|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() ذكر ما يعتبر عبادة مما ليس بعبادة من طاعة البشر فيما أمروا به ودعوا إليه أقول: خلاصة القول: أن اليهود والنصارى عبدوا علماءهم وعبادهم، وبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فشفى صدورنا مع عدي بن حاتم رضي الله عنه، إذ قال: ( يحلون لكم الحرام فتحلونه، ويحرمون عليكم الحلال فتحرمونه )، فالآن أيما حاكم من حكام المسلمين عرباً أو عجماً ينصب نفسه هذا المنصب، ويبيح للناس الخمر يقول: اشربوها، هل نطيعه؟ والله إن أطعناه عبدناه، يبيح لهم الزنا يقول: أيش فيه؟ فإن أطاعوه عبدوه وألهوه، يبيح لهم الربا، يقول: الربا حلال! فإن أطاعوه فقد ألهوه وجعلوه إلهاً مع الله، يبيح لهم عقوق الأبوين، يقول: ما هناك حاجة إلى هذه الطاعة العمياء لأب أو أم، أنت حر، فلو أطاعوه في ذلك فقد ألهوه، وهكذا لو قال: لا معنى لهذا الصيام أبداً، فأطعناه فتركنا الصيام الذي فرض الله فقد عبدناه وألهناه! أقول: أما ما كان من غير ما أحل الله ولا حرم من أمور الدنيا كالحرث والزراعة والصناعة والتجارة وما إلى ذلك؛ فهذه إذا نظر الحاكم إلى مصالح الأمة أو المسلمين وقال: اتركوا هذا لما يترتب عليه؛ فهذا أمر واسع وجائز، ما هو بعبادة.الحكيم صلى الله عليه وسلم قال: يحرمون عليكم ما أحل الله لكم فتحرمونه، أو يبيحون لكم ما حرم الله فتبيحونه وتحلونه، هذه مضادة لله أم لا؟ هذا هو الشرك بعينه.فالدعوة الإسلامية الربانية تدعو إلى أن المحلل والمحرم هو الله عز وجل، والمطاع في ذلك هو الله، إذ هو المربي وهو العليم الحكيم.فإن قال لك والدك يا بني: لا تجلس مجالس الباطل والمنكر، فطاعته هنا من طاعة الله عز وجل؛ لأن الله حرم هذا، أبوك ما يرضى لك هذا الفساد، لا تقل: إذاً عبدت أبي! أبداً، إذا قال لك مربيك أو شيخك: يا فلان! لا تستعمل هذا الدخان لأن فيه مضرة ومفسدة، فلا تقل: إن أطعته عبدته وجعلته إلهاً مع الله؛ لأن معلمك أو مربيك رأى أن هذا ضار بك ومفسد لعقلك أو مالك فنهاك عنه! مثلاً: هؤلاء رجال المرور كونهم فعلوا هذه الإشارة الحمراء، وهذه خضراء؛ من أجل مصالح الناس حتى لا يقتل بعضهم بعضاً، وحتى لا يؤذي بعضهم بعضاً، فهل تقول: أنا لا أطيعهم، إذا أطعتهم عبدتهم وأصبحت مشركاً! يأتي هذا الوسواس، يقول: إذاً أنا أتحداهم، أنا لا أعبد إلا الله، لا نطيع رجل المرور! فرجل المرور ما حرم ما أحل الله، ولا أباح ما حرم الله، نعم مأذون لك أن تمشي في هذا الشارع، ولكن إذا وجد شوك يقول لك: لا تمش فيضرك هذا الشوك، أتقول: أنت ألهت نفسك وأصبحت إلهاً؟ لا؛ لأنني منعتك من هذا الضرر الذي يحصل لك.أقول: فلا بد من وعي وبصيرة، والقاعدة التي وضعها الحبيب صلى الله عليه وسلم واضحة كالشمس: ( يا عدي ! أليسوا قد حرموا عليكم ما أحل الله فأطعتموهم؟ أليسوا أباحوا لكم ما حرم الله فأطعتموهم؟ فتلك عبادتهم يا عدي ! )، قال عدي : آمنت بالله. وصلى الله وسلم على رسول الله. مجمل القول فيما تضمنته الآية الكريمة من النهي عن صور الشرك ولنسمع الآية مرة ثانية: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ [آل عمران:64] ما هناك تفوق: نحن أشراف وأنتم وضعاء، أو نحن سادة وأنتم كذا، كلمة سواء، وهي أولاً: ألا نعبد نحن ولا أنتم إلا الله، العبادة التي تعبدنا الله بها لا ننصبها لغيره، لا لعيسى ولا لجبريل ولا لموسى ولا لعزير، لأن الله تعبدنا بهذه الكلمة، أو بهذه الركعة، أو بهذا الأمر والنهي، لا نعبد إلا الله.ثانياً: ولا نشرك به غيره، لأنهم قد يعبدون الله ويشركون، فما هي حال عوام المسلمين وجهالهم؟ يكفرون، يعبدون الله ويشركون معه غيره، والشرك مأخوذ من الشركة، هذا المنزل بيني وبين فلان شركة، كذا أم لا؟ هذه عبادة خاصة بالله، هذا المنزل خاص لفلان، لا شرك له فيه، فما تعبدنا الله به وجعله من عبادته كالذبح والنذر والحلف والركوع والسجود فهذه عبادات شرعها الله، فمن ذبح لغير الله عز وجل تقرباً إليه وتزلفاً أو رجاء أن يحصل له خير أو يحصل له معروف فقد عبد الذي ذبح له كما يذبح لله عز وجل.والذي ينذر كذلك، والعرب كانوا ينذرون للآلهة، ونحن ننذر لله: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ [الإنسان:7] وهو أن يقول: يا رب! علي أن أصوم كذا، أو أتصدق بكذا، أو أبيت الليلة راكعاً ساجداً لك يا رب العالمين! هذا النذر، وهل يجوز أم لا يجوز؟ يجوز، تملق إذاً إلى الله وتزلف، ليقضي حوائجك أيضاً إن شئت من أجل أن يفعل بك خيراً، وإن شئت أن يحبك فإنك تتقرب تقول: لك يا رب أن أصوم ثلاثة أيام من كل شهر، من يمنعك؟ تقرب إلى الله وتزلف إليه.أما أن تنذر لغير الله فقد جعلته إلهاً، لك يا سيدي فلان أن أفعل كذا وكذا. أصبح شريكاً مع الله أم لا؟ تعبدنا الله بالإقسام به والحلف؛ لأنه تعظيم وإجلال وإكبار، فأنت لا تحلف بالله وتحلف بفلان، أشركت هذا المخلوق في عظمة الله وفي عبادته.فلهذا العامة يقولون: والنبي، نقول: حرام، قل: لا إله إلا الله، أشركت بالله، كيف تقول: والنبي؟ هل النبي إله؟ أعوذ بالله! هو عبد الله ورسوله، فكيف تحلف به إذاً وتجعله إلهاً؟ولهذا من تعاليم الحبيب صلى الله عليه وسلم لما شاهد بعض المؤمنين أسلموا من عهد قريب، فيحلفون بالعزى وباللات بدون قصد، فقال: ( من حلف باللات فليقل: لا إله إلا الله ) أي: يكفر ذلك الذنب بكلمة التوحيد، تربية له، فلهذا من جرى على لسانه الحلف بسيده فلان أو برأس فلان أو بكذا مباشرة يقول: لا إله إلا الله فتمحوها، على شرط: ألا يكون متعمداً. إذاً: وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا [آل عمران:64] لا نقول: مستعدون لأن نصلي ونصوم ونحج لله وحده، ولكن لا بأس أن ننذر لغيره، أو نتوسل إلى غيره، فهذا لا يصح بهذه اللفظة من كلام الله: وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا [آل عمران:64].ثالثاً: وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ [آل عمران:64] كلنا عبد الله، الحاكم والمحكوم، العالم والعابد والجاهل، كلهم عبيد الله عز وجل، أما الاحترام والتبجيل والإكبار فلا بأس، لكن ليس تبجيل ولا إكبار عبادة، يقبل بعضنا بعضاً، ولكن لا إلى مستوى العبادة التي هي الذل والانكسار والخشية والرهبة والخوف. معنى قوله تعالى: (فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) ثم قال تعالى: فَإِنْ تَوَلَّوْا [آل عمران:64] عن هذا وأعرضوا فقالوا: ما نسمع هذا، فقل لهم ونادهم: (تعالوا إلى كلمة). (فإن تولوا) أصلها: فإن تتولوا، فإن تولوا عما دعوتهم إليه وأعرضوا عنه فقل إذاً: اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:64] وأنتم إذاً كافرون، ما قالها لكنها معروفة، فإن تولوا عن هذه الدعوة وعن هذه المناظرة وعن هذا اللقاء ورفضوا الحضور فقولوا لهم: اشهدوا بأنا مسلمون وأنتم معروف أنكم كافرون، لكن من آداب القرآن وكمالات كلام الله وهو علاج القلوب والأرواح أنه ما قال: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:64] وأنتم كافرون، فهذه تنفرهم، ما تجعلهم يسمعون، لكن سبحان الله العظيم! هو لازم هذا، يقول أو لا يقول، إن كنا نحن مسلمين إذاً أنتم غير مسلمين؛ لأننا أقبلنا وأنتم رفضتم وأبيتم، رضينا وأبيتم، أقبلنا وأعرضتم. سبحان الله العظيم! أعيد هذا النداء الكريم: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ [آل عمران:64] هي أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ [آل عمران:64] أولاً وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا [آل عمران:64] ثانياً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:64] وأنتم كافرون. ما معنى مسلمون؟ أسلمنا قلوبنا ووجوهنا لله فعبدناه وحده، ولا نشرك به شيئاً، ولا يتخذ المسلم المسلم إلهاً مع الله، لا يطيعه في معصية الله ورسوله، إنما الطاعة في المعروف، أطع أمك، أطع أباك، أطع شيخك، أطع جارك صديقك، أطع إمامك وحاكمك، لكن فيما هو معروف مأذون فيه، لا فيما حرم الله وأوجب الله، فتترك ما أوجب الله أو تفعل ما حرم الله طاعة لأمك أو أبيك أو شيخك أو حاكمك؛ إذ القاعدة التي وضعها الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إنما الطاعة في المعروف ).وأزيدكم: مع هذا الهياج الموجود في العالم العربي من أجل هذه الصحوة ما بلغنا يقيناً أن حاكماً أمر مواطنيه بأن يفجروا، أو يسرقوا، أو يسبوا الله ورسوله، أو يتركوا الصلاة، أو يؤذوا الجيران إلا ما كان من محنة عدن لما ظهر فيها الشيوعية، نعم حاولوا أن يكفروهم، ولكن الله عز وجل أزالهم وأبادهم. نعم وجد في بعض البلاد بعض الحكام انتقدوا الصيام وقالوا: إنه أعاقنا وعطلنا، لكن ما سمعوا لهم ولا أطاعوهم، ولا أكلوا في رمضان، ففشلوا.أما أننا بلغنا أن حاكماً في بلاد العرب قال للمواطنين: أيها المواطنون! دعونا من هذا الصيام، أو دعونا من هذا التزمت، كيف لا يتزوج إلا كذا وكذا، فليتزوج ما شاء، أو قال لهم: كيف هذا الربا؟ افعلوا ما شئتم، يجب أن ترابوا؛ ما كان أبداً فيما علمنا، والله أعلم، ولكن هم الذين تهوروا وسقطوا في المحنة، ما سألوا أهل العلم ولا انقادوا لعلمائهم، ولا استجابوا لهم، ففعلوا ما حرم الله عز وجل. تفسير قوله تعالى: (يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده ...) جاء النداء الثاني: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ [آل عمران:65] وتقولون: كان إبراهيم يهودياً، والنصارى قالوا: إبراهيم كان نصرانياً، مجانين هؤلاء! قال: روي أن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رؤساء اليهود: والله يا محمد لقد علمت أنا أولى الناس بدين إبراهيم منك ومن غيرك، فإنه كان يهودياً، وما بك إلا الحسد فقط، فأنزل الله تعالى هذه الآية: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [آل عمران:67]، والعبرة بالعموم. يقول تعالى: قل لهم: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتْ التَّوْرَاةُ وَالإِنجِيلُ إِلاَّ مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ [آل عمران:65]، فما سميت اليهود يهودية إلا بعدما نزلت التوراة، وما قيل: النصارى إلا بعدما نزل الإنجيل، وإبراهيم كان قبل موسى وكان قبل عيسى، فكيف تجادلون في هذا؟ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ والحجاج: الجدال في قول اليهود: إبراهيم كان يهودياً، والنصارى قالوا: كان إبراهيم نصرانيًا، في الحقيقة النصرانية كاليهودية بدعتان وجدتا بعد إبراهيم بألف سنة، أو أكثر من ألف سنة، كيف يكون هذا؟ هذا كله نتيجة الجهل من عوامهم، قالوا: إبراهيم كان يهودياً على ديننا، والنصارى عوامهم قالوا كذلك، أما الرؤساء فهم يدجلون ويكذبون فقط للفتنة، ولصرف الناس عن الإسلام؛ فأبطل الله هذه الدعوة بهذه الآية الكريمة: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالإِنجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ [آل عمران:65]، والله ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً، إذ على عهده لا يهودية ولا نصرانية، اليهودية بدأت متى؟ لما قالوا: إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ [الأعراف:156] أو من يهوذا، أبدلت الذال دالاً، فاليهودية بدعة ابتدعها اليهود وقالوا: نحن على ملة اليهودية، والنصرانية ما كانت معروفة على عهد إبراهيم أبداً، ما وجدت إلا على عهد عيسى لما قال: مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ [آل عمران:52]، أو من ولادته في الناصرة قرية من قرى فلسطين، بدعة فقط ابتدعها اليهود والنصارى، فقال اليهود: لا، نحن على دين إبراهيم، وإبراهيم كان يهودياً، والنصارى قالوا: نحن على دين إبراهيم؛ لأن النصرانية كانت دين إبراهيم؛ فأبطل الله هذه الدعوة بشيء عجيب: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالإِنجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ [آل عمران:65] فهل بقي لهم كلام؟ ما أنزلت التوراة التي فيها ذكر اليهود، ولا الإنجيل الذي فيه ذكر النصارى إلا بعد إبراهيم بقرون، فكيف إذاً يكون إبراهيم يهودياً أو نصرانياً؟ فلهذا قال: أَفَلا تَعْقِلُونَ [آل عمران:65] أين عقولكم؟ ألا تعقلون؟ وهكذا أسكتهم أيضاً بهذه الحجة: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ [آل عمران:65] ما معنى أنهم حاجوا في إبراهيم؟ قال اليهود: إبراهيم كان يهودياً، وقالت النصارى: إبراهيم كان نصرانياً، ونحن من أتباع إبراهيم وعلى ملته ودينه، فقال تعالى: وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالإِنجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ [آل عمران:65] أي: من بعد إبراهيم بقرون، أَفَلا تَعْقِلُونَ [آل عمران:65]، أين يذهب بعقولكم؟! تفسير قوله تعالى: (ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم ...) ثم قال لهم: هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ [آل عمران:66] الهابطون الساقطون هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ [آل عمران:66] في قضايا التوراة الموجودة فيها وفي الإنجيل، إذاً: فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ [آل عمران:66] حاججتم فيما لكم به علم، التوراة بين أيديكم، قلتم: فيها كذا وكذا، الإنجيل بين أيدي النصارى، قالوا: فيه كذا وكذا، والذي ما هو في التوراة ولا في الإنجيل كيف تحاجون فيه؟ أفلا تعقلون؟ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [آل عمران:66]. تفسير قوله تعالى: (ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً ...) وختم تعالى هذا بقوله: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا [آل عمران:67] والله العظيم! ما كان على ملة اليهود؛ لأنها بدعة أساساً، ما أنزل الله اليهودية ولا النصرانية، ابتدعوها كما ابتدعنا التجانية والقادرية والرحمانية والعيساوية، لما يقول: أنا قادري، هل أنزل الله القادرية في كتابه؟ لما يقول: أنا تجاني، هل التجانية شرعها الله على لسان رسوله؟ بدعة، كذلك اليهودية والنصرانية بدعتان. مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا [آل عمران:67] فقولوا: أسلمنا، قالوا: لا. فلتأكلهم جهنم، إبراهيم كان حنيفاً، أي: موحداً مائلاً عن ملل الشرك كلها والكفر، وكان وحده يقول: لا إله إلا الله، وغيره مشركون هابطون.إذاً: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا [آل عمران:67]، ما معنى الحنف؟ الميل، كان مائلاً عن كل الشرك والكفر إلى الله عز وجل، ومسلماً القلب والوجه لله.وأخيراً هذه البشرى: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا [آل عمران:68]، والحمد لله على أننا من أهلها.وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه. ![]()
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة آل عمران - (20) الحلقة (161) تفسير سورة آل عمران (27) من الأمور الشائعة والعقائد الثابتة عند يهود أن من عداهم من البشر نجس، يحل أكل ماله، وسفك دمه، والنيل من شرفه، وهذه كذبة بيّن الله زيفها ودحضها في كتابه الكريم، وبيّن سبحانه وتعالى أن من أوفى بعهده، ولم يخرج عن طاعة ربه، ولم يظلم عباده، فهو التقي المحبوب إلى ربه سبحانه وتعالى، المستحق لثوابه وجنته. تفسير قوله تعالى: (ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك...) الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلى نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ) حقق اللهم لنا رجاءنا إنك ولينا وولي المؤمنين. وما زلنا مع سورة آل عمران عليهم السلام، وقد انتهى بنا الدرس إلى هذه الآيات الثلاث، تلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ * إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُوْلَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [آل عمران:75-77].سبق ما أخبر به تعالى عن أهل الكتاب، إذ قال: وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ [آل عمران:72] وقد عرفنا ما قالوا وهذه أيضاً أخرى: وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ [آل عمران:75] أي: من اليهود والنصارى مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ [آل عمران:75] يوجد فضلاء كُمل، عقلاء من أهل الكتاب ومن اليهود بالذات من إن تأمنه بقنطار من الذهب، وتجعله في ذمته وتودعه عنده يحفظه، وإذا قلت: رد علي أمانتي ردها بكل ارتياح. وهكذا القرآن وهو كلام العليم الخبير ما يعمم المدح ولا الذم، إذ يوجد من اليهود من أهل الكتاب من لو ائتمنته على قنطار من الذهب ثم طالبته برده إليك رده إليك كاملاً غير منقوص، ومنهم وهي الأكثرية الساحقة من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائماً. لولا أنك تلازمه صباح مساء حيثما يوجد وأنت على رأسه وتقول له: أعطني ما يعطيك، ومنهم الربانيون الصلحاء العلماء العارفون كـعبد الله بن سلام ، لو ائتمنته على قنطار والله ما خانك، ولوفى إليك وأعطاك ما ائتمنته عليه، فهذا إخبار الله تعالى، وليس بإخبار البشر قد يزيدون أو ينقصون، هذا إخبار العليم بخلقه الحكيم في تدبيره. وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ [آل عمران:75] وإن كان اللفظ يشمل اليهود والنصارى لكن هنا المراد بهم اليهود، مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ [آل عمران:75] والقنطار ألف أوقية.ومنهم صنف آخر: وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ [آل عمران:75] والدينار معروف لا يؤده إليك وأنت تلح وتطالب به إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا [آل عمران:75] بمعنى أنك تلازمه حيثما وجد أنت وراءه أعطني رد إلي ما أسلفتك، أعطني ما أقرضتك. هنا لطيفة فقهية من أهل الفقه من يقول: يجوز ملازمة المدين، ولا تفارقه حتى يؤدي إليك دينك، وأغلب المسلمين والفقهاء على أنه لا حاجة إلى هذا، لا تتعب أخاك وترهقه حتى يصبح يختفي بين الناس حتى لا تراه أو يراك، ولا بأس أن يحاكم ويرفع أمره إلى القضاء ويحكم القاضي بما يراه، لكن كونك لا تفارقه، ملازمة ليل نهار فيه عدم احترام لإمام المؤمنين، وعدم تقديرهم. إذ من الجائز أن يكون هذا المدين لا يملك شيئاً، لا يملك ما يؤدي إليك، فأنت تلازمه فتذله وتهينه وتضيق عليه الحياة من أجل دينار أو ألف كرامة المؤمن أعظم من هذا، فالجمهور على أن لا ملازمة، لكن يوجد من أهل العلم من قال: يلازمه حتى يسدد دينه. ونعود إلى حديثنا عن أهل الكتاب، قال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ [آل عمران:75] الأمر الشائع والعقيدة الثابتة عندهم، والسائدة فيهم أن البشرية نجس إلا اليهود وخاصة المشركين، وهم المعنيون بالأميين الذين لا يقرءون ولا يكتبون، فالمتعارف عليه عندهم والمتداول بينهم والمقرر في نفوسهم أن الإنسان نجس إلا أن يتهود. فإذا كان يهودي العقيدة كان نقياً طاهراً لا يحل أكل ماله، ولا إراقة دمه، ولا النيل من شرفه؛ لأنه كامل، فغير اليهود كل أموالهم، اذبح أبناءهم افعل ما تشاء لا إثم عليك، فهذا المعتقد عند اليهود، سنه فيهم وأقره بينهم ودعاهم إلى اعتقاده علماؤهم وأحبارهم، يكذبون على الله عز وجل. وحاشا لله أن يأذن في سفك دماء البشر، وانتهاك أعراضهم وتحطيم كراماتهم، وأكل أموالهم، وهم كلهم عباد الله، فهذه كذبة يهودية شاعت بينهم وتناقلتها الأجيال جيلاً بعد جيل على أن الأميين من العرب وهم المشركون وعامة البشر نجس يصح أكل أموالهم وإراقة دمائهم.واسمع الله تعالى يقول: ذَلِكَ [آل عمران:75] أي: من أنك لو تأمنه على دينار لا يؤده إليك إلا بالملازمة الدائمة، وسبب ذلك قالوا: لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ [آل عمران:75] أي: لا يؤاخذنا الله ولا يعذبنا الله، إذا نحن أذينا المشركين، وأكلنا أموالهم أو فعلنا ما فعلنا في دمائهم وأعراضهم، وقرر هذا المعتقد عند اليهود هم علماؤهم وأحبارهم.قال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا [آل عمران:75] متبجحين لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ [آل عمران:75] في هذه الآية خصوا العرب؛ لأنهم هم الأميون، ولكن ورد أن البشرية بأكملها نجس باستثناء الطائفة اليهودية، يستباح دماؤها وأموالها والعياذ بالله. قال تعالى: وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:75] أي: يعلمون أنهم كاذبون، لا يكذبون على الله باعتقادهم أن الله قال: لا، وهم يعلمون أن الله ما أذن في هذا ولا أباحه، ولكن لمصالحهم الخاصة ومنافعهم التي يعيشون لها يكذبون على الله، فيوهمون أتباعهم وأبناءهم وإخوانهم على أن هذا كلام الله، وأن الله أذن لكم في أن تأكلوا أموال من شئتم من البشر إن تمكنتم منه؛ لأن هؤلاء نجس وأنتم الأطهار فقط. هذا خبر الله عز وجل عنهم: وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:75] أي: يعلمون أنه كذب، ويوجد من غيرهم حتى ممن انتسبوا إلى الإسلام من يعتقدون اعتقادات باطلة كهذه، فيوجد من أهل السنة من يستبيح أموال ودماء وأعراض غير السنيين كالإباضيين والزيديين والطوائف الأخرى، في حين أن هذا لا يقوله ذو علم وبصيرة، ولا يحل مال امرئ إلا بحقه سواء كان يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً أو كان خارج عن مذاهب أهل السنة والجماعة، فأموال الناس ودماؤهم حرام وكلهم عبيد الله. فلا يأذن الله إلا فيما أذن فيه، فإن سرق قطعت يده، وإن قتل يقتل، وإن فجر يرجم، أما أنك تبيح دماء الناس وأعراضهم؛ لأنهم غير مؤمنين أو مسلمين هذا لا يوجد في دين الله، وإن وجد من يقول أو يرى فهو يكذب على الله عز وجل، ويقول على الله الكذب، وقد يكون يعلم، وقد يكون لا يعلم. تفسير قوله تعالى: (بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين...) ثم قال تعالى: بَلَى [آل عمران:76] أي: ليس الأمر كما يزعمون، وكما يدعون ويقولون، مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ [آل عمران:76]، أي: ليس الأمر كهذه الترهات والأباطيل والأكاذيب، يكذبون على الله ويقولون: أذن لنا في أكل أموال الناس، وإراقة دمائهم؛ لأنهم أنجاس أو أخباث أو ليسوا بمؤمنين حاشا لله. مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ [آل عمران:76] مع اليهودي والنصراني، والمشرك والكافر والبار والفاجر، من أوفى بعهده أولاً واتقى ربه، فلم يفسق عن أمره ولم يخرج عن طاعته ولم يضيع ما أوجب، ولم يفرط فيما ألزم الله، وابتعد كل البعد عما حرم الله من قول أو اعتقاد أو عمل، إذ تقوى الله عز وجل لا تتم إلا بفعل ما أمر الله في حدود طاقة الإنسان، واجتناب ما حرم الله. من أوفى بعهده ولم يخن ولم يكذب واتقى الله فليبشر بأنه محبوب لله، فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ [آل عمران:76]، اللهم اجعلنا منهم! فلا يحب كتابياً يهودياً ولا نصرانياً ولا منتسباً إلى الإسلام بغير تقوى، فالقضية قضية وفاء، وعدم غدر وخيانة، ثم تقوى لله عز وجل في السر والعلن، في العسر واليسر، في الشدة والرخاء على حد سواء أولئك أهل محبة الله، وهؤلاء الذين يحبهم الله عز وجل. معاشر المستمعين! كررنا القول في أنك لا تستطيع أن تكون تقياً يحبك الله عز وجل إلا إذا عرفت ما يحب الله وما يكره، لا يمكنك يا بني أن تصبح تقياً من أولياء الله ومحبيه، وأنت لا تعرف ما يحبه الله ولا ما يكره، يتعذر هذا تعذراً كالمستحيل.أقول: ولاية الله تتحقق بمعرفة ما يحب وما يكره، وفعل المحبوب وترك المكروه، فلابد من هذا، فالذي لا يعرف ما يحب الله من الاعتقادات والأقوال والأفعال، ولا ما يكره من ذلك كيف يفعل المحبوب وهو لا يعرفه، كيف يترك المكروه، وهولا يعرفه، ومن هنا عدنا من حيث بدأنا طلب العلم فريضة. طلب العلم الشرعي الحاوي لمحاب الله ومكارهه فريضة كل مؤمن ومؤمنة، وما سقط من سقط، وتورث من تورث، وهوى من هوى إلا للجهل لا علة سوى الجهل.فلابد من العلم أي المعرفة لمحاب الله وما أكثرها، ومعرفة كيف يقدمها تملقاً إليه وتزلفاً وتقرباً، أو عبودية لله عز وجل وذلة ومسكنة، والذي لا يعرف ما يكره الله، وما يسخطه تعالى ويغضبه على عباده مما حرم الله في كتابه أو على لسان رسوله فكيف ستتم له التقوى؟!ولهذا قال بعض أهل العلم تلك الكلمة التي لن ننساها: ما اتخذ الله ولياً جاهلاً إلا علمه، هيهات هيهات أن يرضى الله بك ويحبك وأنت جاهل، فإذا أراد ذلك علمك، ويوجد في نفسك رغبة في طلب العلم، تترك شاتك ترعى وحدها، وتأتي تقرع الباب لتتعلم، ثم إذا علمت الشيء فرحت به وسرك، وانشرح له صدرك وعملت به، ولا تزال تعلم وتعمل، تعلم وتترك حتى تصل مستوى الولاية وتصبح ولي الله. أما جاهل.. فلا يوجد ولي من أولياء الله وهو جاهل، فالجاهل يسرق، والجاهل يكذب، والجاهل يخون، والجاهل لا يفي بوعد، والجاهل يسب، والجاهل يشتم، والجاهل.. الجاهل..؛ لأن ظلمة قلبه هي التي توقعه في هذا لا نور له. ولو عرف المسلمون هذا لما فارقوا طلب العلم حتى الموت، ولكن هذا الذي حصل. تفسير قوله تعالى: (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً...) قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا [آل عمران:77]، وهذا يشمل أهل الكتاب، ويشمل المسلمين، فهذا اللفظ عام.. فالله تعالى يقول متوعداً: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُوْلَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ [آل عمران:77]، أي: لا حظ ولا نصيب أبداً في دار السلام، وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [آل عمران:77] فالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يبين هذا، قال: أخرج أهل السنن وغيرهم عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من حلف على يمين هو فيها فاجر -أي: كاذب خارج عن الآداب واللياقة- ليقتطع بها حق امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان )، وفي رواية أحمد أيضاً وله شواهد في الصحاح، وروى الأئمة عنه صلى الله عليه وسلم قوله: ( من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه -ليس بيده اليمنى، بل بحلفه الكاذب- فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة، فقال له رجل: وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله! قال: وإن كان قضيباً من أراك ).إذاً: فهذه الآية معاشر المؤمنين والمؤمنات! ليست خاصة بأهل الكتاب، فهذا إعلام رباني، فالله الذي يحب العدل وأمر به وفرضه، والله سبحانه وتعالى هو الرحمن الرحيم يحب الرحمة وأهلها، وهو الذي توعد الخارجين عن نظام شرعه ودينه: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا [آل عمران:77]، فلا ثمن كثير في هذه الدنيا، ولو كانت القناطير كلها، ما عندنا ينفد وما عند الله باق. فلا نفهم من هذا الثمن القليل ريال أو عشرة، فكل الأموال هي قليلة لقضاء الله وحكمه، فالذي يبيع عهده ويمينه بثمن قليل لا خلاق له في الآخرة. فعهد الله هو مع كل من قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله قد عاهد الله عز وجل ودخل في عهد بينه وبين الله، ويجب عليه الوفاء بما عاهد الله عليه: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ [النحل:91]. فكل من قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، قد أعطى الله تعالى عهداً وميثاقاً أن يعبد الله وحده ولا يعبد معه سواه، وأن لا يضيع تلك العبادة ولا ينقصها، وهو قادر على إكمالها، وأن تكون من جهة محمد صلى الله عليه وسلم، أي من حيث تعليمه وسنته وبيانه وهدايته، فكل مؤمن قد قطع لله عهداً على نفسه أن يعبد الله بما شرع من طريق رسوله، وأن لا يعبد معه سواه، وأن لا يعترف أيضاً بعبادة غير الله. إذاً: هذا العهد عهد كل مؤمن ومؤمنة: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ [آل عمران:77] أي: الذين عاهدوا الله عليه، فيترك واجباً أو يغشى حراماً، أو يفعل منكراً؛ من أجل الدينار والدرهم يكون قد خان الله في عهده. الأيمان جمع يمين، وهي الحلف، وسميت اليمين يميناً؛ لأن الرجل إذا عاهد يضع يمينه على يمين غيره، فهذا هو العهد وهذه هي اليمين، فسميت اليمين يميناً؛ لأنها كانت باليد اليمنى. يتبع
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة آل عمران - (18) الحلقة (159) تفسير سورة آل عمران (25) كثير من اليهود والنصارى يودون إضلال المسلمين وإهلاكهم، وسنة الله التي لا تتخلف أن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله، وأن عاقبة الشر والفساد تعود على صاحبها في نهاية الأمر، وقد عاب الله على هؤلاء اليهود والنصارى كتمانهم للحق مع معرفتهم له، وإنكارهم لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وهم موقنون أنه النبي الخاتم، وبين سبحانه أن هذا الأمر من طبيعتهم، سواء فيما يتعلق بالرسالة والنبوة أو في غير ذلك. قراءة في تفسير قوله تعالى: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء ...) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات في أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله، فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليالي ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذالكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال -فداه أبي وأمي والعالم أجمع- صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله في من عنده )، حقق اللهم لنا رجاءنا إنك ولينا وولي المؤمنين.الآيات المباركات التي تدارسناها بالأمس نسمع تلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:64]، أي: قولوا -أيها المؤمنون- لأهل الكتاب: اشهدوا بأنا مسلمون. يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالإِنجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ * هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ * مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا [آل عمران:65-68]، فالحمد لله على أننا أولى الناس بإبراهيم من اليهود والنصارى والمشركين، وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:68].درسنا هذه الآيات وتذكرناها، ونعود إلى نتائجها ونراجعها إن شاء الله؛ لنزداد بصيرة في هذه الآيات. هداية الآيات قال المصنف غفر الله لنا وله: [ من هداية الآيات:أولاً: لا يصلح حال البشرية ولا يستقيم أمرها إلا إذا أخذت بمبدأ (الكلمة السواء) وهي: أن تعبد ربها وحده لا تشرك به سواه، وألا يعلو بعضها على بعض تحت أي قانون أو شعار].نعلم يقيناً أنه لا يصلح حالنا ولا يستقيم أمرنا إلا إذا أخذنا بمبدأ (الكلمة السواء) والكلمة السواء هي أن نعبد الله وحده ولا نشرك به سواه، وألا يعلو بعضنا على بعض تحت أي قانون أو شعار، وهذا ما دل عليه قوله تعالى: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ [آل عمران:64]، وهي: أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ [آل عمران:64]، فهناك من الناس من يتخذ بعضهم بعضاً أرباباً من دون الله، كالذي يسجد له، ويركع، ويعظم، ويطاع ويعصى الله فهذه هي عبادته، وهذا ظاهر في أحبار اليهود ورهبان النصارى، ومشى على ظلهم وطريقهم علماء من هذه الأمة، وعلى سبيل التوضيح: علماء الروافض والشيعة، فهم أكثر تقديساً من علماء النصارى واليهود، حسبك أن تفهم أنهم يأخذون خمس أموال أمتهم، والخمس هو ما يساوي (20%)، وإذا أمروهم أو نهوهم، أو علموهم انقادوا وذلوا، واتبعوهم على الباطل.بل ومن أهل السنة والجماعة كرجال التصوف وعلماء التصوف عبدهم الناس عبادة كما يعبد الله، يركعون ويسجدون لهم، وهذا شأن من يخرج عن دائرة الحق، فإنه يسقط، ويخسر ويتمزق، قال صلى الله عليه وسلم: ( المسلمون سواسية كأسنان المشط، يسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد واحدة على من سواهم )، لا يعبد بعضنا بعضاً، فالعالم الذي يحل ما حرم الله أو يحرم ما أحل الله؛ لفوائده وسلطانه ومركزه عُبد من دون الله أصبح رباً يعبد.فهذا عدي بن حاتم الطائي كان قد تنصر في بلاد الشام، ثم دخل في الإسلام: ( فسمع الرسول صلى الله عليه وسلم يقرأ: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ [التوبة:31]، فقال عدي : لا يا رسول الله! ما اتخذناهم أرباباً، فقال: يا عدي ! أليسوا يحلون لكم الحرام فتحلوه؟ قال: بلى، أليسوا يحرمون عليكم الحلال فتحرموه؟ قال: بلى، قال: فتلك عبادتهم ).والقاعدة عندنا: ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، إنما الطاعة في المعروف )، فلو قال لك أبوك: أي بني! احلق لحيتك، فقل له: لا يا أبتاه. ملعون من فعل هذا على لسان رسول الله؛ لأنه تشبه بالنساء. أو قال لك: يا بني! لا تشهد الصلوات صل في بيتك، فقل له: لا يا أبتاه، لا نفارق جماعة المسلمين في بيوت الله. وهكذا لو قال الأمير أو الشيخ أو غيرهم، إلا إذا أحداً منهم أمرك بمعروف فقد وجبت الطاعة، وإن أمرك بمعصية فلا طاعة له، ( إنما الطاعة في المعروف )، لا في المعصية.[ثانياً: حجية التاريخ وبيان الحاجة إليه]، فحجية التاريخ قوية وفاصلة وقاطعة، ونحن بحاجة إلى أن نعرف التاريخ -وإن كنا قد فرطنا في هذا- ودليل ذلك، قال: [إذ رد الله تعالى على أهل الكتاب في دعواهم أن إبراهيم كان على دينهم]، إذ قال تعالى: وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالإِنجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ [آل عمران:65]، فكيف يكون إبراهيم يهودياً واليهودية ما وجدت إلا مع نزول التوراة؟! وكيف يكون إبراهيم نصرانياً والنصرانية ما وجدت إلا مع الإنجيل والزمان بينهم قرون عديدة؟!فأسكتهم الله عز وجل بحجية التاريخ إذ قال: وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالإِنجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ [آل عمران:65]، وقال أيضاً: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [آل عمران:67].قال: [ثالثاً: ذم من يجادل فيما لا علم له به، ولا شأن له فيه]، والذم واللوم والعتاب معروف.ذم من يجادل في شيء لا علم له به، وليس له حق في أن يجادل فيما لا يعلم ولا شأن له به، ولا في شيء ينفعه أو يضره، فلماذا إذاً يقضي الوقت في الجدال؟!لكن إذا كان الجدال لإحقاق حق، أو لإبطال باطل، أو لإظهار خفي، أو لإخفاء ظاهر لمصلحة الدعوة أو لمصلحة المؤمنين، فلا حرج؛ لأن الآية الكريمة حملت هذا المعنى: هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ [آل عمران:66]، فمعناه: إذا كنت على علم وبصيرة في شيء حاجج وجادل وبين، وإذا كنت لا تعلم لا تدخل في جدال قد تتأثر به وتهلك، فجدال لا ينتج لك خيراً ولا يدفع عنك شراً، فلماذا تقضي الوقت في جدال باطل لا معنى له؟فقد ورد في الحديث: ( جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! إن امرأتي ولدت غلاماً أسود وأنا أبيض وهي بيضاء، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: وهل لك من إبل؟ فقال الرجل: نعم، قال: ما لونها؟ قال: حمر، قال: هل فيها من أروق؟ قال: نعم، قال: فمن أين ذلك؟ -ما دامت حمر كيف جاء هذا الجمل أروق؟- قال: لعل عرقاً نزعه -من أصل آبائه وأجداه-، فقال صلى الله عليه وسلم: لعل عرقاً نزع )، وما أمره صلى الله عليه وسلم لا بطلاقها ولا بتهمتها، فهذا الجدال حسن وجائز، فإذا كان على علم، ولفائدة ومصلحة وخير محمود الجدال والحجاج، لكن إذا كان بدون علم، أو كان لغير فائدة فلا ينبغي إضاعة الوقت.قال: [رابعاً: اليهودية كالنصرانية لم تكن دين الله تعالى، وإنما هما بدعتان لا غير]، فكما قلنا: أن التجانية، والقادرية، والرحمانية، والعيسوية، والعمارية، والعيدروسية هي طرائق وبدع، فلم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يعرفها، ولم ينزل بها القرآن، ولم تبينها السنة، فهذه بدع ابتدعوها؛ ليفرقوا كلمة المسلمين. فالقرية الواحدة مفرقة إلى أربع فرق، ففيها التجانية، والقادرية، والرحمانية، والعمارية، آلله أذن بهذا؟!مسلمون نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم، وكتابهم القرآن، إن كان عندك قال الله قال الرسول علمنا، وإن لم يكن عندك فلا تكذب علينا، ولا تقل: كذا وكذا، لا تفرق كلمتنا.[خامساً: المؤمنون بعضهم أولياء بعض -المؤمنون بحق وصدق بعضهم أولياء بعض-، وإن تناءت ديارهم وتباعدت أقطارهم، والله ولي المؤمنين].وتظهر هذه الولاية بالنصرة والحب، فيجب على المؤمن أن ينصر أخاه المؤمن ولا يخذله ولا يهزمه، ويجب عليه أن يحبه ولا يبغضه ولا يكرهه، وهذا هو الولاء والبراء، ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً )، أما أن يبغض المؤمن أخاه، ويهزمه ويخذله، فهذا قطّع هذه الصلة التي قررها الله عز وجل في قوله: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71]، وقال تعالى: وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:68].وهنا فاتحة هذه الآيات: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ [آل عمران:64]، الرسول صلى الله عليه وسلم تمثلها وقام بها وأدى واجبه فيها، إذ كان يراسل ملوك الروم والفرس، من جملة ذلك كتابه إلى هرقل ، وهذا نصه: قال: [ وقد راسل النبي صلى الله عليه وسلم ملوك الروم بمضمون هذه الآية، إذ كتب إلى هرقل قائلاً: ( بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام: أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، وإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين ) أي: الفلاحين.و يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:64] ]، أدى واجبه صلى الله عليه وسلم، وكتب إلى هرقل وإلى غيره. تفسير قوله تعالى: (ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون ...) إذاً: بعد هذه الآيات.. إليكم الآيات الثلاث الآتية: نتلوها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ [آل عمران:69]، فهذا حق وإخبار الله عز وجل، (وَدَّتْ): أي: أحبت حباً كاملاً، (طَائِفَةٌ): لا كل أهل الكتاب. وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ * يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [آل عمران:69-71]، فهذا توبيخ إلهي.والمعنيون بتبليغ هذه الآيات ونقلها إلى المشركين هم المسلمون المؤمنون، أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أدى واجبه، وأما أصحابه صلى الله عليه وسلم وأبناؤهم فقد أدوا واجبهم، وأما أحفادهم فقد بلغوا.ونحن الآن وقفنا عن التبليغ منذ قرون؛ فالكفار هم الذين كبلونا وقيدونا، وهم الذين جهلونا وأفقرونا، وهم الذين فرقونا ومزقونا، فحرموا -زادهم الله حرماناً- أنفسهم بإفسادنا وإضلالنا وتمزيقنا، ولو ما خدعونا وتركونا ننير الحياة والدنيا؛ لدخلوا كلهم في رحمة الله، لكن مكروا فعاد مكرهم عليهم، وإن حرمنا نحن أيضاً، لكن هم السبب وهم الهالكون أولاً.(وَدَّتْ)، أي: أحبت بصدق.(طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ) أي: من اليهود والنصارى، وسموا بـ(أهل الكتاب)؛ لأنهم أصحاب التوراة والإنجيل، فاليهود بين أيدهم وفي رفوفهم ومكاتبهم وعند رءوسهم التوراة، والنصارى أيضاً في مكاتبهم وبيوتهم الإنجيل، فهم أهل كتاب. يتبع
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]() رغبة قادة اليهود والنصارى في إضلال المسلمين وإهلاكهم قال تعالى: وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ [آل عمران:69]، أي: أحبوا لو تمكنوا من إضلالكم؛ لعلمهم أنهم هالكون يريدون أن نهلك معهم، فهم عرفوا أنهم خاسرون، فودوا أن نخسر مثلهم، الحسد حملهم على هذا، فهذا إخبار الحق عز وجل، فلم يقل الله عز وجل: (ود أهل الكتاب)، وإنما قال: (طَائِفَةٌ)، فالآن يوجد في النصارى الملايين لا يعرفون الإسلام ولا يكرهونه ولا يحاربونه، وتوجد طائفة وهي التي تعمل على إضلال المسلمين، وإيقاف نورهم وهدايتهم، وهم رؤساء الكنائس، ومن والاهم من الأغنياء وصافحهم من أهل الأمجاد والحكم، وإلا ملايين من النصارى لا يعرفون شيئاً عن الإسلام.كذلك من اليهود توجد أيضاً أعداد كبيرة لا يعرفون شيئاً إلا التقليد والمشي وراء أئمتهم وهداتهم، ورؤساؤهم هم الذين يمكرون بالمسلمين ويودون لو خرجوا من دينهم.وهناك لفتة كثيراً ما قلناها: اليهود -عليهم لعائن الله- عرفوا حديث أبي القاسم صلى الله عليه وسلم، وبلغهم ودرسوه، وأكثر المسلمين ما سمعوا به، وهو قوله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم وغيره: ( لتقاتلن اليهود )، هنا اللام لام التوكيد وموطئة للقسم، بمعنى: (والله لتقاتلن اليهود)، كيف نقاتلهم وقد شردوا، وقد بددوا وهلكوا؟! فقد قاتلناهم وهزمونا بعد ألف ثلاثمائة سنة، فهذا نبي الله يخبر بهذا الغيب: ( لتقاتلن اليهود ثم لتسلطن عليهم )، هذا البناء للمفعول (لتسلطن)، أي: يسلطنا الله عليهم، لا أمريكا ولا بريطانيا ولا روسيا، وتسليط الله معلوم، لكن معنى آخر: ( لتسلطن عليهم، فتقتلوهم حتى يقول الشجر والحجر يا مسلم! هذا يهودي ورائي فاقتله )، واليهودي مختبئ تحت الشجرة أو الحجر، ينطق الله عز وجل ما لا ينطق، فينطق الله الحجر، ( فقد أنطق الله عز وجل الشجر التي مع ركانة فقد قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعالي فجاءت تزحف، وقال لها: اشهدي، فقالت: أشهد أن لا إله إلا الله محمداً رسول الله ).( يا مسلم! هذا يهودي ورائي فاقتله إلا شجر الغرقد )، اللهم إلا شجر الغرقد؛ فإنه لا يكشف عن اليهود ولا يخبر عنهم؛ لأنه شجر اليهود، فلماذا سمي بقيع الغرقد بهذا الاسم؟ لأن شجر الغرقد كان ينبت فيه بكثرة، والآن لعدم نزول الأمطار فيه وقف هذا الإنبات، الذين جاءوا من فلسطين التي هي تحت اليهود أخبرونا في مجالسنا من ثلاثين سنة أن اليهود يحتفلون بشجر الغرقد ويبجلونه ويجلونه ويعنون به؛ في سقايته وتربيته، كما يعنون بالبرتقال والعنب والتين.إذاً: هذا هو تبيين قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (لتسلطن).أقول: لو أن المسلمين أسلموا قلوبهم ووجوههم لله في يوم ما من الأيام، من الأسباب الظاهرة أن تتخلى أوروبا وأمريكا عن اليهود اقتلوهم، فيحصل لهم ما حصل لهم على يد النازية تحت إمارة هتلر ، الأحداث لا يعرفون عن هتلر ، ولا النازية ولا ألمانيا، لكن الشيوخ عرفوا هذا، فقد اكتشفت ألمانيا حينذاك مؤامرة يهودية في بلادها، فأمرت بقتل اليهود، فقتلوهم وذبحوهم وأحرقوهم، حتى اليهود الذين في شمال أفريقيا وخارج ألمانيا أصبحوا أذلاء يرتعدون، قتلوا منهم عشرات الآلاف، وألمانيا في وسط أوروبا، سحر اليهود لبريطانيا وفرنسا وأمريكا ما نفع؛ لأن الله أراد.فمن هنا قلت مئات المرات: لو أن المسلمين صدقوا الله، ودخلوا في الإسلام بحق سيوجد الله عز وجل مؤامرة يهودية في أمريكا لنسفها وتمزيقها، أو مؤامرة ضد بريطانيا، يكتشفونها يريدون إحراق بريطانيا، والله ليقولون للمسلمين: اقتلوهم وعجلوا، ونكون قد سلطنا عليهم.لكن ما دمنا غير المسلمين بحق ولم يحن الوقت.. الحجر والشجر ما يكذبان وهما آية من آيات الله، فكثير من جيوش العرب والمسلمين ما يصدق عليهم يا مسلم، وهو ما أسلم لله لا قلبه ولا وجهه.إذاً: اليهود عرفوا أن الطريق للإبقاء عليهم أن يفسق المسلمون ويفجروا؛ حتى لا تتحقق لهم ولاية الله، فأخذوا ينشرون ضروب الفسق والفجور في العالم الإسلامي، من الربا، إلى الزنا، إلى الحشيش، إلى الباطل، إلى ترك الصلاة، إلى الكفر بالله، إلى السب، إلى التمزيق؛ حتى لا توجد لهم ولاية ربانية ليصبح الشجر يناديهم: ( يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله )، فالمسلمون ما عرفوا هذا، ولا واحد في المليون، واليهود عرفوا هذا، فهم الذين بوسائط الإعلام، والعجائب، و.. و.. ينشرون الدعارة والفسق والفجور والباطل في العالم بأسره؛ لأنهم أعداء البشرية كلها، وليسوا أعداءً للعرب والمسلمين فقط، والمفروض أن العرب هم الذين يفيقون؛ لأنهم أمناء على هذه الدعوة والرسالة، لكن سحروهم، خبطوا فيه.فمقاتلتنا لليهود وتسليطنا عليهم تكون عندما تتحقق ولاية الله لنا، ويصبح الله يحبنا ونحبه.. يأمر فنمتثل، وينهى فنمتثل، يومها يتحقق هذا بإذن الله -إذ لابد وأن يقع- فوالله ليقعن! ( ليقاتلن المسلمون اليهود في يوم ما حتى يقول: الشجر والحجر يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله )، فلو أن إخواننا الفلسطينيين تجمعوا في غزة أو في أريحا أو في القدس، وتربوا زمناً وتحققت ولاية الله لهم لتحقق لهم النصر على اليهود في داخل في فلسطين.أما ونحن كما تعرفون لا ولاية بيننا وبين الله.. حاربنا الله.. خرجنا عن طاعته، فسقنا عن أمره، ما التزمنا بشرعه ولا مبادئه ولا دينه، فكيف يتحقق لنا هذا؟! من باب المستحيل، إن لله سنناً لا تتبدل، فالطعام يشبع والماء يروي، والحديد يقطع والنار تحرق، فلن تتبدل سنن الله عز وجل. إذاً: سنة الله في العباد من والاه نصره وأيده، من عاداه أذله وخذله، فكيف تغير أنت سنة الله؟! فيجب الإبلاغ حتى تنتشر دعوة الله، ويعم الوعي والبصيرة. عاقبة الشر والفساد يقول تعالى: وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ [آل عمران:69]، (يُضِلُّونَكُمْ)؟ أي: يبعدونكم عن الحق، وعن التوحيد وعن عبادة الله، وعن الإسلام وأنواره؛ لتصبحوا مشركين خرافيين ضلال مثلهم.والله يقول: وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ [آل عمران:69]، يا يهود! يا نصارى! يا من يعملون الليل والنهار على إضلالنا! اعلموا أنكم لا تضلون إلا أنفسكم، أنتم الذين تخسرون، فقد خسروا الإسلام وأنواره.. خسروا عدله ورحمته، فلو أنهم ما أضلوا المسلمين لعمهم نور الله عز وجل، ولدخلوا جنة الله، ولكن وجزاء السيئة سيئة مثلها، في الظاهر يضلون المسلمين والواقع يضلون أنفسهم، ليخسروا ويتمزقوا، وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ [آل عمران:69]، أي: ليس عندهم إحساس ولا فهم ولا وعي ولا شعور، فلو شعروا لعرفوا أنهم بإضلال المسلمين أضلوا أنفسهم؛ لكفوا عن إضلال المسلمين، ولانتصر الإسلام ودخلوا في أنواره ورحمته، ولكن ما يشعرون، غمرتهم شهوة الدنيا، وطلب ملاذها وفتنتها والتكبر فيها والتعالي على الناس. فصدق الله العظيم. تفسير قوله تعالى: (لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون) وناداهم وهو الرحمن الرحيم، يا أهل الكتاب! يا أهل التوراة والإنجيل! لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ [آل عمران:70] أنها حق. وهنا المراد من آيات الله التي يكفرونها هي آيات التوراة والإنجيل التي فيها صفات النبي الأمي ونعوته بنعت الله، يقرءونها ويعرفون أن هذه صفات النبي الأمي محمد صلى الله عليه وسلم، ويغطوها ويجحدوها ويؤولونها، ويقولون: ما زال هذا هو الشخص ما خرج بعد، إذا جادلهم من إخوانهم، يقولون: لا لا لا.. هذه لا تنطبق عليه، هذه سيأتي صاحبها، ومن قرأ الإنجيل والتوراة وقف على هذه الصفات. لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ [آل عمران:70]، أي: الآيات الدالة على نبوة محمد ورسالته، وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ [آل عمران:70]، فأي توبيخ أعظم من هذا؟ وأي تقريع أشد من هذا التقريع؟ ولا نقول: أنهم أعرضوا عنه، فقد وجد ربانيون علماء من اليهود والنصارى ملئوا الدنيا أنواراً وطهراً وصفاءً. تفسير قوله تعالى: (يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون ...) ثم قال الله عز وجل: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ [آل عمران:71]، فإلباس الحق ثوب الباطل يكون باطل، والباطل يلبسونه ثوب الحق وظهر كأنه حق، وهذا هو إعلام اليوم الذي يديره اليهود في صحفهم ومجلاتهم وإذاعاتهم وقنواتهم وهذا هو الواقع.فلماذا تشتري خمس مجلات وخمس جرائد وتقضي أربع ساعات وأنت تقرأ في الهراء؟!اقرأ سورة البقرة، نور بها بيتك، وحلِّ بها قلبك، وبناتك وأهلك، بدل أن تقضي ساعتين في الجرائد، ساعة واحدة في البقرة أو ساعتين، فإن قيل: لم؟ قل: نعم، أنا مسلم، أنا أريد أن أنزل دار السلام، تتطلب مني جهداً كبيراً، وبذلك نخيب مسعاهم.أبشركم: أن ذاك صاحب الدش الذي نددنا به قد أزاله.فالحمد لله، بعد ما صرخنا وبكينا وقلنا: والله الكتاب الذي كتبته له لو كتبته إلى يهودي يشفع، وأبطل هذا الدش من سطحه؛ لأنه مقابل المسجد النبوي يتحدى رسول الله والمؤمنين، وبعد كذا شهر الآن أزاله.اسمع يا جامد! يا رجعي! يا متخلف! ما الذي يضر هذا الدش وأنت تندد به؟أنا أقول: يا عم! يا ولدي! هيا ندرس القضية، دلني على النتائج المباركة والطيبة التي تحصل عليها من دشك؟نبدأ بالمال فهو كل شيء، كم ريال ينتجه لك في الليلة؟ أو في الشهر؟الجواب: ولا قرش واحد.ثانياً: ما هي معارفك وعلومك الإلهية التي تسمو بها وترتفع وتتنزه عن النقائص والحفلات والأوساخ والعثرات؟والله ولا شيء، والله ولا فائدة.والجانب الثاني:أولاً: أنت كأنك تنشر الخبث بين أولادك أو أهلك، أحببت أم كرهت، لقد قلت لكم: إن مؤمنة تتصل بي بالهاتف، وتقول: ماذا نصنع؛ ابني يفعل الفاحشة بأخته. فمن أين تعلم هذا؟ فلم يكن يعرف هذا بين البشر لا في اليهود ولا في النصارى، لكن هذه المناظر التي تعرض عليهم ويشاهدونها، يجربونها ويعملونها.يقول: يا شيخ! ما نصنع ابني يفعل الفاحشة مع أخيه؟ كيف تم هذا؟! أليس له سبب؟المشاهدة لتلك الأوضاع الهابطة التي تعرض في الشرق والغرب، ونتلقاها في بيوت الإيمان، والإسلام.أنا أقول واسمحوا لي: والله! لو أن مؤمناً حاضراً معنا وعنده دش ما تركه إلى غدٍ، اللهم إلا إذا كان مكره بالرشاش ومهدد بالسجن، وهذا والله لا وجود له، لا في الشرق ولا في الغرب، أو كان راتبه موقف، أنا أسرتي تعيش على هذا، كيف نصنع؟ نقول: اللهم فرج عنه، مسكين، مضطر، لكن هل هذا حاصل في دش في العالم؟ لا في بلاد الإسلام، ولا في بلاد الكفر.إذاً: لم يبقى هذا؟ لأن القلوب تعلقت بالباطل وانقطعت صلتها عن الحق، فأصابها الذي أصابها، وليبكِ التجار، الشيخ عطل علينا تجارتنا، ما أصبح من يشتري دش؛ الحمد لله وإن متم جوعاً خير لكم ألف مرة من أن تفسدوا جيرانكم وبلادكم ودولتكم. حرمة كتمان الحق في الشهادة قال تعالى: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [آل عمران:71]، أنه حق، الجواب يا مسلم: لأننا نحافظ على مركزنا، وعلى وجودنا وعلى آمالنا في إيجاد دولتنا؛ لأننا نحافظ على أن يبقى الشعب يقدسنا ويكبرنا ويجلنا، فإذا قلنا: هذا باطل، أصبحنا كالفقراء والمساكين. إذاً: بعتم دنياكم بآخرتكم، لأن تموتوا فقراء خير من أن تحيوا أغنياء والله ساخط عليكم وغاضب لا يريدكم ولا يرضاكم، الدنيا كلها ساعة والآخرة لا حد لها ولا نهاية، لئن يعيش العبد خمسين أو ستين سنة مريضاً على الأرض، فقيراً لا يجد طعام، لا بأس إذا مات وهو من أهل الإيمان وولاية الرحمن، ينتقل إلى سعادة أبدية لا تنهي، أما سعادة مؤقتة وما هي كاملة، فيها المرض، فيها الهرم، فيها الخوف، فيها كذا.. ما قيمتها؟ وتنتهي بعذاب أبدي لا ينتهي، فأين العقول؟ فهذا الرحمن جل وعز يخاطبهم علهم يرجعون: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ * يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [آل عمران:70-71]. قراءة في كتاب أيسر التفاسير هداية الآيات قال: [ هداية الآيات] هذه الآيات الثلاث[ من هداية الآيات: أولاً: بيان رغبة كثير من اليهود والنصارى في إضلال المسلمين وإهلاكهم.ثانياً: عاقبة الشر والفساد تعود على صاحبها في نهاية الأمر ]. قاعدة مسلَّم بها: عاقبة الشر والفساد ترجع على صاحبها في نهاية الأمر، كل من أراد بالمؤمنين ولو بمؤمن سوءً يعود عليه في النهاية، كل من أراد بالمؤمنين أو مؤمن شراً، والله ليعود عليه؛ لأن الله ولي ذلك المؤمن، وهذا الخبيث لا ولاية له بينه وبين الله، فيرد البلاء عليه في النهاية هو الخاسر؛ دل على هذا قوله تعالى: وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ [آل عمران:69].[ثالثاً: قبح من يكتم الحق وهو يعرفه ]، علماء اليهود، علماء النصارى، علماء الروافض، علماء أهل الباطل يعرفون ويكتمون؛ لمصلحة الإبقاء على مركزهم؛ لأنه ما ترقى وأصبح شيخاً إلا بعد العلم، فالذي يعلم الباطل يعرف الحق، ولكن المحافظة على الوجود الهاوي الباطل.[ رابعاً: حرمة التدليس والتلبيس في كل شيء ]، حتى في البضاعة، فقد مر الرسول صلى الله عليه وسلم بأحد البائعين فوجد كيس الشعير، فشعر عليه الصلاة والسلام أن باطن الكيس فيه البلل، فأدخل الرسول صلى الله عليه وسلم يده في الكيس، فاستخرج الشعير المبتلة، فقال: ( يا صاحب الطعام! لم ما جعلت هذا أعلاه وهذا أسفله؟ من غشنا فليس منا )، فنحن لا ندلس ولا نلبس، نظهر الحق كما هو حق.فمثلاً: إذا خطبوا ابنتك وهي مصابة بمرض، فقل: إنها مريضة. أو مثلاً: ساومك في سيارتك، قل: بها علة اعرضها على المهندس. خطب ابنك ابنة فلان، فقل لوالد البنت: يا سيد! ابني لا يصلي فلا تزوجه. فلا تلبيس ولا تدليس بين المسلمين أبداً وحرام هذا وليس من شأنهم.[خامساً: حرمة كتمان الحق في الشهادة وغيرها]، لا يحل لمؤمن أن يشهد بالباطل وأن يجحد حق ويكتمه، فهذا شأن أولياء الله، حقق اللهم لنا هذا، وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم. ![]()
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة آل عمران - (19) الحلقة (160) تفسير سورة آل عمران (26) لما أن نزل النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من المهاجرين المدينة، ثقل ذلك على اليهود، فقاموا يروجون لقضايا وشبهات بين المسلمين، كقولهم: إن النبي خالف دينهم وهو يصلي إلى قبلتهم، فلما تحولت القبلة من بيت المقدس إلى البيت الحرام، أنكروا ذلك وقالوا: إن محمداً لا يستقر على قبلة، ثم تواطئوا بينهم على الإيمان أول النهار والكفر آخره لعل ذلك يحمل المسلمين على ترك دينهم والعودة إلى الوثنية. مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة آل عمران الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله، فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليالي ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذالكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال -فداه أبي وأمي- صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، حقق اللهم لنا رجاءنا إنك ولينا وولي المؤمنين!وها نحن في سورة آل عمران، وما زلنا مع الآيات التي نزلت بسبب وفد نجران، وهم نصارى جاءوا من نجران، من جنوب البلاد يجادلون رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن عيسى.والآيات التي درسناها بالأمس، وهي ثلاث آيات نعيد تلاوتها؛ لنتذكر النور الذي أضفاه علينا بها، تلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ [آل عمران:69]، وهذه الطائفة هي: رؤساء اليهود والنصارى.. علماؤهم وأحبارهم، يحافظون على العوام؛ للإبقاء على سلطتهم، وعلى منزلتهم بينهم، وعلى ما يكتسبونه من أموال منهم، عرفوا الحق وجحدوه؛ للحفاظ على متاع الدنيا وحطامها، فلنحذر نحن المسلمين أن يوجد بيننا هذا النوع. وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ [آل عمران:69]، (أهل الكتاب) أي: اليهود والنصارى، ودوا وأحبوا: لَوْ يُضِلُّونَكُمْ [آل عمران:69]، فأنتم الآن على هداية الطريق الموصل إلى السعادة والكمال، وهم منحرفون ضالون يريدون أن يخرجوا بنا عن الصراط المستقيم إلى هاوية الضلال والكفر والشر والفساد، ولا يستطيع ابن امرأة أن ينكر هذا، إلا أن يكون أحمق أو جاهلاً؛ لأن هذا إخبار غارز الغرائز وطابع الطبائع وعلام الغيوب، العليم بذات الصدور، إلا أن الواقع معروف، لا ينكره ذو عقل، فإلى الآن اليهود والنصارى طوائف منهم يعملون على إضلالنا بشتى الوسائل والحيل، وحسبنا ما ينشره اليهود من الدعارة والخلاعة والسفور والفجور وأندية اللواط، وأندية القمار والربا، وما إلى ذلك في العالم فواضح كالشمس. وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ [آل عمران:69]، يضلون أنفسهم، إذ أبعدوها عن طريق الكمال والسعادة في الدنيا والآخرة، ولوثوا أنفسهم وخبثوها وعرضوها لغضب الله وسخطه، ثم بالتالي إلى عذابه الدائم الذي لا ينتهي. قال تعالى: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ [آل عمران:70]، أي: لم تكذبون بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ [آل عمران:70]، فهذا تقريع وتوبيخ وتأديب من الله عز وجل لليهود والنصارى. يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ [آل عمران:70]؛ أي: تشهدون أن هذه الآيات هي الحق من الله، كفروا وكذبوا بالقرآن، وبكل ما فيه من الشرائع والأحكام، وكذبوا وأنكروا ما في التوراة والإنجيل من نعوت نبي الأمة، وخاتم أنبياء الله ورسله.فنعوت الرسول صلى الله عليه وسلم وصفاته في التوراة والإنجيل واضحة كالشمس، ودالة على خاتم الأنبياء أحمد صلى الله عليه وسلم، وهاهي كلمة عيسى: وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [الصف:6]، فلم تكذبون يا يهود ويا نصارى بهذه الصفات وهذه النعوت؟! حتى تحرموا أتباعكم من رحمة الله، حتى تمنعوا أتباعكم من الدخول في الإسلام؛ لينجوا من سخط الله وعذابه، ليكملوا ويسعدوا في الدارين، فهؤلاء يستحقون كل هذا التوبيخ.والاستفهام هنا بـ(لِمَ) للتوبيخ، يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ [آل عمران:70] أنها الحق والصدق.وهذا خاصة ما قدمنا بطوائف الأحبار والرهبان، كما فعل رجالات التصوف عندنا، يحرمون العوام من العقيدة السلفية، والدخول في رحمة الله، ويلزمونهم بالبقاء معهم.فمثلاً: إذا سألت أحداً: من شيخك يا بني؟ يقول: سيدي عبد القادر . عبد القادر هو شيخك؟! أين تسكن؟ في نيجيريا.. في المغرب. كم كيلو متر، كم ميلاً من المغرب إلى بغداد؟ عشرة آلاف كيلو. أنت في أي قرن تعيش؟ في ألف وأربعمائة. وعبد القادر متى كان؟ يقول: كان في القرن السادس.فتقول له: كيف أصبح شيخك وأنت لا جلست بين يديه، ولا تعلمت عنه، ولا وجهك، ولا رباك، ولا هداك؟ سيقول: شيخي عبد القادر ، حتى لا يجلس أحدهم عند شيخ آخر.من شيخك؟ قال: سيدي أحمد التجاني. هل عرفته أو عاشرته، أو جلست بين يديه؟ كيف أصبح شيخك؟!يربطونه بأن شيخه فلان؛ حتى لا يجلس في حلقة علم، ولا يجلس مع طلبة علم ولا.. أنا شيخي فلان وكفى!وهكذا ربطوهم بمشايخ لا وجود لهم، مضوا قبلهم بقرون؛ ليبقوا مسخرين لأولئك الذين يسمون بالشاوش وبالقائد.قال تعالى: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ [آل عمران:70] والجملة حالية. أي: لم تلبسون الحق ثوب الباطل حتى تستروا الحق وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [آل عمران:71]. وهذا توبيخ أيضاً، فلم يحملهم على كتمان الحق الجهل بل هم عارفون وما حملهم على كتمان الحق إلا الحفاظ على مراكزهم ومناصبهم وعلى السمعة، وعلى وجود من يخدمهم. قراءة في تفسير قوله تعالى: (ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم ...) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير هداية الآيات قال: [ هداية الآيات]: هذه الآيات الثلاث كانت موضوع درسنا بالأمس ولها هدايات نستعرضها [ من هداية الآيات:أولاً: بيان رغبة كثير من اليهود والنصارى في إضلال المسلمين وإهلاكهم ]. فهذه الآية بينت لنا رغبة كثير من اليهود والنصارى في إضلال المسلمين، وإخراجهم عن جادة الحق والصراط السوي؛ ليهلكوا معهم، ولئلا ينشروا الإسلام بينهم وتسقط مكانتهم ويهبط مستواهم، دل على هذه الهداية قوله تعالى: وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ [آل عمران:69] .[ ثانياً: عاقبة الشر والفساد تعود على صاحبها في نهاية الأمر ]. يا فاعل الشر! يا فاعل الفساد! أنت تفعل، نهاية الأمر يعود فسادك عليك وشرك عليك في النهاية؛ دل على هذا قوله تعالى: وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ [آل عمران:69]، ما يشعرون؛ لأن إحساسهم تبلد، الرغبة في المنصب والطعام والشراب والنكاح و.. و.. أشغلتهم وأنستهم حتى وجودهم.[ ثالثاً: قبح من يكتم الحق وهو يعرفه ]. يا ويح! يا ويل! من يكتم الحق وهو يعرفه.مثلاً: يا سيد! أنا أريد قباء من أين الطريق؟ فيقول: لا أعرف وهو يعرف، فهذا يكون قد كتم الحق.تسأله: يا فلان! أين المسجد؟ فيقول: لا أدري وهو يعرف أين هو فهذا أيضاً كتم للحق.تسأله: يا سيد! هل يجوز لي أن أكذب بعض الكذبات لجاجتي؟ فيقول: لا أدري. كذلك كتم الحق. لم لا يقول: لا يجوز لك أن تكذب؟!يا سيد! عندنا فيديو في البيت نستأنس به، ونروح على أنفسنا، هل يجوز؟يقول: لا أدري. فهذا كذلك كتم الحق، فلو قال: لا يجوز، يفتنكم، يفسد قلوبكم، يدفعكم إلى الشر والباطل ما كتم.فهذه أمثلة.. ومن عرف الحق يجب ألا يكتمه، إلا إذا خاف، تفصل هذه.[ رابعاً: حرمة التدليس والتلبيس في كل شيء ]، فالذي يخلط سمن الغنم بسمن الشجر ويبيع يكون قد دلس، والذي يخلط الحليب بالماء يكون قد دلس أيضاً.مثلاً: عندنا خياط في شارع العينية، يقول: هذه خياطة سوق، وهذه خياطة ذمة. كيف يكون هذا؟ بل يجب عليك أن تخيط كل الثياب بإتقان بحسب قدرتك، ولا تقل: هذه خياطة سوق، وهذه خياطة ذمة، فلا يجوز هذا، فمن التدليس أن تكون الخياطة للسوق غير ما تكون للزبون. وقد ذكرنا البارحة قصة بائع الطعام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد شك الرسول صلى الله عليه وسلم بكيس الطعام، فأدخل يده فأخرج الشعير مبتلاً، فقال لصاحب الطعام: ( لم ما تجعل هذا فوق حتى يعرف؟ من عش فليس منا ).الآن يقولون: يوجد غش في السيارات.. يعرف أن قلبها مريض، وأن عينها عمياء، فيقول: هذه هي، اشتر كما هي. لا. بل قل لي ما فيها من عيب أو ننقلها إلى الطبيب كاشف العيوب فنقول له: افحصها، فإن قال بها العيب الفلاني الفلاني فأنت حر اشتريها أو خفضت لك من القيمة، أما إذا أشتريها وهي مموهة مطلية ويكتشف أن فيها عيوب فيبدأ يلعن صاحبها، فهذا لا يجوز حتى مع اليهود أعداء الدنيا ( من غش ليس منا )، فلا نرضى به محمدياً مؤمناً.فالذين يغشون ما عرفوا وما عملوا، فكل شر وكل خبث، وكل فساد، وكل ظلم يحدث بين المسلمين علته الجهل، ما ربيناهم، ما هذبناهم، ما علمناهم، فنشئوا على الضلال والجهل والعمى فهم يفتكون بالحياة ويدمرونها ونحن نلومهم.. وإلى الآن ما تفطنا أبداً، وما ربينا أولادنا، ولا بناتنا ولا أنفسنا.هذه الحلقة في المسجد النبوي، فالمدينة سكانها أكثر من مائتي ألف، والذين يتعلمون الهدى واحد في الألف.فكيف يتعلمون هؤلاء الجهلة وهم الآن مع الفيديو مع التلفاز، ومع المجلة، ومع الأغنية، ومع الصاحب، ومع الأضاحيك، وإن كان يأتي يصلي ويخرج ما ينتفع، ما يكمل، واقرءوا إن شئتم: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ [الجمعة:2]، هو، وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [الجمعة:2].حتى إن بعض الصحابة كانوا يتبادلون الوقت.. عمر كان يفعل هذا، وإلا كيف زكت أنفسهم وطابت أرواحهم، وتفقهوا في دين الله، وأصبحوا أئمة البشر؟ فهم درسوا وتخرجوا من حلق الذكر بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأبنائهم.فالآن -مع الأسف- طلبة المدارس فيهم شياطين -اسمحوا لي ما قلت أنا- آباؤهم يقولون هذا، فأين التربية؟ احضره إلى المسجد ليجلس في بيت الله أربعين يوماً ويمسح ذاك الظلام من نفسه.قال وأخيراً: [ حرمة كتمان الحق في الشهادة وغيرها ]، سواء كان: اشهد على كذا.. فلا تكتم الحق وصرح به، أو في غير الشهادة؛ دل على هذا قوله عز وجل: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [آل عمران:71] أنه حق، فهذا الذي هذب المؤمنين والمؤمنات من تلاميذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجاله، فوالله! ما عرفت الدنيا منذ أن كانت أمة أطهر ولا أصفى ولا أكمل ولا أعز ولا أكرم من تلك الجماعة التي عاشت على منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم وتربيته، لم تكتحل عين الوجود بمثلها، ما سبب ذلك؟ لم يكن الغنى، بل عاشوا فقراء.. فقد كان أبو هريرة رضي الله عنه يحمل الكيس على ظهره، وقد كان عمر رضي الله عنه وهو أمير المؤمنين يحمل اللحم في طرف ثوبه من السوق. يتبع
__________________
|
#6
|
||||
|
||||
![]() تفسير قوله تعالى: (وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره ...) إذاً: وإلى الآيات الثلاث الآتية، وهي فوق مستوانا، لكن نحاول أن ينير الله قلوبنا بها.يقول تعالى: وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [آل عمران:72]، (وجه النهار) أي: من وقت صلاة الصبح حتى الساعة التاسعة أو العاشرة من النهار. وَاكْفُرُوا آخِرَهُ [آل عمران:72]، أي: وقت صلاة المغرب أو العصر. وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ [آل عمران:73]، هذا كلامهم لبعضهم البعض لا علاقة لنا به. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ [آل عمران:72]، أي: قالوا لبعضهم البعض وهم رؤساء اليهود في خيبر والمدينة، آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [آل عمران:72]، أي: يرجعون إلى دينكم.. إلى الوثنية والشرك؛ لعلهم يخرجون من الإسلام لماذا؟ أولاً: هذه الآية أدت غرضين صحيحين:الأول: لما تحولت القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، إذ صلى النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون والمؤمنات في المدينة إلى بيت المقدس غرب المدينة سبعة عشر شهراً، وكان النبي صلى الله عليه وسلم في مكة يصلي بين الركنين اليمانيين، يجعل القبلة غرب، فلما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لو يستقبل الكعبة لكان خيراً له، من أجل أن يفارق اليهود؛ لأن اليهود أصبحوا يتبجحون يكذبنا ويكفرنا ويصلي إلى قبلتنا، سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [البقرة:142].الشاهد: أنها وقعت ضجت في المدينة ليست بالهينة، وهي: كيف يصلي إلى قبلتنا ولا يؤمن بديننا؟ ما إن حول الله تعالى القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة حتى ازدادت الفتنة، وأصبح اللغط والكلام حتى قالوا: وغداً يستقبل قبلة أخرى ما يثبت على شيء، وجاءت الآيات القرآنية: وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ [البقرة:150]؛ لأنهم ما يسكتون، فهم كالكلاب لابد وأن يقولوا، فلا تلتفتوا إليهم.فاستغلها بعض اليهود كـابن الصيف وفلان وفلان، وقالوا لبعضهم البعض: صلوا معهم إلى قبلتهم، وفي المساء صلوا إلى بيت المقدس، فإذا تسأل: لم؟ قالوا: ظننا أنه الحق وبعد تبين لنا أنه خطأ فعدنا إلى الحق، وهذه تفعل وتؤثر في قلوب العوام والجهال، هذا تؤديها هذه الآية الكريمة، وأعظم من هذا وهو المقصود، وهو أنهم اتصلوا بعلماء اليهود في خيبر، وعلماء اليهود بالمدينة، وعقدوا مؤتمراً لضرب الإسلام، فقالوا: يا فلان، ويا فلان ويا فلان، أعلنوا عن إسلامكم في المسجد النبوي، وقولوا: دخلنا في دين الله أول النهار، وآخر النار، لا تدخلوا المسجد، ولا تصلوا معهم ولا تقولوا مسلمون، فيتساءل الناس: لم؟ قالوا: دخلنا في الإسلام، ظننا أنه هو الحق، وأنه الدين الذي جاء به موسى وعيسى، وتبين لنا بإرشاد وبينان علماءنا أن هذا خطأ لا دين إلا اليهودية، فمثل هذا يحدث زعزة في قلوب المؤمنين واضطراباً في نفوسهم.والآن هناك تخطيط يقوم به اليهود، في إذاعة لندن، وإذاعة كذا، ويعملون بهذا عملاً في الصحف والمجلات و..قال تعالى: وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ [آل عمران:72]، أي: اليهود هنا، قالوا لبعضهم: آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ [آل عمران:72].(وَجْهَ النَّهَارِ): أي: أول النهار، وأول النهار وقت شروق الشمس. وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [آل عمران:72]، أي: يرجعون عن الإسلام إلى الشرك، يريدونهم أن يتركوا الإسلام، ولو عادوا إلى الشرك؛ لأن العرب كانوا مشركين، فضلاً عن اليهود الذين دخلوا في الإسلام، كما سمعتم. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ [آل عمران:72]، أي: قالوا لبعضهم البعض، مؤامرة.. رؤساؤهم خططوا، واتفقوا مع أهل خيبر وأهل المدينة، آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا [آل عمران:72]، الذي أنزل عليهم، أي: القرآن، وما حواه من العقائد والشرائع والآداب والأحكام. وَاكْفُرُوا آخِرَهُ [آل عمران:72]، أي: اكفروا آخر ذلك اليوم، فإذا تساءل الناس: لم العالم الفلاني صلى الصبح مع الرسول صلى الله عليه وسلم؟ قال: ظن أنه الحق، ولكن تبين لنا أنه ما هو بحق.فلهذا سن رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة قتل المرتد، فالذي يدخل في الإسلام، ثم يخرج منه يقتل، لا يصح بقاؤه؛ لأن هذا يفتح الباب.. لم خرج فلان بعدما أسلم وهو دكتور في علم النفس أو الطب أو كذا؟ قالوا: تبين له أنه ما هو بدين حق، فلا ينفع، ولهذا خرج منه، فهذا يقتل: ( من بدل دينه فاقتلوه )؛ لأنه يثير الهواجس والخواطر، ويبعث النفوس على التفكير من جديد، وجعجعة المجتمع، وهبوط هذا المجتمع، ( من بدل دينه فاقتلوه )، إلا أنه قد يكون مغرراً به مخدوعاً ما عرف يمهل ثلاثة أيام، فإن أصر على ردته يقطع رأسه؛ وهذا هو السبب: آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [آل عمران:72].ثم شيء آخر: اعلموا أن من عرف معرفة حقيقة، وآمن إيماناً صادقاً، وأيقن مثل هذا لا يمكن أن يرجع لا بالإغراء بالنساء، ولا بالمال، ولا بالمنصب، ولا.. ولا.. لو يقطع أو يصلب أو يحرق ما يرجع؛ لأنه عرف، والذين خرجوا من الإسلام في الشرق والغرب وبالمئات بالآلاف، بعض الجاهلين يقول: علتهم الفقر؛ لأن جمعيات التنصير في إندونيسيا وماليزيا وإفريقيا، وموجودة حتى في مصر وسوريا، فهذه الجمعيات تستغل فقر المؤمنين، فتداويهم وتطعمهم وتلبسهم وكذا.. فيتنصرون.وأنا قلتها: والله، ما تنصروا إلا من أجل جهلهم، وعدم معرفتهم، أيؤمن ويعرف الحق وينشرح له صدره ويبيعه بأسبرين أو إبرة أو ثوب في الشتاء يلبسه؟!مستحيل، فبدل أن نقول: هيا نجمع لهم الأموال والكساء والأدوية، نقول: هذه بعدين وليس الآن، بل علموهم وعرفوهم بربهم، ودلوهم على الطريق السوي الموصل إلى كمالهم، فإذا عرفوا الله، ولو أعطوهم ملء الأرض ذهباً ما رجعوا عن الإسلام.لقد أسمعت لو ناديت حياًولكن لا حياة لمن تناديأقول واشهد اللهم على ما أقول وأنا في بيتك في مسجد رسولك يا رب: لو أن المسلمين في هذه الظروف وفي هذه الأيام تكونت لهم لجنة تضم عالماً ربانياً صالحاً من كل قطر إسلامي، كل إقليم من إندونيسيا إلى موريتانيا يمثلوا عالماً ربانياً، وهذه اللجنة العليا للدعوة الإسلامية، لما تتكون وتتعاهد في روضة النبي الكريم تخطو الخطوة الأولى وتجوب بلاد العالم الإسلامي، ولكن في غير إشهار وإعلان؛ حتى لا تحسد وتوضع العراقيل في طريقها، لسنا في حاجة إلى التبجح: نفعل ونفعل.. ودخلوا كل بلد إسلامي، وقالوا لنسائه ورجاله في مساجدهم: أيها المسلمون! إن فريضة الجهاد قد تركت وأهملناها، فهيا بنا نعود: باسم الله.. وتعرفون كلمة جهاد يقفز لها كل واحد. إذاً: هي أن على كل ذكر وأنثى سنوياً أن يدفع عشر ريالات، يصوم يومين أو ثلاثة؛ ليوفر عشر ريالات، فهذا هو الجهاد فقط، وهم صادقون في كل مسجد صندوق في سرية كاملة، فألف مليون مسلم سيجمعون عشرة آلاف مليون، وتصبح أكبر ميزانية لا تملكها أمريكا. جولة واحدة أربعين يوم يتم هذا.. فالآن توجد الطيارات وليس هناك مشقة سفر.ثم بعد ذلك اللجنة العليا تتفرع منها لجنة أخرى تسند إليها مهمة التجول في العالم الغربي والشرقي، من البرازيل إلى اليابان يتتبعون الجمعيات الإسلامية أو المراكز الإسلامية، فيعرفون في فرنسا كذا، في المكان الفلاني، بلجيكا، ألمانيا، كندا، البرازيل.. كذا، يعرفون مواقعها وعدد أفرادها، فتوضع لها خارطة وهذه الخارطة حينئذٍ عرفت اللجنة العليا للجهاد الإسلامي.. وللدعوة إلى الله، تكون قد وضعت العالم بين يديها. عرفت القدر الذي تحتاج إليه من هذا المال، فتأخذ أولاً في إرسال المربين والمعلمين والهداة الصالحين، وتفتح لهم مركز أو دورة لمدة ستة أشهر فقط؛ حتى توحد المذاهب، ولم يبق بين الجماعات الإسلامية في الشرق والغرب مذهبي، فقط مسلم ويوحدون الكتاب الذي يدرس، من الضرورة كتاب لا ينتسب إلى زيدية ولا إباضية ولا شيعية ولا حنفية ولا.. ولكن مسلم قال الله وقال رسوله؛ لأن تلك الجاليات خليط مختلفون وطنياً ودينياً أيضاً، لابد من محو هذا الخلاف، بل مسلم فقط نبيي محمد صلى الله عليه وسلم، ونور هدايتي قال الله وقال رسوله. فيوحدون الكتاب الذي يدرس على نهج كتاب المسجد وبيت المسلم، وعلى نهج منهاج المسلم نعلم كيف نتوضأ ونغتسل ونصوم ولا نقول: أنا مذهبي كذا ولا كذا، وتأخذ تلك الدعوة في نشر ظلها، ويصبح أولئك المؤمنون المسلمون كلمتهم واحدة، وعقيدتهم واحدة: آدابهم وأخلاقهم، يأخذ النور ينتشر في تلك البلاد. والله أعلم أن خلال خمسة وعشرين سنة، أي ربع قرن تظهر دول إسلامية، ونحن ما ضججنا ولا صرخنا ولا بكينا ولا قمنا جاهدنا أبداً، دعوة الله ماضية. فهذه هي الدعوة التي نؤدي بها واجب الجهاد؛ لننقذ إخواننا في الإنسانية من الخلد في عذاب النار؛ لننقذهم من الخبث والظلم والشر والفساد الذي يعانونه، إنهم في بلاء ما يعرفه إلا من لامسه، لا تظن أنهم أكلوا وشربوا وفازوا، بل إنهم في كروب وهموم، كالبهائم فمن يمد يده إليهم؟ أناس أكمل منهم آداباً وأخلاقاً ومعارفاً، وطهراً وصفاء، وبذلك أدى المسلمون فريضة الجهاد، بدل ما ترسو سفننا على شواطئهم لنغزو لا. لا، مفتوحة الأبواب، أراحنا الله لا نفاثة ولا صاروخ أبداً. فوالله! لو كنا على هذا المستوى لكانت أوروبا دخلت في الإسلام منذ أن استعمرونا، لكن لما استعمرونا كانوا أفضل منا، أسمى وأرقى، ما تسمعون بوعد بريطانيا، فأهل المشرق يقولون: وعد إنجليزي، وأهل المغرب يقولون: وعد فرنسي.الله الله! كفار أشرف! لا خيانة، ولا كذب، ولا باطل، ولا ظلم، ولا اعتداء، والمسلمون: الخيانة .. الكذب، لا إله إلا الله! فكيف يدخلون في الإسلام؟! أسلم فرنسي، فقال: الحمد لله أسلمت قبل أن أعرف المسلمين، فلو عرفتهم ما أسلمت، فأين رابطة العالم الإسلامي لتقوم بهذا الواجب من جديد؟ والشاهد من هذا: ليست قضية فقراء عندنا في العالم الإسلامي حملتهم على الكفر، بل حملهم على الردة والانتقاض على الإسلام جهلهم، فما عرفوا وما ذاقوا طعم الإسلام ولا تلذذوا به؛ لأنهم ما علمناهم وما عرفناهم به. تفسير قوله تعالى: (ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم ...) قال تعالى: وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ [آل عمران:72-73] أي: يوصي بعضهم بعضاً، وَلا تُؤْمِنُوا [آل عمران:73] أي: ولا تتابعوا وتصدقوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ [آل عمران:73]، يحذرون بعضهم بعضاً، قوموا بهذه الدعوة، وفي نفس الوقت لا تؤمنوا ولا تصدقوا إلا لمن تبع دينكم، ما دام ما يتبع دينكم لا تلتفتوا إليه. وهذا الكلام إلى الآن يوصي بعضهم بعضاً وخاصة اليهود. قال تعالى: قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ [آل عمران:73] يا معشر اليهود! ليس هداكم ولا ضلالكم، قل يا رسولنا لهؤلاء المتآمرين الذين يتعلمون الباطل، ويريدون نشره، علمهم: إن الهدى هدى الله، وليس اليهودية ولا النصرانية. قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ [آل عمران:73] لا هدى غير هدى الله، فمن يهدي سوى الله، ومن ينير الطريق سواه، ومن يأخذ بالقلوب فيقلبها سواه، من للمؤامرات التي تحاك ضد الإسلام بدعوى أننا ندعو إلى الإسلام وننشره سواه.أي: علمهم حتى ييئسوا أن لا يهودية ولا نصرانية ولا خرافة ولا ضلالة، الهدى هدى الله الذي لاحت أنواره على لسان رسوله وفي كتابه.ثم قال تعالى: أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ [آل عمران:73] هذا عائد إلى كلام المتآمرين من أهل الكتاب، جملة: قُلْ إِنَّ الْهُدَى [آل عمران:73] معترضة، وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ [آل عمران:73] خشية: أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ [آل عمران:73] يوم القيامة.يا معشر يهود: وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ [آل عمران:73] أي: انتبهوا هذا الذي تجرون وراءه وتصدقوه؛ خشية أو كراهة أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ [آل عمران:73]، أي: أنتم أوتيتم الديانة الحقة والطريق السوي والصراط المستقيم، وأنتم.. أنتم.. أنتم..، فإذا أنتم اتبعتموهم إذاً معناه جاءوا بدين خير من دينكم، واعترفتم به إذاً فلا تعترفوا أبداً. أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ [آل عمران:73] حتى لا يصبح العرب أصحاب دين كأنتم، أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ [آل عمران:73] يوم القيامة، وهذه من خزعبلاتهم وضلالهم. يوم القيامة يحتجون عليكم يقولون: يا رب قد عرفوا الإسلام، وأنه حق ورفضوا أن يدخلوا فيه، فلا تجعلوا لهم فرصة يوم القيامة يحتجون عليكم؛ لأنكم إذا قلتم: أيها المسلمون إنكم على الحق، ودينكم هو الحق وهو الصواب، معنى هذا وأنتم ما دخلتم يحتجون عليكم يوم القيامة، إذاً فلا تعترفوا وتقولون: الإسلام دين حق، بل باطل واثبتوا، فلا دين إلا اليهودية. هذا يعقدونه في ليال وأيام، مخططات أقل ما يقال: للإبقاء على اليهودية حتى لا تفنى وتضيع ويغمرها الإسلام؛ لأنهم يريدون تجديد عهد سليمان وداود، فهم عازمون على إيجاد مملكة بني إسرائيل، وليس من النيل إلى الفرات كما في بعض كتبهم، فالآن العالم بأسره، إذ البشرية عند اليهود وسخ، وسيأتي بيان ذلك في كلام الله. البشرية كلها نجس ما فيها إلا اليهود، فلهذا يستبيحون دماء الناس.. فروجهم.. أموالهم؛ لأنهم ليسوا ببشر حتى يؤمنوا باليهودية، فهذه معتقداتهم في بواطنهم ولا يعلنونها لكنها تظهر.فمن عجيب ما بلغنا أيام موشي ديان -عليه لعائن الله- أنهم عقدوا مؤتمراً وخطب موشي ديان ونفخ فيهم، فهاجوا.. فقالوا: لو أنت الملك.. أنت الملك. قال: اسكتوا لا تفضحوا أنفسكم لم يحن الوقت، وكان هذا أيام وضع خطة عالمية لذبح الملوك والقضاء عليهم. فالأحداث لا يعرفون هذا، هذا عرفناه نحن والله. قالوا: اذبحوا العالم ومصارينه اخنقوا بها الملك؛ حتى يتسع لكم الوقت، وتصلوا إلى أهدافكم في العرب والعجم وفي اليهود والنصارى، المهم القضاء على هذه الأديان هو من طريق العلماء والملوك.وانتصر المبطلون فملك فرنسا ذبحوه، والعرب أخذوا يصفقون، فقد عرفنا والله! علماء لما يذكر الملك يتقززون، واحتج عليَّ عالم فقال: إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا [النمل:34] . ولما يسقط ملك في بلاد العرب يتغنون في هيجان عجب، وهي مكرة يهودية وقد تبين للعيان أن وجود ملك خير ألف مرة من رئيس جمهورية؛ للإبقاء على الإسلام والمسلمين.وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم. ![]()
__________________
|
#7
|
||||
|
||||
![]() معنى قوله تعالى: (ثمناً قليلاً) (ثمناً قليلاً) أي: لو كانت قناطير الذهب، ولو كانت مملكة بكاملها فهي في حكم الله ثمناً قليلاً. فالمؤمن لا ينقض عهده، ويخرج من دين الله بعد أن استنار به ودخل فيه، ولو أعطي الدنيا بما فيها، فكل الأموال لا تساوي كلمة (لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فالذين يرتدون ويخرجون عن الإسلام من أجل دنيا يؤثرونها، وكلها تعتبر ثمناً قليلاً، وجزاؤهم عند الله كما قال تعالى: أُوْلَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ [آل عمران:77]. معنى قوله تعالى: (لا خلاق لهم ...) قال تعالى: لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ [آل عمران:77]، أي: يوم القيامة.والخلاق: معناه النصيب والقسط والحظ. وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ [آل عمران:77]، وهذا لا يطاق، فالذي لا يكلمه الله ولا ينظر إليه هو أشقى الخلق وأتعسهم. فالله هو مولاك وسيدك وهو راحمك ومعطيك وواهبك، إذا غضب عليك ولا ينظر إليك ولا يكلمك، فكيف تسعد بعد هذا؟! والله! ما سعد امرؤ غضب الله عليه، فلم ينظر إليه ولم يكلمه. وعند البصراء والعقلاء يرضى أن يقطع ويحرق ولا يرضى أن يغضب عليه سيده ويحرمه من النظر إلى وجهه، فإذا عرف العبد أن هذا العهد إذا نقضه حرم الله عليه النظر إليه والكلام معه، ولا يقدر على أن يفعل هذا الحرام، ولا يتقحم هذه المحنة أو النقمة.هذه الآية معاشر المستمعين والمستمعات! وإن كانت في سياق الحديث عن أهل الكتاب، فهي عامة لما سمعتم من تفاسير الرسول صلى الله عليه وسلم وبياناته. إذاً: فقوله تعالى: وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ [آل عمران:77]، فإذا لم يزكهم الله ولم يطهرهم فكيف سيدخلون دار السلام وهم أنجاس؟! فمن لم يزكه الله ولم يطهره فلا حق له في أن يدخل دار السلام؛ إنها دار الأبرار، دار الأطهار، ( يدخل العبد النار ويحترق، ويخرجه الله عز وجل منها، ويغسله في نهر الحيوان عند باب الجنة، فينبت كما ينبت البقل، ثم يدخل الجنة طائراً )، فالذي لا يزكيه الله ولا يطهره لو يحترق في النار ملايين السنين، وقد أخبر تعالى أنه لن يطهره، فلن يدخل الجنة. ومعنى هذا كقوله: خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا [النساء:57]، وخاصة الذين دخلوا في الإسلام وغرتهم الدنيا فخرجوا منه وارتدوا وانتكسوا والعياذ بالله، فهؤلاء: وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [آل عمران:77]. قراءة في كتاب أيسر التفاسير معنى الآيات قال: [معنى الآيات: ما زال السياق الكريم في هتك وتمزيق أستار أهل الكتاب، وبيان نفسياتهم المريضة، وصفاتهم الذميمة، ففي هذه الآية الكريمة يخبر تعالى أن في اليهود وبينهم من إن ائتمنته على أكبر مال أداه إليك وافياً كاملاً، ومنهم من إذا ائتمنته على دينار فأقل، خانك فيه وأنكره عليك، فلا يؤده إليك إلا بمقاضاتك له، وملازمتك له الليل والنهار. فقال تعالى في خطاب رسوله صلى الله عليه وسلم: وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ [آل عمران:75] -يا رسولنا- بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا [آل عمران:75]، ويعلل الرب تبارك وتعالى سلوكهم هذا، بأنهم يقولون: لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ [آل عمران:75]، وأنت أمي من الأميين، فلهذا لو ائتمنته على دينار ما أداه إليك]، سبحان الله! قال: [ويعلل الرب تعالى سلوكهم هذا]، بأنهم يقولون فيما بينهم، بل يدرسون هذا ويتعلمونه ويتوارثه الصغير عن الكبير، والأنثى عن الذكر، يقولون: لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ [آل عمران:75]، أي: ليس علينا طريق لأذانا وتعذيبنا وخلودنا في النار، فأموالهم ونساؤهم حلال. يوجد بعض المسلمين -كما نقول- يستبيحون أموال آخرين؛ لأنهم كذا وكذا، لكن خفتت هذه الثورة، فلا يحل لمؤمن أن يأخذ مال إنسان وإن كان أنجس الخلق، ولا يحل مال الغير إلا بحقه، اللهم إلا في حال إعلان الحرب بيننا وبين الكفرة، فحينئذ أذن الله في دمائهم فضلاً عن أموالهم. ومع هذا لا يحل لمؤمن مجاهد أن يسرق خاتماً من يد كافر ميت، أو يأخذ ساعته أو يخفي ديناراً أو درهماً وجده في جيبه واقرءوا: وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [آل عمران:161]، فيا أيها المجاهد! إذا دارت المعركة بيننا وبين الكفار إياك أن تختلس شيئاً من دراهم أو دنانير، أو ما إلى ذلك وتخفيه؛ لتأخذه وتقول: هذا مال المشركين والكافرين، بل تأخذ ذلك المال وتؤديه إلى قيادة الجيش، وهي تجمع الأموال وتقسمها بما قسمها الله تعالى. قال تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ [الأنفال:41] والأربعة أخماس يوزعها قائد المعركة على المجاهدين، فمن كان له تأثير في الحرب كأصحاب الخيول فله حظان، ومن كان يقاتل على قدميه له حظ واحد.أما كون اليهودي في بلادنا أو نحن في بلاده، فلا يجوز لنا أن نأخذ ماله في السرقة والتلصص، فقد نعاقب من الله عز وجل، ونحرم حتى من النظر إلى الله. قال تعالى: وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُغُلَّ [آل عمران:161]، (يُغُلَّ) بضم الياء، وهي قراءة نافع وأهل المدينة، ومعناه: يحملون معه عليه الصلاة والسلام الغنيمة ويسرقون منها، أما هو صلى الله عليه وسلم فحاشاه أن يغل. فلهذا تركنا قراءة حفص : وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ [آل عمران:161].فالرجل الذي أخذ شملة احترق بها في نار جهنم، وهذا كان في معسكر النبي صلى الله عليه وسلم، رجل سرق شملة وهي حزام كحزام أهل اليمن على ظهورهم -كما تعرفون-، أعجبته إذاً سرقها فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه في النار، فلما تألم من الجراحات في المعركة طعن نفسه حتى مات، فدخل النار. قال: [ويعلل الرب تعالى سلوكهم هذا بأنهم يقولون: لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ [آل عمران:75]].فبعض الناس يقول: الإباضي هذا كافر.. اكذب عليه، مع أن الإباضية عندنا أصدق الناس وأوفاهم، فلا يمكن أن يغشك أو يخدعك، وأكثرهم تجار، والعوام يقولون: هذا إباضي، وآخر يقول: هذا شيعي.. هذا نخولي ما يهم، كل هذه أباطيل وإملاءات الشياطين، وإلا سلكنا مسلك بني عمنا اليهود، فاليهود على الأقل قال لهم علماؤهم: هذا كتاب الله عندنا، أباح الله لنا أكل أموال غير اليهود؛ لأنهم نجس، لكن هل في المسلمين عالم يقول هذا؟! فهذا من إملاءات الشياطين على العوام.فلو قال قائل: الإباضية يأكلون أموال أهل السنة، فمنهم إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك، أما قنطار لا تسأل. وعلة هذا هو الجهل.. عدم المعرفة.. ما عرفوا الله حتى يحبوه.. ما عرفوا الله حتى يخافوه.. ما عرفوا ما عند الله يقيناً؛ حتى يطلبوه، ولا ما لديه من العذاب والنكال؛ حتى يخافوه ويرهبوه، علموهم.. فهذا هو الطريق. قال: [أي لا حرج علينا ولا إثم في أكل أموال العرب؛ لأنهم مشركون، فلا نؤاخذ بأكل أموالهم، وكذبهم الله تعالى في هذه الدعوى الباطلة، فقال تعالى: وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:75] أي: أنه كذب على الله، ولكن يكذبون؛ ليسوغوا كذبهم وخيانتهم ويجوزونها]. قال: [وفي الآية الثانية يقول تعالى: بَلَى [آل عمران:76] أي: ليس الأمر كما يدعون، بل عليهم الإثم والحرج والمؤاخذة، وإنما لا إثم ولا حرج ولا مؤاخذة على من أوفى بعهد الله، فآمن برسوله وبما جاء به، واتقى الشرك والمعاصي، فهذا الذي يحبه الله فلا يعذبه؛ لأنه عز وجل يحب المتقين]، اللهم اجعلنا منهم. فمن يرغب أن يكون من المتقين يجب أن يعرف محاب الله، ويسأل عنها ويتصفح الكتاب والسنة، ومن عرف أن الله يحب هذه الكلمة يقولها تملقاً لله، فالله يحب هذه الجلسة، فليجلسها كما يحبها الله، وهكذا.. وكذلك من يرغب أن يكون من المتقين يجب أن يعرف ما يكره الله حتى من النظرة المحرمة، ويجب عليه أن يتجنب مكاره الله، فلا يصبح إلا وهو ولي الله، يحبه ومن أحبه الله فلا يهينه ولا يذله. قال: [وأما الآية الأخيرة -الثالثة- فيتوعد الرب تعالى بأشد أنواع العقوبات، أولئك الذين يعاهدون ويخونون ويحلفون ويكذبون؛ من أجل حطام الدنيا ومتاعها القليل، فيقول: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُوْلَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ [آل عمران:77]] أي: لا حظ ولا نصيب لهم في نعيم الدار الآخرة، وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ [آل عمران:77]، أي: حتى لا يكون لهم الكلام تشريفاً وإكراماً.[أما تكليم الإهانة فجائز، قال تعالى: اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ [المؤمنون:108]، أما كلام التشريف والتبجيل والإكرام فلا يكلمهم، ولا يزكيهم بالثناء عليهم ولا بتطهيرهم من ذنوبهم، ولهم عذاب مؤلم في دار الشقاء، وهو عذاب دائم مقيم لا يفارق أبداً أهله؛ لأن الحياة استقرت]، أهل النعيم في نعيم أبداً، وأهل العذاب في عذاب أبداً، فلا يوجد إلا علو وسفل، جنة ونار، نعيم وشقاء، تبقى هكذا. قولوا: آمنا بالله، ومن أراد أن تتجلى له الحقيقة، هذه التي ما فارقتنا فليقم الآن فقط، ويجلس مجلسي وينظر إلينا فلن يجد اثنين كأنهما رجل واحد، ما هذا العلم؟ أنا والله! إني أعجب من هذا! لو يجتمع البشر كلهم يفرق الله بينهم في سماتهم وصفاتهم؛ حتى لا يختلط اثنان فلان يكون هذا أبداً، من فعل هذا؟ وما هذه القدرة؟ وما هذه العظمة؟ وما هذا العلم؟! فهذا هو الله رب العالمين.. يطلب إلينا أن نحبه ويحبنا، فكيف لا نعرفه؟ لا إله إلا الله!! هداية الآيات معاشر المستمعين! أعيد تلاوة الآيات، ثم نضع أيدينا على نتائجها وعبرها، وننظر هل فهمنا أم لا، يقول تعالى: وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا [آل عمران:75] أي: والعصا في يدك، ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا [آل عمران:75] اسمع الجهل والكذب: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:75] . عياذاً بالله من الكذب على الله، فنحل ما حرم، ونحرم ما أحل، وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * بَلَى [آل عمران:75-76] أي: ليس الأمر كما زعموا وحلموا، بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ * إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُوْلَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [آل عمران:76-77] موجع.قال: [من هداية الآيات: أولاً: يجب أن لا يغتر باليهود ولا يوثق فيهم؛ لما عرفوا به من الخيانة]. يجب علينا معشر المؤمنين والمؤمنات أن لا نثق في يهودي ولا نغتر بصلاحه ولا بأمانته؛ لأننا ما نميز بين هذا وذاك، ما دام من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا إذا حاصرته وعذبته، إذاً الآية تقول: لا تغتروا باليهود -وقد اغتررنا بهم-، فهم الذين حلقوا وجوهنا، وهم الذين نفخوا السوء والباطل في بيوتنا وامتلأت بالكذب والخيانة، وهم الذين نشروا الربا بيننا، وأخذناه وعملنا به، وهم الذين علمونا المراقص، ودور اللهو، والسينما والتمثيليات.فكل خبث في بلاد المسلمين هم اليهود الذين نشروه، وتلك مهمتهم، وهم عازمون على أن لا يبقى صلاح ولا صالحون في بلادنا؛ لأنهم يعرفون أن حلمهم لن يتحقق إلا إذا هبطت البشرية إلى مستوى الحيوان، وانتشر العهر، والزنا، واللواط، والربا، والخيانة، والكذب، والتكالب على الدنيا حينئذ يمكنهم أن يحكموا العالم ويسودوا البشرية، فكل أنواع الفساد في العالم.. في أوروبا، وفي أمريكا، وفي اليابان.. وفي الأرض كلها التي تهبط بالإنسان من آدميته إلى الحيوانية أصابع اليهود الماسونية هي التي تغرس وتحصد؛ لأنهم كيف سيحكمون العالم؟ وكيف سيوجدون مملكة بني إسرائيل من النيل إلى الفرات، إذا كانت البشرية واعية، بصيرة تفرق بين الحق والباطل، بين الطهر والخبث، بين الصدق والكذب. إذاً اعملوا على هبوط هذه البشرية. وأنتم تعرفون.. من المجلات إلى الأفلام إلى الدعارة ...إلخ، فكل ذلك من أجل أن تهبط البشرية إلى حضيض الحيوانات، وحينئذ يسوسونها ويركبون ظهورها.فمعنى الآية: إياكم أن تغتروا باليهود أو تثقوا بهم أبداً، وإن بدا لك نصحهم وإرشادهم فلا تثق بهم. [ثانياً: من كذب على الله أحرى به أن يكذب على الناس]، فالذي يكذب على الله يكذب على الناس، فكل من يكذب على الله، ويحل ويحرم ويشرع، فهو على الناس أكثر كذباً، لم يخف من الله، فكيف يخاف من الناس؟![من كذب على الله أحرى به أن يكذب على الناس فاجتنبوا الذين يكذبون على ربكم]. [ثالثاً: بيان اعتقاد اليهود في أن البشرية غير اليهود نجس، وأن أموالهم وأعراضهم مباحة لليهود حلال لهم؛ لأنهم المؤمنون في نظرهم وغيرهم الكفار]، هذه قد ما يصرحون بها، لكن لو تطلع على دروسهم وخلواتهم تجد هذا، فالبشر غيرهم كلهم نجس في اعتقادهم يجوز استباحة دماءهم وأموالهم. [رابعاً: إن عظم ذنب من يخون عهده من أجل المال وكذا من يحلف كاذباً؛ لأجل المال قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من حلف على يمين يستحق بها مالاً وهو فيها فاجر، لقي الله تعالى وهو عليه غضبان )، والأحاديث النبوية: ( لا إيمان لمن لا أمانة له )، (لا إيمان) يصدق صاحبه فيه وهو مؤمن وهو لا أمانة له]، فالذي يخون الأمانات لا إيمان له. لو آمن كيف يخون العهود والمواثيق والرسول يقول: ( أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة كانت فيه خصلة من النفاق: إذا واعد أخلف -والعياذ بالله-، وإذا اؤتمن خان، وإذا خاصم فجر، وإذا حدث كذب )؟! وكم وكم من المصابين بهذه الفتنة يعدون ولا يفون، ويعاهدون ولا يوفون، ويكذبون ويتحدثون به.فعلى كل حال العلة هي الجهل، إن أردتم أن تستقيم أمتكم الإسلامية، فعلموها وعرفوها بربها حتى تعرف، فإذا عرفت أمكنكم تقويمها وإصلاحها، أما والجهل مخيم على قلوب النساء والرجال فهيهات هيهات أن يوجد بيننا ربانيون ونحن على هذه الوضعية. وصلى الله على نبينا محمد وآله. ![]()
__________________
|
#8
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة آل عمران - (21) الحلقة (162) تفسير سورة آل عمران (28) من طبائع يهود أنهم إذا قرءوا آيات الله من التوراة يلوون ألسنتهم بها ليحسب السامع لها أنها من كتاب الله، وهم بذلك يريدون إضلال العامة، ويتعمدون الكذب على الله عز وجل، وقد بين الله عز وجل أنه إنما يريد من عباده أن يكونوا ربانيين بما عندهم من الكتاب الذي يتعلمونه ويعلمونه للناس. مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة آل عمران الحمد لله نحمده تعالى، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً، أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة كسابقتها واللاحقة بها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال -فداه أبي وأمي- صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ) حقق اللهم! رجاءنا إنك ولينا ولا ولي لنا سواك. نستذكر أولاً الآيات التي درسناها في الدرس الماضي.. هل بقي في أذهاننا شيء؟ وهل في قلوبنا من نورها نور؟نتلوها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ [آل عمران:75]، فمنا نحن -أيضاً- المسلمين من إن تأمنه بقنطار وليس بألف قنطار لرده إليك، فنحن أولى بهذا. ولكن يوجد من أهل الكتاب ممن عرفوا الله والطريق إليه هم كما أخبر تعالى عنهم: وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا [آل عمران:75]، أي: والعصا في يدك، فلماذا هذا؟فالأول عرف، والثاني لم يعرف.. الأول آمن واستقام على منهج الحق، والثاني إيمانه دعوى باطلة ومعرفته كاذبة هذه حاله. ولا ننسى قول الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له )، والمؤمن بحق هو من إذا ائتمنته لم يخنك، وإذا عاهدته لم ينكث عهده، فكل هذا يعود إلى الإيمان الصحيح والمعرفة السليمة، قال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ [آل عمران:75]، فهذه فرية ودعوى نشرت فيهم وبينهم من قبل رؤسائهم المبطلين، فأصبحوا يفهمون أن أموال، وأعراض، ودماء غير اليهود مباح؛ لأن غير اليهود كفار أنجاس، وهم فقط المؤمنون الربانيون، فلهذا إذا استطاعوا أن يسلبوا مال أي إنسان أو يسفكوا دمه فلا حرج ولا يخافون من الله؛ لأن الله أذن لهم.قال تعالى: وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:75]، فهذه النزعة ما زالت إلى الآن يعيش عليها اليهود، ويتناقلونها ويعلمها الكبير الصغير. ثم قال تعالى: بَلَى [آل عمران:76] أي: ليس الأمر كما يزعمون ويدعون، مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ [آل عمران:76]، فأبطل ذلك الزعم نهائياً. ثم قال تعالى متوعداً: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُوْلَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [آل عمران:77]، سواء كانوا من أهل الكتاب، أو من أهل القرآن، ( لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له ) ، فهذه هي التي رفعت مستوى المسلمين إلى أعلى مستوى عرفته البشرية، فلو تودع عند المسلم صناديق الذهب فلن يسلب منها ديناراً واحداً، فلو تأتمنه على أعز شيء فلو أن أحداً وضع -مثلاً- امرأته أمانة في بيته -أي: المسلم-، والله! ما نظر إليها ولا نالها بسوء. فقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ [آل عمران:77] أي: يشترون ماذا؟ ثَمَنًا قَلِيلًا [آل عمران:77]، فكل أموال الدنيا قليلة بالنسبة إلى ما عند الله والدار الآخرة، أُوْلَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ [آل عمران:77] أي: لا حظ ولا نصيب في الجنة، وما فيها من نعيم.وقوله تعالى: وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ [آل عمران:77]، أي: أن الله لا يكلمهم كلام التشريف والعزة والكمال، ولكن يكلمهم بالإهانة؛ قال تعالى: اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ [المؤمنون:108].وقوله تعالى: وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:77] أي: لا يرون وجهه سبحانه، فهو محجوب عنهم، وَلا يُزَكِّيهِمْ [آل عمران:77]، أي: لا يثني عليهم في عرصات القيامة، ولا يطهرهم حتى في الإحراق في النار، وإدخالهم الجنة، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [آل عمران:77] أي: موجع، وهو عذاب النار والعياذ بالله! ومن فوائد هذه الآيات:أولاً: يجب علينا معاشر المسلمين أن لا نغتر باليهود ولا نثق فيهم؛ لأنهم لا يفون بعهد وحسبهم أنهم يستبيحون أموالنا وأعراضنا. فالحذر الحذر، فإن تعاملنا معهم نكون يقظين وإلا أخذوا أموالنا. ثانياً: من كذب على الله أحرى أن يكذب على الناس. فالشخص الذي يكذب على الله، ويقول: قال الله وأحل الله، وحرم الله وهو كاذب، فهذا يكون كذب على الناس من باب أولى، وليس في أهل الكتاب أيما إنسان يكذب على الله لا تأمنه فإنه يكذب عليك من باب أولى، فالذي ما خاف الله ولا هابه وكذب عليه، فكيف لا يكذب على الناس؟! ثالثاً: بيان اعتقاد اليهود في أن البشرية غير اليهود نجس. والله يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا [التوبة:28]، واليهود مشركون، والنصارى مشركون فهم نجس، لكن هم عكسوا القضية، وجعلوا البشرية أبيضها وأصفرها نجس، إلا ما كان من بني إسرائيل فإنهم أطهار أصفياء، مع أنهم أنجس الخلق في سلوكهم، فالشرك والاحتيال والمكر والخديعة والتكبر، وكل الأمراض مصبوبة عليهم وقالوا: لا. فالحمد لله أن فضحهم الله. رابعاً: عظم ذنب من يخون عهده من أجل المال.عظم وكبر ذنب عبد يخون عهده من أجل الدينار والدرهم، فالذي يحلف ويعاهد ثم يخون ذنبه عظيم، وكذلك من يحلف كاذباً لأجل أن يحقق مالاً، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ( من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه، فقد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة )، وقال له الرجل: ( يا رسول الله! وإن كان يسيراً؟ قال: ولو كان قضيباً من أراك ).فيا عباد الله! انتبهوا وارفعوا رءوسكم، فإياكم والحلف كذباً من أجل أن الحصول على مال قل أو كثر، فلا نبيع آخرتنا، ونمزق صلتنا بربنا؛ من أجل مال أغنانا الله عنه بالصبر، فلنجوع الليالي والأيام ولا نحلف بالباطل؛ لنأخذ مال الناس. فهذا نبينا صلى الله عليه وسلم قد كان يضع الحجر على بطنه، ويعصبها بعصابة حتى يتمكن من المشي والصلاة من شدة الجوع، فهل حلف بالباطل أو كذب؟! وهذه الصديقة بنت الصديق امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم تخبر في صدق، قالت: [ إن كانت إحدانا لتتحيض الحيضتين والثلاث في ثوب واحد ]، فلا مبرر؛ لأن نكذب ونخون ونحلف بالباطل من أجل أوساخ الدنيا، فأين الصبر؟ ولكننا ما عرفنا هذا ولا اجتمعنا عليه، فلو كشف عن حالنا لبانت عوراتنا. رابعاً: عظم من يخون عهده من أجل المال، وكذا من يحلف كاذباً؛ لأجل المال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ومن حلف على يمين يستحق بها مالاً وهو فيها فاجر ) أي: كاذب خارج عن نظام الحق ( لقي الله تعالى وهو عليه غضبان ) . فهذا استذكار لدرس يوم أمس نفعنا الله به. تفسير قوله تعالى: (وإن منهم لفريقاً يلوون ألسنتهم بالكتاب ...) قال تعالى: وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:78]، فهذه طائفة أخرى من طوائف أهل الكتاب التي سبق بيانها، وهذه الطائفة كانوا يعيشون في المدينة ويضللون المسلمين، وإخوانهم من اليهود، فيوجد فريق منهم يلوون ألسنتهم وكأنه يقرأ التوراة، وليس من التوراة في شيء، فيحسبه السامع أن هذا من الكتاب، وما هو من الكتاب.فهذه طائفة من اليهود تقل أو تكثر فهذا وضعها، يضللون العوام ويدعون أنهم يقرءون من الكتاب، وألسنتهم تلو الكلمات وما هي من التوراة، بل من كذبهم.قال تعالى: وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:78]، فقد فضحهم الله وأزاح الستار عنهم، وقد ورث هذا الضلال من قومنا من المسلمين، ويذكرون أن الله قال: كذا وكذا للعوام، والله ما قال، وما هو في كتابه، ويذكرون أقوال علمائهم، وكأنها قرآن وما هي بقرآن. فيجب أن نتحاشى أن نقول على الله ما لم يقل، وألا نكذب على إخواننا، ونقول لهم: هذا كلام الله، أو هذا حديث رسول الله، أو هذه سنة نبي الله، وليست من السنة ولا من الكتاب، ولكن فقط؛ من أجل تضليل إخواننا ليبقوا راسخين تحت أقدامنا نسودهم ونتحكم بهم؛ لأنهم جهّال ما عرفوا الطريق.وما يفعله اليهود يفعله غيرهم؛ لأننا بشر والشيطان عدونا جميعاً، فلا عجب أن يقع فينا هذا الباطل الذي ندد الله به على اليهود، وقد وقع، فمروج البدع وخاصة الشركيات منها يأتون بالأباطيل والأكاذيب، وينسبونها إلى الكتاب والسنة، وهذا في قوله تعالى: وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا [آل عمران:78] يقل أو يكثر يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ [آل عمران:78] أي: كأنه يقرأ في التوراة، وكأن هذا كلام الله يجوده، لِتَحْسَبُوهُ [آل عمران:78] أنتم أيها المستمعون مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ [آل عمران:78]، أي: من التوراة أو الإنجيل أو القرآن، وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [آل عمران:78]، فكذبهم الله العليم الخبير، وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:78] أي: يعلمون أنه كذب، لكن المصلحة.. المنفعة.. الحاجة.. المنصب.. المركز.. هو الذي يحملهم على هذا الكذب.فهذه طباع البشر إلا من طهره الله، والذين يطهرهم هم الذين رزقهم إيماناً ويقيناً، وزادهم بعد ذلك علماً ومعرفة، وزادهم توفيقاً، فهؤلاء هم المعصومون.قال تعالى: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7] أي: أنعم عليهم:أولاً: نعمة الإيمان، وهي تطلب من الله عز وجل، وهبة الله وعطيته.ثانياً: نعمة معرفة الله معرفة يقينية، فتثمر لصاحبها حب الله والخوف منه.ثالثاً: معرفة محاب الله ومساخطه، أي: وما يكره من الاعتقادات والأقوال والأعمال.والنعمة الرابعة: التوفيق، وفقهم لأن يقدموا له المحبوب ويبعدوا عنه المكروه، فقال تعالى: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ [مريم:58]، وقال أيضاً: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا [النساء:69] فنعم الرفيق. قراءة في كتاب أيسر التفاسير هداية الآية قال: [ هداية الآية] لهذه الآية الكريمة هداية في ثلاثة أمور[ من هداية الآيات:أولاً: بيان مكر اليهود وتضليلهم للناس، وخداعهم لهم باسم الدين والعلم]. تجلت هذه الحقائق في هذه الآية، فهذا فريق منهم بينت الآية مكرهم وتضليلهم للناس، وخداعهم لهم باسم الدين والعلم.[ثانياً: جرأة اليهود على الكذب على الناس، وعلى الله تعالى مع علمهم بأنهم يكذبون، وهو قبح أشد وظلم أعظم]، ولكن كتب الله شقاوتهم، ولا نشك بأن علمهم مزيف، ومعرفتهم سطحية، وإيمانهم كلا إيمان؛ إذ لو عرفوا وآمنوا ما وقعوا في هذا البلاء؛ بدليل أن الذين عرفوا كـعبد الله بن سلام وغيره نجوا، وسموا وارتفعوا.فمعرفة سطحية تقليدية كقولنا: علمنا فلان، وعلمنا فلان، وقال فلان وفلان لا تنفع، ودليل ذلك قول الله تعالى فيهم: لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ [النساء:162]، استثنى الله سبحانه وتعالى أهل الرسوخ في المعرفة، أما المعرفة السطحية التي لا تباشر القلب فلا تنفع، لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [النساء:162].إذاً: ما زلنا نقول: العلم إن لم يخالط بشاشة القلب، وينير النفس ويزكيها لا ينفع.[ثالثاً: التحذير للمسلم من سلوك اليهود؛ كالتضليل والقول على الله والرسول؛ لأجل الأغراض الدنيوية الفاسدة]. تفسير قوله تعالى: (ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله ...) وما زلنا مع طائفة من أهل الكتاب؛ لنحذر سلوكهم وننجو من هلكتهم التي وقعوا فيها؛ لأن هذه تعاليم ربنا لنا؛ لهدايتنا وإكمالنا وإسعادنا.يقول تعالى: مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ * وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:79-80] عجب هذا القرآن! يتبع
__________________
|
#9
|
||||
|
||||
![]() معنى قوله تعالى: (ما كان لبشرٍ أن يؤتيه الله الكتاب ...) قوله: مَا كَانَ هذا النفي أبلغ من كلمة (لم يفعل)، (ما كان) أي: ليس من الممكن أو ما يتوقع أن يقع مثل هذا.لِبَشَرٍ أي: إنسان، فكلمة (بشر) اسم جنس كإنسان تحته أفراد بالبلايين، لكن نفي مطلق لا يتأتى هذا ولا ينبغي ولا يوجد، لِبَشَرٍ من البشر. أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ أي: ينزله عليه.ويؤتيه (الحكم) أي: الحكمة بمعنى الفقه في معرفة أسرار ذلك الكتاب، وهي هنا السنة؛ إذ السنة هي التي بها نفهم أسرار القرآن ومراد الله منه.والنبوة فوق ذلك، ينبئه، يكلمه تعالى بما شاء من وسائط، ويعلمه بالغيوب من عنده، فمثل هذا الشخص والله! ما يقول للناس: كونوا عباداً لي من دون الله.وهذا لا شك أن له سبب: فقد سمع يهودي من الرسول صلى الله عليه وسلم أمره ونهيه ودعوته، فقال: تريد أن نعبدك يا محمد؟ أتريد أن نتخذك رباً نطيعك في كل شيء؟ فأبطل الله هذه الفرية وأبعد هذه التهمة بعيداً، ووضعها في باب المستحيل، ولم يقع هذا، وفيها صفعة كبيرة للنصارى الذين ألهوا عيسى، وهو نبي الله أوحى إليه كتابه، وعلمه الكتاب والحكمة، واتخذوه رباً وإلهاً، فحاشى عيسى أن يرضى لأتباعه أن يعبدوه ويؤلهوه.وقد أراد مرة من أراد أن يسجد لرسول الله صلى الله عليه وسلم فغضب، ولم يرض أن يُسجد له كتحية كما يحيي بها الناس عظماءهم، وقال: ( لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ) ولكن لا يسجد إلا لله؛ لأن السجود مظهر من مظاهر الخنوع والخضوع، والذلة للمسجود له، والتعظيم له، فوضع الجبهة والأنف على التراب لم يقع هذا إلا لمن يُعظّم ويُبجل ويكبر، وهذا لا يكون إلا للخالق عز وجل.فهذه الآية نفت تلك الدعوة الباطلة، وضربت النصارى على وجوههم، وحاشا عيسى عليه السلام أن يقول لهم: اسجدوا لي، أو علقوني في أعناقكم وألهوني، وهو من هو، فقد أوحى الله إليه بالإنجيل، وعلمه التوراة وعلمه الحكمة، فكيف يرضى بأن يعبد مع الله؟! مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ [آل عمران:79]، فقد يصدر هذا الكلام من الذي لم يؤت العلم والحكمة، والسنة والمعرفة.. نعم عبدوهم، فيوجد حتى بين المسلمين من يسجد له ويفرح بذلك. معنى قوله تعالى: (كونوا ربانيين ...) هذه الشخصية الفريدة الممتازة بهذه العطايا الإلهية وهي: الكتاب، والحكم بمعنى الحكمة، والنبوة.. مثل هذا والله! لا يقول للناس: اعبدوني، أو كونوا عباداً لي من دون الله، ولكن يقول لهم: كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ [آل عمران:79].فالذي أعطي هذا العطاء يقول لأتباعه وأوليائه وتلامذته: كونوا ربانيين. والرباني: المنسوب إلى الرب، أي كونوا عباد الله، ونسبهم إلى الرب عز وجل؛ وذلك لصلاحهم، وطهارتهم، وصفاء أرواحهم، ولعلمهم ومعرفتهم أصبحوا ربانيين، تتجلى فيهم حقيقة ربانية وهي نسبة إلى الرب عز وجل؛ إذ صفت نفوسهم وزكت أرواحهم، وعلموا وعرفوا وعلّموا.. فنعم هؤلاء ربانيون ويقال فيهم: ربيون أيضاً نسبة إلى الرب.يقال: فلان رباني. تتجلى فيه حقائق الربوبية، من ذلته لله ومسكنته ودعائه، والحب فيه والبغض فيه، والعمل له، بل والحياة كلها تدل على أنه مع الله ومن الله. كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بما كنتم تعلمون الكتاب.. التوراة، الإنجيل، الزبور، الفرقان، الكتاب. فالذين يعلمون الكتاب ويدرسونه ويعلمون أسراره وشرائعه وما فيه يقول لهم: من أوتي الكتاب والحكم والنبوة كونوا كذا وكذا، وهذا الذي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم الناس، وهكذا كان عيسى مع الحواريين يعلمهم، وكان موسى، وكان كل الأنبياء، فحاشى نبياً من الأنبياء أن يقول لأتباعه: اعبدوني.. اتخذوني رباً.. اسجدوا لي.. سبحوا وقدسوا باسمي!فالعبادة حق الله عز وجل لا تعطى لسواه أبداً مهما كان هذا العبد.إذاً: قضى على تأليه اليهود لرهبانهم، وقضى على النصرانية التي حولوها إلى تكليف وشرك محض، فقال تعالى: مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ [آل عمران:79] يقول: كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ [آل عمران:79].ولا ننسى ما علمناه من: ( أن من علم وعمل بما علم، وعلّمه غيره دعي في السماء عظيماً )، فهؤلاء هم الربانيون الذين يتعلمون العلم لله؛ ليعرفوا الله ومحابه ومكارهه، وليعرفوا كيف يؤدون ذلك المحبوب، وكيف يبتعدون عن ذلك المكروه، ويتعلمون ثم يعملون بما علموا، فيحلون ما أحل الله، ويحرمون ما حرم الله، وينهضون بالتكاليف والواجبات، ويبتعدون عن المنهيات والمحرمات، ثم لا يكتفون بذلك حتى ينقلوا ذلك النور إلى غيرهم، فيعلمون سواهم؛ حتى يشاهدوهم يعبدون الله عز وجل بما شرع، فهؤلاء سمت درجاتهم وارتفعت حتى إنهم يدعون في الملكوت الأعلى بعظماء الرجال، وهذه هي الجائزة التي من فاز بها هنئه، فليس عظيم بين الناس فقط، بل في الملكوت الأعلى.. هؤلاء هم الربانيون المنسوبون إلى الرب؛ لأنهم آمنوا واستقاموا على طاعة الله بالعلم والمعرفة ونشروا الهدى، ونشروا المعروف بين الناس، فحق لهم أن يسودوا بهذا اللقب (عظماء الناس). تفسير قوله تعالى: (ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً ...) ثم قال تعالى: وَلا يَأْمُرَكُمْ [آل عمران:80] أي: الرباني.. الإنسان الذي نزل عليه الكتاب، وأوتي الحكمة وأوتي النبوة، لا يقول لهم: اتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً. معنى قوله تعالى: (ولا يأمركم...) وَلا يَأْمُرَكُمْ [آل عمران:80] أي: هذا الإنسان من البشر الذي آتاه الله الكتاب والحكم والنبوة: أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا [آل عمران:80] أي: آلهة من دون الله تعبدونهم.ومن هنا إشارة إلى أن من العرب وهم بنو لحيان كانوا يعبدون الملائكة، أي: قبيلة من قبائل العرب يقال لهم: بنو لحيان، كانوا يعبدون الملائكة؛ لأن الشيطان قال لهم: إن الملائكة بنات الله، فتوسلوا بهم إليه ليقضي حوائجكم، فيعطيكم سؤلكم، وزين لهم كيف الملائكة بنات الله؟ وتأصلت هذه العقيدة ورسخت في أذهان العرب فانتزعها القرآن بعشرات الآيات، فقالوا: إن الله تعالى أصهر إلى الجن. أي: تزوج جنية، فأنجبت له الملائكة، فهم يعبدونهم من أجل التقرب إلى الله بعبادتهم، كما فعل جهال المسلمين بعبادة الأولياء والصالحين؛ تقرباً إلى الله ليقضي حوائجهم.قال تعالى: وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ [النحل:62]، فالعربي لشرفه وعلو قدره لو قيل له: اسمع، امرأتك ولدت الليلة بنتاً، يغضب ويكره، ويصبح ما يمشي بين الناس من الخجل؛ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ [النحل:58-59]، فـعمر في الجاهلية ولدت له بنتاً فدفنها ودسها في التراب وهي حية.إذاً: وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ [النحل:62] أي: الذي يكرهونه وهو البنت يجعلوها لله، وهم ما يقبلونها! فهذا هو الأدب مع الله؟! فالذي ما تقبله أنت تجعله لله؟!فأين يذهب بعقلك يا عبد الله؟!قال تعالى: أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ [الزخرف:18]، البنت هذه كيف يجعلونها لله؟!الشاهد عندنا: في أن بنو لحيان كانوا يعبدون الملائكة، ولهذا قال تعالى: وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ [آل عمران:80] أي: كعيسى وغيره من الأنبياء اتخذهم النصارى آلهة. أَرْبَابًا [آل عمران:80] الأرباب: جمع رب، وأصل الرب هو السيد المالك، والله هو السيد المالك، ولكن لما تاب وملك عبد ذُل له وأطيع، فلفظ (الرب) أولاً: لا يطلق إلا على الله بدون قيد، فيجوز أن تقول: رب البيت، ربة البيت، رب المنزل.. لكن لا تقول: الرب. فهذا اللفظ لا يصلح إلا لله، ولا رب إلا الله، لكن مع القيد لا بأس؛ لأنه السيد المالك، وفوق ذلك الخالق المدبر الرازق، وبذلك أصبح الإله الحق والمعبود الذي لا معبود بحق سواه.فالألوهية تأتي بعد الربوبية، من لم يكن رباً لا يصلح أن يكون إلهاً، فإذا كان خالقاً رازقاً مدبراً يملك كل شيء.. نعم يذل له كل مخلوق ويعبده ويطيعه، أما إذا لم يكن رباً فكيف سيكون إلهاً؟!فلهذا عاب عليهم عبادة الأصنام والأحجار والملائكة والبشر.. الملائكة مخلوقون والأنبياء مخلوقون، فكيف يعبدون مع الله ويؤلهون؟! وَلا يَأْمُرَكُمْ [آل عمران:80] أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم، النبي الذي أنزل عليه الكتاب، أوتي الحكمة وأسرار الشرع، ومعرفة مراد الله عز وجل، ونبئ وكلمه الله في اليقظة والمنام: لا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا [آل عمران:80]. معنى قوله تعالى: (أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون) ثم قال تعالى: أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ [آل عمران:80]، فالذي يقول لك: اسجد لي، وأطعني فيما آمرك به، كأن معناه قال لك: اعبدني.(أيأمركم بالكفر) فمن عبد الله كفر بالله، وإليكم صور:الذي يقول: يا رجال البلاد! يا سيدي عبد القادر ! يا فاطمة ! يا حسين ! يا رسول الله! المدد.. المدد.. الغوث.فهذا يكون إثم، فقد جحد الله، وإياك أن تجهل، فلو ما جحده لقال: يا الله! يا رب العالمين! يا رب فاطمة والحسين ! يا ولي المؤمنين! لكن غطاه وجحده، ثم قال: يا فلان.. يا فلان.قال تعالى: أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:80]، الكفر: أي جحود حق الله عز وجل، فمن جحد حق الله وأعطاه غيره وتركه إلى سواه، فهذا هو الكفر الحقيقي. صدق الله العظيم.أيأمركم يا عباد الله! هذا الذي نزل عليه الكتاب، وأوتي الحكمة والمعرفة وأسرار الشرع ونبئ، أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون؟! فهذا لا يقع، وهذا الاستفهام للإنكار والتأديب والتوبيخ.فنعم. هذا (يأمركم) أي: يقول لكم: يا عباد الله! كونوا ربانيين.. تعلموا الكتاب والحكمة، واعملوا وعلموا؛ لتصبحوا منسوبين إلى الرب عز وجل، ويا لها من نسبة شرف!مصلح مربي.. ربان السفينة أصلها وقائدها.إذاً: هكذا يقول تعالى: مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ [آل عمران:79] لا والله! وَلَكِنْ [آل عمران:79] يقول: كُونُوا رَبَّانِيِّينَ [آل عمران:79] نكون ربانيين: بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ [آل عمران:79] وتدرّسون، فكن ربانياً، وعلم الكتاب ودرسه وادرسه. وَلا يَأْمُرَكُمْ [آل عمران:80] أي: حاشى هذا النبي وهذا الولي أن يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً تعبدونهم بعبادة الله.وهذا الاستفهام للإنكار والتوبيخ: أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:80]، أي: بعد ما أسلمتم قلوبكم ووجوهكم لله، وأصبحتم عباده يأمركم بالكفر؟! معاذ الله.إذاً: كل من أمرنا بأن نعبد غير الله بالدعاء، أو بالاستغاثة، أو بالذبح، أو بالحلف، أو بالنذر، أو بالطاعة في المعصية، معناه أنه أمرنا بالكفر ونحن مسلمون.وهذه الآية تتناولنا معشر المؤمنين! تناولاً حقيقياً، وهذا رسول الله بين أيدينا.ما كان لرسول الله ولا لغيره من أنبيائه أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة، ثم يقول للناس: اعبدوني؟! كونوا عباداً لي من دون الله؟! اسجدوا لي واركعوا؟! احلفوا بي وعظموني؟! لا. حاشاه.ولكن ماذا يقول لنا: كونوا ربانيين، فهيا نكن ربانيين بعلمنا للكتاب وتدريسه، فاجتماعنا على كتاب الله، وحفظه، وتعليمه، والعمل به هو الربانية الحقة.ولا يأمرنا أن نتخذ الملائكة والنبيين أرباباً، أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:80]. قراءة في كتاب أيسر التفاسير معنى الآيتين قال: [معنى الآيتين:ما زال السياق في الرد على أهل الكتاب، وفي هذه الآية الرد على وفد نصارى نجران خاصة، وهم الذين يؤلهون المسيح عليه السلام. قال تعالى: ليس من شأن أي إنسان يعطيه الله الكتاب، أي: أن ينزل عليه كتاباً ويعطيه الحكم فيه وهو الفهم والفقه في أسراره، ويشرفه بالنبوة فيوحي إليه، ويجعله في زمرة أنبيائه، ثم هو يدعو الناس إلى عبادة نفسه فيقول للناس: كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ [آل عمران:79]؟ إن هذا ما كان، ولن يكون أبداً]. إي والله.[ولا مما هو متصور الوقوع أيضاً، فما لكم أنتم يا معشر النصارى تعتقدون هذا في المسيح عليه السلام؟ إن من أوتي مثل هذا الكمال لا يقول للناس: كونوا عباداً لي، ولكن يقول لهم: كونوا ربانيين تصلحون الناس، وتهدونهم إلى ربهم ليكملوا بطاعته ويسعدوا عليها، وذلك بتعليمهم الكتاب وتدريسه ودراسته].الحمد لله فنحن الآن ندرس الكتاب -أربع ليالي على الأقل- ونعلمه، ونالنا هذا الفضل، وأنتم ربانيون، فمعكم قال الله وقال رسوله، ما قال سيدي فلان. فالحمد لله.قال: [هذا معنى الآية. أما الآية الأخيرة فإن الله تعالى يخبر عن رسوله محمد صلى الله عليه وسلم إنه لا يأمر الناس بعبادة غير ربه تعالى، سواء كان ذلك الغير ملكاً مكرماً أو نبياً مرسلاً، وينكر على من نسبوا ذلك إليه صلى الله عليه وسلم فيقول لهم: أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:80]، فهذا لا يصح منه ولا يصدر عنه بحال صلى الله عليه وسلم].وقد قلت: أرادوا أن يحيوه بالسجود، فقال: لا، بل قاموا له، قال: اقعدوا لا تقوموا لي، يخرج كالبدر ليلة القمر، فقد حاولوا أن يقوموا، فقال: لا تقوموا لي، فهذا الكمال المحمدي. هداية الآيات قال: [ هداية الآيات:أولاً: لم يكن من الممكن لمن آتاه الله الكتاب والحكمة وشرفه بالنبوة أن يدعو الناس لعبادة نفسه، فضلاً عن عبادة غير الله.ثانياً: سادات الناس هم الربانيون الذين يربون الناس بالعلم، والحكمة فيصلحونهم ويهدونهم] هؤلاء هم سادات الناس، ما هو سيد وهو يشرب الحشيش ويعلم السحر، فسادات الناس الربانيون الذين يربون البشر على حب الله وطاعته، والخوف منه والرهبة، ليكملوا بتلك الآداب ويسعدوا في الدنيا والآخرة، حقاً هؤلاء هم السادة.قال: [سادات الناس هم الربانيون الذين يربون الناس بالعلم ] الإلهي [ والحكمة ] الربانية [ فيصلحونهم ويهدونهم ] إلى سبل الكمال والسعادة في الحياة أيضاً.[ ثالثاً: عظماء الناس من يعلمون الناس الخير ويهدونهم إليه ] والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( من علم وعمل بما علم وعلمه غيره، دعي في السماء عظيماً )، وهذا مروي عن عيسى عليه السلام.[ رابعاً: السجود لغير الله تعالى كفر ] والله العظيم! السجود لغير الله تعالى كفر، وما زال من المسلمين من يسجد للشيخ، يطيح أمامه ويسجد [ السجود لغير الله تعالى كفر؛ لما ورد أن الآية نزلت رداً على من أرادوا أن يسجدوا للرسول صلى الله عليه وسلم فقال تعالى: أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُون [آل عمران:80]؟! ].فلا سجود إلا لله، ولا ركوع إلا لله، وبعض الإخوان ينحنون عن القوم. نقول: اعتدل وصافح، لماذا تنحني؟! تعلموا هذا في ديارهم، يأتي يصافحك ينحني! لا. صافحني وأنت مستقيم.نحن هذه وأولناها وقلنا: يا عسكري! قل: السلام عليكم؛ خشية أن تكون عبادة لغير الله، فكيف نركع ونسجد؟اللهم ثبتنا على منهج الحق وتوفنا عليه، إنك ولينا وولي المؤمنين.واغفر لنا ولإخواننا المسلمين، وارحمنا وإياهم أجمعين، وصلِّ اللهم على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين. ![]()
__________________
|
#10
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة آل عمران - (22) الحلقة (163) تفسير سورة آل عمران (29) إن الأنبياء هم أفضل خلق الله سبحانه وتعالى وأصدقهم، وما يكون لمن هذا شأنه بعد أن شرفه الله عز وجل بالنبوة والرسالة أن يدعو الناس إلى عبادة نفسه، فضلاً عن عبادة غيره، ومثل هذا الأمر من المحال، وما تصوره ولا ادعاه على أنبياء الله إلا اليهود والنصارى، وقد بين الله براءة أنبيائه من ذلك في كتابه العزيز. مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة آل عمران الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ) اللهم حقق لنا رجاءنا إنك ولينا وولي المؤمنين.وقد انتهى بنا الدرس إلى هذه الآيات الأربع تلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ * فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ [آل عمران:81-83].معاشر المستمعين والمستمعات! لا بأس أن نذكر أنفسنا بالآيتين اللتين درسناهما البارحة، والآيات صلتها قوية ببعضها البعض. قال تعالى: مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ [آل عمران:79].قال تعالى: مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ [آل عمران:79] لا، فحاشى وكلا، وَلَكِنْ [آل عمران:79] يقول لهم: كُونُوا رَبَّانِيِّينَ [آل عمران:79] أي: اعلموا واعملوا وعلّموا، تصبحون ربانيين، كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ [آل عمران:79].فهذه بشرى لنا -والحمد لله- أننا ربانيون، فالذين يعلمون كلام الله لعباده ويدّرسونه ويدرسونه هم الربانيون، لكن لا ننسى أنهم يعلمون ويعملون ويعلّمون، ( من علم وعمل بما علم، وعلّمه غيره دعي في السماء عظيماً )، فمن يرغب في أن يكون من الربانيين؛ فليتعلم كتاب الله، وليعمل بما علمه فيه، ولينقله إلى غيره فيعلمه سواه، فهذا هو الرباني، فمثل هذا لا يرضى أن يسجد له الناس أو يركعوا وينحنوا له، أو يحلفون برأسه، أو يستغيثون به. فقوله تعالى: مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ [آل عمران:79] أي: الفقه في الدين، وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ [آل عمران:79] فهيهات هيهات أن يقع هذا.فرد الله بهذا على اليهود والنصارى وعلى بدعهم، فقال لهم: وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ * وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:79-80] فحاشى وكلا.هذه فزنا بها، هي مع الآتيات من الآيات البينات. تفسير قوله تعالى: (وإذا أخذ الله ميثاق النبيين...) يقول تعالى مخاطباً رسوله ومصطفاه صلى الله عليه وسلم: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ [آل عمران:81] أي: اذكر لطائفة اليهود والنصارى الوقت الذي أخذ الله فيه ميثاق النبيين، ما من نبي ينبئه الله ولا رسول يرسله الله إلا يأخذ عليه، وعلى أمته هذا العهد الموثق المضبوط بالالتزامات.وهو: إذا بعث الله نبياً أو أرسل رسولاً على ذلك النبي أو الرسول وعلى أمته أن يؤمنوا به ويصدقوه، وتورط اليهود والنصارى، أخذ الله هذا الميثاق على عيسى كما أخذه على موسى، وهم يدعون اتباع موسى وعيسى، وبعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم فكان الواجب الحتمي أن يؤمنوا به ويصدقوه، فعكسوا فكفروا به وكذبوه، فيا ويلهم من الخلود في العذاب الدائم. معنى قوله تعالى: (وإذا أخذ الله ميثاق النبيين ...) قال تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ [آل عمران:81] والميثاق هو: العهد الموثق بالأيمان لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ [آل عمران:81] أي: مهما آتيتكم، وبلغ ذلك ما بلغ في العلم والمعرفة ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ [آل عمران:81]؛ لأن الرسول إذا كان يكذب ما عند الأنبياء من قبله ما هو برسول، ساحر أو دجال؛ لأن دعوة الله واحدة، فهيهات هيهات أن يأتي رسول ويكذب بما جاء به موسى أو عيسى أو إبراهيم، فهذا كاذب؛ فكل رسول يبعث ويرسل يصدق من كان قبله، ومن عاصرهم ووجدهم آمن بما عندهم ولا يرد شيئاً أو يكذبه.إذاً: اذكر يا رسولنا لهؤلاء اليهود والنصارى من نجران وغيرهم إذ أخذ الله ميثاق النبيين، وهم مائة وأربع وعشرين ألف نبي، مهما آتيتكم من كتاب أيها الرسل والأنبياء، وآتيتكم من حكمة وفقه ومعرفة. معنى قوله تعالى: (ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم...) قال تعالى: ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ [آل عمران:81] أي: وتقفون إلى جنبه يبلغ دعوته، فهذا الميثاق أخذه الله على الأنبياء والرسل.ثم قوله: قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ [آل عمران:81] أي: الاستفهام تقريري، وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي [آل عمران:81] أي: عهدي وميثاقي قَالُوا أَقْرَرْنَا [آل عمران:81] أي: أقررنا بهذه القضية وسلمنا.قال إذاً: اشهدوا أيها الرسل والأنبياء على هذه القضية التي تعلقت بكم، والله معكم من الشاهدين، وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ [آل عمران:81]كيف يصح إذاً ليهودي أو نصراني يعرف هذا ويكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم، ويكذب بما جاء به؟ كيف تبقى له صلة بالدين أو الإسلام أو العبادة؟!وهذا الله عز وجل يخبر عن نفسه ويقول لرسوله: اذكر هذا لليهود والنصارى المتبجحين بأنهم على الحق، وأنهم على الدين الصحيح، واذكر لهم هذا الميثاق، وهو قوله تعالى للنبي والرسول: إذا جاء رسول من رسلي أو نبي من أنبيائي، مهما كنت يا نبي، ويا رسول من العلم والمعرفة والكتاب والوحي، يجب أن تصدق بهذا الرسول وتنصره، ولا تقف ضده ولا تخذله؛ لأن دعوة الله واحدة هي: أن يعبد الله وحده عبادة تسعد أهلها في الدنيا والآخرة، وتنجيهم من الشقاء والعذاب في الدنيا والآخرة.فهل يصح لليهود أو النصارى أن يردوا على هذا؟!قال تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ [آل عمران:81] أي: مهما آتيتكم مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ [آل عمران:81] ما تعتزوا بذلك وتقولوا: لسنا في حاجة إلى موسى إن بعث أو محمد، فقال: ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ [آل عمران:81]، فإن جاء الرسول يكذب فليس برسول الله، هذا رسول الشيطان؛ لأن الله واحد ودعوته واحدة، والمبلغون عنه أمرهم واحد. معنى قوله تعالى: (لتؤمنن به ولتنصرنه...) ثم قال تعالى: لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ [آل عمران:81] واللام لام التوكيد للقسم، لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ [آل عمران:81] أي: ليس مجرد إيمان ويتركونه للأعداء، أو يقوم بالدعوة وحده وهم يضحكون، لا بد من الإيمان والنصرة، وأن تقفوا إلى جنبه حتى يبلغ رسالة ربه. معنى قوله تعالى: (قال: أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري ...) وقوله: قَالَ [آل عمران:81] أي: الله عز وجل لأولئك النبيين والرسل: أَأَقْرَرْتُمْ [آل عمران:81]؟ أي: بهذا الذي اعترفتم؟ قالوا: أقررنا وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي [آل عمران:81] وعهدي وميثاقي؟ قَالُوا أَقْرَرْنَا [آل عمران:81].إذاً: قَالَ فَاشْهَدُوا [آل عمران:81] قالوا: شهدنا، قال: وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ [آل عمران:81]. تفسير قوله تعالى: (فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون) فالآن لو يأتينا رسول أو نبي ويصدق ما عندنا، فلا نقف إلى جنبه ولا ننصره؛ لأن الله أغلق هذا الباب، وأعلمنا أنه ختمها بخاتم لا ينفض ولا ينقض، فمهما جاءنا رجل يدعي هذا نرد عليه أنه كذاب ودجال وليس برسول الله، لكن قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم كانت الرسل والأنبياء تتوارد في البلد الواحد عشرات، يجب على كل نبي أن يؤمن بالنبي الذي قبله، أو الذي جاء بعده، وأن ينصره ولا يخذله في دعوته، لكن بعد أن ختم الله الرسالات بخاتم الأنبياء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فكل من جاء يدعي النبوة وقال: أنا نبي أو رسول فهو ساحر ودجال يستتاب ثلاثة أيام أو يقتل.قال تعالى: فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ [آل عمران:82] أي: أعرض عن هذا العهد ونقضه ونكثه، ولم يؤمن بمن جاء يحمل هداية الله ولم يقف إلى جنبه ناصراً له، هذا هو الفاسق الخارج عن أمر الله وطاعته، فمن تولى بعد ذلك العهد والميثاق الذي أُخذ عليه، والمراد بهم: الرسل وأتباعهم وأممهم فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [آل عمران:82] وإن كان الرسول -والنبي حاشاه أن يفسق-، ولكن من باب هذا الخطاب لأمته، ومن باب الفرض أيضاً ليفهموا لو كان نبياً وفسق عذابه معروف. تفسير قوله تعالى: (أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض...) ثم قال تعالى: أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ [آل عمران:83]. سبب نزول الآية هنا ذكر في سبب هذه الآية: أن كعب بن الأشرف اليهودي -عليه لعائن الله- تجادل مع النصارى من نجران أو من غيرهم، وأتوا النبي صلى الله عليه وسلم ليحكم بينهم، في أي الفريقين على ملة إبراهيم النصارى أو اليهود؟ فحكم الرسول صلى الله عليه وسلم بأن كلا الفريقين ليس على ملة إبراهيم، لا اليهود ولا النصارى، أي: كلا الفريقين بريء من ملة إبراهيم؛ لأن ملة إبراهيم هي التوحيد وهي أن يعبد الله بما شرع وحده، فكل من عبد بغير ما شرع الله فهو من المبطلين، وكل من عبد الله وأضاف إلى عبادة الله عبادة غيره فهو مشرك وليس على ملة إبراهيم، (( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ))[النحل:120].إذاً فلما أعلمهم بالحق والواقع تبرءوا منه وقالوا: لن نؤمن بك. فقال تعالى: (( فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ))[آل عمران:82]. يتبع
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |