وقفة لغوية في قول "كفارة الظهار"

[ابوالوليد المسلم]

وقفة لغوية في قول "كفارة الظهار"
د. سيد مصطفى أبو طالب



قال ابن قتيبة: وكفَّارة الظِّهار، مأخوذة من كَفَرْتَ الشيء؛ إذا غطَّيْته وسَتَرْتَه، كأنَّها تكفِرُ الذّنوب، أي: تسترها، وكذلك الغُفْران والمغفرة: الستر، تقول: غفرت كذا؛ إذا سترته.[1]
يفهم ضمنا مما أورده الشارح أنه يعد الستر والتغطية دلالة أصلية لمادة (كفر).
قال ابن فارس: الكاف والفاء والراء أصل صحيح، يدل على معنى واحد، وهو الستر والتغطية.[2]


هذه المادة من المواد التي نالت الكثير من شرح اللغويين والمفسرين الذين وقفوا على معانيها، ويكاد يجمع هؤلاء وغيرهم على أن دلالتها الأصلية هي (التغطية والستر).
قال الخليل: كل شيء غطى شيئا، فقد كفره.[3]
وفي المصباح: كفر النعمة: غطاها، مستعار من كفر الشيء إذا غطاه. وهو أصل الباب.[4]

ويمكن إرجاع دلالات الفروع المتولدة من هذه المادة إلى تلك الدلالة الأصلية، ومن ذلك:
أ‌) الكافر: ويحمل هذا اللفظ خمسا من الدلالات التي يمكن ربطها بالدلالة الأصلية.
الأولى: غير المسلم، وذلك بستره وجحده لنعم الله عليه. قال ابن السكيت: ومنه سمى الكافر كافرا؛ لأنه يستر نعمة الله.[5]


ولهذا يقول أبو عبيد: إنما سمي كافرًا لأنه مُتَكَفِّر به كالمتكفر بالسلاح وهو الذي قد ألبسه السلاح حتى غطّى كل شيء منه، وكذلك غطى الكفر قلب الكافر[6]


الثانية: الليل. قال الخليل: والكافر الليل.[7] يقول ابن السكيت معللاً سبب تسميته كافرا: لأنه ستر بظلمته ووارى.[8]


الثالثة: البحر؛ لستره ما فيه.[9] وفي الأساس: غابت الشمس في الكافر، وهو البحر.[10]


الرابعة: السحاب المظلم؛ لأنه يغطي الشمس ويحجبها بظلمته.[11]


الخامسة: الزراع. وقد جاء في القرآن الكريم ﴿ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ﴾ [الحديد: 20] وقد سمي الزراع كفارًا؛ لأنهم إذا ألقوا البذر في الأرض؛ كفروه، أي: غطوه وستروه.[12]


ب‌) الكافور: وهو كِمّ العنب قبل أن يثور، وسمي كافورا؛ لأنه كفر الوليع، أي: غطاه.[13]


ج) الكفارة: وهي ما يغرمه المسلم من صدقات أو غيره، لاقترافه إحدى المعاصي، وذلك لأنها تكفر الذنوب، أي: تسترها، مثل: كفارة الأيمان، وكفارة الظهار.[14]


يقول النووي: الكفارة أصلها من الكفر، وهو الستر؛ لأنها تستر الذنب، وتذهبه، هذا أصلها، ثم استعملت فيما وجد فيه صورة مخالفة أو انتهاك، وإن لم يكن فيه إثم، كالقاتل خطأ وغيره.[15] وقيل: أنها قربة شرعها الله لستر الخطايا ومغفرتها.[16]


وعلى ذلك: فيلاحظ أنه قد أمكن تفسير كل من دلالات هذه الفروع المتولدة من المادة اللغوية (كفر) في ضوء هذه الدلالة الأصلية لها، وهي (الستر والتغطية)، إذ نلمس توفر هذا المكون الدلالي في جميع هذه الفروع، مما يشهد لصحة عدها دلالة أصلية لهذه المادة.

[1] غريب ابن قتيبة (1/ 212).

[2] المقاييس (كفر) (5/ 191).

[3] العين (كفر) (5/ 357).

[4] (كفر) (2/ 235)، وينظر: النهاية (4/ 187).

[5] إصلاح المنطق (ص127).

[6] غريب الحديث (2/ 284).

[7] ( العين) (كفر) (5/ 357).

[8] إصلاح المنطق (ص127).


[9] اللسان (كفر) (7/ 690).

[10] (ك ف ر) (2/ 314).

[11] ينظر: المفردات (ص436).

[12] السابق نفسه.

[13] المقاييس (كفر) (5/ 191)، والمصباح (كفر) (2/ 535).

[14] التهذيب (كفر) (10/ 200).

[15] تحرير ألفاظ التنبيه (ص125).

[16] معجم ألفاظ القرآن الكريم (2/ 974).