خداع على خداع (مسرحية للأطفال) - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         أشهى الوصفات للإفطار فى رمضان جدول أكل رمضان ثلاثون يوما تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 29 - عددالزوار : 30 )           »          إزاى تصاحبى بنتك فى فترة المراهقة؟ 8 أسرار تخليكى تكسبى صداقتها وثقتها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          طريقة عمل أقراص الحمضيات الفوارة للاستحمام.. انتعاش دائم بتكلفة أقل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          6 خطوات ذكية تحمي علاقتك الزوجية من الفتور والجفاف العاطفي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          وصفات طبيعية للعناية بالبشرة توفر بديل مثالي للكريمات اليومية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          5 خضراوات غنية بمضادات الأكسدة تجعل بشرتك نضرة بدون مكياج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          5 أشياء يجب عدم وضعها أبدا فى حمام صغير.. اعرف البدائل ووسع على نفسك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          7 أطعمة لتعزيز التعلم وتحسين المزاج والنوم لدى الأطفال.. مهمة فى اللانش بوكس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          كيف تساعد ابنك المراهق على تقبل شكله؟.. عزز ثقته واحميه من هوس المثالية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          طريقة عمل كيك التين مع صوص اللبن الرايب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى اللغة العربية و آدابها ملتقى يختص باللغة العربية الفصحى والعلوم النحوية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 29-07-2022, 01:29 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,725
الدولة : Egypt
افتراضي خداع على خداع (مسرحية للأطفال)

خداع على خداع (مسرحية للأطفال)


د. مصطفى عطية جمعة





(موجهة إلى سن 11 - 14)




(في الركن الأيمن بالمسرح، ضوء ساطع على رجلٍ كبير في السن، ذي لحية طويلة بيضاء، يرتدي ثياب الحكماء: عباءة غامقة، وأسفلها جلباب أبيض، ويجلس أمامه صبيٌّ في العاشرة من عمره، ومعه بنت أصغر منه، يبدو الركن على هيئة غرفة صغيرة، بسيطة الأثاث، مكتب ومقاعد خشبية وبساط على الأرض وبعض الوسائد، وتبدو كتب مجلدة على أرفف خلف المكتب وفي الزوايا، والحكيم والصبي والبنت يتحاورون).

الصبي (هيثم): أستاذي، لقد علمتني الكثيرَ منذ أن تتلمذتُ على يديك، لقد فهمت أشياءَ كثيرة عن الحياة والناس.

البنت (زهرة): نعم يا أستاذنا، لقد أفدتَنا بالكثير منذ أن جئنا إليك.

الحكيم (مبتسمًا): أنتما ذكيان نابهان، سعدتُ كثيرًا بصحبتكما خلال الفترة الماضية، ويعجبني فيكما كثرةُ أسئلتكما.

هيثم (يخجل من المدح): أشكرك يا معلمي الكريم، عندما جئنا إليك كنا نظنُّ أن الدنيا بسيطة، لهو ولعب، ولكنك علَّمتَنا أنها حياة، وأشخاص، وتجارِب، ولا بد أن نتعلمَ مِن كل تجرِبة.

الحكيم (منتهزًا الفرصة، متسائلًا): فقط نتعلم من التجرِبة؟!

هيثم: نعم، كل تجرِبة نمر بها، نتعلَّم منها.

الحكيم (مبتسمًا): هذا يعني أن ننتظر أن نعيش في التجرِبة؛ كي نتعلم منها!

زهرة (مستوضحة): أرى في عينيك - يا أستاذي - درسًا جديدًا.

الحكيم (مبينًا): نعم، عندما أذكر لك حكمة، ماذا تستفيد منها؟

هيثم (بأدب): أفهمها جيدًا، ثم أستفيد منها في المستقبل.

الحكيم: جميل، ومِن أين جاءت الحكمةُ والأمثال؟

زهرة: من الحكماء.

الحكيم (ناظرًا بحنان): إننا نأخذ الحكمة والمَثَل مِن مصادر كثيرة..

هيثم (متابعًا): مِن الكتب الدينية، مِن القرآن والحديث، ومن الشعراء والأدباء.

الحكيم: بارَك الله فيك يا هيثم، وأَزيدك قولًا: الحكمة موقٌف مِن مواقف الحياة، تقدِّم خلاصة تجرِبة شخص في الحياة؛ حتى لا يسقط فيها الآخرون بعد ذلك.

هيثم: نعم..

زهرة: أي تمنَعُ تَكرار الخطأ.

الحكيم: فعندما نستمع إلى حكمة صينية تقول: "أن تعلِّمَني صيد السمك: خيرٌ لي من أن تعطيني سمكة كل يوم"، فهذه تعني..

هيثم: تعني أن أعلِّمَ الفقير حرفة يتكسب منها أفضل من إعطائه صدقة.

زهرة: وهذا يشجِّع قيمة العمل عند الناس، وقد صاغها الحكيم مِن موقف رأى فيه الناس متهاونين كسالى، يطلبون المساعدة.

الحكيم: أحسنتما، أحسنتما.

زهرة (بحماسة): ولا شك أن هذه الحكمةَ قد أخذها الحكيم الصيني من موقفٍ أو تجرِبة مر بهما.

هيثم: أو قد يكون سمع بها، فصاغ هذه الحكمة.

الحكيم: جزاكما الله خيرًا، ولا شك أننا نقول هذه الحكمة، كلما رأينا موقفًا مشابهًا يتطلب ذِكرها.

زهرة، هيثم: نعم، نعم.

الحكيم (متأملًا وجهيهما، ثم يقول): حقيقة يا حبيبيَّ، أنا عندي فكرة، أرغب في أن أناقشكما فيها.

زهرة (بعيون لامعة): فكرة! ما هي؟

الحكيم (شارحًا): دائمًا أنا أقدم لكما الحكمة مباشرة، وأشرحها لكما، وقد أذكر لكما القصة التي كانت سببًا في تكوينها، الآن، أطلب منكما أن تذكرَا أنتما حكمة، ثم أحكي لكما قصة تطبِّق هذه الحكمة.

هيثم: جميل؛ أي: تريد أن يكون الأمر معكوسًا.

الحكيم: نعم، بدلًا مِن ذكر حكمة ثم حكاية، تذكرون أنتم الحكمة، وأنا أحكي لكما قصة تثبت ذلك.

زهرة (بتفكر): قد لا نعلم نحن حكمة، ألا يمكن أن تكون سؤالًا؟

الحكيم: ولمَ لا؟ تطرحون أنتم السؤال، وأنا أجتهد في الإجابة عنه.

هيثم: بذلك يكون الأمر سهلًا، سؤال منا، ثم جواب منك.

الحكيم: نعم، ولكنني أريد أن يكون السؤال مرتبطًا بشيء في نفسيكما، يعني أن يكون عن بعض تجارِب الحياة... بعض مشكلات الحياة.

هيثم: جميل.

زهرة: وما هدفُك مِن هذا الأمر يا أستاذنا؟

الحكيم (ضاحكًا): ألا يعجبكِ يا زهرةُ؟

زهرة: بلى، ولكن أريد أن أعرف هدفك منه.

الحكيم: بصراحة، أرغب في أن أعرِفَ كيف تفكران، وما أهم المشكلات التي ترَيان أنها صعبة الحل مثلًا؟

هيثم: وهذا معناه أن نتخيل أي شيء... ونسألك.

زهرة:.. أي مشكلة ونطرحها عليك، بسيطة كانت أو كبيرة.

الحكيم: نعم، من مشكلات الناس، سواء كانت بسيطة أو كبيرة، المهم أن تكون مرتبطة بحياة الناس حولنا.

هيثم: الفكرة رائعة.

زهرة: متى نبدأ فيها؟

الحكيم: من الآن، هيا فكرَا، وأنا معكما، من سيبدأ؟

هيثم: حقيقة، فإنني أعصر عقلي.

زهرة: وأنا أيضًا.

الحكيم: هل هناك مشكلة ترَيان أنها صعبة الحل؟

هيثم: نحن نرى ذلك؟!

الحكيم: نعم، هذا مجرد اقتراح مني.

زهرة: تقصد مشكلة لا حل لها، ومعقدة.

هيثم (بصوت عالٍ): وجدتُها...

زهرة: ما هي؟ قل..

هيثم: مشكلة كنتُ قد فكرتُ فيها مرات، نسمع أن هناك الكثير من المجرمين أو النصَّابين الذين يخدعون الناس الطيِّبين.

زهرة: وماذا في ذلك؟! هذا كثير.

هيثم: أقصد أن هناك شخصًا - مثلًا - قد استطاع أن يُفلت من القانون، ولم يكن هناك دليل عليه، والقاضي والشرطة يعلمون أنه نصاب ومخادع، ولكنهما بلا براهينَ ضده، كيف نتصرف معه؟

زهرة (بحَيرةٍ): نعم، هناك كثيرون يخدعون الشرطة والقضاء، ويهربون ويعيشون دون عقاب، والناس تعرف أنهم ظالمون.

الحكيم: صحيح، وهؤلاء يصيبهم عقابُ الله، إنْ عاجلًا أو آجلًا.

هيثم: كيف؟

الحكيم: لا بد أنهم سيسقطون؛ فمهما فرَّ المجرم من العدالة، فسيسقط في نهاية الأمر، بخطأ منه، بانكشاف أمره.

هيثم: ولكن سؤالي: هل يمكِن أن نتصرف مع هؤلاء المتفنِّنين في الهروب مِن القانون والشرطة؟

الحكيم: سؤالك واضح يا هيثم، وأرى أن هذا ممكن، وإليكما هذه الحكايةَ.

(يرفع الحكيم صوتَه كأنه راوٍ، ويتجلى صدى الصوت في المسرح).



الحكيم: يحكى أن - في سالف الزمان - هناك تاجرًا في مدينة "القيروان" بتونس الخضراء، أراد الحج إلى بيت الله الحرام، وكان يعلم أن المسافة بعيدة، والرحلة قد تستغرق عامًا كاملًا، في الذهاب والإياب...

(يضاء الجانب الأيسر من المسرح؛ حيث نرى مشهدًا للسوق القديم في مدينة القيروان، محلات بأبواب خشبية متجاورة، والشارع ضيق، والناس غادُون رائحون، ويبدو من قريب دكانٌ يبيع أقمشة متعددة الألوان، مصفوفة في جوانب المحل، وفي بعض الأرفف وأمام المحل مقاعد خشبية، يجلس عليها التاجر "سُلَيمان" الذي نوى الحج، وبجانبه "مَرْوان" صاحب دكان الأقمشة).

مَرْوان: تذهَب وتعود بالسلامة يا حاج سُلَيمان.

سُلَيمان: بارك الله فيك يا أخي الحبيب، وانتظر حتى أرجعَ من الحج لتقول لي: يا حاج، العُمر بيد الله تعالى، والطريق طويل جدًّا، كما تعرف.

مَرْوان (بحب ومودة): أطال الله عمرك، ومتَّعك بالعافية، وأعادك بالسلامة، لنقول لك: يا حاج، صحيحٌ الطريقُ طويل، ولكنك تسافر لبيت الله الحرام، في طاعة الله، وفي أمان الله.

سُلَيمان: لقد أتيتُ إليك في أمر مهم.

مَرْوان: خيرًا إن شاء الله.

سُلَيمان: خيرًا يا أبا الوليد، كما تعلم، فقد صفَّيْت تجارتي؛ لأتفرغ لأمر الحج؛ حتى لا أكونَ متعلقًا بها وأنا أؤدي مناسك الحج.

مَرْوان: نعم، وأنا لا أتفق معك، وقد نصحتك مرارًا؛ فأنت تاجر معروف.

سُلَيمان: أجل، أنت نصحتني وبارك الله فيك، ولكنني أردت أن أكون لله كلِّي؛ بقلبي، وعقلي، ولا أفكر في الدنيا.

مَرْوان (رافعًا كفيه): اللهم تقبَّلْ منه الحجَّ، وأعِدْه بعافية وسلامة.

سُلَيمان (متأثرًا بكلام صديقه): جزاك الله خيرًا، لم أكن أعلم أنك بهذه الرُّوح والأخلاق الطيبة، (يواصل برقة): وددتُ منك طلبًا؟

مَرْوان (بحماسة): اؤمُرْني يا عم الحاج.

سُلَيمان: الأمر لله وحده، أريد أن أضع مالي أمانة عندك حتى أعود.

مَرْوان (مبتهجًا): وأنا أمين عليه، أنت أخي، (بلهفة): كم المال؟

سُلَيمان (بطيبة): عشرة آلاف دينار ذهبًا.

مَرْوان (لامعة عيناه): ما شاء الله، هذه أمانة كبيرة، وأنا لها إن شاء الله.

سُلَيمان (بثقة): وقد اخترتك يا مَرْوان؛ لأنني أعلم هذا (ملمِّحًا)، وأرجو أن تعد لي صكًّا بهذا؛ فإن الموتَ والحياة بيد الله، وأنا سأسافر مع زوجتي، وسأترك أولادي عند أخوالهم في مدينة تونس.

مَرْوان (بحماسة): طبعًا، هذا حقُّك، وسأعد الورقة لك إن شاء الله (يزيد بكرم)، وسأُحضر شاهدين يوقعان على هذه الورقة.

سُلَيمان (بفرح): الحمد لله، لقد خجلتُ أن أطلب منك هذا.

مَرْوان: كيف تخجل من حقك يا رجل؟!

سُلَيمان: إذًا، سأذهب الآن، ثم آتيك غدًا، ومعي المال، سلام الله عليك.

مَرْوان: وأنا سأعد لك الصك، والشهود، (واقفًا مصافحًا معانقًا بتصنُّع)، وعليك السلام أخي الحبيب.

(إظلام).




(يضاء المشهد على نفس الديكور السابق، ونشاهد التاجرين سُلَيمان ومَرْوان، ومعهما شخصان آخران، أحدهما يدعى مُحمَّدًا، والثاني زيدًا).

مَرْوان (واضعًا يده على كتف سُلَيمان): يا مرحبًا يا حاج، والله سنشتاق إليك كثيرًا، متى السفر إن شاء الله؟

سُلَيمان: بعد غد، سأسافر إلى ميناء "سوسة"، ومنه سنركب السفينة المتجهة إلى الإسكندرية في مصر، ثم نلتحق مع قوافل الحج من برِّ مِصرَ إلى الحجاز - إن شاء الله تعالى.

مَرْوان: تصل وتعود بسلامة الله، (يستأنف حديثه)، وقد أعددتُ لك الصكَّ المطلوب، وأحضرت شاهدينِ من أحبابنا (يشير إلى الشخصين)، هذا هو عم مُحمَّد، وعم زيد، طبعًا تعرفهما؟

سُلَيمان (متلجلجًا): نعم... نعم... هما يجلسانِ معك دائمًا في دكانك.

مَرْوان (ضاحكًا): صحيح، وهما من زبائني الدائمين، ونحن أصدقاء.

مُحمَّد: يا حاج سُلَيمان، أنا مُحمَّد الخياط، وهذا زيد بائع القماش.

سُلَيمان: أهلًا وسهلًا بكما.

زيد (باسمًا): وطبعًا أنت تعرف أن محلي في السوق الخلفي، القريب من المسجد الجامع الكبير، أما محل مُحمَّد الخياط فهو في السوق الجنوبي.

سُلَيمان: إنني في غاية السعادة؛ لأنكما ستشهدانِ على الصك والاتفاق.

مُحمَّد وزيد (في صوت واحد): وشرف لنا أن نكون شاهدينِ لك ولمَرْوان.

مَرْوان: لن نضيع وقتك، المهم أن تدعو لنا في بيت الله الحرام.

سُلَيمان (مبتسمًا بامتنان): سأدعو لكم جميعًا بالخير والصحة والرزق، وأنت - يا أبا الوليد - نِعمَ الصديق، وأدعو الله أن يديم المودة بيننا، وأردَّ جَميلَك عليَّ.

مَرْوان (باستنكار): أي جميل يا رجل؟! نحن إخوة (يرفع الصك) هيا، اقرأ الصك جيدًا؛ فهذا حقك.

سُلَيمان (ممسكًا الصك، ويقرؤه بخفوت): نعم، كل شيء مسجَّل فيه، قيمة المال، والشاهدان (يرفع عينيه)، وأيضًا اسمك وتوقيعك يا مَرْوان.

مَرْوان (بحماس): كل شيء جاهز، (يدعو الشاهدينِ): هيا وقِّعا على الصك أمام الحاج سُلَيمان؛ ليسافر مطمئنًّا.

مُحمَّد وزيد (يمسكان القلم): تذهب وتعود بسلامة الله - إن شاء الله.

(يقف سُلَيمان متأهبًا للانصراف، ويقف الآخرون يودعونه معانقين إياه).

(إظلام).




(تظهر - صور أو أفلام - مختلفة لسفينة الحجاج تمخر عباب البحر، ثم قافلة الجِمال تحمل الحجيج في طريقهم إلى مكة، ثم مشهد الحجاج حول الكعبة، وفي جبل عرفات، وفي منى، ومن ثم العودة ثانية، وفي الخلفية صورة التاجر سُلَيمان، بلباس الإحرام، ثم مرتديًا جلبابًا جديدًا أبيض، متدثرًا بعباءة سوداء، وهو عائد إلى بلده، ومعه زوجته بحجاب أبيض، حيث تتداخل صورتهما مع صورة سفينة ترسو في ميناء سوسة).

(نرى التاجر سُلَيمان ومعه زوجته زبيدة وهما في منزلهما في تونس، حيث يلتف حولهما أولادهما، وهناك عدد من المهنئين رجالًا ونساءً وأطفالًا، وقد ازدانت جدران المنزل بزينة بسيطة، تبدو الفرحة في الوجوه، ويرتفع صخَب الأطفال، وتعلو عبارات المهنئين، يجلس التاجر سُلَيمان، ومعه زوجته زبيدة).

عبدالسلام: مرَّ أسبوع على وصولك بحمد الله، ماذا نويت يا حاج سُلَيمان؟

سُلَيمان: سأعود إلى تجارتي، ودكاني، وأتابع أحوالي.

زبيدة: خيرًا إن شاء الله، (بتساؤل): لماذا لم يحضُرِ التاجر مَرْوان لتهنئتك بالعودة من الحج؟!

سُلَيمان: ربما يكون مشغولًا، أو لديه ظروف تمنعه من الحضور، الله أعلم بأحواله.

زبيدة: ربما، ولكن عليك أن تتابعَ الموضوع معه، لقد تركت كل أموالك عنده.

سُلَيمان: لا تقلقي، كنا في رحلة طاعة لله، والله يحفَظ عباده الذين خرَجوا في طاعته، وطلبًا لرضاه، (مكملًا حديثه): عمومًا، سأذهب له غدًا، وأستفسر منه عن أحواله.

زبيدة: سهَّل الله لك أمورك يا حاج.



(في محل التاجر مَرْوان، حيث يجلس التاجر أمام دكانه، ومعه بعض الزبائن، يأتي إليه سُلَيمان، وقد حمل هدية في يده).

سُلَيمان: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مَرْوان (واقفًا ببرود): وعليكم السلام.

سُلَيمان (محاولًا احتضان مَرْوان بحب، فيعانقه مَرْوان بجفاء): كيف الحال يا أخي الحبيب؟ وما أخبارك وأخبار الأهل والولد؟

مَرْوان (بتجهُّم): هم بخير.

سُلَيمان (متعجبًا): ما هذه المقابلة؟ لماذا وجهك متغير؟ لم تقل لي: حمدًا لله على سلامتك من الحج.

مَرْوان (متلعثمًا): لا، لا شيء، حمدًا لله على سلامتك... حج مبرور.

سُلَيمان: الله يسلمك، لقد أحضرت لك هدية من الحجاز، هذا جلباب أبيض، أتمنى أن يعجبك يا أخي، ومعه أيضًا طاقية، وشال، (يبسط الهدية).

مَرْوان (بوجه جامد): أشكرك، أشكرك، أتعبتَ نفسك.

سُلَيمان (مواصلًا): لا شكر على واجب.

مَرْوان: يا أهلًا بك، ماذا تشرب؟

سُلَيمان: جزاك الله خيرًا، لا شيء، أردت السلام عليك، ولي طلب بسيط.

مَرْوان: سلمك الله، خيرًا، ما طلبك؟

سُلَيمان: أبدًا، أريد مالي الذي تركتُه وديعةً عندك قبل سفري للحج؛ حتى أعود لتجارتي وأعمالي، وأفتح دكاني المغلق.

مَرْوان (باستغراب): أي مال؟

سُلَيمان(بقلق وضيق): مالي، عشرة آلاف دينار.

مَرْوان: أنا أخذتها منك؟! هذا كلام غريب.

سُلَيمان: نعم؟ هل تريد أخذ أموالي وأموال عيالي؟ حرام عليك.

مَرْوان (منكرًا): أي مال؟

سُلَيمان (واقفًا صارخًا): ألم أعطك عشرة آلاف دينار قبل سفري، هنا في هذا المكان، وكان هناك شهود؟ (يتجمع الناس على صوتهما العالي).

مَرْوان (زاعقًا): لم يحدُثْ، أنت تتهمني بالكذب؟ اشهَدوا يا ناس، يتهمني بالسرقة، وأنا ما أخذت منه أي شيء، عندك دليل؟

سُلَيمان (بجنون): معقول! تسرق كل أموالي! يا ناس، أنا أخذت عليه صكًّا وهو موقِّع عليه، وفيه شهود.

أحد الناس: هل معك صك أو دليل أو شهود؟ قدِّمه؛ حتى لا تتهمه بالباطل.

مَرْوان (هازئًا): أي صك؟ وأي شهود؟

سُلَيمان (يخرج الصك من جيبه): اشهدوا يا ناس، هذا هو الصك، بخط يده، مكتوب فيه أنه أخذ عشرة آلاف دينار، وعليه إمضاؤه.

مَرْوان (ببرود): أعطني الصك... أتحدى أن يكون توقيعي أو خطي.

سُلَيمان: لن أعطيَك الصك، سأذهب به للقاضي.

مَرْوان (مستهزئًا): هيا للقاضي، اشهدوا يا ناس، أنا أطلب منه أن نذهب للقاضي؛ لقد زوَّر الصك، واتهمني بالباطل، وأنا تاجر شريف.

أحد الواقفين: كلام صحيح يا مَرْوان، اذهبا للقاضي، وهو يحكم بينكما.

سُلَيمان: طبعًا سأذهب للقاضي، وسآخذ حقي إن شاء الله.

مَرْوان: وأنا معك.

أصوات متداخلة: ونحن جميعًا معك.



(يتحرك الجميع مغادرين، ثم إظلام المشهد، وفي ركن آخر من المسرح، يضاء بنفس الشخصيات السابقة، في مجلس القاضي، حيث يجلس القاضي على مقعد، ويقف حوله الناس).

القاضي: خيرًا، ما سبب العراك بينكما؟

سُلَيمان (بحرقة): يا حضرة القاضي، يا شيخنا الفاضل، أنقِذْني، أعطِني حقي من هذا الرجل (يشير لمَرْوان).

مَرْوان (صائحًا): أنت أنقِذْني يا سيدي القاضي مِن اتهام هذا الرجل، يريد أن يأخذ أموالي بغير حق.

القاضي: اصبرَا، نريد أن نتعرف الأمر، مَن المدَّعي؟ وما شكايته؟

سُلَيمان (بهدوء متصنَّع): أنا يا شيخنا سُلَيمان أبو داود، تاجر في المدينة، سافرت الحج، وأودعت أموالي عند مَرْوان الأسلمي، وأعطاني صكًّا بذلك، وهناك شاهدان على ما حدث، وهذا هو الصك، فيه اسمه، وخطه، والشاهدان.

القاضي (ممسكًا الصك): كم المبلغ؟

سُلَيمان: عشرة آلاف دينار.

القاضي: "ياه!"، هذا مبلغ ضخم، (متوجِّهًا إلى مَرْوان): وما ردك يا مَرْوان؟

مَرْوان (باكيًا): هذا ظالم، ما أخذتُ منه شيئًا.

القاضي: وهذا الصك فيه اسمُك وتوقيعك، وهو بخطك.

مَرْوان (يزداد بكاءً): أبدًا والله العظيم، ليس خطي ولا توقيعي.

القاضي: والشاهدان؟

مَرْوان: أحضرهما واسألهما.

القاضي (متوجِّهًا إلى الحاجب): أرسل من يُحضِر هذين الشاهدين، وأحضر لي خبير الخطوط لدينا.

الحاجب: أمرك يا شيخنا، (مخاطبًا الحرس): نادوا على الحاج علي - مختص فحص الخطوط - ليحضُر مجلس القاضي سريعًا من غرفته.

القاضي (يقرأ من الصك): سجِّل اسمي الشاهدينِ: الأول: مُحمَّد عبدالفتاح بن خالد، ومهنته خياط، والثاني: زيد أحمد بن برهومي، ومهنته بائع قماش، ومحلاهما في السوق خلف الجامع الكبير، كما هو مدون في الصك الذي قدمه المدَّعي سُلَيمان أبو داود.

(يسجِّل الحاجب الاسمين، والعنوان، ثم ينادي على أحد الجنود كي يُحضر الشاهدين، فيما يدخل خبير الخطوط الحاج علي).

الحاج علي: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

(الجميع يردون السلام بأصوات متداخلة).

القاضي: أهلًا يا حاج علي، نريدك أن تعرف هل الخط في هذا الصك هو خط المدعو: مَرْوان السلمي، محل الاتهام أم لا؟ (يشير إلى مَرْوان).

(يتناول الحاج علي الصك ويقرؤه، ثم ينظر إلى مَرْوان بتمعن).

الحاج علي (لمَرْوان): هل يمكنك أن تكتب هذا الصك بخطك الآن؟

مَرْوان (مرتبكًا): لماذا؟

الحاج علي: حتى أقارن بين خطك والخط المكتوب به الصك؟

القاضي: هذا إجراء متبع يا مَرْوان.

مَرْوان: حسنًا، سأكتب ما تريدون.

الحاج علي: اكتب هنا، فوق هذه الطاولة (يشير لطاولة جانب القاضي)، واكتب بخطك العادي، دون أي محاولة للتغيير.



(يجلس مَرْوان على مقعد خلف الطاولة، ويشرع في الكتابة، فيما يراقبه الحاج علي بتفحص، تمر فترة صمت، نسمع فيها حفيف القلم فوق الورق، حتى ينتهي، ويناول ما كتب إلى الحاج علي، الذي يجلس جانب القاضي، ويقارن بين الصك وما سجَّله مَرْوان بتمهل).

القاضي: هل لديك معرفة سابقة يا سُلَيمانُ بمَرْوان؟

سُلَيمان (بوجه بائس): طبعًا يا سيدي القاضي، هل أعطي كلَّ أموالي لمن لا أعرفه، إن محلي مقابل محله، وبيننا عِشرة كبيرة منذ سنين.

القاضي: هل هذا صحيح يا مَرْوان؟

مَرْوان (متلجلجًا): طبعًا أعرف سُلَيمان، هو جاري، ولي معرفة سابقة به، وكل شيء تحطم الآن؛ لأنه يتهمني في شرفي وكرامتي، هو يُهمل في أمواله، ويتهم الأبرياء مثلي بالظلم.

سُلَيمان (رافعًا إصبعه): حسبي الله ونعم الوكيل، هل أتَّهِمك زورًا وأنا عائد من الحج منذ أسبوع، اللهم اشهد، واشهدوا جميعًا.

مَرْوان (هازئًا): ومَن يضمن لنا أنك حجَجْتَ بالفعل؟!

سُلَيمان: تشكك في حجِّي بعد! الطف بنا يا رب.

القاضي (متدخِّلًا): عيب هذا الكلام، نحن نحقق في واقعة محددة، وفيها دليل وشهود، وسنفحص هذا كله الآن.

(يدخل الحارس الذي ذهب لإحضار الشاهدين).

الحارس: لقد وصل الشاهدانِ يا شيخنا.

القاضي: حسنًا، أدخلهما.

(يدخل الشاهدان: مُحمَّد وزيد).

الشاهدان: خيرًا، ماذا حدث؟ هل أذنبنا في شيء؟

القاضي: خيرًا إن شاء الله، كل واحد منكما يذكر اسمه وعنوانه ومهنته.

مُحمَّد: أمرك يا سيادة القاضي، أنا مُحمَّد عبدالفتاح بن خالد، أعمل خياطًا، ومحلي في السوق خلف الجامع الكبير، وأسكن قرب محلي.

زيد: أنا زيد أحمد بن برهومي، أعمل بائع قماش، ومحلي خلف الجامع الكبير، وأسكن في حارة الشيخ الحسن.

القاضي (متوجهًا إلى سُلَيمان): هل هذان هما الشاهدان اللذان شهدا على الصك أمامك؟

سُلَيمان: نعم، هما، أدعو الله أن يظهر الحق.

القاضي (ناظرًا إلى مُحمَّد وزيد): هل تعرفان "سُلَيمان أبو داود" الواقف أمامكما الآن؟ (يشير إلى سُلَيمان).

الشاهدان (في صوت واحد): نعم نعرفه، إنه تاجر في السوق.

سُلَيمان (صارخًا): انظر يا سيدي القاضي، لقد اعترفا أنهما يعرفانني، وهما الشاهدان على الصك.

الشاهدان (باستغراب): أي صك؟

القاضي: هل شهدتما على صك بين "سُلَيمان أبو داود"، ومَرْوان الأسلمي، وفيه أن مَرْوان الأسلمي أخذ عشرة آلاف دينار ذهبية من سُلَيمان وديعة وأمانة، على أن يعيدها إليه عندما يعود من الحج؟

الشاهدان: لا، لم يحدث.

القاضي: هل تعرفان مَرْوان الأسلمي؟

الشاهدان (بثقة): نعم نعرفه، هو صديقنا، ونجلس معه دائمًا.

القاضي: ما سبب معرفتكما بمَرْوان؟

زيد: إنه تاجر خيوط، وأنا خياط، أشتري منه.

مُحمَّد: وأنا عرفته؛ لأنني أشتري منه أحيانًا خيوطًا لبيعها في محلي لمن يشتري القماش مني.

القاضي: في الصك توقيعٌ لكل واحد منكما.

الشاهدان: أين هذا؟

(يأخذ القاضي الصك من الحاج علي، ويناوله لهما، فينظر كل واحد في الصك).

القاضي: هل هذا اسمك وتوقيعك يا مُحمَّد؟

مُحمَّد: نعم اسمي، ولكن ليس توقيعي.

زيد: صحيح هو اسمي، ولكن ليس خطي ولا توقيعي.

الحاج علي: اسمح لي يا مولاي أن يكتب كل واحد منهما اسمه وتوقيعه؛ حتى أتأكد من الخط.

القاضي: صحيح يا حاج علي، هيا، نفِّذَا المطلوب منكما.

(يتقدم الشاهدان ويكتبان اسميهما وتوقيعيهما أمام خبير الخط).

القاضي (ناظرًا إلى سُلَيمان): ما رأيك يا سُلَيمان؟ هما ينفيانِ ما تقول.

سُلَيمان (كالمجنون): لا يمكن أن يتم هذا، مستحيل، تضيع أموالي، وأصبح فقيرًا، حسبي الله ونعم الوكيل، والله العظيم شهِدَا على الصك أمامي، أقسم بالله.

القاضي (مستطلعًا رأي الحاج علي): والآن يا حاج علي، ما رأيك؟

الحاج علي (ممسكًا الصك والأوراق بيده): لقد فحصت الخطوط جيدًا، وأرى يقينًا أن الخط المكتوب في الصك ليس خط مَرْوان الأسلمي، ولا توقيعه، وكذلك الأمر مع توقيع الشاهدين.

القاضي: هذا يعني أن الصك مزيَّف.

سُلَيمان (صارخًا): ماذا؟ معقول؟! الصك مزيف، فعلتَها فيَّ يا مَرْوان؟ لقد نصبتَ عليَّ وأعطيتني صكًّا مزيفًا، (يتهجم على مَرْوان).

مَرْوان (مستغيثًا بالحرس): احموني منه يا مولاي، انظروا، يريد أن يقتلني بعدما ثبت أنه كذاب، ويتهمني بالباطل.

القاضي (آمرًا): سُلَيمان، احفظ لسانك، ويدك، وإلا حبستُكَ!

سُلَيمان: وحقي؟ أموالي؟

مَرْوان (مستأذنًا): الحمد لله يا شيخنا القاضي، ظهر الحق، اسمَحْ لي أن أعود لمحلي، وأرجو أن تحموني من هذا النصَّاب الكذاب؛ أخاف أن يتهجم عليَّ ويسرق أموالي، أو أن يقتلني.

القاضي: لا تخَفْ، والشرطة ساهرة على أمن المجتمع، اذهب الآن.

الشاهدان: ونحن، هل تريد منا شيئًا يا شيخنا؟

القاضي: أشكركما، يمكنكما الانصراف.

(يخرج مَرْوان والشاهدان، فيما يجلس سُلَيمان على الأرض باكيًا).

سُلَيمان: والله، كلُّ ما قلتُه حدث، لماذا أتهمهم؟ والله كل هذا حدث.

الحاج علي: اسمح لي سيدي القاضي، (متوجهًا لسُلَيمان): يبدو أنك رجل طيب، ولكن الصك مزيف بالفعل، وليس خطهم.

القاضي: دعني أسألك سؤالًا واحدًا، هل كتب مَرْوانُ الصك أمامك؟ وهل وقَّع الشاهدان على الصك أمامك؟
يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 156.84 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 155.17 كيلو بايت... تم توفير 1.68 كيلو بايت...بمعدل (1.07%)]