|
هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]()
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]()
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() ![]() المحرر في أسباب نزول القرآن المؤلف: خالد بن سليمان المزيني المجلد الثانى سورة إبراهيم من صــ 640 الى صـ 650 الحلقة (102) سورة إبراهيم 107 - قال اللَّه تعالى: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27) * سَبَبُ النُّزُولِ: أخرج مسلم والبخاري وابن ماجه عن البراء بن عازب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ) قال: نزلت في عذاب القبر. فيقال له: من ربك؟ فيقول: ربي الله، ونبيِّ محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فذلك قول الله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ). * دِرَاسَةُ السَّبَبِ: هكذا جاء في تفسير الآية عن البراء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقد أورد القرطبي الحديث بنصه أما الطبري والبغوي وابن كثير وابن عاشور فأوردوه بألفاظ مقاربة. ولم أرَ من صرح بأن للآية سبب نزول، وأن هذا هو سببها، بل حديث البراء من قبيل التفسير فقط. أما قوله: (نزلت في عذاب القبر)، فالمعنى أن من صور التثبيت التي تناولتها الآية تثبيت المؤمنين في قبورهم عند سؤال الملكين. قال السعدي: (يخبر تعالى أنه يثبت عباده المؤمنين الذين قاموا بما عليهم من الإيمان القلبي التام الذي يستلزم أعمال الجوارح ويثمرها، فيثبتهم اللَّه في الحياة الدنيا عند ورود الشبهات بالهداية إلى اليقين، وعند عروض الشهوات بالإرادة الجازمة على تقديم ما يحبه الله على هوى النفس ومرادها، وفي الآخرة عند الموت بالثبات على الدين الإسلامي والخاتمة الحسنة، وفي القبر عند سؤال الملكين للجواب الصحيح إذا قيل للميت: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ هداهم للجواب الصحيح بأن يقول المؤمن: اللَّه ربي، والإسلام ديني، ومحمد نبى) اهـ. * النتيجة: أن الحديث المذكور ليس سبباً لنزول الآية الكريمة لعدم وجود الدليل على ذلك وأن قول البراء: نزلت في عذاب القبر، هو من باب التفسير فقط، ويؤكد هذا ترك العلماء القول بالسببية والله تعالى أعلم. * * * * * سورة الحجر 108 - قال اللَّه تعالى: (وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24) * سَبَبُ النُّزُولِ: أخرج أحمد والترمذي والنَّسَائِي وابن ماجه عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: كانت امرأة حسناءُ تصلي خلف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: فكان بعض القوم يستقدم في الصف الأول لئلا يراها، ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر، فإذا ركع نظر من تهحت إبطيه فأنزل الله في شأنها: (وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ). * دِرَاسَةُ السَّبَبِ: هكذا جاء في سبب نزول الآية، وقد أورد الحديث جمهور أهل التفسير منهم الطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور. قال الطبري بعد سياق الأحاديث في ذلك: (وأولى الأقوال عندي في ذلك بالصحة قول من قال معنى ذلك: ولقد علمنا الأموات منكم يا بني آدم فتقدم موته، ولقد علمنا المستأخرين الذين استأخر موتهم ممن هو حي ومن هو حادث منكم ممن لم يحدث بعدُ لدلالة ما قبله من الكلام وهو قوله: (وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ)، وما بعده وهو قوله: (وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ) على أن ذلك كذلك إذ كان بين هذين الخبرين، ولم يجر قبل ذلك من الكلام ما يدل على خلافه، ولا جاء بعدُ، وجائز أن تكون نزلت في شأن المستقدمين في الصف لشأن النساء والمستأخرين فيه لذلك، ثم يكون الله - عَزَّ وَجَلَّ - عم بالمعنى المراد منه جميع الخلق). اهـ. وساق ابن العربي الحديث وذكر معه أربعة أقوال ثم قال: (وكل هذا معلوم لله سبحانه فإنه عالم بكل موجود ومعدوم، وبما كان وبما يكون وبما لا يكون أن لو كان كيف يكون) اهـ. ولم يتعقب الحديث بشيء. وقال ابن عطية بعد سياق الأقوال ومنها هذا الحديث: (وما تقدم الآيةَ من قوله: (وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ) وما تأخر من قوله: (وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ) يضعف هذه التأويلات لأنها تذهب اتصال المعنى وقد ذكر ذلك محمد بن كعب القرظي لعون بن عبد اللَّه) اهـ. وقال القرطبي بعد سياق الأقوال: (إلا أن القول الثامن هو سبب نزول الآية ثم ساق الحديث وقال بعده، وروي عن أبي الجوزاء ولم يذكر ابن عبَّاسٍ وهو أصح) اهـ. وقال ابن كثير بعد سياق الحديث: (وهذا الحديث فيه نكارة شديدة ... إلى أن قال: فالظاهر أنه من كلام أبي الجوزاء فقط ليس فيه لابن عبَّاسٍ ذكر) اهـ. وقال ابن عاشور: (وقد تقدم في طالع تفسير هذه السورة الخبر الذي أخرجه الترمذي في جامعه من طريق نوح بن قيس ومن طريق جعفر بن سليمان في سبب نزول هذه الآية وهو خبر واهٍ لا يلاقي انتظام هذه الآيات، ولا يكون إلا من التفاسير الضعيفة) اهـ. وبهذه النصوص المتقدمة يتبين لك أن العلماء حيال هذا السبب طائفتان: طائفة قد أنكرته وضعفته، وطائفة قد رأته ممكنًا، وهذا - واللَّه - لا يمكن أن يصح إذ كيف يُظن ببعض أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذا الظن السيء مع ما لهم من المنزلة والإحسان والرفعة والإيمان والسابقة التي لا يلحقهم بها أحد أن يفعلوا هذا الفعل وهم قائمون بين يدي اللَّه وراكعون وساجدون. إن رجلاً من أهل هذا الزمان لو قيل لك: إنه يفعل ذلك في صلاته لاقشعر جلدك ولم تكد تصدق حتى ترى هذا منه بأم عينيك، فكيف يصدق مثله في أشرف صحب وأطهر قوم، والحجة فيه كلام عجيب منتهاه أبو الجوزاء. وبناءً على ما تقدم فإني أقول: إن الحديث المذكور ليس سببًا لنزول الآية الكريمة لما يلي: 1 - ضعف إسناده فمداره على عمرو بن مالك النكري، لم يوثقه أحد من ذوي الشأن باستثناء ابن حبان، ومع تساهله في التوثيق فقد قال عنه: يخطئ ويغرب. 2 - سياق الآيات ليس بينه وبين الحديث صلة وقد أشار الطبري في بداية حديثه إلى المقصود بالآية ومثله ابن عطية وابن عاشور. وقد قال السعدي: (فإنه تعالى يعلم المستقدمين من الخلق، والمستأخرين منهم، ويعلم ما تنقص الأرض منهم، وما تفرق من أجزائهم، وهو الذي قدرته لا يعجزها معجز فيعيد عباده خلقاً جديداً ويحشرهم إليه) اهـ. فسياق الآيات قبلها في الإحياء والإماتة، وبعدها في الحشر إلى اللَّه، فأين صفوف المصلين من السياقين السابق واللاحق؟ وإذا أردت أن تعرف أن الآية تدور على هذا فانظر قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعائشة - رضي الله عنها - (قولي: السلام عدى أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم اللَّه المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء الله بكم للاحقون). 3 - النيل من بعض الصحابة والقدح فيهم دليل الخطأ والزلل، فوقوع هذا الفعل من الصحابة. من أبعد البعيد، فكيف إذا كانوا يصلون؟ * النتيجة: أن الحديث المذكور ليس سبباً للنزول، لضعف سنده، ومخالفته للسياق، وطعنه في بعض أصحاب رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والله أعلم. * * * * * ![]()
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]() ![]() المحرر في أسباب نزول القرآن المؤلف: خالد بن سليمان المزيني المجلد الثانى سورة النحل من صــ 650 الى صـ 661 الحلقة (103) سورة النحل 109 - قال الله تعالى: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) * سَبَبُ النُّزُولِ: أخرج الترمذي والنَّسَائِي عن أبي بن كعب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: لما كان يوم أحد أُصيب من الأنصار أربعة وستون رجلاً، ومن المهاجرين ستة منهم حمزة فمثَّلوا بهم، فقالت الأنصار لئن أصبنا منهم يوماً مثل هذا لنُربينَّ عليهم، قال: فلما كان يوم فتح مكة، فأنزل اللَّه تعالى: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) فقال رجل: لا قريش بعد اليوم فقال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (كفوا عن القوم إلا أربعة). * دِرَاسَةُ السَّبَبِ: هكذا جاء في سبب نزول الآية الكريمة، وقد أورد ابن العربي الحديث بنصه، وجمهور المفسرين بألفاظ مقاربة. قال الطبري: (يقول تعالى ذكره للمؤمنين: وإن عاقبتم أيها المؤمنون من ظلمكم واعتدى عليكم فعاقبوه بمثل الذي نالكم به ظالمكم من العقوبة، ولئن صبرتم عن عقوبته، واحتسبتم عند اللَّه ما نالكم به من الظلم ووكلتم أمره إليه حتى يكون هو المتولي عقوبته لهو خير للصابرين. وقد اختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله نزلت هذه الآية فقال بعضهم: نزلت من أجل أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه أقسموا حين فعل المشركون يوم أُحد ما فعلوا بقتلى المسلمين من التمثيل بهم أن يجاوزوا فعلهم في المُثلة بهم إن رزقوا الظفر عليهم يومًا فنهاهم الله عن ذلك بهذه الآية، وأمرهم أن يقتصروا في التمثيل بهم إن هم ظفروا على مثل الذي كان منهم) اهـ بتصرف يسير. وقال البغوي: (هذه الآيات نزلت بالمدينة في شهداء أحد) اهـ ثم ساق الحديث. وقال ابن عطية: (أطبق أهل التفسير أن هذه الآية مدنية نزلت في شأن التمثيل بحمزة في يوم أحد ... ثم ذكر الحديث) اهـ. وقال الشنقيطي: (نزلت هذه الآية الكريمة من سورة النحل بالمدينة في تمثيل المشركين بحمزة ومن قتل معه يوم أحد، فقال المسلمون: لئن أظفرنا الله بهم لنمثلن بهم فنزلت الآية الكريمة فصبروا لقوله تعالى: (لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) مع أن سورة النحل مكية إلا هذه الآيات الثلاث من آخرها) اهـ. وقال ابن عاشور: (ويجوز أن تكون نزلت في قصة التمثيل بحمزة يوم أحد وهو مروي بحديث ضعيف للطبراني، ولعله اشتبه على الرواة تذكر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الآية حين توعد المشركين بأن يمثل بسبعين منهم إن أظفره الله بهم) اهـ. هذه أقوال المفسرين في سبب نزول الآية الكريمة وإن الناظر في سياق الآيات يجد المطابقة تامة بينه وبين الحديث، إلا أن المفسرين ذكروا أن الآية نزلت في المدينة، وحديث أُبي أنها نزلت في فتح مكة: ولا ريب أن هذا خطأٌ؛ إذ كيف تكون المثلة في أحد ويقول المسلمون مقالتهم. ولا تنزل الآية إلا في يوم فتح مكة. والحق أني متردد فإذا نظرت إلى المطابقة بين سياق الآية ولفظ الحديث مع احتجاج كثير من المفسرين بالحديث على السببية أجد نفسي تميل إلى القول بالسببية. وإذا نظرت إلى إسناد الحديث وما فيه من الكلام، مع ما في متنه من عدم الضبط أجد الكفة تميل بي عن القول بالسببية. ولقائل أن يقول: إن وجود أحاديث في هذا الشأن مع عدد من الآثار عن السلف يدل على أن للحديث أصلاً، وإن كان الذي بين يديك فيه من الضعف ما فيه، والحديث إذا كان ضعيفًا واقترنت به بعض المرجحات يرقى إلى مرتبة القبول والاحتجاج وبهذا يجتمع القولان ويرتفع الإشكال. * النتيجة: أن الحديث المذكور وإن كان فيه ضعف فإنه صالح للسببية بسبب الآثار التي تعضده، مع موافقة السياق القرآني، واحتجاج المفسرين به واللَّه أعلم. * * * * * سورة الإسراء 110 - قال الله تعالى: (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (56) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (57) * سَبَبُ النُّزُولِ: أخرج مسلم والبخاري والنَّسَائِي عن عبد اللَّه بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ) قال: نزلت في نفر من العرب كانوا يعبدون نفرًا من الجن، فأسلم الجنيُّون، والإنس الذين كانوا يعبدونهم لا يشعرون فنزلت: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ). * دِرَاسَةُ السَّبَبِ: هكذا جاء في سبب نزول الآية الكريمة، وقد أورد جمهور المفسرين هذا الحديث عند تفسيرها منهم الطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير والشنقيطي قال الطبري: (وأولى الأقوال بتأويل الآية قول عبد اللَّه بن مسعود الذي رويناه عن أبي معمر عنه، وذلك أن اللَّه تعالى ذكره أخبر عن الذين يدعوهم المشركون آلهةً أنهم يبتغون إلى ربهم الوسيلة في عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومعلوم أن عزيراً لم يكن موجوداً على عهد نبينا - عليه الصلاة والسلام -، فيبتغي إلى ربه الوسيلة، وأن عيسى قد كان رفع وإِنَّمَا يبتغي إلى ربه الوسيلة من كان موجوداً حياً يعمل بطاعة الله، ويتقرب إليه بالصالح من الأعمال) اهـ. وقال ابن عاشور: (لم أرَ لهذه الآية تفسيراً ينثلج له الصدر، والحيرة بادية على أقوال المفسرين في معناها وانتظام موقعها مع سابقها) اهـ. قال ابن حجر: (أي استمر الإنس الذين كانوا يعبدون الجن على عبادة الجن، والجن لا يرضون بذلك لكونهم أسلموا، وهم الذين صاروا يبتغون إلى ربهم الوسيلة، إلى أن قال: وهذا هو المعتمد في تفسير هذه الآية) اهـ. وعندي - واللَّه أعلم - أن حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ليس سبباً لنزول الآية الكريمة وبيان ذلك من وجوه: الأول أن البخاري قد روى الحديث ومع ذلك فقد خلا لفظه من التصريح بنزول الآية، وفعله هذا يوجب التردد بالقول في السببية لا سيما إذا انضم إلى ذلك غيره. الثاني: أنه لا يوجد حدث وقع بعينه، أو سؤال عن شيءٍ ما لتنزل الآية بسببه. الثالث: أن الحديث وسياق الآيات ليس بينهما ائتلاف وموافقة يوجب أن يكون الحديث سبباً لنزول الآية. فإن قال قائل: ما تقول في قول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نزلت في نفر من العرب؟ فالجواب: أن قول ابن مسعود لا يدل ضرورة على السببية، وإنما المراد أن الآية نزلت متحدثة عن أمر مذموم كان موجوداً بين العرب والجن كما تحدث القرآن كثيراً عن أحوال العرب في الجاهلية، ومن ذلك ما حكاه اللَّه في سورة الأنعام وسورة الجن وغيرهما من الأحوال الجاهلية التي كانت بين الإنس والجن. وأما القول: بأن الآية نزلت فيمن يعبد المسيح وأمه أو عزيراً أو الملائكة فليس في ذلك حديث يعتمد عليه ويحتج به. * النتيجة: أن الآية لم تنزل على السبب المذكور، بل حديثها منصب على حال المشركين في عبادتهم غير اللَّه، إذ بلغ من جهلهم في كفرهم، أنهم يعبدون من يعبد اللَّه، والذي دعاني لقول هذا، عدم دلالة الحديث على السببية، مع عدم ارتباطه بسياق الآيات. واللَّه أعلم. * * * * * ![]()
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
![]() ![]() المحرر في أسباب نزول القرآن المؤلف: خالد بن سليمان المزيني المجلد الثانى سورة الإسراء من صــ 662 الى صـ 666 الحلقة (104) 111 - قال اللَّه تعالى: (وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا (59) * سَبَبُ النُّزُولِ: أخرج أحمد والنَّسَائِي عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: سأل أهل مكة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يجعل لهم الصفا ذهباً، وأن يُنحِّي الجبال عنهم، فيزرعوا فقيل له: إن شئت أن تستأني بهم، وإن شئت أن نؤتيهم الذي سألوا، فإن كفروا أُهلكوا كما أهلكتُ من قبلهمِ. قال: لا، بل أستأني بهم، فأنزل الله - عزَّ وجلَّ - هذه الآية: (وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً). * دِرَاسَةُ السَّبَبِ: هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة. وقد أورد جمهور المفسرين هذا الحديث ومثله معه عند ذكر نزولها منهم الطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير. قال الطبري: (يقول تعالى ذكره: وما منعنا يا محمد أن نرسل بالآيات التي سألها قومك إلا أن كان قبلهم من الأمم المكذبة، سألوا ذلك مثل سؤالهم، فلما أتاهم ما سألوا منه كذبوا رسلهم، فلم يصدقوا مع مجيء الآيات فعوجلوا، فلم نرسل إلى قومك بالآيات لأنا لو أرسلنا بها إليهم فكذبوا بها سلكنا في تعجيل العذاب لهم مسلك الأمم قبلهم وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل) اهـ ثم ساق الحديث. وقال ابن عطية: (وسبب هذه الآية أن قريشاً اقترحوا على رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يجعل لهم الصفا ذهباً، واقترح بعضهم أن يزيل عنهم الجبال حتى يزرعوا الأرض فأوحى اللَّه إلى محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن شئت أن أفعل ذلك لهم فإن تأخروا عن الإيمان عاجلتهم العقوبة، وإن شئت استأنيت بهم، عسى أن أجتبي منهم مؤمنين فقال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بل تستأني بهم يا رب) اهـ. وقال القرطبي: (إنهم طلبوا أن يحوّل اللَّه لهم الصفا ذهباً، وتتنحى الجبال عنهم فنزل جبريل وقال: إن شئت كان ما سأل قومك ولكنهم إن لم يؤمنوا لم يمهلوا، وإن شئت استأنيت بهم فقال: لا بل استأن بهم) اهـ. وقال السعدي: (يذكر تعالى رحمته، بعدم إنزاله الآيات التي اقترحها المكذبون وأنه ما منعه أن يرسلها إلا خوفًا من تكذيبهم لها، فإذا كذبوا بها عاجلهم العقاب، وحل بهم من غير تأخير كما فعل بالأولين الذين كذبوا بها) اهـ. وبهذا يتبين أن سبب نزول الآية سؤال قريش لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يأتيهم بما شاؤوا من الآيات، فلم يجابوا إلى طلبهم لأنهم لو أُجيبوا ولم يؤمنوا نزل بهم العذاب كما نزل بمن قبلهم من الأمم، وذكّرهم اللَّه بمثال قريب وهم ثمود قوم صالح، حيث كفروا بعد مجيء الآيات فأُهلكوا. * النتيجة: أن الحديث المذكور سبب نزول الآية الكريمة لصحة سنده، وموافقته لسياق القرآن، واحتجاج المفسرين به وتصريحه بالنزول. واللَّه أعلم. ******* 112 - قال الله تعالى: (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا (80) * سَبَبُ النُّزُولِ: أخرج الترمذي وأحمد عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمكة ثم أُمر بالهجرة فنزلت عليه: (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا). * دِرَاسَةُ السَّبَبِ: هكذا جاء في سبب نزول الآية الكريمة، وقد أورد بعض المفسرين هذا الحديث، وذكروا معه غيره من الأقوال كالطبري والبغوي والقرطبي وابن كثير. قال الطبري بعد سياق الأقوال: (وأشبه هذه الأقوال بالصواب في تأويل ذلك قول من قال: معنى ذلك: وأدخلني المدينة مدخل صدق، وأخرجني من مكة مخرج صدق. وإنما قلنا ذلك أولى بتأويل الآية؛ لأن ذلك عقيب قوله: (وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا)، وقد دللنا فيما مضى على أنه عنى بذلك أهل مكة) اهـ. وقال البغوي: (المراد من المدخل والمخرج الإدخال والإخراج، واختلف أهل التفسير فيه فقال ابن عبَّاسٍ والحسن وقتادة: أدخلني مدخل صدق المدينة، وأخرجني مخرج صدق من مكة نزلت حين أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالهجرة) اهـ ثم ذكر بقية الأقوال. وقال القرطبي: (وقيل: علّمه ما يدعو به في صلاته وغيرها من إخراجه من بين المشركين وإدخاله موضع الأمن فأخرجه من مكة وصيره إلى المدينة) اهـ ثم ساق الحديث. وقال ابن كثير عن هذا القول: (هو أشهر الأقوال، وقال عنه: والأول أصح وهو اختيار ابن جرير) اهـ. وقال ابن عطية: (ظاهر هذه الآية والأحسن فيها أن يكون دعاء في أن يحسن اللَّه حالته في كل ما يتناول من الأمور ويحاول من الأسفار والأعمال وينتظر من تصريف المقادير في الموت والحياة، فهي على أتم عموم، معناه رب أصلح لي وردي في كل الأمور وصدري وذهب المفسرون إلى أنها في غرض مخصوص ثم اختلفوا في تعيينه) اهـ ثم ساق الأقوال. فهذه أقوال المفسرين في معنى الآية وليس فيها ذكرٌ لسبب النزول، وإنما هي من باب التفسير وكشف المعنى. * والخلاصة: أن الحديث المذكور ليس سبباً لنزول الآية الكريمة من وجوه: أولاً: أن الحديث ضعيف لا يصح الاحتجاج به على السببية. ثانياً: أن سبب النزول ليس له ذكر عند العلماء، فأقوالهم منصبة على تفسير الآية. ثالثاً: أنه لا يوجد حدث مخصوص حتى يقال نزلت الآية في شأنه. فإن قال قائل: قول ابن عبَّاسٍ: ثم أمر بالهجرة فنزلت. ما تقول فيه؟ فالجواب: على فرض صحة الحديث فلا يدل على النزول، غاية ما فيه أن الله أراد تهيئته للهجرة فأمره بهذا الدعاء، وأما سبب النزول فلا بد من واقعة أو سؤال تنزل الآية معالجةً لها أو مجيبةً عليه. * النتيجة: أن الحديث المذكور ليس سبب نزولها لضعف سنده، وعدم دلالته على النزول وإعراض العلماء عن القول بالسببية، واللَّه أعلم. * * * * * ![]()
__________________
|
#6
|
||||
|
||||
![]() ![]() المحرر في أسباب نزول القرآن المؤلف: خالد بن سليمان المزيني المجلد الثانى سورة الكهف من صــ 674 الى صـ 684 الحلقة (106) 114 - قال الله تعالى: (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا (110) * سبب النزول: 1 - أخرج البخاري وأحمد ومسلم والترمذي والنسائي عن ابن عباس - رضي الله عنه - في قوله تعالى: (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها) قال: نزلت ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - مختف بمكة، كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن فإذا سمعه المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به، فقال الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (ولا تجهر بصلاتك) أي بقراءتك، فيسمع المشركون فيسبوا القرآن (ولا تخافت بها) بها عن أصحابك فلا تسمعهم (وابتغ بين ذلك سبيلا). 2 - أخرج البخاري ومالك ومسلم والنسائي عن عائشة - رضي الله عنها -: (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها). أنزلت في الدعاء. * دراسة السبب: هكذا جاء في سبب نزول الآية الكريمة. وقد أورد جمهور المفسرين هذين الحديثين عند ذكرهم لسبب نزولها كالطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير. قال الطبري: (وأولى الأقوال في ذلك بالصحة ما ذكرنا عن ابن عباس ... ثم ذكر كلاما حتى قال: فإذا كان ذلك كذلك، فتأويل الكلام: قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن، أيا ما تدعو فله الأسماء الحسنى، ولا تجهر يا محمد بقراءتك في صلاتك ودعائك فيها ربك ومسألتك إياه، وذكرك فيها، فيؤذيك بجهرك بذلك المشركون، ولا تخافت بها فلا يسمعها أصحابك (وابتغ بين ذلك سبيلا) ولكن التمس بين الجهر والمخافتة طريقا إلى أن تسمع أصحابك، ولا يسمعه المشركون فيؤذونك) اهـ. وقال السعدي: (ولا تجهر بصلاتك) أي قراءتك (ولا تخافت بها) فإن في كل من الأمرين محذورا، أما الجهر فإن المشركين المكذبين به إذا سمعوه سبوه وسبوا من جاء به. وأما المخافتة فإنه لا يحصل المقصود لمن أراد استماعه مع الإخفاء، (وابتغ بين ذلك) أي اتخذ بين الجهر والإخفات (سبيلا) أي تتوسط فيما بينهما) اهـ. وقال النووي بعد ذكر الحديثين: الكن المختار الأظهر ما قاله ابن عباس - رضي الله عنهما -) اهـ. وقال ابن حجر: (يحتمل الجمع بينهما بأنها نزلت في الدعاء داخل الصلاة) اهـ. والظاهر - والله أعلم - أن الصحيح في سبب نزولها حديث ابن عباس - رضي الله عنه - وذلك لموافقته سياق القرآن وبيان ذلك:أن الله تعالى نهى عن الجهر والمخافتة، ولو كان المراد بالصلاة الدعاء لما نهى عن المخافتة به لأن هذا هو المشروع فيه لقوله تعالى: (ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين (55). قال السعدي: (وخفية) أي: لا جهر أو علانية، يخاف منه الرياء، بل خفية وإخلاصا لله تعالى. ثم ذكر كلاما حتى قال: أو يبالغ في رفع صوته بالدعاء، فكل هذا داخل في الاعتداء المنهي عنه) اهـ. فهذه دلالة السياق على أن الدعاء ليس مرادا هنا. ويقال أيضا: إن إطلاق الصلاة على الدعاء إطلاق لغوي، بينما إطلاق الصلاة على العبادة المعروفة إطلاق شرعي، والمتكلم بالقرآن هو المشرع - صلى الله عليه وسلم - وإذا دار كلام الشارع بين أن يحمل على الاصطلاح الشرعي، أو الاصطلاح اللغوي وجب حمله على الشرعي لأن المتكلم به هو الشارع الحكيم. فإن قال قائل: ما تقول في قوله - عز وجل -: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم (103). أليس المراد بالصلاة هنا الدعاء بنص القرآن؟ فالجواب: بلى، لكن لوجود القرينة، وهي أنه لا يمكن أن يراد بالصلاة هنا الصلاة المعهودة. فلم يبق إلا الدعاء. ولهذا كان من هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - الدعاء لصاحب الصدقة، لما روي الشيخان عن عبد الله بن أبي أوفى - رضي الله عنه - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: (اللهم صل على آل فلان) فأتاه أبي بصدقته فقال: (اللهم صل على آل أبي أوفى). فإن قال قائل: هل تطلق الصلاة ويراد بها القراءة؟ فالجواب: نعم فقد روى مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين. قال الله تعالى حمدني عبدي ... الحديث. قال ابن العربي: (عبر الله هاهنا بالصلاة عن القراءة، كما عبر بالقراءة عن الصلاة في قوله: (وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا (78)؛ لأن كل واحد منهما مرتبط بالآخر، الصلاة تشتمل على قراءة وركوع وسجود، فهي من جملة أجزائها فيعبر بالجزء عن الجملة، وبالجملة عن الجزء) اهـ. فإن قيل: بماذا تجيب عن قول عائشة - رضي الله عنها - أنزلت في الدعاء؟ فالجواب: أني لا أدري ما وجه هذا القول إلا إن كانت تعني بقولها قول الله تعالى: (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى) فهذا بين أنه في الدعاء. أما قول ابن حجر: (الجمع بأنها نزلت في الدعاء داخل الصلاة). فالجواب عن ذلك من وجهين: أولا: أن مقتضى هذا إلغاء دلالة حديث ابن عباس على أن السبب هو القراءة فلم يتحقق الجمع. ثانيا: أن رفع الصوت بالدعاء داخل الصلاة لم يكن معروفا ولا معهودا ولا دليل عليه. * النتيجة: أن حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - هو سبب نزول الآية الكريمة لصحة سنده وموافقته لسياق القرآن، واحتجاج المفسرين به. والله أعلم. * * * * * سورة الكهف 115 - قال الله تعالى: (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا (28) سبب النزول: أخرج ابن ماجه عن خباب في قوله تعالى: (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي ... ) إلى قوله: (فتكون من الظالمين) قال: جاء الأقرع بن حابس التميمي وعيينة بن حصن الفزاري فوجدوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع صهيب وبلال وعمار وخباب. قاعدا في ناس من الضعفاء من المؤمنين، فلما رأوهم حول النبي - صلى الله عليه وسلم - حقروهم فأتوه فخلوا به وقالوا: إنا نريد أن تجعل لنا منك مجلسا تعرف لنا به العرب فضلنا فإن وفود العرب تأتيك فنستحي أن ترانا العرب مع هذه الأعبد. فإذا نحن جئناك فأقمهم عنك. فإذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت قال: (نعم) قالوا: فاكتب لنا عليك كتابا. قال: فدعا بصحيفة. ودعا عليا ليكتب ونحن قعود في ناحية فنزل جبرائيل - عليه السلام - فقال: (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين (52). ثم ذكر الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن فقال: (وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين (53). ثم قال: (وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة). قال: فدنونا منه حتى وضعنا ركبنا على ركبته، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجلس معنا فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا. فأنزل الله: (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم) ولا تجالس الأشراف (تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا) يعني عيينة والأقرع (واتبع هواه وكان أمره فرطا) (قال: هلاكا) قال: أمر عيينة والأقرع ثم ضرب لهم مثل الرجلين ومثل الحياة الدنيا. قال خباب: فكنا نقعد مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا بلغنا الساعة التي يقوم فيها قمنا وتركناه حتى يقوم. * دراسة السبب: هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة، وقد ذهب جمهور المفسرين إلى المعنى الذي دل عليه الحديث، على اختلاف بينهم وتفاوت في الأحاديث التي ذكروها. منهم الطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير والشنقيطي وابن عاشور. قال الطبري: (يقول تعالى ذكره لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -: لا تعد عيناك عن هؤلاء المؤمنين الذين يدعون ربهم إلى أشراف المشركين، تبغي بمجالستهم الشرف والفخر، وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتاه فيما ذكر قوم من عظماء أهل الشرك، وقال بعضهم: بل من عظماء قبائل العرب ممن لا بصيرة لهم بالإسلام فرأوه جالسا مع خباب وصهيب وبلال، فسألوه أن يقيمهم عنه إذا حضروا قالوا: فهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله عليه: (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه) ثم كان يقوم إذا أراد القيام، ويتركهم قعودا فأنزل الله عليه: (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي) اهـ موضع الشاهد. وقال البغوي: (نزلت في عيينة بن حصن الفزاري أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يسلم وعنده جماعة من الفقراء فيهم سلمان وعليه شمله قد عرق فيها وبيده خوصة يشقها ثم ينسجها فقال عيينة للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أما يؤذيك ريح هؤلاء ونحن سادات مضر وأشرافها، فإن أسلمنا أسلم الناس وما يمنعنا من اتباعك إلا هؤلاء فنحهم عنك حتى نتبعك أو اجعل لنا مجلسا ولهم مجلسا فأنزل الله: (واصبر نفسك). اهـ. وقال ابن عطية: (سبب هذه الآية: أن عظماء الكفار قيل من أهل مكة وقيل عيينة بن حصن وأصحابه والأول أصوب لأن السورة مكية قالوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لو أبعدت هؤلاء عن نفسك لجالسناك وصحبناك يريدون عمار بن ياسر وصهيب بن سنان وسلمان الفارسي وابن مسعود وغيرهم من الفقراء كبلال ونحوه وقالوا: إن ريح جباتهم تؤذينا فنزلت الآية بسبب ذلك). اهـ. وقال الشنقيطي: (وقد نزلت هذه الآية الكريمة في فقراء المهاجرين كعمار، وصهيب، وبلال وابن مسعود ونحوهم لما أراد صناديد الكفار من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يطردهم عنه ويجالسهم بدون حضور أولئك الفقراء المؤمنين، وقد قدمنا في سورة الأنعام أن الله كما أمره هنا بأن يصبر نفسه معهم أمره بألا يطردهم، وأنه إذا رآهم يسلم عليهم وذلك في قوله: ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين) - إلى قوله - (وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم). اهـ. وقال ابن عاشور: (وتقدم في سوره الأنعام عند قوله تعالى: (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه) أن سادة المشركين كانوا زعموا أنه لولا أن من المؤمنين ناسا أهل خصاصة في الدنيا وأرقاء لا يدانوهم ولا يستأهلون الجلوس معهم لأتوا إلى مجالسة النبي - صلى الله عليه وسلم - واستمعوا القرآن فاقترحوا عليه أن يطردهم من حوله إذا غشيه سادة قريش، فرد الله عليهم بما في سورة الأنعام وما في هذه السورة) اهـ. هذه أقوال المفسرين في شأن الآية وقد أطبقت على أن سبب نزولها هو استكبار الكافرين عن الجلوس مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بحضرة هؤلاء الضعفاء، وقد تباينت أقوال المفسرين في تحديد هؤلاء الكافرين، وأصح الأقوال في ذلك - والله أعلم - أنهم كفار قريش لأن سورة الكهف مكية متقدمة النزول. بقي أن يقال: إن حديث خباب - رضي الله عنه - ضعيف السند فكيف يحتج به؟ فالجواب: أن يقال: هذا الكلام صحيح، ولعل مما يجبر الضعف إجماع المفسرين على المعنى الذي دل عليه الحديث. وكذلك سياق القرآن فإن السياق يطابق كلام المفسرين تماما، ويدل عليه. وإذا كان الفقهاء يلتزمون أحكاما بالحلال والحرام مبنية على أحاديث ضعيفة لأن قواعد الشريعة تشهد لها، والأمة تلقتها بالقبول، أو كانت تعتضد بالمتابعات والشواهد فلعل هذا مما يشفع لنا هنا لأن الحديث قد أجمع على معناه المفسرون، وسياق القرآن يشهد له. والله أعلم. * النتيجة: أن سبب النزول المذكور وإن كان ضعيفا لكن يعتضد بإجماع المفسرين على معناه وبسياق الآيات القرآني ويكون سبب نزولها والله أعلم. * * * * * ![]()
__________________
|
#7
|
||||
|
||||
![]() ![]() المحرر في أسباب نزول القرآن المؤلف: خالد بن سليمان المزيني المجلد الثانى سورة مريم من صــ 685 الى صـ 693 الحلقة (107) 116 - قال الله تعالى: (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا (109) * سبب النزول: أخرج أحمد والترمذي والنسائي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قالت قريش لليهود: أعطونا شيئا نسأل عنه هذا الرجل فقالوا: سلوه عن الروح، فسألوه فنزلت: (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا (85)، قالوا: أوتينا علما كثيرا، أوتينا التوراة ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيرا كثيرا قال فأنزل الله - عز وجل -: (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر). * دراسة السبب: هكذا جاء في سبب نزول الآية الكريمة، وقد أورد البغوي والقرطبي وابن عاشور هذا الحديث لسبب نزولها. وقال ابن عطية: (روي أن سبب الآية أن اليهود قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم - كيف، تزعم أنك نبي الأمم كلها، ومبعوث إليها، وأنك أعطيت ما يحتاجه الناس من العلم، وأنت مقصر قد سئلت في الروح ولم تجب فيه، ونحو هذا من القول فنزلت الآية معلمة باتساع معلومات الله، وأنها غير متناهية) اهـ. والظاهر - والله أعلم - أن الحديث المذكور ليس سببا لنزول الآية وإن كان إسناده صحيحا لأمرين: الأول: أنه ليس بين الحديث المذكور وسياق الآية أي ارتباط مما يجعل القول بأنه سبب نزولها بعيدا، إذ لا بد أن يكون بين السبب والآية قدر مشترك ولو كان يسيرا. الثاني: إعراض كثير من المفسرين عن ذكر الحديث والاحتجاج به على السببية مما يوجب الشك والتردد. * النتيجة: أن الحديث المذكور ليس سببا لنزول الآية لعدم موافقته لسياق القرآن، وإعراض كثير من المفسرين عن ذكره - والله أعلم -. * * * * * سورة مريم 117 - قال الله تعالى: (وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا (64) * سبب النزول: أخرج البخاري وأحمد والترمذي والنسائي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (يا جبريل، ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا) فنزلت: (وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا) إلى آخر الآية، قال: كان هذا الجواب لمحمد - صلى الله عليه وسلم -. * دراسة السبب: هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة. وقد أورد المفسرون هذا الحديث وجعلوه سبب نزولها كالطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير والسعدي وابن عاشور. قال الطبري: (ذكر أن هذه الآية نزلت من أجل استبطاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جبرائيل بالوحي، وقد ذكرت بعض الرواية، ونذكر إن شاء الله باقي ما حضرنا ذكره مما لم نذكر قبل ... ثم ساق الروايات في ذلك حتى قال: فتأويل الكلام إذن: فلا تستبطئنا يا محمد في تخلفنا عنك، فإنا لا نتنزل من السماء إلى الأرض إلا بأمر ربك لنا بالنزول إليها، لله ما هو حادث من أمور الآخرة التي لم تأت وهي آتية، وما قد مضى فخلفناه من أمر الدنيا، وما بين وقتنا هذا إلى قيام الساعة بيده ذلك كله، وهو مالكه ومصرفه لا يملك ذلك غيره، فليس لنا أن نحدث في سلطانه أمرا إلا بأمره إيانا به، ولم يكن ربك ذا نسيان فيتأخر نزولي إليك بنسيانه إياك بل هو الذي لا يعزب عنه شيء في السماء ولا في الأرض ... ) اهـ محل الشاهد. قال السعدي: (استبطأ النبي - صلى الله عليه وسلم - جبريل - عليه السلام - مرة في نزوله إليه فقال له: (لو تأتينا أكثر مما تأتينا) شوقا إليه، وتوحشا لفراقه، وليطمئن قلبه بنزوله. فأنزل الله على لسان جبريل (وما نتنزل إلا بأمر ربك) أي ليس لنا من الأمر شيء، إن أمرنا ابتدرنا أمره ولم نعص له أمرا كما قال الله عنهم: (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون)، فنحن عبيد مأمورون. ثم ذكر كلاما حتى قال: (وما كان ربك نسيا) أي لم يكن لينساك ويهملك كما قال تعالى: (ما ودعك ربك وما قلى) بل لم يزل معتنيا بأمورك، مجريا لك على أحسن عوائده الجميلة وتدابيره الجليلة. فإذا تأخر نزولنا عن الوقت المعتاد، فلا يحزنك ذلك ولا يهمك، واعلم أن الله هو الذي أراد ذلك لماله من الحكمة فيه) اهـ بتصرف يسير. وقال ابن عاشور: (وهو أصح ما روي في سبب نزولها وأليقه بموقعها هنا ولا يلتفت إلى غيره من الأقوال في سبب نزولها) اهـ. * النتيجة: أن الحديث المذكور سبب نزول الآية الكريمة لصحة سنده وتصريحه بالنزول، وموافقته لسياق القرآن، وإجماع المفسرين على القول به. والله أعلم. * * * * * 118 - قال الله تعالى: (أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا (77) أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا (78) كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا (79) ونرثه ما يقول ويأتينا فردا (80) * سبب النزول: أخرج البخاري وأحمد ومسلم والترمذي والنسائي عن خباب - رضي الله عنه - قال: كنت رجلا قينا، وكان لي على العاص بن وائل دين، فأتيته أتقاضاه، فقال لي: لا أقضيك حتى تكفر بمحمد، قال: قلت: لن أكفر به حتى تموت ثم تبعث قال: وإني لمبعوث من بعد الموت، فسوف أقضيك إذا رجعت إلى مال وولد، قال: فنزلت: (أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا (77) أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا (78) كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا (79) ونرثه ما يقول ويأتينا فردا (80). * دراسة السبب: هكذا جاء في سبب نزول الآية الكريمة. وقد اتفق جمهور المفسرين على أن هذا سبب نزولها كالطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير والسعدي والشنقيطي وابن عاشور. قال الطبري: (يقول تعالى ذكره لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - أفرأيت يا محمد الذي كفر بحججنا فلم يصدق بها، وأنكر وعيدنا من أهل الكفر وقال وهو بالله كافر وبرسوله لأوتين في الآخرة مالا وولدا، وذكر أن هذه الآيات أنزلت في العاص بن وائل السهمي) اهـ ثم ساق الروايات في ذلك. وقال ابن عطية: (الذي كفر يعني به العاصي بن وائل السهمي قاله جمهور المفسرين) اهـ. وقال السعدي: (أفلا تعجب من حال هذا الكافر، الذي جمع بين كفره بآيات الله، ودعواه الكبيرة، أنه سيؤتى في الآخرة مالا وولدا أي: يكون من أهل الجنة وهذا من أعجب الأمور فلو كان مؤمنا بالله وادعى هذه الدعوى لسهل الأمر. وهذه الآية وإن كانت نازلة في كافر معين فإنها تشمل كل كافر زعم أنه على الحق وأنه من أهل الجنة. قال الله توبيخا له وتكذيبا (أطلع الغيب) أي أحاط علمه بالغيب حتى علم ما يكون وأن من جملة ما يكون أنه يؤتى يوم القيامة مالا وولدا؟. (أم اتخذ عند الرحمن عهدا) أنه نائل ما قاله، أي: لم يكن شيء من ذلك فعلم أنه متقول، قائل ما لا علم له به، وهذا التقسيم والترديد في غاية ما يكون من الإلزام وإقامة الحجة، فإن الذي يزعم أنه حاصل له خير عند الله في الآخرة لا يخلو: إما أن يكون قوله صادرا عن علم بالغيوب المستقبلة، وقد علم أن هذا لله وحده فلا أحد يعلم شيئا من المستقبلات الغيبية إلا من أطلعه الله عليه من رسله. وإما أن يكون متخذا عهدا عند الله بالإيمان به واتباع رسله الذين عهد الله لأهله وأوزع أنهم أهل الآخرة والناجون الفائزون. فإذا انتفى هذان الأمران، علم بذلك بطلان الدعوى ولهذا قال تعالى: (كلا) أي: ليس الأمر كما زعم، فليس للقائل اطلاع على الغيب لأنه كافر ليس عنده من علم الرسل شيء ولا اتخذ عند الرحمن عهدا لكفره وعدم إيمانه) اهـ. وقال الشنقيطي: (والتقسيم الصحيح في هذه الآية الكريمة يحصر أوصاف المحل في ثلاثة، والسبر الصحيح يبطل اثنين منها ويصحح الثالث، وبذلك يتم إلقام العاص بن وائل الحجر في دعواه: أنه يؤتى يوم القيامة مالا وولدا. أما وجه حصر أوصاف المحل في ثلاثة فهو أنا نقول: قولك إنك تؤتى مالا وولدا يوم القيامة لا يخلو مستندك فيه من واحد من ثلاثة أشياء: الأول: أن تكون اطلعت على الغيب، وعلمت أن إيتاءك المال والولد يوم القيامة مما كتبه الله في اللوح المحفوظ. والثاني: أن يكون الله أعطاك عهدا بهذا، فإنه إن أعطاك عهدا لن يخلفه. والثالث: أن تكون قلت هذا افتراء على الله من غير عهد ولا اطلاع غيب. وقد ذكر تعالى القسمين الأولين في قوله: (أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا) مبطلا لهما بأداة الإنكار، ولا شك أن كلا هذين القسمين باطل لأن العاص المذكور لم يطلع الغيب ولم يتخذ عند الرحمن عهدا فتعين القسم الثالث) اهـ. * النتيجة: أن الحديث الذي معنا هو سبب نزول الآيات الكريمة لصحة سنده وتصريحه بالنزول، وموافقته لسياق القرآن، واتفاق المفسرين عليه. والله أعلم. * * * * * ![]()
__________________
|
#8
|
||||
|
||||
![]() ![]() المحرر في أسباب نزول القرآن المؤلف: خالد بن سليمان المزيني المجلد الثانى سورة الحج من صــ 694 الى صـ 703 الحلقة (108) سورة الحج 119 - قال الله تعالى: (ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين (11) * سبب النزول: أخرج البخاري عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: (ومن الناس من يعبد الله على حرف) قال: كان الرجل يقدم المدينة، فإن ولدت امرأته غلاما ونتجت خيله قال: هذا دين صالح، وإن لم تلد امرأته ولم تنتج خيله، قال: هذا دين سوء. * دراسة السبب: هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية. وقد أورد هذا الحديث الطبري والبغوي وابن عطية وابن كثير وابن عاشور وجعلوا الحديث سبب نزولها. وأورده القرطبي ومعه غيره لكن بدون ترجيح. قال الطبري: (يعني جل ذكره بقوله: (ومن الناس من يعبد الله على حرف)أعرابا كانوا يقدمون على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مهاجرين من باديتهم، فإن نالوا رخاء من عيش بعد الهجرة، والدخول في الإسلام أقاموا على الإسلام وإلا ارتدوا على أعقابهم فقال الله: (ومن الناس من يعبد الله) على شك (فإن أصابه خير اطمأن به) وهو السعة من العيش وما يشبهه مبن أسباب الدنيا اطمأن به. يقول: استقر بالإسلام وثبت عليه، (وإن أصابته فتنة) وهو الضيق بالعيش وما يشبهه من أسباب الدنيا (انقلب على وجهه) يقول: ارتد فانقلب على وجهه الذي كان عليه من الكفر بالله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل) اهـ. ثم ساق الحديث. وقال البغوي: (نزلت في قوم من الأعراب كانوا يقدمون المدينة مهاجرين من باديتهم، فكان أحدهم إذا قدم المدينة فصح بها جسمه ونتجت فرسه مهرا حسنا وولدت امرأته ذكرا وكثر ماله قال: هذا دين حسن وقد أصبت خيرا واطمأن إليه، وإن أصابه مرض وولدت امرأته جارية وأجهضت فرسه وقل ماله قال: ما أصبت منذ دخلت في هذا الدين إلا شرا فينقلب عن دينه، وذلك الفتنة فأنزل الله - عز وجل -: (ومن الناس من يعبد الله على حرف) اهـ. وقال ابن عطية: (هذه الآية نزلت في أعراب وقوم لا يقين لهم كان أحدهم إذا أسلم فاتفق له اتفاقات حسان من نمو ماله وولد ذكر يرزقه وغير ذلك قال: هذا دين جيد وتمسك به لهذه المعاني وإن كان الأمر بخلاف ذلك تشاءم به وارتد كما صنع العرنيون وغيرهم، قال هذا المعنى ابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم) اهـ. وقال ابن كثير بعد ذكر السبب: (وهكذا ذكر قتادة والضحاك وابن جريج وغير واحد من السلف في تفسير هذه الآية) اهـ. وقال ابن عاشور: (والظاهر أن هذه الآية نزلت بالمدينة. ثم ساق الحديث إلى أن قال: وفي رواية الحسن أنها نزلت في المنافقين مثل عبد الله بن أبي ابن سلول وهذا بعيد لأن أولئك كانوا مبطنين الكفر فلا ينطبق عليهم قوله: (فإن أصابه خير اطمأن به) وممن يصلح مثالا لهذا الفريق العرنيون). اهـ بتصرف يسير. وقال السعدي: (ومن الناس من هو ضعيف الإيمان لم يدخل الإيمان قلبه ولم تخالطه بشاشته بل دخل فيه إما خوفا، وإما عادة على وجه لا يثبت عند المحن. (فإن أصابه خير اطمأن به) إن استمر رزقه رغدا، ولم يحصل له من المكاره شيء، اطمأن بذلك الخير لا إيمانه، فهذا ربما أن الله يعافيه ولا يقيض له من الفتن ما ينصرف به عن دينه. (وإن أصابته فتنة) من حصول مكروه، أو زوال محبوب (انقلب على وجهه) أي ارتد عن دينه) اهـ. * النتيجة: أن الحديث المذكور سبب نزول الآية، لصحة سنده، وموافقته للسياق القرآني واتفاق المفسرين على معناه. والله أعلم. * * * * * 120 - قال الله تعالى: (هذان خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رءوسهم الحميم (19) * سبب النزول: أخرج البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه عن أبي ذر - رضي الله عنه - أنه كان يقسم قسما: إن هذه الآية: (هذان خصمان اختصموا في ربهم). نزلت في الذين برزوا يوم بدر: حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث، وعتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة. وأخرجه البخاري والنسائي عن علي - رضي الله عنه - قال: فينا نزلت هذه الآية: (هذان خصمان اختصموا في ربهم). * دراسة السبب: هكذا جاء في سبب نزول الآية الكريمة. وقد اختلفت أنظار المفسرين في الحديث. فمنهم من ذهب إلى أنه سبب نزولها كالقرطبي والشنقيطي. قال القرطبي بعد أن ذكر الأقوال: (والقول الأول أصح) اهـ يعني حديث أبي ذر وعلي - رضي الله عنهما -. وقال الشنقيطي: (نزل في المبارزين يوم بدر) اهـ. وذهب بعض أهل العلم إلى أن الآية تتناول المؤمنين والكافرين عموما وإن كانت صورة السبب تدخل في العموم دخولا أوليا، واختار هذا الطبري وابن كثير وابن عاشور. قال الطبري بعد ذكر الأقوال: (وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب وأشبهها بتأويل الآية قول من قال: عنى بالخصمين جميع الكفار من أي أصناف الكفر كانوا وجميع المؤمنين وإنما قلت ذلك أولى بالصواب لأنه تعالى ذكره، ذكر قبل ذلك صنفين من خلقه: أحدهما أهل طاعة له بالسجود له، والآخر: أهل معصية له قد حق عليه العذاب. فذكر كلاما حتى قال: فإن قال قائل: فما أنت قائل فيما روي عن أبي ذر في قوله: (إن ذلك نزل في الذين بارزوا يوم بدر؟) قيل: ذلك إن شاء الله كما روي عنه، ولكن الآية قد تنزل بسبب من الأسباب، ثم تكون عامة في كل ما كان نظير ذلك السبب، وهذه من تلك) اهـ. وقال ابن كثير: (وقول مجاهد وعطاء أن المراد بهذه الكافرون والمؤمنون يشمل الأقوال كلها وينتظم فيه قصة يوم بدر وغيرها، فإن المؤمنين يريدون نصرة دين الله - عز وجل - والكافرون يريدون إطفاء نور الإيمان وخذلان الحق وظهور الباطل وهذا اختيار ابن جرير وهو حسن) اهـ. وقال ابن عاشور: (فالمراد من هذه الآية ما يعم جميع المؤمنين، وجميع مخالفيهم في الدين. ثم ذكر حديث أبي ذر فقال: والأظهر أن أبا ذر عنى بنزول الآية في هؤلاء أن أولئك النفر الستة هم أبرز مثال وأشهر فرد في هذا العموم فعبر بالنزول وهو يريد أنهم ممن يقصد من معنى الآية، ومثل هذا كثير في كلام المتقدمين) اهـ. وذهب بعض أهل العلم إلى أن الآية في المؤمنين والكافرين عموما، واختار هذا ابن عطية والسعدي. قال ابن عطية: (وقال مجاهد وعطاء بن أبي رباح والحسن ابن أبي الحسن وعاصم والكلبي الإشارة إلى المؤمنين والكفار على العموم، وهذا قول تعضده الآية وذلك أنه تقدم قوله: (وكثير من الناس) المعنى: هم مؤمنون ساجدون، ثم قال: (وكثير حق عليه العذاب) ثم أشار إلى هذين الصنفين بقوله: (هذان خصمان) اهـ. وقال السعدي: (يخبر تعالى عن طوائف أهل الأرض من الذين أوتوا الكتاب من المؤمنين واليهود والنصارى والصابئين، ومن المجوس ومن المشركين أن الله سيجمعهم جميعهم ليوم القيامة ويفصل بينهم بحكمه العدل ثم ذكر كلاما إلى أن قال: ثم فصل هذا الفصل بينهم بقوله: (هذان خصمان اختصموا في ربهم) كل يدعي أنه المحق) اهـ. والفرق بين هذا القول وسابقه أن الأولين وإن كانوا يرون العموم إلا أنهم أشاروا إلى حديث أبي ذر وعلي - رضي الله عنهما - بخلاف ابن عطية والسعدي فلم يشيرا إليه والله أعلم. أما البغوي فقد ساق عددا من الأقوال بداية بحديث أبي ذر، لكنه لم يتعقبها بشيء. وقبل تحرير الكلام في المسألة أود أن أبين أن البحث في أمرين: الأول: هل للآية سبب نزول. الثاني: فيمن نزلت هذه الآية. أما الأول: فالظاهر - والله أعلم - أن الآية تتحدث عن الخصومة بين عسكرين: إيمان، وكفر: أيا كان حال هذين العسكرين، وتبين ما أعد الله لهما من الثواب والعقاب: ولم تنزل لتعالج قضية حاضرة تنتظر الجواب لحلها، مما يجعل القول بأن الآية نزلت بسبب كذا بعيد. وإنما مراد من أشار إلى النزول أن الآية تتناول بعمومها هؤلاء المذكورين وغيرهم ممن يماثلهم. أما الثاني: فإن الناظر في سياق الآيات يلحظ حديثها العام بين الإيمان والكفر وبيان ذلك ما يلى: أولا: أن الله ذكر المؤمنين واليهود والصابئين والنصارى والمجوس والمشركين، وهذه طوائف الكفر مع الإيمان، وعقب هذا بقوله: (إن الله يفصل بينهم). ثانيا: أن الله ذكر السجود له وأن كثيرا من الناس يسجد له، وكثيرا حق عليه العذاب. ثالثا: أن الله ذكر ما أعد لكلا الطائفتين من النعيم والعذاب المقيم. وإذا نظرت إلى قول أبي ذر وأنه كان يقسم أن هذه الآية نزلت في المذكورين يوم بدر وقول علي - رضي الله عنه -: (أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة). قلت: إن الآية تتحدث عن هؤلاء المبارزين يوم بدر فقط. وعندي - والله أعلم - أن الآية تعم المؤمنين ومن خالفهم في الدين، وهؤلاء الستة هم أبرز مثال وأشهر فرد في هذا العموم، وهذا اختيار الطبري وابن كثير وابن عاشور، وبهذا تتحقق الموازنة بين سياق الآيات، والأحاديث الواردة في ذلك. * النتيجة: أن الآية نزلت تتحدث عن الخصومة بين المؤمنين والكافرين، وليس لها سبب معلوم، كالمصطلح عليه، وذلك لدلالة السياق على ذلك، واختيار أكثر المفسرين له. والله أعلم. ******* ![]()
__________________
|
#9
|
||||
|
||||
![]() ![]() المحرر في أسباب نزول القرآن المؤلف: خالد بن سليمان المزيني المجلد الثانى سورة المؤمنون من صــ 704 الى صـ 712 الحلقة (109) 121 - قال الله تعالى: (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير (39) * سبب النزول: أخرج أحمد والترمذي والنسائي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: لما أخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - من مكة، قال أبو بكر: أخرجوا نبيهم إنا لله وإنا إليه راجعون، ليهلكن. فنزلت: (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير) قال: فعرف أنه سيكون قتال. قال ابن عباس: هي أول آية نزلت في القتال. * دراسة السبب: هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة. وقد أورد الطبري وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير هذا الحديث عند تفسيرها ومعه غيره من الأقوال. وقال البغوي: (قال المفسرون: كان مشركو أهل مكة يؤذون أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا يزالون محزونين من بين مضروب ومشجوج، ويشكون ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيقول لهم: اصبروا فإني لم أومر بالقتال حتى هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله - عز وجل - هذه الآية) اهـ. وقال السعدي: (كان المسلمون في أول الإسلام ممنوعين من قتال الكفار، ومأمورين بالصبر عليهم، لحكمة إلهية، فلما هاجروا إلى المدينة وأوذوا وحصل لهم منعة وقوة أذن لهم بالقتال كما قال تعالى: (أذن للذين يقاتلون) يفهم منه أنهم كانوا قبل ممنوعين فأذن الله لهم بقتال الذين يقاتلونهم) اهـ. وقال ابن عاشور: (وذلك أن المشركين كانوا يؤذون المؤمنين بمكة أذى شديدا فذكر كلاما حتى قال: فلما هاجر نزلت هذه الآية بعد بيعة العقبة إذنا لهم بالتهيؤ للدفاع عن أنفسهم ولم يكن قتال قبل ذلك كما يؤذن به قوله تعالى عقب هذا: (الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق) اهـ. وبما تقدم من أقوال العلماء لم يتبين لي أن الحديث سبب لنزول الآية الكريمة، حتى من الذين ذكروا الحديث. وإنما مرادهم أن الآية نزلت بالإذن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بقتال من ظلمهم، بصدهم عن دينهم، وإخراجهم من ديارهم. ولو نظرنا إلى الصلة بين الحديث وسياق الآية لما وجدنا بينهما ارتباطأ؛ لأن قول أبي بكر: أخرجوا نبيهم إنا لله وإنا إليه راجعون ليهلكن، ليس بينه وبين سياق الآية أدنى اشتراك. وإذا أضفت إلى هذا وذاك أن الحديث مرسل كان هذا مما يضعف دلالة الحديث على السببية. * النتيجة: أن الحديث المذكور ليس سببا لنزول الآية لعدم وجود الدليل على ذلك من سياق الآية أو من سند الحديث، أو من أقوال المفسرين والله أعلم. * * * * * سورة المؤمنون 122 - قال الله تعالى: (ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون (76) * سبب النزول: أخرج النسائي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: جاء أبو سفيان إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا محمد أنشدك الله والرحم، فقد أكلنا العلهز - يعني الوبر والدم - فأنزل الله - عز وجل -: (ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون). * دراسة السبب: هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة. وقد أورد هذا الحديث الطبري وابن كثير. قال الطبري: (يقول تعالى ذكره: ولقد أخذنا هؤلاء المشركين بعذابنا، وأنزلنا بهم بأسنا وشخطنا وضيقنا عليهم معايشهم، وأجدبنا بلادهم، وقتلنا سراتهم بالسيف (فما استكانوا لربهم) يقول: فما خضعوا لربهم فينقادوا لأمره ونهيه وينيبوا إلى طاعته (وما يتضرعون) يقول: وما يتذللون له. وذكر أن هذه الآية نزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أخذ الله قريشا بسني الجدب إذ دعا عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) اهـ. وذكر البغوي وابن عطية والقرطبي الحديث بلفظ مقارب. قال البغوي: (وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا على قريش أن يجعل عليهم سنين كسني يوسف فأصابهم القحط فجاء أبو سفيان إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: أنشدك الله والرحم، ألست تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين؟ فقال: بلى، فقال: قد قتلت الآباء بالسيف، والأبناء بالجوع، فادع الله أن يكشف عنا هذا القحط، فدعا فكشف عنهم فأنزل الله هذه الآية (فما استكانوا لربهم) أي: ما خضعوا وما ذلوا لربهم (وما يتضرعون) أي لم يتضرعوا إلى ربهم بل مضوا على تمردهم) اهـ. وقال ابن عطية: (هذا إخبار من الله تعالى عن استكبارهم وطغيانهم بعد ما نالهم من الجوع هذا قول روي عن ابن عباس وابن جريج أن العذاب هو الجوع والجدب المشهور نزوله بهم حتى أكلوا الجلود وما جرى مجراها) اهـ. وقال السعدي: (قال المفسرون: المراد بذلك الجوع الذي أصابهم سبع سنين وأن الله ابتلاهم بذلك ليرجعوا إليه بالذل والاستسلام، فلم ينجع فيهم ولا نجح منهم أحد، فما خضعوا وذلوا بل مر عليهم ذلك ثم زال كأنه لم يصبهم لم يزالوا في غيهم وكفرهم) اهـ بتصرف يسير. وقال الشنقيطي: (ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه أخذ الكفار بالعذاب والظاهر أنه هنا العذاب الدنيوي كالجوع والقحط والمصائب والأمراض والشدائد فما خضعوا له ولا ذلوا (وما يتضرعون) أي ما يبتهلون إليه بالدعاء متضرعين له، ليكشف عنهم ذلك العذاب لشدة قسوة قلوبهم وبعدهم من الاتعاظ، ولو كانوا متصفين بما يستوجب ذلك من إصابة عذاب الله لهم) اهـ. والظاهر - والله أعلم - أن الآية لم تنزل بسبب قول أبي سفيان، بل نزلت تتحدث عن حال المشركين، مع دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - وتكذيبهم بها وإصرارهم على ذلك حتى وإن أصابتهم الضراء كما قال تعالى: (ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون). ولعل مما يؤيد أن الحديث ليس سببا للنزول أن قول أبي سفيان للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أنشدك الله والرحم فقد أكلنا العلهز، لا يشكل حدثا أو علة للنزول، وإن كان قوله يوافق قول الله: (ولقد أخذناهم بالعذاب). غاية ما فيه إن صح أن الآية نزلت بعد قوله، أن يكون هذا من باب التصديق لشكواه كما يأتي في بعض الأحاديث فأنزل الله تصديق ذلك. ومما يدل على انتفاء السببية ما روى البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قال: سمع الله لمن حمده، في الركعة الآخرة من صلاة العشاء قنت: (اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة، اللهم أنج الوليد بن الوليد، اللهم أنج سلمة بن هشام، اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف). وجه الدلالة من الحديث: أن الدعاء كان بالمدينة بدليل دعائه بنجاة المستضعفين من المؤمنين الذين كانوا في مكة. وفي الحديث أنه قال: (اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف) وهذا الدعاء هو سبب العقوبة. وسورة المؤمنون مكية بالاتفاق. وإذا كان الأمر كذلك فكيف تنزل الآية في شأن القحط في مكة؟ مع أن سبب القحط وهو الدعاء كان بالمدينة. * النتيجة: أن الحديث المذكور ليس سببب نزول الآية؛ لأن الآية نزلت قبل القحط بزمن بل قبل الهجرة، كما أن ما أصابهم لا يشكل حدثا أو علة للنزول، وإنما الآية تتحدث عن الكافرين وحالهم مع سنن الله فيهم والله أعلم. * * * * * ![]()
__________________
|
#10
|
||||
|
||||
![]() ![]() المحرر في أسباب نزول القرآن المؤلف: خالد بن سليمان المزيني المجلد الثانى سورة النور من صــ 713 الى صـ 742 الحلقة (110) سورة النور 123 - قال الله تعالى: (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين (3) * سبب النزول: 1 - أخرج الترمذي وأبو داود والنسائي من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده - رضي الله عنه - قال: كان رجل يقال له مرثد بن أبي مرثد، وكان رجلا يحمل الأسرى من مكة حتى يأتي بهم المدينة، قال: وكانت امرأة بغي بمكة يقال لها عناق، وكانت صديقة له، وأنه كان وعد رجلا من أسارى مكة يحمله، قال: فجئت حتى انتهيت إلى ظل حائط من حوائط مكة في ليلة مقمرة، قال: فجاءت عناق فأبصرت سواد ظلي بجنب الحائط فلما انتهت إلي عرفت، فقالت: مرثد؟ فقلت: مرثد. فقالت: مرحبا وأهلا هلم فبت عندنا الليلة. قال: قلت: يا عناق حرم الله الزنا، قالت: يا أهل الخيام، هذا الرجل يحمل أسراءكم، قال: فتبعني ثمانية، وسلكت الخندمة فانتهيت إلى كهف أو غار فدخلت، فجاؤوا حتى قاموا على رأسي فبالوا فظل بولهم على رأسي، وعماهم الله عني، قال: ثم رجعوا ورجعت إلى صاحبي فحملته وكان رجلا ثقيلا حتى انتهيت إلى الإذخر،ففككت عنه أكبله فجعلت أحمله ويعينني حتى قدمت المدينة فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله أنكح عناقا؟ مرتين، فأمسك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يرد علي شيئا حتى نزلت: (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك) فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يا مرثد الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك فلا تنكحها). 2 - وأخرج النسائي وأحمد عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - قال: كانت امرأة يقال لها أم مهزول، وكانت بجياد وكانت تسافح، فأراد رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتزوجها، فأنزل الله - عز وجل -: (والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين). * دراسة السبب: هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية وقد أورد بعض المفسرين هذين الحديثين ومعهما غيرهما عند تفسيرها منهم الطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير. قال الطبري: (اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك فقال بعضهم: نزلت هذه الآية في بعض من استأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نكاح نسوة كن معروفات بالزنا من أهل الشرك، وكن أصحاب رايات يكرين أنفسهن فأنزل الله تحريمهن على المؤمنين) اهـ. وذهب ابن عاشور إلى أن الآية نزلت بسبب مرثد الغنوي فقال: (وسبب نزول هذه الآية ما رواه أبو داود والترمذي وحسنه أنه كان رجل يقال له مرثد ابن أبي مرثد الغنوي من المسلمين فذكر الحديث بكماله ... حتى قال: فتبين أن هذه الآية نزلت جوابا عن سؤال مرثد ابن أبي مرثد هل يتزوج عناق) اهـ. وعندي - والله أعلم - أنه يمكن أن تكون كنية عناق أم مهزول وحينئذ يكون المراد من الحديثين امرأة واحدة. فإن لم يكن الأمر كذلك فلا مانع أن تكون الآية نازلة جوابا لسؤال أحد المؤمنين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واستئذانه إياه في نكاح إحدى المرأتين، فإن هذا القدر قد اتفق عليه المفسرون، وكلامهم يدور في فلكه والله أعلم. * النتيجة: أن الآية نزلت فيمن استأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - في نكاح من كن معروفات بالزنى، وذلك لدلالة لفظ الآية، وأقوال المفسرين والأحاديث المروية على ذلك والله أعلم. * * * * * 124 - قال الله تعالى: (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين (6) والخامسة أن لعنت الله عليه إن كان من الكاذبين (7) ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين (8) والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين (9) * سبب النزول: 1 - (أ) أخرج البخاري وأحمد والدارمي ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - أن عويمرا العجلاني جاء إلى عاصم بن عدي الأنصاري فقال له: يا عاصم، أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه، أم كيف يفعل؟ سل لي يا عاصم عن ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأل عاصم عن ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسائل وعابها، حتى كبر على عاصم ما سمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما رجع عاصم إلى أهله، جاءه عويمر فقال: يا عاصم، ماذا قال لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال عاصم: لم تأتني بخير، قد كره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسألة التي سألته عنها، قال عويمر: والله لا أنتهي حتى أسأله عنها، فأقبل عويمر حتى أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسط الناس، فقال: يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا، أيقتله فتقتلونه، أم كيف يفعل؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك فاذهب فأت بها) قال سهل: فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما فرغا قال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها، فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال ابن شهاب: فكانت تلك سنة المتلاعنين. (ب) وفي لفظ للبخاري: فقال عويمر: والله لآتين النبي - صلى الله عليه وسلم - فجاء وقد أنزل الله تعالى القرآن خلف عاصم، فقال له: (قد أنزل الله فيكم قرآنا). 2 - أخرج البخاري ومسلم والنسائي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: ذكر التلاعن عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال عاصم بن عدي في ذلك قولا، ثم انصرف فأتاه رجل من قومه يشكو إليه أنه قد وجد مع امرأته رجلا، فقال عاصم: مما ابتليت بهذا إلا لقولي، فذهب به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بالذي وجد عليه امرأته، وكان ذلك الرجل مصفرا، قليل اللحم، سبط الشعر، وكان الذي ادعى عليه أنه وجده عند أهله خدلا آدم كثير اللحم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (اللهم بين) فجاءت شبيها بالرجل الذي ذكر زوجها أنه وجده، فلاعن النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهما. قال رجل لابن عباس في المجلس: هي التي قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لو رجمت أحدا بغير بينة رجمت هذه) فقال: لا تلك امرأة كانت تظهر في الإسلام السوء. 3 - (أ) أخرج مسلم وأحمد والدارمي والترمذي والنسائي عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أنه سئل عن المتلاعنين أيفرق بينهما؟ قال: سبحان الله. نعم إن أول من سأل عن ذلك فلان بن فلان. قال: يا رسول الله أرأيت أن لو وجد أحدنا امرأته على فاحشة كيف يصنع؟ إن تكلم تكلم بأمر عظيم، وإن سكت سكت على مثل ذلك. قال: فسكت النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يجبه. فلما كان بعد ذلك أتاه فقال: إن الذي سألتك عنه قد ابتليت به. فأنزل الله - عز وجل - هؤلاء الآيات في سورة النور: (والذين يرمون أزواجهم) فتلاهن عليه ووعظه وذكره وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، قال: لا والذي بعثك بالحق ما كذبت عليها، ثم دعاها فوعظها وذكرها وأخبرها أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة. قالت: لا والذي بعثك بالحق إنه لكاذب فبدأ بالرجل فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين. ثم ثنى بالمرأة فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين. ثم فرق بينهما. (ب) وفي رواية للبخاري ومسلم عنه - رضي الله عنه - قال: فرق النبي - صلى الله عليه وسلم - بين أخوي بني العجلان وقال: (الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب) فأبيا، فقال: (الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب). فأبيا فقال: (الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب) فأبيا، ففرق بينهما. 4 - أخرج مسلم وأحمد وأبو داود وابن ماجه عن عبد الله بحن مسعود - رضي الله عنه - قال: إنا ليلة الجمعة في المسجد. إذ جاء رجل من الأنصار فقال: لو أن رجلا وجد مع امرأته رجلا فتكلم جلدتموه، أو قتل قتلتموه، وإن سكت سكت على غيظ، والله لأسألن عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما كان من الغد أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأله. فقال: لو أن رجلا وجد مع امرأته رجلا فتكلم جلدتموه، أو قتل قتلتموه، أو سكت سكت على غيظ. فقال: (اللهم افتح) وجعل يدعو. فنزلت آية اللعان: (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم) هذه الآيات - فابتلي به ذلك الرجل من بين الناس - فجاء هو وامرأته إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتلاعنا فشهد الرجل أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، ثم لعن الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين. فذهبت لتلعن. فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (مه) فأبت فلعنت. فلما أدبرا قال: (لعلها أن تجيء به أسود جعدا) فجاءت به أسود جعدا. 5 - أخرج مسلم والنسائي عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: إن هلال بن أمية قذف امرأته بشريك بن سحماء، وكان أخا البراء بن مالك لأمه. وكان أول رجل لاعن في الإسلام. قال: فلاعنها فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أبصروها فإن جاءت به أبيض سبطا قضيء العينين فهو لهلال بن أمية وإن جاءت به أكحل جعدا حمش الساقين فهو لشريك بن سحماء) قال: فأنبئت أنها جاءت به أكحل، جعدا، حمش الساقين. ولفظ النسائي: إذ نزلت عليه آية اللعان: (والذين يرمون أزواجهم). 6 - أخرج البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي - صلى الله عليه وسلم - بشريك بن سحماء فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (البينة أو حد في ظهرك) فقال: يا رسول الله، إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (البينة وإلا حد في ظهرك) فقال هلال: والذي بعثك بالحق إني لصادق فلينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد فنزل جبريل وأنزل عليه: (والذين يرمون أزواجهم) فقرأ حتى بلغ (إن كان من الصادقين) فانصرف النبي - صلى الله عليه وسلم - فأرسل إليها، فجاء هلال فشهد، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إن الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب) ثم قامت فشهدت فلما كانت عند الخامسة وقفوها وقالوا: إنها موجبة. قال ابن عباس: فتلكأت ونكصت، حتى ظننا أنها ترجع، ثم قالت: لا أفضح قومي سائر اليوم، فمضت، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أبصروها فإن جاءت به أكحل العينين، سابغ الإليتين، خدلج الساقين، فهو لشريك بن سحماء) فجاءت به كذلك، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن). * دراسة السبب: هكذا جاء في سبب نزول هذه الآيات. وقد أورد جمهور المفسرين هذه الأحاديث أو بعضها على اختلاف بينهم منهم الطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية، والقرطبي وابن كثير، وابن عاشور. قال ابن عطية: (والمشهور أن نازلة هلال قبل وأنها سبب الآية، وقيل نازلة عويمر قبل وهو الذي وسط إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاصم بن عدي) اهـ. قال القرطبي: (قال الطبري: يستنكر قوله في الحديث هلال بن أمية وإنما القاذف عويمر بن زيد بن الجد بن العجلاني رماها بشريك بن السحماء والسحماء أمه، قيل لها ذلك لسوادها وهو ابن عبدة بن الجد بن العجلاني، كذلك كان يقول أهل الأخبار ... وذكر كلاما إلى أن قال: قال الكلبي: والأظهر أن الذي وجد مع امرأته شريكا عويمر العجلاني لكثرة ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لاعن بين العجلاني وامرأته، واتفقوا على أن هذا الزاني هو شريك بن عبدة وأمه السحماء، وكان عويمر وخولة بنت قيس وشريك بني عم عاصم) اهـ. وقال ابن عاشور: لما ذكر قصة عويمر: (فكانت هذه الآية مبدأ شرع الحكم في رمي الأزواج نساءهم بالزنى. واختلط صاحب القصة على بعض الرواة فسموه هلال ابن أمية الواقفي. وزيد في القصة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: (البينة وإلا حد في ظهرك) والصواب أن سبب نزول الآية قصة عويمر العجلاني وكانت هذه الحادثة في شعبان سنة تسع عقب القفول من غزوة تبوك، والتحقيق أنهما قصتان حدثتا في وقت واحد أو متقارب) اهـ. وبعد نقل أقوال بعض المفسرين سأنقل ما وقفت عليه من أقوال المحدثين: قال ابن بطال: (قال أبو عبد الله بن أبي صفرة: الصحيح أن القاذف لزوجته عويمر وهلال بن أمية خطأ. وقد روى القاسم عن ابن عباس أن العجلاني قذف امرأته، كما روى ابن عمر وسهل بن سعد وأظنه غلط من هشام بن حسان. ومما يدل على أنها قصة واحدة توقف النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها حتى أنزل الله فيها الآية، ولو أنهما قضيتان لم يتوقف عن الحكم فيها، ولحكم في الثانية بما أنزل الله في الأولى) اهـ وقد نقل البيهقي بإسناده إلى الشافعي أنه قال: (وقد قذف العجلاني امرأته بابن عمه، وابن عمه شريك بن السحماء). ثم قال: هكذا ذكره الشافعي في الإملاء أن القاذف كان العجلاني وهو عويمر العجلاني المذكور في حديث سهل بن سعد الساعدي، والذي رمي به شريك بن السحماء وهو المذكور في حديث عكرمة عن ابن عباس وفي حديث أنس بن مالك وبمعناه نقل المزني في المختصر، فذهب بعض مشايخنا إلى أن هذا غلط، فإن القاذف بشريك بن سحماء هو هلال بن أمية، وكذلك رواه عكرمة عن ابن عباس أن هلال بن أمية قذف امرأته بشريك بن سحماء، أما عويمر العجلاني فإنه لم يسم من رمى امرأته به. كذلك رواه سهل بن سعد الساعدي وعبد الله بن عمر دون اسم المرمي به غير أن في رواية سهل ما دل على أنه رماها برجل بعينه لأنه قال في حديثه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن جاءت به لنعت كذا فلا أراه إلا قد صدق عليها، فلولا أنه كان مسمى بعينه لما جعل شبه الولد به علاقة لصدقه إلا أنه لم ينقله سهل. وهذا الذي ذهب إليه هذا القائل محتمل غير أن الشافعي - رحمه الله - لم ينفرد بهذا القول وتبع فيما قال من رواية من رواه كذلك وهي رواية المغيرة بن عبد الرحمن وابن أبي الزناد عن أبي الزناد عن القاسم بن محمد عن ابن عباس أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لاعن بين العجلاني وامرأته وكانت حاملا وكان الذي رميت به ابن السحماء. ثم فكر كلاما حتى قال: والذي يغلب على ظني أن الذي رواه ابن عباس وابن عمر وسهل بن سعد وأنس بن مالك وغيرهم في حديث المتلاعين خبر عن قصة واحدة لاتفاق من فكر منهم نزول الآية، على أن الآية نزلت نميما رواه من قصة المتلاعنين، ونزولها يكون مرة واحدة لاتفاقهم على أنه رماها وهي حامل، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إن جاءت به على نعت كذا فهو كذا، وقل ما يتفق جميع ذلك في قصتين مختلفتين إلا أن عكرمة خالف القاسم بن محمد عن ابن عباس ثم سهلا وابن عمر في تسميته القاذف بهلال بن أمية. وخالف هشام بن حسان عن ابن سيرين عن أنس سهلا وابن عمر، ثم رواية القاسم عن ابن عباس فيها. يتبع ![]()
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |