|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع (كتاب المناسك) شرح فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي الحلقة (246) صـــــ(1) إلى صــ(27) شرح زاد المستقنع باب الهدي والأضحية والعقيقة [2] شرع الله سبحانه وتعالى أحكاماً للذبح والنحر وهي ما يسمى بأحكام التذكية، فللتذكية طرق وشروط وسنن ينبغي على المذكي العلم والإحاطة بها، وللأضحية أيضاً وقت لا تجزئ إلا إذا ذبحت فيه، فلا يجوز تأخير ذبحها عن وقتها المحدد شرعاً. أحكام التذكية يقول المصنف رحمه الله: [والسنة نحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى].لما فرغ رحمه الله من بيان الأحكام المتعلقة بالعيوب، كأنه قد هيأ لك البهيمة التي يجوز أن يضحى بها، وكأن سائلاً يسأل: إذا تمكنت من الأضحية، وكانت سليمة من هذه العيوب التي ذكرت، فما هي السنة وما هو هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذبح والنحر؟ طرق التذكية الشرعية هناك طريقتان للتذكية الشرعية، والحيوان ينقسم إلى قسمين: إما أن يكون مستأنساً، وإما أن يكون متوحشاً. أما الحيوان المستأنس فكالإبل والبقر والغنم والطيور إذا أمسكتها، والدجاج الداجن، فهذه الحيوانات لها تذكية معينة، وهناك نوع ثان من التذكية الشرعية للحيوان الذي لا تقدر على إمساكه وأحلّ الله لك أكل لحمه، كالطير في الهواء، والوعل والظبي والغزال والريم ونحوها من صيد البر، فهذا النوع من الحيوانات له تذكية ثانية، ومن ثم اصطلح أهل العلم على تسمية الأول: بالمستأنس؛ لأنه يأنس بك وتأنس به، ولذلك فإن الشاة إذا جئت لتذبحها تكون في متناول يدك، وأما الحيوان الذي لا تستطيع إمساكه إلا بالغلبة وبالحيلة والقهر -وهو الصيد- فله تذكية خاصة؛ وذلك بأن ترميه بالسلاح في أي موضع من بدنه وتعقره، فإذا عقرته وأهلكته بهذه الرمية أو الطلقة من سلاحك فإنه حينئذٍ يكون حلالاً لك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أنهر الدم وذكرت اسم الله عليه فكلْ)، وقال له عدي : (يا رسول الله! إني أصيد بكلبي المعلم وبكلبي غير المعلم، وبهذه الباز، فما يحل لي؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ما صدت بكلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكلْ)، فجعل للصيد رخصة، وسنتكلم -إن شاء الله- عن مباحث ومسائل الصيد، وكيفية التذكية في هذا النوع الذي رخص الشرع فيه في باب أحكام الصيد، لكننا سنتكلم هنا عن كيفية هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الحيوان المستأنس الذي يضحي به الإنسان من الإبل والبقر والغنم. فالحيوان المستأنس من الإبل والبقر والغنم تنقسم تذكيته الشرعية إلى قسمين: فإما أن تذكيه بالنحر، وإما أن تذكيه بالذبح. فأما النحر: فهو أن تطعن البعير في الوهدة التي في أسفل عنقه عند التقائه بالصدر -تسمى في اللغة الوهدة- فتطعن بالسكين أو الخنجر أو نحوه من السلاح الذي ينهر الدم، وهذا يسمى: نحر. وأما الذبح فإنه يكون بإضجاع البهيمة على جنبها ثم ذبحها، وذلك بإنهار دمها من جهة عنقها، ويكون ذلك بقطع المريء والحلقوم وأحد الودجين، وهما العرقان اللذان في الرقبة. السنة في تذكية الإبل والسنة في الإبل أن تنحر ولا تذبح، ولكن إن فعله أجزأه؛ وذلك لأنه إنهار للدم مع ذكر اسم الله عز وجل، وأما الشاة فإنها تذبح ولا تنحر؛ إذ ليس فيها موضع للنحر، وإنما هي من جنس ما يذبح وليس من جنس ما ينحر، وأما البقر ففيه الموضعان، فيمكن أن ينحر أو أن يذبح، وبكلٍ قال جمع من العلماء رحمهم الله، وكلٌ جائز إن ذبح أو نحر، وأياً ما كان فقال رحمه الله: (والسنة أن تنحر الإبل قائمة).فإذا قلنا: إن الإبل تنحر، فالنحر يكون على حالتين: الحالة الأولى: أن تكون قائمة. الحالة الثانية: أن تكون باركة. فأما إذا كان الإنسان يريد تذكيتها ذكاة شرعية على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته الكريمة؛ فإنه يبعثها قائمة، ويعقل يدها اليسرى، ثم بعد ذلك يطعن في وهدتها وينحرها حتى تسقط، ولذلك قال الله تعالى في الإبل: (فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا )[الحج:36]، أي: سقطت واستقرت على الأرض، يقال: وجب الشيء إذا سقط، ويقال: وجب الحائط إذا سقط، ومنه قول أبي بردة رضي الله عنه في الحديث: (والمغرب إذا وجبت)، أي: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي المغرب إذا سقط قرص الشمس وغاب ضوؤها. فالمقصود: أن الله عز وجل جعل البدن -وهي الإبل- من جنس ما ينحر وهو قائم، ولذا قال المصنف: (والسنة) أي: هدي النبي صلى الله عليه وسلم في تذكية الإبل نحرها قائمة. وقد مر عبد الله بن عمر رضي الله عنه على رجل يريد أن ينحر بعيره باركاً، فقال له: (ابعثها قائمة سنة نبيك صلى الله عليه وسلم). فقوله: (ابعثها قائمة)، أي: انحرها وهي قائمة، فإن ذلك هو هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقوله: (معقولة يدها اليسرى) أي: تربط يدها اليسرى ولا تترك كما هي، ويذكر بعض الأطباء أن في هذا حكمة: وهي أن شرايين القلب في الجهة اليسرى تكون أقوى، وعندما تعقل اليد اليسرى يكون ضخ الدم عند النحر أقوى، فهو إخراج للدم الفاسد بصورة أبلغ، ولذلك حرم الله الميتة؛ لأن الدم ينحبس فيها فيكون فيها من الأضرار والمفاسد ما الله به عليم، ولذا كان إنهار الدم فيه حكمة عظيمة، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (ما أنهر الدم)، أي: أجراه. قال رحمه الله: [فيطعنها بالحربة في الوهدة التي بين أصل العنق والصدر]. وهذا كما ذكرنا سابقاً؛ لأن هذا يسمى بالنحر، فيقول عند النحر: باسم الله، ويكبر، ثم يطعن في الوهدة، وينوي ما هو فيه من نسكه، كأن يكون دماً واجباً عليه في النسك، أو غير ذلك من الدماء الواجبة عليه، وقوله: (فيطعنها بالحربة)، ليس هذا الحكم خاصاً بالحربة، وإنما هو يشمل كل شفرة، حتى لو أخذ حجراً مدبباً مسنماً كالسكين وطعن به فإنه يجزيه، وهكذا لو أخذ حديدة وشحذها فإنها تجزيه؛ وذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (هلمي المدية، ثم قال: اشحذيها بحجر)، والمراد بذلك السكين، فسواء طعن بسكين، أو خنجر، أو حتى بحجر؛ لأنه ثبت في الحديث الصحيح: (أن امرأة كانت ترعى غنمها جهة سلع -وهو جبل غربي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة- فعدى الذئب على غنمها، فصاحت بالناس، فأدركوه قد بقر بطن الشاة، فقامت إلى حجر فكسرته وذكت الشاة)، وقد أخذ العلماء رحمهم الله من الحديث عدة فوائد: الفائدة الأولى: أنه يجزئ أن يضحى بكل شيء له نفوذ وتأثير بالقطع من كل محدّد، ولا يختص ذلك بالحديد، فلا نقول: إنه لا تصح التذكية إلا بالسكاكين، بل يصح أن تكون التذكية بالحجر المسنن، لكن لا يجوز أن يذكى بالعظم؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم استثناه وقال: (إلا السن فإنه مدى الحبشة)، وقوله: (مدى الحبشة) كأنه من باب المخالفة لأهل الكتاب، وعلى هذا فإن الحديث دل على جواز التذكية بكل ما يقطع ويفري. الفائدة الثانية: جواز تذكية المرأة، على خلاف ما يعتقده بعض الجهال اليوم من أن المرأة لا تذبح ولا تنحر، وأن البهيمة إذا ذبحتها المرأة فإنها ميتة، وهذا كله -والعياذ بالله- من بقايا الجاهلية، ومن فعل ذلك أو اعتقده ففيه بقايا الجاهلية -نسأل الله السلامة والعافية- فالمرأة كالرجل في هذا في حكم الله عز وجل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يأكلوا الشاة، وأحلها لهم. الفائدة الثالثة: وهي ما يسمى بالحياة المستعارة، وهي أن تكون البهيمة في آخر رمق، كأن تصدمها سيارة، أو تسقط من مكان عال، فتدركها قبل أن تموت، وهي في آخر رمق ترفس، ثم تنهر دمها، فقال بعض العلماء: إذا كانت في آخر رمق، فإن هذه التذكية لا تجزئ؛ لأن القاعدة عندهم في الحياة المستعارة أنها كالعدم، والسبب في هذا: أن نفسها فلتت بسبب الضربة الموجبة لتحريم أكلها؛ لأنها إذا ضربت بسيارة فهي في حكم المتردية، وإذا سقطت من على جبل فأدركتها وهي ترفس فقالوا: إنها متردية، وعلى هذا قالوا: لا يجوز تذكيتها. ولكن هذا الحديث قد يقوي القول بأنه يجزئ أن يؤكل مثل هذا؛ لأن الذئب بقر بطن الشاة، وإذا بقر بطنها فالغالب أنها لا تعيش، وإن قال بعض العلماء: يمكن أن ترد لها أمعاؤها وتعيش، وهذا يقع في الآدميين وفي البهائم، وأياً ما كان فالمسألة محتملة. وقد تفرعت عن هذه المسألة مسألة معاصرة في زماننا، وهي التي تسمى: بموت الدماغ، فإنها حياة مستعارة، فنظراً لوجود الحركة اللإإرادية جعل النبي صلى الله عليه وسلم هذه الحياة المستعارة عند إنفاذ المقاتل ووجود الدلائل على إقدام النفس على الموت جعلها تأخذ حكم الحياة المستقرة، وتوضيح ذلك: أن الشاة لما بقر الذئب بطنها فإنها ستموت قطعاً فلما جاءت تذكية المرأة جاءت وكأن الشاة نفسها مختلفة، فهذا الذي فيها من الحركة إما أن تقول: نفس مستقرة. فتنزل المعدوم منزلة الموجود. وإما أن تقول: نفس غير مستقرة، فالذكاة لاغية، فلما أعمل الذكاة ورآها مهمة ومعتبرة أعمل الحركة، وأبقى الحياة المستعارة مؤثرة، وعلى هذا فإنه يقوي قول من قال من العلماء المعاصرين: إن موت الدماغ ليس بموت، وهذا هو الصحيح، كما بيناه غير مرة، وذكرنا أنه هو الأصل، والأدلة تقوي هذا، وعليه فإن الحياة غير المستقرة تكون حياة ثابتة. إذاً: فالتذكية تكون بكل محدد ينهر الدم على ظاهر السنة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم. السنة في تذكية البقر والغنم قال رحمه الله: [ويذبح غيرها، ويجوز عكسها].قوله: (ويذبح غيرها) يعني: غير الإبل، من البقر والغنم، فكأنه يرى أن السنة أن لا تنحر البقر، ويرى أن السنة في البقر الذبح، وهذا يختاره جمع من العلماء. وقال بعض العلماء: السنة في البقر النحر، ويجوز فيه الذبح. والصحيح: أنه يجوز فيه الأمران: الذبح، وفيه النحر. أما قوله: (ويجوز عكسها)، فلو أنه نحر البقر بدلاً من أن يذبحها، فإن هذا العكس يجزئ، ولو ذبح البعير بدلاً من أن ينحره؛ فإن هذا يجزئ. ما يقوله المذكي حال التذكية قال المصنف رحمه الله: [ويقول: باسم الله، والله أكبر، اللهم هذا منك ولك].قوله: (ويقول: باسم الله) وجوباً؛ لأن الله تعالى يقول: (فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا )[الحج:36]، فأمر الله سبحانه وتعالى بذكر اسمه عليها، وقال: (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ )[الأنعام:121] ، وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكلْ)، هذا شرط، ومفهوم الشرط معتبر، وقال صلى الله عليه وسلم: (ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه)، وهذا شرط، ومفهوم الشرط معتبر، وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا صدت بقوسك وذكرت اسم الله عليه فكلْ)، فقوله: (فكلْ) يدل ويؤكد على أن التسمية واجبة، وأنه إذا نسي التسمية أو تركها عمداً فأصح الأقوال: أنه لا تجزئ ذبيحته، ولا يجوز أكلها. وقوله: (اللهم هذا منك ولك)؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (اللهم هذا منك، أنت الذي رزقتنا، وأنت الذي سخرته لنا)، ولا شك أن هذا من توحيد الله جل جلاله؛ أن يعترف المخلوق بنعمة الخالق عليه، والله سبحانه وتعالى يحب من عبده أن يثني عليه بنعمه الظاهرة والباطنة والدينية والدنيوية، فإذا تمكن من الشاة أو البقرة أو الناقة يريد أن يذكيها وقال: (اللهم هذا منك، أنت الذي رزقتنيه -فكم من فقير لا يجد السبيل إلى مثل هذا- وأنت الذي سخرته لي)، فلولا أن الله سخر له هذه البهيمة يذبحها وينحرها لما استطاع أن يذبح ولا أن ينحر، وقوله: (اللهم هذا منك ولك) أي: أن هذا الشيء تملكه، فاللام للملكية، (لك) أي: ملك لله سبحانه، فالله عز وجل مالك الملك وبيده ملكوت كل شيء، يطعم ولا يُطعم، ويرزق غيره ولا يرزق، سبحانه ذو القوة المتين. وما ألذ النعمة إذا كان الإنسان في ظاهره وباطنه يعتقد فيها الفضل لله جل جلاله، ولذلك يقول العلماء: شكر النعم يكون بالجنان واللسان والجوارح والأركان، فمن شكر النعمة بالجنان: أن تعتقد أن هذا من الله. وقوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم هذا منك ولك) فيه توحيد وإيمان وتسليم لله جل جلاله، فليس هذا بحولنا ولا قوتنا، ولذلك لما رأى سليمان عليه السلام عرش بلقيس بين يديه قال: ![]() ![]() ![]() ![]() ثم نطق عليه الصلاة والسلام بما اعتقد فقال: (اللهم هذا منك) أي: يا الله هذا الذي بين يدي من بهيمة الأنعام أتقرب به إليك. وقيل: (لك) أي: أذبحه لك، وهذا من توحيد العبادة، فلا يجوز أن يذبح إلا لله عز وجل، ولا يستغيث ولا يستجير ولا يستعيذ إلا بالله سبحانه وتعالى؛ لأن من توحيد الألوهية أن لا يذبح إلا لله، ولذلك لعن الله من ذبح لغير الله، قال صلى الله عليه وسلم: (لعن الله من لعن والديه، لعن الله من ذبح لغير الله، لعن الله من غيّر منار الأرض) ، فهذه الأمور ورد فيها الوعيد الشديد؛ لعظم كفر العبد فيها، فإنه إذا ذبح لغير الله فقد كفر نعمة الله عز وجل وصرف ما لله لغير الله. فقوله: (ولك) أي: توحيداً لله عز وجل، فالذبح لا يكون إلا الله، فلا يكون لنبي مرسل، ولا لملك مقرب، ولا لعبد ولو كان من أصلح عباد الله، قال الله عز وجل: ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() وإذا كان له آل بيت يقول: اللهم هذا عني وعن أهل بيتي، أو يبين إذا كان ذبحه هذا عن فريضة واجبة عليه أو عن دم في نسك؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلفظ بنيته وقال: (اللهم هذا عن محمد وعن آل محمد). استحباب تولي الذبح قال رحمه الله: [ويتولاها صاحبها، أو يوكل مسلماً ويشهدها ].قوله: (ويتولاها) أي: يقوم على ذبحها ونحرها (صاحبها)، وهذا الأفضل؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر إبله بيده الشريفة بأبي هو وأمي صلوات الله وسلامه عليه، ووكل علياً رضي الله عنه أن ينحر بقية المائة؛ لأنه نحر ثلاثاً وستين بدنة بيده الشريفة ثم ترك سبعاً وثلاثين لـعلي رضي الله عنه، لأنه أهدى إلى البيت في حجة الوداع مائة من الإبل صلوات الله وسلامه عليه، فجمع بين الأمرين: بين الأصالة والوكالة، فدل على جواز التضحية وقيام الإنسان بالتذكية أصالة بنفسه، وعلى جواز توليته وتوكيله لغيره، فإذا قام بها بنفسه فهذا أفضل وأكمل وأعظم أجراً؛ لما فيه من الذلة لله سبحانه وتعالى، ولما فيه من التأسي برسول الأمة صلى الله عليه وسلم، والأكثر تعباً أعظم أجراً. فالأفضل له أن يليها بنفسه، ويجوز أن يوكل غيره؛ لكن يشترط إذا وكل غيره بالذبح أن يكون عالماً بطريقة الذبح المجزئة، فلا يوكل أي شخص، وإنما يوكل من له علم وإلمام بكيفية الذبح، ولا تبرأ ذمته إلا بمثل هذا، أي: من يعرف التذكية الشرعية، وإذا وكله فإنه يعهد إليه بما يلزم في أضحيته. ومعنى قوله: (ويشهدها) أي: يحضر ذبحها على الكمال، وإذا لم يحضر فلا بأس، فلو أراد الحج وترك أضحيته في البيت، وقال لأحد أبنائه: اذبح هذه الأضحية يوم النحر، ووكله أن يقوم بذبحها، فلا إشكال، فلا يستطيع أن يترك حجه ليحضر ذبحها. والشهادة تعني الحضور، كما قال الله تعالى: ![]() ![]() وقوله: (يشهدها) أي: يحضرها -على الأفضل- لأنه إذا حضرها فإنه أبلغ أن تبرأ الذمة، وأن يكون محتاطاً في توزيعها والقيام عليها على أتم الوجوه. وكذلك الوكيل يشهدها؛ لأن من تمام الوكالة أن يقوم عليها، ولذلك وكل رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً بذبح ما بقي من هديه وأمره أن يقوم عليها، وأن يتصدق بجلودها وأجلّتها، وأن لا يعطي الجزار منها شيئاً، فدل على أن الوكيل لا يعهد لغيره يذبحها، إنما يتابعها ويقوم بها؛ لأنه مؤتمن، ولا تبرأ ذمته إلا إذا أدى الأمانة على وجهها ونصح لصاحبها. يتبع
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع (كتاب المناسك) شرح فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي الحلقة (251) صـــــ(1) إلى صــ(6) شرح زاد المستقنع - أسئلة وأجوبة في الحج حكم من حج وهو صبي ثم بلغ السؤال شخص حج وهو صغير، لكنه بعد البلوغ شك في حجه، هل هو صحيح أم لا، فهل يسقط عنه الحج بهذه الحجة أم يعيدها، أرجو التوضيح أثابكم الله؟ الجواب باسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد: فإن حج الصغير لا يجزيه عن حجة الإسلام، فإذا حج قبل أن يحتلم فإن حجه نافلة، ولا يجزئ عن حج الفريضة، ولذلك يطالب بإعادته بعد البلوغ. والله تعالى أعلم جواز قراءة القرآن حال السعي والطواف السؤال هل يجوز قراءة القرآن حال السعي بين الصفا والمروة والطواف بالكعبة، أثابكم الله؟ الجواب لا حرج في قراءة القرآن في الطواف والسعي، والسنة أن يدعو؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا، فإن قرأ القرآن فلا حرج، ولكنه إذا دعا وسأل الله من فضله تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم فذلك أبلغ في الاقتداء والائتساء. والله تعالى أعلم جواز الحج عن الغير مع نية التجارة السؤال إذا حججت عن امرأة متوفاة، وذلك مقابل مبلغٍ من المال، فما هي صيغة الدعاء لها؟ وهل يجوز لي أن أعمل بسيارتي بالإضافة للحج عنها، أثابكم الله؟ الجواب ليست هناك صيغة معينة للدعاء، فيدعو الإنسان للميت دعاءً مطلقاً، ويدخل في هذا الدعاء ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من سؤال الله العفو والمغفرة له (قال: يا رسول الله! هل بقي عليَّ من بري لوالدي شيءٌ أبرهما به بعد موتهما؟ قال: نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما). فالدعاء مطلق، وأما ما ورد عنه عليه الصلاة والسلام من دعائه أبي سلمة حينما دخل فسمع أهله يصيحون لما قضى، فقال: (لا تدعوا على أنفسكم فإن الملائكة يؤمنون، ثم قال: اللهم اغفر لـ أبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، اللهم أفسح له في قبره ونور له فيه)، فإذا دعا الإنسان لوالديه أو دعا للميت، فيقول: اللهم اغفر لفلان، اللهم اغفر لفلانة، اللهم ارفع درجتها في المهديين، اللهم ارفع درجته في المهديين، واخلفها في عقبها في الغابرين، واغفر لنا ولها يا رب العالمين، وأفسح لها في قبرها ونور لها فيه. فهذا الدعاء يثاب صاحبه؛ لأنه تأسى بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهو أرجى للإجابة؛ لما فيه من الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم والائتساء به، وهكذا الدعاء له بالمغفرة العامة لذنوبه صغيرها وكبيرها، والتجاوز عنه ورفع درجته، إلى غير ذلك من الأدعية المطلقة، فلا حرج فيه، فإذا حج الإنسان عن ميت دعا له واستغفر له وترحم عليه، وخاصة في مواطن ومظان الإجابة. أما إذا حججت عن إنسان وأردت أن تعمل بسيارتك في الحج، فالصحيح أن الحج لا يمنع التجارة، لقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة:198]، فإنها نزلت فيمن يريد الحج والتجارة، وهذا يدل على أنه إذا كانت نية العبادة هي الأصل، ونية الدنيا تبعاً، فإن ذلك لا يؤثر، ومن أمثلتها: إذا درس الطالب على أساس أن يكون موظفاً وينتفع بدراسته، فإنه إذا نوى أن يطلب العلم لنفسه ثم بعد ذلك ينتفع بمصلحة الدنيا فلا حرج؛ لأن الله تعالى يقول: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة:198]، فجعل نية الدنيا تبعاً لنية الآخرة، ولم يؤثر في الحج أن يكون قصد من ورائه التجارة، وعلى هذا فإنه لو سأل الله الرزق بسيارته أو دابته أو بنفسه، أو اشتغل في حمل متاع أو نحو ذلك، فلا حرج عليه، وهكذا إذا صنع طعاماً، ولكن لا يشغله عن المقصود الأهم من ذكر الله عز وجل وإقامة شعائره في حجه. والله تعالى أعلم معنى حديث: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه) السؤال نرجو توضيح قول النبي صلى الله عليه وسلم فيمن تقبل الله حجه: (رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه) أثابكم الله؟ الجواب هذا الحديث يدل دلالة واضحة على أن من حج ولم يرفث ولم يفسق، وكانت نيته خالصة لوجه الله عز وجل، وأعطى لهذه العبادة حقها، وأقام لها حقوقها، فإنه يرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، بلا ذنب لا صغير ولا كبير، وهذا حديث عام، وقال بعض العلماء بالتخصيص، ولكنه ضعيف، والصحيح: أنه لا يبقى له ذنب لا صغير ولا كبير على ظاهر النص؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)، قال العلماء: وهذا أمر عزيز، ولا شك أنه لا يمكن أن يكون إلا بجهد جهيد، وتوفيق من الله عظيم، والسبب في ذلك واضح، ولذلك قال تعالى: {فَلا رَفَثَ} [البقرة:197]، وفي الحديث: (من حج هذا البيت فلم يرفث)، وفي الحج تكون هناك من المناظر التي لا يستطيع الإنسان أن يحفظ بصره ويغضه إلا بخوف من الله شديد، ومراقبة لله سبحانه وتعالى، ويحفظ جوارحه؛ لأن الرفث يشمل كل ما يكون من دواعي الشهوة، فيشمل ذلك حركاته وسكناته وكلماته، وما يكون منه من أفعال، خاصة إذا كان معه أهله وزوجه، فإن هذا يحتاج إلى نوع من المجاهدة. والفسق هنا يشمل صغائر الذنوب وكبائرها، بمعنى: أنه لم تحدث منه أي زلة ولا خطيئة، إلا ما كان من اللمم الذي يغفره الله عز وجل بالصلوات الخمس، فإذا حفظ الإنسان نفسه، فحينئذٍ قالوا: إذا حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق؛ رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، فهو نصٌ صحيح صريح لم يستثن شيئاً، ولذلك القول: بأنه تغفر له جميع الذنوب صغيرها وكبيرها قول صحيح. لكن بعض العلماء يقول: إن الحقوق التي للناس لا تغفر، والسبب في هذا أنه يشترط في التوبة رد المظالم، والجواب: أنه يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، فهو ويمكن أن يجاب: بأن الله يتحمّل عنه حقوق عباده، إذا كان لم يستطع القيام بها، وهذا اختاره بعض العلماء والأئمة إعمالاً للنص على ظاهره، أي: أنه يرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وما كان من حقوق للعباد خاصة إذا عجز عن وفائها وأدائها فالله عز وجل يتحملها عنه، وكان بعض العلماء يقول: قلّ أن يحج إنسان ويوفق للحج المبرور إلا وظهرت عليه دلائل التوبة النصوح، ووفقه الله عز وجل حتى للخروج من المظالم، وهذه من رحمة الله، فإن الله إذا أراد أن يعفو عن عبده ويغفر له هيأ له أسباب العفو والمغفرة، حتى إنه ربما تكون بينه وبين إنسان مظلمة، ولم ير هذا الإنسان منذ زمن بعيد، فيشاء الله أن يراه في ساعة لا يتوقع رؤيته فيها، كل ذلك من حبه سبحانه للعبد، فإذا أحب الله العبد ورأى منه صدق التوبة والإنابة هيأ له كل أسباب القبول، ووضع له أسباب الزيادة من البر والإحسان والخير والطاعة، كما قال سبحانه وتعالى وهو أصدق القائلين يعد عباده المهتدين: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ} [محمد:17]. فالذي يصدق مع الله، ويقوم بالفرائض، ويؤديها على أتم الوجوه، يهيئ الله له من عنده بتيسيره وفضله ومنّه وكرمه ما يكون معونة له على القبول، وعلى حصول الخير المرجو من طاعته، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، ولذلك يقول العلماء: لهذا القبول أثر وله حلاوة يعرفها من عرفها، ويجدها من وجدها. نسأل الله بأسمائه وصفاته أن لا يجعلنا من المحرومين، وأن يجعلنا من عباده المرحومين. والله تعالى أعلم حكم من كان سريع النسيان فيقصر أو يترك من العبادات السؤال من كان سريع النسيان وبه خلل عقلي، فهل يأثم على ما يتركه أو يقصر فيه، أثابكم الله؟ الجواب من كان سريع النسيان أو به خلل في عقله، فهذا بلاء، والله عز وجل يبتلي من يشاء، وقد يحب الله عبداً من عباده فيختار له منزلة ودرجة في الجنة لا يبلغها بكثير صلاة ولا صيام، وإنما يبلغها بالبلاء، فيبتليه، فيصبح أصماً أو يصبح أخرس، فلا يتكلم في أعراض الناس، ولا يقع في غيبة ولا نميمة، ويسلمه الله من هذه الشرور والآفات لرحمة يريدها له في الآخرة. وهكذا إذا كان سريع النسيان، فإنه سبحانه وتعالى قد يبتليه بهذا الابتلاء لرحمة يريدها به، فما عليه إلا أن يحمد الله على بلائه، وكما في الحديث الصحيح: (فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فعليه السخط). وكان السلف الصالح رحمة الله عليهم يحبون البلاء، فإذا نزل بهم البلاء رضوا عن الله، وهذا هو مقام الرضا؛ وهو من أشرف المقامات وأحبها؛ لأن من كمال التوحيد لله عز وجل أن ترضى بقضائه وقدره، وأن تسلم الأمر له سبحانه وتعالى، فلا تصيبك مصيبة في نفسك ولا أهلك ولا مالك ولا ولدك إلا تلقيتها منشرح الصدر مطمئن القلب، راضياً عن الله سبحانه وتعالى؛ لعلمك اليقيني أن الذي كتبها وقدرها وأوجدها -وهو الله سبحانه وتعالى- أنه قدّرها جل جلاله لطفاً بك، فإن رضيت فلك الرضا، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله إذا حب قوماً ابتلاهم)، وكان السلف الصالح يكرهون زوال البلاء، بمعنى: أنهم يتحسرون على فوات الأجر إذا زال عنهم البلاء، والأصل في ذلك قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (إن الله إذا أحب قوماً)، فتأمل قوله: (إذا أحب قوماً ابتلاهم)، فيبتلي الإنسان بالضيق والنسيان، ويبتليه بالهموم والغموم في نفسه، فانظر إلى رجل أصابه الهم في نفسه، أو جاءه كدر في نفسه فقال: الحمد لله، ورضي عن الله عز وجل، وأحسّ أن هذا ابتلاء، وكما أنه يتقرب إلى الله عز وجل بركوعه وسجوده، فينبغي أن يتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بالحمد والطمأنينة، وانشراح الصدر بما ابتلاه الله به، ويقول: الحمد لله، ذنوبي كثيرة، ولو عاقبني الله بما أنا أهله لما أبقاني على وجه الأرض، ثم يقول: الحمد لله الذي صرف عني ما هو أشد وأعظم، ثم قال: الحمد لله الذي أعلمني أن هذا بلاؤه وقدره، ثم يقول: الحمد لله الذي أنزل بي هذا البلاء، ولم يجعلني من الغافلين، إذاً: الذي يبتلى يصبر ويذكر ويشكر، ويحتسب عند الله عز وجل، والذي يعطى ولا يبتلى ربما يصيبه النسيان، وتصيبه الغفلة، فيكون في زلة قدم والعياذ بالله، وأمن من مكر الله عز وجل به. فالمقصود: إذا تلقى الإنسان هذه الأمور بالرضا؛ وجدته في أحسن الأحوال وأتمها، ولربما وجدت الرجل مشلولاً لا يستطيع أن يتحرك، ولربما تجده كفيف البصر، فتقول له كيف حالك؟ فيقول: الحمد لله، وإذا بصدره أوسع من الدنيا بما فيها؛ وذلك مما أفرغ الله في قلبه من الرضا (فمن رضي فله الرضا)، وانظر إلى كل بلاء ينزل بك، فمجرد ما تنزل المصيبة تتلقاها بنفس مطمئنة، وخاطر راضٍ غير منكسر لحق الله جل جلاله، وتتلقاها بمحبة وإقبال على الله عز وجل، فتجد كل يوم يمر بك وكل ساعة، بل كل لحظة تمر بك وأنت في أنس ولذة، وقد كان بعض العلماء يحب مثل هذه المقامات التي فيها قرب من الله عز وجل، ولذلك تجد في أيام المرض من حلاوة ذكر الله ما لا تجده أيام العافية، وتجد أيام الضر والنكبات من الأنس بالله ما لا تجده في أيام الصحة والعافية. فلذلك إذا تلقى الإنسان هذه البلايا بقلب مطمئن وصدر منشرح وسّع الله عليه الضيق، وأُثِر عن بعض العلماء أنه كان مهموماً في يومه، وكان الطلاب عنده، فلما كان المساء جاء أحد عبيده ومواليه فكلمه بكلام، فسرِّي عنه وانبسط وانشرح، فقال أحد طلابه: رأيت منك اليوم أمراً عجباً، رأيتك مهموماً مغموماً مكروباً، فما هو إلا أن أتاك عبدك وأخبرك فانشرحت نفسك، وتغيّر وجهك، فقال: إني أصبحت ولم أر في نفسي ولا أهلي ولا مالي مصيبة، فقلت: ما ذلك إلا لأن قدري عند الله نزل، ولو كان لي عند الله قدر لابتلاني؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا أحب الله قوماً ابتلاهم)، فلما أمسيت جاءني العبد وزعم أن عبدي فلاناً قد مات، فحمدت الله عز وجل أنه لا يبتلي إلا من يحب. ولذلك تجد أن أحب الناس إلى الله عز وجل هم أقلهم مالاً، وهم الفقراء والضعفاء، وتجدهم أكثر ذكراً لله، وأكثر طاعة وقرباً من الله سبحانه وتعالى، وأكثر إقبالاً على الله، وخوفاً منه سبحانه، وتجد الغني الثري أكفر الناس لنعمة الله وأغفلهم عن الله، وأكثرهم إعراضاً عن الله عز وجل، ولذلك من نعم الله عز وجل أن يبتلي العبد، فإذا تلقى الإنسان الابتلاء وكان سريع النسيان فعليه أن يقول: الحمد لله، واعلم أن الله لا يبتليك بابتلاء إلا وفيه نعمة من جهة أخرى، فإن الذي ينسى تذهب عنه الهموم؛ لأنه إذا نزلت به المصائب ينساها بسرعة، فالله يبتلي في شيء ويرحم في شيء، والذي يحفظ تجده يحفظ الأذية، ولربما تبقى في قلبه سنوات، ويتحسر ويتألم بها، ويكون من الصعب اجتثاثها واقتلاعها من قلبه، نسأل الله السلامة والعافية. إذاً: من رحمة الله عز وجل أن الإنسان يحمد الله، فإن سلبك الله الحفظ فقد يعوضك العبادة، وقد يعوضك خيراً من ذلك؛ كالخشوع والذكر والدعاء. فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقنا ما يكون عوناً على طاعته ومرضاته ومحبته، ونسأله أن يلطف بنا فيما ابتلانا به، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع (كتاب الجهاد) شرح فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي الحلقة (256) صـــــ(1) إلى صــ(20) شرح زاد المستقنع - كتاب الجهاد [2] الجهاد عمل جماعي تقوم به جماعة المسلمين، ومثل هذه الأعمال الجماعية لابد فيها من وجود مرجعية تنظم هذا العمل وترتبه حتى لا يحصل الخلل والاضطراب، ولهذا كان من الواجب طاعة الإمام والصبر معه، وكان من واجبه إزالة جميع أسباب الخلل والاضطراب في هذا العمل العظيم آداب المسير إلى الجهاد بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله تعالى: [ويتفقد الإمامُ جيشَه عند المسير] شرع المصنف رحمه الله في بيان جملة من الأحكام والمسائل التي تتعلق بآداب المسير للجهاد في سبيل الله عز وجل تفقد الإمام لجيشه فقال رحمه الله: (ويتفقد الإمام) أي: يتفقد الجيش عند الغزو، وهذا التفقد المراد به النظر في مصلحتهم، فما كان من نقص كمله، وما كان من خلل سده، فإن الله سبحانه وتعالى أمر عباده المؤمنين أن يعدوا العدة للجهاد في سبيل الله عز وجل، فقال: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال:60] فأمر سبحانه وتعالى بالإعداد، ومِن الإعداد: تفقد الجيش قبل الغزو في سبيل الله عز وجل. وكانت سنة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، فكان يتفقد أصحابه قبل الخروج. وكانت هذه سنة للخلفاء الراشدين من بعده، حتى إن أبا بكر رضي الله عنه وأرضاه لما بعث جيش أسامة رضي الله عنه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، خرج أبو بكر يشيع أسامة وهو على فرسه؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمَّره على ذلك الجيش، فقال أسامة: (يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم اركب، فقال: إني أريد أن أغبر قدمي في سبيل الله عز وجل)، فكانت سنة لمن بَعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتفقد المجاهدين في سبيل الله، وهذا التفقد -كما ذكرنا- تشحذ به الهمم لطاعة الله ومرضاته، فيوصي الإمام بالوصايا الجامعة لخيري الدنيا والآخرة، حتى يخرج المجاهدون وهم على بصيرة من طاعة الله عز وجل ومرضاته، وما ينبغي أن يُتَّقى من سخطه وغضبه. وكان عليه الصلاة والسلام يوصي أمير الجيش في خاصته بتقوى الله عز وجل، التي هي جماع كل خير، وأساس كل فلاح وصلاح في الدنيا والآخرة، ويأمر أفراد الجيش أن يغزوا باسم الله ليقاتلوا مَن عادى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فكانت هذه الوصايا تقوي من همم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتشحذ عزائمهم على الخير. فيتفقد الإمام الجيش قبل المسير، فإذا رأى أخطاءً أو رأى نقصاً فإنه يقوم بسد ذلك النقص، وتصويب ذلك الخطأ، ومن هذا أنه إذا رأى مَن لا يصلح للخروج منعه، كصغار السن الذين لا حاجة إلى خروجهم، ولذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استعرض الصحابة يوم الخندق، ويوم أحد، قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وعن أبيه: (عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة، فلم يجزني، وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني) فقوله: (عرضت) يدل على أن المجاهدين يُعرَضون على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا رأى من لا يصلح للغزو؛ لضعفٍ، أو لصغر سنٍّ، أو جنونٍ، أو نحو ذلك من الآفات والموانع، فإنه يمنعه، ويجب على ذلك الرجل أن يمتنع طاعةً لله وطاعةً لرسوله صلى الله عليه وسلم وطاعةً لأولي الأمر، فإنه لا صلاح للأمور إلا بذلك؛ لأنه إذا كُسِر أمام العدو قوَّى من عزمهم على المسلمين، فيمنع أمثال هؤلاء الضعاف، وإذا وجد إنساناً ضعيفاً في زاده، أو غير مستعد، أمره بأخذ العدة، وأوصاه كذلك بما فيه الخير له في دينه ودنياه وآخرته منع المخذلين والمرجفين من الخروج إلى الجهاد قال رحمه الله: [ويَمْنَع المخذِّل والمرجف] [ويمنع المخذِّل] التخذيل: من أعظم الآفات في الجهاد في سبيل الله عز وجل، والتخذيل هو شأن أهل النفاق -نسأل الله السلامة والعافية- فتجدهم يُضْعِفون عزائم المسلمين لجهاد أعداء الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فيهوِّنون الأمر، ويجعلونه أمراً يسيراً لا يحتاج إلى قوة وإعداد، فأمثال هؤلاء يُمْنَعون؛ لأن المصلحة في عدم خروجهم، والمفسدة في خروجهم، والشرع جاء بجلب المصالح ودرء المفاسد، قال تعالى: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ} [التوبة:47] والإيضاع: ضرب من السير، وهذا يدل على أنهم يريدون الشر والبلاء بالمسلمين، فمن عرف أنه يخذل عن الجهاد في سبيل الله، فهذا مريض القلب ضعيف الإيمان، لم يتشرب الإيمان في قلبه، فمثل هذا لا مصلحة في خروجه، وقد منع الله رسولَه صلى الله عليه وسلم أن يأذن لأمثال هؤلاء، {قُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِي عَدُوَّاً} [التوبة:83]. وأما النوع الثاني فهم المرجفون: وهم الذين إذا سمعوا الأخبار أرجفوا بها، فإذا سمعوا قوة العدو، أخذوا ينشرون بين المسلمين تلك الأخبار، فيجعلون المسلمين في قلق وخوف وفزع، فيفقدون الإعداد المعنوي؛ لأن الجهاد في سبيل الله عز وجل -كما ذكر العلماء- يحتاج إلى نوعين من الإعداد: النوع الأول: الإعداد الروحي. والنوع الثاني: الإعداد الحسي. فأما الإعداد الروحي فهو: قوة الإيمان، وقوة الشكيمة والعزيمة، وحب الشهادة في سبيل الله عز وجل، وجعل الآخرة أحب إليه من الدنيا، ولذلك كان أصحابُ النبي صلى الله عليه وسلم يخرجون وقلوبُهم متلهفة للشهادة، وكان يقول قائلهم: (إنها لحياةٌ طويلةٌ إن عشتُ حتى آكل هذه التمرات)، فيرمي بها حتى يقتل في سبيل الله عز وجل، فإذا خرج الإنسان بهذه الروح المعنوية، فإنه تقوى عزيمته للجهاد في سبيل الله، ويقوى كَلَبه على أعداء الله وأعداء رسوله صلى الله عليه وسلم، وحق لمثله أن يشهد ساحة الوغى، فللوغى رجاله، وللقتال في سبيل الله أهله، وليس كل إنسان يستطيع أن يصبر ويصابر ويرابط على طاعة الله ومرضاته في مثل هذه المواقف العظيمة، ولذلك وصف الله يوم الخندق فقال: {وإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً} [الأحزاب:10 - 11]. فلا بد من الإعداد المعنوي، والإعداد المعنوي -كما قلنا- يحتاج إلى شيء من العلم والبصيرة بما أعد الله من الثواب، وحسن العاقبة والمآب إذا فاز الإنسان بالشهادة في سبيل الله عز وجل، وقد سطر التاريخ الإسلامي للسلف الصالح لهذه الأمة مواقف عظيمة تدل على كمال إعدادهم روحياً، وبذلك كسروا أعداء الله وانتصروا عليهم بقوة النفس وقوة الإيمان بالله عز وجل، وكان الرجل إذا رجع من الغزو ولم يقتل بكى، فكان يُفْجَع بعدم القتل أكثر من فجيعته بأن يُقْتَل أو يؤذَى في سبيل الله عز وجل. فالإعداد المعنوي هو الذي أشار الله إليه بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا} [الأنفال:45]، فأمر الله بالثبات، ولا يمكن للمسلمين أن يجاهدوا في سبيل الله عز وجل وقلوبهم خاوية، ونفوسهم ضعيفة، فهذا الإعداد المعنوي يفسده المخذِّل والمرجف، فكل منهما يحطم معنوية المجاهد، ويخذِّله عن لقاء العدو، ولذلك ذكر العلماء رحمهم الله أنه يجب على الأئمة ونحوهم إذا أرادوا الغزو في سبيل الله عز وجل أن يمنعوا هذين الصنفين من الناس، فلا خير في خروجهم، ولا مصلحة في شهودهم للغزو في سبيل الله عز وجل. وأما الإعداد الحسي فهذا ما يتعلق بأخذ القوة من الرمي ومعرفة أساليب القتال والجهاد في سبيل الله عز وجل. فلا بد من الأمرين، وقد أشار القرآن إلى أساس الإعداد المعنوي فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ} [الأنفال:45]، وقال سبحانه أيضاً: {وحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء:84]، فالتحريض إعداد معنوي؛ ويفسده ما يشتت القلوب، وهو النزاع والخلاف في الرأي، فهذا يفسد الإعداد المعنوي؛ لأن اتحاد وجهة الناس واتحاد هدفهم ومقصودهم يقوي شكيمتهم على الأعداء، وتكسر به شوكة الأعداء أيضاً، ولذلك قال الله عز وجل: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال:46]، فقوله سبحانه: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا} [الأنفال:46] يدل على أن الأصل أن يكون الناس على وجهة واحدة، فإذا جاء المخذِّل والمرجف فإنهم يجعلون الناس أشتاتاً، فقسم منهم يقول: العدو أقوى منا، ولا نستطيع قتاله، وقسم منهم يقول: العدو ضعيف، ونحن بإذن الله غالبون، و: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة:249] كما قص الله علينا ذلك في كتابه. فهؤلاء المرجفون يفسدون ولا يصلحون للجهاد في سبيل الله، فيُمنَعون، والمصلحة في عدم شهودهم للغزو، ولذلك قال المصنف: (ويمنَع المخذِّل والمرجف)، وكلا الوصفين -التخذيل والإرجاف- لا خير فيه حتى في حال السِّلم، لما يُحدِث من الفتنة، وشتات القلوب، وتفريق الصفوف. وهذا الإرجاف غالباً ما يكون في المصالح العامة للمسلمين، وقد يقع في النيل من أئمة المسلمين وولاتهم والطعن فيهم، وكذلك الطعن فيمن يلي أمرهم، وتتبع العثرات والعورات، كل ذلك بقصد تشتيت شمل المسلمين وزعزعة الثقة بينهم، وقد يفعل البعض ذلك عن جهل وعدم قصد؛ ولكنه يفضي إلى ما لا تحمد عقباه. ولذلك لا خير في المرجف والمخذِّل، وإنما على المسلم أن يتوكل على الله، وأن يحسن الظن بعباد الله، وأن تقوى عزيمته على الخير، ولذلك كان سفيان الثوري رحمه الله يقول: (إذا سمعتم بالعائبة أو الفضيحة التي تكون فلا تنشروها؛ فإنها ثلمة في الإسلام)، فنشر مثل هذه الأمور يجعل الناس في شيء من الشتات والضيعة. ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم لما وقف أمام الأحزاب، وهم فوق العشرة آلاف -على خلاف بين أهل السيَر في عددهم يوم الخندق- وكانت غزوة الأحزاب من أشد الغزوات على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين، فلما رأى عليه الصلاة والسلام، ورأى المسلمون ما عليه أعداء الله من العدد والعدة، واجتماع كلمتهم على رمي الإسلام بقوس واحدة، وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بني قريظة قد خانوا العهد ونكثوه، فازداد البلاء على المسلمين، حيث إنهم لم يصابوا بمواجهة العدو بقوة فقط، بل إنهم أيضاً يُطعنون من الخلف من يهود بني قريظة، عَظُم الأمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل نعيم بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه، لكي يتتبع الخبر، فكان من وصيته له، أنه أمره إذا وجد الخبر صحيحاً ألَاّ يصرِّح بما أقدم عليه يهود بني قريظة من نكث العهد، فقال له: (إن كان القوم كما زعموا، فالحن لي لحناً، ولا تفت في عَضُدنا)، فقوله: (فالحن لي لحناً) أي: قل لي كلاماً أفهم منه أنهم قد غدروا ونكثوا، (ولا تفت في عضدنا). فإذا كان الإنسان في جماعة المسلمين في سلم أو حرب فعليه أن يتقي الله عز وجل فيهم، فبعضُ الأمورِ نشرُها والإرجافُ بها وحملُها والتحدثُ بها يُحدِث شتات الشمل، وفرقة الصفوف، وهذا من أعظم ما يكسبه أعداء الإسلام من المسلمين. وكان علماء الإسلام يوصون الناس بعدم تفرق كلمتهم فيما بينهم، خوفاً من طمع العدو فيهم، فكلما كان المجاهدون في سبيل الله على قلب واحد، وعلى رأي واحد، كلما استقامت الأمور، وهذا هو هدي السلف الصالح رضي الله عنهم وأرضاهم ورحمهم أجمعين من الصحابة ومن تَبِعهم، فإن عمر رضي الله عنه لما اختلف مع أبي بكر في قتال مانعي الزكاة وكان عنده نص وعند أبي بكر نص، فما كان منه إلا أن سمع وأطاع لـ أبي بكر، فجعل الله الخير في رأي أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، مع أن لـ عمر رضي الله عنه وأرضاه دليله وحجته، ولكن استقامة الكلمة واتحاد الصفوف في وجه أعداء الله أمرٌ مطلوب. والإرجاف كما يكون بالأقوال يكون بالأفعال. فإرجاف الأقوال: كنقل الأخبار، وأعظمَ ما يكون الإرجاف -كما ذكر العلماء وهو أشد ما يكون ذنباً على الإنسان- أن لا يكون على بينة من نقلها فينقلها، دون تَرَوٍّ فيها ولا تثبُّت. وإرجاف الفعل: كالاضطراب والخوف والقلق وظهور علامات الفزع، فهذا من إرجاف الفعل. ولذا يُمنَع هذا الصنف من الناس لمصلحة الجهاد في سبيل الله عز وجل النفل أحكامه وأنواعه قال رحمه الله: [وله أن ينفِّل في بدايته الربع بعد الخمس] (وله) أي: للإمام. (أن ينفِّل) شرع رحمه الله بهذه الجملة في بيان الأحكام المتعلقة بالغنيمة. فإن الجهاد في سبيل الله عز وجل وعد الله أهله بإحدى الحسنيين: - إما الشهادة في سبيل الله عز وجل. - وإما الغنيمة ونيل ما نالوا من أجر الدنيا. وقد ثبت الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه: (ما مِن سرية تغزوا في سبيل الله ويغنموا، إلا كان هذا فيه نقص لأجرهم) أي: أن أجر الدنيا يُنقِص عظيم ثواب الآخرة؛ لأن الأعظم والأكمل لهم ثواباً أن يُقتَلوا ويستشهدوا في سبيل الله عز وجل، فإذا خرج المجاهدون وأصابوا العدو فإنه يَرِد السؤال عن حكم الغنائم التي تُكْتَسب من الجهاد في سبيل الله عز وجل. وهذا من ترتيب الأفكار، فبعد أن بيَّن رحمه الله على مَن يجب الجهاد، وما الذي ينبغي من الإعداد المعنوي للجهاد في سبيل الله عز وجل، كأن سائلاً سأل: لو وقع الجهاد في سبيل الله وغنم المسلمون فماذا يُفعَل بما غنموه؟ أقسام الغنائم والجواب أن الغنائم تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: المنقولات. والقسم الثاني: العقارات. فما يناله المسلمون من الأعداء: - إما أن يكون أرضاً ودوراً ونحوها، فهذه تسمى: العقارات. - وإما أن يكون من الأموال كالذهب، والفضة، والدواب، والسلاح، والكراع، ونحو ذلك، فهذا يسمى بالمنقول. فأما العقارات كالأراضي والدور، والمزارع، وغيرها، -كما لو دخلوا بلاد العدو وغنموها، وفتحوها- فلها حكم بينته السنة، وكان له هدي عليه الصلاة والسلام في ذلك، وكذلك عن الخلفاء الراشدين مِن بعده. وأما النوع الثاني: وهو المنقولات من الذهب، والفضة، والسلاح، والكراع، والدواب ونحوها مما يُغْنَم، فشرع المصنف رحمه الله في بيانه أقسام التنفيل فيُعطى الإمامُ أو القائد أو مَن له النظر في مصلحة الغنائم، والمنهج المعتبر في تقسيمها أنها تكون على أحوال: - قسم منها يكون سَلَباً، ويُستَحق لمن قتل قتيلاً ومعه بينة على ذلك. - وقسم منها يكون رضخاً وعطاءً، ويعطيه القائد على حسب المصلحة التي يقصدها من وراء العطاء. - وقسم منها يستحق بالشرط، كأن يشترط القائد ويقول: مَن فعل كذا وكذا فأعطيه كذا وكذا مَن فتح الباب، ومَن كسر كذا أو مَن أحدث الثغرة الفلانية، فإن له كذا وكذا، فهذا يسمى الاستحقاق بالشرط. وبطبيعة الحال أنه إذا غزا المجاهدون في سبيل الله، فالأحوال تختلف: فتارة يغزو الجيش بكامله، ويدخل بلاد العدو، أو يواجه العدو بقوته الكاملة، فحينئذ يواجه المسلمون الأعداء بيدٍ واحدة، وتكون الغنيمة لا نَفَلَ فيها للسرايا، أي: ليست هناك سرايا تُبعَث، وإنما يقابل الجيشُ الأعداء مرةً واحدةً. وتارة يبعث الإمامُ بعوثاً ويرسل سرايا، أو يرسل العيون لأخذ الأخبار، ثم يرسل بعدها السرايا، وكان من هديه عليه الصلاة والسلام أنه يبعث السرايا للجهاد في سبيل الله عز وجل كيفية تنفيل السرايا والسرايا تنقسم إلى قسمين: السرية القبلية: أي: ما يكون قبل القتال، والجهاد، وقبل إتيان العدو، وهذا النوع من السرايا يمهد الطريق للجيش، ويستطلع حال الأعداء، ويستكشف أمرهم. السرية البعدية: وهي التي تكون بعد خروج الجيش، وانتهاء المعركة. فما كان مِن السرايا قَبْلُ فهذا بلاؤه أعظم، والضرر الذي يتعرض له والخطر أشد؛ لأنه يذهب في قوة العدو، فحينئذ قد يواجه جيش العدو، ولذلك يكون حظه من النَّفَل أكثر من حظ الذي يُبعَث بعد خروج المسلمين أو رجوعهم. أما السرية البَعْدية فهي التي يبعثها الإمام للاطمئنان من أن العدو قد كُسِرت شوكته، وأنه ليس له ظهير، وأنه قد انقطع أمرُه بانتهاء القتال؛ لأنه لا يأمن في بعض الأحيان أن يكون هناك كمين، يفاجئ المسلمين من حيث لا يشعرون. فلذلك فُرِّق بين السرية القَبْلية والسرية البَعْدية، وقد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كلاًّ من الأمرين، فكان يبعث السرايا القَبْلية ويبعث السرايا البَعْدية، ولذلك ثبت عنه عليه الصلاة والسلام في حديث حبيب بن مسلمة: (أنه كان ينفِّل الربع والثلث) فيعطي ربع الغنيمة أو ثلثها للسرية القَبْلية، لعظيم بلائها كما ذكرنا، والعلماء رحمهم الله يقولون: إعطاء الثلث والربع يرجع إلى نظر الإمام واجتهاده وعلى حسب بلاء السرية، فإذا -بفضل الله عز وجل ثم بهذه السرية- فعلت فعلاً تمكن به المسلمون من كسر العدو ربما زادهم، حتى أوصلهم إلى الثلث، وإذا كانت مهمة السرية يسيرة، فله أن يعطيهم الربع، وهذا أمر يرجع إلى اجتهاد الإمام. وقد جاء في حديث حبيب بن مسلمة رضي الله عنه ومعاذ بن جبل رضي الله عنه عند أحمد وأبي داود في السنن: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نفَّل الثلث والخمس، فكان إذا أرسل السرية قَبْلُ نفَّلها الثلث -يعني: قبل القتال- وإذا أرسل بَعْدُ نفَّلها الخمس) وهذا كله -كما ذكرنا- راجع إلى نظر الإمام ومعرفته بعظيم بلاء هذه السرايا تنفيل القاتل سلب قتيله وقوله: (أن ينفِّل) النَّفَل في اللغة: الزيادة، فإذا زاد الشيء على الأصل فإنه يقال: هذا نافلة، أي: شيء زائد، ومنه سميت نافلة الصلوات؛ لأنها زائدة على الفريضة التي أوجب الله، ففي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لما سأله الأعرابي: (هل عليَّ غيرها -أي: غير الخمس- قال: لا. إلا أن تطَّوَّع) أي: تتنفل، ولذلك يسمى الحفيد بالنافلة، كما قال سبحانه وتعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} [الأنبياء:72] فالنافلة تقال لولد الولد؛ والأصل أن الوَلَدَ للإنسان، وأما وَلَدُ وَلَدِه فزيادة. فالنَّفَل هو: زيادة على حظ الإنسان في الغنيمة، فإذا غزا المجاهدون في سبيل الله عز وجل، فلهم سهم من الغنيمة، وهذا القسم قد بينته السنة: للراجل سهم، وللفارس ثلاثة أسهم، والأصل في الغنائم أن الإمام يفعل بها ما يلي: إذا انتهت المعركة واستقر الأمر، يقوم الإمام بأخذ الأسلاب، وإعطائها لأصحابها. وهذا النوع الأول مما يؤخذ من الغنيمة، وهو وأول ما يُفْعَل فيها، أي: أن يعطي سَلَب المقتول لقاتله، ومسألة سَلَب المقتول صورتها أو حقيقتها: أن كل مَن قتل رجلاً بعينه فإنه يستحق سَلَبه، والسَّلَب: هو ما هو عليه من سلاح -سلاحه الشخصي- وكذلك ثيابه ودابته، وكل ما عليه، فهذا الشيء يستحقه، وله أخذه، والأصل في ذلك قوله عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين: (مَن قتل قتيلاً فله سَلَبُه)؛ لكن بعض العلماء -رحمهم الله- يقولون: سَلَب المقتول يُستَحق إذا أعطاه الإمام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال قبل الغزوة: (مَن قتل قتيلاً فله سَلَبُه) فإن لم يقل ذلك فإنه لا يستحقه، وبعضهم يقول: يُستَحق السَّلَب مطلقاً؛ لكن يُفَرَّق بين الجيش الذي له عطاء -وهو الذي يُسمَّى بالراتب- والجيش الذي لا عطاء له، فالجيش الذي له عطاء قالوا: لا سَلَب له، وليس له شيء لا من السلب ولا من الغنيمة؛ لأن عطاءه يرجع للإمام، وأما الجيش الذي لا عطاء له، وهم المتطوعون، فهؤلاء هم الذين فيهم الخلاف بين العلماء رحمهم الله، وللعلماء فيهم الوجهان اللذان ذكرناهما. فإذا قتل قتيلاً وله عليه علامة أي: بينة، فإن من حقه أن يأخذ سلبه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نفَّل السَّلَب إخراج كلفة النقل من الغنيمة أما النوع الثاني من النَّفَل: فيكون لنوع خاص فبعد أن ينتهي الإمام من إعطاء السَّلَب للقاتل، يقوم بعد ذلك بسحب أموال الغنائم من أرض المعركة، فيأمر الحمَّالين ونحوهم أن يقوموا بجمع الغنائم وحيازتها وحفظها ورعايتها، فإذا قام بذلك يقوم قبل قسمتها وقبل الرضخ منها بإعطاء أجرة أو تكاليف هذه الحيازة، وهذا نص عليه العلماء وذكروه: أنها لا تقسم الغنائم حتى يؤخذ منها كُلفَةُ حيازتها تنفيل أهل البلاء في القتال بعد حيازة الغنيمة يقوم الإمام بالنظر فيمن له بلاء أثناء المعركة، وهم الأقوام الذي أبلوا إما بالشرط، وإما بدون شرط. فالنوع الأول: الذين أبلوا بشرط: كأن يقول الإمام -كما مَثَّل العلماء في القديم- فيما لو أن العدو تحصَّن من وراء كثبان رمل، أو من وراء سور فقال: مَن نَقَب هذا السور أو فَجَّر هذا السور فله كذا وكذا، فهذا يسمى العطاء المستحق بالشرط، فحينئذ يعطي مَن وعده عطاءً معيناً ذلك العطاء الذي وعده، سواءً تعين ذلك العطاء أو كان العطاء مبهماً بالنسبة، كأن يقول: لك الربع، لك الثمن،. إلخ، ومِن هذا: إعطاء النبي صلى الله عليه وسلم سواري كسرى لـ أبي معبد رضي الله عنه وأرضاه. فإذا أبلى إنسان معين فمن حق القائد أو الولي أن يخصه بعطاء معين، وهذا هو النوع الثالث من النَّفَل. فأصبح عندنا ثلاثة أشياء: - أولاً: سَلَب المقتول وهو لقاتله. - ثانياً: مَن كان مستحقاً بالشرط، وهو الذي اشترط له الإمام فعلاً فقام به. - والثالث: مَن له بلاء أثناء المعركة، كإنسان أثناء المعركة فَعَل فعلاً دمر به العدو، أو كسر به شوكته، أو فتح به ثغرة كانت سبباً في نصر المسلمين، فهذا يُعْظِم له الجزاء ويخصه بعطية معينة يتبع
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]() شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع (كتاب الجهاد) شرح فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي الحلقة (260) صـــــ(1) إلى صــ(22) شرح زاد المستقنع - باب عقد الذمة وأحكامها [1] ميَّز الله سبحانه الأديان السماوية حتى بعد وقوع التحريف فيها، فكان من هذا أن أجاز عقد الذمة مع أهل الكتاب ومن أخذ حكمهم، وهذا فيه أسرار وحكم عظيمة، وهذا العقد لابد فيه من التزامات بين المسلمين وأهل الكتاب، ولابد له من أركان لا يصح إلا بها أحكام عقد الذمة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتَمَّان الأكملان على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه، ومن سار على نهجه إلى يوم الدين. أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله: [باب عقد الذمة وأحكامها] هذه الترجمة قصد المصنف -رحمه الله- بها أن يبين جملة من الأحكام والمسائل المتعلقة بعقد الذمة، والأصل في ذلك أن المسلمين إذا غزوا العدو، فإنهم يخيرونهم بين ثلاث خصال: الخصلة الأولى: أن يسلموا، ويقومون بدعوتهم إلى الإسلام. الخصلة الثانية: أن يدفعوا الجزية، وهو الخيار الثاني، وهذا الخيار -وهو الجزية- يختص بنوع خاص من الكفار، وهم أهل الكتاب ومن في حكمهم كالمجوس، وأما غيرهم من الوثنيين والمشركين والملحدين، فإنه لا تؤخذ منهم الجزية، وإنما يخيَّرون بخيارين: - إما الإسلام. - وإما القتال. الثالثة: إن أبوا فإنه ينتقل معهم بعد ذلك إلى الخيار الثالث وهو القتال، وقد جاءت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الخيارات الثلاث، وثبت ذلك أيضاً من هدي الصحابة رضوان الله عليهم، وهو ما كان يفتي به الخلفاء الراشدون -رضي الله عنهم وأرضاهم- أمراء الأجناد حينما بعثوهم للجهاد في سبيل الله عز وجل، وجاءت السنة مطلقة في حديث بريدة؛ ولكن قيدها القرآن في الجزية كما سيأتي. فلما كان الجهاد في سبيل الله عز وجل يحتاج إلى بيان الجانبين: الجانب الأول: كيف يجاهَد الكفار؟ وما هي الأمور والمسائل والأحكام المترتبة على شرعية الجهاد؟ والجانب الثاني: وهو الذي يتعلق بقبول الجزية، فإذا قبلوا دَفْع الجزية، فحينئذ تحقن دماؤهم، ويكونون أهل ذمة، على التفصيل الذي سنبينه. فكأن هذا الباب مرتب على الباب الذي قبله؛ لأن مَن يجاهد في سبيل الله، فإنه يحتاج إلى معرفة نوع خاص من الكفار، وهم أهل الذمة، فقال رحمه الله: [باب عقد الذمة وأحكامها]، كأنه يقول: في هذا الموضع سأذكر لك جملة من المسائل والأحكام المتعلقة بالذمة وما يترتب عليها تعريف عقد الذمة قوله رحمه الله: (باب عقد) العقد في لغة العرب: التوثيق والإبرام، ومنه: عقد الحبل، ويطلق العقد على المحسوسات، كما تقول: عقدتُ الحبل إذا جمعتَ بين طرفيه وعقدتَه وأوثقتَه، وقد يطلق على المعنويات، فتقول: هذا عقد بيع، وينبني على الإيجاب والقبول، وقد ورد في كتاب الله عز وجل قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:1] والمراد به المعنوي. وإذا قال العلماء: عقد النكاح، عقد الإيجار، عقد الرهن، عقد الشركة، عقد المضاربة، فمرادهم بهذا اللفظ: الإيجاب والقبول على هذه الأمور، فإذا كان الإيجاب: بعتك، والقبول: قبلت واشتريت، فهو عقد بيع، وإن كان الإيجاب: أجرتك، وقال الآخر: قبلت واستأجرت، فهو عقد إجارة، وإن كان على نكاح فعقد نكاح، وهلمَّ جرَّاً. لكن لما قال المصنف هنا: (باب عقد الذمة) خصص عموم هذا اللفظ وبيَّن أن المراد به نوع خاص من العقود وهو عقد الذمة. والذمة في اللغة: الأمان والعهد، وأما في الاصطلاح: فهو أمان مخصوص، لطائفة مخصوصة، على هيئة مخصوصة، وهذا الأمان المخصوص المراد به: أن يؤمَّن من أعطي هذا العهد على نفسه وماله وأهله وعرضه، فالكافر إذا جرى بينه وبين المسلمين عقد الذمة فله ذمة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم كما ثبتت بذلك الأخبار، فلا يسفك دمه، ولا ينتهك عرضه، ولا يؤخذ ماله، ويكون له ما للمسلمين وعليه ما على المسلمين. وأما قولهم: (لطائفة مخصوصة) فالمراد به: أهل الكتاب، ومن في حكمهم وهم المجوس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نسن بهم سنة أهل الكتاب، وذلك في الجزية، كما قرره الأئمة رحمهم الله. و (على هيئة مخصوصة) المراد بها: ضوابط عقد الذمة، وذلك بالصورة التالية: فالعقد في الأصل يستلزم جانبين: الجانب الأول: المسلمون. الجانب الثاني: الكفار أنواع الذمة أما بالنسبة للمسلمين فيلي العقد عنهم إمامهم، كما سيبين لنا المصنف رحمه الله، وهذا أصل في قول جماهير العلماء: أن عقد الذمة لا يبرمه إلا الإمام؛ لأنه تتعلق به مصالح الأمة، وحينئذٍ لا يتأتى أن يقام على وجهه إلا عن طريق الإمام، أو من ينيبه؛ لكن هناك نوعان من الأمان، أو من الذمة: النوع الأول: الذمة الخاصة، وهي التي تكون لأفراد الناس، كأن يستجير مشرك أو كافر بمسلم، فيقول له: أنا في جوارك، وفي أمانك، وفي ذمتك، فإن قال له: أنت في ذمتي، فحينئذ يكون هذا الجوار والأمان خاصاً، فعلى المسلم أن يؤمنه حتى يسمع كلام الله، فإذا قبل الإسلام فالحمد لله، وإذا لم يقبل أبلغه مأمنه، قال الله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة:6]، فهذا يسمى بالذمة الخاصة، أو العهد الخاص، أو الأمان الخاص، وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، وهم حرب على من سواهم) فهذا الحديث الصحيح يدل على أن الكافر إذا دخل في جوار مسلم واحد فإنه في جوار المسلمين كلهم، ولا يجوز لأحد أن يتعرض له بسوء حتى يسمع كلام الله، أو يُبْلَغ مأمنه، ولذلك ثبت في الصحيح أنه لما دخل المشرك على أم هانئ وهي امرأة واستجار بها، وأراد علي قتله، انطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدته يغتسل، فقال: (من؟ قالت: أم هانئ، قال: مرحباً بـ أم هانئ، فقالت: يا رسول الله! زعم فلان أنه قاتل فلاناً، وقد أجرته، فقال صلى الله عليه وسلم: قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ)، فدل هذا على أن ذمة المسلمين واحدة، وأن العهد إذا أخذ من مسلم لكافر، فهو عهد على جميع المسلمين لا يجوز لأحد أن ينقضه، أو ينكثه، حتى يكون الكافر على بينة. النوع الثاني من الذمة: الذمة العامة التي تكون مؤبدة، والفرق بينهما: أن الذمة الأولى خاصة مؤقته، أما الذمة التي نبحثها هنا فهي الذمة العامة المؤبدة، أي: التي تبقى إلى الأبد، فإذا أراد المسلمون فتح مدينة، وقالوا لأهلها: أسلموا فقالوا: لا نريد الإسلام، فقيل لهم: ادفعوا الجزية، فقالوا: ندفع الجزية وكانوا من أهل الكتاب ومن في حكمهم، فإنهم يبقون ما أبقاهم الله عز وجل، ويكون هذا العهد ذمة لهم إلى الأبد، ما لم يحدث النكث أو النقض، بالصورة التي سيبينها المصنف رحمه الله. فإذاً: عندنا ذمة عامة، وذمة خاصة. فالذمة الخاصة ينبغي حفظها ورعايتها، ولا يجوز لمسلم أن يقدم على قتل كافر في بلاد المسلمين، إذا كان قد دخل بأمان من واحد منهم، حتى قال بعض العلماء: حتى ولو دخل في أمان صبي، أو دخل في أمان امرأة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قد أجرنا من أجرتِ يا أم هانئ). وعقد الذمة يكون بين المسلمين والكفار، فأما المسلمون فيعقد عنهم وليهم، أو من ينيبه، وأما الكفار فإنه يعقد عنهم أهل الحل والعقد، ومن يتولى أمورهم، فإذا جرى العقد بينهما فإن الأركان في العقد تستلزم: أولاً: العاقدان، فإذا قيل: عقد، فمعنى ذلك أن هناك عاقدين. ثانياً: المحل، وهو مورد العقد الذي يتعاقدان عليه، فمثلاً: البيع أركانه: البائع، والمشتري، ومحل يَرِد عليه البيع وهو السيارة مثلاً ما يلتزم به المسلمون في عقد الذمة فعندنا محل ورد عليه عقد الذمة، وهو التزامات من الطرفين، من المسلمين التزامات، ومن الكفار التزامات، فيرد عقد الذمة على هذين الجانبين. فيلتزم المسلمون: أولاً: بحقن دمه، فلا يُقتَل بدون حق. ثانياً: بحفظ عرضه، فلا يؤذى في عرضه. ثالثاً: بحفظ ماله. رابعاً: بحفظ أهله وعياله. فيدخل الأولاد والذراري بالتبع لآبائهم؛ لأنهم تابعون لآبائهم في هذا الحكم، كما ثبت من فعل الصحابة رضوان الله عليهم، فإن خالد بن الوليد رضي الله عنه لما كتب في الكتاب جعل الذراري تابعة للأصول، آباء وأمهات. ثم أيضاً يلتزم المسلمون بالدفاع عنهم، فإذا فتحت بلاد الكفار فنزلوا على حكم المسلمين بالذمة، فيجب على المسلمين نصرتهم وحفظهم، ولذلك لما نزل الروم بالشام -وكان أبو عبيدة رضي الله عنه قد فتح مع خالد أطراف الشام، وأخذ الجزية على بعضها- في معركة اليرموك، كتب أبو عبيدة إلى أمراء الأجناد، أن يردوا الجزية إلى أهلها حتى يقع النصر، فكانوا لا يلتزمون بالجزية إلا مع الالتزام بالنصرة، فيكون هذا الذمي له ما للمسلم وعليه ما على المسلم، فهو يلتزم بأمور، والمسلم يلتزم بأمور، فمن هذه الأمور التي يلتزم له بها المسلم: حفظ دمه -كما قلنا- وماله، وعرضه، وأهله، وولده، وكذلك أيضاً يكون له حق النصرة، فإذا اعتدى عليه الكفار، وجب على المسلمين نصرته ومنع الكفار من أذيته، كذلك أيضاً لا يعتدي عليهم المسلمون، فهم كالمسلمين لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، وهذا فيه حكم وأسرار عظيمة، ذلك أن الذمة لا يصح إعطاؤها إلا لأهل الكتاب؛ لأن لهم ديناً سماوياً، فيكون حسابهم في الآخرة، فإذا رضوا بإعطاء الجزية يكونون مستثنين؛ لأن الله نص على ذلك، فأمر بأخذ الجزية من أهل الكتاب؛ لأن لهم ديناً سماوياً، فإذا بقوا بين المسلمين ورأوا تعاملهم، ورأوا دين الإسلام وسماحته، وما عليه المسلمون من التواصل والتراحم والتعاطف، أحبوا دينهم، ولربما نشأت ذراريهم وقد رأوا عزة الإسلام فيتأثرون به، حتى حفظ في البلدان التي فتحت على هذا الوجه أنه لم تمض ثلاثة أجيال إلى أربعة أجيال بالكثير إلا وقد أسلم منهم الكثير، فهذا نوع من الاستدراج للدخول في الإسلام ولو بعد حين. فالمقصود: أن يلتزم المسلمون بهذا، فإذا رأى الذمي أن له ما للمسلم وعليه ما على المسلم، وإذا وقف في المواقف المحرجة ورأى نصرة الإسلام له أحب هذا الإسلام، فإن النفوس جُبِلت على حب من أحسن إليها، وهذا الإحسان من المسلم فيه نوع من الاستمالة لقلبه والتأليف له للإسلام، وكل هذه أسرار عظيمة، وصدق الله عز وجل إذ يقول: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:216] فهو نوع من الحكمة البالغة في إقناع الناس بهذا الإسلام؛ فهم إذا لم يسلموا عن طريق مواجهتهم بالحكمة والموعظة الحسنة، ربما أثر فيهم تعامل المسلمين ووقوف المسلمين معهم ونصرتهم لهم، فيكون سبباً في دخولهم في دين الإسلام، ورضاهم به ما يلتزم به أهل الذمة الأمر الثاني: الذي يلتزم به أهل الذمة: يلتزمون بأمور كثيرة يجمعها أصلان: الأصل الأول: دفع الجزية. الأصل الثاني: التزام أحكام الإسلام، وعدم التعرض للإسلام أو أهله بضرر أو سوء. فهنا جانبان: الجانب الأول: دفع الجزية؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة:29]. وأما الجانب الثاني: فهو تعظيمهم للإسلام، فيحفظون حرمة الإسلام، ويحفظون حق الإسلام، فلا يتعرضون لسب الله، ولا لسب رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا سب الإسلام، ولا يطعنون في القرآن، ولا في السنة، ولا يستهزئون بشيء من الإسلام، ولا بالمسلمين، مع أمور أُخر هي من لوازم عقد الذمة، حتى يستقيم عيشهم تحت الإسلام في ذلة وصغار، لا في عزة وقوة واستكبار، حتى لا تكون لهم شوكة على المسلمين، فيكون الأمر محقِّقاً لخلاف ما قصده الشرع أو عناه من هذا الحكم التشريعي أركان عقد الذمة إذاً: أركان العقد: أولاً: عاقدان. ثانياً: محل العقد. ثالثاً: ولا بد من توفره: الصيغة، أو ما يدل أو يقوم مقامها. فهناك صيغة اللفظ: كأن يقول ولي الأمر للكفار أو من ينوب عنهم: (عاهدناكم على كذا وكذا)، فيقول الكافر: (قبلنا)، فإذا قال: عاهدناكم، وقال الطرف الثاني: قبلنا، فقد تمت الصيغة؛ الإيجاب والقبول. أيضاً: قد تكون هناك أمور أخرى تدل على الرضا، مثلاً: لو أن كافراً من أهل الكتاب دخل مع أهل الذمة الذين هم تحت حكم المسلمين، فإن هذا الدخول يعتبره العلماء دلالة ضمنية على الرضا بدفع الجزية للمسلمين، فيكون عقداً ضمنياً، كذلك إذا شب الصغار، وبلغوا سن الرشد والتمييز، فحينئذٍ لا يحتاجون إلى تجديد العقد؛ لأن سكوتهم ينزَّل منزلة تجديد العقد، وهذا أصح قولي العلماء: أن من نشأ من صغارهم، وسكت على العهد الذي كان عليه كبارهم، فإن هذا يعتبر إقراراً، وينزَّل منزلة الصيغة، ويكون لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين بالصيغة التي اتُّفِق عليها بين آبائهم وبين ولي أمر المسلمين، حينما كانوا صغاراً الجزية وأحكامها يقول رحمه الله: [لا تُعْقَد لغير المجوس وأهل الكتابين ومن تبعهم] في هذا الباب يحتاج المصنف عند بيانه لأحكام الذمة لجملة من المسائل منها: المسألة الأولى: أن يبين من الذين يجوز لك أن تعقد معهم عقد الذمة؟ والسبب في ذلك: أن الكفار ينقسمون إلى أقسام -سنبينها إن شاء الله- فهل كلهم يجوز أن تأخذ منهم الجزية، أم من بعضهم دون بعض؟ المسألة الثانية: من الذي له حق عقد الذمة، وهل يمكن أن يقع من أفراد المسلمين، أم أنه خاص بولي الأمر ومن ينيبه؟ المسألة الثالثة: ما هي الشروط التي ينبغي توفرها لضرب الجزية على الفرد من أفراد الكفار؟ وإذا وقع عقد الذمة العام، فهناك أمور فرعية خاصة تتعلق بهذا العام، وهي: هل نضرب الجزية على صغارهم، وكبارهم، وذراريهم، ونسائهم، وشيوخهم، وضَعَفَتهم، والمسلمين منهم، ورهبانهم، وأحبارهم، أم أن الحكم يختص ببعضهم دون بعض؟ كذلك أيضاً ما الذي يترتب على قضية أخذ الجزية منهم، من وجوب النصرة، وحقن دمائهم؟ فهذه كلها مسائل تتعلق بالعقد من حيث هو شرعية أخذ الجزية أولاً: ما هو الدليل على شرعية عقد الذمة وأخذ الجزية؟ دل دليل الكتاب والسنة وإجماع الأمة على ذلك. أما دليل الكتاب: فإن الله سبحانه وتعالى قال: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة:29]، فدلت هذه الآية الكريمة على مسائل: الأولى: الأمر بالجهاد في سبيل الله عز وجل، وذلك لإعلاء دين الله، وكف أعداء الله، {حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال:39]، كما دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة. الثانية: أن الله سبحانه وتعالى خص هذا بأهل الكفر، فقال: {الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ} [التوبة:29]، والذي لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر هو كافر، حتى ولو قال شخص: أنا أؤمن بالله، وأؤمن بالرسول وأؤمن بكل شيء إلا اليوم الآخر -والعياذ بالله- فلا أعتقد أن هناك يوماً آخراً، كما تقول الفلاسفة -والعياذ بالله- من ضلالاتهم: إنها أمور خيالية وليس لها حقيقة، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً، وهذا يعتبر كفراً بإجماع المسلمين، فمن لا يؤمن باليوم الآخر فهو كافر، فخص الله ذكر اليوم الآخر زيادة في بيان كفرهم والتغليظ عليهم، ثم قال: {وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ} [التوبة:29] ثم خصص العموم فقال: {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [التوبة:29] وهذا يدل على أن الجزية لا تؤخذ إلا من أهل الكتاب، وأنها ليست بعامة لجميع الكفار، وهذا له حكمة؛ لأن أهل الكتاب لهم دين سماوي، فهم في الأصل يتفقون مع المسلمين من حيث تعظيم الله عز وجل، ووجود الله عز وجل، فبيننا وبينهم قواسم مشتركة، ولذلك قال الله تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ} [البقرة:136] وقال: {قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [آل عمران:84]، فهناك قواسم مشتركة، والدين الذي له أصل، ليس كالدين الذي لا أصل له. وقول الله عز وجل: {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [التوبة:29] قال بعض العلماء: (مِن): للتبعيض، فدل على أن المراد أن الجزية لا تؤخذ إلا من قوم خاصين، وهم أهل الكتاب، ثم قال الله عز وجل: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة:29] فدل على أن الجزية تُحقن بها دماؤهم؛ لأنه قال في أول الآية: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ} [التوبة:29] ثم قال: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة:29] فدل على أنهم إذا أعطوا الجزية فلا يجوز استباحة دمائهم إلا بحق، ثم قال الله عز وجل: {عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة:29] وسنبين معنى الصَّغار، وما هو المقصود منه، كما سيبينه المصنف -رحمه الله- في آخر هذا الباب. إذاً: فهذه الآية دلت على مشروعية أخذ الجزية. ثانياً: السنة: فإن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه في حديث بريدة أنه بعثه في سرية وأمره صلى الله عليه وسلم عندما ينزل بدار الكفر أن يدعوهم بدعاية الإسلام: شهادة أن لا إله إلا لله وأن محمداً رسول الله، وأمره أن يخيرهم بين الإسلام، ثم أخذ الجزية، ثم قتالهم، فدل هذا على مشروعية أخذ الجزية، والحديث في الصحيحين، ومطلقه مقيد بالقرآن، كما سنبينه إن شاء الله تعالى. ثالثاً: الإجماع وقد ثبت إجماع السلف رحمهم الله، وهو فعل الخلفاء الراشدين المأمور باتباع سنتهم، أخذوا الجزية من أهل الكتاب، وذلك في فتوحات الشام وغيرها، ولم ينكر عليهم أحد، وفرضها أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عن الجميع، ثم ما زال ذلك في عصور الإسلام كلها، ومن هنا أجمع المسلمون على شرعيتها من حيث الجملة، أما من حيث التفصيل، فهناك خلاف في بعض المسائل، كما سنبينه إن شاء الله تعالى حِكم وفوائد الجزية أما الحِكَم التي تستفاد من شرعية الجزية، فهناك حِكَم عظيمة: أولها: التفريق بين الكفار، وبيان حرمة الأديان السماوية دون غيرها، فإن الأديان السماوية لها أصول، ولذلك تفضل على غيرها، كما أن الله سبحانه وتعالى بيَّن ذلك في سورة الروم، فقال سبحانه وتعالى: {الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ} [الروم:1 - 5] قال العلماء رحمهم الله: إن الله عز وجل قسم الناس في هذه الآيات الكريمات إلى حزبين، وطائفتين: طائفة لهم دين سماوي وهم الروم، قال: {غُلِبَتِ الرُّومُ} [الروم:2] ومعهم المسلمون في قوله آخر الآية: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ} [الروم:4 - 5] فجعل نصرة الروم من نصرة الله عز وجل لهم. وطائفة في ضدهم وهم طائفة المجوس، والوثنيين الذين يعبدون النار. فكان كفار قريش يفرحون بغلبة المجوس على أهل الكتاب وهم الروم؛ لأنهم يعبدون الأوثان، فكانوا مشتركين معهم في الوثنية، وكان المسلمون يفرحون بغلبة الروم على المجوس؛ لأنه دين سماوي، فكان هذا من باب التمييز بين الأديان. فجُعِل للدين الذي له أصل سماوي فرق عن الدين الذي ليس له أصل، فهناك الدهري الذي ليس له دين، وهناك الملحد الذي لا يعترف بالأديان أصلاً، وهناك الوثني الذي يقر بالله عز وجل؛ ولكن يعبد معه غيره، فيعبد وثنا أو صنماً، أو غير ذلك. المقصود: أن هذه النحل والملل والطوائف المشركة الوثنية ليست كالأديان التي لها أصل سماوي، فَفُرِّق بينهما. ثانياً: من حكم الجزية وفوائدها: أنها سبب في دخول الإسلام، فإن الكفار إذا نزل بهم المسلمون قد يكونون على جهل بشرائع الإسلام، ولا يعلمون حقيقة الإسلام، فينقسمون إلى طوائف: فمنهم من إذا ناقشته وناظرته اقتنع بالإسلام وأحبه وأسلم، فهذا تقنعه بالحجة والبرهان. ومنهم من لا يقتنع بالإسلام إلا إذا عاشر أهله -أهل الإسلام- ورأى الإسلام على طبيعته، وتطبيقه وواقعه، فلما يراه ويرى المسلمين على حقيقتهم يتأثر. وهناك من لا يرضى بالإسلام أصلاً، فحكمه أن يُجاهَد. فجعل الله لكل شيء قدراً، فإذا جاء المسلمون إلى أرضٍ فيها أهل كتاب، وأرادوا غزوهم، وقالوا لهم: اقبلوا بالإسلام، فقالوا: لا نقبل، فقالوا: ادفعوا الجزية، فقالوا: قبلنا، فإنهم سيعاشِرون المسلمين وسيَرَون محاسن الإسلام ومآثره وأحكامه وكيف أن الإسلام ينصفهم، فيكون هذا سبباً لإسلامهم. ولذلك أُثِر عن علي رضي الله عنه في القصة المشهورة التي ذكرها غير واحد من العلماء، وتروَى مسنَدَة، أنه لما أخذ اليهودي منه درعاً وقيل في بعض الروايات: أنه أخذ منه فرساً واستعاره، وكان من أهل الذمة، ثم جاء يطلبه الفرس فامتنع، وقال: بيني وبينك قاضيك الذي نصَّبته على الناس. فانطلق معه إلى قاضيه شريح، فقال له: هذه فرسي. فأنكره اليهودي. فقال له القاضي: بيِّنَتُك يا أمير المؤمنين. فعجب اليهودي، وقال: أمير المؤمنين ولا يستطيع أن يأخذ حقه مني إلا ببَيِّنة؟! فوجد سماحة الإسلام، وأن شرعه على الكبير والصغير، فشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله. فمن خلال التعامل يقع هؤلاء الذميون في معاملات مالية مع المسلمين، فيحتكمون إلى قضاء الإسلام، فيجدون سماحته ويجدون حسنه وما فيه، مع ما للمسلمين عليهم من فضل النصرة، فيكون سبباً في قبولهم للإسلام، ورضاهم به. ثالثاً: من حكم الجزية: أنها مورد من موارد بيت مال المسلمين، وهذا المورد يُصرف في مصالح المسلمين العامة، ويكون فيه نفعٌ للمسلمين عامِّهم وخاصِّهم، على ما ذكرناه في أحكام قسمة الفيء عقد الذمة للمجوس وقوله رحمه الله: [لا تُعْقَد لغير المجوس] (لا تُعْقَد) أي: لا يصح ولا يجوز أن تكون الذمة وعقد الذمة إلا للمجوس. والمجوس: هم طائفة من أهل الأديان يعبدون النار، ويعتقدون أن للكون إلهين -تعالى الله عما يقولون- إله الظلمة وإله النور، ويرون أن الخير منسوب إلى إله النور، وأن الشر منسوب إلى إله الظلمة، {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [التوبة:30]! وهذه النحلة، بعض العلماء يقولون: إنهم كان لهم أصل من دين سماوي، ثم رُفع كتابهم؛ ولكن هذا لم يصح، والصحيح أنهم وثنيون؛ ولكنهم أُلحقوا بأهل الكتاب، لورود السنة المخصِّصة لذلك. أما الدليل على جواز عقد الذمة مع المجوس: فما ثبت في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام: (أنه أخذ الجزية من مجوس هجر)، وكذلك أيضاً ما ثبت في حديث عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه وأرضاه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المجوس: (سنوا بهم سنة أهل الكتاب، غير ناكحي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم)، فدل على أن المجوس يعامَلون معاملة أهل الكتاب، في أخذ الجزية منهم، وعلى هذا قضاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، ولم ينكره عليه أحد من الصحابة، فكان بمثابة الإجماع. ولذلك تؤخذ الجزية من المجوس بإجماع العلماء رحمهم الله عقد الذمة لأهل الكتاب قال رحمه الله: [لا تُعْقَد لغير المجوس وأهل الكتابين ومن تبعهم]. أهل الكتابين المراد بهم: اليهود والنصارى، ووصفوا بذلك لأن لهم كتاباً سماوياً في الأصل، قال الله تعالى: {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ} [الأنعام:156]، وعندما قال بعض العلماء: إن المجوس أهل كتاب، رُدَّ عليهم بهذه الآية؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ} [الأنعام:156] فدَلَّ على أن (أهل الكتاب) يختص حكمهم باليهود والنصارى، واختُلف في الصابئة، فقيل: إنه كان لهم كتاب، وهو الزبور. وقيل: إن شريعة يحيى كانت لهم، ويختلف العلماء فيهم، وهم على طوائف سنبينها. أما بالنسبة لليهود والنصارى، فهم أهل كتاب بالإجماع، ويدخل فيهم من تبعهم، (فالسامرة) يتبعون اليهود ويأخذون حكمهم، وهم يعبدون الكواكب، وللعلماء فيهم بعض التفصيل، وإن كان الصحيح أنهم يتبعون اليهود، وهو قضاء بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ويؤكده أنهم يسبتون ويعظمون السبت كما تعظمه اليهود. كذلك أيضاً النصارى بجميع طوائفهم ومللهم، كما يوجد في زماننا: (الكاثوليك)، و (البروتستانت)، و (الأرثوذكس)، فهؤلاء كلهم يعتبرون في حكم أهل الكتاب، ويسري عليهم ما يسري على أهل الكتاب، كما نص على ذلك العلماء رحمهم الله؛ لأنهم في الأصل لهم كتابهم، سواءً كان: (إنجيل يوحنا)، أو (إنجيل برنابا)، أو (إنجيل لوقا)، أو غيرها من الأناجيل الأخرى، فكلها تعتبر من حيث الأصل على دين سماوي، ولذلك لم يفرق الصحابة رضوان الله عليهم بين طوائفهم، وإنما عاملوهم معاملة أهل الكتاب على الأصل العام الذي ذكرناه حكم عقد الذمة للصابئة وأما بالنسبة للصابئة فقد اختلف فيهم، والصابئة ينقسمون إلى طوائف: فطائفة منهم توجد بحران، في أقصى بلاد الشام، من جهة جزيرة العرب، وهؤلاء اختلف فيهم، فبعض العلماء يقول: إنهم أهل دين سماوي حرفوا دينهم وغيروه، كاليهود والنصارى، ورُفِع كتابهم، وهذا القول هو رواية عن الإمام أبي حنيفة رحمة الله عليه، ورواية عن الإمام أحمد رحمة الله عليه، وفيه أثر عن علي رضي الله عنه وأرضاه؛ ولكنه لم يصح. وقال بعض العلماء: إنهم تابعون لليهود والنصارى، وقد روي عن ابن عباس القول: بأنهم يتبعون النصارى، وهذا القول اختاره الإمام أحمد في رواية عنه، ومنهم من قال: إنهم يعتبرون في حكم اليهود؛ لأنهم يسبتون، فقد كانت بعض طوائفهم تعظم السبت كما يعظمه اليهود، فأعطوا حكم اليهود. والصحيح أن الصابئة ينقسمون إلى قسمين: فقسم منهم يتبعون اليهود والنصارى -خاصة الذين هم في جهة حران- وعليه يُحمل أثر ابن عباس رضي الله عنهما. وأما القسم الذي يعبد الكواكب، ويعتقد في الكواكب منهم، فهذا على قسمين: قسمٌ منهم يعبد الكواكب في أزمة مخصوصة معتقداً أن المؤثر هو الله، فهذا قيل: إن استقباله للكوكب واعتقاده فيه لا يوجب كونه آخذاً حكم الوثنية؛ لأن لهم أصلاً من الدين السماوي، فقال طائفة من العلماء: إنهم يأخذون حكم أهل الكتاب من هذا الوجه؛ ولكن الصحيح أن عبدة الكواكب منهم كلهم يعتبرون في حكم الوثنيين، ولا يجوز عقد الذمة معهم. وهذا القسم الذي يعبد الكواكب يوجد في أطراف العراق، وهذا القسم هو الذي توعده المأمون، وكان قد نذر على نفسه إذا لم يدخلوا الإسلام أن يرجع فيقتلهم، وذلك حينما ذهب إلى الغزو، ولكنه مات قبل أن يدركهم، وهذا القسم هو الذي يعنيه طائفة من العلماء بأنهم يأخذون حكم الوثنيين. أما بالنسبة لبقية الطوائف فهناك الكفار الذين هم مشركون وعلى الوثنية كمن يعبد الأشجار والأحجار والنيران، وهناك من لا دين له، وهم الملحدون، الذين ليس لهم دين ولا يعبدون إلهاً، وإنما يعتقدون أن الحياة نشأت من الطبيعة ووجدت صدفة، وأن الكون هذا أوجد نفسه، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً. وهكذا بالنسبة للمرتدين الذي ارتدوا عن الإسلام، فهؤلاء كلهم لا يجوز عقد الذمة معهم الدليل على عقد الذمة لأهل الكتاب والمجوس فقط أما الدليل على تخصيص الحكم بما ذكره المصنف من أهل الكتاب والمجوس؛ فلأن الله سبحانه وتعالى قال: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة:29]، فخصص حكم الجزية بنص الكتاب بأهل الكتاب، ثم إننا وجدنا في السنة أن: عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما احتك بالمجوس ونزلوا على حكم الإسلام، قال: (ما أدري ما أصنع بهم). فاحتار رضي الله عنه في أمرهم، فقال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأرضاه: أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيهم: (سنوا بهم سنة أهل الكتاب)، فـ عمر رضي الله عنه على فقهه وعلمه بالكتاب، فهم من آية القرآن تخصيص الحكم بأهل الكتاب، ولذلك لما جاء المجوس توقف فيهم واحتار فقال: (ما أدري ماذا أصنع بهم)، وكان معه الصحابة، فلم يُحْتَجَّ له بنص، وإنما قيل له: إن هؤلاء مستثنون من الأصل العام في الكفار، فدل على أن الجزية لا تؤخذ إلا من خصوص أهل الكتاب، ثم إننا إذا نظرنا إلى حكمة التشريع، فإن الله شرع الجهاد لكي يبقى التوحيد، فقال الله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة:193] قال جمع من السلف: {حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة:193] أي: لا يكون شرك، وأكد ذلك بقوله: {وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} [البقرة:193] أي: تكون العبودية خالصة لله عز وجل، فدل على أن أصل الجهاد إنما المراد به أن يبقى دين التوحيد، فلما اصطدمت الأديان والنحل والملل في الجهاد فُرِّق بينها، فما كان أصله ديناً سماوياً، فإن أهله عندهم قابلية لقبول الدين السماوي الآخر، والتنازل عن دينهم، عندما يجدون دين الإسلام لا يجرح عيسى بن مريم، ولا يجرح كذلك موسى بن عمران، وأن المسلمين يؤمنون بعيسى بن مريم، وموسى بن عمران عليهما السلام، فهم أدعى أن يقبلوا هذا الدين؛ لكن إذا جئت إلى المشرك الوثني الذي لا يدين بدين، أو الملحد الذي لا يدين بدين، فإنه لا يقبل الإسلام، وليس عنده أصلٌ أو قاسم مشترك بينه وبين المسلمين، فكان من الحكمة أن يفرق بين هذا وهذا، وأن يعطى كل ذي حقٍ حقه، فكأننا لو قبلنا من المشرك الوثني ذلك فقد أقررناه على شركه ووثنيته؛ لكننا إذا أقررنا أهل الكتاب فإننا نقر بأصل دينهم، وهو الدين السماوي، ففُرِّق بينهم لهذه الحكمة، ولذلك لو قيل بأخذ الجزية من الوثنيين فإن هذا يعين على بقاء الوثنية، ومقصود الإسلام أن لا تبقى الوثنية. لكن يبقى الإشكال في أهل الكتاب وقد صار منهم مشركون؟ قيل في هذا: إن الحكم على قسمين في الكفار: حكم الدنيا. وحكم الآخرة. فحكم الدنيا بالنسبة للوثنيين: أنهم يُقْتَلون أو يُسْلِمون، {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} [الفتح:16]، وهذا هو الذي دلت عليه آيات الجهاد. وأما من عداهم ممن له دين سماوي، فإنه يكون حكمه في الآخرة، وأما في الدنيا فيبقى على دينه في الإسلام؛ لأن دينه له أصل سماوي، وهو أحرى إذا عاشر المسلمين أن يرى سماحة الإسلام فيقبل بدينهم، كما شهدت التجربة بذلك في عصور المسلمين، حينما عاهدوا أهل الذمة. فالذي يظهر: تخصيص الحكم في أهل الكتاب والمجوس؛ لأن النص خصَّهم فقال: (سنوا بهم سنة أهل الكتاب، غير ناكحي نسائهم، ولا آكلي ذبائحهم)، قال الإمام الحافظ أبو عمر بن عبد البر رحمه الله: هذا في الجزية خاصة، أي: سنوا بهم سنة أهل الكتاب في الجزية فقط، ولذلك منع من أكل ذبائحهم، ونكاح نسائهم، ولم يبح مخالطتهم للوثنية التي فيهم، فدل على أن مقصود الإسلام أن يُفَرَّق بين الوثنية وما له أصل سماوي. إذاً: الذي يترجح -والعلم عند الله- أنه لا تقبل الجزية إلا من أهل الكتاب، فإن الله سبحانه وتعالى ليس بعد نصه شيء حينما قال عز وجل: {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [التوبة:29] بعد تعميمه لقتال المشركين، وأما حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه وأرضاه، حينما أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يخير أثناء الجهاد، فهذا -كما لا يخفى عند الجميع- يعتبر من المطلق المحمول على المقيد، فإن آية القرآن وردت في قضية الجزية بعينها، واشترطت أن يكونوا أهل كتاب، وأما بالنسبة لحديث بريدة، فإنه مطلق، ولذلك يقيد إطلاقه بالكتاب، وكم من أحاديث مطلقة قيدها الكتاب! وكم من أحاديث عامة خصصها الكتاب! وحمل المطلق على المقيد مذهب معتبر في الأصول، ولذلك مما نرى من مقاصد الإسلام العامة أنه لا يقر المشرك على شركه، ولا يقر الوثني على وثنيته، فيُنْصَر ويُعان على ذلك، بل إنه حينما كُتِب كتاب عمر في الشروط العمرية بينه وبين أهل الكتاب، مُنعوا من ضرب الناقوس، ومن إظهار شعائر دينهم، كل ذلك حتى يكون أبلغ في قبولهم للإسلام، فكيف بالوثني الذي ليس له أصل من دين سماوي، فإنه بعيد منه أن يقبل بدين الإسلام أو يرضاه. [ولا يعقدها إلا إمام أو نائبه] هذه هي الجزئية الثانية: مَن له حق عقد الذمة؟ للعلماء قولان في هذه المسألة: فجمهور أهل العلم على أنه لا يجوز عقد الذمة إلا من الإمام أو نائبه. وهناك قول عند الحنفية: أنه يجوز أن تعقد الذمة بالأفراد، فلو أن مسلماً تعاقد مع ذميين، وأمَّنهم بأمانهم العام، فإنه يمضي عقده. والصحيح مذهب الجمهور أنه لا يعقدها إلا ولي الأمر أو من يقوم مقامه يتبع
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
![]() شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع (كتاب المناسك) شرح فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي الحلقة (247) صـــــ(1) إلى صــ(27) وقت ذبح الأضحية يقول المصنف رحمه الله تعالى: [ووقت الذبح بعد صلاة العيد أو قدره إلى يومين بعده]. بيّن المصنف رحمه الله جملة من الأحكام المتعلقة بالأضحية، ثم شرع في بيان تأقيت الأضحية؛ والسبب في ذلك: أن النصوص التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم بينت أن للأضحية ميقاتاً خاصاً ينبغي مراعاته عند ذبحها، فلا يقع الذبح قبل هذا الوقت المحدد من الشرع ولا بعده، وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك حينما خطب يوم النحر فقال صلى الله عليه وسلم: (من ذبح قبل الصلاة فليذبح أخرى مكانها، ومن لم يذبح فليذبح باسم الله). وقوله عليه الصلاة والسلام: (من ذبح قبل الصلاة) المراد بالصلاة صلاة عيد الأضحى، والتي يسن إيقاعها بعد طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح، فالسنة في صلاة عيد الأضحى أن يخفف الإمام ويعجل؛ لأن الناس سيشتغلون بالأضحية، وهذا يحتاج إلى وقت لكي يصيبوا فضيلة إيقاع الذبح في ضحى يوم النحر، وما سميت الأضحية أضحية إلا لأنها تقع ضحى يوم النحر، ففضيلتها في هذا الوقت، والسنة أن يصلي بهم والشمس قيد رمح، أما في صلاة عيد الفطر فيوقعها والشمس قيد رمحين؛ لأن الناس يحتاجون إلى وقت أكثر قبل الصلاة من أجل إخراج زكاة الفطر، فاختلف الحكم بالنسبة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الأضحى وصلاة الفطر. وقد قالوا: إنه يوقع ذبح الأضحية بعد صلاة الإمام، والمراد بذلك الإمام الذي يصلي بالناس عيد الأضحى، فإذا تعددت المساجد ووجد أكثر من إمام؛ فبعض أهل العلم يرى تأقيت كل جماعة بإمامهم، فإذا كان في المدينة مصليان للعيد، فصلى مع الإمام بالناحية الشرقية أو الغربية فإنه -عند هؤلاء- يتقيد بالإمام، فإذا صلى مع إمامه انصرف وذبح أضحيته، وإذا كان مريضاً لم يتمكن من الخروج فإنه ينتظر فراغ إمامه من صلاة عيد الأضحى ثم يضحي. وقال بعض العلماء: يعتد بالأسبق منهما، حتى ولو كان غير إمامه؛ فلو كان هناك حيان، حي تقام فيه صلاة الأضحى في الشرق وحي في الغرب، والذي في الشرق من عادته أن يطول أو يتأخر، والذي في الغرب يبكر، فيعتد بصلاة المبكر منهما. فعلى هذا نخرج بحكم شرعي وهو: أن ذبح الأضحية ينبغي أن يكون بعد الصلاة لا قبلها. ولا يشترط انتظار فراغ الإمام من خطبة يوم النحر، بل العبرة بالصلاة وحدها، فإذا انتهت الصلاة وخرجت وذبحت أجزأك ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ذبح قبل الصلاة فشاته شاة لحم)، أي: أن شاته لا تقع أضحية على السنة، وإنما تنقلب شاة لحم، إن شاء تصدق بها، وإن شاء أكلها، فليست بأضحية، وقال بعد ذلك: (ومن لم يذبح فليذبح باسم الله)، فأذن بالذبح بعد الصلاة؛ لأن هذا الكلام وقع في خطبته وهي من بعد صلاة الأضحى إجماعاً، فبيّن رحمه الله أن وقت الأضحية يبتدئ بما بعد الصلاة. وقت انتهاء الذبح وللأضحية وقت انتهاء، فبعد هذا الوقت لا تقع شاته أضحية، وقد اختلف العلماء في وقت الانتهاء على قولين مشهورين:القول الأول: أن وقت الأضحية ينتهي بثالث أيام التشريق؛ فإذا غابت شمس يوم الثالث عشر فلا تقع أضحية وإنما تقع صدقة من الصدقات، أو شاة لحم، كما قال صلى الله عليه وسلم فيمن سبق الوقت المعتبر. وهذا هو مذهب الشافعية ورواية عن الإمام أحمد رحمة الله عليهم، وكان يقول به أكثر من سبعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كلهم يقولون: إنه يجوز أن ينحر الإنسان ويذبح في اليوم الثالث عشر، وهو اليوم الأخير من أيام التشريق. القول الثاني: وهو أشبه بمذهب الجمهور، وهو أن وقت الذبح يوم العيد ويومان من بعده، فآخر وقت الذبح عندهم بمغيب شمس اليوم الثاني عشر. والخلاف فقط في اليوم الثالث عشر الذي هو آخر أيام التشريق؛ لأن أيام التشريق ثلاثة كما لا يخفى، فقال بعض العلماء: إن اليوم الثالث يعتبر من أيام الذبح، وقال بعضهم: إنه ليس من أيام الذبح، وظاهر قوله عليه الصلاة والسلام: (أيام منى أيام أكل ونحر) يدل على أنه يجزئ الذبح فيها، وهذا على ظاهر القرآن: ![]() ![]() وإخراج اليوم الثالث عشر لا يخلو من نظر؛ فإن جلّ الأحكام التي وقعت في أيام التشريق استوت فيها الأيام الثلاثة كلها، ولذلك فإن من ذبح هدي التمتع أو هدي القران فإنه يجزيه في أيام التشريق على القول بالتأقيت، وكذلك بالنسبة لمسائل الحاج، فإن الله جعل للحاج اليوم الثالث عشر كاليوم الثاني عشر، لكنه خفف بالتعجل في اليوم الثاني عشر، وهذا لا يسقط اعتباره إن تأخر. وعلى هذا فالذي يترجح: أن يوم العيد وثلاثة أيام من بعده هي أيام النحر والذبح. وإذا أراد الإنسان أن يذبح في الليل، فهل ليالي هذه الأيام كنهارها؟ للعلماء في هذه المسألة قولان: القول الأول: قال جمهور أهل العلم: يجوز للإنسان أن يذبح أضحيته بالليل والنهار، ولا فرق بينهما، وإن كان الأفضل أن يذبح نهاراً، حتى يخرج من خلاف أهل العلم رحمة الله عليهم. القول الثاني: أن الذبح يختص بالنهار دون الليل، وأنه لا يذبح ليلاً، واليوم إذا أطلق في لغة العرب فالمراد به النهار دون الليل، ويحمل قوله عليه الصلاة والسلام: (أيام منى) على النهار دون الليل، واستدلوا لذلك بقوله تعالى: ![]() ![]() واحتج من قال: إن الليل والنهار سواء -كما هو مذهب الجمهور- بأن قوله تعالى: ![]() ![]() وظاهر الدليل: أن الليل والنهار سواء، وأنه يذبح بالليل والنهار؛ لقوله تعالى: ![]() ![]() وعليه: فإنه يجوز أن يذبح في الليل كما يجوز أن يذبح في النهار، ولكن الأفضل والأكمل أن يذبح في النهار، لكن لو أراد أن يصل رحمه، أو أن يكرم الضعفاء؛ فرأى أن ظروفه لا تساعده إلا بالذبح ليلاً، أو كما يقع بين القرابة أنهم يترقبون مجيء بعضهم، فتقع قرعة الإنسان وحصته بالليل، فحينها لا بأس أن يذبح ليلاً، ولا حرج عليه في ذلك، وإن ذبح قبل غروب الشمس ثم بعد ذلك يطبخها ويقدمها لضيوفه ولو بعد العشاء، فهو الأفضل؛ خروجاً من الخلاف. حكم من فاته وقت الذبح قال رحمه الله: [ويكره في ليلتيهما، فإن فات قضى واجبه].بيّن رحمه الله بداية وقت ذبح الأضحية ونهاية وقت ذبحها، وما تخلل هذا الميقات الزماني من الذبح ليلاً، وعليه فإنه يرد السؤال: لو أن إنساناً فاتته أيام التشريق وأراد أن يذبح بعد أيام التشريق، فما الحكم؟ إذا ذبح بعد اليوم الثالث عشر فشاته شاة لحم، ولكن يفصّل في هذا: فإن كان عينها فإنه يذبحها وتكون شاته شاة لحم، ولكنها تلزمه من جهة الإلزام، ولذلك قالوا: لو نذر وقال: لله عليَّ أن أذبح أضحية هذا العام، فإنه يذبح ولو بعد انتهاء أيام التشريق، ويأثم إذا قصر وتراخى فيها حتى خرج الوقت المعتبر. الأسئلة ضابط المرض الذي لا تجزئ به الأضحية السؤال: نرجو توضيح القول في المرض الذي يكون في باطن البهيمة من حيث المنع والإجزاء، أحسن الله إليكم؟ الجواب: باسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد: فقد حَدَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم المرض البيّن، والأطباء يقولون: المرض: هو خروج الجسد عن حَدِّ الاعتدال، ففي كل جسد طبائع، وهذه الطبائع إذا استوت ولم يغلب بعضها على بعض فإن الصحة تكون مستقرة بإذن الله عز وجل ولطفه، فإذا بغت إحدى الطبائع على البقية أو على غيرها اعتلت الصحة، فيخرج البدن عن حَدِّ الاعتدال إلى المرض والسقم. وعلى هذا فإنه لا يحكم بكونها مريضة مرضاً بيّناً موجباً لعدم الإجزاء إلا بالرجوع لأهل الخبرة الذين لهم معرفة؛ سواء كان عن طريق تربية البهائم، أو كانت الخبرة عن طريق معالجة البهائم، فالأطباء البيطريون الموجودون الآن قولهم حجة في هذا، وكذلك أيضاً أهل البادية الذين يرعون ولهم معرفة وخبرة قولهم حجة ومعتد به، فلو قال أحدهم: إن هذا مرض مؤثر، فإنه يعتبر مؤثراً، وإذا قال: إن هذا شيء عارض، فيؤخذ بقوله وهو حجة؛ فإن التجارب جعلها الله عز وجل سنناً في الكون، وقد يكون الرجل الذي له خبرة ومعرفة شخصية أفضل من الطبيب في بعض الأحيان؛ لأنه تمر عليه أحوال قد لا يتيسر للطبيب أن يراها؛ لأنه قد لا يأتيه إلا بعض الحالات، لكن هذا يعايش ويجد، وقد يربي فيرى ويصاحب الألم في البهيمة ويعرف ما بها. فالمقصود: إذا قال أهل الخبرة من الأطباء وأهل المعرفة في السوق وتربية البهائم: إن هذا المرض يعتبر مرضاً مؤثراً، فإن هذه البهيمة لا تجزئ، ولا يضحى بها، وأما إذا قالوا: إنه شيء عارض سهل وبسيط؛ فإنه يجوز أن يضحى بمثلها. وهناك ضابط عند العلماء في الفتوى، فإنهم يقولون: لابد على الفقيه أن يبين القاعدة، فمثلاً حينما نقول: إنه يجوز للمريض أن يفطر. فهذا شيء يرجع إلى ضابط الأطباء للمرض المؤثر، وليس الكلام لنا نحن؛ لأن هذا ليس بعلمنا ولا بمعرفتنا، وإذا كنا نقول: إن هذا الشيء مؤثر، ويرجع في معرفة تأثيره إلى إنسان له خبرة؛ فينبغي أن نرجع إلى ذي الخبرة. ومما يدل على فقه العلماء الأولين رحمهم الله: أن الإمام النووي لما جاء إلى مسألة: إذا نام الإنسان وسال اللعاب من فمه، قال: قال بعض العلماء: إن اللعاب نجس، وعليه أن يغسل ما أصاب الوسادة التي نام عليها؛ لأن اللعاب يخرج من المعدة، وحكمه حكم القيء، وقال بعض العلماء: اللعاب طاهر؛ لأنه مستحلب من الفم، ثم قال هذا العالم الجليل الفقيه في هذه المسألة: يسأل عن هذا أهل الخبرة، وقد سألت الأطباء فقالوا: إنه مستحلب من الفم، وعليه فإنه طاهر، والآن الطب الحديث يقوي كلامه، وأن هناك غدة للعاب مختصة به، وأنها في الفم وليس لها صلة بالمعدة أصلاً. فالرجوع إلى أهل الخبرة وأهل المعرفة في المسائل التي لها ضوابط وقواعد هذا هو المعوّل عليه، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (المريضة البيّن مرضها)، فنرجع إلى أهل الخبرة من الأطباء ونحوهم ممن لهم معرفة بالدواب والبهائم، فإذا قالوا: إن هذا مرض مؤثر ومؤذٍ ومضر؛ فإنه يعتبر حينئذٍ موجباً لعدم الإجزاء وإلا فلا. والله تعالى أعلم. حكم جِلد الأضحية والدماء الواجبة السؤال: عند القيام بسلخ الأضحية في المطبخ يأخذ السلاخ الجلد، فهل يجوز ذلك؟ وهل يعتبر من الأجرة أم لا، أفيدونا بارك الله فيكم؟ الجواب: جلد الأضحية والدماء الواجبة يجب أن يتصدق به، ولا يجوز أن يعطى ضمن الأجرة، ولا يعطى للسلاخ، ولكن إذا كان السلاخ فقيراً أو محتاجاً وطلب هذا الجلد، فلا بأس بإعطائه، أما إذا كان قوياً أو قادراً، أو كان ليس بحاجة لهذا الجلد؛ فإنه لا يجوز إعطاؤه، وهو حرام عليه، ويكون أخذه من السحت، وينبغي عليه أن يصرفه للفقراء، فإذا أُخذ من الإنسان قهراً ثم بيع لمن يصنّع الجلد، فإن هذا من الظلم، ولا يجوز له، وماله حرام، وهو سحت -نسأل الله السلامة والعافية- لأنه إذا كانت البهيمة قد نذرها لله، فجميع أجزائها التي يسعه أن يتصدق بها صدقة، وجلدها مما ينتفع به، فينبغي أن يمكَّن من التصدق به على من يحتاجه. أما إذا كان هناك شركة تشتري الجلد في نفس المسلخ، وأعطيته الفقير، ثم ذهب الفقير وباعه لهذه الشركة أو لهذه المؤسسة، فلا بأس، أما أن يؤخذ من الإنسان في دم واجب فإنه لا يجوز ذلك، وماله حرام؛ لأنه لا يجوز صرف ما كان وقفاً أو صدقة إلا في جهته التي سُبّل عليها وأوقف عليها وتصدق به عليها، وهذا أصل مذكور ومقرر عند العلماء. هذا بالنسبة للجلود التي تكون في الدماء الواجبة؛ كدم الجبران ونحوها من الدماء الواجبة، فإنه لا يجوز أن تجعل في الأجرة، ولا يجوز للسلاخ أن يأخذها. بل قال العلماء رحمهم الله: لو كانت عند الإنسان شاة -ليست بأضحية ولا هدي- وأراد أن يذبحها للبيت، فقال للجزار: اذبحها ولك الجلد، فهذه المسألة تعرف بمسألة استئجار السلاخ بالجلد، وهي المشهورة عند الفقهاء في باب الإجارة بمسألة: قفيز الطحان، والمراد بها: أن تستأجر العامل بجزء من عمله، وهو نوع من الغرر؛ والسبب في هذا: أنك حينما تتعاقد معه قبل الذبح والسلخ فلا يُعلم هل الجلد جيد أو رديء؟ وهل هو خفيف أو ثخين؟ وهل يخرج سالماً دون أن يقدّه ويؤذيه أم لا؟ ثم إنه قد يحيف على الجلد خوفاً من قدّه فيضر الشاة أكثر، ولذلك قالوا: إنه لا يجوز أن يستأجر بالجلد، وفيها حديث: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قفيز الطحان) ، ولكنه حديث ضعيف، وقد تكلم العلماء عليه سنداً ومتناً، وذكر شيخ الإسلام رحمه الله في مجموع الفتاوى: أن هذا الحديث في متنه ما يدل على ضعفه؛ لأن القفيز لم يكن موجوداً في المدينة، ولا يعقل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخاطب أهل المدينة ومكة بما لم يعرفوه ولم يعهدوه مما هو في غير بلدهم، ولذلك لم يصح هذا الحديث لا سنداً ولا متناً. لكن بالنسبة لحكم المسألة: أن تستأجر السلاخ أو الجزار على أن يأخذ الجلد؛ فالصحيح أنه لا يجوز ذلك، وهو من باب الإجارة بجزء من العمل، ولا يحل للمسلم أن يتعاقد معه؛ لأنه من عقود الغرر، والشريعة تحرم عقود الغرر. والله تعالى أعلم. الفرق بين الحكم الوضعي والحكم التكليفي السؤال: أشكل عليَّ قول الفقهاء رحمهم الله: إن الأحكام الوضعية يستوي فيها العامد والناسي، أرجو إيضاح ذلك، أثابكم الله؟ الجواب: الحكم الشرعي ينقسم إلى: حكم تكليفي وحكم وضعي. فالحكم التكليفي يشمل: الواجب، والمندوب، والمباح، والمحرم، والمكروه، فهذه الخمسة الأحكام تكليفية، ويكلف بها الإنسان وهي في وسعه؛ لأن الشرع لا يرد بالتكليف إلا بما هو في وسع المكلف ومقدوره. أما الحكم الوضعي: فهي العلامات والأمارات التي نصبها الشرع وليس لك فيها دخل، فإن الشيء الذي أوجبه الشرع عليك يكون في وسعك، لكن الأمارات والعلامات، كزوال الشمس فإنه سبب في وجوب صلاة الظهر عليك، فهذا حكم وضعه الشرع، ومغيب الشمس جعله الشارع علامة على وجوب صلاة المغرب، ومغيب الشفق الأحمر علامة على وجوب صلاة العشاء. فهذا يسمى حكماً وضعياً ولا دخل للمكلف فيه، ولا يلتفت فيه إلى قدرة المكلف وعدمها. ففي بعض الأحيان يفرق العلماء في باب النسيان بين ما يكون من باب الأحكام التكليفية وبين ما يكون من باب الأحكام الوضعية، فمثلاً: لو أن إنساناً نسي أو أخطأ أو جهل، فتارة يجب عليه الضمان، مع أنه لم يقصد ولم يتعمد، وتارة تسقط عنه المؤاخذة، وتارة يجمع له بين الإسقاط والمؤاخذة، فمثلاً: لو أن إنساناً يريد أن يقول لامرأته: أنت طالعة، فقال: أنت طالقة، فأخطأ في اللفظ، فهذا لا يؤثر، ويسقط عنه، وإذا ظهرت قرائن المجلس وآماراته على أنه لا يريد الطلاق فليست بطالق. وأما كونه يجمع بين الإسقاط والمؤاخذة فمن أمثلته: إذا رأى صيداً وأطلق النار عليه فأصاب إنساناً وقتله، فإن هذا من باب قتل الخطأ، فنقول: إن خطأه يوجب سقوط الإثم عنه، فلا نؤاخذه، ولا نقول: إنه آثم، ولا نوجب القصاص عليه؛ لأنه لم يتعمد قتل أخيه، ولكن نوجب عليه الدية ضماناً لهذه النفس، ونوجب عليه الكفارة؛ لأنه لم يخطئ فيقتل بالخطأ إلا وهو مقصر بعض التقصير، ومن هنا لو تحرى وتعاطى أسباب الحفظ لما وقع في الإخلال، فحينئذٍ أسقط عنه الشرع المؤاخذة فلم يقتص منه، وأوجب عليه المؤاخذة بوجوب الدية ووجود الضمان، ومباحث هذا مشهورة في كتب أصول الفقه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم وبارك على محمد.
__________________
|
#6
|
||||
|
||||
![]() شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع (كتاب المناسك) شرح فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي الحلقة (248) صـــــ(1) إلى صــ(27) شرح زاد المستقنع باب الهدي والأضحية والعقيقة [3] من أحكام الهدي والأضحية: أنهما إذا تعينا لزمت فيهما أحكام، منها: عدم جواز بيعهما أو هبتهما، وعدم جز صوفهما إلا إذا كان أنفع لهما، وإن تعيبت المعينة فلها أحكام ينبغي معرفتها، وهناك أحكام متعلقة بحكم الأضحية وحكم التصدق بثمنها، والسنة في تقسيمها وتوزيعهما، وما يحرم على المضحي فعله إذا دخلت أيام العشر.. ونحوها. أحكام تعيين الأضحية قال المصنف رحمه الله: [فصل: ويتعينان بقوله: هذا هدي أو أضحية، لا بالنية].قوله: (يتعينان) تعين الشيء مأخوذ من العين، والعين في لغة العرب تطلق عدة معانٍ، منها: العين الجارية، ومنها: كقولك رأيت محمداً بعينه، أي: بذاته. والذي يشتري الأضحية له حالتان: الحالة الأولى: أن يشتري الأضحية وفي نيته أنها أضحية، وسوف يدعها في بيته أو حظيرته أو عند رجل، ثم بعد ذلك يذبحها، دون أن يقول: هذه أضحية، بل ينوي فقط، ولكنه لا يعينها، فقد تتغير نيته إلى ما هو أفضل منها، أو إلى ما هو دونها مما هو مجزئ، ففي هذه الحال إذا جاء وقت التضحية إن شاء ذبحها وإن شاء ذبح غيرها، أي: ليس بملزم بها بعينها؛ لأنه لم يلزم نفسه بذلك إلزاماً شرعياً، وهو التعيين. الحالة الثانية: قال بعض العلماء: إن اشتراها وفي نيته أنها أضحية تعينت. وهناك أحكام تترتب على قولنا: إنها تتعين، وقولنا: إنها لا تتعين. أولاً: إذا تعينت الأضحية، فحينئذٍ لو حدث بها عيب أو صار عليها عارض يمنع من إجزائها، فحينئذٍ يجوز أن يضحي بها مع كونها معيبة؛ وذلك لأنها تعينت ولزم ذبحها بعينها، بشرط: أن لا يكون ذلك بالتفريط، كما سنبينه إن شاء الله تعالى. ثانياً: لو حدث بها عيب، ويده يد أمانة وليست بيد ضمان، فإنه لا يلزمه البديل عنها، وهكذا لو ماتت، أو حصل لها عارض وماتت قدراً؛ فإنه لا يلزم بضمانها. وقوله رحمه الله: (ويتعينان) أي: الهدي والأضحية، فلو أن إنساناً قال: هذا هدي وهذه أضحية، واشترى شاة وقال لأبنائه: هذه أضحية، أو هذا هدي، فإنه قد تعيّن، بمعنى: أنه يلزم بذبحه هدياً، أو أضحية، وحينئذٍ اجتمع ظاهر الإنسان وباطنه؛ لأن التكاليف الشرعية يكون النظر فيها إما إلى باطن الإنسان ونيته، وإما أن ينظر إلى ظاهره الذي يتكلم به ويفعله، وإما أن يجمع بين الظاهر والباطن، فمثلاً: قوله عليه الصلاة والسلام: (أمرت أن آخذ بظواهر الناس)، فلو قال رجل: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فنقول: إنه قد دخل في الإسلام، ولو كان يقصد من ذلك الكذب والخداع، وقد يكون منافقاً، لكن نحن نقبل منه الظاهر، لكن لو أن إنساناً حمل المصحف، ثم فعل به فعلاً فيه إهانة للمصحف ولكتاب الله، ولكنه لم ينو ذلك ولم يقصده، فحينئذٍ نقول: إذا لم ينو لا يحكم بكفره، وإن كان ظاهر الفعل يوجب التكفير، لكن لما كان فعله متردداً بين قصده وعدم قصده فينظر إلى القصد؛ لأن الأصل عدم استباحة الدم إلا بيقين أو غالب ظن، ولما صار متردداً بين القصد المخلّ وغير المخلّ نظر إلى نيته. فلو كان رجل يتكلم مع زوجته في سياق مودة ومحبة، وكان قد ربطها، فقالت له: هل انفك الحبل أم لا؟ فقال: أنت طالق، فحينئذٍ دلالة المجلس تدل على أنه لا يريد الطلاق، فهذا اللفظ الظاهر نلغيه وننظر إلى نيته، وأنه لم يقصد الطلاق، وبعض الأحيان ننظر إلى لفظه ولا ننظر إلى نيته، فلو هزل معها وضحك وقال لها: أنت طالق، فإننا نؤاخذه بالظاهر، لحديث: (ثلاث جدهن جد وهزلهن جد)، فالشرع تارة ينظر إلى الظاهر، وتارة ينظر إلى الباطن، وتارة ينظر إليهما معاً. فلما اشترى الأضحية احتمل أن يكون اشتراها هدياً أو أضحية، ولو اشتراها أضحية احتمل أن يبدلها بغيرها، واحتمل أن يصرفها إلى نوع آخر، كأن يشتري إبلاً فيستبدلها بغنم، أو يشتري غنماً فيستبدلها بإبل، كأن يكون له مال قليل، وفي نيته لو وسع الله عليه قبل الذبح فسيشتري بعيراً وينحره، فهذا نقول له: إنها لا تتعين إلا بقولك: هذه أضحية، وهكذا الحال بالنسبة للهدي؛ فلابد من النية واللفظ. وقال بعض العلماء: تجزئ النية دون اللفظ، فلو اشتراها وفي نيته ذبحها فإن ذلك يجزيه؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) . حكم بيع الأضحية وهبتها بعد التعيين قال رحمه الله: [وإذا تعينت لم يجز بيعها ولا هبتها].هذه المسألة فيها قولان: القول الأول: إذا قال: هذه أضحيتي، أو هذا هديي، لم يجز بيعها، والبيع أصله: مبادلة المال بالمال بالتراضي، سواء كان بنقد أو بغير نقد، فلو أتاه شخص وقال له: أبدل لي هذه الشاة بأخرى، والتي عنده ماعز وسيعطيه كبشاً بدلاً عنها، فحينئذٍ لا يجوز؛ لأنها تعيّنت أضحية، ولو قال له رجل: بكم اشتريت هذه الأضحية؟ فقال: بسبعمائة، فقال: سأشتريها منك بثمانمائة واذهب واشتر غيرها، فلا يجوز له أن يبيعها؛ لأن يده خلت عن ملكيتها وأصبحت لله عز وجل، وهذا كما لو أوقف وقفاً، فكأنه سبّلها لله عز وجل حينما قال: هذه أضحية. فمن فوائد التعيين: أنه لا يجوز بيعها، ولا هبتها؛ لأن يد الملكية خلت منه، كما لو أوقف المسجد فإن يده ترتفع عنه ولا يملكه. فلا يجوز أن يأخذ العوض عليها، ولا أن يصرفها في غير ما خصصها له، إلا في حالة واحدة، وهي: أن يبدلها بأفضل منها، وهذا على قولين: القول الأول: أنه إذا عيّنها وجب عليه أن يذبحها بعينها، فإذا أبدلها بما هو أفضل منها فإن الشرع في الأشياء التي ألزم الإنسان نفسه فيها صرفه إلى ما هو أفضل، ولذلك فمن نذر أن يعتكف في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم جاز له أن يذهب إلى مكة ويعتكف بها؛ لأن مكة أفضل، وفضيلة الألف التي في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم يجدها في مكة أضعافاً، فلو أنه حددها وعينها أضحية صرفت إلى ما هو أفضل منها. القول الثاني: أنها إذا تعينت لم يجز أن تصرف إلى ما هو أفضل منها، وهذا القول من القوة بمكان، ولذلك يحتاط الإنسان إذا عينها فإنه لا يصرفها، ولو أراد أن يتصدق بما هو زائد فإنه يضحي بغيرها معها. حكم جز صوف الأضحية المعينة ونحوه قال رحمه الله: [ويجز صوفها ونحوه إن كان أنفع لها ويتصدق به].إذا تعينت الشاة فإن فيها بعض المسائل المشكلة، فإن اشتراها في وقت الذبح أو قبل وقت الذبح بيوم أو يومين فليست هناك مشكلة في الغالب، ولكن المشكلة فيما لو اشتراها في شوال مثلاً، وحينئذٍ يبقى السؤال في فوائدها وما ينشأ منها، وهي المنفعة التي تكون فيها، مثل الصوف واللبن، فإذا كان عليها صوف فإن كان بقاؤه فيه ضرر عليها فإنه يجز ويتصدق به، كما هو الحال في وجود الصوف على البهيمة زائداً على الحد المعروف، وبذلك يؤذيها ويضر بها من وجود الحشرات أو نحو ذلك، فحينئذٍ هذا شيء يختلف باختلاف الأحوال، ويرجع فيه إلى أهل الخبرة، فإذا قالوا: إنه لو بقي بها هذا الصوف أضر بها، ولا تستطيع أن تصبر شهراً بهذا الحال؛ لأن المكان يصبح موبوءاً بالدود والجراثيم؛ فجز الصوف فيه مصلحة للبهيمة، وإذا جز فإنه يتصدق به. وقال بعض العلماء: إذا كان النفع في النقود باع الصوف وتصدق بثمنه. أما بالنسبة للبن؛ فإن كانت هذه الناقة أو البقرة حملت وقد نواها هدياً، فلما وضعت صار فيها لبن فإنه يكون لولدها، ولذلك قال علي رضي الله عنه وأرضاه: (اسقه ولدها، وما فضل فهو لك). فجعل الفضل الزائد له، وهذا مبني على مسألة لطيفة: وهي أن اللبن يختلف عن الصوف، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (الرهن محلوب ومركوب بنفقته)؛ لأن الناقة ستكلفك طعامها وعلفها، فبما تقوم به من إعلافها والقيام عليها كان لك فضل في الانتفاع بلبنها، هكذا يخرّجه بعض العلماء، فكأنها مرهونة عندك حتى تخرج لله عز وجل هدياً أو أضحية. أجرة الجزار للأضحية قال رحمه الله: [ولا يعطي جازرها أجرته منها].فإذا استأجر المضحي إنساناً لذبح الأضحية، فالسنة أن لا يعطيه منها شيئاً. وأما الذي توكله وتقول له: اذبح هذه الشاة عني، أو انحر هذه الناقة عني -كابنك مثلاً- فإنه حينئذٍ وكيل بدون أجرة، ولا إشكال في هذه المسألة. أما إذا استأجرت من يقوم بالذبح أو النحر، فلا تعطيه شيئاً من الأضحية، ولذلك قال علي رضي الله عنه: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بُدنه، وأن أتصدق بجلودها وأجلّتها، وأن لا أعطي الجازر منها شيئاً، وقال: نحن نعطيه من عندنا) أي: نعطيه نقوداً، وهذا يدل على أنه لا يجوز أن تصرف شيئاً من الأضحية للجزار، مع أن الجزار يقوم بتمام الطاعة والقربة من كونه ينحر ويذبح، والأفضل والأكمل أن تتولاها بنفسك؛ لما فيه من المشقة والتعب والتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم. حكم بيع شيء من الأضحية ثم قال رحمه الله: [ولا يبيع جلدها ولا شيئاً منها؛ بل ينتفع به].فلا يبيع جلد الأضحية، ولا حتى لحمها ولا عظمها، ولا حرج عليه في أن ينتفع به، أو أن يتصدق به، أو أن يهديه، أما أن يبيعه فلا يجوز، ولا يصح البيع؛ والسبب في ذلك: أنه لا يملك الأضحية؛ لأنه لما ذبحها لله عز وجل تصدق بها، وحينئذٍ فلا يجوز بيع جلدها ولا شيء من لحمها، وإنما يتصدق به أو يهديه أو يأكله، لكن لو أعطيت المسكين من الأضحية، فذهب أمامك وباعها لشخص وأنت ترى، فهل يصح هذا البيع؟ الجواب: نعم؛ لأن هذا الفقير قد ملكها بالقبض، واختلفت اليد، فحرم عليك البيع وجاز له، ولذلك لما دخل عليه الصلاة والسلام على أم المؤمنين والقدر يغلي بلحم وهو يريد أن يطعمه، فقالت له أم المؤمنين: يا رسول الله! إنه لـبريرة أي: صدقة تصدق بها على بريرة ، وبريرة كانت أمة لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يأكل الصدقات، فقال عليه الصلاة والسلام: (هو لها صدقة، ولنا هدية) ؛ لأنه يأكل الهدية عليه الصلاة والسلام. وهذا هو ما يسمونه: اختلاف اليد، ولذلك أخبر عليه الصلاة والسلام: أن المال الواحد يهلك به جامعه وينجو به آخذه، فتجد الرجل يجمع الأموال من الحلال والحرام، ويكون أكثرها من الحرام ثم يموت عنها، فيخلّفه الله ذرية صالحة ويأخذ ولده المال ثم يتصدق به؛ فيدخل به ذاك النار ويدخل به هذا الجنة. فاليد هنا قد اختلفت، ولو أردت أن تبيعه لم يجز لك؛ لكن إذا أعطيت المسكين وأخذه بيده فقد ملك، وجاز له أن يبيع وأن يعاوض. وهكذا بالنسبة لزكاة الفطر، فإذا أعطيته زكاة الفطر وباعها فلا حرج؛ لأنه قد ملكها بالقبض، ثم بعد ذلك إن شاء أكلها وإن شاء باعها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أغنوهم عن السؤال) ، فكونه يأخذها ليطعم غناء له عن السؤال، وكونه يبيعها أيضاً غناء له عن السؤال، فلا حرج في ذلك. أحكام الأضحية المعينة إن تعيبت قال رحمه الله: [وإن تعيبت ذبحها وأجزأته].أي: إن تعيبت الناقة أو البقرة أو الشاة التي عينها أضحية أو هدياً، صح وجاز له أن يضحي بها. قال: [إلا أن تكون واجبة في ذمته قبل التعيين]. فلو قال: لله عليَّ أن أضحي هذه السنة بشاة، فاشترى شاة، وقال: هذه أضحية -أي: عن النذر- فتعيبت، فحينئذٍ كونه يعينها للأضحية لا يسقط لزوم ذمته؛ لأن هذه الشاة التي يريد أن يضحي بها أو يريد أن يبرئ ذمته قد تعينت، فإنه ينصرف إلى غيرها؛ لأن ذمته مشغولة بالحق، أما لو اشتراها وقصدها وعينها بإذن الشرع وبإيجابه، فإنه في هذه الحالة إن عينها فلا إشكال أنها لو تعيبت لا يلزمه بديل عنها، أما لو كانت واجبة عليه من قبل، فإن عينها أو لم يعينها فذلك لا يؤثر في الأصل؛ لأن ذمته لا تبرأ إلا بكاملها، فليست مثل الأضحية التي كانت ذمته بريئة منها قبل التعيين، وحينئذٍ يقولون: يفرق بين كونها معينة فيما لا نذر ولا إلزام فيه، وبين كونها معينة بالنذر والإلزام. لكن بالنسبة لمسألة الضمان؛ فإن اليد في الشرع تنقسم إلى قسمين: فهناك يد تسمى في الشرع: يد الأمانة، وهناك يد تسمى: يد الضمان. فإذا أخذت شيئاً وهو للغير؛ فإما أن تكون يدك يد أمانة، فلا تلزم بضمان ذلك الشيء إن تلف، وإما أن تكون يدك يد ضمان فتلزم بكل حال، مثال ذلك: إذا قلت لشخص: أريد منك مائة ألف ديناً إلى نهاية السنة، فإذا قبضتها فيدك يد ضمان، بمعنى: أن هذه المائة ألف إن تلفت أو ربحت فأنت المسئول عنها، فلو أخذت المائة ألف ثم خرجت من عنده فسرقت، أو سقطت في نهر وغرقت المائة ألف وذهبت، فلا يضمن هو بل أنت الذي تضمن، ولو أنك اشتريت بها عمارة، ثم أصبحت قيمتها مليوناً، فأنت الذي تأخذ المليون، فكما أنك تربح فإنك كذلك تضمن الخسارة، كما قال صلى الله عليه وسلم: (الخراج بالضمان)، ويقول العلماء في هذه القاعدة المعروفة: الغنم بالغرم. أي: أنه يأخذ الربح والنتاج من الشيء من يضمنه، وهذا من عدل الله سبحانه وتعالى، فإن الذي يتحمل مسئولية الشيء هو الذي ينبغي أن يأخذ مصلحته وثمرته ومنفعته، فصاحب البستان يبيع الثمرة بمائة ألف وبمائتي ألف، ولو احترق البستان لضمن هذا المال، فكما أنه يتحمل الخسارة يأخذ الربح. إذاً: هذا النوع من اليد يسمى يد الضمان، وسواء وقع التلف والضرر بيدك وبما هو في وسعك، أو وقع خارجاً عن إرادتك بالأقدار، ففي الجميع تضمن. النوع الثاني يسمى: يد الأمانة، أي: أن تأخذ الشيء ولا تلزم بضمانه إلا إذا فرّطت فيه أو قصرت، مثاله: جاءك رجل وقال: خذ هذه السيارة وضعها أمانة عندك، فوضعتها في مكان وحفظتها، ثم شاء الله أن تنزل عليها صاعقة تحرقها، أو تعطلت مكينتها دون أن يحركها أحد، فأنت هنا لا تضمن شيئاً؛ لأن يدك يد أمانة ويد حفظ، فلا تضمن إلا إذا قصّرت، أما لو أخذت هذه السيارة وقال لك: ضعها عندك، فأخذتها وقضيت بها حوائجك، فأي تلف يقع في السيارة فإنك تضمنه، ولو كان بآفة سماوية؛ لأن اليد أصبحت يد أمانة عندما قصر؛ ولذا ألزم بعاقبة التقصير. فهناك يدان: يد الأمانة، وهي لا تضمن، كما هو الحال في الودائع، كما لو جاءك شخص وقال لك: ضع هذه الشنطة وديعة عندك، فأخذتها ووضعتها في الخزانة، وعملت كل الأسباب لحفظها، ثم جاء سارق وسرقها بطريقة ذكية، فإنك لا تضمن؛ لأن يدك يد أمانة، وأما لو أخذت هذه الشنطة وفتحتها؛ ضمنت، بل قالوا: لو حل الرباط الذي على الكيس في الودائع فإنه يضمن؛ لأن يده خرجت عن الأمانة والحفظ وأصبحت يد ضمان. فالفرق بين يد الضمانة ويد الأمانة: أن يد الأمانة لا تضمن إلا إذا فرطت، ويد الضمان تضمن بكل حال، ولما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة واستعار من صفوان رضي الله عنه وأرضاه أدرعه وما يريده عليه الصلاة والسلام لجهاده، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (عارية مضمونة) ؛ لأنه سيستخدمها عليه الصلاة والسلام في الجهاد، فدل هذا على أن يد الأمانة لا تضمن إلا إذا فرطت. فهذه الشاة الأضحية قد أخرجها الشرع عن ملكه، وأصبحت كأنها منذورة لله عز وجل وتعينت، فلا يضمن إن تعيبت؛ لكن لو أنه فرط فيها فعرّضها للخطر حتى كسرت يدها، أو أصابها مرض، أو حصل بها ضرر؛ فأصبحت عرجاء بيّناً عرجها، أو مريضة بيّناً مرضها، أو أصبح فيها شيء من العيوب الأربعة التي ذكرها عليه الصلاة والسلام في الحديث المشهور -فإذا وقع بها واحد من العيوب المؤثرة فإنه يضمن؛ لأنه تعاطى أسباب الإضرار. فقوله عليه رحمة الله: (وإن تعيبت ذبحها وأجزأه) شرطه: أن لا يكون مقصراً، وأن لا يتعاطى أسباب الإضرار، فإن فعل ذلك فإنه يلزم وتكون مضمونة. مسائل متفرقة في الأضحية حكم الأضحية قال رحمه الله: [والأضحية سنة].الأضحية سنة يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، على ما اختاره المصنف. وقال بعض العلماء: الأضحية واجبة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من ذبح قبل الصلاة فشاته شاة لحم، ومن لم يذبح فليذبح باسم الله)، فأمر عليه الصلاة والسلام بالذبح، ولحديث: (من وجد سعة فليضح ومن لم يضح فلا يقربن مصلانا)، واختلف في إسناده، وحسنه بعض العلماء. وقال المؤلف رحمه الله: إنها سنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في إحدى الكبشين: (اللهم هذا عن محمد وعمن لم يضح من أمة محمد)، فقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى عمن لم يضح، فلا يلزم الإنسان أن يضحي، وفعل الأضحية إنما هو سنة يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها. حكم التصدق بثمن الأضحية قال رحمه الله: [وذبحها أفضل من الصدقة بثمنها].الأضحية فيها أمران: الأمر الأول: قيمتها، والأمر الثاني: عينها وذاتها، وعليه: فهل الأفضل أن يذبحها ويتصدق بجزء منها، أو يقدر قيمتها ثم يتصدق به؟ جماهير العلماء على أن الأفضل أن يشتريها ويذبحها، ولذلك بيّن المصنف رحمه الله أن ذبحها أفضل من التصدق بثمنها. وقال بعض العلماء: إذا كان الفقراء يحتاجون إلى المال أكثر، فإن هذا أفضل من التضحية بها، وهذا كله على القول بأنها سنة، أما لو قلنا: إنها واجبة؛ فلن نبحث عن الأفضل؛ لأنها واجبة عليه. والصحيح: أن الأفضل ذبحها، وهذا ما يقول عنه العلماء: إن التعيين للشيء الوارد في الشرع أفضل من المبهم غير الوارد في الشرع، فمثلاً: تلاوة القرآن في يوم الجمعة من حيث الأصل أفضل، لكن كون النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أكثروا عليَّ من الصلاة فيها) -صلى الله عليه وسلم- يدل على أن الأفضل يوم الجمعة أن يكثر الإنسان من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك قال بعض العلماء: الذكر الخاص في الزمان الخاص المندوب إليه أفضل من سائر الأفعال التي تأتي مطلقة، ومن هنا قال بعض العلماء: إن صلاة الظهر يوم التروية -الذي هو اليوم الثامن- بمنى أفضل من صلاتها في المسجد الحرام -على القول بأن المضاعفة تختص بالمسجد الحرام- لأنه إذا صلى الظهر بمنى أصاب السنة وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكونه في اليوم الثامن صلى الظهر بمنى ولم يصل بالمسجد الحرام دل على أنه أفضل؛ فكونه عليه الصلاة والسلام في يوم النحر يذبح ولا يتصدق بالثمن يدل على أن الذبح أفضل من التصدق بالقيمة، ولو كانت قيمتها باهضة؛ لأنك لو ذبحت الشاة فقد تتصدق بشيء يسير منها ويجزيك ذلك، لكن لو أخذت القيمة كلها وتصدقت بها فإن هذا من ناحية الرأي والاجتهاد قد يكون أن الأفضل القيمة، لكن كونك تأتسي برسول الأمة صلى الله عليه وسلم، وكون أولادك وأطفالك يوم النحر يفيقون على هذه السنة، ويرون أن هذا اليوم من بين أيام السنة كلها هو الذي يذبح فيه، فيشعرون بحلاوة هذا اليوم ولذته، ويشعرون بالتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم فيه، فإذن هناك أمور كثيرة ترجح -حتى ولو قلنا بالسنية- أن الذبح أفضل؛ لأنه هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. السنة في تقسيم الأضحية بعد الذبح قال رحمه الله: [ويسن أن يأكل، ويهدي، ويتصدق أثلاثاً]. اختلف العلماء في تقسيم الأضحية: فبعض العلماء يقول: الأفضل أن تقسمها نصفين، نصف لك ونصف تتصدق به؛ لأن الله تعالى يقول: ![]() ![]() وقال بعض العلماء: الأفضل أن تقسم ثلاثة أثلاث: ثلث لك ولأهل بيتك تفعل به ما تشاء، وثلث للفقراء، وثلث تهديه وتعطيه للأغنياء على سبيل المودة والمحبة، مثل أرحامك ومن ليسوا بحاجة، ولكنهم يأتون إليك يوم النحر من أجل أن يأكلوا عندك، أو تصل رحمك بها؛ لأن الله تعالى يقول: ![]() ![]() وقال بعض العلماء: تقسمها أربعة أقسام؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كلوا وتصدقوا وأهدوا وادخروا)، فجعلها أربعة أقسام: ربع لك، وربع تتصدق به، وربع تدخره، وربع تهديه وتعطيه للغير. والأمر في هذا واسع؛ لأنه ليس هناك تأقيت معين، لكن المهم أن تجعل منها قسماً للفقراء ولو كان شيئاً يسيراً، ولو جمعت الأرحام والقرابة وفيهم فقير أو ضعيف، ونويت أنه يصيب من أضحيتك لفقره، فلا بأس، وهكذا لو أخرجت منها قطعة من اللحم وأعطيتها لجار فقير أو مسكين فلا بأس. والأفضل إذا تصدق الإنسان بالأضحية أن يبتدئ بقرابته، وهم أحق من تصرف إليهم الصدقات، وهم أحق من ذكروا خاصة في هذا اليوم؛ لأن الناس إذا رأوا قريبك الفقير ربما امتنعوا من إعطائه لكونك غنياً، ولذلك ينبغي أن يتنبه الإنسان إذا فتح الله عليه بالغنى أن يصرف صدقاته ونوافله -حتى الزكاة- لقرابته الذين يجوز صرف الزكاة لهم؛ كالأخوات، والعمات، والخالات، وبنات الأعمام وأبناء الأعمام، وبنات الأخوال وأبناء الأخوال، فهؤلاء يقدمهم الإنسان في الزكاة والصدقات والبر؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ملكت حفصة رضي الله عنها رقبة، فأعتقتها -كما في الصحيحين- دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته أنها أعتقت هذه الرقبة تقرباً إلى الله، كما قال تعالى: ![]() ![]() وعلى هذا فإنه يتصدق بها على قرابته، ففي يوم العيد لو دعا قرابته على اختلاف طبقاتهم ونوى بذلك الصدقة والهدية فإنه مأجور في صدقته بصلة الرحم وأجر الصدقة. قال رحمه الله: [وإن أكلها إلا أوقية تصدق بها جاز وإلا ضمنها]. هذا قدر يستثنيه بعض العلماء: وهو أن يخرج منها ولو قدر الأوقية، فيخرجها ويتصدق بها والباقي يأكله، لكن إذا كان قد عينها ثم أكلها ضمن كلها؛ لأنه في هذه الحالة أخرجها عن الصدقات، ومما يقصد في ذبحها ونحرها أن يتصدق بجزء منها. وقوله رحمه الله: (ضمنها) يحتمل أمرين: يحتمل ضمان الأضحية، ويحتمل ضمان الأوقية، أي: أخرج قدراً كقدر الأوقية للفقراء؛ لأنه حق واجب عليه. ما يحرم على المضحي فعله قال رحمه الله: [ويحرم على من يضحي أن يأخذ في العشر من شعره أو بشرته شيئاً].قوله رحمه الله: (ويحرم على من يضحي)، أي: يحرم على الشخص الذي يريد أن يضحي أن يقص شعره، أو يقلم أظفاره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه في الصحيح أنه قال: (إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمسن شيئاً من شعره ولا ظفره)، فنهى عليه الصلاة والسلام عن مس الشعر ومس الظفر، وفي هذا الحديث مسائل: المسألة الأولى: أن هذا النهي للتحريم. وقال بعض العلماء: بل هو للكراهة؛ لحديث عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يحرم على نفسه شيئاً إذا فتل قلائد هديه) . والصحيح: أن هناك فرقاً بين الأضحية والهدي، فمن أراد أن يضحي فلا يجوز له أن يمس شيئاً من الشعر ولا الأظفار حتى يضحي. المسألة الثانية: أن هذا الحكم يختص بالشخص نفسه، ولا يشمل الذين يراد أن يضحى عنهم، فأبناؤه وبناته وزوجته ونحوهم لا يمتنع عليهم أن يقصوا ويقلموا أظفارهم؛ والسبب في هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي)، ولم يقل: أو يضحى عنه، وإنما خص الحكم بمن يضحي بعينه، فيختص الحكم بمن يضحي ولا يشمل قرابته وأهل بيته. المسألة الثالثة: يشمل هذا الحكم شعر البدن كله: شعر الرأس، واللحية، والإبطين، وشعر اليدين، والساعدين. المسألة الرابعة: يشمل هذا الحكم الرجل والمرأة، فالمرأة إذا أرادت أن تضحي فلا تمس شيئاً من شعرها ولا ظفرها؛ وللعلماء رحمهم الله في ذلك علل، قال بعض العلماء: لأنه إذا ذبح الأضحية كاملة أعتقه الله من النار كاملاً، وهو أمر غيبي يحتاج إلى نص، ولا أعرف فيه نصاً صحيحاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. والمراد بالعشر: عشر من ذي الحجة، فإذا أهلّ هلال عشر ذي الحجة فإنه يمتنع عما ذكر. وقال بعض العلماء: لا يمتنع من قص الشعر والظفر إلا إذا اشترى الأضحية، بمعنى: أنه عندما يشتري الأضحية ولو في اليوم السادس أو السابع فإنه يمتنع عليه قص الشعر والظفر من حين شراء الأضحية؛ لأنه لا يكون فعلاً مريداً للأضحية إلا إذا كان هناك أضحية حقيقية، وهذا قول مرجوح. والصحيح: أنه يمتنع من كل شيء ببداية ذي الحجة إذا نوى؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل العشر وأراد أحدكم)، فقال: (أراد)، والإرادة معروفة، وهي: توجه قصد الإنسان للشيء، فإذا كانت عند الإنسان إرادة فإنه يمتنع، لكن لو كان فقيراً ودخل عليه هلال ذي الحجة وهو فقير أو مديون وليس عنده ما يشتري به الأضحية، فقال: لا أستطيع أن أضحي هذه السنة، فدخل اليوم الأول والثاني والثالث والرابع والخامس، ثم في اليوم السادس يسر الله له بمال يمكنه أن يشتري به الأضحية، فيمسك من اليوم السادس؛ لأنه لم يُرد الأضحية إلا حينما تيسرت له في ذلك اليوم. الأسئلة الراجح في حكم الأضحية السؤال: ذكرتم حفظكم الله خلاف العلماء رحمهم الله في الأضحية: هل هي واجبة، أم سنة؟ لكن ما هو القول الراجح، أثابكم الله؟ الجواب: باسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد: فقد سبق بيان هذه المسألة، وبيّنا أن أصح قولي العلماء القول بوجوبها؛ وذلك لأن قوله عليه الصلاة والسلام: (فليذبح أخرى مكانها) إلزام، ولذلك لما قيل له: (يا رسول الله! ليس عندي إلا عناق، فقال صلى الله عليه وسلم: تجزيك ولا تجزي غيرك) ، فجعل الأمر فيه شيء من الإلزام، وقد كان بالإمكان أن يقول له: إن الأضحية ليست واجبة عليك، إن فعلتها فقد أحسنت، وإن تركتها فلا بأس، ولكنه قال: (تجزيك)، فكأن الأصل أنه ملزم بها، وقوله: (ولا تجزي غيرك) أي: أن غيرك إذا أراد أن يضحي فإنه ينبغي أن يتقيد بالسن المعتبر. وأما قوله عليه الصلاة والسلام: (اللهم هذا عمن لم يضح من أمة محمد)، وكونه عليه الصلاة والسلام يضحي عمن لم يضح، فهذا يحتمل أن يراد به حصول الفضل والأجر لمن لم يضح من أمته صلوات الله وسلامه عليه، ولا يقوى لصرف الأمر عن ظاهره الذي يدل على اللزوم والإيجاب. والله تعالى أعلم. حكم ولد الأضحية المعينة السؤال: إذا عيّنت الأضحية وولدت، فما حكم المولود، أثابكم الله؟ الجواب: قال بعض العلماء: إن الفرع تابع لأصله، فإذا كان قد عيّنها وهي حامل، فإن الجنين يكون تابعاً لأصله، وحينئذٍ فإنه يذبح، ولكن يبقى الإشكال: هل يذبح في عامه، أو ينتظر بلوغه إلى السن المعتبر؟ قال بعض العلماء: إنه ينتظر ولا يذبح، فيكون متعيناً بنفسه أضحية إلى أن يصل إلى السن المعتبر ويذبح. وقال بعض العلماء: إنه لا يكون أضحية إلا الشاة نفسها، وأما فرعها فلا يتبعها. وأصول الشريعة تقتضي أن الفروع تابعة لأصولها، ولكن هناك مسألة مشهورة في الضمانات والمعاوضات، وهي: النماء المنفصل والمتصل. فيقولون: الفرع تابع لأصله ما لم يكن منفصلاً، فالجنين من الفرع المنفصل لا من الفرع المتصل، ولذلك قالوا: إن الأضحية إذا كانت بحال عند الشراء، ثم أحسن طعامها وعلفها والقيام عليها، فبدنت وكملت، فحالها من النماء المتصل بها تابع لها، لكن حينما تلد، ويخرج منها الشيء كاللبن ونحوه، فإن هذا النماء يعتبر نماء منفصلاً، ولا يلزم بذبحه أو نحره أضحية. وهذه المسألة مترددة بين كونه يتبع أو لا يتبع، وإن كان قد صحح غير واحد من العلماء رحمهم الله أنه لا يتبع، وأذكر من بعض مشايخنا رحمهم الله من قال: يفرق بين أن يقع التعيين قبل الحمل، وبين أن يقع التعيين بعد الحمل، فإذا عيّنها وهي حامل، فمعنى ذلك أن التعيين على الشاة وعلى ما في بطنها، كما لو قال له: أبيعك هذه الجارية وهي حامل، فإن البيع يكون للجارية وللجنين الذي في بطنها، وأما إذا كان قد عينها قبل أن تحمل ثم حملت، فإنه يكون نماءً منفصلاً. وأنا متوقف في الترجيح بين القولين، وكل منهما له حظه من النظر. والله تعالى أعلم. حكم من كان له أضحيتان السؤال: إذا كان عند الإنسان بيتان، كل بيت في حي من الأحياء، ويريد أن يضحي لكل بيت أضحية، فمتى يجوز له أن يأخذ من شعره وأظفاره: هل بعد ذبح الأضحية الأولى، أم لا بد أن ينتظر حتى يذبح الأضحية الثانية، علماً بأنه سوف يضحي لكل بيت في يوم غير اليوم الذي ضحى فيه للبيت الأول؟ أثابكم الله. الجواب: الذي ألزم به الشرع أضحية واحدة، وهذا الذي يلزم الإنسان في أضحيته، ولذلك يتقيد المنع بالأضحية الأولى، فإذا ضحى الأضحية الأولى فإنه حينئذٍ يجوز له أن يقصر وأن يحلق ويقلم. وقال بعض العلماء: إذا نذر أن يضحي مائة، فإنه لا يفتك من ذلك إلا بتمام أضحيته. والقول الأول أقوى. والله تعالى أعلم. حكم شراء لحم الهدي من الجزارين السؤال: في يوم النحر يقوم بعض الجزارين وغيرهم ببيع لحوم الهدي وغيره، فهل يجوز شراء تلك اللحوم؟ أفيدونا بارك الله فيكم. الجواب: ذكرنا أن الفقراء إذا أخذوا اللحوم وباعوها للجزار ثم باعها الجزار فلا بأس؛ لأن الفقير يملكها بأخذها منك، ثم إذا ملكها إن شاء أكلها وإن شاء أخذ ثمنها؛ لأن الله جعلها طعمة له، فإذا نظر أن مصلحته في الأكل أكل، وإذا نظر أن مصلحته في البيع باع؛ لكن لا ينبغي على الفقراء أن يتوسعوا أكثر من اللازم، فإنهم إذا توسعوا وأخذوا الأمر أكثر مما هو عليه، فوصل الواحد منهم إلى حد الغنى وزاد، فلا يخلو أن يكون ماله سحتاً من هذا الوجه -نسأل الله السلامة والعافية- لأنه لا يستحق الطعمة، أما لو كان فقيراً، وعنده ذرية وعيال، وأراد أن يأخذ هذا اللحم ويبيعه ويستفيد من ثمنه، فقد رخص جماعة من أهل العلم رحمهم الله في ذلك؛ لحديث بريرة السابق ذكره، وقد ذكرنا أن اليد تختلف، وأنه أخذ بيد وباع بيد أخرى، أخذ باستحقاقه كفقير فملك، فلما ملك جاز له أن يصرفها بدلاً ومعاوضة، وجاز له أن يصرفها على نفسه كأن يطبخها ويأكلها. ولكن في هذه المسألة شيء يسمى: العمل بالظاهر، فالجزار إذا اشترى من الفقراء وأعطاهم حقوقهم، ورضوا ببيعها له، فظاهر ذلك الحل، ولا داعي أن يوسوس الإنسان ويتشدد ويتنطع في هذه المسائل، فإن التشدد والتنطع لا خير فيه، فكونه يدقق ويجلس يفحص ويمحص، هذا لا ينبغي، بل إن الإنسان يعمل على الظاهر، فإذا كان ظاهر الحال أن الذين جاءوه فقراء، واشتهر ذلك، وعرف أنه لا يأتيه إلا المستحق الضعيف ويبيعه للجزار، واشترى منه الجزار وأعطاه حقه، وكل انصرف بحقه؛ فالظاهر أنها مملوكة للجزار. والله تعالى أعلم. متى يترخص المسافر برخص السفر السؤال: فضيلة الشيخ أثابكم الله! القاعدة الشرعية التي تقول: الغالب كالمحقق. هل يمكن أن نطبقها على من بداخل المطار وهو يريد السفر بحيث يستبيح رخص السفر من الجمع والقصر وغيره؛ لأن الغالب أنه مسافر، نرجو الإفادة، أثابكم الله؟ الجواب: أولاً: المسائل تختلف، فالشخص الذي يريد أن يسافر بالطائرة، فإذا كان المطار خارج المدينة فإنه يقصر الصلاة بمجرد خروجه من المدينة، فإذا وصل إلى المطار فإنه يجوز أن يصلي الأربع ركعات ركعتين؛ وذلك لأنه مسافر، وقد تحقق سفره بخروجه من المدينة؛ لأنه قد أسفر، وهكذا لو أراد أن يركب الباخرة، فإذا وصل إلى الميناء في طرف المدينة أو بعيداً عن المدينة، فإنه قد انقطع، وهكذا لو كانت البواخر على الرصيف، فإن الرصيف يبعد عن عمران المدينة؛ وحينئذٍ بركوبه الباخرة يصلي الرباعية ركعتين، ويستبيح رخص السفر، ويفعل ما يفعل المسافر؛ لأنه قد سافر، وكونه قد تلغى الرحلة أو تتأخر، هذا لا يؤثر؛ لأن الغالب والذي يقع على الظاهر أنه مسافر، كما لو خرج بسيارته فإنه يحتمل أن تتعطل السيارة، ويحتمل أن يحصل للإنسان عائق يمنعه من السفر، وقد تتعطل السيارة بالكلية فلا يسافر، فإذاً هذه ظنون، والظنون ليست بمعتبرة ولا مؤثرة في الغالب، ولهذا يمكن تطبيق هذه القاعدة؛ لأن الغالب كالمحقق، وللإمام العز بن عبد السلام رحمه الله كلام نفيس في كتابه (قواعد الأحكام ومصالح الأنام)، بين فيه رحمه الله أن العمل على الغالب، وأن الظنون الضعيفة لا يلتفت إليها. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
__________________
|
#7
|
||||
|
||||
![]() شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع (كتاب المناسك) شرح فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي الحلقة (249) صـــــ(1) إلى صــ(27) شرح زاد المستقنع باب الهدي والأضحية والعقيقة [4] نعم الله على عباده لا تحصى، والواجب هو شكر المنعم سبحانه، ومن تلك النعم: نعمة الأولاد، ومن شكر الله على هذه النعمة: ذبح العقيقة بعد الولادة، عن الذكر شاتان متكافئتان، وعن الأنثى شاة واحدة، تذبح عن المولود يوم سابعه، وبها يفك رهن المولود، وهي سنة واردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد عق عليه الصلاة والسلام عن الحسن والحسين رضي الله عنهما، وهناك أمور مستحبة ينبغي فعلها عند ذبح العقيقة. أحكام العقيقة بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: تسن العقيقة عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة]. شرع المصنف رحمه الله في بيان الأحكام المتعلقة بالعقيقة، ومناسبة هذا الفصل لما قبله: أن الهدي والأضحية تعتبر دماء مشروعة؛ شرعها الله سبحانه في مناسبات معينة وحالات مؤقتة، والعقيقة -وهي الشاة التي تذبح عن المولود ذكراً كان أم أنثى- إنما شرعت بسبب وجود الولد، فكأنها دم واجب بسبب معين، فأشبهت الهدي والأضحية، فكأن الهدي والأضحية والعقيقة تشترك في صفة معينة، وهي: كونها دماء شرعها الله سبحانه وتعالى في كتابه وبهدي رسوله صلى الله عليه وسلم في مناسبات معينة. - فالهدي يكون في زمان معين، ويكون في حال مطلق، وحال مقيد. - والأضحية تكون في زمان معين. - والعقيقة تكون بسبب معين؛ فكلها دماء شرعت لأسباب مخصوصة. معنى العقيقة يقول رحمه الله: (تسن العقيقة)، أي: من هدي النبي صلى الله عليه وسلم العقيقة.والعقيقة أصلها: الشعر الذي يكون على المولود. ومنه قول الشاعر: أيا هند لا تنكحي بوهةً كأن عقيقته عليه أحسبا والمراد بذلك: الشعر الذي يولد به المولود، ولذلك ذهب بعض أئمة اللغة -وهم حجة في ذلك؛ خاصةً وأن البيت مشهور- إلى أن العقيقة مأخوذة من شعر المولود؛ لأنه يحلق في سابعه، وفي ذلك حكمة عظيمة، وقد قرر الأطباء في عصرنا الحاضر: أن حلق رأس المولود فيه نفع عظيم لخصائص الشعر، فإذا مُرَّ بالموسى على جلدة الشعر فإن ذلك ينشط الشعر ويقويه، إضافة إلى أنه يقتل كثيراً من الجراثيم التي قد توجد على جلدة الرأس أو بين الشعر، ومن هنا قالوا: وصفت بكونها عقيقة لوجود هذا المعنى، فشعر الرجل وشعر المرأة يقوى إذا حُلِق في حال الصغر بعد الولادة. حكم العقيقة وقوله رحمه الله: (تسن العقيقة) هذا الحكم بكونها سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أجمع العلماء رحمهم الله على أن ذبح العقيقة من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في حديث الحسن عن سمرة بن جندب رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل غلام مرتهن بعقيقته؛ تذبح عنه يوم سابعه ويسمى)، فهذا يدل على مشروعية العقيقة. وقد اختلف العلماء هل هذه السنة واجبة أو مستحبة؟ فذهب طائفة من العلماء إلى أنها سنة مستحبة، وبه يقول الأئمة الأربعة رحمهم الله برحمته الواسعة، وقال بعض فقهاء الظاهر وينسب القول لـداود إمام الظاهرية: إنها واجبة، ويلزم الإنسان الذبح عن مولوده؛ لحديث الحسن عن سمرة الذي رواه أصحاب السنن، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل غلام مرتهن بعقيقته)، فقوله: (مرتهن)، المراد به: أنه مرهون، والمرهون هو المحبوس، ولذلك قالوا في قوله تعالى: ![]() ![]() والصحيح ما ذهب إليه الجمهور؛ لأن هذا الحديث من باب الإخبار لا الإنشاء، والأصل براءة الذمة عن الوجوب حتى يدل الدليل على وجوبها، والأفضل والأكمل أن تذبح العقيقة. الحكمة من مشروعية العقيقة ذهب بعض العلماء إلى أن العقيقة شرعها الله لحكمة عظيمة، ففي قوله عليه الصلاة والسلام: (كل غلام مرتهن بعقيقته) أنه محبوس بها، ومن ثم اختلفوا في هذا الحبس؛ فبعضهم يحمله على حبس الشيطان، وقيل عنه: حبس عن الخير ومكارم الأمور وفضائلها؛ فلا تتم له مكارم الأخلاق وفضائلها في الغالب إلا إذا عق عنه، وظاهر الحديث: أنه أخبر عن أنه مرتهن، وأمر ذلك إلى الله، حيث لم يأت ما يفسره، والأمر محتمل، ولذلك قال بعض العلماء: إن العقيقة يرتهن بها المولود، والله أعلم بكيفية هذا الرهن.وهناك حكمة أخرى: فهذه الشاة أو الشاتان اللتان تذبحان في اليوم السابع للمولود فيها حكم من الناحية الاجتماعية، فإن ذبح هذه الشاة وجمع الناس عليها، خاصة إذا طبخت وأصاب القرابة وغيرهم منها، أو فرق لحمها على الناس -هذا الأمر يثبت الأنساب، ويعرف الناس بعضهم ببعض، ولذلك فإن أنساب الناس تثبت عن طريق العقيقة، فتحفظ أنسابهم ولا تضيع، ومن هنا كان النكاح أمره مشتهراً ولم يكن بالسر، والسفاح على عكسه، فلما كان الولد ناشئاً عن النكاح الشرعي؛ شرع إظهار هذا الخير وهذه النعمة، والفرح والسرور بها، وكذلك يصل الناس بعضهم بعضاً بهذه العقيقة، فيهنأ والده وأمه وقرابته، وفي هذا لا شك مزيد بِرٍّ من الخير والصلة، فيتواصل الأرحام، ويشعر الناس بالمحبة والألفة، وزيادة الأخوة، وقوة الروابط الأسرية والاجتماعية، وفي ذلك خير كثير. انشغال ذمة الوالد بذبح العقيقة والمراد بقوله: (العقيقة) أي: جنس العقيقة، ولذلك فصل وقال: (عن الذكر شاتان وعن الأنثى شاة)، أي: يذبح عن الولد الذكر شاتان، وذلك أن الأصل في التكاليف الشرعية أنها توجه إلى الوالد حتى يدل الدليل على شغل ذمة الوالدة، والأصل أن الوالد هو القائم على البيت والمسئول عنه، والغنم بالغرم، قال تعالى: ![]() ![]() كراهة بعض العلماء تسمية العقيقة بهذا الاسم وقد كره بعض العلماء تسمية ما يذبح في السابع بالعقيقة، والصحيح جوازه؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (كل غلام مرتهن بعقيقته)، بل ذهب بعض العلماء إلى تحريمه؛ لأن العقوق لا خير فيه، فكرهوا هذا الاسم.والصحيح أنه ما دام قد ثبت به النص فلا بأس بالتسمية ولا حرج فيها، وقال بعض العلماء: يقال لها: نسيكة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (انسك نسيكة) والجواب: أن هذا ورد في دم الفدية وليس في العقيقة، كما ثبت في الصحيحين من حديث كعب بن عجرة، والتسمية بالنسيكة -وهي فعيلة بمعنى مفعولة، أي: منسوكة- إنما هو من باب الذبح، أي: أنها شاة مذبوحة، وهذا الاسم مطلق وليس بمقيد. فالصحيح أنه يجوز تسميتها عقيقة، ويقول الرجل: عققت عن ولدي، وهل عققت عن ولدك؟ ونحو ذلك؛ وذلك لثبوت الخبر بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ما يذبح من العقيقة عن الغلام والجارية وقوله: (عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة؛ تذبح يوم سابعه).هذا هو مذهب الجمهور رحمهم الله؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: ![]() ![]() وقد جعل الله سبحانه وتعالى هذه الأحمال والأعباء متناسبة مع خلقته، ثم جعل للنساء ما جعل من اللين واللطف وحسن الرعاية والحلم والرقة ما جبر به كسر الرجل حينما يصيبه ما يصيبه بسبب ما هو فيه من قوة الشكيمة والبأس، فالله تعالى بحكمته جعل الخلق على هذا التفاوت لكي يكمل هذا نقص هذا، ويجبر هذا بإذن الله كسر هذا. وأياً ما كان فإن الأنثى يعق عنها بشاة، وأما الذكر فيعق عنه بشاتين؛ لحديث عائشة رضي الله عنها وأرضاها -وقد حسنه غير واحد من أهل العلم- في التفريق بين الذكر والأنثى. وقال بعض العلماء: يعق عن الاثنين بشاة شاة، واستدلوا بحديث الحسن عن سمرة المتقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل غلام مرتهن بعقيقته). والجواب: أن قوله: (بعقيتقه) إنما المراد به الجنس، أي: جنس العقيقة، بغض النظر عن العدد، وحينئذٍ فلا يقوى على الدلالة على أن الرجل يعق عنه بشاة واحدة، فالنعمة بالذكر ليست كالنعمة بالأنثى، ولذلك قال تعالى: ![]() ![]() فيسن أن يعق عن الذكر بشاتين وعن الأنثى بشاة، ولا يدخل فيها التشريك، بل لابد أن تكون شاتين منفصلتين، وعلى هذا فلا يعق مثلاً عن ثلاثة من الذكور ببعير، وينوى أن يكون عن ست شياه؛ وذلك لأن العقيقة يقصد منها إراقة الدم، وذلك بالذبح، وعلى هذا فلابد فيها من خصوص الشاة دون الاشتراك. وقت ذبح العقيقة وتسمية المولود قوله رحمه الله: (تذبح يوم سابعه)، أي: تذبح هذه العقيقة في اليوم السابع؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (تذبح عنه يوم سابعه)، وللعلماء في سابع الولادة وجهان: فمنهم من يقول: لا يحسب يوم الولادة، فإذا ولد في يوم الأحد فإنك تعتد بيوم الإثنين وما بعده، وحينئذٍ فيكون بعد تمام الثامن إذا حُسب يوم الولادة؛ لأنه هو يوم السابع حقيقة، فإذا جئت من حيث تمام السبع فتمام السابع بإلغاء يوم الولادة. وقال بعض العلماء: بل يوم الولادة محسوب فيها؛ لقوله: (يوم سابعه)، والإضافة تقتضي تقييد الحكم بالمضاف إليه، والمعنى: أن هذا اليوم وهو السابع مضاف إلى يوم الولادة، وعلى هذا فيكون يوم الولادة هو السابع. وفصلوا في هذا وقالوا: إذا كان مولوداً بالليل فإنه يحتسب من اليوم الذي بعده؛ حتى يتم السبع، وإن كان مولوداً بالنهار فكذلك، ولو كانت ولادته في آخر النهار فإنهم يعتدونه يوماً كاملاً على هذا المذهب، وكلا القولين له وجه، وإن كان القول الثاني أقوى، ومن عمل بأحدهما فإنه لا بأس ولا حرج عليه في ذلك. ثم قال رحمه الله: (فإن فات ففي أربعة عشر، فإن فات ففي إحدى وعشرين). فالعقيقة تذبح عن المولود في يوم سابعه، وتكون التسمية في اليوم السابع، ويحلق شعره في اليوم السابع، ويجوز أن يسميه في يوم ولادته، كما ثبت في صحيح البخاري وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمى إبراهيم وقال: (لقد ولد لي الليلة ولد سميته باسم أبي إبراهيم)، فهذا يدل على مشروعية التسمية في يوم الولادة، ولا بأس أن تسمي قبل الولادة، كما يقع في الكنية، فيقال للرجل: يا أبا عبد الله، ولم يولد له بعد، ثم إذا ولد سماه عبد الله. والتسمية من حق الأب، وذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمى؛ وفيه أسوة حسنة، وتسمي المرأة إذا كان لها مولود أو مولودة وأرادت أن تسميه. وكان من عادتهم في الجاهلية أن يغلظوا أسماء الرجال ويخففوا أسماء النساء والموالي، فقال رجل يتعصب من صنيعهم في الجاهلية: إنكم تسمون مواليكم بأسماء رقيقة، وتسمون بها النساء، وتمسون أنفسكم بالأسماء الغليظة، فقد كان الرجل يسمى: كلب، وصخر، وذئب، ونحو ذلك من الأسماء الخشنة، فقيل للعرب: لماذا تسمون أنفسكم بالأسماء الخشنة، وتسمون الموالي بالأسماء الرقيقة كيسار ونجاح ونحوهما؟ فقال يجيبه: أسماؤنا لأعدائنا، وأسماء موالينا لنا. أي: إننا نتسمى بالأسماء الغليظة حتى تكون هيبة لأعدائنا، فإذا قيل: هذا ذئب، هابه العدو، وإذا قيل له: أسامة، هابه كذلك، ومثله: صخر وكلب ونحو ذلك. ثم إن الإسلام جاء بالهدي الأكمل والأفضل في التسمية، فخير الأسماء وأفضلها ما اشتمل على تمجيد الله عز وجل وتعظيمه وحمده سبحانه، كأن يسمي ابنه: عبد الله، أو عبد الرحمن أو عبد العزيز، ونحو ذلك من الأسماء الطيبة التي فيها تعبيد لله سبحانه وتعالى، ولا شك أن أفضلها عبد الله، ثم بعد ذلك التسمية بأسماء الأنبياء، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ولد لي الليلة مولود فسميته باسم أبي إبراهيم)، فسماه باسم نبي، فاستحب العلماء التسمية بأسماء الأنبياء؛ كموسى وعيسى وزكريا ونحوهم من الأنبياء. ويستحب أيضاً التسمية بأسماء الصالحين، كما ثبت من حديث المغيرة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كانوا يسمون -أي: الذين من قبلكم- بأسماء أنبيائهم وصالحيهم)، والحكمة من ذلك: قالوا: لأنه إذا سمى بأسماء الأنبياء والصالحين؛ فإن المولود إذا شب وكبر وقرأ سيرة هذا النبي، أو هذا الإمام الصالح، أو العالم الفاضل؛ فإنه يتأثر به ويتخذه قدوة، وهذا شيء جبلي، وأفضل من يسمى به بعد أنبياء الله ورسله أسماء الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، فإنه إذا قرأ سيرة الصحابي أحب أن يكون مثله، وأن يقتدي به، فتكون في النفوس نوازع إلى الخير، وتكون الأسماء مدخلاً للخير. والعكس بالعكس، فإن التسمية بأسماء الأشرار والفسقة والفجار تحمل على الفساد. وأما التسمية بأسماء الكفار فإنها محرمة؛ لما فيها من التشبه بهم، وخاصة إذا لم يعرفها المسلمون، سواء كانت في الرجال أو النساء، فإن بعض النساء لا يحرصن على التسمية بأسماء أمهات المؤمنين، ولا شك أنها مصيبة عظيمة حينما عزف بعض النساء عن التسمية بأسماء أمهات المؤمنين، فتجد المرأة المسلمة التي تؤمن بالله واليوم الآخر يقول لها زوجها: نسميها بـفاطمة، وهي من أفضل نساء الجنة، وأحب النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يقول لها: نسميها بـخديجة وعائشة ، فإذا بها تتمعر ويتغير وجهها، وتحس أنها منقصة إذا سمت بهذا الاسم، ولا حول ولا قوة إلا بالله. مع أن هذه البنت لو أنها تسمت باسم من أسماء أمهات المؤمنين لرجت أن تكون مثلهن في الاقتداء بالخير، والاتساء بهن في الطاعة والبر، ولذلك ينبغي على المسلمة والمؤمنة أن تحرص على الأسماء الصالحة الطيبة؛ كمريم، وأسماء أمهات المؤمنين، ونحوها من الأسماء الفاضلة التي تشحذ الهمم، لعل الله أن يجعل فيها قدوة وأسوة بمن سبقها من الصالحات. ويحرم التسمية بالأسماء المحرمة التي فيها تعدٍ لحدود الله عز وجل، كالأسماء التي فيها تعالي وعظمة على الله تعالى، حتى إن البعض قد يسمى -والعياذ بالله- باسم الله عز وجل، وهذا لا يجوز، ومن هنا قالوا في تفسير قوله تعالى: ![]() ![]() كذلك الأسماء التي تشتمل على أمور محرمة من الخنا ونحو ذلك من الفحش، فإنه لا يجوز التسمي بها، ولا لمز الناس بها، فإن هذا محرم. إذاً: تكون التسمية في اليوم السابع، وإن سمى في اليوم الأول فلا حرج، وفي كل سنة، وإن كان الذي استحبه بعض العلماء أن تكون التسمية في أول يوم؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عجل في تسمية ولده. وعند الخلاف في التسمية فإن مرد الخلاف إلى الأب، وينبغي على المرأة أن تتقي الله عز وجل، وأن تحسن إكرام بعلها، وتحسن الأدب معه؛ لأن هذا مطلوب من النساء مع الرجال؛ فلا تسترجل المرأة، ولا تحاول البغي على زوجها أو الاستهتار باسمه الذي يختاره أو ينتقيه لولدها، إلا إذا تضمن أمراً محظوراً، أو تضمن أمراً فيه إساءة إلى الولد؛ كالأسماء المستبشعة، أو التي تحمل نوعاً من المنقصة؛ كأن يسميه باسم يطابق الحالة التي جاء عليها؛ لأن البعض يستعجل في التسمية فيسمي ابنه بأسماء بشعة، وقد يقصد منها أنه جاء على حالته، فهذا كله لا ينبغي؛ لأنه يؤذي الولد ويضره، حتى قال بعض العلماء: إذا سمى الوالد ولده باسم مستبشع، فجميع ما يترتب عليه من الأذية والإساءة عليه وزره؛ لأنه أعان على ذلك، وهو السبب فيه، فمن حق الولد على والده أن يحسن اختيار ما يناسب لتسميته، كما يحب ذلك لنفسه. والله تعالى جبل الآباء على رحمة الأبناء، وجبل الأمهات على رحمة البنات، فالواجب الإحسان إليهم بهذه الأسماء الطيبة، خاصة أسماء الأنبياء والمرسلين وعباد الله الصالحين. وقوله رحمه الله: (تذبح يوم سابعه، فإن فات ففي أربعة عشر، فإن فات ففي إحدى وعشرين). أي: تذبح العقيقة في سابع المولود، فإن فات السابع ففي رابع عشر، كما في حديث عائشة رضي الله عنها، وقد تكلم العلماء في سنده وإن كان قد حسنه بعض أهل العلم، وهم يقولون: إنه تبع للإيتار، فيجعل السبع الأول، فإن لم يتيسر ففي السبع الثانية، أي: الرابع عشر، فإن لم يتيسر ففي إحدى وعشرين، وهذا قد استحبه بعض العلماء، ولا ينبغي للإنسان أن يفوت السنة عن السابع، وخاصة إذا لم يوجد موجب النسيان في ذلك، فالبعض ربما يؤخر عن السابع لموافقته لوسط الأسبوع؛ فيختار أن يكون يوم الخميس أو الجمعة، فيؤخر عن السابع ويفوت على نفسه السنة، بل ينبغي أن يحرص على هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يكون ذبحها في اليوم السابع. صفة ذبح العقيقة قال رحمه الله: [وتنزع جدولاً]. المراد بقوله: (وتنزع جدولاً) أن يكون قطعها من المفاصل، فإذا أراد أن يقطع اليد ابتدأ بمفصل الكتف، ثم ينتقل بعد ذلك إلى مفصل الساق، وهكذا، ولا يكسر العظم. وهذا مبني على حديث عائشة رضي الله عنها وأرضاها، والعلماء رحمهم الله يستحبون هذا من باب الفأل؛ لأن هناك ما هو فأل، وهناك ما هو تطير وتشاؤم، والفأل مشروع، والتشاؤم محرم، ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الطيرة وقال: (لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر)، فهو إذا نزعها جدولاً كأنه يتفاءل بسلامة الولد، والفأل كما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم يحبه الله، والسبب في ذلك الفأل: أن تحسن الظن بالله عز وجل، فربما تكون في هم أو غم أو كرب، فإذا بك تسمع إنساناً يقرأ: ![]() ![]() ![]() ![]() فإن كنت تخشى على شيء أن يصيبه ضرر فتسمع رجلاً ينادي رجلاً ويقول: يا صالح، فتتفاءل أن الله سيصلح لك ذلك الأمر، أو تكون في حالة تسمع رجلاً يقول كلمة تتناسب مع حالك مما هو خير، فهذا أمر مشروع؛ لأنه من حسن الظن بالله عز وجل، وقد جاء في الحديث كما في مسند أحمد وغيره -وأصله في الصحيحين- أن الله تعالى يقول: (أنا عند حسن ظن عبدي بي)، لكن هناك زيادة في المسند: (فمن ظن بي خيراً كان له، ومن ظن بي شراً كان له)، فقوله: (فمن ظن بي خيراً)، أي: تفاءل الخير، فإذا كنت تريد أن تخرج في سفر وسمعت رجلاً ينادي رجلاً بيسر أو سهل، فتحس بالسهالة، ولذلك ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الحديبية لما أرسلت قريش من يتفاوض معه وكان ثالثهم سهيل بن عمرو قال: من؟ قالوا: سهيل بن عمرو، قال: (قد سهل أمركم) فتفاءل عليه الصلاة والسلام، وكان ما كان. وقد ذكر الإمام ابن القيم قصة عجيبة في هذا: وذلك أنه فقد أحد أولاده في موسم الحج، قال: فما زلت أسأل الله أن أدركه -ومعلوم كثرة الناس في الحج- قال: فإذا بي أطوف في البيت طواف الإفاضة -يوم النحر- وأنا أدعو الله أن يبلغني رؤية ولدي؛ فسمعت رجلاً يصيح بكلمة من الفأل فتفاءلت، فلم أدر أيهما أسرع صوت الولد وهو يصيح أم انتهاؤه من كلمته؟! فقد تفاءل بها خيراً، وأحسن الظن بالله، فإذا بولده يصيح، ولا شك أن هذا يزيد الإيمان؛ لأنه يحسن العقيدة في الله، بخلاف التشاؤم، فإنه -والعياذ بالله- يصرف العبد عن الله عز وجل، فتجده إذا أراد أن يخرج لعمل فرأى مشلولاً، أو ذا عاهة؛ تشاءم من ذلك اليوم وتطير منه، وإذا فتح باب دكانه للتجارة فجاءه إنسان مريض أو به عاهة؛ تشاءم وتطير، وقال: هذا يوم نحس، أو نحو ذلك، وهذا لا يجوز، وهو أمر محرم، وفيه شرك أصغر إذا اعتقد تأثير هذه الأشياء، وربما يصل به إلى الشرك الأكبر -والعياذ بالله- كما في حال ظن الغيب بزجر الطيور ونحوها، نسأل الله السلامة والعافية. إذاً: فنزع الكتف والمفاصل من الشاة من باب الفأل، ولا بأس به؛ لأن المقصود من العباد أن يخلصوا العبادة لله جل جلاله، ويوحِّدوا الله عز وجل، والله سبحانه وتعالى إن أحسنت به الظن كان لك حسن الظن وفوقه مما لم يخطر لك على بال، فإذا أحسنت الظن بالله عز وجل فإن الله يلقيك من رحمته وفضله وإحسانه فوق ما ترجو وتأمل، ولذلك ينبغي للمسلم أن يتفاءل بالخير، وأن يحسن الظن بالله سبحانه وتعالى، فإن هذا من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم قال رحمه الله: [ولا يكسر عظمها، وحكمها كالأضحية]. قوله: (وحكمها كالأضحية)، أي: من حيث السن، فإنه يختارها بالسن المعروف في الأضحية، فلا يجزئ ما كان دون الثني، ويجوز أن يعق بالجذع من الضأن، وقد فصلنا هذه المسائل وبيناها في باب الأضحية، فإذا أراد أن يعق عن ابنه أو ابنته فإنه ينبغي أن يكون في الشاة التي تذبح شروط: أولاً: أن تكون بالسن المعتبرة. ثانياً: أن تكون سالمة من العيوب، فلا يذبحها إذا كانت معيبة، ولا تجزئ المعيبة، وذلك على التفصيل الذي ذكرناه في الأضحية. ثالثاً: أن لا تسبق العقيقةُ السبب، فالسبب هو الولادة، فلو ذبح العقيقة قبل الولادة لم يجزئ، كما لو ذبح الأضحية قبل صلاة يوم النحر فإنها لا تجزئ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (من ذبح قبل الصلاة فليذبح أخرى مكانها، ومن لم يذبح فليذبح باسم الله)، فتتأقت العقيقة بالسبب، فلا يُذبح قبلها، كما لو قال له الأطباء: سيأتيك ذكر، فذبح قبل ولادته شاتين، أو قال: سأذبح هاتين الشاتين، فإن كان ذكراً فهما عنه، وإن كانت أنثى فالثانية صدقة؛ فإن ذلك لا يجزئه، فلابد أن يكون الذبح بعد الولادة. يتبع
__________________
|
#8
|
||||
|
||||
![]() شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع (كتاب المناسك) شرح فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي الحلقة (250) صـــــ(1) إلى صــ(27) حكم التشريك في دم العقيقة قال رحمه الله: [إلا أنه لا يجزئ فيها شرك في دم].قوله: (إلا أنه) استثناء، والقاعدة: أن الاستثناء إخراج لبعض ما يتناوله اللفظ، فلما بين أن حكمها كحكم الأضحية، فإن الأضحية يشرع فيها التشريك، والتشريك مأخوذ من الشركة، يقال: شَرْكة وشُرْكة وشِرْكة، مثلث الشيء، والتشريك من الشركة وهي: الخلطة والاجتماع وضم الشيء إلى الشيء، والمراد بذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز لأصحابه يوم الحديبية أن يذبحوا البعير عن السبعة، فاشترك في الجزور سبعة، كما في حديث جابر رضي الله عنه وغيره، ومن هنا قالوا: يجزئ في الأضحية أن يشتركوا، وهذا قد وقع في الإحصار، فهو يجزئ في الهدي والإحصار والدم الواجب، ولو أن إنساناً في الحج كانت عليه سبع واجبات في حج وعمرة؛ جاز له أن يذبح بعيراً ويجزيه عن الجميع، لكن في العقيقة لا يجزئه إلا أن يذبح شاتين متكافئتين، وينبغي له أن يراعي تساويهما على ظاهر حديث عائشة رضي الله عنها، ولا تكون إحداهما أفضل من الأخرى. حكم الفرعة والعتيرة قال رحمه الله: [ولا تسن الفرعة، ولا العتيرة].الفرعة من عادات الجاهلية، فقد كانوا يعتقدون في المولود الأول من البهائم عقائد خاطئة، ولذلك كانوا يذبحونه، ولهم فيه أحكام، فلا يحملون عليه، ويخدمونه، وكل ذلك من أمور الجاهلية التي نهانا الله عز وجل عنها على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، قال عليه الصلاة والسلام: (لا فرع ولا عتيرة)، وهذا من باب رد أمور الجاهلية وإنكارها، فإن فعلهم هذا هو من تحريم ما أحل الله، فقد كانوا يحرمون أول النتاج مما أنتجته البهيمة، ولذلك عتب الله عليهم الافتراء عليه وتحريمهم لما أحل الله، واختلاقهم ذلك على الحنيفية ودين إبراهيم الخليل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام. وقد كانوا يفعلون العتيرة في رجب. الأسئلة من ينوب عن الأب في ذبح العقيقة السؤال: إذا كانت العقيقة واجبة في حق الأب، فهل إذا كان ميتاً أو غائباً ينتقل الحق إلى الأم؟ الجواب: اختلف العلماء رحمهم الله فيما إذا مات الأب: هل الأم هي التي تعق أو العصبة؟ والذي يظهر والله أعلم من ظاهر أحكام الشرع: أن العصبة ينزلون منزلة الأب والجد، فيقدم في هذا الجد، فإنه يعق عن ولد ولده، ولذلك عق عليه الصلاة والسلام عن الحسن والحسين، ثم يأتي في الترتيب أبو الجد ثم أبوه وإن علا، ثم بعد ذلك الإخوة الأشقاء، والإخوة لأب، وأبناء كلٍ، وينظر بعد ذلك إلى الأعمام وأبناء الأعمام كل على حسب قرابته، فيقدم بالجهات ثم بالقرب، فالعصبات أولى بالعقيقة، ولذلك نجد في أحكام الشريعة أن الغرم المالي متعلق بالعصبات، ومن هنا قال الله تعالى: ![]() ![]() إذاً: هذا الأمر ليس مما تدخل فيه الأم، ولا يدخل فيه القرابة من جهة النساء والأرحام، وإنما هو مختص بالعصبة، كما هو الأصل في المواريث، ويكون من باب الغنم بالغرم؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (الخراج بالضمان)، والله تعالى أعلم. حكم التصدق بوزن شعر المولود ورقاً أو ذهباً السؤال: هل يجوز التصدق بوزن شعر المولود ورقاً أو ذهباً؟ الجواب: نعم، لا بأس أن يتصدق بزنته ذهباً أو فضة، وقد نص عليه جماهير العلماء؛ وذلك لظاهر الخبر عنه عليه الصلاة والسلام، وقد تكلم العلماء في سند الحديث، ولكن استحب العلماء هذا الفعل، وجرى عليه فعل طائفة من السلف رحمهم الله، والله تعالى أعلم. الأفضل من ذبح العقيقة وطبخها أو التصدق بثمنها السؤال: هل الأفضل أن تذبح العقيقة ويفرق لحمها، أم تذبح وتطبخ ويدعى لها، وهل يجوز التصدق بثمنها؟ الجواب: هذه المسألة يصعب فيها البت وأن يقال: الأفضل كذا، ولكن يقال: كل جائز، إن شاء ذبحها وقسمها على الفقراء والضعفاء، وهو على خير، وإن شاء طبخها وأطعمها ودعا إليها المسكين والمحتاج والقرابة وجمع بين الجميع. وبعض العلماء يفصل فيقول: إذا كان المسكين ينتفع بأخذ اللحم أكثر من حضوره فالأفضل أن تعطيه اللحم؛ لأنه يبقى عنده اليوم واليومين والثلاثة والأربعة، فهو أرفق بحاله وأصلح، ومن هنا يكون ذلك أعظم في الأجر، ومنهم من يقول: إن كان الأفضل العكس؛ كأن يصعب عليه طبخ الطعام، ويجد الكلفة والمؤنة؛ فالأفضل أن تدعوه إلى ذلك، ولكن هذا فيه صعوبة، فإن الإنسان لو نظر إلى طبخ العقيقة وإحسان الضيافة إليها، ودعوة القرابة، وجمع الشمل، وصلة الرحم، وأنسهم في البيت، وكونهم ضيوفاً على الإنسان، وما يحصل باجتماعهم من المحبة، بخلاف ما إذا بعث لكل إنسان بلحم؛ فإننا نجد أن دعوتهم إلى البيت أعظم وأكثر عناء، وأبلغ في الإكرام، وأدعى إلى المحبة والألفة، ومن هنا يقوى أن يقال: إن طبخها وتهيئتها للضيوف أعظم أجراً؛ لما فيه من المصالح خاصة القرابة. وبالنسبة للمساكين فالأمر قد لا يبعد أن يكون فيه تفصيل، والبت في هذه المسألة وأن يقال: الأفضل؛ أمر يحتاج إلى ضوابط معينة، وقد تكلم العلماء على ضوابط الأفضلية، ولكنها متداخلة هنا، فبالنسبة للفقراء الله أعلم بالأفضل، فقد يكون اختلاف الأحوال يدل على الأفضلية، بحيث يرغب المسكين أن يأخذها وأن يطعمها أولاده في الوقت الذي يشاء وبالطريقة التي يريد، فهذا قد يكون موجباً للقول بأن الأفضل أن تعطى للمسكين. والعكس بالعكس.. فمثلاً: لو كان من أناس لا يتيسر لهم أن يطبخوا ويكون عليهم في الطبخ مشقة وكلفة وعناء، فالحكم بالعكس، والله تعالى أعلم. حكم الزيادة عن الشاتين في العقيقة السؤال: هل له أن يزيد أكثر من شاتين، وهل له أن يعق ببقرة أو بدنة، أم أن الأمر لا يجزئ إلا بما ورد؟ الجواب: بالنسبة لأكثر من شاتين فليس من السنة، ولا ينوي الإنسان العقيقة بأكثر من شاتين، ولكن لو دعوت القرابة فإنك تنوي الشاتين عقيقة، وتنوي البقية صلة رحم، وأجرك في صلة الرحم أعظم، فإذا نويت بها صلة الرحم فإن أجر صلة الرحم أعظم، ومن هنا قال صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين لما كانت عندها جارية وأعتقتها: (لو أنك جعلتيها في أخوالك لكان أعظم لأجرك)، فلا شك أنه في هذه الحال يكون أعظم أجراً. فتختص العقيقة بشاتين، والزائد ينويه صدقة، أو ينويه صلة للرحم على حسب ما يتيسر له. أما إذا أراد أن ينحر جزوراً أو بقرة فإنه لا يدخل التشريك في العقيقة، إلا إذا كانت أنثى وأراد أن يذبح عنها بقرة، فقد رأى بعض العلماء التخفيف في ذلك، ورأوا أن هذا زيادة على الواجب، كما لو تصدق بصدقة أعظم من الصدقة الواجبة عليه، ولذلك رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، ففي الحديث الصحيح: (أنه بعث رجلاً على الصدقات ليأخذ الزكاة، فانطلق إلى رجل من الأنصار بجوار المدينة، فسأله الصدقة، فقال له: ليس عندي إلا ما هو أفضل، فقال: لا آخذه منك، إنما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آخذ كذا وكذا -يعني: لم يأمرني أن آخذ هذا ولو أنه أفضل، فامتنع من أخذها- فانطلق الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتكى إليه، فأمر الساعي أن يأخذها)، قالوا: فهذا مال واجب، ومع ذلك تصدق بما زاد عن الواجب في الزكاة التي هي من الفرائض والأصول المعينة، والدماء والبهائم عينت وحددت أسنانها، أعني: الواجب منها، ومع ذلك رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في أخذ الزائد، فدل هذا على جواز ذبح ما زاد في العقيقة ونحو ذلك، والله تعالى أعلم. ضعف ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه عق عن نفسه السؤال: هل صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه عق عن نفسه وهو كبير؟ الجواب: لا أحفظ في هذا نصاً صحيحاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد يكون هناك أخبار ضعيفة لم يصح سندها، فلا أحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سنداً صحيحاً أنه فعل ذلك أو أخبر عنه، وقد ذكر بعض أهل السير هذا الأمر، والسير فيها تسامح، وفيها أشياء لم توثق أخبارها، لكن لم يثبت شيئ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا. عقيقة الخنثى السؤال: إذا كان المولود خنثى فهل يعق عنه بشاة أم بشاتين؟ الجواب: الخنثى له حالتان: الحالة الأولى: أن يتميز حاله؛ فحينئذٍ يكون له حكم ما تميز، فإن تميز ذكراً فهو ذكر، وإن تميز أنثى فهو أنثى. الحالة الثانية: ألا يتميز؛ فإنه يحكم بكونه أنثى، وهذا أصل نص عليه جماهير العلماء رحمهم الله، فقد نصوا على أن الخنثى حكمه حكم الأنثى؛ لأن الأصل واليقين أنه أنثى حتى يستيقن ما هو أعلى، وهذا مبني على القاعدة الشرعية: اليقين لا يزول بالشك، ولذلك يقولون: يعطى الأقل؛ لأنه يقين، حتى يثبت ما هو أعلى، وهو أصل مطرد في كثير من المسائل، والله تعالى أعلم. حكم الاستدانة للعقيقة السؤال: هل للأب أن يستدين من أجل العقيقة؟ الجواب: الاستدانة من أجل الأضحية والعقيقة لا بأس بها، لكن كونه واجباً عليه فهو ليس بواجب، أما إذا أراد أن يستدين ويتحمل الدين ثم بعد ذلك يقضيه، خاصة إذا وثق بوجود راتب أو صفقة، أو رجا مالاً يقضيه من دين له على إنسان ونحو ذلك، فإنه لا بأس، وأحب أن يصيب الخير والبر ويصل رحمه؛ فلا بأس في ذلك، والله تعالى أعلم. حكم ذبح الأضحية بعد اليوم الحادي والعشرين السؤال: إذا فات الذبح في السابع فإنه يذبح في رابع عشر، وإن فات ففي واحد وعشرين، فهل له أن يبني على ذلك سبعاً سبعاً أم في أي يوم بعد واحد وعشرين؟ الجواب: اجتهد العلماء في هذه المسألة وليس فيها نص معين، وأنا لا أرى فيما بعد الواحد والعشرين حداً معيناً، أي: لا أحفظ فيه شيئاً مبنياً على أصل شرعي، ولذلك أتوقف في الحكم فيه حتى يفتح الله وهو خير الفاتحين، والله تعالى أعلم. حق تسمية المولود السؤال: هل تسمية المولود حق للأب أم للأم أم للكل؟ الجواب: أما لو كان للكل فهذه مشكلة ومصيبة، ففي بعض الأحيان قد يسمى المولود باسمين، اسم داخل البيت واسم خارجه، فإن اشتجروا فيجعلون اسم الأم في البيت، واسم الأب خارج البيت، وهذا يقع في بعض الأعراف، فيجعلون اسم اللطف في داخل البيت خاص بالابن، ثم يكون له اسم في الخارج أمام الناس، هذا إذا كان قد حصل شيء من سوء التفاهم بين الزوج والزوجة. لكن الأصل أن المرأة تتأدب مع زوجها، وقد كان النساء يحسن الأدب مع الأزواج، وكان الرجل يشعر بقيوميته، والمرأة بلينها وحنانها وعطفها تشمل الرجل، ولم يعرف الاسترجال في النساء إلا من قريب حينما لقن بنات المسلمين أن تقف المرأة في وجه أبيها، فتراجعه في نكاحها، وتستطيل عليه في رأيها، وقد يسمون هذا من حقوق المرأة، وهذا فيه جر ويلات عظيمة، ولربما حصل الطلاق وتشتت الأسر بتعليم البنات الاسترجال، وحقوق المرأة.. المرأة لها حق لكن في داخل الإطار الشرعي، لذلك تقول المرأة الحكيمة لبنتها: كوني له أمة يكن لك عبداً. أي: أنك إذا أحسنت اللطف مع زوجك، وأصبحت كما أنت بفطرتك وجبلتك من اللين والرقة والأنوثة الكاملة الفاضلة المبنية على الحياء والخجل والاحتواء للرجل؛ فإن الرجل يشعر بكونه رجلاً، ويشعر أنه قائم على البيت، ولذلك فإن المرأة التي تسترجل على زوجها وتغالطه في الأمور، وتكثر التعنت عليه في المسائل، تأتي في زمان وتعض على أصابع الندم حين لا ينفعها الندم، وتتألم حين لا ينفعها الألم؛ ولذلك فإن المرأة لا يصلحها إلا كمال الحياء والخجل. وقد كانت النساء يوم كانت البيئات المسلمة محافظة بعيدة عن هذا الدخَل كانت المرأة ربما بلغت سن الخامسة عشرة فتتزوج ولا تعترض أبداً، ولا تفتح لها فماً على أبيها، وتزوج الرجل ابن أربعين سنة ولا تعترض على أبيها، ويجعل الله لها من الخير والبركة وحسن الذرية، وحسن العاقبة، فيجد ذلك الرجل كبير السن فيها خيراً عظيماً، وهذا -طبعاً- إذا أعطاها حقها، وأقام ببيته كما ينبغي، ونحن لا نقول هذا الكلام ويفهم منه ظلم النساء، وإنما نقول: في الحدود الشرعية، ونحكي شيئاً وقع وجرى، وكنا نألفه إلى عهد قريب؛ فما كانت المرأة تراجع أباها ولا تقف في وجهه، أما اليوم فإنها قد تقول له: أنت تتدخل في مستقبلي، وتدمر حياتي، وأنت وأنت... فتضيق عليه، وتؤذيه وتعنته، حتى ينزع الله البركة منها في أي زواج بعد ذلك، ولذلك تتدمر البيوت، وتتشتت الأسر باسترجال النساء، والمرأة الحكيمة العاقلة الفاضلة عندما تشعر بأنوثتها وبقوة الرجل، تحاول بحكمتها وعقلها وبما وضع الله فيها من البصيرة أن تكون المرأة الحكيمة التي تحسن التدخل في الأمور حيث يصلح التدخل، فتستقيم أمور البيوت، وقد ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن المسترجلات، قال بعض العلماء: ومن الاسترجال كون المرأة تعنت الرجل وتقف معه في كل صغير وكبير، حتى إن بعض النساء يسألن أزواجهن عن كل دقيقة خارج البيت؛ بل بعضهن يتدخلن حتى في الأمور الخاصة التي تكون بين الرجال بعضهم مع بعض، وتبدي رأيها في هذه الأمور، وهذا كله استرجال وخروج بالمرأة عن المنهج السوي الكامل. إذاً: متى يختلف الرجل والمرأة؟ يختلفون حينما لا تدري المرأة أين تضع لسانها، فتتدخل في الأمور، وتحاول أن تكون هي سيدة البيت، والقائمة عليه، وكذلك إذا أساء الرجل إلى المرأة، فأصبح يتدخل في أمورها، ويؤذيها ويضطهدها ويظلمها، فإن هذا ينشأ عنه أذية لها، فينبغي العدل والقسط الذي أمر الله عز وجل به. فإذا أراد الرجل أن يسمي ابنته رجع إلى زوجته وشاورها، وأدخل السرور عليها؛ وإذا كان الخلاف على شيء يسير تافه فيحتمل طيب خاطر زوجته، ويجعلها هي التي تسمي ابنته ويكرمها ويتم لها فرحتها، ويقدر منها أنها الوعاء الذي حمل، والثدي الذي سقى، والحجر الذي حوى، وأن منها العناء والمشقة، وبذلك يكون قد احتواها بحنانه ولطفه، وكان خير بعل لزوجته، وتذكر وصية النبي صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله)، فالأمور لا تستقيم إلا بالعدل الذي أمر الله به، فالرجل يبذل الحنان واللطف، والمرأة أيضاً تبدي من جانبها الضعف والانكسار أمام الرجل، أما أن تتعنت وتصبح واقفة في وجه زوجها حتى في الأسماء، فلا، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (فسميته باسم أبي إبراهيم)، فلم يشاور نساءه، ولم يأت إلى مارية ويقول لها: ماذا نسميه؟ مع أنها أمه. فهذا يدل على أن للرجال حقاً، وأن المرأة ينبغي أن تعرف أين مكانها، وإذا استقامت النساء على هذا الأساس واستقام الرجال على العطف والإحسان والإكرام للنساء والقيام بحقوقهن؛ فستستقيم بيوت المسلمين، أما إذا أصبحت المرأة تسترجل، وتدعي أن لها الحق في كل صغير وكبير حتى في الأسماء، وربما عيرت الرجل أمام أولاده وقرابته، فإن هذا لا ينبغي. فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يعيذنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يصلح أحوالنا إنه ولي ذلك والقادر عليه، والله تعالى أعلم. حكم ذبح الرجل العقيقة عن نفسه بعد الكبر السؤال: لم يعق والدي عني، فهل لي أن أعق عن نفسي بعد الكبر؟ الجواب: يقول بعض العلماء: إن العقيقة تفوت إذا فات وقت ذبحها، وكما ذكرنا أنهم لا يرون ذلك بعد الواحد والعشرين، وبعض العلماء يرى أن للكبير أن يعق عن نفسه إذا علم أن والده لم يعق عنه؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل غلام مرهون بعقيقته) قالوا: فيشرع له أن يفك رهنه، ولكلا القولين وجهه، والله تعالى أعلم. حكم من عق بشاة ثم ألحق بها أخرى السؤال: إذا لم تتوفر إلا شاة عن الذكر فإنه يؤديها، ولكن إذا توفرت فيما بعد أخرى فهل له أن يلحقها بالأولى؟ الجواب: هذا فيه التفصيل الذي تقدم، فإن تيسر له الوجدان قبل استتمام العدد -عند من يحد بالزمان- فإنه يشرع له أن يذبحها؛ لأن المراد أن يحصل الذبح وإراقة الدم قربة لله عز وجل، فالمقصود يتحقق إذا كان داخل الزمان المعتبر، وأما إن جاوز الزمان المعتبر، فعند من يمنع بعد استمام الأمد فإنه تجزيه الشاة الأولى، وأما الثانية فهي صدقة من الصدقات، والله تعالى أعلم. حكم العق عن السقط السؤال: هل يعق عن السقط سواء نفخ فيه الروح أم لا؟ الجواب: السقط إذا لم ينفخ فيه الروح فإنه لا يعامل معاملة الكامل، وأما إذا نفخت فيه الروح واستتم المدة، فقال بعض العلماء: يعق عنه، وقال بعضهم: لا يعق عنه إلا إذا ولد واستهل صارخاً؛ لأن الأصل أنه متعلق بالولادة، والقول الثاني هو الأقوى؛ لأن العبرة بولادته حياً، وأما إذا لم يولد حياً فإنه لا وجه للعق عنه، والله تعالى أعلم. صحة حديث (أعلنوا النكاح...) السؤال: جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدف، واجعلوه في المساجد)، فهل هذا حديث صحيح؟ الجواب: الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بإعلان النكاح وإشهاره في أكثر من خبر، ففي رواية: (واضربوا عليه بالدفوف)، وفي رواية: (واضربوا عليه بالغربال)، والمراد بذلك: الدف المعروف الذي يكون من جلد البهيمة، ولا يكون بآلات العزف التي فيها الفتنة، ويتقيد بهذا النوع المعروف المشهور من (الطِّيران) ونحوها التي تكون من جلد البهيمة، وليس فيها فتنة بالضرب عليها كالزير ونحوه. وقصد الشرع من هذا: أن يفرق بين الحلال والحرام، والسفاح والنكاح، ومن هنا لم يجز أن يستكتم الشهود الخبر، فلا يجوز لأحد أن يقول لشهود النكاح: لا تخبروا أحداً، فإنه لو عقد على هذا الوجه فإنه يسمى: نكاح السر، وكان عمر رضي الله عنه إذا رفع له نكاح السر جلد الولي والشهود على ذلك؛ لأنهم يخالفون شرع الله من إعلان النكاح، والسنة في إعلان النكاح هو إشهاره وإظهاره حتى تثبت الأنساب، وتحفظ الحقوق، ويكون في ذلك جمع شمل الناس لحصول الوليمة، كما قال صلى الله عليه وسلم لـعبد الرحمن بن عوف : (أولم ولو بشاة)، والله تعالى أعلم. صيام الورثة عن الميت السؤال: إذا كان على الميت صيام شهرين، وذلك لقتله مسلماً خطأً، فهل يُلزَم الورثة بصيام هذين الشهرين؟ أثابكم الله. .الجواب: اختلف العلماء رحمهم الله في الصوم عن الميت: فقال بعض العلماء: لا يصوم الحي عن الميت مطلقاً. وقال جمهور العلماء: يصوم الحي عن الميت من حيث الجملة. وهو الصحيح؛ لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث ابن عباس في الصحيح لما سألت المرأةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمٍّ لها ماتت وعليها صوم نذر، فقالت: (يا رسول الله! أفأصوم عنها؟ قال: أرأيت لو كان على أمك دَين أكنت قاضيته؟ قالت: نعم. قال: فدَين الله أحق أن يُقضى)، فأمرها عليه الصلاة والسلام بالقضاء، والصوم صوم نذر. واختلف العلماء الذين يقولون بالمشروعية: فمنهم من يقول: يختص القضاء بالنذر، ولا يقاس عليه غيره؛ لأنها عبادة بدنية، والأصل في العبادات البدنية ألا يقوم مكلف عن مكلف، وأنها تجب عيناً؛ كالصلاة، فإنه لا يصلي أحد عن أحد، ولو مات وعليه صلاة فلا تقبل عنه الصلوات؛ لأنها عبادة بدنية والصوم مثلها. وقال بعض العلماء: إن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء لهذه المرأة رُكِّب على علة، وهي قوله: (أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟)، فدل على أن العلة كون ذمة الميت شغلت بهذا الحق. وهذا هو الصحيح، وهو أن الصيام الواجب يُشرع قضاؤه من الورثة. والله تعالى أعلم. الحكم إذا نسي الإمام سجدة السؤال: إذا نسي الإمام السجدة الثانية ثم تشهد وسلم، ثم أُخبر بالنقص، فماذا يصنع الإمام في هذه الحالة؟ وماذا يصنع المسبوق؟ الجواب: أما بالنسبة للإمام فإن فاتته السجدة الثانية من الركعة الأخيرة وتشهد ثم سلم ناسياً، وسبح له الناس أو نبهوه على الخطأ، وعلم أنه قد انتقص من الركعة الأخيرة سجدتها الأخيرة، فالحكم أنه يستقبل القبلة ويسجد السجدة الأخيرة، ثم يتشهد ثم يسلم ثم يسجد بعد السلام سجدتين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبر أنه سلم من اثنتين في الرباعية الظهر أو العصر، استقبل القبلة عليه الصلاة والسلام وأتم الركعتين ثم سلم ثم سجد بعد السلام. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
__________________
|
#9
|
||||
|
||||
![]() شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع (كتاب المناسك) شرح فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي الحلقة (252) صـــــ(1) إلى صــ(18) شرح زاد المستقنع - مسائل في محظورات الإحرام من أحرم بالحج أو العمرة فقد حرمت عليه عدة محظورات، فلا يجوز له أن يفعل شيئاً منها، ومن ارتكب شيئاً منها فهناك أحكام وكفارات مترتبة على فعله ذلك محظورات الإحرام بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فقد نظرت في مسائل الحج ومباحثها فوجدت فيها مسائل تعم بها البلوى، وكان البعض يقترح أن نتحدث عن صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنعم بها وأكرم من صفة! ولا شك أن الأجر بها أعظم، خاصة وأننا نتعرض لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم، وذكر أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيها الأجر والمثوبة، وهي الخير كله. لكن لما نظرت وجدت أن صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم لا تخفى على كثير من طلاب العلم، ولكن هناك مسائل تعم بها البلوى، ويكثر السؤال عنها، وقد تجد طالب العلم يحفظ حديث النبي صلى الله عليه وسلم، فيأتيه السائل ويقول له: تطيبت ناسياً تطيبت جاهلاً لبست ثوبي ناسياً لبست ثوبي جاهلاً بالحكم قتلت الصيد قتلت ذئباً قتلتُ حيةً فما الحكم؟ فمسائل محظورات الإحرام مسائل تعم بها البلوى، ولذلك آثرت أن يكون حديثنا -إن شاء الله- عن مسائل من محظورات الإحرام. وخاصةً أن محظورات الإحرام نحتاجها لأنفسنا لكي ننقذ أنفسنا من الضلال، ونبتعد عن الأمور المحرمة إذا تلبسنا بمناسك الحج والعمرة، وكذلك فيها النفع الكثير للناس معنى محظورات الإحرام وسنتكلم عن محظورات الإحرام في أمور ومسائل: أولها: ما معنى قول العلماء: محظورات الإحرام؟ المحظورات: جمع محظور، يقال: حظرت الشيء عليك إذا منعتك منه، ولذلك سميّت الحظيرة حظيرة؛ لأنها تمنع الدواب من الخروج، فالحظر: التحريم والمنع، والمحظورات جمعها العلماء؛ لأنها ليست بواحدة وإنما هي متعددة، فجمعت لاختلاف أنواعها. والإحرام: نية أحد النسكين أو هما معاً، فإذا قال العلماء: الإحرام، أو قالوا: لا يجوز لمن أحرم، أو قالوا: يجب على من أحرم، فمرادهم من نوى النسكين: الحج والعمرة كالقارن، أو أحدهما كالحج مفرداً، أو العمرة وحدها، فإذا نوى الإنسان العمرة، أو نوى الحج، أو هما معاً؛ فقد دخل في الإحرام، ويقال: أحرم، ولا يلزم الإنسان بترك محظورات الإحرام بمجرد لبسه للإحرام كما يفهم العوام، إنما تحرم محظورات الإحرام بعد نيتك للنسك، فلو لبست الإحرام ولم تلب بالنسك ولم تنو، جاز لك أن تصيب هذه المحظورات، وإنما تحرم عليك بعد الدخول في النسك بالنية لبس المخيط المسألة الثانية: ما هي محظورات الإحرام؟ المحظورات تسع: أولها: لبس المخيط، وثانيها: الطيب، وثالثها: تغطية الوجه، ورابعها: تغطية الرأس، ومنه الأذنان، وخامسها: حلق الشعر أو قصه أو نتفه، وسادسها: تقليم الأظفار، وسابعها: عقد النكاح، وثامنها: الجماع ومقدماته، وتاسعها: قتل الصيد. ومنهم من يقول: الصيد، ومنهم من يقول: إتلاف الصيد، والمعنى واحد، وإن كانت بعض التعبيرات أدق من بعض. أولاً: لبس المخيط، يقال: لبس الثوب إذا دخل فيه، والمخيط: يشمل المخيط المعتاد المفصل على الجسم، وما في حكمه؛ كالمحيط بالعضو كما سيأتي، قال بعض العلماء: يخرج من هذا الارتداء؛ كالقباء ونحوه، فاللبس: أن تدخل يديك، والارتداء: أن تضع الشيء على عاتقك دون إدخال، مثال ذلك: لو أخذت هذا البشت أو هذه العباءة ووضعتها على كتفيك وأنت محرم من شدة البرد، فإنه لا يصدق عليك أنك قد لبست، هذا إذا قلنا: إن اللبس لا بد فيه من الإدخال، أما إذا قيل بمطلق اللبس، فإنه يشمل من وضعه على كتفه سواءً أدخله أو لم يدخله، وهذا هو الفرق بين قولهم: الارتداء، واللبس. وهنا مسائل: أولاً: ماهو الدليل على أنه يحرم على الحاج والمعتمر أن يلبس المخيط؟ وثانياً: ما هي مسائل لبس المخيط؟ أما الدليل على تحريم لبس المخيط على المحرم سواءً كان بحجٍ أو عمرة، فقوله عليه الصلاة والسلام كما في حديث ابن عمر -وهو في الصحيحين-: (لا تلبسوا القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف، إلا أحدٌ لا يجد النعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين)، فالمخيط إما أن يستر أعلى البدن كالقميص، وفي حكمه ما يسمى الآن -وأنا أحب دائماً أن نمثل بالأشياء العصرية؛ لأن بعض طلاب العلم يسمع أسماء قديمة ثم ترد عليه مسائل عصرية فلا يحسن الجواب فيها؛ لأنه عرف القديم ولم يعرف تطبيقه على الجديد- فبعرفنا اليوم الفنيلة الموجودة الآن هذه سترٌ لأعلى البدن، والكوت سترٌ لأعلى البدن، فاللباس إما أن يكون ساتراً لأعلى البدن، وفيه قال صلى الله عليه وسلم: (لا تلبسوا القمص)، أو يكون ساتراً لأسفل البدن: (ولا السراويلات)، ومثله البنطلون الموجود الآن، وسواءً كانت طويلة أو قصيرة، ثم قد يكون اللباس جامعاً بينهما كالثوب، قال عليه الصلاة والسلام: (ولا البرانس)، وهذا من جوامع كلمه عليه الصلاة والسلام، وهذا يدل على أن الفقه أن تنظر إلى معاني الأحاديث، وأن لا تقتصر على ظاهر اللفظ فقط؛ فلو كان ظاهر اللفظ هو المراد فقط لكان عليه الصلاة والسلام ذكر لبساً معيناً وقال: لا تلبسه، ولكن كونه يحدد المواضع ويأتي بأمثله -لكل موضعٍ بما يجانسه- فإن هذا يدل على اعتبار الرأي، وفقه معاني النصوص. والبرنس يغطي أعلى البدن وأسفله، وبناءً على ذلك نقول: نص النبي صلى الله عليه وسلم على تحريم ستر أعلى البدن بالقميص، وستر أسفله بالسروال، وستر جميعه بالبرنس، فلو سألك سائل عن الثوب الموجود الآن، فنقول: يحرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نص على تحريم البرنس والقميص والسروال، والثوب أشد من القميص والسروال، وهو في حكم البرنس، وإن كان لا يغطي الرأس. الدليل الثاني على تحريم لبس المخيط: حديث الأعرابي، وهو في الجعرّانة أو الجعرَانة، لغتان، وذلك لما فتح النبي صلى الله عليه وسلم الطائف اعتمر من الجعرّانة، فجاءه أعرابي عليه جبة، فقال: (يا رسول الله! ما ترى في رجلٍ أحرم بالعمرة وعليه ما ترى؟ فقال عليه الصلاة والسلام: انزع عنك جبتك، واغسل عنك أثر الطيب، واصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك)، فحرم عليه لبس المخيط، وبهذه النصوص الصحيحة الصريحة نص العلماء على تحريم لبس المخيط، ويستوي في ذلك كما قلنا: أن يكون لأعلى البدن، أو لأسفله أو لجميعه ما يحرم على الرجال والنساء من المخيط المسألة الثالثة: إنما يحرم لبس المخيط على الرجل، أما المرأة فإنها تلبس المخيط، ويكون إحرامها في وجهها وكفيها، ويكون المحظور عليها من اللباس أن تنتقب أو تلبس القفازين؛ لما ثبت في صحيح البخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين)، فثبت في هذا النص أن إحرام المرأة في الوجه والكفين، ولكن إن مرّ عليها أجانب أو اشتد عليها برد أو لفحتها ريح فسدلت خمارها -والسدل أن يكون غطاء للوجه دون أن يمس بشرة الوجه- فلا حرج ولا فدية عليها؛ بشرط عدم مماسة الغطاء لبشرة الوجه، وذلك لحديث أسماء، ويروى عن عائشة وقد تُكلم في سنده، ولكن الصحيح عن أسماء أنها قالت: (كنا إذا مر بنا الركب سدلت إحدانا خمارها، حتى إذا جاوزنا كشفت)، وهذا يدل على مشروعية السدل عند رؤية الرجال الأجانب. أما بالنسبة للرجال، فكما يحرم عليهم لبس المخيط في أعالي البدن، كذلك أيضاً يحرم عليهم ستر القدمين، ولذلك لا يلبس المحرم الخف ولا البلغة ولا نحوها من الأحذية التي تغطي أغلب القدم، أو تغطي الأصابع، والأصل في ذلك حديث ابن عمر في الصحيحين: (ولا الخفاف -أي: لا تلبس الخفاف- إلا أحدٌ لا يجد النعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين)، فدل هذا الحديث الصحيح على أنه لا يجوز للمحرم أن يلبس حذاءً يغطي قدمه أو أغلب قدمه، بل يلبس الحذاء الذي لا يغطي أغلب القدم، وإذا كان الحذاء يغطي جزءاً من القدم فإنه ينبغي أن تكون أصابعه مكشوفة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وليقطعهما أسفل من الكعبين)، وبناءً على ذلك تكون الأصابع مكشوفة، وعلى هذا فلو كان الحذاء يغطي رءوس أصابع القدمين فإنه لا يجوز لبسه، كالبلغة التي تكون مستورةً أول القدم، فهذه لا تلبس، وهكذا الشراريب لا تلبس، قالوا: وعلى هذا لو نام المحرم فلا يغطي قدميه؛ لأنه أُمِرَ بكشفهما، فنهيه عليه الصلاة والسلام عن لبس الخفين يدل على أن مقصود الشرع إظهار القدمين، وعلى هذا الفتوى عند الجماهير رحمة الله عليهم حكم من لم يجد ثياب الإحرام بقيت مسألة: وهي لو لم يجد الإنسان الإحرام أو الرداء والإزار، واحتاج إلى لبس السروال، أو لم يجد نعلين واحتاج إلى لبس الخفين، فكما قال صلى الله عليه وسلم: (السراويل لمن لم يجد الإزار، والخفان لمن لم يجد النعلين)، وقال عليه الصلاة والسلام في حديث ابن عمر: (إلا أحد لا يجد النعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين). وبناءً على ذلك: لو أن إنساناً في طائرة -كحالنا اليوم- مر بالميقات وعليه ثيابه، ولكن ليس عنده إحرام يأتزر به، أو ليس عنده حتى شال يأتزر به، فحينئذٍ إذا لم يجد من الثياب ما يأتزر به فإنه يجوز له لبس السروال والبنطال، لكن لا يجوز له أن يلبس تحت السروال والبنطال لباساً، وإن لبس لزمت عليه الفدية، ثم أعالي البدن يستره بأي ساتر ويعتبر محرماً، فإن نزل إلى المطار وأمكنه أن يشتري اللباس جاز له أن يترخص بقدر الحاجة، فإن تأخر عن الشراء مع القدرة عليه لزمته الفدية تشبيك لباس الإحرام بالشوك أو الأزرار وهناك مسألة: وهي تحليق العضو، وهي ما يسمى: حكم المخيط، فقالوا: لو لبس الرداء فلا يشبكه؛ لأنه إذا شبك الرداء كان بمثابة الملبوس، وأصبح لابساً له وداخلاً فيه، وعلى هذا قالوا: لا يضع المشبك في ردائه، وهذا أمر يقع فيه كثير من العوام، فقد كانوا في القديم يشبكون بشوك الشجر، فكانوا يضعونها حتى لا ينكشف الإزار، فنهى عنه العلماء رحمة الله عليهم، وفي زماننا هذا وضع المشابك البيضاء الصغيرة أو ما يماثلها، كل ذلك مما ينهى عنه. كذلك أيضاً: من المصائب العظيمة الآن تفصيل بعض الإحرامات ولها ما يسمى في عرف العامة: (الطقطق)، هذا الذي يكون فيه بمثابة الأزرار، فمجرد ما يضعها على كتفه يزررها بهذه الأزرار، وهذا عينُ الملبوس، وتلزمه الفدية، ومن رأى منكم حاجاً أو معتمراً بهذا فلينصحه، وليبين له أن هذا لم يأذن به الله عز وجل، ولذلك لما سئل ابن عمر رضي الله عنه عن عقد الرداء نهى عنه. وعلى هذا: فلا يجوز لبس مثل هذه الإحرامات، بل لا يجوز بيعها؛ لأنه معونة على ارتكاب المحظور، فكثير من الناس يجهل الحكم، فإذا باعها الإنسان أوقع الناس في المحظور، فعلى هذا ينبه الناس عليها. كذلك أيضاً: المحيط بالعضو كالسيور، فقد قالوا: السيور لا توضع في الإحرام، واختلف فيها: فبعضهم أجازها، وهو قول بعض الصحابة، فقد أجازوا أن يلبس الكمر وهو الهميان، فقد كان يسمى في القديم بالهميان، وهو الذي يضع يضع فيه الحاج نقوده، فقالوا: لا حرج فيه لمكان الحاجة، لكن لو كان يريده لشد الإحرام فلا يجوز؛ لأنه يكون كعقد الإحرام، ولذلك فإن مذهب طائفة من السلف رحمة الله عليهم: أنه لا يشد السير، وقد فرقوا بين الهميان وبين السيور، قالوا: لأن السيور يقصد بها العقد، فكانت في ضمن ما نهى عنه السلف رحمة الله عليهم، ومنهم ابن عمر، أما لو كانت لوضع النقود، أو وضع الحوائج الشخصية من بطاقةٍ ونحو ذلك مما يحتاجه الإنسان للتنقل ونحوه فلا حرج، وقالوا أيضاً: ما يكون في حكم السوار للرجل يمنع منه، فلو شد على يده خرقة لزمت عليه الفدية، وهذا يكاد يكون وجهاً واحداً أنه لو شد الخرقة على يده فغطى جزءاً منها كالجبائر ونحوها لزمته الفدية، قالوا: وكذلك الأسورة، وفي حكمها الساعة الآن، فإنها تحيط بالعضو، ولذلك لا يضعها. وعلى هذا قالوا: إن المحرم يتجرد؛ لأن مقصود الشرع خروج المحرم متجرداً من دنياه، وقد أمر بأن ينزع ثيابه حتى يتذكر الآخرة، ويكون أبلغ في الذلة لله سبحانه وتعالى، واستشعار سفره للآخرة، ولهذا قالوا: إن الحج فيه معانٍ تذكر بالآخرة، ومنها: التجرد عن المخيط، وفيه أيضاً حكم، منها: أن الإنسان يقوى على نفسه، حيث إن سر الإنسان في قوته أن يجعل نفسه طائعةً له ولا يكون طائعاً لها، فإذا أصبح الإنسان تطيعه نفسه ولا يطيع نفسه؛ سلِم من كثير من المعاصي والذنوب بسبب كونه قاهراً للنفس، وليست النفس له قاهرة، وهذا واضح جلي، قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} [النازعات:40]، فمعنى ذلك: أن نفسه تحته، يأمرها وينهاها، يأمرها بطاعة الله وينهاها عن معصية الله، ولذلك نجد أن أوامر الشرع دائماً تجعل النفس طوعاً للعبد، فلذة النوم، ولذة الطعام والشراب، ولذة النكاح، ولذة اللباس، ولذة الوطن والأهل، كلها جاء في مقابلها عبادات، فلذة اللباس يقال لك في مقابلها في الحج: انزع عنك هذا المخيط، ولذة الطعام والشراب والنكاح، يقال لك في مقابلها: لا تأكل ولا تشرب ولا تنكح أهلك شهراً كاملاً، فإذا امتنعت من الطعام والشراب المباح كان ذلك أدعى إذا قيل لك بعدها: إن هذا الكسب حرام، أن تمتنع، وإذا قيل لك: إن هذا المنكح محرم، أن تمتنع؛ لأنك قد امتنعت عن الحلال فمن باب أولى أن تمتنع عن الحرام وتصبح نفسك طائعةً لك، وأما لذة الأوطان، فتجد أن الحج يخرج الرجل من بلده وأهله متغرباً لله عز وجل، ضاحياً لله في حجٍ أو عمرة، ولذلك قالوا: إن الحج جهاد من هذا الوجه، وكذا لذة الطيب، تجد الرجل يمتنع في حجه عن الطيب، وكذلك يمتنع عن اللباس المألوف، ويخرج بهذا اللباس على صورة معينة، مع ما في هذا الأمر -أي عدم لبس المخيط- من حكم أخرى، ككون الناس يجتمعون على وتيرة واحدة، لا يميز بين غنيهم وفقيرهم، وسوقتهم وجليلهم، وذليلهم وحقيرهم، فالمقصود: أن هذا الأمر فيه حكم عظيمة الطيب المحظور الثاني: الطيب. يقال: طاب الشيء إذا لذّ، وأطيب كل شيء أفضله، وسمي الطيب طيباً؛ لأنه أطيب ما يشم، ولذلك يقولون: المال الحلال طيب؛ لأنه أطيب الكسب، والطيب معروف، ويكون منه الجامد والسائل والمبخر الذي يكون دخاناً وبخوراً، وكل ذلك داخل في اسم الطيب. وأما كون الطيب محظوراً فلما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تلبسوا من الثياب شيئاً مسه الزعفران ولا الورس)، فقوله: (الزعفران ولا الورس) نهي عن الطيب. وحديث الأعرابي الذي ذكرناه: أنه اعتمر وعليه جبة فيها أثر الصفرة -وهو حديث صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه عند مسلم في صحيحه- فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انزع عنك جبتك، واغسل عنك أثر الطيب)، فقوله: (اغسل عنك أثر الطيب) يدل على أن الطيب محظور من محظورات الإحرام. ومن الأدلة على أن الطيب محظور: قوله عليه الصلاة والسلام في الرجل الذي وقصته دابته: (اغسلوه بماء وسدر، ولا تمسوه بطيب، فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً) فنهى عن مسه بالطيب، وهذا يدل على أن الطيب محظور من محظورات الإحرام أقسام الطيب المحرم على المحرم ووقت تحريمه عليه والطيب يشمل أن يكون مائعاً، كأن يجعله في يده أو في جسمه أو في صدره أو في أي موضع من مواضع بدنه، أو يكون مشموماً ودخاناً يتبخر به، وفرق الإمام أبو حنيفة بين المبخر وبين غيره، والصحيح: أن البخور وغيره كله محظور على مذهب جماهير العلماء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ولا تمسوه بطيب)، والطيب عام، وقد كانوا يجمّرون أكفان الميت، فقوله: (ولا تمسوه بطيب)، يدل على أن البخور داخل في هذا، وأنه لا فرق بين السائل والجامد والبخور الذي يكون هواءً وله رائحة. المسألة الأولى: بعد أن عرفنا أن الطيب محظور، فليعلم أن هذا المحظور يشمل الرجال والنساء. المسألة الثانية: أن هذا الحظر يكون بعد الإحرام، بعد نية النسك، فلو اغتسلت للإحرام وقبل أن تنوي أردت أن تتطيب، فهل يجوز ذلك، أو لا يجوز؟ وجهان: قال بعض العلماء: من اغتسل للإحرام فإنه لا يضع الطيب إلى أن يتحلل، وهذا مذهب الحنفية والمالكية. وقال بعض العلماء: إذا اغتسل فإنه يجوز له أن يتطيب في بدنه، وأن يشم الطيب، ما لم يحرم. واستدل الذين قالوا بجواز ذلك بحديث أم المؤمنين عائشة في صحيح مسلم: (طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لحله قبل حرمه، ولحرمه قبل أن يطوف بالبيت)، وهذا الحديث صحيح، وقولها: (طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لحله قبل حرمه) أي: بعد اغتساله وقبل إحرامه، (ولحرمه قبل أن يطوف بالبيت) أي: بعد رميه وتحلله عليه الصلاة والسلام، وقبل أن يطوف طواف الإفاضة: وهذا أصح القولين. ولكن هنا إشكال: وهو أن الطيب يمنع عن الإنسان سواءً كان في البدن أو في الثياب، ولذلك لو أن الإنسان أخذ إحرامه ووضعه على البخور وبخره ثم لبس هذا الإحرام؛ لزمته الفدية؛ لأنه قد مسه بالطيب، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الرجل الذي كان على ثيابه أثر الطيب: (اغسل عنك أثر الطيب)، فدل على أن الأثر مؤثر، وأن وجود الأثر يؤثر؛ لكن الإشكال: أننا لو أجزنا لك أن تتطيب بعد الغسل وقبل الإحرام، فإنك إذا لبست الإحرام ستعلق الرائحة في الإحرام، وبناءً على ذلك: إذا وضع الإنسان في إبطيه وصدره العود، ثم لبس الإحرام فعلقت به الرائحة، فإن ذهبت مادة العود بحيث تبقى الرائحة فقط وتعلق، فهذا حالة، والحالة الثانية: أن تعلق مادة العود، بحيث ترى حمرة وصفرة الطيب في الإحرام، فحينئذٍ يلزمك غسلها؛ لأنه إنما رخص لك فيما قبل الإحرام أن يكون في بدنك، وهذا في ثيابك، كما لو طيبت الإحرام بنفسه، فيستوي أن تكون مطيباً بالوضع، وأن تكون مطيباً بالقصد، وعلى هذا فبعض الإخوة أصلحهم الله عن حسن نية يتطيب ثم يضع الإحرام مباشرة، فتعلق مادة الطيب في الإحرام، حتى إنك لو نظرت إلى إحرامه لوجدت أثر الطيب ولونه ورائحته، وهذا يؤثر؛ بل ينبغي عليه غسل الطيب؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (ولا تلبسوا من الثياب شيئاً مسه الزعفران ولا الورس)، فهذا نص يدل على أن الإحرام لو مسه الطيب حرم استعماله. لكن لو علقت به الرائحة فبقيت رائحة العود أو الورد مثلاً، فقالوا: إذا كان لابساً للإحرام حتى انتهى من عمرته وحجه فلا إشكال، لكن لو نزع إحرامه وأراد أن يلبسه ثانيةً لزمته الفدية، ففرقوا بين الاستدامة وبين الابتداء، فقالوا: إذا لبسه على حاله وعلقت به الرائحة كانت بإذن الشرع؛ لأنه تطيب عليه الصلاة والسلام بعد اغتساله، لكن لو أراد أن ينام فنزع الرداء وأخذ البطانية -مثلاً- والتحف بها، ثم لما قام أراد أن يلبس الرداء فقد لبس مطيباً، وبناءً على ذلك قالوا: إنه يفرق بين الاستدامة وبين الابتداء. إذاً: هذا حاصل ما يقال في الطيب، لكن هنا مسائل متفرعة منها يتبع
__________________
|
#10
|
||||
|
||||
![]() شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع (كتاب المناسك) شرح فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي الحلقة (253) صـــــ(1) إلى صــ(18) حكم الطيب الموجود في الطعام والأدهان ونحوها لو كان الطيب مما يؤكل، أو كان دهناً يدهن به الشعر وهنا ننبه على أن الصابون والشامبو كله يعتبر من محظورات الإحرام، وقد ذكرت أننا ننبه بأشياء موجودة حتى يكون طالب العلم أوعى، فالصابون مقيد: فإذا كان من الصابون الذي له رائحة وطيب، حرم على المحرم بالحج والعمرة أن يغتسل به؛ لأنه مطيب، والطيب محظور عليه أن يترفه به، والنص فيه واضح، وهذا بالإجماع، لكن لو كان من الصابون الزيتي الذي لا رائحة له، فيجوز له أن يغسل به يديه ولا حرج، أما الشامبو فلو أراد أن يغسل به بدنه فإنه لا يجوز إذا كان مطيباً، والغالب أن فيه الطيب، وبناء على ذلك: فلا يغتسل بشيء فيه الطيب، ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تطيب المحرم فقال: (لا تمسوه بطيب، اغسلوه بماء وسدر). لكن السؤال الآن: لو كان الطيب في الطعام؟ فإن الزعفران يمكن أن يوضع في القهوة، ويمكن أن يوضع في الطعام بعض البهارات التي فيها شيء من الطيب، فإذا كان يوضع شيء من الأدهان المطيبة في الطعام، فما حكم الطعام الذي فيه طيب؟ نقول: الطعام الذي فيه طيب على قسمين: إما أن يكون الطعام قد استنفذ رائحة الطيب حتى امتزج وذهبت رائحته في الطعام، فهذا يجوز أكله، ويكاد أن يكون قول الجماهير، فلو طبخت الزعفران في طعام وذهبت رائحة الزعفران، بحيث لو أكلت الطعام لم تجدها، فيكاد أن يكون القول بالجواز قولاً واحداً؛ لأنه خرج عن كونه زعفران وعن كونه طيباً إلى مادة مستهلكة، ولذلك يعتبر تابعاً لغيره، ويجوز في التابع ما لا يجوز في الأصل. الحالة الثانية: أن تكون رائحة الزعفران أو أثر الزعفران موجوداً، فللعلماء قولان: الحنفية والمالكية: على أنك إذا طبخت الطيب جاز لك أكله. والشافعية والحنابلة: على أنه لا يجوز، وهذا هو الصحيح؛ لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، وهذا طيب، ولأنه إذا أراد أن يأكل فقد مس الطيب، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يمس المحرم بالطيب، وبناء على ذلك لا إشكال في كونه مؤثراً، فلو وضع في القهوة فإنه لا يشربه؛ لأنه في حكم الارتفاق والترفه بالطيب الذي نهي عنه. بقيت مسألة ثانية: وهي الدهان. من المعلوم أن الأدهنة والزيوت تنقسم إلى قسمين: زيوت فيها طيب، وزيوت لا طيب فيها، والزيوت التي فيها الطيب، كالتي تكون فيها رائحة الورد، أو رائحة أي طيب آخر من الأطيبة، فهل يجوز لك أن تدهن بهذا الزيت، سواءً تدهن به الرأس أو تدهن به الجسد؟ الجواب إذا كان في الدهن طيب فقول جماهير العلماء: أنه لا يجوز لك أن تدهن به، لا في الرأس، ولا في أي عضو من أعضاء البدن؛ لأنه مس للطيب، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم المحرم أن يمس بالطيب، وعلى هذا جماهير العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية، فإن داود الظاهري رحمة الله عليه يرى أن الدهن الذي فيه الطيب كالطيب بنفسه. أما لو كان هذا الدهن لا طيب فيه كزيت الزيتون والسمن، فالزيت غير المطيب يقع في موضعين: إما أن يقع في شعر الرأس، وإما أن يقع في بقية الجسد، فإن وقع في بقية الجسد، فيكاد أن يكون قول الجماهير، وحكى بعض العلماء كـ ابن المنذر وغيره الإجماع على أنه لو دهن غير الرأس بالدهن غير المطيب أنه لا حرج عليه، كزيت الخردل المعروف أو زيت الزيتون، فلو أخذه ودهن به رجليه وساقيه، فقالوا: لا حرج عليه، لكن عند المالكية تفصيل يستثنى من هذا الإجماع، فقد فصلوا بين الأعضاء الظاهرة والأعضاء الباطنة، وكأنهم يرون أن دهن الأعضاء الظاهرة فيه زينة وترفه، فيخرج عن مقصود الحج، والأعضاء الباطنة الخفية التي تستر كالصدر والظهر فقالوا: لا حرج عليه في ذلك. أما بالنسبة لو كان الدهن في شعر الرأس، فللعلماء قولان: فبعض العلماء يقول: لا يجوز للمحرم أن يدهن رأسه. وبعضهم يقول بالجواز. ويكاد أن يكون قول الجمهور: أنه لا يجوز له أن يدهن شعر رأسه؛ لما فيه من الترفه، ولذلك كان عمر رضي الله عنه يأمر أهل مكة أن يهلوا بالحج لهلال ذي الحجة؛ والسبب في ذلك: أنه قال: (ما لي أرى الناس يأتون شعثاً غبراً وتأتون مدهنين، أهلوا لهلال ذي الحجة)، فكان يأمر أهل مكة أن يحرموا لأول ذي الحجة، وقد أحسن وأصاب، ومراده رضي الله عنه: كيف يأتي الناس شعثاً غبراً في الحج ويأتي أهل مكة مدهنين؟! لأنهم لا يحرمون إلا في اليوم الثامن، فتكون شعورهم نظيفة وتكون هيئتهم ظاهرة بارزة، فقال رضي الله عنه: (ما لي أرى الناس يأتون شعثاً غبراً وتأتون مدهنين، أهلوا لهلال ذي الحجة)، وهذا ليس بواجب، وإنما هو رأي عمر رضي الله عنه واجتهاد منه، والجماهير على أنهم يهلون من اليوم الثامن تغطية الوجه المحظور الثالث: تغطية الوجه. والدليل على ذلك: قوله عليه الصلاة والسلام في الذي وقصته دابته: (ولا تخمروا وجهه ولا رأسه)، وثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر أنه قال: (لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين)، فلا يجوز للمحرم أن يغطي وجهه، وهل يجوز له إذا وجد رائحةً منتنة أو مؤذية أن يضع على أنفه الغطاء فيتقيها؟ وجهان: مذهب طائفة من العلماء: أنه لا يضع كالنقاب؛ لأن المرأة أمرت بكشف وجهها، فلما قال: (ولا تنتقب)، دل على أن النقاب مؤثر، وبناءً على ذلك فتغطية بعض الوجه كتغطية كله، والذي يظهر أن الإنسان لا يغطي، ولو وجد الرائحة المنتنة فإنه يضع يده، وإذا أضرته غطى وافتدى، وعلى هذا فالكمام الموجود الآن الذي يضعونه لاتقاء بعض الروائح يجري فيه ما ذكرناه؛ ولأنه في حكم المحيط بالعضو، كما لو وضع لصقة ثم أدارها على رأسه، ولذلك يضعونه ثم يشدونه، وعلى هذا يكون في حكم الإحاطة بالعضو، فيتقى ويمنع منه الحاج وأيضاً المعتمر تغطية الرأس المحظور الرابع: تغطية الرأس. ودليل تحريم تغطية الرأس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تلبسوا القمص ولا العمائم)، فإن العمامة غطاءٌ للرأس، فمنع النبي صلى الله عليه وسلم المحرم أن يغطي رأسه، وقوله: (ولا البرانس)؛ لأن البرنس فيه غطاء الرأس كما هو معلوم، والبرانس إلى الآن موجودة، تلبس في أيام، ويلبسها بعض أهل المغرب، وهو الثوب الذي فيه غطاء الرأس، وقد كان موجوداً في القديم، فلذلك حظر عليهم لبس البرانس ولبس العمامة، وعلى هذا فلا يجوز للمحرم أن يضع الغطاء سواءً كان عمامة أو كان طاقية ونحوها، فإنه يحرم عليه أن يغطي رأسه، وهذا بإجماع العلماء رحمة الله عليهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذي وقصته دابته: (ولا تغطوا رأسه؛ فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً). وهنا مسألة: لو أن الإنسان جلس تحت مظلة أو ركب محملاً؛ فإنهم في القديم كانوا يركبون المحامل، وفي العصر الحديث السيارات، فاختلف في المحمل في القديم وفي حكم السيارة الآن، هل يعتبر غطاءً أم لا؟ فمذهب جماهير العلماء: أنه لا حرج في ركوب السيارة وكذلك الأماكن التي لها أغطية، فلو أصابك حر الشمس فلا بأس أن تأتي تحت مظلة، واستدلوا بما ثبت في الحديث قال الراوي: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمي جمرة العقبة ومعه بلال والفضل أحدهما يستره بثوب)، وهذا الحديث في الحقيقة محل إشكال، وقد اعترض عليه، فالذين يقولون -وهو قول لبعض السلف-: لا يجوز الدخول في المحامل، ولا هودج المرأة بالنسبة للرجل، ولا الجلوس تحت شجرة، حتى لو وضعت على الشجرة رداءً فلا يجوز أن تأتي تحتها، وفي حكمها -مثل ما ذكرنا- السيارات، يقولون: لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن لا يغطي الحاج رأسه يوم الأضحى، ويقولون عن هذا الحديث: (إن حديث بلال والفضل كان في اليوم الثاني، وليس في اليوم الأول وهو يوم العيد، فهذا ضعيف؛ لأن الحديث: (يرمي جمرة العقبة)، قالوا: وجمرة العقبة رميت صباحاً، فالشمس ليست بشديدة، ولذلك لا حاجة إلى الغطاء. وهذا قول مردود، وقد ذكر المحققون ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه: أن جمرة العقبة رماها النبي صلى الله عليه وسلم يوم العيد وقد ارتفعت الشمس؛ لأنه دفع من المزدلفة قبل طلوع الشمس، وما بين المزدلفة إلى أن يصل جمرة العقبة مسافة طويلة، فلا شك أنه ما بلغها إلا وقد صار للشمس وهيجٌ وحر، ولذلك لا إشكال في مشروعية أن يأتي الحاج تحت غطاء كسيارة ونحو ذلك حلق الشعر أو قصه أو نتفه المحظور الخامس: حلق الشعر أو قصه أو نتفه. والأصل فيه قوله تعالى: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة:196]، وقد عبّر القرآن بحلق الرأس؛ لأنه الغالب، وهو من باب التنبيه على النتف والقص، ودليلنا على أن القص محظور: أن الله عز وجل جعله موجباً للتحلل؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (اللهم ارحم المحلقين، ثم قال في الثالثة أو الرابعة: والمقصرين)، فدل على أن التقصير يعتبر من المحظورات. فيحرم على المحرم أن يحلق رأسه أو يقص شعره. وفي حكم حلق الرأس حلق شعر بقية الأعضاء، فلا يجوز له أن يحلق الشعر من الإبطين ولا من العانة ولا من غيرهما من مواضع البدن، وعلى هذا فلو قص أو حلق فالحكم واحد، وهو أنه تلزمه الفدية؛ والسبب في هذا: أن الحلق والتقصير كلاهما يعتبر خروجاً من النسك، ولذلك قال تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج:29]، ولذلك لا يكون تقصير الشعر ولا حلقه إلا في هذا الأمد بالنسبة للحاج وفي حكمه المعتمر، وعلى هذا فالأصل أن تحلق، فلو أنه -مثلاً- احتاج لحجامته أن يحلق قفا شعر رأسه، فحينئذٍ يحلق ويفتدي، لكن لو أنه أصيب بعاهة أو جرح، فاحتاج إلى إزالة جلد من يده أو من ساقه، وفي الجلد شعر، فإنه لا تلزمه الفدية، إنما تلزمه الفدية بالحلق أو التقصير أو النتف، لكن لو أزال الجلد وفي الجلد شعر، فإنه لا تلزمه الفدية؛ لأنه لم يحلق ولم ينتف ولم يقصر. وهذه المسألة يسميها العلماء: حكم التابع، فهناك فرق بين الشيء أصالة وبين كونه تبعاً، وهذا يقع في العبادات والمعاملات، ففي العبادات مثلاً: الصلاة عن الميت لا تجوز قصداً، لكنها تجوز تبعاً، ألا ترى أنك لو حججت عن ميت أو اعتمرت عن ميت وطفت فإنك تصلي ركعتين، وهذه واقعة عن ميت، لكنها وقعت تبعاً لا أصلاً، وكذلك لو أن إنساناً -والعياذ بالله- اعتدى على غيره، فقلع الشعر الأسفل من العين، وهي الرموش السفلى؛ وجب فيها ربع دية، ثم لو قلع العليا وجبت عليه نصف الدية في الاثنتين، لكن لو أنه أزال الجفن وفيه الشعر فإنه يلزم بربع دية، مع أن أصل التقدير يقتضي أن الجفن له ربع وللشعر أيضاً ربع، لكن قالوا: الشعر وقع تبعاً له ولم يقع أصلاً، وهكذا بالنسبة للمسائل الأخرى المتفرعة على مسألة التابع، ولها نظائر؛ ولذلك قالوا: إنه هنا إذا قلع الجلد وفيه شعر لم تلزم عليه الفدية؛ لأنه لم يحلق ولم يقصر ولم ينتف، وهذا صحيح، ولذلك لا شيء عليه في هذا، إنما عليه الفدية إذا حلق أو قصر أو نتف تقليم الأظافر المحظور السادس: تقليم الأظفار. وتقليم الأظفار محظور في قول جماهير أهل العلم رحمة الله عليهم؛ لأنه إزالة للتفث، ويحظر عليه أن يقص الظفر بكماله أو بعضه، ولكن لو كان في أصابعه ألمٌ من الظفر، كأن يكون انكسر ظفره -سواءً كان ظفر رجل أو يد- فأصبح يؤلمه، جاز له أن يقصه، ولا فدية عليه؛ لأن الأذى في نفس الظفر، بخلاف ما إذا كان الأذى في غير الظفر، ويكون الظفر محلاً للأذى، أو يكون الأذى في غير الشعر ويكون الشعر محلاً للأذى كالقمل؛ ولذلك فإن كعب بن عجرة لم يكن أذاه في الشعر، وإنما في شيءٍ في الشعر، فأزال الشعر لإزالة الأذى الموجود تحته، وليس لعين الشعر، ولهذا قالوا: إذا نبت في عينه شعر، أو نزل شعر حاجبه حتى آذاه في عينه، جاز له أن يقصه؛ وهذا لوجود الضرر، ولا يعتبر هذا من الإزالة التي يقصد بها الترفه، ولا شيء عليه فيها الجماع ومقدماته المحظور السابع: الجماع ومقدماته. قال تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة:197]، فحرم الله عز وجل على المحرم الرفث، والرفث يكون بالكلام وهو تهييج النساء، ولو كانت محرماً له، ولو كانت حلالاً له كزوجه، فتهييج المرأة بالكلام أو بالفعل أو بالجماع نفسه كل ذلك محظور بالإجماع، فلا يجوز للمحرم بالحج والعمرة أن يقع في شيء من هذا، فإن جامع حينئذٍ وقع في المحظور، ولو نظر إلى امرأة سواء كانت محرماً أو غير محرم، كأن ينظر بشهوة إلى زوجته فينزل، فحينئذ وقع في المحظور، وكل منها له حكم، ونحن لم ندخل في مسائل الفدية حتى لا نشوش على طلاب العلم، إنما نتكلم عن المحظور فقط، أما باب الفدية، وما الذي يلزم على من أخلّ بهذه الأشياء؟ فهذا له باب آخر، ولكن أحببنا أن يكون الضبط للمحظور حتى يسهل بعد ذلك ضبط مسائل الفدية وما يتبعها. وعلى هذا: فإنه لا يجوز له النظر إلى ما يثير شهوته، ولا اللمس بما يثير الشهوة له أو لزوجه، وهكذا الجماع، سواءً وقع لحية أو ميتة، لحلال أو حرام، كل ذلك محظور على الحاج عقد النكاح المحظور الثامن: عقد النكاح. وعقد النكاح محظور في قول جماهير العلماء: المالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية وأهل الحديث، يقولون: لا يجوز للمحرم أن يَنكح أو يُنكح أو يَخطب، أن يَنكح إذا كان رجلاً، أو يُنكح إذا كان امرأة، أو يَخطب أي: خطبة النكاح؛ وذلك لما ثبت في الصحيح من حديث عثمان رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى المحرم أن ينَكح أو يُنكح أو يَخطِب)، قالوا: فهذا نصٌ صحيح يدل على التحريم. وذهب الحنفية إلى أنه يجوز للمحرم أن يعقد النكاح ولا يدخل، ويجوز له أن يخطب المرأة وأن يعقد عليها، ولكن لا يدخل بها، ويعتبر الإحرام مانعاً كالحيض والنفاس، فإنه يجوز له أن يعقد على الحائض والنفساء، ولكن لا يجوز له أن يطأها، واحتجوا بحديث ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة بمكة وهو محرم)، وهذا الحديث فيه إشكال كبير عند العلماء، والصحيح: مذهب الجمهور، ويقدم حديث الجمهور من وجوه: الوجه الأول: أنه إذا تعارض الحاظر والمبيح قُدّم الحاظر على المبيح، فحديث الجمهور حاظر، وحديث أبي حنيفة مبيح، فيقدم حديث الجمهور. الوجه الثاني: أنه إذا تعارض القول والفعل، قدم القول على الفعل؛ لأنه تشريعٌ للأمة، والفعل يحتمل الخصوص. الوجه الثالث: أن قول ابن عباس: (وهو محرم) أي: في حرم مكة؛ لأن العرب تسمي من كان في الحرم مُحرِماً، ومنه قول حسان بن ثابت: قتلوا الخليفة ابن عفان بالمدينة محرماً. ومعلوم أن عثمان بن عفان رضي الله عنه لم يكن محرماً لا بحج ولا بعمرة، وإنما قتل في حرم المدينة، وفي الأشهر الحرم، وبناءً على ذلك وصفه بكونه محرماً، فالعرب تسمي من دخل في الحرمات الزمانية والمكانية محرماً، فكأن ابن عباس يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم عقد على ميمونة في حرم مكة، وهذا من فقه ابن عباس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك مكة مهاجراً، والمهاجر لا يجوز له أن يرجع إلى البلد الذي تركه هجرة، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لكن البائس سعد بن خولة)، يرثي له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مات بمكة، فإذا ترك مكة هجرةً فكيف يعقد النكاح فيها؛ لأن عقد النكاح فيها بمثابة الإقامة؟!! فكأن ابن عباس أراد أن ينفي هذا المعنى، فقال: (تزوجها وهو محرم)، يعني: في داخل حرم مكة، وإن كان البناء قد وقع في سرف وهي المعروفة بالنوارية. فالمقصود: أن هذا الحديث يحمل على أن قوله: (وهو محرم) يعني: في الأشهر الحرم، أو في حرم مكة، والقاعدة: أنه إذا تعارض المحتمل والصريح قدم الصريح على المحتمل. الوجه الرابع: أنه إذا كان حديث ميمونة فيه معارضة لحديث ابن عباس، فقد روى أبو رافع وميمونة نفسها: أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج وهو حلال، وابن عباس يقول: (تزوجها وهو محرم)، فـ ميمونة صاحبة القصة، وأبو رافع هو السفير بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين ميمونة، فأيهم يقدم؟ لا شك أن صاحب البيت أدرى بما فيه، فـ ميمونة هي التي عقد عليها، ويروى عنها أنه كان حلالاً، وكذلك أبو رافع يروي أنه كان حلالاً، وعلى هذا: فإنه يقدم مذهب الجمهور. أضف إلى ذلك أنه إذا قيل بالتعارض هنا فقد تعارضت رواية أصاغر الصحابة وأكابر الصحابة، والقاعدة: أنه إذا تعارض المروي عن أكابر الصحابة وأصاغرهم قدم المروي عن الأكابر على المروي عن الأصاغر؛ لاحتمال أن يكون ابن عباس رواه بواسطة، خاصة وأنه في ذلك الزمان لم يبلغ الحلم رضي الله عنه وأرضاه قتل الصيد المحظور الأخير: قتل الصيد. والصيد: هو الحيوان المتوحش المأكول اللحم، والصيد نوعان: صيد بر، وصيد بحر، أما صيد البحر فبالإجماع أنه يجوز للمحرم أن يصيد السمك والحوت ونحوها من صيد البحر، ولكن المحرم عليه هو صيد البر؛ لقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة:96]. والدليل الثاني: قوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة:2]، فمفهوم ذلك: إذا لم تحلوا فلا تصطادوا. وكذلك أيضاً قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة:95]. فهذه الأدلة تدل على أن المحرم لا يجوز له قتل الصيد، ولا أن يعين على الصيد، لا بالإشارة ولا بالدلالة، فلو كان معه إنسان حلال ولم ير الصيد، فلا يقول له: اذهب وصد كذا، أو انتبه هذه فريسة، أو هذا صيد. إذاً: لا يجوز له أن يصيد، ولا أن يشير للصيد، ولا أن ينبه الحلال على الصيد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي قتادة: (هل أحد منكم أشار إليه أو أعانه؟ قالوا: لا، قال: فكلوا)، فدل على أن المحرم لا يصيد، ولا يأمر بالصيد، ولا يشير، ولا يعين على الصيد، فلو كنت محرماً وعندك حلال يصيد وسقط سلاحه، فلا يجوز أن تناوله، حتى لو قال لك: ناولني، ولا يجوز لك قتل الصيد، ولا كسر جناحه، ولا كسر بيضه، ولا التعرض، له بالإثارة، إنما تمتنع عن ذلك كله؛ وهذا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (هل أحد منكم أشار إليه؟ هل أحد منكم أعانه؟)، ولا تأكل الصيد إذا صدته، أو صيد من أجلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: (أهدى له الصعب بن جثامة رضي الله عنه حمار وحش فرده، فلما رده تغير وجه الصعب، فلما تغير وجهه قال له النبي صلى الله عليه وسلم يطيب خاطره: إنا لم نرده عليك إلا أنّا حُرم)، فدل على أنه إذا كان الإنسان محرماً وصيد الصيد من أجله أنه لا يأكل ذلك الصيد أقسام الصيد بالنسبة للمحرم المسألة الأخيرة في الصيد، وهي: ما هو الشيء الذي يحرم على الإنسان أن يصيده؟ وللإجابة نقول: الحيوانات على قسمين: مستأنسة ومتوحشة، فالمستأنس: كالإبل والبقر والغنم والدجاج ونحوها، فهذا يجوز للمحرم أن يقتله، فلو ذبحت شاة أو نحرت بعيراً أو بقرة جاز بالإجماع، لكن المحظور هو صيد المتوحش، والمتوحش: هو الذي ينفر منك، سواءً كان من صيد الطيور، أو من صيد البراري الزاحفة أو الدابة، وهذا الصيد الذي في البر ينقسم إلى قسمين: فإما أن يكون مأكول اللحم أو غير مأكول اللحم، فمأكول اللحم: كالظباء والريم والغزال وبقر الوحش وحمار الوحش وتيس الجبل، فهذه كلها متوحشة، والطيور: كالحمام والحباري والقماري ونحوها، وهذا كله يحرم صيده، هذا إذا كان مأكول اللحم. أما الدواب المتوحشة التي لا يؤكل لحمها فهل يجوز قتلها؟ نقول: إن الدواب المتوحشة تنقسم إلى ثلاثة أقسام في القتل: فمنها: ما يضر وينفع. ومنها: ما يضر ولا ينفع. ومنها: ما لا ينفع ولا يضر. فما يضر وينفع مثل الأسد، فإنه يضرك بالعدو عليك، وينفعك لو اتخذته وسيلة للصيد، والصقر يضرك، فيمكن أن يهجم على لحمك، أو يهجم على طفل صغير يؤذيه، وقد يهجم على الدواب أحياناً، وكذلك النسر والشاهين والباشق، فهذه تضر وتنفع، وقد قال العلماء فيها: لا يستحب قتلها ولا يكره، فلو قتلتها فلا حرج عليك. النوع الثاني: الذي يضر ولا ينفع؛ كالذئب والدب، فيجوز لك أن تقتله، بل قد يستحب إذا كان يضر ولا ينفع. النوع الثالث: الذي لا يضر ولا ينفع، مثل النمل فإنه لا يضرك ولا ينفعك، إلا أنه قد يضر أحياناً بالقرص، وكذلك مثل الهدهد فإنه لا يضر ولا ينفع ونحوها، فهل تقتل؟ قال بعض العلماء: لا تقتل، إلا من حاجة، فالنمل لا يقتل إلا إذا آذى، وهكذا الذباب والبعوض، قالوا: إذا آذت قتلت، فالحيوانات التي لا يؤكل لحمها يفصل في قتلها على هذه الصورة. فإذا تقرر أن الحيوان إذا كان بحرياً يجوز صيده، وإذا كان برياً يحرم صيده، فما حكم البرمائي، الذي يعيش في البر والبحر، مثل: الضفادع والتمساح، هل يجوز قتله للمحرم؟ الجواب الذي يكون برمائياً ينقسم إلى قسمين: فإن كان غالب عيشه في البر فهو بري، ولو كان يأوي إلى البحر، وإن كان غالب عيشه في البحر فهو بحري، بمعنى: إذا كان تكاثره ووجوده في البحر فهو بحري، وإذا كان تكاثره ووجوده في البر فهو بري، وبهذا يحكم على البرمائيات. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم وبارك على نبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |