مكانة الإمام البغوي من الاجتهاد . - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         السَّدَاد فيما اتفقا عليه البخاري ومسلم في المتن والإسناد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 64 - عددالزوار : 14107 )           »          الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-(سؤال وجواب) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 68 - عددالزوار : 53228 )           »          شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 84 - عددالزوار : 46871 )           »          درر وفوائـد من كــلام السلف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 15424 )           »          الثقافة والإعلام والدعوة في مواجهة الغزو الفكري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 18 )           »          أساليب نشر العلمانية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          سلوكيات غير صحيحة سائدة في حياتنا الأسرية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 5 - عددالزوار : 3620 )           »          الصوابية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          القوامة الزوجية.. أسبابها، ضوابطها، مقتضاها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 38 )           »          القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 28 - عددالزوار : 11313 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 02-10-2024, 12:38 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,980
الدولة : Egypt
افتراضي مكانة الإمام البغوي من الاجتهاد .

مكانة الإمام البغوي من الاجتهاد .

هشام السيد عطية


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، التعريف بالإمام البغوي - رحمه الله تعالى - سأبدأ بالتعريف القصير بالإمام ، ثم أتبعه ببيان مكانته من الاجتهاد فأقول :
أولا : التعريف بالإمام :
اسمه وكنيته :
هو أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي([1]).
لقبه : لقد برع الإمام البغوي في علوم كثيرة وتفوق فيها؛ فقد كان فقيها مفسرا محدثا ؛ ولذلك فقد لقب بألقاب كثيرة تدل على نبوغه العلمي منها : شيخ الإسلام([2])، ومحيي السنة([3]) ، وركن الدين([4])، وظهير الدين([5]) . نسبته : الذين ترجموا للإمام البغوي – رحمه الله – ذكروا له نسبتين :
النسبة الأولي : البغوي : نسبة إلى موطن ولادته بلدة " بَغ"، ويطلق عليها أيضا (بَغْشُور)([6]) .
النسبة الثانية : الفَرَّاء : نسبة إلى عمل والده ؛ حيث كان يشتغل بالفراء يخيطه ويبيعه ، فيترجم للبغوي تارة بالفَرَّاء ، وتارة بابن الفَرَّاء([7]) .
مولده : ويشتمل على ذكر المكان ، والزمان : أما مكان الميلاد : فقد ولد الإمام البغوي في بلدة صغيرة تقع بين مرو([8]) وهراة([9]) ، من إقليم خراسان([10]) ، يقال لها "بغ" أو "بغشور" ([11]).
وأما عن سنة الميلاد : فأكثر من ترجم للإمام البغوي – رحمه الله - لم يذكر سنة ميلاده ، وقد ذكرها اثنان وهما : ياقوت الحموي ، والزركلي ، واختلفا فيها : فقد ذكر ياقوت : أن البغوي ولد في جمادي الأولي سنة (433هـ)([12]) ، وذكر الزركلي : أنه ولد سنة (436هـ /1044م)([13]) .
ولعل الراحج هو قول ياقوت ؛ لأن أكثر من ترجم للإمام البغوي قديما ذكروا أن عمره عند وفاته – سنة 516هـ - تجاوز الثمانين([14]) ، ولا يكون هذا إلا إذا مولده سنة 433هـ ، والله أعلم بالصواب .
نشأته العلمية :
لم تذكر كتب التراجم عن أسرة الإمام البغوي سوي والده الذي كان يصنع الفراء([15]) ويبيعها([16])،وأخيه أبي علي الحسن بن مسعود بن الفراء الذي رباه البغوي وعلمه([17])، وزوجته ([18]) ، وعلى هذا لم تتضح معالم حياة الإمام المبكرة ، ولكن قد اهتم الشيخ بالعلم وتحصيله والرحلة فيه إلى البلاد ، فقد رحل إلى مرو الروذ([19]) وتفقه على علمائها ومنهم القاضي حسين ، وكان ذلك قبل سنة 460هـ ، وبلغ في الفقه مبلغا استحق به أن يكون من أخص تلامذة القاضي حسين([20]) ، وسمع الحديث من علماء كثيرين ، وكان سماعه بعد سنة460 هـ([21]) ، وبرع فيه حتى استحق لقب محيي السنة ، وروي عنه خلق كثير([22]) ، ولم يقدر الله للإمام دخول بغداد ، ولو دخلها لاتسعت ترجمته([23]) ، وكانت للإمام مصنفات كثيرة بورك له فيها ، ورُزِق فيها القبول ؛ لحسن قصده وصدق نيته ، وكان قانعا باليسير ، مقتصدا في لباسه ([24]) ، رحمه الله تعالى ونفعنا بعلمه.
وفاته : اتفق كل من ترجم للإمام البغوي على أنه توفي بمدينة مرو الروذ([25]) ، ودفن مع شيخه القاضي حسين([26]) . واختلفوا في سنة وفاته : فأكثرهم على أنه توفي في شوال516هـ([27])، وقيل : توفي سنة 510 هـ([28]).
ولعل الراحج هو أنه توفي عام 516 هـ ؛ لأنه قول جمهور من ترجم له ، والله أعلم .
ومن مصنفاته : التهذيب في الفقه الشافعي ، ومعالم التنزيل في التفسير ، شرح السنة في الحديث ، وغيرها الكثير .
===============
[1])) وفيات الأعيان و أنباء أبناء الزمان ، لأبي العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان (ت: 681هـ) ،( 2 /136) ، طبعة : دار الثقافة - لبنان، تحقيق: إحسان عباس . سير أعلام النبلاء لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي(ت: 748 هـ) ، (19/439) ، الطبعة : التاسعة ، مؤسسة الرسالة - بيروت - 1413 هـ ، تحقيق : شعيب الأرناؤوط , محمد نعيم العرقسوسي ، تذكرة الحفاظ لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي (ت: 748 هـ ) ، (4/1257) ، الطبعة : الأولى ، دار الكتب العلمية - بيروت ، طبقات الشافعية ، لأبي بكر بن أحمد بن محمد بن عمر بن قاضي شهبة (ت: 851 هـ ) ، (1/281) ، الطبعة : الأولى ، دار عالم الكتب - بيروت - 1407 هـ ، تحقيق : د. الحافظ عبد العليم خان . طبقات الشافعية الكبرى ، لتاج الدين أبي نصر عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي ، (ت : 771هـ ) ،(7/75) ، الطبعة : الثانية ، دارهجر للطباعة والنشر والتوزيع - 1413هـ ، تحقيق : د. محمود محمد الطناحي د.عبد الفتاح محمد الحلو . طبقات الفقهاء الشافعيين للحافظ : ابن كثير الدمشقي (ت : 774هـ) ، (2/109) ،الطبعة : الأولي ، دار : الوفاء – مصر ، 1425هـ ،2004م . طبقات المفسرين ، للإمام : جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت:911 هـ )، (1/49) ، الطبعة : الأولى ، مكتبة وهبة - القاهرة - 1396 هـ ، تحقيق : علي محمد عمر .
([2]) لقبه بهذا اللقب الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء (19/439) .
([3]) لقبه بهذا اللقب الأئمة الذهبي ، وتاج الدين السبكي ، وابن قاضي شهبة . ينظر : سير أعلام النبلاء(19/440) ، طبقات الشافعية الكبرى لتاج الدين السبكي (7/75) ، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1/281) .
([4])لقبه بهذا اللقب الإمام الذهبي ، والإمام تاج الدين السبكي . ينظر : سير أعلام النبلاء(19/440) ، طبقات الشافعية الكبرى لتاج الدين السبكي (7/75) .
[5])) لقبه بهذا اللقب ابن خلكان في وفيات الأعيان( 2 /136) .
[6])) "بغ" أو "بغشور" هي : بلدة من بلاد خراسان بين مرو وهراة ، نسب إليها جماعة من العلماء منهم الإمام البغوي ، هكذا وصفها العلماء قديما ، وهي الآن : تقع في دولة تركمانستان - وهي دولة بجوار دولة أفغانستان - وليست في إيران كما ذكر بعض الباحثين بناء على أن خراسان في إيران ؛ لأن إقليم خراسان في الوقت الحاضر- الذي هو في إيران- يضم منطقة أصغر بكثير من تلك التي كان يضمها الإقليم المعروف باسم خراسان في العصور الإسلامية ؛ لأن خراسان قديما كانت تضم أربع أقاليم : نيسابور ، ومرو ، وهراة ، وبلخ ، وموقع مرو الآن – التي كانت تتبعها بغشور- في دولة تركمانستان ، وقد قال كي لسترنج بعد وصف بغشور قديما : " وأما أطلال مدينة بغشور فالظاهر أنها المعروفة الآن بقلعة مرو" . ينظر : الأنساب لأبي سعيد عبد الكريم بن محمد بن منصور التميمي السمعاني ، (ت: 562هـ) ، (1/374) ، الطبعة : الأولى ، دار الفكر - بيروت - 1998م ، تحقيق : عبد الله عمر البارودي . معجم البلدان ، لأبي عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي ، (ت: 626 هـ) ،(1/468) ، طبعة : دار الفكر - بيروت . بلدان الخلافة الشرقية ، تأليف : كي لسترنج ، تعريب : بشير فرنسيس ، و كركيس عواد ، (صـ423 ، 424 ، 455) ، الطبعة : الثانية ، مؤسسة الرسالة ، بيروت – لبنان ، 1405هـ ، 1985م .
[7])) الأنساب للسمعاني (4/351) ، وفيات الأعيان( 2 /137) ، سير أعلام النبلاء(19/441) ، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1/281) .
[8])) مرو : هي مَرْوَ الرُّوذ - بفتح الميم وسكون الراء المهملة وفتح الواو وتشديد الراء المهملة المضمومة وبعد الواو ذال معجمة – أو " مرو الصغري " وهي إحدى مدن خراسان وأشهرها ، وهي مبنية على نهر – والنهر بالفارسية يسمي الروذ - وإليه أضيفت ، تمييزا لها عن مرو العظمي التي تسمي " مرو الشاهجان" ، والنسبة إلى مرو الأولي تكون : مَرْوَرُوذي أو مَرُّوذي ، والنسبة إلى مرو الثانية تكون : مروزي ، وهي الآن في تركمانستان . ينظر : معجم البلدان (5/112) ، وفيات الأعيان (1/27 ، 69) ، بلدان الخلافة الشرقية لكي لسترنج صـ439 ،440 .
[9])) هراة : هي مدينة عظيمة مشهورة من مدن خراسان القديمة ، وإليها نسب كثير من الأئمة والعلماء ، وهي الآن في دولة أفغانستان . ينظر : معجم البلدان (5/396) ، بلدان الخلافة الشرقية لكي لسترنج صـ449.
[10])) خراسان : قديما غير هي حديثا ، فقديما كانت بلاد واسعة أول حدودها مما يلي العراق ، وأخر حدودها الهند ، وكانت تضم أربع أقاليم : نيسابور ، ومرو ، وهراة ، وبلخ ، أي أنها كان تشمل الآن دولة إيران ودولة أفغانستان ودولة تركمناستان ، وأما حديثا فهي جزء من دولة إيران . ينظر : معجم البلدان (2/350 -354) ، بلدان الخلافة الشرقية لكي لسترنج صـ423 ، أطلس تاريخ الإسلام للدكتور : حسين مؤنس ، صـ49 ، الطبعة : الأولي ، دار : الزهراء للإعلام العربي ، 1407هـ ، 1987م .
[11])) معجم البلدان (1/467) ، طبقات الشافعية الكبري (7/77) ، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1/281) .
([12]) معجم البلدان (1/467) .
[13])) الأعلام لخير الدين الزركلي(2/259) ، الطبعة : السابعة ، دار : العلم للملايين ، بيروت – لبنان ، 1986هـ .
[14])) كالإمام الذهبي والإمام تاج الدين السبكي والإمام ابن قاضي شهبة والإمام السيوطي . ينظر : سير أعلام النبلاء(19/441) ، طبقات الشافعية الكبري لابن السبكي (7/77) ، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1/281) ، طبقات المفسرين للسيوطي (1/ 49) .
[15])) الفراء : جمع فرو ، وهو جلد الحيوان وكان يدبغ ويخاط ويلبس اتقاء للبرد . ينظر : مختار الصحاح (1/210) ، تاج العروس (39/ 225) ، مادة : ( فرو ) .
[16])) وفيات الأعيان( 2 /137) ، سير أعلام النبلاء(19/441) ، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1/281) .
[17])) وكان رحمه الله مصيبا في الفتوي ، ولد سنة 458هـ ، وتوفي سنة 529هـ بمرو الروذ . ينظر: طبقات الشافعية الكبري لابن السبكي (7/76)، طبقات الفقهاء الشافعيين لابن كثير (2/122) .
[18])) وفيات الأعيان( 2 /137) .
[19])) سبق التعريف بها في صــ10 .
[20])) سير أعلام النبلاء(19/440) ، طبقات الشافعية الكبري لابن السبكي (7/75 ، 76) .
[21])) سير أعلام النبلاء(19/440) ، تذكرة الحفاظ للذهبي (4/1258) .
[22])) سير أعلام النبلاء(19/440) ، طبقات الشافعية الكبري لابن السبكي (7/76) .
[23])) طبقات الشافعية الكبري لابن السبكي (7/76) .
[24])) سير أعلام النبلاء(19/440) ، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1/281) .
([25]) سبق التعريف بها في صــ10 .
[26])) وفيات الأعيان( 2 /136) ، سير أعلام النبلاء(19/439) ، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1/281) ، طبقات الشافعية الكبري لابن السبكي (7/77) ، طبقات الفقهاء الشافعيين لابن كثير (2/109).
[27])) سير أعلام النبلاء(19/439) ، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1/281) ، طبقات الشافعية الكبري لابن السبكي (7/77) ، طبقات الفقهاء الشافعيين لابن كثير (2/109) .
[28])) وفيات الأعيان( 2 /136) ، طبقات الفقهاء الشافعيين لابن كثير (2/109) .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 02-10-2024, 12:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,980
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مكانة الإمام البغوي من الاجتهاد .

مكانة الإمام البغوي من الاجتهاد .

هشام السيد عطية

ثانيا : مكانته من الاجتهاد :
لقد بلغ الإمام البغوي في الفقه رتبة الاجتهاد([1]) ، ووصفه غير واحد بأنه مجتهد([2]) ، ولكن من أي أنواع المجتهدين([3]) ؟ فقد عده الإمام الدهلوي بأنه مجتهد منتسب بلغ رتبة الاجتهاد المطلق ، ولكن لم يُقّعد لنفسه قواعد مستقلة ، بل سلك طريق الإمام الشافعي([4]) ، وعده صاحب مراقاة المفاتيح مجتهد مذهب من أصحاب الوجوه ([5]) فيكون كشيخه القاضي حسين ، وعده باحث معاصر من مجتهدي الفتوى كالنووي والرافعي ([6]) .
وللإمام البغوي في شرح السنة كلام يحدد مكانته من الاجتهاد حيث يقول : ( وإني في أكثر ما أوردته بل في عامته متبع ، إلا القليل الذي لاح لي بنوع من الدليل ، في تأويل كلام محتمل ، أو إيضاح مشكل ، أو ترجيح قول على آخر )([7]) .
فواضح من كلام الإمام البغوي ما يأتي :
1-أنه ليس من مرتبة المجتهدين المنتسبين ؛ لأنه صرح بأنه متبع في عامة ما أورد من المسائل للإمام الشافعي ، والمجتهد المنتسب لا يكون تابعا لإمامه لا في الحكم ولا في الدليل([8]) .
2-كما أنه ليس في كلامه ما يدل على أنه من أصحاب الوجوه ، وبعد البحث في الجزء محل الدراسة وجدت له وجوها خَرَّجها لكنها قليلة بالنسبة لترجيحاته ، وأصحاب الوجوه من صفتهم كما قال تاج الدين السبكي : أن الواحد منهم لم يكن له شوق إلى الترجيح في الخلاف ، ولم يعتنوا ببيان الصحيح ، بل كانوا يشتغلون عن الترجيح بذكر المآخذ ، وفتح أبواب الاستنباط والمباحث من غير اعتناء بما هو الأرجح ، حتى وإن رجحوا في بعض المسائل ، فلم يكن الترجيح مقصودهم الأعظم ، ولا مرادهم الأهم ، فترجيحاتهم لا يكاد تبلغ العشر([9]) ، ومنهج الإمام في التهذيب على خلاف ذلك فهو كثير الترجيح ، قليل التخريج فلا يكون من أصحاب الوجوه .
3-فيبقي أن يكون الإمام البغوي من مجتهدي الفتوى كالإمام النووي والرافعي ، وهذا هو الملائم لكلامه المذكور ؛ لأنه صرح أن من عمله ترجيح قول على قول لدليل ، وهذا هو مهمة مجتهدي الفتوى .
ومخالفة الإمام البغوي مذهب الإمام الشافعي لدليل ظهر له لا يجعله مجتهدا مطلقا ؛ لأنه يجوز من مجتهد الفتوى مخالفة نص إمامه لدليل عنده ، ويفتي به ، فكم خالف الإمام النووي مذهب الشافعية ، ومع هذا فهو مجتهد فتوي([10]) .
فإذا ثبت أن الإمام البغوي مجتهد فتوى ، فما الحكم لو ترجح عنده قول أو وجه مخالف للمذهب فهل يجوز للعامي([11]) تقليده([12]) فيه؟ نعم يجوز للعامي تقليد مجتهد الفتوى – كالبغوي – فيما ترجح عنده ، بشرط أن يُبَيِّن المجتهد للعامي قائله ، حتى يقلده تقليدا صحيحا([13]) .

===========================================

[1])) الاجتهاد لغة : بذل الوسع و المجهود . واصطلاحا : استفراغ الوسع في درك الأحكام الشرعية . ينظر : مختار الصحاح ، لمحمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي ، (1/48) ، مادة : (جهد) ، طبعة : مكتبة لبنان ناشرون - بيروت ، 1415 هـ- 1995م، تحقيق : محمود خاطر، الإبهاج في شرح المنهاج على منهاج الوصول إلى علم الأصول ، لتقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي (ت : 756 هـ ) ، (3/246) ، الطبعة : الأولى ، دار الكتب العلمية - بيروت – 1404هـ ، تحقيق : جماعة من العلماء .
[2])) تذكرة الحفاظ للذهبي (4/1257) ، طبقات الحفاظ للسيوطي (1/457) .
[3])) فالمجتهدون في المذهب الشافعي وغيره على أربعة مراتب : المرتبة الأولي : المجتهد المستقل وهو : الذي يفتي في جميع أبواب الشرع بما يؤديه إليه اجتهاده ، كالأئمة الأربعة وأضرابهم . المرتبة الثانية : المجتهد المنتسب وهو : من بلغ رتبة الاجتهاد المطلق ، ولكن لم يجعل لنفسه قواعد مستقلة ؛ بل سلك طريق إمامه في الاجتهاد والفتوى ، ودعا إلى مذهبه ، ووجده أولي من غيره ، كالإمام المزني من أصحاب الشافعي . المرتبة الثالثة : مجتهد المذهب : وهو مقلد لإمامه فيما ظهر فيه نص ، لكنه يعرف قواعد إمامه ، وما بني عليه مذهبه ، فإذا وقعت حادثة لم يعرف لإمامه نصا فيها اجتهد على مذهبه ، وخَرَّجها من أقواله .

ومن وجدت فيه هذه الأوصاف كان من أصحاب الوجوه ، كالقاضي حسين من أصحاب الشافعي . المرتبة الرابعة : مجتهد الفتوى : وهو المتبحر في مذهب إمامه المتمكن من ترجيح قول على قول ، ووجه من وجوه الأصحاب على آخر ، كالإمام النووي والرافعي . ينظر : غاية الوصول شرح لب الأصول ، لأبي يحيى زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري ، (ت: 926هـ) ، ( 1/264) ، بدون طبعة ، بدون تاريخ ، الفوائد المكية فيما يحتاجه طلبة الشافعية ، للسيد علوي بن أحمد السقاف ، صــ39 ، الطبعة : الأخيرة ، مكتبة ومطبعة مصطفي البابي الحلبي وأولاده – مصر ، بدون تاريخ . أدب المفتي والمستفتي ، لأبي عمرو عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان الشهرزوري المعروف بابن الصلاح ، (ت : 643 هـ ) ، ( 94 - 99) ، الطبعة : الأولى ، مكتبة العلوم والحكم , عالم الكتب - بيروت ، 1407 هـ ، تحقيق : د. موفق عبد الله عبد القادر . شرح الكوكب المنير ، لمحمد بن أحمد بن عبد العزيز بن علي الفتوحي الحنبلي المعروف بابن النجار ،(4/467 -469) الطبعة : الثانية ، جامعة أم القرى - معهد البحوث العلمية - 1413 هـ ، تحقيق : د. محمد الزحيلي ، د. نزيه حماد ، عقد الجيد في أحكام الاجتهاد والتقليد ، لأحمد بن عبد الرحيم الدهلوي ،(ت: 1176 هـ ) ، صــ5 ، طبعة : المطبعة السلفية - القاهرة - 1385 هـ ، تحقيق : محب الدين الخطيب .
[4])) عقد الجيد في أحكام الاجتهاد والتقليد للدهلوي صــ5 .
[5])) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ، لعلي بن سلطان محمد القاري ، ( ت: 1014هـ) ، (1/53) ، الطبعة : الأولى ، دار الكتب العلمية - لبنان/ بيروت - 1422هـ - 2001م ، تحقيق : جمال عيتاني .
[6])) المعتمد عند الشافعية ، صـ90 ، رسالة ماجستير للطالب : محمد عمر أحمد الكاف ، إشراف : د/ يوسف المرعشلي ، محفوظة بكلية الشريعة – جامعة بيروت الإسلامية ، سنة الحصول : 1429 هـ /2008 م .
[7])) شرح السنة للبغوي (1/2) .
[8]))شرح الكوكب المنير (4/467) .
[9]))يراجع مختصرا مخطوط ترشيح التوشيح وترجيح التوضيح ، للإمام : تاج الدين أبي نصر عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي (ت: 771هـ ) ، لوحتين (13 ،14) ، محفوظة بمعهد المخطوطات العربية بالقاهرة ، برقم : (95) .
[10]))الفوائد المكية للسقاف صــ50 ، 53 .
[11])) العامي هو : من رضي من المعارف بالتقليدات . ينظر : معجم مقاليد العلوم لإبي الفضل عبد الرحمن جلال الدين السيوطي (ت :911 هـ ) ، صــ199 ، الطبعة :الأولي ، القاهرة – مصر ، 1424هـ - 2004م ، تحقيق : أ.د/ محمد إبراهيم عبادة .
[12])) التقليد هو: قبول قول القائل بلا حجة. ينظر:الإبهاج شرح منهاج الوصول للسبكي ( 3 / 270).
[13])) الفوائد المكية للسقاف صــ50 ، 53 .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 63.33 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 61.24 كيلو بايت... تم توفير 2.09 كيلو بايت...بمعدل (3.31%)]