أمير الشام عماد الدين زنكي - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 13123 - عددالزوار : 347963 )           »          معركة شذونة.. وادي لكة.. وادي برباط (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 99 )           »          أخــــــــــلاق إسلامية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 490 )           »          إضاءات سلفية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 9 - عددالزوار : 2492 )           »          من أساليب التربية في القرآن الكريم ، أسلوب الحكيم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 139 )           »          موقظة في تعريف عقد البيع في الفقه الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 83 )           »          الوجيز في أحكام التداولات المالية المعاصرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 112 )           »          حكم التورق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 86 )           »          حكم التلفيق بين أقوال المذاهب الفقهية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 136 )           »          فائدة في كفارة اليمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 156 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > الملتقى العام > ملتقى أعلام وشخصيات
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى أعلام وشخصيات ملتقى يختص بعرض السير التاريخية للشخصيات الاسلامية والعربية والعالمية من مفكرين وأدباء وسياسيين بارزين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 14-03-2020, 04:53 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,245
الدولة : Egypt
افتراضي أمير الشام عماد الدين زنكي

أمير الشام عماد الدين زنكي


شريف عبدالعزيز الزهيري





أمير الشام عماد الدين زنكي

رائد الجهاد الإسلامي ضد الصليبيين


مقدمة:
عندما يحيا الإنسان لهدفٍ ما يجعله نصب عينيه بحيث لا يرى غيره ولا يعمل إلا لتحقيقه ولا يفكر في سواه، يدندن حوله ليل نهار، يسعى للوصول إليه بكل السبل، فإن هذا الإنسان مهما كان حاله يستحق الإعجاب والثناء والتقدير، كيف إذ كان هذا الهدف هو الدفاع عن الأمة الإسلامية وإنقاذ المقدسات الأسيرة وتحرير الأراضي المحتلة، كيف وإذا كان الساعي لتحقيق هذا الهدف السامي هو أول من سعى لتحقيقه؟ وكيف إذا كان معظم من حوله أو حتى كلهم يعمل ضده ويعيقه في هذا السعي الحميد؟ فهو كالمغرد والطائر وحده في سماء مليئة بالغيوم والكواسر، وبطلنا الذي سنسرد سيرته هو رائد الجهاد الإسلامي ضد الوجود الصليبي بالشام بعد أن ظن الجميع أنهم لن يخرجوا أبدًا من بلاد الإسلام، هذا البطل الذي كسر أسطورة الصليبيين الذين لا يقهرون هو البطل العظيم عماد الدين زنكي.

البطل ابن البطل:
كان من النتائج الطيبة لاهتمام الوزير العظيم "نظام الملك" بالعلم والمدارس وأهل الصلاح خلال وزارته لسلاطين السلاجقة العظام؛ ألب أرسلان وولده ملكشاه، وحرصه على استعمال الأكفاء وأصحاب الديانة في المناصب الهامة والقيادية، أن سطع نجم العديد من الرجال والأبطال على مستوى عال من الكفاءة والمسؤولية وكان لهم الأثر العظيم في حفظ بلاد الإسلام، من هؤلاء القائد "آق سنقر بن عبد الله التركي" الملقب بقسيم الدولة، وكان له مكانة عظيمة عند السلطان ملكشاه السلجوقي حتى إنه قد جعله واليًا على حلب، وقد قتل هذا القائد في دفاعه عن الدولة السلجوقية ضد الخارجين عليها ولم يترك وراءه سوى ولد صغير في العاشرة من العمر، هو بطلنا الفذ ورائد الجهاد ضد الصليبيين عماد الدين زنكي.

تولى الأمير كربوقا أمير الموصل تربية عماد الدين زنكي وتعهده بالعناية والرعاية وتعليمه فنون الفروسية والقيادة والقتال، ثم انتقل عماد الدين بعد ذلك للعمل في شحنة بغداد بعد أن أبان عن فروسية وذكاء وصلاح، وترقى في سلك الجندية حتى صار مقدم عساكر مدينة واسط ثم ظهرت كفاءته القتالية سنة 517 في قتاله مع الخليفة العباسي المسترشد بالله ضد أحد الثوار الشيعة واسمه "دبيس بن صدفة" مما جعل السلطان السلجوقي محمود يرقيه ليصبح قائد شحنة بغداد سنة 521 هجرية ويعطيه لقب الأتابك أي مربى الأمير، ذلك لأنه توسم فيه الخير والصلاح والنجابة، فعهد إليه بتربية ولديه ألب أرسلان وفروخ شاه.

من قيادة إلى ولاية:
بعد أن أصبح عماد الدين زنكي قائدًا لشحنة "شرطة" بغداد، حدث تغير كبير في مجرى الأحداث في منطقة الشام الملتهبة حيث توفى أمير الموصل عز الدين مسعود، وحاول بعض المنتفعين تولية ولده الصغير مكانه، ولكن قاضي الموصل بها، الدين الشهرزوري ذهب إلى السلطان محمود وطلب منه تعيين أمير قوي وكفء للموصل التي على حدود الشام حيث الوجود الصليبي الكثيف في سواحل الشام منذ ثلاثين سنة والذي أسفر عن قيام أربع ممالك صليبية [أنطاكية- الرها- طرابلس- بيت المقدس].

بعد تفكير سريع وإمعان نظر عميق قرر السلطان محمود أن يسند ولاية الموصل وأعمالها إلى بطلنا عماد الدين زنكي، الذي لم يجد السلطان محمود أفضل منه لهذه المهمة، وكانت هذه الولاية سنة 521 هجرية أي بعد شهور من قيادته لشحنة بغداد، وكان هذا التاريخ إيذانًا بعهد جديد في الصراع ضد الصليبيين وفاتحة خير على الأمة كلها.

الأوضاع على الجبهة الشامية:
عندما تولى عماد الدين زنكي الموصل تسنى له أن يرى الأوضاع على الجبهة الشامية عن قرب حيث كانت الصورة قاتمة، فالصليبيون قد احتلوا معظم سواحل الشام وأقاموا أربع إمارات صليبية بالشام والجزيرة، أما المدن والحصون التي تحت حكم المسلمين فهي تعاني من الفرقة والاختلاف والتنافر وربما التقاتل فيما بينها، فكل والٍ على مدينة يتعامل فيها كأنه ملك مستقل عن سائر البلاد، وأغلبهم بل كلهم يتقي شر الصليبيين ويتحاشى الصدام معهم خوفًا على ضياع ملكه وانهدام دنياه، وهذا الخذلان من ولاة الأمصار سهل للصليبيين مهمتهم وجعل وجودهم في الشام يترسخ شيئًا فشيئًا.
أضف إلى ذلك أن الأمصار الإسلامية كلها تقريبًا كانت في حالة فوضى واضطراب، فالخلاف على أشده بين أمراء البيت السلجوقي بعضهم بعضًا، كذلك الخلاف بين السلطان مسعود السلجوقي والخليفة العباسي المسترشد بالله على أشده.
ومن خلال النظر في هذه الأوضاع كلها قرر عماد الدين زنكي أخذ زمام المبادرة والقيام بعمل لم يسبقه فيه أحد، ووضع نصب عينيه هدفًا عظيمًا طالما حلم المسلمون بتحقيقه ولكن يتعد نطاقه الأحلام إلى الحقيقة، قرر البطل تحرير بلاد الشام من الوجود الصليبي.

بناء القاعدة الصلبة:
من البديهيات الأساسية في قتال أي عدو وطرد أي محتل وتحرير أي أرض أن تكون جبهة المقاومة والدفاع واحدة صلبة مجتمعة، إذ كيف يجاهد المسلمون بصف مهترئ ممزق؟! لذا كان أول ما سعى عماد الدين لتحقيقه هو تكوين وبناء القاعدة الصلبة للمسلمين بتوحيد الجبهة الداخلية للشام، وربما كانت هذه المهمة هي أصعب مرحلة في مراحل الانتصار.
بدأ عماد الدين زنكي بمدينة "حلب" فضمها إلى الموصل في 1 محرم سنة 522 هجرية أي بعد شهور قليلة من ولايته على الموصل مما يوضح أن هذا الرجل الفذ كان يملك خطة شاملة ورؤية واضحة معدة سلفًا لحركته بأرض الشام، ولم يكن ضمه لمدينة "حلب" بالشيء السهل، فلقد ظل محاصرًا لها عدة شهور قبل فتحها، وكان عليها بعض الطامعين المتغلبين، ثم قام بعدها بضم مدينة "حماة" في السنة التالية 523 هجرية، ثم ضم مدينة سرجي ودارا ثم حصن الأثارب وكان بيد الصليبيين، ثم انشغل عماد الدين زنكي بالخلافات العنيفة بين الخليفة المسترشد والسلطان مسعود، بل تورط فيها وذلك لعدة سنوات، ثم عاد بعدها لهدفه الأسمى وضم عدة قلاع للأكراد الحميدية والهكارية وقلعة الصور، واصل سعيه حتى استقامت له ديار بكر وإقليم الجبال سنة 528 هجرية.

استقامت معظم بلاد الشام لعماد الدين زنكي عدا ما كان بيد الصليبيين ودمشق قلب الشام وحاضرته وقد حاول زنكي ضم دمشق سنة 529 هجرية بعد أن أرسل إليه أهلها يطلبون ذلك منه صراحة ولكنه فشل بسبب أحد المتغلبين عليها واسمه "معين الدين أنر".

أسد الشام:
بعد أن تم لعماد الدين زنكي معظم ما أراد من تكوين القاعدة الصلبة، بدأ في العمل الحقيقي والجهاد الأصيل ضد أعداء الأمة المحتلين لمقدساتها، وكان الصليبيون قبل مجيء عماد الدين زنكي يخططون للاستيلاء على أرض الشام كلها ثم مصر بعدها، فلما جاء أسد الشام الجديد صار غاية سعيهم الحفاظ على ما تحت أيديهم.
ولما ازدادت قوة عماد الدين زنكي وثقلت وطأته على الصليبيين في الشام فكروا في الاستعانة بإمبراطور القسطنطينية "عمانوئيل"، ورغم الاختلاف المذهبي بينهم؛ فهم كاثوليك وهو أرثوذكس، إلا أنهم في النهاية صليبيون فوافق "عمانوئيل" على نجدتهم.

رجل المهام الصعبة:
أصبحت بلاد الشام في موقف حرج بالغ الخطوة؛ فإمبراطور بيزنطة "عمانوئيل" جاءها بجيوش جرارة سنة 532 هجرية، واخترق آسيا الصغرى، ولم يقدر أحد من سلاجقة الروم على إيقافه، ثم استولى على مدينة "بزاعة" وهي قريبة من حلب فغدر بأهلها بعد أن أعطاهم الأمان فقتلهم وسبى نساءهم، ودخل أهل الشام رعب شديد من وقوعهم بين مطرقة إمبراطور بيزنطة وسندان الصليبيين الفرنجة بالشام، وهنا برز رجل المهام الصعبة.

بعد نظر وتمعن في هذه النازلة العامة قرر عماد الدين زنكي العمل في اتجاهين:
الاتجاه الأول: مناوشة إمبراطور بيزنطة بشن حرب عصابات على معسكره باستخدام المجاهدين المتطوعين ضد الأعداء بالكر والفر وإظهار القوة والشجاعة وإرسال رسائل تهديد ووعيد لهذا الإمبراطور على الرغم من الفارق الضخم بين القوتين وذلك من أجل إرهاب البيزنطيين.
الاتجاه الثاني: فهو إيقاع الخلاف بين البيزنطيين والفرنجة، فلقد كان عماد الدين زنكي من دواهي العصر ذكاء وفطنة وحدة بصيرة، فلقد استغل الخلاف المذهبي بين الأرثوذكس والكاثوليك للتفريق بينهما، فأرسل إلى إمبراطور بيزنطة يخوفه من نكصان الفرنجة للعهود وأنهم يتربصون به، فإن فارق مكانه الذي فيه "قلعة شيراز" سيتخلفون عن نصرته، ثم أرسل إلى الصليبيين الفرنجة يخوفهم من إمبراطور بيزنطة ويقول لهم: إن ملك بالشام حصنًا واحدًا ملك بلادكم جميعًا.

نجحت خطة عماد الدين زنكي ووقع الخلاف بين الطرفين وانسحب الإمبراطور من الشام وترك المجانيق وأسلحة كثيرة بحالتها غنمها المسلمون وحرروا أسرى المسلمين، وارتفعت مكانة عماد الدين بين المسلمين وعظمت هيبته في صدور الصليبيين وأثبت للجميع أنه رجل المهام الصعبة.

وقد حاول بعدها فتح دمشق ولكنه فشل بسبب سياسة "معين الدين أنر" المتحكم في دمشق والتي كانت ستجلب وبالًا شديدًا على الشام كلها فتركها عماد الدين وضم شهرزور وأعمالها.

فتح الرها:
تقع إمارة الرها في منطقة الجزيرة وهي المنطقة الواسعة الواقعة بين العراق وسوريا، وقد فتحها المسلمون سنة 17 هجرية، و"الرها" من البلاد التي كان لها خصوصية عند البيزنطيين؛ لأنها إحدى المدن الدينية عندهم وكنت تنتشر بها الكنائس والصوامع، وأيضًا لها خصوصية عند المسلمين لكونها على حدود الدولة الإسلامية المشتركة مع الدولة البيزنطية، وكان الخلفاء دائمي الاهتمام بهذه المنطقة، ولكن مع ضعف الخلافة العباسية وخروج كثير من أجزائها عن سيطرتها تعرضت منطقة الرها للعدوان المتكرر من البيزنطيين.

وعندما انطلقت شرارة الحملات الصليبية احتل الصليبيون "الرها" وأقاموا بها أول إمارة صليبية بأرض الإسلام وذلك سنة 492 هجرية.
كانت الرها قريبة من الموصل وكان أميرها داهية صليبي اسمه "جوسلين" ففهم من تحركات عماد الدين زنكي أنه يخطط لفتح الرها فعمد إلى تقوية دفاعاتها والمبالغة في تحصينها وظل مقيمًا في الرها لا يفارقها أبدًا رغم أن زوجته وأولاده بفرنسا، ولكنه صبر في فراقهم من أجل الدفاع عن الرها وهكذا يكون عزم الرجال وهمة القادة.

كان عماد الدين زنكي يعرف قدر "جوسلين" ودهاءه وحنكته، لذلك وضع خطة في غاية الذكاء، فهو كما يقولون: "لا يفل الحديد إلا الحديد"، فلقد أظهر عماد الدين أنه مشغول بحرب القبائل الكردية التي تسيطر على قلاع كثيرة في منطقة ديار بكر "جنوب تركيا الآن" وهي قبائل ذات نزعة استقلالية ولا تقبل الانضمام لصف عماد الدين زنكي لدواعي عصبية وقبلية، وبالفعل انطلت هذه الخدعة على "جوسلين" الذي خفف من شدة التحصينات وتراخى في دفاعاته حتى إنه قد سافر لزيارة أهله في فرنسا، وكان عماد الدين زنكي قد بث العيون التي ترافع له الأخبار ليل نهار، فلما علم مغادرة "جوسلين" وتراخت الدفاعات، نادى في معسكر جيشه بالاستعداد للهجوم على الرها.

كان عماد الدين من أشجع الناس وأقواهم وأجرؤهم في القتال، لا يجاريه أحد من جنده في ذلك، وقبل القتال وضع عماد الدين مائدته للطعام وقال: "لا يأكل معي على المائدة إلا من يطعن معي غدًا باب الرها"، وهي كناية عن شدة القتال والشجاعة؛ لأن طاعن الباب يكون أول فارس في الجيش يصل لباب المدينة ولا يفعل ذلك إلا أشجع الناس، فلم يجلس معه على المائدة إلا صبي صغير فقيل له: ارجع مما أنت في هذا المقام، فقال له عماد الدين زنكي القائد المربي القدوة الذي يعرف كيف يحمس الشباب والنشء ويحفز طاقاتهم: "دعوه، فو الله إني أرى وجهًا لا يتخلف عني"، وبالفعل أثمرت هذه الكلمات عن طاقة جبارة عند الصبي، فكان أول طاعن وأول بطل في هذه المعركة، وفتحت المدينة في 6 جمادى الآخرة سنة 539 هجرية وكان لفتحها رنة شديدة في العالمين؛ الإسلامي والصليبي، فلقد كان أعظم انتصار حققه المسلمون على الصليبيين منذ دخولهم للشام منذ خمسين سنة، وأعاد ذاكرة الانتصارات لهم، وسرت روح جهادية كبيرة عند المسلمين بعدها، وعادت لهم الثقة وتغلبوا على الهزيمة النفسية تجاه الصليبيين والتي أقعدتهم عن السعي للتحرير عشرات السنين.
أما الصليبيون فقد نزلت بهم أعظم المصائب وفقدوا أهم وأول إمارة صليبية لهم بالمنطقة، ولقد قاموا بحملتهم الصليبية الثالثة على الشام سنة 543 هجرية لاسترجاع الإمارة ولكنهم فشلوا.

الأبطال لا يقتلون إلا غدرًا:
إن الأسود لا يقتلون إلا في الظلام، وإن الأبطال لا ينالون إلا بالغدر والخيانة، وتلك هي المأساة الكبيرة التي عانت منها أمة الإسلام على مر عصورها، فكلما ظهر فيها بطل أو قائد أو داعية أو عالم في الشرع أو في فرع من فروع العلوم أو نبغ أحد في أي مجال من المجالات التي ستحقق خيرًا ونفعًا للمسلمين فإن أعداء الأمة والدين يعملون على إزاحة هذا النابغة بشتى الوسائل إما بالإغراء والاستقطاب، أو بالسجن والنفي، أو بالقتل والغدر، وثبت الأبطال والأفذاذ الذين قتلوا غدرًا طويل وممتد منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم حتى وقتنا الحاضر.

بعد الانتصار العالمي في "الرها" ضاقت السبل على أعداء الإسلام، وأصبح كيانهم الصليبي بالشام والذي بنوه في خمسين سنة في خطر حقيقي في ظل وجود هذا الأسد الرابض، وبعد أن أعيتهم الحيل في ميادين القتال وصار ينتصر الأسد عليهم في كل مواطن، قرروا اللجوء إلى سلاح الغدر والخيانة والأيدي القذرة التي لا تعمل إلا في الظلام.

فكر الصليبيون في كيفية التخلص من عماد الدين زنكي وبعد تفكير وتقليب فيمن سيقوم بهذه المهمة قرروا إسناد مهمة الاغتيال لمجرمين محترفين مأجورين متخصصين في هذا الطريق وهم الحشاشون، وهي فرقة باطنية، وإحدى الفرق الشيعية، وقد أسسها رجل اسمه الحسن الصباح بعد أن تعلم الزندقة والإلحاد في مصر أيام المستنصر الفاطمي، ولما عاد إلى الشام أسس هذه الفرقة التي تعتمد على الاغتيال والغدر مقابل الأموال والضياع، وكان الباطنية أشد ضررًا وخطرًا على المسلمين من الصليبيين واليهود.

وبالفعل وفي 6 ربيع الآخر سنة 541 هجرية والبطل الفذ عماد الدين زنكي يحاصر أحد القلاع المطلة على نهر الفرات واسمها "قلعة جعبر" قامت مجموعة من الباطنية بالاتفاق مع الصليبيين بعد أن قبضوا الثمن بالتسلل إلى معسكر عماد الدين زنكي واندسوا بين حراسه، وفي الليل دخلوا عليه خيمته وهو نائم وقتلوه، رحمه الله، وهكذا مات البطل وترجل الفارس وحط الراكب بعد حياة طويلة كلها جهاد وكفاح ونصرة للإسلام وأهله وبعد أن أحيا ما كان مندثرًا وأعاد ما كان مفقودًا ووضع الأساس المتين لمن جاء بعده، فرحمه الله رحمة واسعة، وغفر له ما كان من خطايا وزلات.

واسمع ما قاله عنه المؤرخون:
قال ابن الأثير في وصفه: "كان شديد الهيبة في عسكره ورعيته، عظيم السياسة، لا يقدر القوي على ظلم الضعيف، وكانت البلاد قبل أن يملكها خرابًا من الظلم وتنقل الولاة ومجاورة الفرنج، فعمرها وامتلأت أهلًا وسكانًا، وكان أشجع خلق الله".
وقال عنه ابن كثير: "وقد كان زنكي من خيار الملوك وأحسنهم سيرة وشكلًا، وكان شجاعًا مقدامًا حازمًا، خضعت له ملوك الأطراف، وكان من أشد الناس غيرة على نساء الرعية، وأجود الملوك معاملة وأرفقهم بالعامة".
ولعل أكثر ما تميز به عماد الدين زنكي عن قادة زمانه هو فهمه لحقيقة المشكلات التي تعاني منها الأمة الإسلامية وإحساسه بالمسؤولية تجاه أمته وإيثاره لمصلحتها على مصلحته الخاصة، وعمله بمقتضى ما يجب عليه وقتها، لذلك فاق ملوك زمانه وعلا ذكره عنهم، ويكفيه فخرًا أنه قد خلف وراءه بطلًا عظيمًا مثله وزيادة هو "نور الدين محمود".
وقد لقب الناس عماد الدين زنكي بالشهيد لحرصه على طلب الشهادة في كل لقاء مع الأعداء حتى قدرها المولى جل وعلا له في آخر السعي.

المراجع والمصادر:
1- الكامل في التاريخ.
2- البداية والنهاية.
3- سير أعلام النبلاء.
4- شذرات الذهب.
5- البرق الشامي.
6- الروضتين في تاريخ الدولتين.
7- وفيات الأعيان.
8- الطريق إلى بيت المقدس.
9- محاضرات الدولة العباسية.
10- المنتظم.
11- النجوم الزاهرة.
أبطال سقطوا من الذاكرة، دار الصفوة بالقاهرة، 1427 هـ، 2006 م.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



مجموعة الشفاء على واتساب


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 66.20 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 64.53 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.53%)]