|
ملتقى اللغة العربية و آدابها ملتقى يختص باللغة العربية الفصحى والعلوم النحوية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() ثلاثية الحلم والوطن والذات في ديوان تكوين حلم (1/2) أ. طاهر العتباني للشاعر صهيب محمد خير يوسف (2/1) صهيب محمد خير يوسف يوسف شاعرٌ سوري شاب، ينتمي إلى مدرسة الأدب الإسلامي، صدر له ديوانان شعريان: • الأول: تكوين حلم، صدر عن دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة، فائزاً بالمركز الأول في فئة الشعر من جائزة الشارقة للإبداع العربي – الدورة الثانية عشرة: 2008 - 2009م. • الثاني: يوميات خلوق، وهو ديوان شعر للأطفال فاز بجائزة دولة قطر لأدب الطفل – الدورة الثانية - 2009م. في هذه المقالة نتعرض لديوانه الأول (تكوين حلم) باعتباره إنجازاً شعريًّا متميزاً في مجال الكتابة الشعرية التي يلتقي فيها رافِدَا التراث والمعاصرة، كما يحمل في طياته قدراً كبيراً من الحساسية الشعرية ذات المذاق الحداثي الذي يأخذ من الحداثة إضافتها في الناحية الفنية الخالصة، وإن خالفها في مقولاتها الأيديولوجية التي تتبناها مثل القطيعة مع التراث، فهو ينغمر في التراث ويستوعبه ويستوحيه ويمتح من معينه، بنفس القدر الذي يعانق فيه أصداء الحداثة والتحديث في بعده الفني الخالص. والسِّر في هذا الموقف الذي يصنعه الشاعر من خلال الديوان (تكوين حلم) هو انتماؤه – كما أشرنا – إلى دوحة الشعر الإسلامي المعاصر التي مدَّت جذورها في تربتنا الثقافية المعاصرة وأصبح لها عددٌ من الروَّاد الأوَل الذين مهَّدوا سبيلَها وارتقَوا بنماذجها، من أمثال نجيب الكيلاني ومحمود مفلح وعبد الله عيسى السلامة وعبد الرحمن العشماوي، ثم سيراً على الدرب جاء الجيل التالي الذي حاول تطوير القصيدة في بُعدها الفني وتعانُقها مع أصداء العصر وحساسيته الجديدة. ومع ديوان تكوين حلم نكُون مع صورة من الجيل الثالث أو الرابع، أو من طلائعه، حيث يسير بالقصيدة مدًى أبعد، مُدركاً أن العمل الشعري المعاصر يحمل - أو يجب أن يحمل - قدراً من الخصوصية الفنية، ليشكل إضافة فنية لصياغات مدرسة الشعر الإسلامي المعاصر. لا يقف الشاعر عند معطيات القصيدة العمودية التقليدية ليردد ما قال السابقون، ولكنه يحمل على عاتقه عبءَ الإضافة والتجديد والتحديث والتميز، ويصنع لنفسه حلماً يكوِّنه بنفسه، مرتكزاً على عددٍ من الأُسس، منها: 1- الموقف الإسلامي الملتزم بقضايا الأمة وإرثها الحضاري ومقوماتها التاريخية في الزمان والمكان. 2- الإصرار على التجديد والإضافة التي تتمثل التراث وتعيه ولا تنفصل عنه، ولكنها في ذات الوقت لا تمثِّل تكرارية ولا ترديداً لِما سبق. 3- الاستفادة من عطاءات المدارس الأدبية المختلفة والحداثية منها على وجه التحديد، واستلهام تجديداتها الشكلية، وتنزيل هذه العطاءات في إطار الرؤيا الإسلامية للشعر. وإذا أردنا الدخول إلى عالم الديوان فستقابلنا في القصيدة الأولى ملامح تشي بالرؤيا الأساسية التي يحتويها الديوان والتي ترتكز على محاورَ ثلاثة: المحور الأول: الحلم، والذي يؤكد حضوره بقوة في الديوان عنوان الديوان نفسه (تكوين حلم)، والذي تتكون مفرداته من الجامع الأموي الذي يمثل الرمز الإسلامي لحقبة من حقب الازدهار الإسلامي الأول في عصر بني أمية الذين كانت دمشق عاصمة لهم، كما مثلت للشاعر في نفس الوقت موطناً وحلماً. وهنا يظهر المحور الثاني للرؤيا: الوطن الذي يفتش عنه الشاعر ويبحث لعله يجده. ومن ثم يتبدى المحور الثالث لهذه الرؤيا الشعرية: الذات، التي تتشبث بالحلم وتبحث عن وطن: - مَمَرٌّ يؤدِّيْ إلى الجامِعِ الأُمَوِيِّ - رأَيتُ دِمَشقَ القَديمةَ تَجْتَرِحُ العابرينَ، تُضِيءُ أصابِعَها، وتُضيءُ القَمَرْ ورأيتُ التَّراتيلَ تَخْضَرُّ غُصْناً فَغُصناً لِتبقَى دمشقُ مُضمَّخةً بِجَلالِ السُّوَرْ ورأيتُ المآذِنَ تتَّكِئُ الياسَمِينَ، تُلَوِّحُ بالسِّندِيانِ إلى بَرَدَى، وتُردِّدُ بَيْنَ القَناديلِ تَكْبِيرَها في مَهَبِّ السَّفَرْ .. بينَ تلكَ المآذِنِ كُنتُ أُفَتِّشُ عنْ وطَنٍ، وَأُؤَلِّفُ وَعْدَ المَطَرْ... ( الديوان: 5 - 6). نجد أنفسنا في هذه القصيدة الافتتاحية، أو القصيدة المفتاح، أمام خلاصة الرؤيا وأعمدتها الأساسية التي تنبثُّ في كل قصائد الديوان بشكل أو بآخر. كما نجد مفرداتها تتمثل في (الجامع الأموي – دمشق – تضيء – التراتيل – المآذن – بردى – القناديل – التكبير – وطن). كل هذه المفردات ذات العمق والحس الإسلامي تعمِّق من عُمُد الرؤيا الأساسية (الحلم – الوطن – الذات)، وتعطي لها نكهة إسلامية واضحة تشي بالعمق الحضاري والتاريخي الذي يرتكز عليه الشاعر، وهو ما سنلاحظه عبر الديوان كلِّه، ففي كل قصائده سيلحظ القارئ هذا الطعم المتميز للمفردات المستعملة في الديوان، كما يؤكد عنوان القصيدة (بين القناديل) أن لحظة صناعة الحلم والتفتيش عن الوطن يلزمها زخم كبير من وضوح الرؤيا فتكون القناديل هي الكاشف للحظة توحد الذات مع الحلم والوطن. والحلم لا يتكون بسهولة، ورغم ذلك فإنه يحاول أن يتكون، لكن عقبةً كأداء تقف في طريق تكوينه: (فاللَّيلُ مازالَ مُلتَصِقاً بالسَّماءِ) الديوان: 7. ولكن الذات التي تصنع الحلم لا تنتظر حتى يصنع، إنها تمتد لتكوِّن صورة الحلم نفسه: أنا صُورةُ الحُلْمِ في الأَرضِ حَيًّا سأَخرُجُ مِن جُثَّتيْ، وأَسِيرُ قُروناً تُخادِعُني بالجِهاتِ .. خُذِينيْ لأَبْعَدَ مِن جُثَّتيْ يا جِهاتُ: إلى واقِعِيْ المُشتَهَى أوْ إلى سِدرَةِ المُنتَهَى ( الديوان: 7). ثم ها هو يوجه الذات لتكُون على قدر عظمة الحلم: - للتَّوَحُّدِ في صَحْوَةِ الحُلْمِ كُنْ جامِحاً وأنِيقاً كَحُلْمِكَ، واتْبَعْ حَنِينَكَ حِينَ يُناديْ الغِيابَ .. وفكِّرْ: أيَكْفِيْ السُّقُوطُ الأخيرُ لأَطْوِيَ مِن أَجْلِهِ كُلَّ حُلْمِيْ؟! -. (الديوان: 8). إنه يتشبث بالحلم ويؤكد أن الذات يجب أن تكون على قدر الحلم جموحاً وأناقة، ولا يعترف بالفشل الذي قد تكرر مراتٍ، فعبارة (السقوط الأخير) تشي بأن محاولة تكوين الحلم ولحظاتِ صحوِهِ قد تكررت، ولكن ذلك لا يعني طيَّ صفحات ذلك الحلم، بل يعني معاودة تكوينه مرةً أخرى، بل مراتٍ أخرى. وإذا كانت الذات تتحمل كل هذه العذابات وهي تحاول تكوين الحلم، فإنها تتوحد مع الآخرين الذين يتمثل فيهم الوطن رموزاً، وهذا واحد منهم: إنه الفتى (الذي...). لا يذكر الشاعر صهيب جملة الصلة في عنوان القصيدة ليترك كلمات القصيدة تشي بملامح ذلك الفتى (الذي...): جَمْرةٌ في يَدِهْ وعلى وَجْهِهِ أثَرٌ لِفَتًى كانَ في أُحُدِهْ يَنتَبِهْ.. في لياليْ الحَنينِ.. فيَرفَعُ أحزانَهُ جَمرةً جَمرةً.. بِيَدِهْ اَلَّذيْ يُتقِنُ المَشْيَ فوقَ الصِّراطِ إلى مَسْجِدِهْ والَّذيْ كُلَّما انطفَأَ اللَّيلُ أشعَلَ نَجْماً جديداً على بَلَدِهْ وتوضَّأَ بالنُّورِ، بالأَزْرَقِ المُتَلألئِ في أَبَدِهْ (الديوان: 9 - 10). إنها صورة الذي....، أو جملة الصلة التي افتقدت في العنوان. ثم يعلن الشاعر لحظة التوحد بهذا الذي....، فيقول: أَتَبَتَّلُ مِثلَ الَّذيْ.. فأَمُدُّ لِقَلبِيَ سَجَّادةً حُرَّةً تَطمَئنُّ إلى مَدَدِهْ: مَنْ أنا؟ يا إلهِيْ، أنا سالِكٌ.. عادَ يَحْمِلُ ذُلَّ الذُّنوبِ إلى سَيِّدِهْ (الديوان: 10 – 11). يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |