والدي يحتقرني أمام الناس!

[ابوالوليد المسلم]

والدي يحتقرني أمام الناس!
أ. رفيقة فيصل دخان

السؤال:


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


مشكلتي أنَّ والدي يُتعبني بشكلٍ كبيرٍ، فهو يحبُّ المدحَ بشكلٍ لا يُصَدَّق، ويُخطئ في حقِّي أمام الأهل والأقارب، ودومًا يشكو مني ليجعلني مُقَصِّرًا في حقِّه!


إذا حاولتُ أن أُكَلِّمَه يرْفَع صوتَه أمام الناس، ويحرجني ويَعيب عليَّ، مع أنه لم يكنْ كذلك معي وأنا صغير، فكان يحبني ويأخذني معه في كل مكانٍ يذهب إليه!


تزوجتُ ورُزِقتُ بولدَين، وكان والدي يزيد مِن إهانتي أمام زوجتي، وينقص مِن قدري، ويتدخَّل في حياتنا بكل شكلٍ ممكن، وحصلتْ مشاكل بسببه بيني وبين زوجتي وطلقتُها!


أُنْفِق على أولادي بعد الطلاق، ومِن كثرة الانشغال أعطيتُه المالَ ليُرسِلَه لأولادي، لكنه - وبكل أسفٍ - استخدم ذلك لمدْحِ نفسه؛ وأخبر الناس أنه هو مَن يُنفق على الأولاد؛ فأخذتُ منه المال والبطاقة التي يصرف منها المال، فغضب، ثم رددتُها إليه ثانيةً؛ حتى لا أكونَ عاقًّا له.


وصل بي الحال أني أتمنى موته لأرتاح منه؛ فقد أخَذ أوراقي وأوراق أولادي وكل التزاماتي وأعطاها لطليقتي، حتى لا يحتاجَ أولادي لي، لا في مدرسةٍ ولا في غيره!


يحتقرني أمام الناس، ويكذب عليَّ ليأخذَ مالي، مع أني وقفتُ معه كثيرًا بالجهد والمال، حتى عندما مرضتْ زوجتُه الثانية أنا مَن وقَف معه، وأنا - والحمد لله - أُصَلِّي وأخاف الله.

فانصحوني، ماذا أفعل معه؟

الجواب:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


أهلًا بك أخي السائل في شبكة الألوكة.


بدايةً أشكُر لك حلمك مع والدك رغم تصرُّفاته التي تزعجك، وأحْمَدُ لك الله - عز وجل - استقامتك وحِفاظك على الصلاةِ، وأُهَنِّئك بباب الجنة المفتوحِ، كما قال - عليه الصلاة والسلام -: ((الوالِدُ أوسطُ أبوابِ الجنَّةِ، فإنَّ شئتَ فأضِع ذلك البابَ أو احفَظْه))؛ رواه الترمذي، وصححه الألبانيُّ.


فكم مِن الناس عاشوا في نِعَمٍ كثيرةٍ، وحياةٍ مُدَلَّلةٍ، ومَليئةٍ بالرفاهية، وبالرغم مِن ذلك فشلوا في كلِّ شيءٍ!! وأرى أنَّ حياتك - التي ربما هي قاسية - قد أكسبتْك الكثير والكثير مِن معاني الرجولة والقوة، والتي ستصنع لك السعادة في مستقبل أيامك، ويَكْفيك منها أن يبرَّكَ أبناؤك كما بَرَرْتَ والدك.


وأنا أرجوك وأدعوك أن تعتبرَ ما مضى تجربة، وتتخذه وسيلةً لتطوير الحاضر، وتقوية المستقبل، وأن تعيشَ المستقبل بأملٍ وسعادة.


الوالدُ وهو في هذا العمر يصعب تعديلُ سُلوكه، لكن هذا العمر يتميَّز بالعاطفة الشديدة تجاه الأبناء؛ لذا أنصحك أنَّ تُضاعِفَ برك بوالدك، وأن تجعلَ هذا العملَ خالصًا لله عز وجل، وتذكَّر قولَ الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ أرضى الناس بسخط الله، وَكَلَهُ اللهُ إلى الناس، ومَنْ أسْخَط الناس برضا الله، كفاه الله مؤنة الناس))؛ صحَّحه الألبانيّ، اعملْ على هذا يقينا.


وبالنسبة للمعاملات المالية والأمور الشخصية، فلا أنصح بأن توكلها للوالد، فهو ليس أهلًا لتحمُّل هذه الأمور، وإن غضب فيمكنك ترضيته بأيِّ شيءٍ، أو صرْف نظره لأمورٍ أخرى، وأسأل الله دومًا أن يشغلَه، ويختم له بالصالحات.


حاوِلْ أن تصحبه إلى أماكنَ يحسُّ فيها بالفخر فيك؛ كديوانيات المشايخ، ودروس العلم، ثم سَلِّم أنت وهو على الشيخ ساعتها فسيكون فخورًا بك، وسيُعلِن هذا أمام الناس، ومع تَكرار هذا سينقلب الحال بإذن مُقَلِّب الأحوال.


كذلك اصْحَبْه للأماكن التي تكرم فيها، أو أرْسِل له صور شهادات التكريم، أو اعْرِضْها عليه في حضرة الناس، وإن لم تحصلْ على أيٍّ منها، فاسْعَ جاهدًا لتكونَ رمزَ الفخر أمام والدك، ومصدر فخرِ أسرتك عامة، سواء بتحصيلك للعلوم الشرعية، أو الدنيوية، أو بارتقائك في السُّلَّم الوظيفي.


كما أنصحك بعدم مُواجَهة الوالِد مُباشَرَةً بالعتاب عما صَدَر منه، ولكن اجعلْه يحسُّ منك بالغضب لهذا؛ مثلًا اخدمه ذلك اليوم وأنت صامت، غير محبٍّ للكلام والحديث، وحين يسألك عن سبب تغيُّرك، قل له: يَسُوءُني يا والدي كذا وكذا، ومع تَكرار ذلك سيتوقف عما يَسُوءُك.


أكْثِرْ مِن الدُّعاء له على مَسامِعِه، وفي سُجودك، اشغَلْه بأمورٍ يحبُّها لينشغلَ بك عنها، اُشْكُ ما تكره منه لأعزِّ أصدقائه؛ كي يُحادثه في الأمر وينهاه عما يفعل تجاهك، فغالبًا يستمع ويطيع الكبارُ لمن يحبون مِن جِيلِهم، عاتِبْه بلُطْفٍ أحيانًا، ادْعُ لنفسك بالثبات للنجاح في هذا الامتحان وبتيسير الأمور.

وفقك الله، وأفْرَغَ عليك صبرًا