|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() اللغويون العرب واللغات السامية أ. د. أحمد عارف حجازي على الرغم من كثرة اللغويين العرب، وتنوع اتجاهاتهم ومدارسهم، وتعدد ثقافاتهم واختلاف منابعها، إلا أنهم لم ينتبهوا إلى اللغات السامية: بل لم يعرفها - أو يعرف واحدة منها - إلا عدد قليل جداً. وقد وردت هذه المعرفة لتلك اللغات في إشارات بسيطة وصغيرة. وهؤلاء اللغويون هم: ♦ الخليل بن أحمد (ت 170 هـ). ♦ أبو عبيد القاسم بن سلام (224 هـ). ♦ أبو منصور الجواليقي (ت 540 هـ). ♦ أبو القاسم عبد الرحمن السهيلي (ت 581 هـ). وسوق نتناول بعض ما كتبه هؤلاء اللغويون ونحلله، لنرى مدى معرفتهم تلك اللغات أو إحداها. الخليل بن أحمد: ورد في معجم العين للخليل النص التالي: وكنعان بن سام بن نوح ينسب إليه الكنعانيون، وكانوا يتكلمون بلغة تضارع العربية[1]. يلمح الخليل في هذا النص إلى أنه يعرف شيئاً عن اللغة الكنعانية، ولكنه لم يسمها، بل نسبها إلى كنعان بن سام بن نوح عليه السلام. وقد جاء كلامه عاماً ليس فيه تصريح عن هذه اللغة الكنعانية، بل اكتفى بقوله إنها تضارع اللغة العربية. وهو بذلك يفطن إلى وجود أوجه شبه بين اللغتين، ولكنه لم يفصح عنها. ولا ندري هل قرأ عن تلك اللغة أم عرفها معرفة سطحية فقط؟ ويبدو أنه كان على معرفة طفيفة بتلك اللغة، إذ إنه عرف أنها ماتت منذ زمن، ولم يعد يتكلم بها أحد. ولذلك عبر عن ذلك بصيغة (كان + الفعل المضارع) أو ما يضارع الماضي المستمر في اللغة الانجليزية، فقال: (كانوا يتكلمون). ولا يبدو من النص أي معرفة بأية لغة سامية أخرى، كما لا يبدو أي أثر في كتاب العين لتلك المعرفة، أو فيما كتب عنه تلميذه سيبويه (ت 180 هـ) في كتابه (الكتاب). ولو حدث ذلك لتغيرت مناهج النحاة وآراؤهم في ظواهر اللغة العربية التي عالجوها في كتاباتهم، إذ إن الخليل كان من رواد اللغويين العرب. وقد أثر فكرة وفكر تلميذه سيبويه في كل من جاء بعدهما. أبو عبيد القاسم بن سلام: جاء فيما كتبه أبو حاتم السجستاني (ت 255 هـ) عن أبى عبيد أنه قال للعرب في كلامها علامات لا يشاركهم فيها أحد من الأمم نعلمه: منها إدخال الألف واللام في أول الاسم، وإلزامهم إياه الإعراب في كل وجه: في الرفع والنصب والخفض. كما أدخلوا في (الطور)، وحذفوا الألف... في الآخر: فألزموه الإعراب في كل وجه وهو بالسريانية (طور) على حال واحد في الرفع والنصب والخفض وكذلك (اليم) هو بالسريانية (يما)، فأدخلت العرب فيه الألف واللام، وصرفته في جميع الإعراب على ما وصفت ))[2]. يبدو من هذا النص أن أبا عبيد كان يعرف اللغة السريانية معرفة سطحية دون التعمق في قواعدها اللغوية، أو معرفة بعض أوجه الشبة بينها وبين اللغة العربية. بل عرف فقط وجهاً من أوجه الخلاف بينهما وهو بقاء الكلمة في السريانية على وجه واحد، رغم تغير موقعها الوظيفي في الجملة، أما في اللغة العربية فتتغير الكلمة حسب موقعها الوظيفي في الجملة، بالرفع أو النصب أو الجر، وهو ما يسمى الإعراب. ورغم ما قاله أبو عبيد هنا، فإن ذلك لا يدل على معرفة عميقة وعلم بتلك اللغة، وذلك لما يلي: ♦ أنه استشهد بكلمتين فقط، هما (طورا) Tūrā و( يمَا) Yammā، وهما كلمتان موجودتان في القرآن الكريم، فالأولى في قوله تعالى: ﴿ وَطُورِ سِينِينَ ﴾[3] والثانية في قوله تعالى: ﴿ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ ﴾[4]. وقد حكم بعده عربيتهما كثير من المفسرين[5]. ♦ لم يفطن أبو عبيد إلى أن هناك تغييراً يلحق آخر الكلمة في اللغة السريانية، ولا يأتي هذا التعبير حسب المواقع الوظيفية المختلفة للكلمة، بل يأتي حسب التعريف و التنكير. ففي حالتي التعريف والتنكير تختم الكلمة بمقطع طويل مفتوح ولكنه في التعريف ذو حركة فتح طويلة (a = ’ )، وفي حالة التنكير تتحول هذه الفتحة الطويلة إلى حركة كسر ممالة طويلة (e = )، فتصير كلمة (طور) في حالة النكرة هي Tūrā وفي حالة المعرفة تصير Tūrā وكذا كلمة (يم) في النكرة Yammā وفي حالة المعرفة تصير[6] Yammā . ♦ لم يظهر أي أثر لمعرفة أي عبيد اللغة السريانية، سواء فيما كتبه هو، كالغريب المصنف أو ما نقله عنه غيره من اللغويين، إلا هذا النص السابق؟ أبو منصور الجواليقي: عرف أبو منصور الجواليقى شيئاً عن اللغة الآرامية، وقد جاء ذلك في كتابه (المعرب) عند شرحه لكلمتين هما: ♦ برطلة، حيث قال إنها (( كلمة نبطية، وليست من كلام العرب قال الأصمعي (بر) ابن والنبط يجعلون الظاء طاء، وكأنهم أرادوا (ابن الظل) )[7]. ♦ ناطور، وقال أيضاً إنها كلمة نبطية، (( قال الأصمعي هو الناظور، والنبط الظاء طاء ألا تراهم يقولون: برطله، وإنما هو ابن الظل ))[8]. ومع أنه لم يفصل هاتين الكلمتين أو يشرحها، بل اكتفى بردها إلى اللغة الآرامية التي سماها اللغة النبطية، إلا أن هذا يدل على معرفة بسيطة بتلك اللغة ذلك أن الظاء العربية تقابلها طاء آرامية، وبعض الكلمات التي بها طاء آرامية قد تقابلها ظاء عربية أيضاً[9]. ولعله حكم بعدم عربيتهما استناداً إلى الوزن الصرفي أو تركيب بنيتيهما الصرفيتين. دون معرفة كافية باللغة السريانية، لأن وزن كلمة (برطلة) هو (فُعْللةَ)، وهو غير مستخدم كثيراً في أوزان الأسماء العربية. وكذلك وزن كلمة (ناطور) هو (فاعول)، وهو ليس من أوزان المصادر، أو صفة الفاعل، أو صفة المفعول. أو الظرف، أو صفة المبالغة، أو الصفة المشبهة، بل هو امتداد سرياني لصيغة (فَعول) مفتوحة العين في اللغة العربية [10] كما أطالت العبرية صيغة الفعل الماضي (فَعَل) إلى فاعَل[11]، في مثل: Sāmar بمعنى (حرس)، Halah بمعنى (هلك أو ذهب). ولذلك نجد المازنى (ت 255 هـ) لا يورد هذين الوزنين ضمن أوزان الأسماء في كتابه التصريف، الذي شرحه ابن جنى (ت 395 هـ). ومما يحمد لأبي منصور أنه عرف أن كلمة (بر) في اللغة العربية رغم أنه نقلها أبي حاتم السجساني (ت 255 هـ) عن الأصمعي (ت 215 هـ) وكذلك عن ابن دريد _ كلمة سامية قديمة، وجدت في النقوش القديمة كنقش النمارة المكتشف سنة 1905 م والمكتوب سنة 328 م.[12] وهي مستخدمة في السريانية كثيراً، وقد دخلت العربية في أسماء غير المسلمين، مثل: برسوم، وأصلها برصوما barsūma معنى ابن الصوم. ومما يدل على معرفة الجواليقي البسيطة للغة الأرامية (السريانية) تردده وعدم قطعه في شرح بعض الكلمات في كتابه، مثل قوله عن كلمة (برخ): البرخ الكثير، قال أبو بكر[13] هو لغة يمانية، وأحسب أصلها عبرانياً أو سريانياً، وهو البركة والنماء ))[14]. فهو هنا يتردد في شرح كلمة (برخ)، ومع ذلك يردها إلى العبرية أو السريانية رداً بحذر، دون أن يقطع في أمرها وهي كلمة سامية مشتركة في اللغات السامية، وليست خاصة بلغة سامية دون أخرى. فهي في العربية (بركة) وفي العبرية أبو القاسم السهيلي: عرف السهيلي شيئاً يسيراً عن اللغة السريانية فقال: وكثيراً ما يقع الاتفاق بين السرياني والعربي، أو يقاربه في اللفظ[16]. ورغم أن هذا الكلام صريح في معرفة السهيلي باللغة السامية، إلا أنه يحتاج إلى توضيح وتبيين. ورغم تعبيره بلفظ (كثيراً) الدال على مدى اطلاعه على تلك اللغة، إلا أنه أيضاً لم يبين لنا أوجه الاتفاق بين اللغتين وأوجه المقاربة اللفظية بينهما. أما الاتفاق بين اللغتين فهو كثير وتشترك فيه بقية اللغات السامية، وقد سبق أن أوضحناه آنفاً[17] وأما المقاربة في اللفظ فهو كثيراً أيضاً، ويظهر بوضوح في الناحية الدلالية، حيث إنها أكثر النواحي اللغوية تقارباً بين الساميات عموماً، وبين السريانية والعربية خصوصاً[18]. ورغم تلك المعرفة من جانب السهيلي، فإنها لم تثمر في مؤلفاته اللغوية - سواء الأمالي أم نتائج الفكر - شأنه كل اللغويين العرب. مما سبق يتبين لنا مدى بعد اللغويين العرب القدماء عن اللغات السامية، ومدى ضآلة علم منهم إياها. وسبب ذلك هو أن الدرس اللغوي عندهم قد (( ارتبط في أذهانهم بقدسية العربية، وارتفاع شأنها على ما عداها من اللغات واللهجات. ومن هذا انصرفوا عن الدرس المقارن للعربية، في إطار فصيلتها السامية من جانب، ولهجاتها المحلية من جانب آخر. ولذا نرى براعتهم الفائقة في تسجيل الظواهر اللغوية في العربية، بمقدار ما نرى أوهامهم الكثيرة في البحث عن أسرار هذه الظواهر وتعليلها ))[19]. ومن اللافت للنظر أن القرن الرابع الهجري، الذي كان حافلاً بالعلوم اللغوية والانفتاح على غير العرب كالفرس واليهود واليونان ووجود عمالقة الفكر اللغوي العربي كابن دريد (ت 330 هـ)[20] وأبي علي الفارسي (ت 377 هـ) وأحمد بن فارس (ت 395 ه) وابن جني (ت 395 ه) رغم ذلك كله لم نجد واحداً منهم يعرف شيئاً عن اللغات السامية أو إحداها. بل على العكس من ذلك، وجدت دراسات مقارنة بين العربية والعبرية من جهة، وبين العربية والآرامية من جهة أخرى، في هذا القرن نفسه، وقد تم معظمها في المغرب والأندلس على يد لغويين يهود، كتبوها باللغة العربية. ومن هؤلاء أبو يوسف الفرقساني، وداود بن إبراهيم، ودوناش بن تميم، وإسحق بن بارون، وجودة بن قريش[21]. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |