«عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله - الصفحة 48 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         اسمع منا ولا تسمع عنا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          تارك العمل الظاهر بغير جحود ولا إباء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 654 )           »          وقفات مع حديث الشفاعة العظمى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 6 - عددالزوار : 6173 )           »          نصائح وضوابط إصلاحية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 52 - عددالزوار : 23592 )           »          الوصايا النبوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 29 - عددالزوار : 10100 )           »          عبودية الدعاء والافتقار إلى الله تبارك وتعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          تربية مرتَّلة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          الرعاية الاجتماعية في العصور الوسطى القاهرة نموذجًا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          البُعْد الثالث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          اللغة العربية والتحدّي الحضاري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20-05-2025, 02:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,463
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم



تفسير قوله تعالى: ﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا... ﴾


قوله تعالى: ﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ * وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ﴾ [آل عمران: 55 - 58].

قوله تعالى: ﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾.

قوله: ﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ﴾ «إذ»: ظرف بمعنى «حين» متعلق بقوله: ﴿ وَمَكَرَ اللَّهُ ﴾ [آل عمران: 54]، أو بمحذوف تقديره «اذكر»، أي: اذكر يا محمد منوِّهًا بفضل عيسى ﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ﴾.

﴿ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ ﴾: المراد بــ«الوفاة» هنا: الوفاة الصغرى بالنوم، لا الوفاة الكبرى بالموت، أي: إني متوفيك بالنوم، كما قال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 60]، وقال تعالى: ﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الزمر: 42]؛ أي: ويتوفى الأنفس التي لم تَمُت في منامها، أي: يتوفاها حين تنام تشبيهًا للنائمين بالموتى.

وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم إذا قام من النوم، قال: «الحمد الله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور»[1].

وهذا لا ينافي قول من قال معنى ﴿ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إليَّ ﴾؛ أي: قابضك من الأرض ورافعك إليَّ.

وأما قول من قال: معنى ﴿ مُتَوَفِّيكَ ﴾؛ أي: متوفيك وفاة موت، أي: إني مُمِيتك، فهذا يضعفه ما ثبت في الأحاديث الصحيحة من نزول عيسى في آخر الزمان؛ كما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكمًا مقسطًا، فيكسر الصليب، ويقتُل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد»[2].

وعنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده ليهلنَّ ابن مريم بفج الروحاء حاجًّا أو معتمرًا، أو ليثنينهما»[3].

وفي حديث آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس بيني وبينه نبي ‏- يعني: ‏‏عيسى- ‏وإنه نازل، فإذا رأيتموه فاعرفوه، رجل ‏‏مربوع ‏ ‏إلى الحُمرة والبياض، بين ‏مُمصَّرتين، ‏كأن رأسه يقطر وإن لم يُصِبهُ بلل، فيقاتل الناس على الإسلام، فيدق الصليب، ويقتُل الخنزير، ‏ويضع ‏الجزية،‏ ‏ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام، ويهلك ‏المسيح الدجال ‏فيمكث في الأرض أربعين سنة، ثم ‏ ‏يتوفى، فيصلي عليه المسلمون»[4].

﴿ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ ﴾: الرفع يكون من أسفل إلى أعلى، أي: ورافعك إليَّ في السماء؛ كما قال تعالى: ﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ ﴾ [الملك: 16، 17].

وقال صلى الله عليه وسلم للجارية: أين الله؟ فقالت: في السماء، فقال صلى الله عليه وسلم لسيدها: «أعتقها، فإنها مؤمنة»[5].

والحكمة - والله أعلم - من توفيه بالنوم قبل رفعه: تيسير وتخفيف الانتقال عليه من الأرض إلى السماء.

﴿ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾؛ أي: برفعي إياك إلى السماء، وتبرئتك بما رماك به الذين كفروا من الباطل - وهم اليهود - حيث رَمَوْه بالكذب فيما جاءهم به، وأنكروا رسالته، واتَّهموه بأنه ابن زنا، وأن أمه زانية، وغير ذلك أخزاهم الله؛ كما قال تعالى: ﴿ فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا * يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا ﴾ [مريم: 27، 28].

وفي هذا تعريضٌ بأنه ولد زنا، وأن أمه زانية - عياذًا بالله - كما قال تعالى: ﴿ وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 156]، فأنطقه الله - عز وجل - وهو في المهد بقوله: ﴿ قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ﴾ [مريم: 30 - 33].

وفي هذا أعظمُ التطهير له عليه السلام ولأمِّه رضي الله عنهما.

﴿ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾ الواو: عاطفة، و﴿ جاعل ﴾ أي: وجاعل كونًا وشرعًا ﴿ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾.

و«جاعل» هنا بمعنى «مُصيَّر» تنصب مفعولين: الأول قوله: ﴿ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ ﴾، و«فوق»: ظرف مكان متعلق بمحذوف هو المفعول الثاني لــ «جاعل» تقديره: كائنين فوق الذين كفروا.

﴿ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ ﴾؛ أي: الذين اتبعوك فيما جئت به من الشرع، وهم الحواريون ومن اتَّبعه بعد ذلك حتى نُسخت شريعته بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم؛ كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ ﴾ [الصف: 14].

﴿ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ أي: فوق الذين كفروا فوقية معنوية بجعل النصرة والرفعة لهم والظهور كونًا وشرعًا على الذين كفروا بك وجحدوا رسالتك وكذبوا شريعتك.

﴿ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾؛ أي: إلى يوم البعث والمعاد والحساب والجزاء على الأعمال.

وأتباع عيسى عليه السلام حقًا بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم هم أتباع محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن عيسى عليه السلام بَشَّر بمحمد صلى الله عليه وسلم، وأوجب تصديقه واتباعه، كما قال تعالى: ﴿ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ ﴾ [الصف: 6].

وعلى هذا يدل قوله تعالى: ﴿ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾، وأن الدين الباقي إلى يوم القيامة هو دين الإسلام الذي بُعث به محمد صلى الله عليه وسلم، والذي نسَخ جميع الشرائع السابقة، وكما يدل عليه قوله تعالى: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [النور: 55].

وقد قال صلى الله عليه وسلم: «أنا أَولى الناس بعيسى ابن مريم في الأولى والآخرة»، قالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: «الأنبياء إخوة من علات، وأمهاتهم شتى، ودينهم واحد، فليس بيننا نبي»[6].

قال ابن القيم[7]: «فلما كان للنصارى نصيبٌ ما من اتباعه، كانوا فوق اليهود إلى يوم القيامة، ولما كان المسلمون أتبع له من النصارى، كانوا فوق النصارى إلى يوم القيامة».

ولهذا فإن عيسى عليه السلام حينما ينزل في آخر الزمان يحكم بالإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ويقاتل الناس عليه ولا يقبل منهم إلا الإسلام.

وعلى هذا فليس لمن كذب محمدًا صلى الله عليه وسلم، وأنكر رسالته من النصارى وغيرهم، متمسك في هذه الآية؛ لأنهم ليسوا من أتباع عيسى حقًّا، وليسوا من الذين وُعِدوا بالفوقية على الذين كفروا إلى يوم القيامة، بل هم من الذين كفروا لعبادتهم المسيح، وقولهم هو ابن الله، أو ثالث ثلاثة، وإنكارهم رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وكفرهم بالقرآن الكريم.

﴿ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ ﴾: الخطاب لعيسى عليه السلام والذين اتبعوه والذين كفروا به، ويجوز كونه خطابًا للنبي صلى الله عليه وسلم وأمته أو للجميع، أي: ثم إليَّ مصيركم ومآلكم ومآبكم يوم القيامة، كما قال تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 281].

ومرجع الخلائق ومصيرهم ومردُّهم كلهم إلى الله تعالى في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: ﴿ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ﴾ [الشورى: 53]، وقال تعالى: ﴿ وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى ﴾ [النجم: 42].

﴿ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ ﴾: المراد بالحكم هنا الحكم الجزائي؛ لأن حكم الله ينقسم إلى ثلاثة أقسام: كوني وشرعي وجزائي، أي: فأحكم بينكم بالمجازاة لكل منكم، وإنصافه من الآخر.

﴿ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾ «ما»: موصولة، أي: في الذي كنتم فيه تختلفون، فيحكم عز وجل بين أهل الكفر وأهل الإيمان، وبين الرسل وأقوامهم، ويُقيم الرسل البينة على أقوامهم أنهم بلَّغوا رسالات ربهم، قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ﴾ [النساء: 141].

قوله تعالى: ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ * وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾.

هاتان الآيتان معطوفتان على ما سبق، وفيهما بيان وتفصيل لما أجمل في قوله: ﴿ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾.

قوله: ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ «الفاء»: عاطفة للتفريع، و«أما» في الموضعين: شرطية تفصيلية.

﴿ فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ﴾ «الفاء»: تفريعية، و«العذاب» هو العقاب والنكال، وهو إيقاع المشقة والأذى بالمعَذَّب، فالمعنى: فأعاقبهم عقابًا شديدًا، أي: قويًا عظيمًا، كمًّا وكيفًا ونوعًا، وفي قوله: ﴿ فَأُعَذِّبُهُمْ ﴾ بضمير المتكلم تعظيم لنفسه - عز وجل - وترهيب وتخويف من عذابه.

﴿ فِي الدُّنْيَا ﴾: وهو ما يحصل لهم من القتل والجرح والأسر، وزوال الملك، وضرب الذلة والمسكنة عليهم، وأخذ الجزية، ونحو ذلك؛ قال تعالى: ﴿ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ﴾ [التوبة: 14]، وكذلك ما يحصل لهم من المصائب والكوارث؛ قال تعالى: ﴿ فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [الدخان: 10، 11]، وقال تعالى: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41].

وما يحصُل لهم من العذاب المعنوي في قلوبهم من القلق، وضيق الصدور، وقلق النفوس بسبب كفرهم وعدم إيمانهم؛ قال تعالى: ﴿ أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الزمر: 22]، وقال تعالى: ﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنعام: 125].

﴿ وَالْآخِرَةِ ﴾: معطوف على ﴿ الدُّنْيَا ﴾؛ أي: وأعذبهم في الآخرة.

وعذاب الآخرة أشد، وهو ما يلقونه فيها من الأهوال التي أعظمها الخلود في النار، وبئس القرار.

﴿ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ﴾ «الواو»: عاطفة، و«ما»: نافية، و«مِنْ» في قوله: ﴿ مِنْ نَاصِرِينَ ﴾ لتنصيص وتأكيد عموم النفي، أي: وما لهم أيُّ أحد من الناصرين، و﴿ نَاصِرِينَ ﴾: جمع «ناصر» وهو الذي يدفع الضُّر؛ أي: وما لهم من ناصرين يدفعون ويمنعون عنهم عذاب الله قبل وقوعه أو يرفعونه بعد وقوعه؛ كما قال تعالى: ﴿ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾ [التوبة: 74]، وقال تعالى: ﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾ [الشورى: 8]، والولي الذي يجلب النفع، والنصير الذي يدفع الضُّر.

قوله تعالى: ﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾.

توعَّد عز وجل في الآية السابقة الكافرين بالعذاب الشديد في الدنيا والآخرة، وقدَّم ذِكر وعيدهم لأن السياق فيهم، ثم أتبع ذلك بذِكر ما أعدَّه للذين آمنوا من الأجور الوافية كما هي طريقة القرآن الكريم في ذِكر أهل الكفر وأهل الإيمان، وما أعدَّ لكل منهم جمعًا بين الترغيب والترهيب.

قوله: ﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ معطوف على قوله: ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾؛ أي: وأما الذين صدقوا بقلوبهم بكل ما يجب الإيمان والتصديق به.

﴿ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾؛ أي: وعملوا الأعمال الصالحات، فانقادوا بجوارحهم، فجمعوا بين الإيمان والعمل، وبين العلم النافع والعمل الصالح، وحذف الموصوف في قوله: ﴿ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾، وهو «الأعمال»؛ لأن شرط العمل أن يكون صالحًا، أي: خالصًا لله تعالى؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ﴾ [الزمر: 2]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾ [البينة: 5].

وقال صلى الله عليه وسلم: «... فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة يتزوَّجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه»[8].

وأن يكون موافقًا للشرع؛ قال صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رَدٌّ»[9].

وفي لفظ: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا، فهو رَدٌّ»[10]، ويجمع الشرطين مثل قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ ﴾ [النساء: 125]؛ أي: أخلص العمل لله، ﴿ وَهُوَ مُحْسِنٌ ﴾ [النساء: 125] ؛ أي: متبع شرع الله، ولا تتحقق المتابعة إلا إذا وافق العمل الشريعة في أمورٍ ستة: السبب، والجنس، والقدر، والكيفية، والمكان، والزمان.

فالموافقة في السبب مثلًا: أن يصلى للكسوف عند وجود سببه، فمن صلى صلاة الكسوف دون حصول الكسوف لم تصح منه.

والموافقة في الجنس مثلًا: أن يضحي من بهيمة الأنعام (الإبل والبقر والغنم)، فمن ضحَّى بغيرها لم يُقبل منه.

والموافقة في القدر مثلًا: أن يصلي صلاة الظهر أربع ركعات، فمن زاد فيها أو نقص فصلاته باطلة.

والموافقة بالكيفية مثلًا: أن يقدم الركوع على السجود في الصلاة، فمن عكس لم تصح صلاته.

والموافقة في المكان مثلًا: أن يقف الحاج بعرفة يوم التاسع، فمن وقف خارجها لم يصح حجه.

والموافقة في الزمان مثلًا: أن يصلي الصلاة بعد دخول وقتها، فمن صلاها قبل وقتها لم تَصِحَّ منه[11].

﴿ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ ﴾ «الفاء»: رابطة لجواب الشرط.

قرأ حفص عن عاصم، ورُوِيَ عن يعقوب: ﴿ فَيُوَفِّيهِمْ ﴾ بالياء، وقرأ الباقون بالنون، أي: بنون العظمة، «نوفيهم» وفيها تنبيه على عِظَم الموفَّى لهم من الأجور.

والمعنى: فيعطيهم جزاء أعمالهم وافيًا من غير نُقصان؛ كما قال تعالى: ﴿ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ ﴾ [هود: 109]؛ أي: فيوفيهم أجورهم في الدنيا والآخرة بدليل مقابله في ضده؛ لقوله: ﴿ فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ﴾؛ أي: فيوفيهم أجورهم في الدنيا بالنصر والظفر والحياة الطيبة وحُسن الذِّكر، وفي الآخرة بجنات النعيم والعيش الكريم.

وفي قوله في ذِكر العذاب: ﴿ فَأُعَذِّبُهُمْ ﴾ بينما قال هنا: ﴿ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ ﴾: التفات من التكلم إلى الغيبة للتنبيه، وهذه فائدة لفظية كما أن فيه فائدة معنوية، وهي إظهار السلطة والعظمة والعزة في باب ذِكر العذاب، وإظهار الفضل والإحسان للعاملين في باب ذِكر الثواب.

وسمَّى الله - عز وجل - جزاءً، وثواب عملهم أجرًا؛ لأنه - عز وجل - تكفَّل به وأوجبه على نفسه، كما أوجب أجرة الأجير على المستأجر، مع أن الله - عز وجل - لا يجب عليه شيء لخلقه، وإنما أوجب ذلك على نفسه تفضلًا منه وكرمًا؛ كما قال عز وجل: ﴿ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ﴾ [الأنعام: 54].

﴿ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾: الجملة تعليلية، فيها تعليل لما توعد به الذين كفروا من العذاب الشديد في الدنيا والآخرة، فتوعدهم عز وجل بهذا العذاب الشديد بسبب ظلمهم، وهو سبحانه لا يحب الظالمين بل يبغضهم؛ قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [الزخرف: 55].

وفيها أيضًا تعليل لحكم الله تعالى بين الخلائق، ومجازاة الذين كفروا بالعذاب، ومجازاة الذين آمنوا بتوفيتهم أجورهم، فحكَم بينهم بهذا الجزاء بالعدل؛ لأنه سبحانه لا يحب الظلم وأهله؛ أي: ﴿ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والشرك بالله وعبادة غيره، وظلموا عيسى عليه السلام وأمه باتهامه أنه ولد زنا وأن أمه زانية.

قوله تعالى: ﴿ ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ﴾.

قوله: ﴿ ذَلِكَ ﴾: إشارة إلى ما سبق من ذِكر عيسى عليه السلام في قوله تعالى: ﴿ إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ﴾ [آل عمران: 45]، أو إليه وإلى ما سبق من ذِكر آل عمران، أي: من قوله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 33]، أو إلى كل ما أنزله الله تعالى في القرآن الكريم، فكل هذا مما تلاه الله تعالى وأوحاه إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل عليه السلام.

وفي الإشارة إليه بقوله: ﴿ ذَلِكَ ﴾ تعظيم له؛ كما قال تعالى: ﴿ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 108].

﴿ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ ﴾؛ أي: نقرؤه عليك متتاليًا يتلو بعضه بعضًا، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، أي: نقرؤه عليك بواسطة جبريل عليه السلام؛ كما قال تعالى: ﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ﴾ [الشعراء: 193 - 195]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴾ [القيامة: 17 - 19].

﴿ مِنَ الْآيَاتِ ﴾ «مِنْ»: بيانية، أي: من الآيات الكونية الدالة على صدقك في دعوى الرسالة، كما قال تعالى: ﴿ نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [القصص: 3].

﴿ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ﴾: معطوف على الآيات، أي: «ذلك نتلوه عليك من الآيات الكونية، ومن الذكر الحكيم، وهو القرآن الكريم، أي: الآيات الشرعية.

والقرآن الكريم ذِكرٌ بالمعاني الثلاثة للذكر وهي:
أولًا: «الذكر» الذي يتقرب به إلى الله تعالى بتلاوته، وتدبر ألفاظه ومعانيه وأحكامه، كما قال تعالى: ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ﴾ [النساء: 103].

ثانيًا: «الذكر» بمعنى التذكُّر والاتعاظ؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ [ق: 37]، وقال تعالى: ﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الذاريات: 55]، وقال تعالى: ﴿ فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى ﴾ [الأعلى: 9].

ثالثًا: «الذكر» بمعنى الشرف والرفعة، للرسول صلى الله عليه وسلم ولقومه ولكل من تمسك به؛ كما قال تعالى: ﴿ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ﴾ [الزخرف: 44]؛ أي: إنه لشرف عظيم لك ولقومك، وقال تعالى: ﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾ [الشرح: 4]؛ أي: أعلينا قدرك وشأنك ومنزلتك.

والقرآن الكريم ذكر يُتذكر به ويُتقرب إلى الله تعالى بتلاوته وتدبره، وتذكرة وعظة يتذكر ويتعظ بها المؤمنون، وشرف ورفعة للرسول صلى الله عليه وسلم ولقومه وأمته، وبه نالت الأمة العزة والرفعة والشرف والظهور حين كانت متمسكة به محكِّمة له.

وما ضعفت الأمة وذلت وهان أمرها إلا بعد أن تخلَّت عن كتاب ربها، ولن يصلح حال آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها وهو التمسك بكتاب الله تعالى وتحكيمه.

﴿ الْحَكِيمِ ﴾: صفة لــ«الذكر»، أي: الذكر ذو الحكم والحكمة، وهو «فعيل» بمعنى (فاعل)، أي: «حاكم»، وهو «فعيل» بمعنى (مفعل)، أي: «مُحْكم».

ومعنى «حاكم» أي: حاكم يحكم بين الناس؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ﴾ [النساء: 105].

[1] أخرجه البخاري في الدعوات (6312)، وأبو داود في الأدب (5049)، والترمذي في الدعوات (3417)، وابن ماجه في الدعاء (3880)، من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه.

[2] أخرجه البخاري في البيوع (2222)، ومسلم في الإيمان (155)، والترمذي في الفتن (2233)، وابن ماجه (4078).

[3] أخرجه مسلم في الحج (1252).

[4] أخرجه أبو داود في الملاحم (4324).

[5] أخرجه مسلم في المساجد (537)، وأبو داود في الصلاة (930)، والنسائي في السهو (1218)، من حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه.

[6] أخرجه مسلم في الفضائل، باب: [عيسى بن مريم] (2365)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[7] انظر: «بدائع التفسير» (1/ 500).

[8] أخرجه البخاري في الإيمان (54)، ومسلم في الإمارة (1907)، وأبو داود في الطلاق (2201)، والنسائي في الطهارة (75)، والترمذي في فضائل الجهاد (1647)، وابن ماجه في الزهد (4227)، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

[9] أخرجه البخاري في الصلح (2697)، وأبو داود في السنة (4606)، وابن ماجه في المقدمة (14)، من حديث عائشة رضي الله عنها.

[10] أخرجه مسلم في الأقضية (1718)، من حديث عائشة رضي الله عنها.

[11] انظر كلام الشيخ محمد بن صالح العثيمين في تفسيره على قول الله تعالى: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [المائدة: 9]، (1/ 153-154).






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 20-05-2025, 02:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,463
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم



فوائد وأحكام من قوله تعالى:﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا... ﴾

قوله تعالى: ﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ * وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ﴾ [آل عمران: 55 - 58].

1- التذكير بعيسى عليه السلام، وما مَنَّ الله تعالى به عليه من تَوَفيه، ورفعه إليه، وتطهيره من الذين كفروا، ونصر أتباعه وإظهارهم على الذين كفروا، تذكيرًا بنعم الله تعالى على رسله وأوليائه، وانتقامه من أعدائه؛ لقوله تعالى: ﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ ﴾ الآية.

2- إثبات القول لله سبحانه، وأنه - عز وجل - يتكلم بحروف وأصوات مسموعة، ويخاطب رسله ومن شاء من خلقه؛ لقوله تعالى: ﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ ﴾ الآية.

3- إثبات رسالة عيسى عليه السلام وتشريفه وتكريمه بخطاب الله - عز وجل - له، وتقريبه إليه؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إليَّ ﴾ الآية.

4- إثبات رفع عيسى عليه السلام إلى السماء بجسمه حيًا؛ لقوله تعالى: ﴿ وَرَافِعُكَ إليَّ ﴾.

5- إثبات علو الله تعالى على خلقه؛ لقوله تعالى: ﴿ وَرَافِعُكَ إليَّ ﴾.

6- عناية الله - عز وجل - بعيسى عليه السلام عند رفعه إليه حيث توفاه، أي: أنامه قبل ذلك تخفيفًا عليه؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ ﴾.

7- منقبة عظيمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على قوة وثبات قلبه؛ حيث أُسرِيَ به إلى السماوات السبع وهو يقظان، بينما رُفِعَ عيسى عليه السلام وهو نائم؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ ﴾.

8- إبطال دعوى اليهود أنهم قتلوا عيسى وصلبوه؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ ﴾؛ كما قال تعالى ﴿ وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا * وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 157 - 159].

والضمير في قوله: ﴿ قَبْلَ مَوْتِهِ ﴾ عائد إلى عيسى عليه السلام، أي: وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى، وذلك حين ينزل إلى الأرض قبل يوم القيامة ويضع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام.

9- تطهير الله - عز وجل - لعيسى وتبرئته مما رماه به الذين كفروا من الكذب والباطل واتهامه بأنه ولد زنا، وأن أمه زانية؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾.

10- أن من رمى عيسى عليه السلام بهذا السوء فهو كافر؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾.

وفي هذا دلالة على كفر هؤلاء، وأن كل من رماه بما رموه به فهو كافر، كما قال تعالى: ﴿ وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 156].

11- وعد الله تعالى لعيسى عليه السلام بنصرة أتباعه، وإظهارهم على الكفار إلى يوم القيامة؛ لقوله تعالى: ﴿ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾، وأتباعه حقًّا هم أتباع محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه عليه السلام بَشَّر بمحمد صلى الله عليه وسلم، وأخبر بوجوب اتباعه وتصديقه.

12- وعد الله تعالى بالنصرة والرفعة والظهور للمؤمنين في الدنيا والآخرة.

13- إثبات يوم القيامة؛ لقوله تعالى: ﴿ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾.

14- أن مرجع جميع الخلائق إلى الله عز وجل؛ لقوله تعالى: ﴿ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ ﴾.

15- إثبات حكم الله - عز وجل - الجزائي بين الخلائق يوم القيامة؛ بين الرسل وأممهم، وبين الأمم، ومجازاتهم على أعمالهم؛ لقوله تعالى: ﴿ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾ فهو - عز وجل - الحَكَم، وإليه الحكم؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله هو الحكم وإليه الحكم»[1].

16- وقوع الاختلاف يوم القيامة والخصومة بين المؤمنين والكافرين، وبين الرسل وأممهم لقوله تعالى: ﴿ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ ﴾ [الزمر: 30، 31].

17- الوعيد للذين كفروا بالعذاب الشديد في الدنيا والآخرة؛ لقوله تعالى: ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ﴾، عذاب شديد في الدنيا حسي بالقتل والجراح، وأخذ الجزية وأنواع العقوبات والمصائب والكوارث، وعذاب معنوي بالقلق والاضطراب النفسي بسبب الكفر وعدم الإيمان، وهذا عام لجميع الكفار، فمن سلم من الأول لم يسلم من الثاني، وعذاب شديد في الآخرة حسي بالنار، وعذاب معنوي بالتوبيخ وتحطيم المعنويات، ونحو ذلك.

18- حقارة الدنيا؛ لأن الله سماها دنيا لحقارتها.

19- أن عذاب الكفار في الدنيا لا يُخفف أو يُسقِط عنهم عذاب الآخرة، بل يجمع لهم بين العذاب الشديد في الدنيا والعذاب الشديد في الآخرة.

20- إثبات الدار الآخرة؛ لقوله تعالى: ﴿ والآخرةِ ﴾.

21- أن الكفار لا ناصرَ لهم يدفَع أو يمنَع عنهم عذاب الله تعالى قبل نزوله، أو يرفعه بعد نزوله؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ﴾.

22- وعد الله تعالى الذين آمنوا وعملوا الصالحات بإعطائهم أجور أعمالهم وافية؛ لقوله تعالى: ﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ ﴾.

23- جمع القرآن الكريم بين الوعد والوعيد، والترغيب والترهيب، فذكر عذاب الكافرين، وأتبعه بذِكر ثواب المؤمنين.

24- أن الوعيد قد يقدم على الوعد، كأن يكون الكلام والسياق مع الكفار ونحو ذلك؛ لأن الله - عز وجل - قدَّم في هذه الآيات وعيد الكافرين على وعد المؤمنين، وهذا لا ينافي أن رحمة الله - عز وجل - تسبق غضبه.

25- لابد في الإيمان من الجمع بين تصديق الباطن وعمل الجوارح في الظاهر؛ لقوله تعالى: ﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾.

26- أن الله تعالى لا يقبل من الأعمال إلا ما كان صالحًا، خالصًا لوجهه، موافقًا لشرعه؛ لقوله تعالى: ﴿ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾؛ ولهذا حذف الموصوف - وهو الأعمال - وبقيت الصفة؛ لأن المهم في العمل وشرطه أن يكون صالحًا.

27- تكفَّل الله - عز وجل - وضمانه لثواب الصالحين، لهذا سماه «أجرًا»؛ لأنه سبحانه وتعالى أوجبه على نفسه؛ لقوله تعالى: ﴿ أُجُورَهُمْ ﴾.

28- التحذير من الكفر، والترغيب في الإيمان؛ لأن الله - عز وجل - توعد الكافرين بالعذاب الشديد في الدنيا والآخرة، ووعد المؤمنين بتوفِّيهم أجورهم.

29- نفي محبة الله تعالى للظالمين؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾؛ فهو - عز وجل - لا يحب الظالمين بل يبغضهم، ومفهوم هذا أنه –تعالى- يحب أهل الإيمان والحق.

30- التحذير من الظلم ومن الظالمين؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾؛ لأن الله تعالى لا يحب الظلم وأهله، بل يبغضهم ويعذبهم، كما قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [الزخرف: 55].

31- أن الله - عز وجل - حكم عدل، لا يظلم أحدًا من خلقه.

32- تلاوة ما وقع من أخبار وأحوال آل عمران وعيسى عليه السلام وغير ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم، وقراءتها عليه بواسطة جبريل، وهكذا جميع القرآن الكريم تكلم الله -عز وجل- وتلاه جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لقوله تعالى: ﴿ ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ﴾.

33- أن في القرآن الكريم أعظم الآيات والدلائل الشرعية والكونية الدالة على عظمة الله - عز وجل - واستحقاقه العبادة دون سواه؛ لقوله تعالى: ﴿ ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ﴾.

34- أن القرآن الكريم «ذِكرٌ» يُتقرب إلى الله تعالى بتلاوته، وتدبر ألفاظه ومعانيه وأحكامه. و«ذِكرٌ» يُتذكَّر به، ويتعظ به المؤمنون، وهو ذِكر وشرف للرسول صلى الله عليه وسلم ولقومه ولكل من تمكسك به؛ لقوله تعالى: ﴿ وَالذِّكْرِ ﴾.

35- أن القرآن الكريم «حَكَم» و«حاكِم» يحكم بين الناس، و«مُحْكم» متقن ليس فيه تناقض ولا اختلاف؛ لقوله تعالى: ﴿ الْحَكِيمِ ﴾؛ كما قال تعالى: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 82].

36- تعظيم آيات القرآن الكريم بالإشارة إليه بـ ﴿ ذَلِكَ ﴾، وتسميته بـ «الذِّكر» ووصفه بـ ﴿ الْحَكِيمِ ﴾.

37- إثبات رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، ونزول الآيات عليه، وتشريفه بذلك وبخطاب الله - عز وجل - له؛ لقوله تعالى: ﴿ ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ﴾؛ كما قال تعالى: ﴿ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [البقرة: 252].

[1] أخرجه النسائي في آداب القضاة (5387)، من حديث شريح بن هانئ عن أبيه هانئ رضي الله عنه.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 20-05-2025, 02:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,463
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم



تفسير قوله تعالى:﴿ إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون... ﴾


تفسير قوله تعالى: ﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ * فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ ﴾ [آل عمران: 59، 63].

قوله تعالى: ﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾.

بيَّن الله - عز وجل - في الآيات السابقة خلقه لعيسى عليه السلام من أم بلا أبٍ، ثم شرع في هذه الآيات في إبطال عقيدة النصارى في تأليه عيسى - عليه السلام - وزعْمهم أنه الله، أو ابن الله، أو ثالث ثلاثة.

قوله: ﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ ﴾ «إنَّ»: للتوكيد، و«مثل» بمعنى شبه، أي: إن شبه عيسى في خلق الله تعالى له من أم بلا أب.

﴿ عِنْدَ اللَّهِ﴾ أي: في تقدير الله تعالى وحكمه وفي الواقع ونفس الأمر.

﴿ كَمَثَلِ آدَمَ ﴾: الكاف: للتشبيه، أي: كشبه آدم.

﴿ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ﴾: بيان وتفسير لقوله: ﴿ كَمَثَلِ آدَمَ ﴾؛ أي: كمثل آدم في خلق الله تعالى له ﴿ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ﴾ بلا أمٍّ ولا أبٍ، ووجهُ الشبه بين آدم وعيسى أن كلًّا منهما في خلقه خرقٌ للعادة، فآدمُ خُلِقَ من غير أبوين، وعيسى خُلِقَ من غير أب.

والضمير في ﴿ خَلَقَهُ ﴾ يعود إلى آدم.

﴿ مِنْ تُرَابٍ ﴾؛ أي: ابتدأ خلقَه من تراب، وصوَّر جسده من تراب.

﴿ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ ﴾: أي: كُن بشرًا حيًّا سويًّا كامل الخلق روحًا وجسدًا.

﴿ فَيَكُونُ﴾؛ أي: فيكون بشرًا بمجرد قوله - عز وجل -: «كن» من غير تخلف ولا تأخُّر؛ كما قال تعالى: ﴿ قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [آل عمران: 47].

قوله تعالى: ﴿ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ﴾؛ قال ابن القيم[1]: «فأخبر تعالى أن عيسى نظير آدم في التكوين بجامع ما يشتركان فيه من المعنى الذي تعلق به وجود سائر المخلوقات، وهو مجيئها طوعًا لمشيئته وتكوينه، فكيف يستنكر وجودَ عيسى من غير أب من يُقر بوجود آدم من غير أب ولا أمٍّ، ووجود حواء من غير أُم، فآدم وعيسى نظيران يجمعهما المعنى الذي يصح تعليق الإيجاد والخلق به».

وقوله: ﴿ فَيَكُونُ﴾ دون أن يقول: «فكان» لاستحضار صورة تَكَوُّنِهِ؛ كما في قوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ ﴾ [فاطر: 9]».

﴿ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ﴾ «الحق»: خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: ذلك أو هذا الحق من ربك.

﴿ مِنْ رَبِّكَ ﴾: في محل نصب على الحال، أي: حال كونه من ربك.

و﴿ الحق ﴾: الشيء الثابت خبرًا كان أو حكمًا، فإن وصف به «الخبر» كان معناه: «الصدق» وإن وصف به «الحكم» كان معناه: «العدل»؛ كما قال تعالى: ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [الأنعام: 115]؛ أي: صدقًا في الأخبار، وعدلًا في الأحكام، وقال تعالى: ﴿ كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [يونس: 33]، أي: ثبتت كلمةُ ربِّك.

﴿ مِنْ رَبِّكَ ﴾: الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، أي: هذا الذى قص عليك في أمر عيسى وخلقه، هو الحق من ربك الذي لا حق غيره، ولا صحيح سواه.

﴿ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ﴾ الفاء: رابطة لجواب شرط مقدر، و«لا»: ناهية، و«تكن»: مجزوم بها وعلامة جزمه حذف حرف العلة وهو الواو؛ لأن أصله «تكون».

و﴿ الممترين ﴾: جمع «ممتري» والامتراء: الشك والريب، أي: فلا تكن من الشاكين المرتابين فيما جاءك من الحق من ربك، وهو نهي له صلى الله عليه وسلم ونهي لأمته من باب أَولى وأَحرى، كما أن فيه تعريضًا بأهل الامتراء والشك من النصارى وغيرهم.

قوله تعالى: ﴿ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ﴾.

ذكر الله - عز وجل - في الآيات السابقة شأن عيسى عليه السلام وأَمْر خَلْقه، وأن مثله في خلقه عند الله كمثل آدم، ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يباهل من حاجه في أمر عيسى عليه السلام وخَلْقه، بعد بيان الحق له من النصارى وغيرهم.

قوله: ﴿ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ ﴾ «الفاء»: عاطفة، و«من»: شرطية، و﴿ حَاجَّكَ ﴾: فعل الشرط، أي: فمن جادلك وخاصمك، وسمَّى ذلك محاجة؛ لأن كل واحد من المتجادلين يدلي بحجته ليغلب الآخر ويخصمه، ومنه الحديث: «حاج موسى آدم»[2].

﴿ فيه ﴾ الضمير يعود على عيسى عليه السلام، أي: فمن حاجك في شأن عيسى وخلقه، وفيما جاءك فيه من الحق من ربك بالحجج الباطلة، وأنكر أن يكون الله خلقه من أم بلا أبٍ، وادَّعى أنه ابن الله تعالى كما قالت النصارى: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ [التوبة: 30]، قالوا: لأنه خلق من غير أب وتكلم في المهد، وقالوا: أنه الله؛ لأنه يحيي الموتى ويُبرئ المرضى، ويخلق من الطين كهيئة الطير ويخبر بالمغيبات.

كما قالوا: إنه ثالث ثلاثة؛ لأن الله تعالى يقول: خلقنا وقضينا وقدَّرنا وأنجينا، قالوا: لو كان واحدًا لقال: خلقت وقدرت وأنجيت... إلخ.

﴿ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ﴾: «مِنْ» في قوله: ﴿ مِنْ بَعْدِ ﴾ تدل على المهلة بين مجيء العلم والأمر بالمباهلة؛ لإقامة الحُجة أولًا بالعلم والبيان والإعذار منهم.

و«ما»: موصولة، أي: من بعد الذي جاءك من العلم من الله تعالى بالوحي ببيان شأن عيسى - عليه السلام - وبيان ذلك لهم فكابروا وعانَدوا.

﴿ فقُلْ ﴾: جواب شرط «مَنْ»، والفاء: رابطة لجواب الشرط لأنه جملة طلبية.

﴿ تَعَالَوْا﴾ أي: هلُموا وأقبِلوا وائتوا، وجاء بضمير الجمع باعتبار معنى «مَنْ» في قوله: ﴿ فَمَنْ حَاجَّكَ ﴾؛ لأن معناها الجمع.

﴿ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ ﴾؛ أي: نُحْضِر نحن أبناءنا وتُحْضِرون أنتم أبناءكم، ونحضر نساءنا وتحضرون أنتم نساءكم، أي: يحضر كل منا الأبناء والزوجات لشهود الملاعنة.

﴿ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ﴾؛ أي: ونَحضر نحن وأنتم.

وهؤلاء هم أعز ما يكون عند الإنسان في الدنيا، نفسه، وأبناؤه، وزوجاته.

﴿ ثُمَّ نَبْتَهِلْ ﴾ «ثم»: للتراخي الرتبي، و«الابتهال» افتعال من البهل، وهو: الدعاء باللعن، أي: ثم نلتعن، ويُطلق الابتهال على الاجتهاد في الدعاء، ولهذا سُمِّيَ اللعن ابتهالًا لأنه اجتهاد في الدعاء.

﴿ فَنَجْعَلْ ﴾ «الفاء»: عاطفة، أي: فَنُصَيِّر ﴿ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ﴾، ﴿ لَعْنَتَ ﴾: مفعول به أول لـ«نجعل»، ولفظ الجلالة ﴿ الله ﴾ مضاف إليه.

﴿ عَلَى الْكَاذِبِينَ ﴾ جار وجرور متعلق بمحذوف مفعول به ثان لـ«لنجعل» أي: فتجعل لعنة واقعة على الكاذبين، أي: فندعوا بإيقاع لعنة الله على الكاذبين.

و﴿ لَعْنَتَ اللَّهِ ﴾؛ أي: طرده وإبعاده عن رحمته وجنته.

﴿ عَلَى الْكَاذِبِينَ ﴾؛ أي: على الكاذبين منا أو منكم.

وفي دعوتهم إلى المباهلة إلجاء لهم أن يعترفوا بالحق أو يكفُّوا، ودعوة إنصاف لا يدعو لها إلا من كان واثقًا أنه على الحق.

قال ابن كثير[3]: «وكان سبب نزول هذه المباهلة وما قبلها من أول السورة إلى هنا في وفد نجران - أن النصارى حين قدموا فجعلوا يحاجون في عيسى ويزعمون فيه ما يزعمون من النبوة والإلهية، فأنزل الله صدر هذه السورة ردًّا عليهم».

وقد أشفق هؤلاء الوفد من النصارى من الملاعنة، فلم يقدموا عليها وخافوا الهلكة والاستئصال إن هم لاعَنوا، فعدَلوا إلى المصالحة ودفع الجزية، وطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يُرسل معهم رجلًا أمينًا يحكم بينهم في أشياء اختلفوا فيها في أموالهم، فأرسل معهم أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه.

فعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: جاء العاقب والسيد صاحبا نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدان أن يلاعناه، قال: فقال أحدهما لصاحبه: لا تفعل، فوالله إن كان نبيًّا فلاعناه لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا، قالا: إنا نعطيك ما سألتنا، وابعث معنا رجلًا أمينًا، ولا تبعث معنا إلا أمينًا، فقال: «لأبعثَنَّ معكم رجلًا أمينًا حقَّ أمينٍ»، فاستشرف لها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «قم يا أبا عبيدة بن الجراح»، فلما قام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا أمين هذه الأمة»[4].

وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال أبو جهل: إن رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند الكعبة لآتينه حتى أطأ على عنقه، قال: فقال: لو فعل لأخذته الملائكة عيانًا، ولو أن اليهود تمنوا الموت، لماتوا ورأوا مقاعدهم من النار، ولو خرج الذين باهلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لرجعوا لا يجدون مالًا ولا أهلًا»[5].

قوله تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾.

قوله: ﴿ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ ﴾: الإشارة لما ذُكِرَ في شأن عيسى عليه السلام، فهو تأكيد لما قصه الله تعالى في شأن عيسى عليه السلام، ولهذا أُكدت هذه الجملة بثلاثة مؤكدات: «إنَّ» واللام، وضمير الفصل «هو» في قوله: ﴿ لَهُوَ ﴾.

كما أن في ضمير الفصل «هو» حصرًا للحق في هذا القصص دون سواه.

و﴿ القصص ﴾: مصدر قصَّ يقص قصًّا وقصصًا، ويُحتمل أن يكون هذا مصدرًا بمعنى «الفعل»، وأن يكون مصدرًا بمعنى «اسم المفعول»؛ أي: إن هذا لهو المقصوص الحق، والقصص تتبُّع الوقائع والإخبار عنها شيئًا بعد شيء على ترتيبها، ومنه: «قص الأثر»، وهو اتِّباعه.

و﴿ الحق ﴾: صفة للقصص، أي: القصص الثابت الصحيح الصدق؛ كما قال تعالى: ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [الأنعام: 115]؛ أي: صدقًا في الأخبار والقصص، وعدلًا في الأحكام؛ أي: إن هذا الذي ذكره الله في شأن عيسى عليه السلام هو القصص الحق، لا ما تقصه كتب النصارى وعقائدهم.

﴿ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ ﴾: لما أكد عز وجل أن ما قصه بشأن عيسى حق نفى أن يكون إله غير الله ردًّا على النصارى في تأليههم لعيسى- عليه السلام.

قوله: ﴿ وَمَا مِنْ ﴾ الواو: عاطفة، و﴿ وَمَا ﴾: نافية، و﴿ من ﴾ زائدة من حيث الإعراب ومؤكدة للنفي من حيث المعنى، للتنصيص والاستغراق في النفي.
﴿ إله ﴾؛ أي: معبود بحق.

﴿ إِلَّا اللَّهُ﴾ «إلا»: أداة حصر، أي: وما من معبود بحق إلا الله تعالى وحده، لا إله غيره، ولا رب سواه، فهو - عز وجل - وحده المألوه المعبود بحق محبةً وتعظيمًا.

﴿ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾: الجملة كسابقتها مؤكَّدة بـ«إنَّ» واللام وضمير الفصل «هو».

و﴿ الْعَزِيزُ﴾: اسم من أسماء الله تعالى يدل على أنه - عز وجل - ذو العزة التامة بأقسامها الثلاثة: عزة القوة، وعزة القهر والغلبة، وعزة الامتناع.

﴿ الْحَكِيمُ﴾: اسم من أسماء الله - عز وجل - يدل على أنه الحاكم ذو الحكم التام بأقسامه الثلاثة: الحكم الكوني، والحكم الشرعي، والحكم الجزائي، ويدل على أنه سبحانه «المحكم» المتقن لكل ما قدَّر وشرع ذو الحكمة البالغة بقسميها: الحكمة الغائية، والحكمة الصورية.

قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ ﴾.

قوله: ﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا ﴾: التولي: الإعراض بالقلوب والأبدان، أي: فإن تولوا وأعرضوا ونكصوا عن المباهلة وعن اتباع الحق.

﴿ فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ﴾؛ أي: فإن الله ذو علم واسع بالمفسدين، أي: فإنما هم مفسدون؛ لأنهم إنما قصدوا المعاندة والمكابرة، ولم يتطلبوا الحق، والله عليم بالمفسدين، وأظهر في موضع الإضمار فلم يقل: «عليم بهم»؛ لوصفهم بالمفسدين وتسجيل ذلك عليهم، وليعم هذا الوصف بالإفساد كل مَن تولَّى عن اتباع الحق، ولإظهار عموم علمه - عز وجل - بجميع المفسدين من هؤلاء وغيرهم، وفى ذلك تحذيرٌ ووعيدٌ وتهديدٌ لمن تولَّى عن الحق.

[1] انظر: «بدائع التفسير» (1/ 500).

[2] أخرجه البخاري في التفسير (4738)، ومسلم في القدر- حجاج آدم وموسى عليهما السلام (2652)، وأبو داود في السنة (4701)، والترمذي في القدر (2134)، وابن ماجه في المقدمة (80)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[3] في «تفسيره» (2/ 40).

[4] أخرجه البخاري في المغازي (4380)، وأخرجه مختصرًا مسلم في فضائل الصحابة (2420)، والترمذي في المناقب (3796)، وابن ماجه في المقدمة (135).

[5] أخرجه أحمد (1/ 248).






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 22-07-2025, 11:33 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,463
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله



فخسِروا الآخرة وما فيها من ألوان النعيم الحسي والمعنوي، وحرموا تكليم الله لهم بما يسرُّهم، ونظره إليهم بعين العطف والرحمة يوم القيامة وتزكيتهم مع ما أعد لهم من العذاب الأليم؛ قال تعالى: ﴿ فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾ [الزمر: 15].

قوله تعالى: ﴿ وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾.

قوله: ﴿ وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ ﴾ معطوف على قوله: ﴿ وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ ﴾؛ أي: وإنَّ من أهل الكتاب (لفريقًا) مُحرِّفون لكتاب الله.

﴿ يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ ﴾: قرأ أبو جعفر: «يُلوُّون» بالتشديد مع ضم الياء؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ ﴾ [المنافقون: 5]، وقرأ الباقون بالتخفيف مع فتح الياء ﴿ يَلْوُونَ ﴾.

و«اللي»: الفتل، ومنه يُقال: لويت يد فلان، أي: فتلتها، ولويت الغريم، إذا مطلته.

وفي الحديث: «مَطلُ الغني ظلمٌ»[9].

والمعنى: يُحرِّفون بألسنتهم الكتاب تحريفًا لفظيًا وتحريفًا معنويًا، كما قال تعالى: ﴿ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ﴾ [النساء: 46]، وقال تعالى: ﴿ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ﴾ [المائدة: 41]، وقال تعالى: ﴿ أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 75].

تحريفًا لفظيًّا بزيادة أو نقصان في حروفه وكلماته، والإتيان بكلام من عندهم ونسبته إلى كتاب الله تعالى، كما فعل ابن صوريا حيث زعم أن حكم الزاني في التوراة أن يحمم وجهه، ونفى أن يكون فيها الرجم[10] إلى غير ذلك من أنواع التبديل والتغيير.

أو بتحريف الكلم بلفظه بالتحريف في الحركات كما حرف المبتدعة قوله تعالى: ﴿ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ﴾ [النساء: 164]، بنصب لفظ الجلالة ليكون التكليم من موسى- عليه السلام- ومن التحريف اللفظي قولهم: «السام عليكم»[11] بدل «السلام» يعنون: الموت لكم.

وتحريفًا معنويًّا بتأويل الكتاب على غير تأويله كما في تأويلهم في كلامهم «راعنا» بجعلها من الرعونة؛ ليسبوا بذلك النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا نهى الله تعالى المؤمنين عن قولها، فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 104]، ومن ذلك تحريف أهل البدع ﴿ استوى ﴾ بمعنى «استولى» ونحو ذلك.

﴿ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ ﴾: اللام للتعليل، والخطاب في ﴿ لِتَحْسَبُوهُ ﴾ للمسلمين، والضمير (الهاء) يعود إلى ما حصل به اللي من الكتاب.

أي: يلوون ألسنتهم بالكتاب بقصد منهم، لتظنوه أيها المسلمون من الكتاب الذي أنزله الله، أي: من «التوراة» أو «الإنجيل»؛ بقصد التلبيس على المسلمين، وتشكيكهم في القرآن الكريم.

وقيل: يحتمل كون اللام للعاقبة، أي: لتكون العاقبة والنهاية أن تظنوه من الكتاب، والأول أولى.

﴿ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ ﴾ الواو: حالية، و«ما»: نافية، أي: والحال أنه ليس من الكتاب، أي: ليس هذا الذي لووا به ألسنتهم من الكتاب، لا من التوراة ولا من الإنجيل، بل هو من ليِّهم وتحريفهم ألفاظ الكتاب ومعانيه بألسنتهم.

﴿ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾؛ أي: ويقول هؤلاء الذين يلوون ألسنتهم بالكتاب، ﴿ هو ﴾ أي: ما لووا به ألسنتهم، ﴿ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾ أي: مُنزَّل من عند الله، فلا يكتفون بِليّ ألسنتهم به؛ ليظن أنه من الكتاب، بل يقولون صراحةً هو من عند الله، وفى هذا تشنيع عليهم.

﴿ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾ أي: والحال أنه ليس من عند الله، أي: ليس هو نازلًا من عند الله تعالى.

وأظهر في مقام الإضمار في الموضعين، فلم يقل في الموضع الأول: «وما هو منه» ولم يقل هنا: «وما هو من عنده»؛ لتأكيد نفي أن يكون ما لووا به ألسنتهم من الكتاب هو من عند الله، والتشنيع عليهم، ولتهويل ما أقدموا عليه، والعناية والاهتمام كما قيل:
لا أرى الموت يسبق الموت شيء
قهر الموت ذا الغنى والفقيرا[12]




وقال الآخر:
وَلما رَأَيْت الشيب لَاحَ بياضه
بمفرق رَأْسِي قلت للشيب مرْحَبَا[13]





﴿ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ﴾: الجملة معطوفة على قوله: ﴿ يَلْوُونَ﴾.
أي: في نسبتهم ذلك إلى الله تعالى تعريضًا وتصريحًا، وجاء التعبير بالمضارع في ﴿ يَلْوُونَ ﴾ و﴿ وَيَقُولُونَ ﴾ للدلالة على التجدد وأن هذا دأبهم، أي: ويفترون على الله الكذب في ليِّ ألسنتهم بالكتاب، ونسبتهم ذلك إلى الله تعالى؛ كما في قولهم: ﴿ لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴾ [آل عمران: 181]، وقولهم: ﴿ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ﴾ [المائدة: 64].

وكما في قولهم: «استراح يوم السبت».

﴿ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾: الجملة حالية، أي: والحال أنهم يعلمون، أي: يعلمون أنهم كاذبون على الله، فهم يكذبون ويفترون على الله عن عمد، وهذا أشد ممن قال الكذب وهو لا يعلم أنه كذب.

قوله تعالى: ﴿ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ ﴾.

بيَّن عز وجل في الآية السابقة كذبَ أهل الكتاب وافتراءهم على الله تعالى ونفى ذلك وأبطله، ثم أتبع ذلك بذكر افترائهم على رسله ونفى ذلك وأبطله ومن ذلك زعم النصارى أن عيسى - عليه السلام - أمرهم بعبادته من دون الله.

عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال أبو رافع القرظي حين اجتمعت الأحبار من اليهود والنصارى من أهل نجران عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى الإسلام: أتريد يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى ابن مريم؟ فقال رجل من أهل نجران نصراني يقال له الرِّبِّيس: أو ذاك تريد منا يا محمد وإليه تدعونا؟ أو كما قال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «معاذ الله أن نعبد غير الله، أو أن نأمر بعبادة غيره، ما بذلك بعثني، ولا بذلك أمرني»، أو كما قال، فأنزل الله - عز وجل - في ذلك من قولهم: ﴿ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ * وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾»[14].

قوله: ﴿ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾.

﴿مَا﴾: نافية، أي: ما كان جائزًا شرعًا وقدرًا لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس هذه المقالة الشركية، أي: أن هذا ممتنع ومستحيل كل الاستحالة.

﴿ لِبَشَرٍ ﴾ أي: ما كان لواحد من البشر، و«البشر» هم بنو آدم، وسُمِّيَ الإنسان بشرًا؛ لأن بشرته ظاهرة ليس عليها شعر ولا صوف ولا وبر ولا ريش ولا زعانف، وقيل: لظهور أثر البشارة عليه إذا أخبر بما يسره، وقيل: لهذا ولهذا.

﴿ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّه الْكِتَابَ ﴾ أي: أن يعطيه الله الكتاب شرعًا وقدرًا، و(أل) في «الكتاب» للجنس، أي: جنس الكتاب، أي: أن ينزل عليه الكتاب.

﴿ وَالْحكْمَ ﴾؛ أي: والحكم الشرعي بين الناس بما أنزل من الكتاب والوحي؛ كما قال تعالى مخاطبًا النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ ﴾ [المائدة: 49].

﴿ وَالنُّبُوَّةَ ﴾؛ أي: الإنباء والإخبار بالوحي، وهي مأخوذة من «النبأ» وهو الخبر، ومن «النَّبْوة» وهى المكان المرتفع، فالأنبياء مُخبَرون من الله ومُخبِرون لأقوامهم، وهم ذوو مكانة رفيعة ومنزلة عالية عند الله وعند المؤمنين.

وهذا يدل على أن المراد بقوله: ﴿ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ ﴾؛ أي أن يعطيه الله الكتاب، وينبأ ويرسل به إلى الناس.

وليس المراد به المرسل إليهم؛ كما في قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 146].

﴿ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ ﴾: معطوف على «يؤتيه».

﴿ ثُمَّ ﴾: عاطفة، أي: ثم بعد ما يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة يقول للناس.

﴿ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾، هذا هو المستحيل والممتنع شرعًا وقدرًا، والذي ينصب عليه النفي، في قوله تعالى: ﴿ مَا كَانَ لِبَشَرٍ ﴾.

ومعنى: ﴿ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ أي: اعبدوني من دون الله، أي: مع الله أو اعبدوني ولا تعبدوا الله.

وكل مَن عَبد غير الله فهو مُشرِك، سواء أفرد هذا المعبود بالعبادة ولم يعبد الله، أو عبد هذا المعبود مع الله؛ لأن مَن عبد مع الله غيره فهو لم يعبد الله؛ لأن عبادته لله مع غيره كلا عبادة، وسواء أشرك مع الله غيره في العبادة، أو في الطاعة، أو فيهما معًا، كما جاء في الحديث القدسي: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه»[15].

وعبادة الأنبياء وإشراكهم مع الله إنما ابتدعها أهل الكفر والشرك من أممهم؛ كما قال الله تعالى: ﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 31].

﴿ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ ﴾ الواو: عاطفة، و«لكن»: حرف استدراك، أي: ولكن يقول: ﴿ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ ﴾؛ أي: كونوا شرعًا.

﴿ رَبَّانِيِّينَ ﴾: جمع «رباني» نسبةً إلى «الرب» - عز وجل - وطاعته، والتربي بشرعه، امتثالًا لأمره، واجتنابًا لنهيه، وتربية الناس على ذلك، وتعليمهم الخير مما يصلح دينهم ودنياهم وأُخراهم؛ كما قال تعالى: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ ﴾ [آل عمران: 146]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [المائدة: 44].

أي: ويحكم بها الربانيون الذين، أطاعوا الله - عز وجل - وتربُّوا على عبادته وطاعته، وعملوا على تربية الناس على ذلك.

فالمعنى: ﴿ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ ﴾ أي: متعبدين للرب - عز وجل - مخلصين له متربين بشرعه ومربين الناس عليه.

﴿ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ ﴾: قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وعاصم ﴿ تُعَلِّمُونَ ﴾ بضم التاء وفتح العين وكسر اللام مع تشديدها، أي: تُعَلِّمون الناس الكتاب، أي: تُفَهِّمونهم معناه، وقرأ الباقون «تَعْلَمون» بفتح التاء وإسكان العين وفتح اللام مع التخفيف، أي: تَعْلَمون بأنفسكم الكتاب، أي: تفهمون معناه.

والباء في قوله: ﴿ بما ﴾: للسببية، و«ما» مصدرية.

والمراد بــ«الكتاب»: التوراة والإنجيل، أي: بسبب كونكم تعلمون الكتاب وتفهمون معانيه وتُعَلِّمونه للناس؛ لأن الذي يُعَلِّم ويُفَهِّم الناس ينبغي أن يكون ربانيًّا يقرن في تعليمه للناس بين التعليم، والتربية على العمل بالعلم، كما كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في سيرته مع أصحابه، وهدي الخلفاء الراشدين من بعده.

عن عمرو بن سلمة - رضي الله عنه - قال: «كنت غلامًا في حِجر النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت يدي تطيش في الصفحة، فأمسك صلى الله عليه وسلم بيدي، وقال: «يا غلام، سَمِّ الله، وكُل بيمينك، وكُل مما يليك»، فما زالت تلك طعمتي بعد»[16].

وعن كلدة بن حنبل - رضي الله عنه - قال: «دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم ولم أُسَلِّم، ولم أستأذن، فقال «ارجع، فقُل: السلام عليكم. أأدخل؟!» فرجعت، فقلت: السلام عليكم. أأدخل؟، فأذن لي»[17].

والجمع بين التعليم والتربية على العمل بالعلم وممارسته وتطبيقه هو المنهج الصحيح في التعليم؛ لأن ثمرة العلم هي العمل به، وما فائدة علم يجمع في الأذهان ولا تظهر ثمرته وأثره على الجوارح والأبدان؟!

ولهذا جاء الوعيد الشديد لمن تعلم القرآن والعلم ولم يعمل به، كما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - في أول من تسعر بهم النار، قال صلى الله عليه وسلم: «ورجل تعلم العلم وعلَّمه، وقرأ القرآن فأتي به فَعرَّفة نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلَّمته وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت ولكنك تعلَّمت العلم ليُقال: عالِم، وقرأت القرآن ليُقال: هو قارئ، فقد قيل. ثم أمر به، فسُحِبَ على وجهه حتى أُلقيَ في النار»[18].
وعالم بعلمه لم يعلمن
معذب من قبل عباد الوثن[19]




وكثير ممن يتولون التعليم في مراحله المختلفة لا تظهر عليهم آثار التربي بالعلم، ولا يربون الناس عليه؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه، وكيف لمن لم يُرَبِّ نفسه بالعلم - إن كان عنده علم- أن يربي الناس عليه؟! وكما قال أحمد شوقي:
وإذا المُعلِّم ساء لحظ بصيرة
جاءت على يده البصائر حولا[20]




ومع أن المؤسسات التعليمية في كثير من البلاد العربية والإسلامية وغيرها تتقمص مُسَمَّى التربية والتعليم إلا أن الملاحظ وجود الانفصام بين التعليم والتربية، فالموجود في كثير من هذه المؤسسات هو التعليم النظري مع ضعف فيه دون التربية، وهذا بلا شك ناقوس الخطر.

﴿ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ ﴾: معطوفة على الجملة قبلها، والباء: سببية، و«ما»: مصدرية، أي: وبسبب كونكم تدرسون الكتاب، أي: تقرؤونه وتتلونه، كما في الحديث: «وما اجتمع قوم في بيتٍ من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشِيتهم الرحمة، وحفَّتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده»[21].

والمعنى: كونوا ربانيين بسبب كونكم تعلمون وتفهمون معانيه، وتُعلِّمونه للناس وبسبب كونكم تَدْرُسون الكتاب وتكررون قراءته وتُدَرِّسونه.

قوله تعالى: ﴿ وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾.

نفى في الآية السابقة أن يكون لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة، فيدعو الناس لعبادته من دون الله، ثم أتبع ذلك بنفي أن يدعوهم إلى اتخاذ الملائكة والنبيين أربابًا؛ لأن هذا وذاك أمر بالكفر.

قوله: ﴿ وَلَا يَأْمُرَكُمْ ﴾: قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة وخلف ويعقوب بنصب الراء ﴿ وَلَا يَأْمُرَكُمْ ﴾ عطفًا على ﴿ يَقُولَ ﴾، و«لا»: زائدة من حيث الإعراب مؤكدة لمعنى النفي في قوله: ﴿ مَا كَانَ لِبَشَرٍ ﴾ وفاعل ﴿ يَأْمُرَكُمْ ﴾: ضمير يعود إلى «بشر»، أي: ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يأمر الناس بأن يكونوا عبادًا له، ويأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابًا.

وقرأ الباقون: «ولا يأمُرُكم» بضم الراء على الاستئناف، وقرأها أبو عمرو على أصله من جواز تسكين الراء والاختلاس: «ولا يأمرْكم».

وضمير الفاعل في «يأمركم» على هاتين القراءتين يجوز أن يعود إلى الله تعالى، ويجوز أن يعود إلى «بشر» في قوله تعالى: ﴿ مَا كَانَ لِبَشَرٍ ﴾.

والمعنى: ما كان له أن يقول: اعبدوني من دون الله، وما كان له أن يأمُركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابًا، أي: إن هذا وهذا مستحيل أن يقوله أو يأمر به من أعطاه الله الكتاب والحكم والنبوة.

﴿ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا ﴾: أي: أن تجعلوا وتصيروا الملائكة والنبيين أربابًا، و«تتخذوا» ينصب مفعولين: الأول هنا: «الملائكة والنبيين»، والثاني: «أربابًا».

و﴿ أَرْبَابًا ﴾: جمع رب، أي: معبودين وآلهة تُعبد من دون الله؛ كما قال تعالى: ﴿ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ [يوسف: 39]، وقال تعالى: ﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 31].

﴿ أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ ﴾: قرأ أبو عمرو: «أيأمرْكم» بتسكين الراء واختلاسها، وقرأ الباقون بضمها ﴿ أَيَأْمُرُكُمْ ﴾.

والاستفهام للإنكار والنفي، أي: لا يمكن أن يأمركم بالكفر بعبادته من دون الله، أو اتخاذ الملائكة والنبيين أربابًا.

﴿ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ أي: بعد أن تقرر وثبت أنكم مسلمون، أي: بعد أن تقرر وثبت إسلامكم، فالله - عز وجل - لا يأمر بذلك وكذا أنبياؤه عليهم السلام؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25]، وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ [النحل: 36]، وقال تعالى: ﴿ وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ ﴾ [الزخرف: 45].

[1] أخرجه أبو داود في البيوع (3535)، والترمذي في البيوع (1264)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وقال الترمذي: «حديث حسن غريب».

[2] أخرجه البخاري في الصوم (1913)، ومسلم في الصيام (1080)، وأبو داود في الصوم (2319)، والنسائي في الصيام (2140)، من حديث عمر رضي الله عنه.

[3] أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء (3329)، من حديث أنس رضي الله عنه.

[4] أخرجه البخاري في الخصومات (2417)، ومسلم في الإيمان (138)، وأبو داود في الأيمان والنذور (3243)، والترمذي في أبواب البيوع (1269)، وابن ماجه في الأحكام (2322)، والواحدي في أسباب النزول ص(72-73).

[5] أخرجه البخاري في البيوع (2088)، وفي التفسير (4276)، والواحدي في أسباب النزول ص(73).

[6] أي: ستره ورحمته.

[7] أخرجه البخاري في المظالم والغصب (2441)، ومسلم في التوبة (2728)، وابن ماجه في المقدمة (183).

[8] أخرجه مسلم في الإيمان (181).

[9] أخرجه البخاري في الحوالات (2287)، ومسلم في المساقاة (1564)، وأبو داود في البيوع (3345)، والنسائي في البيوع (4688)، والترمذي في البيوع (1308)، وابن ماجه في الأحكام (2404 )، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[10] أخرجه البخاري في التفسير (4556)، ومسلم في الحدود (1699)، وأبو داود في الحدود (4446)، وابن ماجه في الحدود (2556 )، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

[11] أخرجه البخاري في الأدب (6024)، ومسلم في السلام (2165)، والترمذي في الاستئذان (2701)، وابن ماجه في الأدب (3698)، من حديث عائشة رضي الله عنها.

[12] البيت لعدي بن زيد؛ انظر: «ديوانه» (ص65).

[13] البيت ليحيى بن زياد؛ انظر: «ديوان الحماسة» (ص784).

[14] أخرجه ابن إسحاق؛ انظر: «السيرة النبوية» لابن هشام (1/554)، وأخرجه الطبري في «جامع البيان» (5/524)، وابن أبي حاتم في «تفسيره» (2/693).

[15] أخرجه مسلم في الزهد والرقائق - من أشرك في عمله غير الله (2985)، وابن ماجه في الزهد (4202)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[16] أخرجه البخاري في الأطعمة (5376)، ومسلم في الأشربة (2022)، وأبو داود في الأطعمة (3777).

[17] أخرجه الترمذي في الاستئذان (2710)، وأخرجه أبو داود مختصرًا في الأدب ( 5176).

[18] أخرجه مسلم في الإمارة (1905)، والنسائي في الجهاد ( 3137).

[19] البيت لابن رسلان؛ انظر: «غاية البيان» (ص4).

[20] انظر: «الشوقيات» (2/76).

[21] أخرجه مسلم في الذكر والدعاء (3699)، وأبو داود في الصلاة (1455)، والترمذي في القراءات (2945)، وابن ماجه في المقدمة (225 )، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 210.64 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 207.50 كيلو بايت... تم توفير 3.13 كيلو بايت...بمعدل (1.49%)]