المبسوط فى الفقه الحنفى محمد بن أحمد السرخسي - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         في آخر الزمان تصبح السنة بدعة والبدعة سنة (اخر مشاركة : عبد العليم عثماني - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4961 - عددالزوار : 2066817 )           »          شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 606 - عددالزوار : 339508 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4537 - عددالزوار : 1335741 )           »          فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 379 - عددالزوار : 156416 )           »          {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ}ا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 394 - عددالزوار : 92466 )           »          السَّدَاد فيما اتفقا عليه البخاري ومسلم في المتن والإسناد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 64 - عددالزوار : 14123 )           »          الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-(سؤال وجواب) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 68 - عددالزوار : 53346 )           »          شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 84 - عددالزوار : 47003 )           »          درر وفوائـد من كــلام السلف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 15457 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 12-02-2025, 05:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,002
الدولة : Egypt
افتراضي المبسوط فى الفقه الحنفى محمد بن أحمد السرخسي


الكتاب: المبسوط فى الفقه الحنفى
المؤلف: محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي
(ت ٤٨٣ هـ)
عدد الأجزاء: ٣١ (الأخير فهارس)
المجلد الاول
صـــ 2 الى صـــ 10


ينكر هذا، ويقول لا يجوز أن يكون شيء من حكم الشرع مشكوكا فيه، ولكن يحتاط فيه فلا يجوز أن يتوضأ به حالة الاختيار، وإذا لم يجد غيره يجمع بينه، وبين التيمم احتياطا فبأيهما بدأ أجزأه إلا على قول زفر فإنه يقول يبدأ بالوضوء فلا يعتبر تيممه مادام معه ماء هو مأمور بالتوضؤ به، ولكن نقول الاحتياط في الجمع بينهما لا في الترتيب فإن كان طاهرا فقد توضأ به قدم، أو أخر، وإن كان نجسا ففرضه التيمم، وقد أتى به، ولا يقال في هذا ترك الاحتياط من وجه؛ لأنه إن كان نجسا تتنجس به أعضاؤه، وهذا؛ لأن معنى الشك في طهارته لا في كونه طاهرا؛ لأن الحدث يقين فأما العضو، والثوب فطاهر بيقين فلا يتنجس بالشك، والحدث موجود بيقين فالشك وقع في طهارته، واليقين لا يزال بالشك، وهو الصحيح من المذهب.
وذكر أبو يوسف في الإملاء عن أبي حنيفة - رضي الله تعالى عنه - في لعاب الحمار إذا أصاب الثوب تجوز الصلاة فيه ما لم يفحش، وقال أبو يوسف - رحمه الله تعالى - أجزأه، وإن فحش، وقال محمد - رحمه الله تعالى - لو غمس فيه الثوب تجوز الصلاة في ذلك الثوب، وجميع ما بينا في الحمار كذلك في البغل فإن والده غير مأكول اللحم، والصحيح في عرقهما أنه طاهر، وأشار في بعض النسخ إلى جواز الصلاة فيه ما لم يفحش، والأصح هو الأول «فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يركب حمارا معروريا»، والحر حر تهامة، ولا بد أن يعرق الحمار، ولأن معنى البلوى في عرقه ظاهر لمن يركبه.
فأما سؤر الفرس طاهر في ظاهر الرواية، وروى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - أنه مكروه كلحمه وجه ظاهر الرواية، وهو أن السؤر لمعنى البلوى أخف حكما من اللحم كما في الحمار، والبغل، والكراهة التي في اللحم تنعدم في السؤر ليظهر به خفة الحكم.
فأما سؤر حشرات البيت كالفأرة، والحية، ونحوهما في القياس فنجس؛ لأنها تشرب بلسانها، ولسانها رطب من لعابها، ولعابها يتحلب من لحمها، ولحمها حرام، ولكنه استحسن فقال طاهر مكروه؛ لأن البلوى التي، وقعت الإشارة إليها في الهرة موجودة هنا فإنها تسكن البيوت، ولا يمكن صون الأواني عنها.
وأما سؤر سباع الطير كالبازي، والصقر، والشاهين، والعقاب، وما لا يؤكل لحمه من الطير في القياس نجس؛ لأن ما لا يؤكل لحمه من سباع الطير معتبر بما لا يؤكل لحمه من سباع الوحش، ولكنا استحسنا فقلنا بأنه طاهر مكروه؛ لأنها تشرب بمنقارها، ومنقارها عظم جاف بخلاف سباع الوحش فإنها تشرب بلسانها، ولسانها رطب بلعابها، ولأن في سؤر سباع الطير
في الدين» وقال - عليه الصلاة والسلام: «خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا» ولهذا اشتغل به أعلام الصحابة والتابعين - رضوان الله عليهم -.
(وأول) من فرع فيه وألف وصنف سراج الأمة أبو حنيفة - رحمة الله عليه - بتوفيق من الله - عز وجل - خصه به، واتفاق من أصحاب اجتمعوا له كأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم بن خنيس الأنصاري - رحمه الله تعالى - المقدم في علم الأخبار، والحسن بن زيادة اللؤلؤي المقدم في السؤال والتفريع، وزفر بن الهذيل - رحمه الله - بن قيس بن مكمل بن ذهل بن ذؤيب بن جذيمة بن عمرو المقدم في القياس، ومحمد بن الحسن الشيباني - رحمه الله تعالى - المقدم في الفطنة وعلم الإعراب والنحو والحساب. هذا مع أنه ولد في عهد الصحابة - رضوان الله عليهم - ولقي منهم جماعة كأنس بن مالك وعامر بن الطفيل وعبد الله بن خبر الزبيدي - رضوان الله عليهم أجمعين - ونشأ في زمن التابعين - رحمهم الله - وتفقه وأفتى معهم وقد قال النبي - عليه الصلاة والسلام: «خير القرون قرني الذين أنا فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يفشو الكذب حتى يشهد الرجل قبل أن يستشهد ويحلف قبل أن يستحلف». فمن فرع ودون العلم في زمن شهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأهله بالخير والصدق كان مصيبا مقدما، كيف وقد أقر له الخصوم بذلك؟ حتى قال الشافعي - رضي الله عنه: "الناس كلهم عيال على أبي حنيفة - رحمه الله - في الفقه" .
(وبلغ) ابن سريج - رحمه الله - وكان مقدما من أصحاب الشافعي - رحمه الله - أن رجلا يقع في أبي حنيفة - رحمه الله - فدعاه وقال: يا هذا أتقع في رجل سلم له جميع الأمة ثلاثة أرباع العلم وهو لا يسلم لهم الربع. قال: وكيف ذلك؟ قال: الفقه سؤال وجواب وهو الذي تفرد بوضع الأسئلة فسلم له نصف العلم ثم أجاب عن الكل، وخصومه لا يقولون إنه أخطأ في الكل فإذا جعلت ما وافقوه مقابلا بما خالفوه فيه سلم له ثلاثة أرباع العلم وبقي الربع بينه وبين سائر الناس. فتاب الرجل عن مقالته.
(ومن) فرغ نفسه لتصنيف ما فرعه أبو حنيفة - رحمه الله - محمد بن الحسن الشيباني - رحمه الله - فإنه جمع المبسوط لترغيب المتعلمين والتيسير عليهم ببسط الألفاظ وتكرار المسائل في الكتب ليحفظوها شاءوا أو أبوا إلى أن رأى الحاكم الشهيد أبو الفضل محمد بن أحمد المروزي - رحمه الله - إعراضا من بعض المتعلمين عن قراءة المبسوط لبسط في الألفاظ وتكرار في المسائل فرأى الصواب في تأليف المختصر بذكر معاني كتب محمد بن الحسن - رحمه الله - المبسوطة فيه وحذف المكرر من مسائله ترغيبا للمقتبسين ونعم ما صنع.

قال الشيخ الإمام) - رحمه الله تعالى - ثم إني رأيت في زماني بعض الإعراض عن الفقه من الطالبين لأسباب: فمنها قصور الهمم لبعضهم حتى اكتفوا بالخلافيات من المسائل الطوال، ومنها ترك النصيحة من بعض المدرسين بالتطويل عليهم بالنكات الطردية التي لا فقه تحتها، ومنها تطويل بعض المتكلمين بذكر ألفاظ الفلاسفة في شرح معاني الفقه وخلط حدود كلامهم بها. (فرأيت) الصواب في تأليف شرح المختصر لا أزيد على المعنى المؤثر في بيان كل مسألة اكتفاء بما هو المعتمد في كل باب، وقد انضم إلى ذلك سؤال بعض الخواص من زمن حبسي، حين ساعدوني لأنسي، أن أملي عليهم ذلك فأجبتهم إليه. (وأسأل) الله - تعالى - التوفيق للصواب، والعصمة عن الخطأ وما يوجب العقاب، وأن يجعل ما نويت فيما أمليت سببا لخلاصي في الدنيا ونجاتي في الآخرة إنه قريب مجيب.
[كتاب الصلاة]
ثم إنه بدأ بكتاب الصلاة؛ لأن الصلاة من أقوى الأركان بعد الإيمان بالله - تعالى - قال الله تعالى: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة} [التوبة: 5] وقال - عليه الصلاة والسلام: «الصلاة عماد الدين» فمن أراد نصب خيمة بدأ بنصب العماد، والصلاة من أعلى معالم الدين ما خلت عنها شريعة المرسلين - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين -
وقد سمعت شيخنا الإمام الأستاذ شمس الأئمة الحلواني - رحمه الله تعالى - يقول في تأويل قوله تعالى: {وأقم الصلاة لذكري} [طه: 14] أي لأني ذكرتها في كل كتاب منزل على لسان كل نبي مرسل وفي قوله - عز وجل: {ما سلككم في سقر} [المدثر: 42] {قالوا لم نك من المصلين} [المدثر: 43] ما يدل على وكادتها، فحين وقعت بها البداية، دل على أنها في القوة بأعلى النهاية، وفي اسم الصلاة ما يدل على أنها ثانية الإيمان فالمصلي في اللغة هو التالي للسابق في الخيل قال القائل
ولا بد لي من أن أكون مصليا ... إذا كنت أرضى أن يكون لك السبق
وفي رواية
أما كنت ترضى أن أكون مصليا
والصلاة في اللغة عبارة عن الدعاء والثناء قال الله - تعالى: {وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم} [التوبة: 103] أي دعاءك، وقال القائل:
وقابلها الريح في دنها ... وصلى على دنها وارتسم
أي دعا وأثنى على دنها وفي الشريعة عبارة عن أركان مخصوصة كان فيها الدعاء أو لم يكن
فالاسم شرعي ليس فيه معنى اللغة، فالدلائل من الكتاب والسنة على فرضيتها مشهورة يكثر تعدادها.
[كيفية الوضوء]
(ثم بدأ بتعليم الوضوء) فقال: (إذا أراد الرجل الصلاة فليتوضأ) وهذا؛ لأن الوضوء مفتاح الصلاة قال - صلى الله عليه وسلم: «مفتاح الصلاة الطهور»، ومن أراد دخول بيت مغلق بدأ بطلب المفتاح، وإنما فعل محمد - رحمه الله - ذلك اقتداء بكتاب الله - تعالى - فإنه إمام المتقين قال الله تعالى: {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم} [المائدة: 6] فاقتدى بالكتاب في البداية بالوضوء لهذا، وفي ترك الاستثناء هاهنا وذكره في الحج كما قال الله - تعالى: {لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين} [الفتح: 27] ، وفي إضمار الحدث، فإنه مضمر في الكتاب ومعنى قوله: {إذا قمتم إلى الصلاة} [المائدة: 6] من منامكم أو وأنتم محدثون هذا هو المذهب عند جمهور الفقهاء - رحمهم الله -، فأما على قول أصحاب الظواهر فلا إضمار في الآية.
والوضوء فرض سببه القيام إلى الصلاة فكل من قام إليها فعليه أن يتوضأ وهذا فاسد لما روي: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتوضأ لكل صلاة فلما كان يوم الفتح أو يوم الخندق صلى الخمس بوضوء واحد فقال له عمر - رضي الله عنه - رأيتك اليوم تفعل شيئا لم تكن تفعله من قبل. فقال: عمدا فعلت يا عمر كي لا تحرجوا» فقياس مذهبهم يوجب أن من جلس فتوضأ ثم قام إلى الصلاة يلزمه وضوء آخر، فلا يزال كذلك مشغولا بالوضوء لا يتفرغ للصلاة، وفساد هذا لا يخفى على أحد.
قال (وكيفية الوضوء أن يبدأ فيغسل يديه ثلاثا) لما روي عن النبي - عليه الصلاة والسلام - أنه قال: «إذا استيقظ أحدكم من منامه، فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا، فإنه لا يدري أين باتت يده» ولأنه إنما يطهر أعضاءه بيديه، فلا بد من أن يطهرهما أولا بالغسل حتى يحصل بهما التطهير، ثم الوضوء على الوجه الذي ذكره محمد - رحمة الله عليه - في الكتاب رواه حمران عن أبان عن عثمان - رضي الله عنه - أنه توضأ بالمقاعد، ثم قال من سره أن ينظر إلى وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهذا وضوءه، وذكر أهل الحديث أنه مسح برأسه وأذنيه ثلاثا (قال) أبو داود في سننه والصحيح من حديث عثمان - رضي الله تعالى عنه - أنه مسح برأسه وأذنيه مرة واحدة وعلم أبو بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه - الناس الوضوء على منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهذه الصفة ورواه عبد خير عن علي - رضي الله عنه - أنه توضأ في رحبة الكوفة بعد صلاة الفجر بهذه الصفة، ثم قال: من سره أن ينظر إلى وضوء
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلينظر إلى وضوئي هذا.
واختلفت الروايات في حديثه في المسح بالرأس فروي ثلاثا وروي مرة فبهذه الآثار أخذ علماؤنا - رحمهم الله -.
وقالوا الأفضل أن يتمضمض ثلاثا، ثم يستنشق ثلاثا، (وقال) الشافعي - رضي الله عنه: الأفضل أن يتمضمض ويستنشق بكف ماء واحد لما روي: «عن النبي - عليه الصلاة والسلام - أنه كان يتمضمض ويستنشق بكف واحد» وله تأويلان عندنا: أحدهما: أنه لم يستعن في المضمضة والاستنشاق باليدين كما فعل في غسل الوجه. والثاني: أنه فعلهما باليد اليمنى فيكون ردا على قول من يقول يستعمل في الاستنشاق اليد اليسرى؛ لأن الأنف موضع الأذى كموضع الاستنجاء.
قال: (ثم يغسل وجهه ثلاثا) وحد الوجه من قصاص الشعر إلى أسفل الذقن إلى الأذنين؛ لأن الوجه اسم لما يواجه الناظر إليه، غير أن إدخال الماء في العينين ليس بشرط؛ لأن العين شحم لا يقبل الماء، وفيه حرج أيضا فمن تكلف له من الصحابة - رضوان الله عليهم - كف بصره في آخر عمره كابن عمر وابن عباس - رضي الله عنهم -. والرجل الأمرد والملتحي والمرأة في ذلك سواء إلا في رواية أبي يوسف - رحمه الله - قال في حق الملتحي لا يلزمه إيصال الماء إلى البياض الذي بين العذار وبين شحمة الأذن هذه العبارة أصح، فإن الشيخ الإمام - رحمه الله - جعل العذار اسما لذلك البياض وليس كذلك بل العذار اسم لموضع نبات الشعر وهو غير البياض الذي بين الأذن، ومنبت الشعر، قال: لأن البشرة التي نبت عليها الشعر لا يجب إيصال الماء إليها فما هو أبعد أولى، لكن الصحيح من المذهب أنه يجب إمرار الماء على ذلك الموضع؛ لأن الموضع الذي نبت عليه الشعر قد استتر بالشعر فانتقل الفرض منه إلى ظاهر الشعر، فأما العذار الذي لم ينبت عليه الشعر فالأمرد والملتحي فيه سواء ويجب إيصال الماء إليه بصفة الغسل، وإنه لا يحصل إلا بتسييل الماء عليه، وقد روي عن أبي يوسف - رحمه الله - أن في المغسولات إذا بله بالماء سقط به الفرض وهذا فاسد؛ لأنه حد المسح، فأما الغسل فهو تسييل الماء على العين وإزالة الدرن عن العين قال القائل:
فيا حسنها إذ يغسل الدمع كحلها ... وإذ هي تذري دمعها بالأنامل.
(ثم يغسل ذراعيه ثلاثا ثلاثا)، وإنما لم يقل يديه؛ لأنه في الابتداء قد غسل يديه ثلاثا، وإنما بقي غسل الذراعين إلى المرفقين والمرفق يدخل في فرض الغسل عندنا وكذلك الكعبان وقال زفر - رحمه الله - لا يدخل؛ لأنه غاية في كتاب الله - تعالى - والغاية حد، فلا يدخل تحت
المحدود اعتبارا بالممسوحات واستدلالا بقوله - تعالى: {ثم أتموا الصيام إلى الليل} [البقرة: 187] والذي يروي «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - غسل المرافق» فمحمول على إكمال السنة دون إقامة الفرض ولنا أن من الغايات ما يدخل ويكون حرف "إلى" فيه بمعنى "مع" قال الله - تعالى: {ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم} [النساء: 2] أي مع أموالكم فكان هذا مجملا في كتاب الله بينه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بفعله:، فإنه «توضأ وأدار الماء على مرافقه» ولم ينقل عنه ترك غسل المرافق في شيء من الوضوء فلو كان ذلك جائزا لفعله مرة تعليما للجواز، ثم إن الأصل أن ذكر الغاية متى كان لمد الحكم إلى موضع الغاية لم يدخل فيه الغاية كما في الصوم، فإنه لو قال: "ثم أتموا الصيام" اقتضى صوم ساعة، ومتى كان ذكر الغاية لإخراج ما وراء الغاية يبقى موضع الغاية داخلا وها هنا ذكر الغاية لإخراج ما وراء الغاية، فإنه لو قال وأيديكم اقتضى غسل اليدين إلى الآباط كما فهمت الصحابة - رضوان الله عليهم - ذلك في آية التيمم في الابتداء فذكر الغاية لإخراج ما وراء الغاية فيبقى المرفق داخلا.
(ثم يمسح برأسه وأذنيه مرة واحدة) وتمام السنة في أن يستوعب جميع الرأس بالمسح كما رواه عبد الله بن زيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم: «مسح رأسه بيديه كلتيهما أقبل بهما وأدبر»، والبداية على ما ذكره هشام عن محمد من الهامة إلى الجبين، ثم منه إلى القفا، والذي عليه عامة العلماء - رحمهم الله - البداية من مقدم الرأس كما في المغسولات البداية من أول العضو، والمسنون في المسح مرة واحدة بماء واحد عندنا، وفي المجرد عن أبي حنيفة - رحمه الله - ثلاث مرات بماء واحد. (وقال) الشافعي - رضي الله تعالى عنه: السنة أن يمسح ثلاثا يأخذ لكل مرة ماء جديدا وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله ذكره في شرح المجرد لابن شجاع - رحمه الله - ووجهه الحديث المشهور أن النبي - صلى الله عليه وسلم: «توضأ ثلاثا ثلاثا، ثم قال هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي» فينصرف هذا اللفظ إلى الممسوح والمغسول جميعا ولأنه ركن هو أصل في الطهارة بالماء فيكون التكرار فيه مسنونا كالمغسولات بخلاف المسح بالخف، فإنه ليس بأصل وبخلاف التيمم، فإنه ليس بطهارة بالماء ويلحقه الحرج في تكرار استعمال التراب من حيث تلويث الوجه وذلك الحرج معدوم في الطهارة بالماء.
(ولنا): حديث «البراء بن عازب - رضي الله تعالى عنه - فإنه قال لأصحابه في مرضه: إني مفارقكم عن قريب، أفلا أعلمكم وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقالوا: نعم. فتوضأ ومسح برأسه وأذنيه مرة واحدة»،
وإنما كان ينقل في مثل هذه الحالة ما واظب عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم هذا ممسوح في الطهارة، فلا يكون التكرار فيه مسنونا كالمسح بالخف والتيمم، وتأثيره أن الاستيعاب في الممسوح بالماء ليس بفرض حتى يجوز الاكتفاء بمسح بعض الرأس، وبالمرة الواحدة مع الاستيعاب يحصل إقامة السنة والفريضة، فلا حاجة إلى التكرار بخلاف المغسولات، فإن الاستيعاب فيها فرض، فلا بد من التكرار ليحصل به إقامة السنة، ومعنى الحرج متحقق هاهنا، ففي تكرار بل الرأس بالماء إفساد العمامة ولهذا اكتفى في الرأس بالمسح عن الغسل. ووجه رواية المجرد حديث الربيع بنت معوذ ابن عفراء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - «توضأ ومسح برأسه وأذنيه ثلاث مرات بماء واحد»، والكلام في مسح الأذنين مع الرأس يأتي بيانه في موضعه من الكتاب.
قال (ثم يغسل رجليه إلى الكعبين ثلاثا ثلاثا) ومن الناس من قال وظيفة الطهارة في الرجل المسح وقال الحسن البصري - رحمه الله - المضرور يتخير بين المسح والغسل وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال نزل القرآن بغسلين ومسحين يريد به القراءة بالكسر في قوله تعالى: {وأرجلكم إلى الكعبين} [المائدة: 6] ، فإنه معطوف على الرأس وكذلك القراءة بالنصب عطف على الرأس من حيث المحل، فإن الرأس محله من الإعراب النصب، وإنما صار محفوظا بدخول حرف الجر وهو كقول القائل:
معاوي إننا بشر فأسجح ... فلسنا بالجبال ولا الحديدا
(ولنا): «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - واظب على غسل الرجلين» وبه أمر من علمه الوضوء «ورأى رجلا يلوح عقبه فقال: ويل للأعقاب من النار»، وفي رواية «ويل للعراقيب من النار»، وكذلك القراءة بالنصب تنصيص على الأمر بالغسل وأنه عطف على اليد؛ لأن العطف على المحل لا يجوز في موضع يؤدي إلى الالتباس إنما ذلك في موضع لا يؤدي إلى الاشتباه كما في البيت. والقراءة بالخفض عطف على الأيدي أيضا، وإنما صار مخفوضا بالمجاورة كما يقال جحر ضب خرب وماء شن بارد أي خرب وبارد. (فإن قيل الاتباع بالمجاورة مع حرف العطف لم تتكلم به العرب. (قلنا) لا كذلك بل جوزوا الاتباع في الفعل مع حرف العطف قال القائل
علفتها تبنا وماء باردا
والماء لا يعلف ولكنه اتباع للمجاورة وكذلك في الإعراب قال جرير
فهل أنت إن ماتت أتانك راحل ... إلى آل بسطام بن قيس فخاطب
أي فخاطب جوز الاتباع مع حرف العطف وهو الفاء.
وأما الكعب فهو العظم الناتئ المتصل بعظم الساق وهو المفهوم في اللسان إذا قيل ضرب كعب فلان وقال - عليه الصلاة والسلام: «ألصقوا الكعاب بالكعاب في الصلاة»، وفي قوله: {إلى الكعبين} [المائدة: 6] دليل على هذا؛ لأن ما يوحد من خلق الإنسان يذكر تثنيته بعبارة الجمع كما قال - تعالى: {إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما} [التحريم: 4] أي قلباكما وما كان مثنى يذكر تثنيته بعبارة التثنية فلما قال إلى الكعبين عرفنا أنه مثنى في كل رجل، وذلك العظم الناتئ، وروى هشام عن محمد - رحمه الله - أنه قال: المفصل الذي في وسط القدم عند معقد الشراك ووجهه أن الكعب اسم للمفصل ومنه كعوب الرمح أي مفاصله والذي في وسط القدم مفصل وهو المتيقن به وهذا سهو من هشام لم يرد محمد - رحمه الله تعالى - تفسير الكعب بهذا في الطهارة، وإنما أراد في المحرم إذا لم يجد نعلين أنه يقطع خفيه أسفل من الكعبين وفسر الكعب بهذا، فأما في الطهارة، فلا شك أنه العظم الناتئ كما فسره في الزيادات فإن توضأ مثنى مثنى أجزأه وإن توضأ مرة سابغة أجزأه وتفسير السبوغ التمام وهو أن يمر الماء على كل جزء من المغسولات جاء في حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم: «توضأ مرة مرة»، والأصل فيه ما رواه ابن عمر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم: «توضأ فغسل وجهه ثلاثا وذراعيه مرتين. وعبد الله بن عمر كان كثيرا ما يتوضأ مرة مرة. وقال هذا وضوء لا يقبل الله - تعالى - الصلاة إلا به، ثم توضأ مرتين مرتين وقال هذا وضوء من يضاعف الله له الأجر مرتين، ثم توضأ ثلاثا ثلاثا وقال هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي ووضوء خليل الله إبراهيم - عليه السلام - فمن زاد أو نقص فقد تعدى وظلم»، أي زاد على أعضاء الوضوء أو نقص عنها أو زاد على الحد المحدود أو نقص عنه أو زاد على الثلاث معتقدا أن كمال السنة لا يحصل بالثلاث، فأما إذا زاد لطمأنينة القلب عند الشك أو بنية وضوء آخر، فلا بأس به؛ لأن الوضوء على الوضوء نور على نور يوم القيامة، وقد أمر بترك ما يريبه إلى ما لا يريبه، ولم يذكر الاستنجاء بالماء هنا؛ لأن مقصوده تعليم الوضوء عند القيام من المنام وليس فيه استنجاء، ولأن الاستنجاء بالماء بعد الإنقاء بالحجر ليس من السنن الراتبة وكان الحسن البصري - رحمه الله - يقول: إن هذا شيء أحدث بعد انقضاء عصر الصحابة - رضوان الله عليهم -، وربما قال هو طهور النساء والمذهب أنه ليس من السنن الراتبة بل لاكتساب زيادة الفضيلة. جاء في
الحديث أنه لما نزل قوله تعالى: {فيه رجال يحبون أن يتطهروا} [التوبة: 108] «قال - عليه الصلاة والسلام: لأهل قباء ما هذه الطهرة التي خصصتم بها فقالوا إنا كنا نتبع الأحجار الماء فقال هو ذاك»، ولم يذكر فيه مسح الرقبة، وبعض مشايخنا يقول إنه ليس من أعمال الوضوء والأصح أنه مستحسن في الوضوء قال ابن عمر - رضي الله عنهما - امسحوا رقابكم قبل أن تغل بالنار ولم يذكر تحريك الخاتم ولا نزعه وذكر أبو سليمان عن محمد - رحمه الله - أن نزع الخاتم في الوضوء ليس بشيء والحاصل أنه إن كان واسعا يدخله الماء، فلا حاجة إلى النزع والتحريك، وإن كان ضيقا لا يدخل الماء تحته، فلا بد من تحريكه، وفي التيمم لا بد من نزعه ولو لم يفعل لا تجزئه صلاته.
ثم سنن الوضوء وآدابه فرقها محمد - رحمه الله تعالى - في الكتاب فنذكر كل فصل في موضعه - إن شاء الله تعالى - تحرزا عن التطويل
[كيفية الدخول في الصلاة]
قال (إذا أراد الرجل الدخول في الصلاة كبر ورفع يديه حذاء أذنيه) وظن بعض أصحابنا - رحمهم الله - أنه لم يذكر النية وليس كما ظنوا، فإن إرادة الدخول في الصلاة هي النية والنية لا بد منها لقوله - عليه الصلاة والسلام: «إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أعمالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم»، وقال - عليه الصلاة والسلام: «الأعمال بالنيات»، والنية معرفة بالقلب أي صلاة يصلي وحكي عن الشافعي - رحمه الله - أنه قال مع هذا: في الفرائض يحتاج إلى نية الفرض. وهذا بعيد، فإنه إذا نوى الظهر فقد نوى الفرض، فالظهر لا يكون إلا فرضا، فإن كان منفردا أو إماما فحاجته إلى نية ماهية الصلاة، وإن كان مقتديا احتاج مع ذلك إلى نية الاقتداء، وإن نوى صلاة الإمام جاز عنهما.
وفي رواية الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله يحتاج إلى نية الكعبة أيضا، والصحيح أن استقباله إلى جهة الكعبة يغنيه عن نيتها، والأفضل أن تكون نيته مقارنة للتكبير، فإن نوى قبله حين توضأ ولم يشتغل بعده بعمل يقطع نيته جاز عندنا وهو محفوظ عن أبي يوسف ومحمد جميعا ولا يجوز عند الشافعي - رحمه الله - قال: الحاجة إلى النية ليكون عمله عن عزيمة وإخلاص وذلك عند الشروع فيها. ونحن هكذا نقول ولكن يجوز تقديم النية ويجعل ما قدم من النية إذا لم يقطعه بعمل كالقائم عند الشروع حكما كما في الصوم، وكان محمد بن سليمان البلخي يقول: إذا كان عند الشروع بحيث لو سئل: أي صلاة يصلي؟ أمكنه أن يجيب على البديهة من غير تفكر فهو نية كاملة تامة، والتكلم بالنية لا معتبر به، فإن




الاربعاء الموافق 13/شعبان/1446هـــ




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 28-07-2025 الساعة 10:06 PM.
رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 571.10 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 569.39 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (0.30%)]