المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد - الصفحة 6 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         كيف تصنع ب"لا إله إلا الله" يوم القيامة؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          رأس المنافقين ( عبد الله بن أُبَيّ بن سلول) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          الإسراء والمعراج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          الأخوَّة.. تلك الحلقة المفقودة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          محمد بن القاسم الثقفي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          الإسلام عقيدة وعبادة وأخلاق وتشريع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          معركتنا مع الشيطان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          أويس القرني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          الصاحب الناصح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          انت أخي في الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 21-03-2022, 09:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,786
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد


المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول

سُورَةُ البَقَرَة
من صــ 274 الى صـ 278
الحلقة (51)

5 - أخرج النَّسَائِي عن عبد اللَّه بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن رجلاً أتى امرأته في دبرها في عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فوجد من ذلك وجداً شديداً فأنزل الله تعالى: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ).
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية، وقد ذكر جمهور المفسرين هذه الأحاديث على تفاوت بينهم في ذكر بعضها وترك بعضها، ومن هؤلاء الطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.
قال السعدي: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) مقبلة ومدبرة، غير أنه لا يكون إلا في القبل، لكونه موضع الحرث، وهو الموضع الذي يكون منه الولد، وفيه دليل على تحريم الوطء في الدبر؛ لأن اللَّه لم يبح إتيان المرأة إلا في الموضع الذي منه الحرث، وقد تكاثرت الأحاديث عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في تحريم ذلك ولعن فاعله) اهـ.
فأما ما روى النَّسَائِي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن رجلاً أتى امرأته في دبرها في عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فوجد من ذلك وجداً شديداً.
ففيه علتان قويتان:
الأولى: في إسناده، فقد أنكر أبو حاتم أن يكون هذا الإسناد المروي لهذا المتن بل له إسناد آخر غيره تبين تفصيله في الحاشية.
الثانية: في متنه، فقد قال ابن القيم: (هذا غلط بلا شك، غلط فيه سليمان بن بلال، أو ابن أبي أويس راويه عنه، وانقلبت عليه لفظة (مِن) بلفظة (في) وإنما هو (أتى امرأته من دبرها) ولعل هذه هي قصة عمر بن الخطاب بعينها لما حوَّل رحله، ووجد من ذلك وجداً شديداً فقال لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هلكت، أو يكون بعض الرواة ظن أن ذلك هو الوطء في الدبر فرواه بالمعنى الذي ظنه) اهـ.
وحينئذٍ ينحسر البحث في أربعة أحاديث، منها حديث النَّسَائِي عن أبي النضر في قصة نافع مع ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -.
وهذا الحديث - واللَّه أعلم - ليس سبب نزولها، وإن كان إسناده يحتمل التحسين لما روى أحمد والدارمي عن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: إن الأنصار كانوا لا يُجبُّون النساء، وكانت اليهود تقول: إنه من جبَّى امرأته خرح ولده أحول، فلما قدم المهاجرون المدينة، نكحوا في نساء الأنصار، فجبّوهُن، فأبت امرأة أن تطيع زوجها، فقالت لزوجها: لن تفعل ذلك حتى آتي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فدخلت على أم سلمة فذكرت ذلك لها، فقالت: اجلسي حتى يأتي رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلما جاء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استحيت الأنصارية أن تسأله، فخرجت، فحدثت أمُّ سلمة رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: (ادعي الأنصارية)، فدعيت فتلا عليها هذه الآية: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) صمامًا واحدًا.
فسياق أم سلمة لهذا الحديث يقارب كثيرًا حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مما يشير إلى أن القصة في الحديثين واحدة، وهي في سياق أم سلمة أتم وأوفى كيف لا وقد وقعت في بيتها، وهي راويتها من غير واسطة، وقد أشار الحديث إلى حقيقتين هامتين:
الأولى: أن حديث أم سلمة - رضي الله عنها - لم يتعرض للنزول أعني قوله: (فأنزل) وإنما فيه أنه تلا عليها الآية فقط، وهذا كالتذكير لها بحكم نازل سابق.
وإذا كان الأمر كذلك فان قول ابن عمر: فأنزل الله تعالى: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) إما أن يكون من تصرف الرواة، أو يكون من قول ابن عمر، ولم يرد به النزول المصطلح عليه، وإنما أراد أن لفظ الآية يتضمن حكم هذه المسألة، أو ربما ظن أنها نزلت بسبب ذلك وليس الأمر كذلك.
الثانية: أن أم سلمة - رضي الله عنها - ذكرت في حديثها قول اليهود: من جبّى خرج ولده أحول، وهذا يدل على أن أصل الإشكال عند الأنصار ناشئ من اعتقاد اليهود في ذلك.
أما حديث ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عند أبي داود في توهيمه لابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فالجواب عنه كالجواب عما رواه النَّسَائِي عن نافع عن ابن عمر سواء بسواء، لأن شأن الحديثين واحد لوجهين:
الأول: أن في حديث ابن عبَّاسٍ قالت: إنما كنا نُؤتى على حرف، وفي حديث ابن عمر: وكانت نساء الأنصار إنما يؤتين على جنوبهن.
الثاني: أن في حديث ابن عبَّاسٍ: أن الأنصار يقتدون بأهل الكتاب، وفي حديث ابن عمر: فإذا هن قد كرهن ذلك وأعظمنه، وسبب الكراهة والتعظيم اقتداؤهم بأهل الكتاب كما أشار إلى ذلك حديث أم سلمة - رضي الله عنها - وحينئذٍ يؤول الحديثان إلى حديث أم سلمة وقد وقعت القصة في بيتها وخلا لفظها من النزول، والله أعلم.
وهنا ينحسر البحث في حديثي جابر، وابن عبَّاسٍ في قصة عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فأيهما السبب؟
فيقال: المقدم في سبب النزول هو حديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لصحة إسناده، وكثرة رواته، وحديث ابن عبَّاسٍ في قصة عمر ضعيف لا يداني حديث جابر، فضلاً عن أن ينازعه السببية.
وعلى فرض صحته يقال: إن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ممن تأثر بقول اليهود، فلهذا قال: هلكت، ووجه تأثره: أنه قرشي، والقرشيون لم يكونوا يستنكرون التجبية كما دلت الأحاديث المتقدمة على ذلك، فلما سمع بقول اليهود تأثر به، فلما وقع منه ذلك خشي الهلاك فسأل فنزلت الآية ردًا على يهود فيما زعموا، وتطميناً لعمر ومن فعل فعله. واللَّه أعلم.
* النتيجة:
أن سبب نزول هذه الآية الكريمة حديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيما زعمه اليهود أن الرجل إذا أتى امرأته من دبرها في قُبلها كان الولد أحول لصحة سنده، وتصريحه بالنزول، وعدم المعارض واللَّه أعلم.
* * * * *

20 - قال الله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

أخرج أبو داود عن أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية - رضي الله عنها - أنها طُلقت على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يكن للمطلقة عدة فأنزل الله - عَزَّ وَجَلَّ - حين طُلقت أسماء العدة للطلاق، فكانت أول من أُنزلت فيها العدة للمطلقات.
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة وقد أورد ابن كثير هذا الحديث عند تفسيره لهذه الآية، وزاد على ذلك أن عيّن الآية النازلة فقال يعني: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ).





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 04-04-2022, 05:28 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,786
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد


المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول

سُورَةُ البَقَرَة
من صــ 289 الى صـ 293
الحلقة (54)


ثانياً: أنه أراد أن ذلك قد وقع بالمدينة بعد الهجرة إليها ويكون ذلك قد أُبيح مرتين وحرم مرتين) اهـ.
ثالثاً: (أن تحريم الكلام كان بمكة وحملوا حديث زيد بن أرقم على أنه وقومه لم يبلغهم النسخ وقالوا: لا مانع أن يتقدم الحكم ثم تنزل الآية بوفقه).
رابعاً: ذهب آخرون إلى الترجيح فقالوا يترجح حديث ابن مسعود لأنه حكى لفظ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بخلاف زيد بن أرقم فلم يحكه.
خامساً: قالوا: إن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أراد بقوله: فلما رجعنا، رجوعه الثاني وذلك أن بعض المسلمين هاجر إلى الحبشة ثم بلغهم أن المشركين أسلموا فرجعوا إلى مكة فوجدوا الأمر بخلاف ذلك واشتد الأذى عليهم فخرجوا إليها أيضاً فكانوا في المرة الثانية أضعاف الأولى وكان ابن مسعود مع الفريقين، وقد ورد أنه قدم المدينة والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتجهز إلى بدر، فظهر أن اجتماعه بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد رجوعه كان بالمدينة وإلى هذا الجمع نحا الخطابي ويقوي هذا الجمع رواية كلثوم فإنها ظاهرة في أن كلاً من ابن مسعود وزيد بن أرقم حكى أن الناسخ قوله تعالى: (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) اهـ بتصرف.
قلت: رواية كلثوم التي أشار إليها ابن حجر هي قول عبد اللَّه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كنت آتي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يصلي، فأسلم عليه فيرد عليَّ، فأتيته فسلمتُ عليه وهو يصلي فلم يرد عليَّ فلما سلم أشار إلى القوم فقال: إن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - يعني أحدث في الصلاة أن لا تكلموا إلا بذكر اللَّه وما ينبغي لكم وأن تقوموا للَّه قانتين.
فقول عبد اللَّه في الحديث وأن تقوموا للَّه قانتين مع حديث زيد بن أرقم يدلان على أن القصة واحدة وأن ذلك كان بالمدينة.

بل لو قدرنا جدلاً أن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لم يذكر في حديثه وقوموا لله قانتين واقتصر ذكرها في حديث زيد بن أرقم لما كان في هذا إشكال لأن التحريم سيكون حينئذٍ ثابتاً بحديث زيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ويكون مجيء ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلى المدينة بعد تحريم الكلام في الصلاة ولهذا قال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن في الصلاة شغلاً.
وهذا القول الأخير في الجمع بين الحديثين هو أصح الأقوال التي ذكرها ابن حجر والله أعلم.
* النتيجة:
أن سبب نزول الآية ما دلّ عليه حديث زيد بن أرقم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من أن الصحابة كانوا يتكلمون في الصلاة فيما بينهم عن حوائجهم فأنزل الله الآية آمرةً بالمحافظة على الصلاة والسكوت فيها ناهيةً عن الكلام الذي ليس من شأنها. لصحة سنده، وتصريحه بالنزول، وموافقته للفظ الآية واحتجاج المفسرين به واللَّه أعلم.
* * * * *


25 - قال الله تعالى: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

أخرج أبو داود والنَّسَائِي عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: كانت المرأة تكون مقلاةً فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوده فلما أُجليت بنو النضير كان فيهم من أبناء الأنصار، فقالوا: لا ندع أبناءنا فأنزل الله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ).
وفي لفظ للنسائي عنه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كانت المرأة من الأنصار لا يكون لها ولد تجعل على نفسها لئن كان لها ولد لتهوِّدنه فلما أسلمت الأنصار قالوا: كيف نصنع بأبنائنا؟ فنزلت هذه الآية.
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية وقد ذكر جمهور المفسرين هذا الحديث وجعلوه سبب نزولها كالطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.


قال الطبري: (اختلف أهل التأويل في معنى ذلك فقال بعضهم: نزلت هذه الآية في قوم من الأنصار، أو في رجل منهم كان لهم أولاد قد هوَّدوهم أو نصَّروهم فلما جاء الله بالإسلام أرادوا إكراههم عليه فنهاهم اللَّه عن ذلك حتى يكونوا هم يختارون الدخول في الإسلام). اهـ.
وقال ابن كثير: (يقول تعالى: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) أي لا تكرهوا أحداً على الدخول في دين الإسلام فإنه بين واضح جلي دلائله وبراهينه لا يحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه، بل من هداه الله للإسلام، وشرح صدره، ونور بصيرته دخل فيه على بينة، ومن أعمى اللَّه قلبه، وختم على سمعه وبصره فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرهاً مقسوراً وقد ذكروا أن سبب نزول هذه الآية في قوم من الأنصار وإن كان حكمها عاماً). اهـ.
* النتيجة:
أن الحديث الذي معنا سبب نزول الآية لصحة سنده، وتصريحه بالنزول، وموافقته للفظ الآية، واحتجاج المفسرين به والله أعلم.
* * * * *


26 - قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267)
* سَبَبُ النُّزُولِ:
أخرج الترمذي وابن ماجه عن البراء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) قال: نزلت فينا معشر الأنصار كنا أصحابَ نخلٍ فكان الرجل يأتي من نخله على قدر كثرته وقلَّته، وكان الرجل يأتي بالقنو والقنوين فيعلِّقه في المسجد، وكان أهل الصفة ليس لهم طعام، فكان أحدهم إذا جاع أتى القنو فضربه بعصاه فيسقط البسر والتمر فيأكل، وكان ناسٌ ممن لا يرغب في الخير يأتي الرجل بالقنو فيه الشيص والحشف، وبالقنو قد انكسر فيعلِّقه فأنزل اللَّه تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) قالوا: لو أن أحدكم أُهدي إليه مثلُ ما أَعطى لم يأخذه إلا على إغماض أو حياء.
قال: فكنا بعد ذلك يأتي أحدنا بصالح ما عنده.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 25-05-2022, 11:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,786
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد


المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول

سورة آل عمران
من صــ 325 الى صـ 329
الحلقة (61)

35 - قال اللَّه تعالى: (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (161)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

أخرج أبو داود والترمذي عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: نزلت هذه الآية (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ) في قطيفة حمراء فُقدت يوم بدر، فقال بعض الناس لعل رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخذها، فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: ((وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ) إلى آخر الآية.
* دراسة السبب:
هكذا جاء في سبب نزول الآية وقد أورد جمهور المفسرين هذا الحديث عند تفسير الآية منهم الطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور، لكن منهم من تعقبه كالطبري وابن عاشور ومنهم من سكت عنه وهم الباقون.
وقد قال الطبري معقبا: (وما كان لنبي أن يغل) بمعنى: ما الغلول من صفات الأنبياء ولا يكون نبيا من غل، وإنما اخترنا ذلك لأن الله - عز وجل - أوعد عقيب قوله: (وما كان لنبي أن يغل) أهل الغلول، فقال: (ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ... ) الآية والتي بعدها، فكان في وعيده عقيب ذلك أهل الغلول، الدليل الواضح على أنه إنما نهى بذلك عن الغلول، وأخبر عباده أن الغلول ليس من صفات أنبيائه بقوله: (وما كان لنبي أن يغل) لأنه لو كان إنما نهى بذلك أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتهموا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالغلول لعقب ذلك بالوعيد على التهمة وسوء الظن برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لا بالوعيد على الغلول، وفي تعقيبه ذلك بالوعيد على الغلول بيان بين، أنه إنما عرف المؤمنين وغيرهم من عباده أن الغلول منتف من صفة الأنبياء وأخلاقهم؛ لأن ذلك جرم عظيم والأنبياء لا تأتي مثله).
وقد أجاد وأفاد الطاهر بن عاشور حين أشار إلى أن هذا الحديث لا يصح أن يكون سببا لنزول الآية إذ كيف تفقد القطيفة يوم بدر ولا تنزل الآية لأجل هذا إلا يوم أحد مع أن بين الغزوتين سنة وشهرا إذ كانت بدر في رمضان من السنة الثانية، وأحد في شوال من الثالثة، والآية إنما جاءت في سياق الحديث عن غزوة أحد، فهل يمكن أن يتأخر الجواب عن الحدث هذه المدة؟ هذا ما لم يقع والعلم عند الله تعالى.
فإن قال قائل: إن فقد القطيفة إنما كان يوم أحد فنزلت الآية جوابا لهذا.
فالجواب: أن هذا لا يستقيم أيضا لأن غزوة أحد لم يقع فيها غلول ولم يكن للمسلمين فيها غنيمة. اهـ بتصرف.
وهذا القول هو الراجح ويعضده من جهة السند أنه مضطرب، فهاتان علتان في المتن والإسناد.

* النتيجة:

أن هذا الحديث المذكور لا يصح أن يكون سببا لنزول الآية الكريمة لما تقدم فإما أن تكون الآية لم تنزل على سبب أصلا، أو كان لها سبب لا يندرج ضمن نطاق البحث فالله أعلم.
* * * * *

36 - قال الله تعالى: (أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير (165)
* سبب النزول:

أخرج الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: لما كان يوم بدر قال: نظر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أصحابه وهم ثلاث مائة ونيف، ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف وزيادة فاستقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - القبلة، ثم مد يديه، وعليه رداؤه وإزاره، ثم قال: (اللهم أين ما وعدتني؟ اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم إنك إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تعبد في الأرض أبدا) قال:
فما زال يستغيث ربه - عز وجل -، ويدعوه حتى سقط رداؤه، فأتاه أبو بكر، فأخذ رداءه فرداه ثم التزمه من ورائه ثم قال: يا نبي الله، كذاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك وأنزل الله - عز وجل -: (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين).
فلما كان يومئذ والتقوا فهزم الله - عز وجل - المشركين فقتل منهم سبعون رجلا وأسر منهم سبعون رجلا فاستشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر وعليا وعمر فقال أبو بكر: يا نبي الله، هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان، فإني أرى أن تأخذ منهم الفدية، فيكون ما أخذنا منهم قوة لنا على الكفار وعسى الله أن يهديهم فيكونون لنا عضدا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
(ما ترى يا ابن الخطاب؟) قال: قلت: والله ما أرى ما رأى أبو بكر، ولكني أرى أن تمكنني من فلان - قريبا لعمر - فأضرب عنقه وتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من فلان، أخيه فيضرب عنقه حتى يعلم الله أنه ليس في قلوبنا هوادة للمشركين، هؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم فهوي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت فأخذ منهم الفداء فلما كان من الغد، قال عمر: غدوت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو قاعد وأبو بكر وإذا هما يبكيان، فقلت: يا رسول الله، أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، قال
: فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (الذي عرض علي أصحابك من الفداء، لقد عرض علي عذابكم أدنى من هذه الشجرة) - لشجرة قريبة - وأنزل الله - عز وجل -: (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض) إلى: (لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم) من الفداء ثم أحل لهم الغنائم فلما كان يوم أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء، فقتل منهم سبعون، وفر أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وكسرت رباعيته، وهشمت البيضة على رأسه، وسأل الدم على وجهه وأنزل الله تعالى: (أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير) بأخذكم الفداء.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 12-06-2022, 10:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,786
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد


المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول

سورة آل عمران
من صــ 350 الى صـ 357
الحلقة (66)

42 - قال الله تعالى: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

أخرج الترمذي عن أم سلمة - رضي الله عنها - أنها قالت: يا رسول الله، لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة فأنزل الله تعالى: (أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ).
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول الآية الكريمة. وقد أورد جمهور المفسرين هذا الحديث عند تفسير الآية كالطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي.
قال الطبري: (وذُكر أنه قيل لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما بال الرجال يذكرون ولا تذكر النساء في الهجرة فأنزل اللَّه هذه الآية). اهـ.
وقال ابن عطية: (وروي أن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: يا رسول الله، قد ذكر اللَّه تعالى الرجال في الهجرة ولم يذكر النساء في شيء من ذلك فنزلت الآية). اهـ.
والراجح - واللَّه أعلم - أن الآية لم تنزل بسبب قول أم سلمة - رضي الله عنها - لوجهين:
الأول: أن هذا لم يصح عنها - رضي الله عنها - للعلة المذكورة في إسناد الحديث.
الثاني: أن السياق القرآني لا يؤيد هذا ولا يسعفه، وإنما يؤيد أن الآية جاءت جواباً من اللَّه لهؤلاء الذين يدعونه رهباً ورغباً بقولهم: (فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ .. ) إلى قولهم .. (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194).
ثم قال: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ).
ولو كانت الآية نزلت بسبب قول أم سلمة - رضي الله عنها - لانقطع الاتصال بين الدعاء والجواب وهذا لا يخفى على من تأمله.
ولهذا قال الطبري مؤيداً لهذا المعنى بعد سياق الآية: (يعني تعالى ذكره فأجاب هؤلاء الداعين بما وصف اللَّه عنهم أنهم دعوا به ربهم بأني لا أضيع عمل عامل منكم عمل خيراً ذكراً كان العامل أو أنثى) اهـ.
وقال ابن كثير بعد سياق الآية: (ومعنى الآية أن المؤمنين ذوي الألباب لما سألوا ما سألوا مما تقدم ذكره فاستجاب لهم ربهم عقب ذلك بفاء التعقيب كما قال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)، وقوله تعالى: (أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى) هذا تفسير للإجابة أي قال لهم مخبرًا أنه لا يضيع عمل عامل منكم لديه، بل يوفى كل عامل بقسط عمله من ذكر أو أنثى) اهـ.
*النتيجة:
أن الآية لم تنزل بسبب قول أم سلمة - رضي الله عنها - وإنما جاءت جوابًا من اللَّه سبحانه لهؤلاء الخاشعين الذين يدعون ربهم رغبةً في جزائه وعطائه ورهبة من عقابه وعذابه فاجابهم المنعم المتفضل إلى ما طلبوا ونجاهم مما هربوا والله ذو الفضل العظيم، وإنما اخترت هذا لدلالة سياق الآيات عليه وعدم وجود معارض راجح صحيح والله أعلم.

* * * * *
43 - قال الله تعالى: (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (199)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

أخرج النَّسَائِي عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: لما جاء نعي النجاشي قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (صلوا عليه) قالوا: يا رسول اللَّه، نصلي على عبد حبشي؟ فأنزل الله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ).
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول الآية الكريمة وقد أورد المفسرون هذا الحديث وغيره عند تفسير الآية منهم الطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وغيرهم.
والظاهر عندي واللَّه أعلم أن الآية إنما تتحدث عن مؤمني أهل الكتاب كعبد اللَّه بن سلام - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وغيره وبيان ذلك أن يقال:
إذ قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ)، قد تقرر أنها نزلت في اليهود كما تقدم عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ثم ذكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حال المؤمنين في تفكرهم وذكرهم لربهم ودعائهم إياه وما أجابهم به وتفضل عليهم ثم عاد بعد ذلك إلى ذكر الطائفة الأخرى من أهل الكتاب فأثنى عليهم بإيمانهم وخشوعهم وما لهم من الأجر عند الله على ذلك.
ولعل مما يعضد هذا الفهم وأن الحديث عن طائفتين من أهل الكتاب كافرة؛ ومؤمنة أن اللَّه قال عن الكافرة: (فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ) أي نبذوا الكتاب. بينما وصف الأخرى بأنهم (لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا) فهاتان طائفتان متقابلتان.
فإن قال قائل: لماذا قدم الحديث عن الفئة الكافرة وأخّرَ الحديث عن الطائفة المؤمنة ولم يجعل الحديث عنهما متصلاً؟
فالجواب: أن الحديث عن الفئة الكافرة قدمه لصلته بما قبله من الحديث عنهم في وصفهم لربهم بأنه فقير وهم أغنياء وما تلى ذلك من مقالات السوء التي لا ينقطعون عنها.
وأخّر الحديث عن مؤمني أهل الكتاب لأنهم يتلون في الرتبة والمنزلة



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 29-06-2022, 12:01 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,786
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول

سورة النساء
من صــ 386 الى صـ 394
الحلقة (71)

52 - قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

1 - أخرج أبو داود والترمذي، عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رجلاً من الأنصار دعاه وعبد الرحمن بن عوف فسقاهما قبل أن تحرم الخمر، فأمّهُم علي في المغرب فقرأ (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) فخلط فيها فنزلت: (لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ).
2 - أخرج الإمام أحمد عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: حرمت الخمر ثلاث مرات، قدم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة وهم يشربون الخمر ويأكلون الميسر فسألوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنهما، فأنزل الله على نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ)، إلى آخر الآية، فقال الناس: ما حرم علينا إنما قال: (فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ) وكانوا يشربون الخمر.
حتى إذا كان يوم من الأيام، صلى رجل من المهاجرين، أمَّ أصحابه في المغرب، خَلَط في قراءته فأنزل اللَّه فيها آية أغلظ منها: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) وكان الناس يشربون حتى يأتي أحدهم الصلاة وهو مفيق.
ثم نزلت آية أغلظ من ذلك: (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) فقالوا: انتهينا ربنا، فقال الناس: يا رسول الله، ناس قتلوا في سبيل الله، وماتوا على فرشهم، كانوا يشربون الخمر، ويأكلون الميسر، وقد جعله الله رجسا من عمل الشيطان فأنزل الله: (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا) إلى آخر الآية فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لو حرمت عليهم لتركوها كما تركتم).
3 - أخرج الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: لما نزل تحريم الخمر قال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شفاء. فنزلت هذه الآية التي في البقرة: (يسئلونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير) قال: فدعي عمر، فقرئت عليه. فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شفاء فنزلت الآية التي في النساء: (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) فكان منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أقام الصلاة نادى: أن لا يقربن الصلاة سكران، فدعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شفاء. فنزلت الآية التي في المائدة، فدعي عمر فقرئت عليه، فلما بلغ (فهل أنتم منتهون) قال: فقال عمر: انتهينا، انتهينا.
* دراسة السبب:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة حيث ورد فيها ثلاثة أسباب الأول لعلي والثاني لأبي هريرة والثالث لعمر رضي الله عنهم جميعا.
فأما حديث علي - رضي الله عنه - في شأن التخليط في القراءة فقد ذكره جمهور المفسرين منهم الطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.
قال الطبري بعد أن ساق حديث علي: (وأولى القولين في ذلك بتأويل الآية، تأويل من قال: ذلك نهي من الله المؤمنين عن أن يقربوا الصلاة وهم سكارى من الشراب قبل تحريم الخمر للأخبار المتظاهرة عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن ذلك كذلك نهي من الله وأن هذه الآية نزلت فيمن ذكرت أنها نزلت فيه) اهـ.
وقال ابن العربي بعد أن ساق الحديث: (وهذا حديث صحيح من رواية العدل عن العدل) اهـ.
وقال ابن عطية: (سبب النهي عن قرب الصلاة في حال سكر أن جماعة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شربت الخمر عند أحدهم قبل التحريم .. فذكر الحديث إلى أن قال: فنزلت الآية) اهـ.
أما حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - فقد تقدم الكلام على إسناده وما فيه من الضعف الشديد.
وأما حديث عمر - رضي الله عنه - فقد تبين من دراسته أنه حديث صحيح، وقبل الحديث عن الجمع بين هذه الأحاديث، لا بد من البيان لحديث علي - رضي الله عنه - وأنه قد وقع في سنده ومتنه اضطراب يوجب القدح فيه، لكن لعل مما يعضده ويقويه ما يلي:
1 - موافقة لفظه للفظ الآية القرآني فإنهم صلوا وهم سكارى، وخلطوا في القراءة وهذا عين ما نهت عنه الآية.
2 - أن جمهور المفسرين ذكروه سببا لنزول الآية مما يدل على اعتبارهم له وصحته عندهم وكلام ابن العربي المتقدم يدل على هذا.
3 - أن حديث أبي هريرة على ما فيه من الضعف، يشهد له، فقد جاء فيه (حتى إذا كان يوم من الأيام، صلى رجل من المهاجرين، أم أصحابه في المغرب، خلط في قراءته فأنزل الله فيها آية أغلظ منها: (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى).
أما الجمع بين الأحاديث فيمكن القول إن حديث علي وأبي هريرة متطابقان في لفظيهما، وحديث عمر لا ينافيهما لأنه قال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شفاء، فربما كان دعاؤه أحد أسباب نزول الآية.
* النتيجة:
أن حديث علي - رضي الله عنه - المذكور في سبب نزول الآية لم يسلم من النقد سندا ومتنا ولعله يعتضد بما تقدم ويكون سببا لنزول الآية الكريمة وذلك لموافقته لسياق القرآن واحتجاج المفسرين به وتصريحه بالنزول. والله أعلم.
* * * * *

53 - قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا (43)
* سبب النزول:

أخرج البخاري ومسلم والنسائي عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره، حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش، انقطع عقد لي، فأقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على التماسه وأقام الناس معه، وليسوا على ماء، فأتى الناس إلى أبي بكر الصديق، فقالوا: ألا ترى ما صنعت عائشة؟ أقامت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس، وليسوا على ماء وليس معهم ماء، فجاء أبو بكر، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - واضع رأسه على فخذي قد نام، فقال: حبست رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، فقالت عائشة: فعاتبني أبو بكر، وقال ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعنني بيده في خاصرتي، فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على فخذي، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أصبح على غير ماء، فأنزل الله آية التيمم فتيمموا، فقال أسيد بن الحضير: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر، قالت: فبعثنا البعير الذي كنت عليه فأصبنا العقد تحته.
* دراسة السبب:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية حيث ذكر بعض المفسرين هذه القصة عند تفسيرهم لهذه الآية كالطبري والبغوي والقرطبي وابن كثير.
قال ابن العربي: (ولقد عجبت من البخاري بوب في كتاب التفسير في سورة النساء على الآية التي ذكر فيها التيمم، وأدخل حديث عائشة فقال: (وإن كنتم مرضى أو على سفر) وبوب في سورة المائدة فقال: باب (فلم تجدوا ماء) وأدخل حديث عائشة بعينه وإنما أراد أن يدل على أن الآيتين تحتمل كل واحدة منهما قصة عائشة) اهـ.
وقال ابن كثير: (ذكر سبب نزول مشروعية التيمم وإنما ذكرنا ذلك هاهنا لأن هذه الآية التي في النساء متقدمة النزول على آية المائدة، وبيانه أن هذه نزلت قبل تحريم الخمر، والخمر إنما حرم بعد أحد بيسير في محاصرة النبي - صلى الله عليه وسلم - لبني النضير، وأما المائدة فإنها من آخر ما نزل لا سيما صدرها فناسب أن يذكر السبب هنا وبالله الثقة) اهـ.
* النتيجة:
وسيأتي إن شاء الله تعالى بحث موسع لهذه المسألة المعضلة عند آية سورة المائدة وبيان النتيجة هناك والله أعلم.
* * * * *


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 01-08-2022, 10:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,786
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول

سورة النساء
من صــ 438 الى صـ 444
الحلقة (79)

65 - قال الله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (106) وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (109) وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (110) وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (111) وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (112) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113) لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114) وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115) إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

أخرج الترمذي عن قتادة بن النعمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كان أهل بيت منا يُقال لهم: بنو أُبيرقٍ بشر وبُشير ومبشر، وكان بُشير رجلاً منافقاً يقول الشعر، يهجو به أصحاب رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم ينحله بعض العرب ثم يقول: قال فلان كذا وكذا، فإذا سمع أصحاب رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلك الشعر قالوا: والله ما يقول هذا الشعر إلا هذا الخبيث، أو كما قال الرجل، وقالوا: ابن الأبيرق قالها، قال: وكانوا أهل بيتِ حاجةٍ وفاقة في الجاهلية والإسلام وكان الناس إنما طعامهم بالمدينة التمر والشعير، وكان الرجل إذا كان له يسار فقدمت ضافِطَة من الشام من الدرمك، ابتاع الرجل منها فخص بها نفسه، وأما العيال فإنما طعامهم التمر والشعير، فقدمت ضَافِطَة من الشام فابتاع عمي رفاعة بن زيد حِمْلاً من الدرمك فجعله في مَشْرُبَة له، وفي المشربة سلاح، درع وسيف، فعدي عليه من تحت البيت، فنُقِّبت المشربة، وأخذ الطعام والسلاح، فلما أصبح أتاني عمي رفاعة، فقال: يا ابن أخي إنه قد عُدي علينا في ليلتنا هذه، فنقبت مشربتنا فذُهب بطعامنا وسلاحنا. قال: فتحسسنا في الدار وسألنا فقيل لنا: قد رأينا بني أُبيرق استوقدوا في هذه الليلة، ولا نُرى فيما نُرى إلا على بعض طعامكم، قال: وكان بنو أُبيرق قالوا:ونحن نسأل في الدار، والله ما نُرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل، رجل منا له صلاح وإسلام، فلما سمع لبيد اخترط سيفه، وقال:
أنا أسرق؟ فواللَّه ليخالطنكم هذا السيف، أو لتبينن هذه السرقة، قالوا: إليك عنها أيها الرجل فما أنت بصاحبها، فسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم أصحابها، فقال لي عمي: يا ابن أخي لو أتيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكرت ذلك له، قال قتادة: فأتيت رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلت: إن أهل بيت منا أهلُ جفاء، عمدوا إلى عمي رفاعة بن زيد فنقبوا مَشْرُبَةً له، وأخذوا سلاحه وطعامه، فليردوا علينا سلاحنا فأما الطعام فلا حاجة لنا فيه، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (سآمر في ذلك) فلما سمع بنو أُبيرق أتوا رجلاً منهم يُقال له أُسير بن عروة فكلموه في ذلك فاجتمع في ذلك ناس من أهل الدار، فقالوا: يا رسول اللَّه إن قتادة بن النعمان وعمه عمدا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح، يرمونهم بالسرقة من غير بيِّنة ولا ثبت، قال قتادة: فأتيت رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكلمته، فقال: (عمدت إلى أهل بيت ذُكر منهم إسلام وصلاح، ترميهم بالسرقة على غير ثبت وبينه) قال: فرجعت، ولوددت أني خرجت من بعض مالي ولم أُكلم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذلك، فأتاني عمي رفاعة فقال: يا ابن أخي ما صنعت؟ فأخبرته بما قال لي رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال:
الله المستعان، فلم يلبث أن نزل القرآن: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا) بني أُبيرق (وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ) أي مما قلت لقتادة: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا). (وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ) إلى قوله (غَفورًا رَّحِيمًا) أي: لو استغمْروا اللَّه لغفر لهم: (وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ) إلى قوله (وَإِثْمًا مُبِينًا) قولهم للبيد: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ) إلى قوله (فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) فلما نزل القرآن أتى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالسلاح فرده إلى رفاعة. فقال قتادة: لما أتيت عمي بالسلاح وكان شيخاً قد عشا أو عسا - الشك من أبي عيسى - في الجاهلية، وكنت أرى إسلامه مدخولاً، فلما أتيته بالسلاح قال:
يا ابن أخي، هو في سبيل اللَّه، فعرفت أن إسلامه كان صحيحاً، فلما نزل القرآن لحق بُشير بالمشركين، فنزل على سلافة بنت سعد بن سمية فأنزل اللَّه: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115) إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116). فلما نزل على سلافة رماها حسان بن ثابت بأبيات من شعر، فأخذت رحله فوضعته على رأسها، ثم خرجت به فرمت به في الأبطح، ثم قالت:أهديت لي شعر حسان؟ ما كنت تأتيني بخير.
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآيات الكريمة. وقد أورد جمهور المفسرين هذا الحديث في سبب نزولها، وأورده بعضهم بسياق مقارب للمذكور، لكن الجميع اتفقوا على أن نزولها كان في بني أبيرق، كالطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.
قال ابن العربي: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ .. ) الآية: (هذه الآية نزلت في شأن بني أُبيرق سرقوا طعام رفاعة بن زيد واعتذر عنهم قومهم بأنهم أهل خير فذكره مختصرًا إلى أن قال نهى اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن عضد أهل التهم والدفاع عنهم بما يقوله خصمهم من الحجة). اهـ.
وقال ابن عطية: (سببها باتفاق من المتأولين أمر بني أُبيرق وكانوا إخوة ... فساق الحديث). اهـ.
وقال القرطبي: (في هذه الآية تشريف للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتكريم وتعظيم وتفويض إليه وتقويم أيضًا على الجادة في الحكم، وتأنيب على ما رفع إليه من أمر بني أُبيرق). اهـ.
وقال ابن كثير: (وقد ذكر مجاهد وعكرمة وقتادة والسدي وابن زيد وغيرهم في هذه الآية أنها نزلت في سارق بني أُبيرق على اختلاف سياقاتهم وهي متقاربة. ثم ساق الحديث) اهـ.
وقال ابن عاشور: (جمهور المفسرين على أن هاته الآية نزلت بسبب حادثة رواها الترمذي حاصلها أن إخوة ثلاثة يُقال لهم: بشر وبُشير ومبشر أبناء أُبيرق .. فساق الحديث). اهـ.
هذه أقوال المفسرين في شأن نزول الآيات. وقد تبين من دراسة سند الحديث أنه مرسل، وهو وإن كان ضعيفًا من جهة إسناده لكنه يعتضد بأمرين:الأول: موافقته للسياق القرآني موافقة تامة، ومن المعلوم أن المطابقة بين سياق الآيات وسبب النزول قرينة تعضد السبب وتقويه.
الثاني: اعتماد المفسرين من السلف والمتأخرين له وتعويلهم عليه مما يدل على أن له أصلاً، ومن البعيد جدًا أن يعتمد المفسرون قديمًا وحديثًا على سبب ليس له أصل.
* النتيجة:
أن السبب المذكور في نزول تلك الآيات معلول بالإرسال ولعله يتأيد بموافقته للسياق القرآني، واعتماد المفسرين عليه في نزول الآيات واللَّه أعلم.
* * * * *



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 21-03-2022, 09:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,786
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد


المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول

سُورَةُ البَقَرَة
من صــ 279 الى صـ 283
الحلقة (52)

وكذلك فعل أبو الطيب شمس الحق أبادي حيث قال: والمنزل قوله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ).
ولعل اختيارهما لهذه الآية عائد إلى الغالب، إذ عامّة المطلقات إنما يُطلقن بعد الدخول بهن، وقبل إياسهن من المحيض، وهنّ حوائل.
وإلا فإن عِدَدَ المطلقات متفاوتة، فمن المطلقات من تعتد بوضع الحمل، فيما إذا كانت حاملاً، ومنهن من تعتد ثلاثة أشهر كالآيسة، والصغيرة التي لم تحض، ومنهن من لا عدة عليها كالتي طُلقت قبل الدخول.
وإذا نظرنا إلى الحديث، ومدى مناسبته لنزول الآية وجدنا المطابقة بينهما تامة من جميع الوجوه، مما يدل على أنه سبب نزولها.
* النتيجة:
أن الحديث الذي معنا سبب نزول الآية الكريمة لصحة سنده، وموافقته للفظ الآية، وسياق الآيات وتصريحه بالنزول والله أعلم.
* * * * *

21 - قال الله تعالى: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

أخرج الترمذي عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان الناس، والرجل يطلق امرأته ما شاء أن يطلقها، وهي امرأته إذا ارتجعها وهي في العدة، وإن طلقها مائة مرة أو أكثر حتى قال رجل لامرأته: واللَّه لا أطلقك فتبيني مني، ولا آويكِ أبداً. قالت: وكيف ذاك؟ قال: أُطلقك فكلما همت عدتك أن تنقضي راجعتك فذهبت المرأة حتى دخلت على عائشة فأخبرتها فسكتت عائشة حتى جاء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبرته، فسكت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى نزل القرآن: ((الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) قالت عائشة: فاستأنف الناس الطلاق مستقبلاً من كان طلق ومن لم يكن طلق.
وأخرجه مالك عن هشام بن عروة عن أبيه مرسلاً.
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة وهذا الذي عليه جمهور المفسرين كالطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير والطاهر بن عاشور فقد ذكروا هذا الحديث عند سياقهم لتفسيرها.
قال الطبري: (ذِكر من قال إن هذه الآية أُنزلت لأن أهل الجاهلية، وأهل الإسلام قبل نزولها لم يكن لطلاقهم نهاية تبين بالانتهاء إليها امرأته منه ما راجعها في عدتها منه، فجعل اللَّه تعالى ذكره لذلك حداً حرم بانتهاء الطلاق إليه على الرجل امرأته المطلقة إلا بعد زوج وجعلها حينئذٍ أملك بنفسها منه) اهـ.
وقال ابن العربي: (ثبت أن أهل الجاهلية لم يكن عندهم للطلاق عدد، وكان عندهم العدة معلومةً مقدرة) اهـ.
وقال ابن كثير: (هذه الآية رافعة لما كان عليه الأمر في ابتداء الإسلام من أن الرجل كان أحق برجعة امرأته وإن طلقها مئة مرة ما دامت في العدة فلما كان هذا فيه ضرر على الزوجات قصرهم اللَّه إلى ثلاث طلقات وأباح الرجعة في المرة والثنتين وأبانها بالكلية في الثالثة) اهـ.
وقال السعدي: (كان الطلاق في الجاهلية واستمر أول الإسلام هو أن يطلق الرجل زوجته بلا نهاية، فكان إذا أراد مضارتها طلقها، فإذا شارفت انقضاء عدتها راجعها، ثم طلقها، وصنع بها مثل ذلك أبدًا، فيحصل عليها من الضرر ما اللَّه به عليم. فأخبر تعالى أن الطلاق الذي تحصل به الرجعة مرتان) اهـ.
وعندي - واللَّه أعلم - أن اتفاق جمهور المفسرين على المعنى الذي دلَّ عليه حديث عروة المرسل يدل على أن لهذا أصلاً ثابتاً حملهم على القول بمقتضاه واللَّه أعلم.
* النتيجة:
أن الحديث الذي معنا، وإن كان الصحيح فيه الإرسال، هو سبب نزول الآية لصحة سنده إلى عروة، وتصريحه بالنزول، واحتجاج المفسرين به وتعويلهم عليه واللَّه أعلم.

22 - قال اللَّه تعالى: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

أخرج مالك عن ثور بن زيد الديلي، أن الرجل كان يطلق امرأته ثم يراجعها ولا حاجة له بها ولا يريد إمساكها. كيما يُطول بذلك عليها العدة ليضارها فأنزل الله تبارك وتعالى: (وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) يعظهم الله بذلك.
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول الآية وهو المروي عن ابن عبَّاسٍ ومجاهد والحسن وقتادة والضحاك والربيع والزهري، والسدي وغيرهم.
قال الطبري: (أي لا تراجعوهنّ إن راجعتموهن في عددهن مضارةً لهن لتطولوا عليهن مدة انقضاء عددهن أو لتأخذوا منهن بعض ما آتيتموهن بطلبهن الخلع منكم لمضارتكم إياهن بإمساككم إياهن ومراجعتكم إياهن ضراراً واعتداءً) اهـ.
وقال القرطبي: (وهذا الخبر موافق للخبر الذي نزل بترك ما كان عليه أهل الجاهلية من الطلاق والارتجاع حسب ما تقدم بيانه عند قوله تعالى: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ) فأفادنا هذان الخبران أن نزول الآيتين المذكورتين كان في معنى واحد متقارب وذلك حبس الرجل المرأة ومراجعته لها قاصداً إلى الإضرار بها وهذا ظاهر) اهـ.
* النتيجة:
أن السبب المذكور في نزول الآية ضعيف لا يصلح للاحتجاج لكنه معتضد بما يروى عن ابن عبَّاسٍ والتابعين في ذلك، وظاهر السياق القرآني يؤيد ذلك ويدل على أن له أصلاً لأن قوله: (وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) يدل على وجود شيء من ذلك وأن العلة لفعلهم هذا هي الاعتداء والظلم ولهذا كرر اللَّه في هذه الآية النهي والتذكير والعظة وختمها ببيان علمه بكل شيء وهذا يدل على تحذير بليغ وزجرٍ شديد.
فلولا وجوده ما بلغ الله في التحذير هذا المبلغ واللَّه أعلم.
* * * * *



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 21-03-2022, 09:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,786
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد


المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول

سُورَةُ البَقَرَة
من صــ 284 الى صـ 288
الحلقة (53)

23 - قال اللَّه تعالى: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (232)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

أخرج البخاري وأبو داود والترمذي والنَّسَائِي عن معقل بن يسار - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنها نزلت فيه، قال: زوجتُ أُختًا لي من رجل فطلقها حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها، فقلت له: زوّجتك وفرشتك وأكرمتك، فطلقتها ثم جئت تخطبها، لا والله لا تعود إليك أبداً. وكان رجلاً لا بأس به، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه، فأنزل الله هذه الآية: (فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ) فقلت: الآن أفعل يا رسول اللَّه، قال: فزوجها إياه.
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية وقد ذكر المفسرون هذا الحديث وجعلوه سبب نزولها كالطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.
قال الطبري: (ذكر أن هذه الآية نزلت في رجل كانت له أُخت كان زوَّجها من ابن عم لها، فطلقها وتركها فلم يراجعها حتى انقضت عدتها، ثم خطبها منه، فأبى أن يزوجها إياه ومنعها منه وهي فيه راغبة ... ثم اختلف أهل التأويل في الرجل الذي كان فعل ذلك فنزلت فيه هذه الآية، فقال بعضهم: كان ذلك الرجل معقل بن يسار المزني، ثم ساق الروايات في ذلك) اهـ.
وقال البغوي: (نزلت في جميلة بنت يسار أخت معقل بن يسار المزني كانت تحت أبي القداح بن عاصم بن عدي بن عجلان فطلقها) اهـ.
وقال ابن العربي: (وقد صح أن معقل بن يسار كانت له أُخت فطلقها زوجها فلما انقضت عدتها خطبها فأبى معقل فأنزل اللَّه تعالى هذه الآية) اهـ.
وقال ابن كثير: (وهكذا ذكر غير واحد من السلف أن هذه الآية نزلت في معقل بن يسار وأخته) اهـ.
* النتيجة:
أن حديث معقل بن يسار - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سبب نزول الآية لصحة سنده، وتصريحه بالنزول، وموافقته لِلفظ الآية، واحتجاج المفسرين به واللَّه أعلم.
* * * * *

24 - قال اللَّه تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

1 - أخرج مسلم وأحمد والبخاري وأبو داود والترمذي والنَّسَائِي عن زيد بن أرقم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كنا نتكلم في الصلاة، يكلم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة حتى نزلت: (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام.
وفي رواية للبخاري، إن كنا لنتكلم في الصلاة على عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يكلم أحدنا صاحبه بحاجته حتى نزلت: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ) فأمرنا بالسكوت.
2 - أخرج الإمام أحمد وأبو داود والنَّسَائِي عن زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي الظهر بالهاجرة ولم يكن يصلي صلاة أشد على أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منها قال فنزلت: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى) وقال إن قبلها صلاتين وبعدها صلاتين.
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول الآية وقد أورد المفسرون هذه الروايات وجعلوها من أسباب نزول الآية منهم الطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور وغيرهم.
وعند النظر في حديث زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أجد أنه مشكل من وجهين: الأول: قوله: ولم يكن يصلي صلاة أشد على أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منها فإن أراد بالأصحاب أهل الإيمان منهم فهذه الحال لا تنطبق عليهم فقد وصفهم اللَّه في كتابه بأجمل الأوصاف فقال عنهم: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ... ) الآية. فقوله: (وَالَّذِينَ مَعَهُ) هم أصحابه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإن أراد بقوله أصحاب الظاهر وهم المنافقون فهذه الحال أيضاً لا تنطبق عليهم لما روى مسلم عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن أثقل صلاةٍ على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً ... الحديث).
الوجه الثاني: استدلاله بالآية على أن الصلاة الوسطى هي صلاة الظهر وهذا يخالف النص الصحيح الصريح من سنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على أن المراد بالصلاة الوسطى صلاة العصر فقد أخرج الشيخان واللفظ لمسلم عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم الأحزاب: (شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ اللَّه بيوتهم وقبورهم نارًا) ثم صلاها بين العشائين بين المغرب والعشاء.
وبهذا يتبين أن حديث زيد بن ثابت غير محفوظ فلا يستقيم الاحتجاج به على السببية، إذ مقتضى الاستدلال به أن نضرب بكتاب اللَّه سنةَ رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصحيحة وهذا أمر يبرأ منه من له أدنى حظ من علم أو إيمان واللَّه المستعان.
وعند النظر في حديث زيد بن أرقم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يظهر لنا الإشكال التالي:
وهو أن ظاهر الحديث أن تحريم الكلام في الصلاة إنما كان في المدينة لأن الآية مدنية بالاتفاق وهذا يخالف بظاهره حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقد روى الشيخان عنه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كنا نسلِّم على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يصلي فيردّ علينا فلما رجعنا من عند النجاشي، سلمنا عليه فلم يرد علينا فقلنا: يا رسول اللَّه، إنا كنا نسلم عليك فترد علينا؟ قال: إن في الصلاة شغلاً.
وهذا يدل على أن تحريم الكلام في الصلاة سابقٌ للهجرة إلى المدينة لأن هجرتهم إلى الحبشة قبلها قطعًا فما الجواب؟
فالجواب من خمسة أوجه:
أولاً: (أن زيد بن أرقم أراد بقوله: كان الرجل يكلم أخاه في حاجته في الصلاة، الإخبار عن جنس الكلام واستدل على تحريم ذلك بهذه الآية بحسب ما فهمه منها.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 04-04-2022, 05:35 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,786
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد


المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول

سُورَةُ البَقَرَة
من صــ 294 الى صـ 298
الحلقة (55)



* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية وقد ذكر المفسرون هذا الحديث عند تفسيرها وجعلوه سبب نزولها كالطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية وابن كثير.
قال الطبري: (لا تعمدوا الرديء من أموالكم في صدقاتكم فتصدقوا منه، ولكن تصدقوا من الطيب الجيد، وذلك أن هذه الآية نزلت بسبب رجل من الأنصار علق قنواً من حشف في الموضع الذي كان المسلمون يعلقون صدقة ثمارهم صدقةً من تمره). اهـ.
وقال ابن العربي: (لا خلاف بين أهل التفسير أنها نزلت في الرجل كان يأتي بالقنو من الحشف فيعلقه في المسجد يأكل منه الفقراء فنزلت: (وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) اهـ.
* النتيجة:
أن سبب نزول الآية الكريمة ما جاء فى حديث البراء، وإن كان إسناده لا يخلو من مقال، لتصريحه بالنزول، وموافقته للفظ الآية، واحتجاج المفسرين به والله أعلم.
* * * * *

27 - قال اللَّه تعالى: (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

أخرج النَّسَائِي عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: كانوا يكرهون أن يرضخوا لأنسبائهم من المشركين فسألوا فرضخ لهم فنزلت هذه الآية: (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ).
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية وقد ذكر بعض المفسرين الحديث بنصه كالطبري وابن العربي وابن كثير، وغيرهم ذكره بمعناه كالبغوي وابن عطية والقرطبي.
قال الطبري: (يعني تعالى ذكره بذلك: ليس عليك يا محمد هدى المشركين إلى الإسلام فتمنعهم صدقة التطوع ولا تعطيهم منها ليدخلوا في الإسلام حاجة منهم إليها، ولكن اللَّه هو يهدي من يشاء من خلقه إلى الإسلام فيوفقهم له فلا تمنعهم الصدقة) اهـ.
وقال ابن عاشور: (نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المسلمين عن الصدقة على الكفار إلجاءً لأولئك الكفار على الدخول في الإسلام.
والمعنى: أن ليس عليك أن تهديهم بأكثر من الدعوة والإرشاد دون هداهم بالفعل أو الإلجاء إذ لا هادي لمن يضلل الله وليس مثل هذا بميسّر للهدى) اهـ.
وكلام الطبري وابن عاشور وغيرهما من المفسرين تجدهم فيه ينسبون النهي عن التصدق على الكافرين إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليحملهم ذلك على الدخول في الإسلام عند الحاجة.
وهذا القول - فيما أعلم - ليس له مستند شرعي صحيح من كتاب اللَّه، أو سنة رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإنما حمل قائلَه عليه فهمُه لسياق الآية في قوله: (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ) وهذا ليس بسديد لأنه لا يلزم من التنبيهِ الوقوعُ في المحذور ودليل ذلك قول اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65).
فهل وقع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الشرك أو قارب الوقوع فيه؟.
والجواب: لا بلا ريب ولا تردد فلم يقع شيء من ذلك بحمد اللَّه.
ثم أيضاً هذا الكلام معارض بأمرين:
الأول: سبب النزول، فقد جاء في السبب كانوا يكرهون أن يرضخوا لأنسبائهم ولم يقل كانوا ينهون، وأيضاً قوله فسألوا فرخص لهم، ولم يقل فمنعهم.
ولهذا قال ابن العربي: (في سبب نزولها قولان:
أحدهما: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: لا تصدقوا إلا على أهل دينكم فنزلت: (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ).
الثاني: أنه ساق الحديث الذي معنا ثم قال: وهذا هو الصحيح لوجهين:أحدهما: أن الأول حديث باطل.
الثاني: أن أسماء - رضي الله عنها - قالت: (قدمت أمي وهي مشركة في عهد قريش ومدتهم إذ عاهدوا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع أبيها، فاستفتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلت: إن أُمي قدمت وهي راغبة؟ قال: نعم صِلِي أُمكِ) فإنما شكوا في جواز الموالاة لهم، والصدقة عليهم فسألوا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأذن لهم). اهـ.
الأمر الثاني: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الزكاة الواجبة كان يعطي المؤلفة قلوبهم امتثالاً لأمر اللَّه، وترغيباً لهم في الدخول في الإسلام مع أن شأنها أعظم وأخطر وأجلُّ من صدقة التطوع في وجوب التحري والنظر لمستحقها، فكيف يفعل العكس والضد في غير الأموال الزكوية ويتخذه سبيلاً لجرِّ الناس إلى الإسلام؟
أليس هذا ينافي حكمة العقلاء فضلاً عن حكمة سيد الأنبياء.
* تنبيه:
فإن قال قائل: الآية خاطبتِ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والكراهة وقعت من غيره فلماذا يوجه الخطاب إليه؟
والجواب: هذا صحيح، ووجه توجيه الخطاب للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأنه إمامهم وقدوتهم ومثل هذا موجود في القرآن كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ).
* النتيجة:
أن الحديث الذي معنا سبب نزول الآية الكريمة لصحة سنده، وتصريحه بالنزول، وموافقته للفظ الآية، واحتجاج المفسرين بالمعنى الذي دلَّ عليه واللَّه أعلم.

28 - قال الله تعالى: (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284) آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

أخرج مسلم وأحمد عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: لما نزلت على رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) قال: فاشتد ذلك على أصحاب رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأتوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم بركوا على الركب، فقالوا: أيْ رسول اللَّه كُلِفنا من الأعمال ما نطيق الصلاة والصيام والجهاد والصدقة، وقد أُنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها. قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا؟ بل قولوا: (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) قالوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير.
فلما اقترأها القوم ذلَّت بها ألسنتهم: فأنزل اللَّه في إثرها: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) فلما فعلوا ذلك نسخها اللَّه تعالى. فأنزل الله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) (قال: نعم) (رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا) (قال: نعم) (رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ) (قال: نعم) (وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) (قال: نعم).

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 04-04-2022, 05:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,786
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد


المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول

سورة آل عمران
من صــ 299 الى صـ 304
الحلقة (56)




* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول الآية وقد أورد جمهور المفسرين هذا الحديث وجعلوه سبب نزول الآيتين منهم الطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.
قال ابن عطية: (سبب هذه أنه لما نزلت: (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ) وأشفق منها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ثم تقرر الأمر على أن قالوا: سمعنا وأطعنا فرجعوا إلى التضرع والاستكانة مدحهم اللَّه وأثنى عليهم في هذه الآية، وقدم ذلك بين يدي رفقه بهم وكشفه لذلك الكرب الذي أوجبه تأولهم، فجمع لهم تعالى التشريف بالمدح والثناء ورفع المشقة في أمر الخواطر وهذه ثمرة الطاعة والانقطاع إلى اللَّه تعالى، كما جرى لبني إسرائيل ضد ذلك من ذمهم وتحميلهم المشقات من المذلة والمسكنة والجلاء إذ قالوا سمعنا وعصينا وهذه ثمرة العصيان والتمرد على الله أعاذنا اللَّه من نقمه) اهـ.
* النتيجة:
أن سبب نزول قوله تعالى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ .. ) الآية أنهم قالوا: (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)بعد نزول قوله سبحانه: (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ).
وأن سبب نزول قوله تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا .. ) الآية مكافأتهم على السمع والطاعة والاستجابة لأمر اللَّه حيث رفع عنهم المؤاخذة على الخطأ والنسيان وصرف عنهم الآصار التي كانت على من قبلهم. وذلك لصحة سند الحديث، وتصريحه بالنزول، وموافقته لِلفظ الآيات، واحتجاج المفسرين به واللَّه أعلم.
* * * * *
سورة آل عمران
29 - قال الله تعالى: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12) قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (13)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

أخرج أبو داود عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: لما أصاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قريشاً يوم بدر وقدم المدينة، جمع اليهود في سوق بني قينقاع، فقال: (يا معشر يهود، أسلموا قبل أن يصيبكم مثلُ ما أصاب قريشاً) قالوا: يا محمد، لا يغرنك من نفسك أنك قتلت نفراً من قريش كانوا أغماراً لا يعرفون القتال إنك لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس وأنك لم تلق مثلنا فأنزل الله - عَزَّ وَجَلَّ - في ذلك: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ) قرأ مصرف إلى قوله: (فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) ببدر (وَأُخْرَى كَافِرَةٌ).
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول الآية وقد أورد جمهور المفسرين هذا الحديث وجعلوه سبباً لنزول الآية منهم الطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور وعند النظر في سبب النزول المذكور تبين أنه لا يصح للعلة المشار إليها، ولعل النظر في السياق القرآني يؤيد ذلك فإن اللَّه قال في الآية: (قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ ... ) وهذا مما شاهده المشركون يوم بدر، ولم يشاهده اليهود، فكيف يكون لهم آية؟
فإن قيل: يمكن أن يكون ذلك آية لليهود ولو لم يروه لكنهم سمعوه من المشركين وحينئذٍ تتحقق العظة؟
فالجواب: أن العظة تتحقق بالسماع لكن بالنظر أبلغ ولهذا كرر اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - ذلك وختم به الآية فقال: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ) وهذه الجملة الأخيرة من الآية دالةٌ بوضوح على الحديث عن أمر مشاهد وهذا ما لم يتحقق لليهود وإنما وقع للمشركين، فصح بهذا أن يكون الخطاب موجهاً لهم وليس لغيرهم.
وربما يؤيد هذا أن اللَّه صدّر الحديث عن الكافرين بقوله: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ).

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 275.56 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 269.67 كيلو بايت... تم توفير 5.88 كيلو بايت...بمعدل (2.14%)]