|
الملتقى الطبي كل ما يتعلق بالطب المسند والتداوي بالأعشاب |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() مدة الحمل (أكثر مدة الحمل من القرآن) سيد السقا تمهيد: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقد تعبدنا الله تعالى بتتبُّع الدليل والتمسك به في كل أمور الشرع الحنيف، ولا يختلف في هذا مسلم مع أخيه، وقد تكلَّم أهل العلم في مدة الحمل وعمَّ علاجهم هذه القضية مسألتين؛ الأولى: أقل مدة الحمل، والثانية: أكثر مدة الحمل، ونظرًا لاتفاق كلمتهم في المسألة الأولى وهي أقل مدة الحمل، فلن نطيل في الحديث فيها، ونظرًا لتباين كلماتهم في بيان أكثر مدة للحمل، وتباعد ما بين الآراء وصعوبة إمكانية الجمع بينها، ستزيد مساحة علاج هذه القضية عن سابقتها، ثم نختم صفحات البحث بالترجيح والخلاصة من هذا الخلاف. وسيكون الحديث في ثلاثة مباحث: المبحث الأول: أقل مدة الحمل في الفقه والطب. في بداية الحديث نؤكد أنه لا يثبت نسب الحمل بصفة عامة إلا إذا أتى في فترة واقعة بين أقل مدة الحمل وأكثرها[1]، وتتباين الآراء في مثل هذه المسائل خاصة إذا علمنا أنه ليس هناك نص في هذه المسألة، وإنما سبيله الاجتهاد وحسب، فأقل الحيض والنفاس وأكثره، وأقل الحمل وأكثره مأخوذ من طريق الاجتهاد؛ لأن علم ذلك استأثر الله به؛ فلا يجوز أن يحكم في شيء منه إلا بقدر ما أظهره الله لنا، ووُجد ظاهرًا في النساء نادرًا أو معتادًا"[2]؛ لذا سيكون الترجيح على اعتبار ما رجحه العلماء من خلال النظر في أدلتهم على هذا التقدير والترجيح. أولًا: أقل مدة الحمل في الفقه: اتفقت كلمة الفقهاء على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر، منذ الصحابة رضي الله عنهم إلى اليوم؛ قال الإمام ابن تيمية[3]: "واستدل الصحابة على إمكان كون الولد لستة أشهر بقوله تعالى: ﴿ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ﴾ [الأحقاف: 15]، مع قوله:﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ﴾ [البقرة: 233]، فإذا كان مدة الرضاع من الثلاثين حَولَين، يكون الحمل ستة أشهر؛ فجمع في الآية أقل الحمل وتمام الرضاع"[4]. وقال الحافظ ابن كثير[5] عن استنباط علي رضي الله عنه لهذه المسألة: "وهو استنباط قوي صحيح، ووافقه عليه عثمان، وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم"[6]. وينقل الإجماع على ذلك غير واحد من أهل العلم، يقول الماوردي[7]: "فأما مدة أقل الحمل الذي يعيش بعد الولادة فستة أشهر، استنباطًا من نص، وانعقادًا من إجماع، واعتبارًا بوجود؛ أما استنباط النص فقول الله:﴿ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ﴾ [الأحقاف: 15]، فجعلها مدةً للحمل ولفصال الرضاع، ولا تخلو هذه المدة من أربعة أحوال: إما أن تكون جامعةً لأقلهما، أو لأكثرهما، أو لأكثر الحمل وأقل الرضاع، أو لأقل الحمل وأكثر الرضاع، فلم يجُز أن تكون جامعةً لأقلهما؛ لأن أقل الرضاع غير محدَّد، ولم يجز أن تكون جامعة لأكثرهما؛ لزيادتها على هذه المدة، ولم يجز أن تكون جامعة لأكثر الحمل وأقل الرضاع؛ لأن أقله غير محدَّد، فلم يبق إلا أن تكون جامعةً لأقل الحمل وأكثر الرضاع، ثم ثبت أن أكثر الرضاع حولين؛ لقول الله: ﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ﴾ [البقرة: 233]، علم أن الباقي - وهو ستة أشهر - مدة أقل الحمل"[8]. فلزم من ذلك أن أقل مدة الحمل ستة أشهر، وذلك بطرح مدة الرضاع الكاملة (24 شهرًا) من مدة الحمل والرضاعة معًا (30 شهرًا) وفقًا للمعادلة البسيطة التالية: 30 - 24 = 6. والأمر ذاته عند أهل الطب، فإن أقل مدة حمل يمكن أن يعيش الجنين إذا وُلد بعد تمامها هي ستة أشهر (180 يومًا)، ولا يكون قابلًا للحياة إذا وُلد قبلها؛ لأن الجهاز العصبي المركزي والجهاز التنفسي لم يكتملا بعد، ويقرر الأطباء أن الجنين الذي يبلغ عمره ستة أشهر يتميز بصفة مهمة؛ وهي قدرته علي التنفس من تلقاء نفسه إذا وُلد وهو في هذا العمر، بل وتكون لديه فرصة العيش دون حضَّانة، والستة أشهر هي أقل مدة للحمل يمكن أن يُولد فيها المولود تام الخِلقة[9]. ثانيًا: أقل مدة حمل في تاريخ الطب ![]() سُجلت أقل مدة حمل في التاريخ الطبي الحديث لحالتين: الأخيرة منهما لطفلة ألمانية تدعى "فريدة" بتاريخ: 7 نوفمبر 2010م، بعد حمل دام واحدًا وعشرين أسبوعًا وخمسة أيام، ويقول البروفسور "رينالد ريب" رئيس قسم الأطفال في المستشفى الذي وُلدت فيه فريدة: "أن يُكتب لهذه الطفلة الحياة، فهذه معجزة في حدِّ ذاتها؛ لأن الأجنَّة - بصورة عامة - قبل الأسبوع الثاني والعشرين لا فرصة لهم في الحياة، نسبة لعدم اكتمال نمو الرئتين والقلب والمخ"، وقد وُلدت "فريدة" بوزن (1) رطل وطولها (11) بوصة. البروفسور يؤكد عدم وجود فرصة للعيش للأطفال الذين يُولدون قبل انقضاء الأسبوع (22)؛ أي: خمسة أشهر وأربعة أيام، حتى لو وضعوا في الحاضنات الصناعية؛ لأن الأعضاء من رئتين وقلب ومخ لم تكتمل أصلًا، والحالة التي سجلها البروفسور ويتحدث عنها كانت (21 أسبوعًا) وخمسة أيام؛ أي: نقصت يومين عن الأسبوع الثاني والعشرين؛ ولذلك وصف بقاء المولودة على قيد الحياة بالمعجزة. أما الحالة الثانية التي تم تسجيلها - وتشترك مع الحالة الأولى في الرقم القياسي - فكانت لمولود كندي بتاريخ 20/ 5/ 1987م، ووُلد الطفل لحمل دام (21) أسبوعًا وخمسة أيام، كما في الحالة الأولى؛ أي: دام لخمسة أشهر ويومين بوزن رطل واحد و(624) جرامًا[10]. هذا الطفل وُلد حيًّا بعد مدة حمل مقدارها 152 يومًا، أي بفارق 28 يومًا عن الستة أشهر، فهل يعني ذلك أن الواقع يكذب الفهم الذي وصل إليه علي بن أبي طالب - ومِن بعده المسلمون - من القرآن الكريم؟! الإجابة: في ظاهرها، نعم، ولكن الأمر ليس كما يبدو، فالقرآن الكريم تحدَّث وأشار إلى أقلِّ مدة حمل بولادة طبيعية في زمن لم يكن يعرف الحاضنات الصناعية، بمعنى أن يولد المولود ويعيش من تلقاء نفسه، فالطفل المولود لستة أشهر يستطيع أن يرضع من أمه ليعيش، أما من يولدوا لأقل من هذا العمر، فلا يستطيعون العيش من تلقاء أنفسهم، وهذا ما حدث مع الأطفال الذين وُلدوا بعد مدة حمل أقل من ستة أشهر، الذين ما كان لهم أن يعيشوا لولا تقدم الطب وابتكاره حاضنات تقوم مقام الرحم، فقد كانوا دومًا يوضعون في حاضنات صناعية، وكأنهم انتقلوا من رحم إلى رحم، فهذه الحاضنات الصناعية تكمل مهمة رحم الأم بالنسبة للجنين، وفيها يكمل الجنين مدة الحمل الطبيعية أو شبه الطبيعية. والآن لنتخيل السيناريو التالي: دعونا نفترض أن العلم الحديث ابتكر أرحامًا صناعية، توضع فيها البويضة المخصَّبة، وتبدأ فيها مسيرة حياة هذه البويضة، وتستمر لتسعة أشهر مدة الحمل الطبيعية، ثم نفترض أن هذه الحاضنة تعطلت والجنين قد بلغ شهره السادس، فهل سيعيش هذا الجنين من تلقاء نفسه؟ الإجابة: نعم. أما لو تعطلت الماكنة (الرحم الصناعي) والجنين لم يبلغ شهره الخامس، فهل سيعيش؟ فإنه - واستنادًا لما ذكره البروفسور آنفًا - يستحيل أن يبقى هذا الطفل على قيد الحياة، لما ثبت لديه من استحالة عيش الجنين المولود قبل الأسبوع 22؛ لأن أعضاءه لا تكون قد اكتملت بعد. ولا يُقال إن المواليد لستة أشهر ولسبعة أشهر مثلهم مثل من يُولدون قبل ذلك يوضعون في هذه الحاضنات الصناعية أيضًا، لا يُقال ذلك؛ لأن هؤلاء يوضعون في الحاضنات عنايةً بهم وحرصًا على حياتهم، كونهم وُلدوا قبل اكتمال فترة الحمل المعتادة، مع وجود احتمال وإمكان العيش من تلقاء أنفسهم دون مساعدة الحاضنات الصناعية، أما المولود لأقل من ستة أشهر فمن المستحيل أن يعيش بدون مساعدة الحاضنات الصناعية. فالفهم المستنبط من الآيتين صحيح ومطابق للواقع، إلا أن ما لم يبيِّنه الفقه، ولم ينتبه له أو ينبِّه إليه، هو وجود اختلاف ما بين المواليد الذين استكملوا التسعة أشهر وبين من ولدوا بعد مدة حمل استغرقت ستة أو سبعة أشهر، ففي الحالة الثانية يولد الطفل غير مكتمل النمو (Premature)، فإذا ولدت المرأة طفلًا مكتمل النمو بعد ستة أشهر من يوم الدخول بها لا يكون الولد ابنًا للزوج؛ لأن الستة أشهر غير كافية لاكتمال نمو الجنين. وبذلك يرى الدارس أن الله تعالى أعطى الفقهاء الدليل الشرعي من القرآن في بيان مدة أقل الحمل، وهم بذلك قد سبقوا أهل الطب بزمن مديد، وفي ذلك يقول الأستاذ الدكتور/ عبد لله حسين باسلامة، أستاذ أمراض النساء والتوليد: "الجدير بالذكر أنه في الماضي، وأقصد منذ عشر سنوات أو أكثر كنَّا ندرِّس لطلاب الطب أن أقل مدة للحمل - والتي يمكن للجنين بعدها أن يواصل الحياة خارج رحم أمه - هي سبعة أشهر وأكثر (28 أسبوعًا)؛ حيث في تلك الآونة لم تكن لدينا الأجهزة، وأقصد أجهزة العناية المركزة والمعرفة التامة بالعناية بالأطفال الخدج... والرأي العلمي الآن أصبحت أقل مدة للحمل هي ستة أشهر بعد أن كانت سبعة، والواقع أنه إلى الآن لا يزال مذكورًا في دائرة المعارف البريطانية أن أقل الحمل الذي يمكن أن يعيش هو 28 أسبوعًا أو (169) يومًا، ولا أعتقد أنه سوف يجيء يوم من الأيام ويكون في مقدور جنين أن يعيش خارج الرحم ويواصل الحياة إن هو نزل قبل هذه المدة (ستة شهور)"[11]. إذًا نستطيع أن نقول: إن الرأي الشرعي والرأي الطبي قد اجتمعت كلمتهم على أن أقل مدة للحمل هي ستة أشهر، بلا أدنى اختلاف. المبحث الثاني: أكثر مدة الحمل في الفقه والطب: أولًا: أكثر مدة الحمل في الفقه: تعددت آراء الفقهاء في بيان أكثر مدة للحمل، وقالوا: إن كل ما احتاج إلى حدٍّ وتقدير إذا لم يتقدَّر بشرع ولا لغة، كان مقداره بالعرف والوجود، وتفرقت إلى أربعة أقوال. آراء الفقهاء في أقصى مدة الحمل: الرأي الأول: أكثر مدة الحمل سنتان، وذلك عند الحنفية[12]ورواية للحنابلة[13]، ودليله: قول عائشة رضي الله عنها: "ما تزيد المرأة في الحمل على سنتين، ولا قدر ما يتحول ظل عود المغزل"[14]، ولا يخفى أن قول السيدة عائشة رضي الله عنها مما لا يُعرف إلا سماعًا[15]. ويرى البعض أنه ليس بالضرورة للسماع، بل إنه "رأي بناءً على ما شاهدته أو سمعته من أحوال النساء، ولم يكن بناءً على السماع من رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ لأن هذه المدة - وهي السنتان - وإن كانت لا تُدرك بالعقل، ولكن يمكن معرفتها عن طريق المشاهدة أو الإخبار عنها، وأبعد ما تكون عن قول الرسول عليه الصلاة والسلام"[16]. الرأي الثاني: أكثر مدة الحمل أربع سنوات، وذلك عند الشافعية[17]، وظاهر مذهب الحنابلة[18]، ورأي عند المالكية[19]. ومن أدلتهم: قول الإمام مالك بن أنس بعد أن ذُكر له قول عائشة رضي الله عنها: "ما تزيد المرأة في الحمل على سنتين، ولا قدر ما يتحوَّل ظل عود المغزل"، فقال: "سبحان الله، من يقول هذا؟ هذه جارتنا امرأة صدق، وزوجها رجل صدق، وحملت ثلاثة أبطن في اثنتي عشرة سنة، تحمل كل بطن أربع سنين"[20]. والسؤال أين مدة الرضاع عند هذه المرأة التي ولدت ثلاثة أبطن في اثنتي عشرة سنة، تحمل أربع سنوات ثم تلد، وهكذا؟ فقد تكون لم تَرَ الحيض خلال فترة الرضاع، أو انقطع عنها الدم لسبب آخر ثم حملت قبل أن تراه، فحكم على كامل المدة أنها مدة حمل، وقد تكون حالة نادرة وليست عامة، والله أعلم بالصواب[21]. الرأي الثالث: أكثر الحمل خمس سنين، وهذا هو المشهور عند المالكية، ورُويَ عن مالك سبع سنين[22]، ولعل دليلهم هو الاستقراء. الرأي الرابع: أكثر مدة الحمل تسعة أشهر، وذلك عند الظاهرية وبعض فقهاء المذاهب[23]. ومن أدلتهم: أنه غالب مدة الحمل تسعة أشهر، وندرت الزيادة عليها، ولأن المطلَّقة ذات الأقراء إذا ارتفع حيضها، ولم تَدْرِ ما سببه تعتدُّ سنة، تسعة أشهر منها لتعلن براءة رحمها من الحمل؛ لأن هذه غالب مدته، ثم تعتدُّ عدة الآيسات ثلاثة أشهر، هذا مذهب مالك وأحد قولي الشافعي ومذهب الحنابلة، وقد اختاره ابن قدامة وشيخ الإسلام ابن تيمية، وهو مروي عن عمر رضي الله عنه ولا مخالف له من المهاجرين والأنصار[24]. الرأي الراجح: وبعد هذا الاستعراض لآراء الفقهاء وأدلتهم في تحديد أقصى مدة الحمل، وقد وجدنا كتبهم مشحونةً بحكايات المولودين لثلاث وأربع وخمس وسبع سنوات، وكلها حكايات لا سند لها من الصحة؛ إذ قد تكون المرأة راغبةً في الحمل فتنتفخ بطنها، وقد تغيب عادتها الشهرية لقوة الوهم وتأثيره النفسي عليها، فتقول إنها حامل ويصدِّقها مَن حولها[25]. لكن الإشكال أن القصص التي ذُكرت في التدليل على نظرية الحمل المستكين، مثل قصة حاملة الفيل تتحدث – خلافًا للنظرية نفسها - عن مواليد وضعتهم أمهاتهم غلمانًا، فالنساء في هذه القصص يلدن أطفالًا بأحجامٍ وأشكالٍ غير معهودة، وهي قصصٌ واضح فيها أن الجنين لم يكن مستكينًا، وإنما كان في حالة نموٍّ دائمٍ؛ أي: إن القصص التي أخذوا منها نظرية الحمل المستكين تناقض النظرية نفسها وتنقضها، وينقل الشنقيطي[26] بعضًا من هذه الروايات: روي أنه بينما مالك بن دينار يومًا جالسٌ، إذ جاءه رجل فقال: يا أبا يحيى، ادع لامرأتي؛ حُبْلَى منذ أربع سنين قد أصبحت في كرب شديد، فغضب مالك وأطبق المصحف، ثم قال: ما يرى هؤلاء القوم إلا أنَّا أنبياء! ثم قرأ، ثم دعا، ثم قال: اللهم هذه المرأة إن كان في بطنها ريح فأخرجه عنها، وإن كان في بطنها جارية فأبدلها غلامًا، فإنك تمحو وتثبت وعندك أم الكتاب، ورفع مالك يده ورفع الناس أيديهم، وجاء الرسول إلى الرجل فقال: أدرك امرأتك، فذهب الرجل، فما حط مالك يده حتى طلع الرجل من باب المسجد على رقبته غلام جعد قطط ابن أربع سنين، قد استوت أسنانه، ما قطعت سراره[27]. وقد جمع الإمام ابن حزم[28]هذه الأقوال السابقة، ثم شدَّد على كونها لا سند لها، وأنها أقوال فاسدة، قال: "وكل هذه أخبار مكذوبة، راجعة إلى من لا يُصدَّق ولا يُعرف من هو، ولا يجوز الحكم في دين الله تعالى بمثل هذا"[29]. والراجح كما تبنَّاه السادة العلماء بعد تمحيص الأقوال، يقول الدكتور البار: "فأنتهي من حيث ابتدأت بأن المتفق عليه أن تحديد هذه المدة لا توقيف فيه ولا اتفاق، وما اعتمده الفقهاء من تحديد استند إلى وقائع جزئية لا تفيد تقديرًا صحيحًا وعامًّا لأقصى مدة الحمل، وكأن ما ارتكزت آراؤهم عليه هو انقطاع حيض المرأة، وهو في الغالب علامة حملها، وقد تطول فترة الانقطاع ثم يحصل بأمر الله الحمل دون أن ترى المرأة الدم، فتبني مدة الحمل على خطأ واشتباه؛ ظنًّا أن مدة الانقطاع مضافًا إليها مدة الحمل الحقيقية كلها مدة للحمل. وتبقى غالب مدة الحمل تسعة أشهر، وإنما بنى فقهاؤنا الأجلَّاء أحكامهم على ما ثبت وجوده، وقد وُجد من تعدَّت بحملها التسعة أشهر، فوجب اعتباره؛ لما يترتب عليه من الأحكام الشرعية، وهذا لا يعني الوقوف عند ما توصلوا إليه وعدم الاستفادة من التسهيلات العلمية والطبية المتاحة، بل إن الرجوع والاستناد إلى أصحاب التخصص في تحديد مدة الحمل أصبح لزامًا، خصوصًا عند الاختلاف والتعارض"[30]. وتقول الدكتورة جميلة الرفاعي: "الرأي المختار: إن الواقع والذي يقبله العقل - كما أرى - هو قول ابن حزم، ويُرَدُّ قول غيره لضعف أدلتهم، وقد قمت باستشارة أهل الطب فأكدوا أن أقصى مدة للحمل هي عشرة أشهر؛ لأن المشيمة بعد الشهر التاسع تبدأ بالشيخوخة، وهي التي تغذي الجنين؛ لذا لا يبقى الجنين أكثر من هذه المدة، وقد أكد هذه المعلومة الأستاذ يحيى الخطيب في رسالة الماجستير التي قدَّمها للجامعة الأردنية، وقد أورد مقابلات مع مجموعة من الأطباء؛ كالدكتور أحمد ترعاني اختصاصي النسائية والتوليد، وكذلك الدكتور محيي الدين كحالة، وكذلك تخصصه في النسائية والتوليد، وقد أثبتا أن الحمل قد يصل إلى عشرة شهور، ولا يزيد على ذلك، وغالبية النساء يصل الحمل عندهن إلى الشهر التاسع، كما أن ما استدل به من آثار عن سعيد بن المسيب وعائشة وعمر لم تثبت[31]. فتقرَّر من هذا أن الغالب فيه هو التسعة أشهر التي جرت بهن العادة والعرف، وإن زادت المدة إلى عشرة فذلك مقبول ووارد، وانتفى غير ذلك لعدم وروده في الشرع الحنيف. ثانيًا: قول الطب في أكثر مدة الحمل: (overdue pregnancy) أكثر مدة حمل لمولود استمرَّ حيًّا بعد ولادته سُجِّلت في التاريخ الطبي الحديث من بعد اكتشاف التحاليل المخبرية (الفحص الهرموني) كانت في العام 1945، لسيدة أمريكية اسمها (بولا هنتير) وكان عمرها 25 عامًا، بمستشفى (ميثوداست) بمدينة لوس أنجلوس الأمريكية، وكانت مدة الحمل 375 يومًا؛ أي: سنة و10 أيام، وبعض الأطباء كان يرى أن فترة الحمل عند هذه السيدة قد تكون أقل قليلًا من 375 يومًا، بموجب حسابهم لوقت انقطاع الدورة الشهرية عند المرأة آنذاك وإثبات الحمل بالفحص الهرموني، فقد قالت (بولا هنتير) أن دورتها توقفت في 10 فبراير 1944، وثبت الحمل لدى الأطباء في 24 مارس 1944م، وقد ولدت الطفل بوزن يزيد عن 6 أرطل قليلًا، وقبل هذه السيدة كانت تحمل الرقم القياسي سيدة أخرى بمدة بلغت 317 يومًا؛ أي: ما يُعادل عشرة أشهر و17 يومًا (انظر في الرابطين)[32]. هاتان الولادتان موثقتان، ومؤيدتان بالفحص الهرموني، وما عداهما من حوادث مروية لا يمكن اعتماده والأخذ به طبيًّا، لأنها ببساطة كانت قبل اكتشاف الفحص الهرموني الذي اكتُشف في العام 1930م تحديدًا، وبهذا الفحص الهرموني يمكن تحديد بداية الحمل بدقة عالية إلى جانب الموجات الصوتية، ومن يتصفح الموضوع على الإنترنت سيجد من النساء من تدعي استمرار حملها لمدة سنتين أو أكثر، وأمثال هؤلاء لا يُلتفت لادعائهن؛ لأن كلامهن غير مُثبت بالفحوصات. أكثر مدة للحمل رُصدت من قِبَل الأطباء بلغت سنة واحدة، وهو رقم مطابق للاستنتاج الذي وصلنا إليه من تتبُّعنا لآيات القرآن الكريم، علمًا بأن الأطباء - ولأسباب عديدة - حاليًّا لا يسمحون باستمرار الحمل لأكثر من تسعة أشهر؛ لأن المشيمة (التي تغذي الجنين) تبدأ في الضعف تدريجيًّا، فإذا بلغ الحمل نهايته لم تعد قادرة على إمداد الجنين بالغذاء الذي يحتاجه لاستمرار حياته، فإن لم تحصل الولادة عانى الجنين من نقص الغذاء، فإذا طالت المدة ولم تحصل الولادة يموت الجنين في الرحم؛ ولهذا السبب العلمي نعلم أن من المستحيل أن يدوم الحمل لسنوات كما في المدونات الفقهية والفتاوى التي تفتقر إلى تحقيق المناط كما هو مقرر عند الأطباء. ولو ادَّعت امرأة أنها حملت لمدة (12) شهرًا (كحد أقصى للحمل)؛ فلا بد وأن تظهر على الجنين ملامح تدل على مكوثه هذه المدة، تمامًا كالطفل المولود لستة أشهر، فإن مستوى نموه يتناسب مع فترة مكوثه؛ ولذلك يكون الطفل المولود لستة أشهر أقل نموًّا من الطفل المولود لتسعة أشهر، وبنفس المنطق فإن الطفل المولود لسنة يكون نموُّه أكثر من نمو الطفل المولود لتسعة أشهر، لأن نموَّ الجنين لا يتوقف لحظةً واحدةً، هو إنسان، ومن خصائصه النموُّ في سنوات عمره الأولى، ومنها الفترة التي يمضيها جنينًا في بطن أمِّه؛ طالت هذه الفترة أو قصُرت. وكلنا نعلم اليومَ أن الأطباء لا يسمحون باستمرار الحمل بعد المدة المعتادة، ويستخدمون وسائل صناعية لإخراج الجنين بعد انقضاء فترة الحمل الطبيعية، إلا أن يكون هذا الاستمرار الذي يدَّعون حصوله يحصل مع أناس يعيشون في الأدغال، ولو جاءت امرأة للقاضي، وقالت: إن الأطباء يقرُّون باستمرار حملها سنوات فيجب أن يُعرف أنها كاذبة؛ لأنهم لن يسمحوا باستمرار الحمل أكثر من المدة المعهودة، وسوف يستخدمون الوسائل الصناعية أو العملية القيصرية لإنهاء الحمل بسبب خطورته على الأم والجنين معًا. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |