سبقا ، وكذلك باقي الآية .
إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون

قوله تعالى: إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون قد ذكرنا تفسيرها في (البقرة) . وكذلك اختلفوا في إحكامها ونسخها كما بينا هناك . فأما رفع "الصابئين" فذكر الزجاج عن البصريين ، منهم الخليل ، وسيبويه أن قوله: [ ص: 399 ] "والصابئون" محمول على التأخير ، ومرفوع بالابتداء . والمعنى: إن الذين آمنوا والذين هادوا من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون . والصابئون والنصارى كذلك أيضا ، وأنشدوا:


وإلا فاعلموا أنا وأنتم بغاة ما بقينا في شقاق


المعنى: فاعلموا أنا بغاة ما بقينا في شقاق ، وأنتم أيضا كذلك .
لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون

قوله تعالى: لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل قال مقاتل: أخذ ميثاقهم في التوراة بأن يعملوا بما فيها . قال ابن عباس : كان فيمن كذبوا ، محمد ، وعيسى ، وفيمن قتلوا ، زكريا ، ويحيى . قال الزجاج : فأما التكذيب ، فاليهود ، والنصارى يشتركون فيه . وأما القتل فيختص اليهود .
وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا ثم تاب الله عليهم ثم عموا وصموا كثير منهم والله بصير بما يعملون

قوله تعالى: وحسبوا ألا تكون فتنة قرأ ابن كثير ، ونافع ، وعاصم ، [ ص: 400 ] وابن عامر: "تكون" بالنصب . وقرأ أبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي: "تكون" بالرفع ، ولم يختلفوا في رفع "فتنة" . قال مكي بن أبي طالب: من رفع جعل "أن" مخففة من الثقيلة ، وأضمر معها "الهاء" ، وجعل "حسبوا" بمعنى: أيقنوا ، لأن "أن" للتأكيد ، والتأكيد لا يجوز إلا مع اليقين . والتقدير: أنه لا تكون فتنة . ومن نصب جعل "أن" هي الناصبة للفعل ، وجعل "حسبوا" بمعنى: ظنوا . ولو كان قبل "أن" فعل لا يصلح للشك ، لم يجز أن تكون إلا مخففة من الثقيلة ، ولم يجز نصب الفعل بها ، كقوله: أفلا يرون ألا يرجع إليهم [طه: 89] و علم أن سيكون [المزمل: 20] وقال أبو علي: الأفعال ثلاثة: فعل يدل على ثبات الشيء واستقراره ، نحو العلم والتيقن ، وفعل يدل على خلاف الثبات والاستقرار ، وفعل يجذب إلى هذا مرة ، وإلى هذا أخرى ، فما كان معناه العلم ، وقعت بعده "أن" الثقيلة ، لأن معناها ثبوت الشيء واستقراره ، كقوله: ويعلمون أن الله هو الحق المبين [النور: 25] ألم يعلم بأن الله يرى [العلق: 14] وما كان على غير وجه الثبات والاستقرار نحو: أطمع وأخاف وأرجو ، وقعت بعده "أن" الخفيفة ، كقوله: فإن خفتم ألا يقيما حدود الله [البقرة: 229] تخافون أن يتخطفكم الناس [الأنفال 26] فخشينا أن يرهقهما [الكهف: 80] أطمع أن يغفر لي [الشعراء: 82] وما كان مترددا بين الحالين مثل حسبت وظننت ، فإنه يجعل تارة بمنزلة العلم ، وتارة بمنزلة أرجو وأطمع وكلتا القراءتين في وحسبوا ألا تكون فتنة قد جاء بها التنزيل . فمثل مذهب من نصب أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم [الجاثية: 21] أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا [العنكبوت: 4] أحسب الناس أن يتركوا [العنكبوت: 2] ومثل مذهب من رفع أيحسبون أنما نمدهم [المؤمنون 55] أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم [الزخرف: 80] . [ ص: 401 ] قال ابن عباس : ظنوا أن الله لا يعذبهم ، ولا يبتليهم بقتلهم الأنبياء ، وتكذيبهم الرسل .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 13-05-2022, 09:43 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,262
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

دد


تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثانى
سُورَةُ الْمَائِدَةِ
الحلقة (183)
صــ401 إلى صــ 405



قوله تعالى: فعموا وصموا قال الزجاج : هذا مثل تأويله: أنهم لم يعملوا بما سمعوا ، ورأوا من الآيات ، فصاروا كالعمي الصم .

قوله تعالى: ثم تاب الله عليهم فيه قولان .

أحدهما: رفع عنهم البلاء ، قاله مقاتل . وقال غيره: هو ظفرهم بالأعداء ، وذلك مذكور في قوله: ثم رددنا لكم الكرة عليهم [الإسراء: 6]

والثاني: أن معنى "تاب عليهم": أرسل إليهم محمدا يعلمهم أن الله قد تاب عليهم إن آمنوا وصدقوا ، قاله الزجاج . وفي قوله: ثم عموا وصموا قولان .

أحدهما: لم يتوبوا بعد رفع البلاء ، قاله مقاتل .

والثاني: لم يؤمنوا بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم ، قاله الزجاج .

قوله تعالى: كثير منهم أي: عمي وصم كثير منهم ، كما تقول: جاءني قومك أكثرهم . قال ابن الأنباري: هذه الآية نزلت في قوم كانوا على الكفر قبل أن يبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما بعث كذبوه بغيا وحسدا ، وقدروا أن هذا الفعل لا يكون موبقا لهم ، وجانيا عليهم ، فقال الله تعالى: وحسبوا ألا تكون فتنة أي: ظنوا ألا تقع بهم فتنة في الإصرار على الكفر ، فعموا وصموا بمجانبة الحق . ثم تاب الله عليهم أي: عرضهم للتوبة بأن أرسل محمدا صلى الله عليه وسلم وإن لم يتوبوا ، ثم عموا وصموا بعد بيان الحق بمحمد ، كثير منهم ، فخص بعضهم بالفعل الأخير ، لأنهم لم يجتمعوا كلهم على خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم .
[ ص: 402 ] لقد كفر الذين قالوا: إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار

قوله تعالى: لقد كفر الذين قالوا: إن الله هو المسيح ابن مريم قال مقاتل: نزلت في نصارى نجران ، قالوا ذلك .

قوله تعالى: وقال المسيح أي: وقد كان المسيح قال لهم وهو بين أظهرهم: إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة .
لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم

قوله تعالى: لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة قال مجاهد: هم النصارى . قال وهب بن منبه: لما ولد عيسى لم يبق صنم إلا خر لوجهه ، فاجتمعت الشياطين إلى إبليس ، فأخبروه ، فذهب فطاف أقطار الأرض ، ثم رجع ، فقال: هذا المولود الذي ولد من غير ذكر ، أردت أن أنظر إليه ، فوجدت الملائكة قد حفت بأمه ، فليتخلف عندي اثنان من مردتكم ، فلما أصبح ، خرج بهما في صورة الرجال ، فأتوا مسجد بني إسرائيل وهم يتحدثون بأمر عيسى ويقولون: مولود من غير أب . فقال إبليس: ما هذا ببشر ، ولكن الله أحب أن يتمثل في امرأة ليختبر العباد ، فقال أحد صاحبيه: ما أعظم ما قلت ، ولكن الله أحب أن يتخذ ولدا . وقال الثالث: ما أعظم ما قلت ، ولكن الله أراد أن يجعل إلها في [ ص: 403 ] الأرض ، فألقوا هذا الكلام على ألسنة الناس ، ثم تفرقوا ، فتكلم به الناس .

وقال محمد بن كعب: لما رفع عيسى اجتمع مئة من علماء بني إسرائيل ، وانتخبوا منهم أربعة ، فقال أحدهم: عيسى هو الله كان في الأرض ما بدا له ، ثم صعد إلى السماء ، لأنه لا يحيي الموتى ولا يبرئ الأكمه والأبرص إلا الله . وقال الثاني: ليس كذلك ، لأنا قد عرفنا عيسى ، وعرفنا أمه . ولكنه ابن الله . وقال الثالث: لا أقول كما قلتما ، ولكن جاءت به أمه من عمل غير صالح . فقال: الرابع لقد قلتم قبيحا ، ولكنه عبد الله ورسوله ، وكلمته ، فخرجوا ، فاتبع كل رجل منهم عنق من الناس . قال المفسرون: ومعنى الآية: أن النصارى قالت: الإلهية مشتركة بين الله وعيسى ومريم ، وكل واحد منهم إله . وفي الآية إضمار ، فالمعنى: ثالث ثلاثة آلهة ، فحذف ذكر الآلهة ، لأن المعنى مفهوم ، لأنه لا يكفر من قال: هو ثالث ثلاثة ، ولم يرد الآلهة ، لأنه ما من اثنين إلا وهو ثالثهما ، وقد دل على المحذوف قوله: وما من إله إلا إله واحد . قال الزجاج : ومعنى ثالث ثلاثة: أنه أحد ثلاثة . ودخلت "من" في قوله: وما من إله للتوكيد .

والذين كفروا منهم ، هم المقيمون على هذا القول . وقال ابن جرير: المعنى: ليمسن الذين يقولون: المسيح هو الله ، والذين يقولون: إن الله ثالث ثلاثة ، وكل كافر يسلك سبيلهم ، عذاب أليم .
أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم

قوله تعالى: أفلا يتوبون إلى الله قال الفراء: لفظه لفظ الاستفهام ، ومعناه الأمر ، كقوله: فهل أنتم منتهون [المائدة: 91] .
[ ص: 404 ] ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون

قوله تعالى: ما المسيح ابن مريم إلا رسول فيه رد على اليهود في تكذيبهم رسالته ، وعلى النصارى في ادعائهم إلهيته . والمعنى: أنه ليس بإله ، وإنما حكمه حكم من سبقه من الرسل . وفي قوله: وأمه صديقة رد على من نسبها من اليهود إلى الفاحشة . قال الزجاج : والصديقة: المبالغة في الصدق ، وصديق "فعيل" من أبنية المبالغة ، كما تقول: فلان سكيت ، أي: مبالغ في السكوت .

وفي قوله تعالى: كانا يأكلان الطعام قولان .

أحدهما: أنه بين أنهما يعيشان بالغذاء ، ومن لا يقيمه إلا أكل الطعام فليس بإله ، قاله الزجاج .

والثاني: أنه نبه بأكل الطعام على عاقبته ، وهو الحدث ، إذ لا بد لآكل الطعام من الحدث ، قاله ابن قتيبة . قال: وقوله: انظر كيف نبين لهم الآيات من ألطف ما يكون من الكناية . و "يؤفكون": يصرفون عن الحق ويعدلون ، يقال: أفك الرجل عن كذا: إذا عدل عنه ، وأرض مأفوكة: محرومة المطر والنبات ، كأن ذلك صرف عنها وعدل .
قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا والله هو السميع العليم

قوله تعالى: قل أتعبدون من دون الله قال مقاتل: قل لنصارى نجران: أتعبدون من دون الله ، يعني: عيسى ابن مريم ما لا يملك لكم ضرا في الدنيا ، ولا [ ص: 405 ] نفعا في الآخرة . والله هو السميع لقولهم: المسيح ابن الله ، وثالث ثلاثة ، العليم بمقالتهم .
قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل

قوله تعالى: قل يا أهل الكتاب قال مقاتل: هم نصارى نجران . والمعنى: لا تغلوا في دينكم ، فتقولوا غير الحق في عيسى . وقد بينا معنى "الغلو" في آخر سورة (النساء) .

قوله تعالى: ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل قال أبو سليمان: من قبل أن تضلوا . وفيهم قولان .

أحدهما: أنهم رؤساء الضلالة من اليهود .

والثاني: رؤساء اليهود والنصارى ، والآية خطاب للذين كانوا في عصر نبينا صلى الله عليه وسلم نهوا أن يتبعوا أسلافهم فيما ابتدعوه بأهوائهم .
لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون

قوله تعالى: لعن الذين كفروا من بني إسرائيل في لعنهم قولان .

أحدهما: أنه نفس اللعن ، ومعناه: المباعدة من الرحمة . قال ابن عباس : لعنوا على لسان داود ، فصاروا قردة ، و لعنوا على لسان عيسى في الإنجيل . قال الزجاج : وجائز أن يكون داود وعيسى أعلما أن محمدا نبي ، ولعنا من كفر به .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 402.06 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 396.17 كيلو بايت... تم توفير 5.88 كيلو بايت...بمعدل (1.46%)]