|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() فرق بين الطبيب والذباب محمد بن عبدالله العبدلي الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد: فمن العبارات التي تُردَّد كثيرًا: «لا تكن كالذباب». لا تكن كالذباب لا يقع إلا على الخبث والقاذورات، وهذه العبارة ليست على إطلاقها، فقد تكون عبارة صحيحة من جهة، ولكن البعض يريد بها ترك النهي عن المنكرات والاحتساب عليها، كيف ذلك؟ تكون صحيحة حينما يتكلم الإنسان عن المنكرات ليس غرضه إصلاحها أو النهي عنها، وإنما قصده الشماتة بأصحابها، والفرح بزلَّات أصحابها وإشاعتها في المجتمع، والوقوع في أعراض الناس وذكر مثالبهم، والفرح بعثراتهم وطلب زلاتهم، فمن كان هذا حاله فهو كالذباب. أما من أنكر المنكر؛ لكونه منكرًا ممتثلًا أمر الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحسب استطاعته وبمراتبه، قصده في ذلك سلامة المجتمع من المنكرات، وإزالة الباطل، فهو بمثابة الطبيب. ولكن عليك أخي الداعية:الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن تأمر بالمعروف بالمعروف وأحسن عبارة، وتنهى عن المنكر بالمعروف والقول الحسن، ولا تنه عن منكر بمنكر أو ما يؤدي إلى منكر، وعليك أن تجعل نصب عينيك قول الحق عز وجل: ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾ [سورة البقرة: 83]، وقال العلامة ابن سعدي رحمه الله: "أمر بالإحسان إلى الناس عمومًا فقال: ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾ ومن القول الحسن أمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، وتعليمهم العلم، وبذل السلام، والبشاشة وغير ذلك من كل كلام طيب. ولما كان الإنسان لا يسع الناس بماله، أمر بأمر يقدر به على الإحسان إلى كل مخلوق، وهو الإحسان بالقول، فيكون في ضمن ذلك النهي عن الكلام القبيح للناس حتى للكفار؛ ولهذا قال تعالى: ﴿ وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [سورة العنكبوت: 46]. ومن أدب الإنسان الذي أدب الله به عباده، أن يكون الإنسان نزيهًا في أقواله وأفعاله، غير فاحش ولا بذيء، ولا شاتم، ولا مخاصم، بل يكون حسن الخلق، واسع الحلم، مجاملًا لكل أحد، صبورًا على ما يناله من أذى الخلق، امتثالًا لأمر الله، ورجاء لثوابه"[1]. وقول الله سبحانه: ﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [سورة الإسراء: 53]، قال العلامة ابن سعدي رحمه الله: "وهذا من لطفه بعباده؛ حيث أمرهم بأحسن الأخلاق والأعمال والأقوال الموجبة للسعادة في الدنيا والآخرة، فقال: ﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ وهذا أمر بكل كلام يُقرِّب إلى الله من قراءة وذكر وعلم وأمر بمعروف ونهي عن منكر وكلام حسن لطيف مع الخلق على اختلاف مراتبهم ومنازلهم، وأنه إذا دار الأمر بين أمرين حسنين فإنه يأمر بإيثار أحسنهما إن لم يمكن الجمع بينهما. والقول الحسن داعٍ لكل خلق جميل وعمل صالح؛ فإن من ملك لسانه ملك جميع أمره"[2]. فما أروع الطبيب الحاذق! فإنه يقع على مواطن الألم والوجع، وأحيانًا يصل به الأمر إلى تدخُّل جراحي أو بَتْر عضو من أعضائه؛ حفاظًا على بقية البدن. وكذا النقد للأخطاء وإنكار المنكرات، وبيان فساد آراء المفسدين؛ تحذيرًا لبقية المجتمع من هؤلاء وأفكارهم بأسلوب حسن وعبارة لطيفة. عليك أن توصل ما تريد بألطف عبارة ليكون لها أثرها على من تحتسب عليه أو تأمره بالمعروف ما دام غرضك من نهيك عن المنكر ترك المنكرات، بخلاف قول القائل: لا تكن كالذباب لا يقع إلا على القاذورات. أهذا يقال لمن يريد طهارة المجتمع وإزالة الباطل؟! فإن وقع الطبيب على الموضع السليم يريد علاج المريض وقام ببَتْره، أو قام بعملية جراحية لمريض لغير المرض الذي فيه، فهذا دليل على فشله، والدليل على نجاحه وتمكُّنه من مهنته، فإنه يقع على موطن الألم ولو وصل به الأمر إلى بَتْر عضو من أعضاء المريض، ويكون قصده في ذلك إنقاذ المريض والمحافظة على بقية الجسد. والذباب يقع على القاذورات والنتن متلذذًا بها، آخذًا جزءًا منها. فإن وقع على شيء طيب فإنه ينقل إليه الخبث والمرض، فهذه العبارة ليست على إطلاقها، ففهم ذلك. فتشبيه من يقوم بالنهي عن المنكر والأمر بالمعروف بالذباب تشبيه خاطئ، ولا يصح إطلاقًا، والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر فيه شبه بالطبيب، الطبيب يقوم بمعالجة الأجساد من الأمراض، والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر يقوم بمعالجة المجتمعات من المنكرات والفساد، والأفكار المنحرفة، والأمر بالمعروف. فاللهم وفق وأعن كل آمر بالمعروف ناهٍ عن المنكر وأعِنْه وسَدِّدْه وارزقه الأسلوب الحسن في الدعوة إليك يا رب العالمين، اللهم ووفق كل صاحب منكر للإقلاع عنه ويسِّر له التوبة منه. اللهم طهِّر قلوبنا من كل خُلق لا يرضيك، وطهرها من الغل والحقد والحسد والكبر، اللهم حبِّب إلينا الإيمان وزيِّنه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا يا ربنا من الراشدين. اللهم إنا نسألك الإخلاص في القول والعمل، وجنِّبنا يا ربنا الزلل في القول والعمل، ووفقنا لكل خير يا أكرم الأكرمين. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. [1] تفسير السعدي (تيسير الكريم الرحمن) (ص: 57-58). [2] تفسير السعدي (ص: 460).
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |