أصحاب السبت - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 14853 - عددالزوار : 1086070 )           »          بيع العربون (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          أحكام من أدرك وقت الصلاة فلم يصل ثم زال تكليفه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          بيع حبل الحبلة والمضامين والملاقيح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          لماذا أحب رسول الله؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          علة حديث: ((من غسل واغتسل يوم الجمعة وبكر وابتكر، كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          الحديث العاشر: صلة الرحم تزيد في العمر والرزق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          تخريج حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبال في الجحر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          رفع الارتياب في بيان أحكام إجازة القراءة والسماع عن بعد ومن وراء حجاب لأحمد آل إبراهي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 483 - عددالزوار : 174587 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 05-04-2021, 11:57 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,449
الدولة : Egypt
افتراضي أصحاب السبت

أصحاب السبت
الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي التميمي



الْخُطْبَةُ الْأُولَى

عِبَاد اللهِ، إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ اعْتَدُوا فِي السَّبْتِ اعَتْدُوا عَلَى حُكْمِ اللهِ مُتَظَاهِرِينَ بِالطَّاعَةِ وَهُمْ عَاصُونَ، وَحَسَبُوا أَنَّهُمْ يَسْتَطِيعُونَ خِدَاعَ اللهِ بِأَنَّهُمْ طَائِعُونَ مَعَ أَنَّهُمْ بِعِلْمِهِ عَاصُونَ، وَصَدَرَ حُكْمُ اللَّهِ عَلَيهُمْ بِخُبْثُ طَوِيَتِهِمْ، وَسُوءِ فِعَالهُمْ: ﴿ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ﴾ [البقرة: 65].



عِبَاد اللهِ، لَقَدْ ذَكَرَ اللهُ لَنَا فِي الْقُرْآنِ خَبَرَ الَّذِينَ اعْتَدَوْا فِي السَّبْتِ فِي مَوَاضِعِ مِنْ كِتَابِهِ، فَقَالِ تَعَالَى: ﴿ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ﴾ [البقرة: 65]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ﴾ [الأعراف: 164 - 166]، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ السَّبْتِ لَمْ يَبِقَ حُوتٌ إِلَّا خَرَجَ حَتَّى يخرجن مِنْ كَثْرَتِهِنَّ خَرَاطِيمِهِنَّ مِنَ الْمَاءِ، فَإِذَا ذَهَبِ السَّبْتُ غَاصَتْ فِي الْبَحْرِ، وَلَمْ يَرَ مِنهُنَّ شَيْءٌ حَتَّى لَا يَعْرِضُ لَهَا أَهْلُ الصَّيْدِ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ سُبْحَانُهُ: ﴿ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ ﴾ [الأعراف: 163].



فَاشْتَهَى بَعْضُهُمِ السَّمَكَ، فَجَعَلَ يَحْتَفِرُ الْحَفِيرَةَ، وَيَجْعَلُ لَهَا نَهْرًا إِلَى الْبَحْرِ؛ حَيْثُ كَانُوا يَنْصَبُونَ الْحَبَائِلَ وَالشّصُوصَ يَوْمَ الْجُمْعَةِ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ السَّبْتِ أَقْبَلَ الْمَوْجِ بِالْحِيتَانِ يَضْرِبُهَا حَتَّى يَلْقِيْهَا فِي الْحَفِيرَةِ، فَيُرِيدُ الْحُوتُ أَنْ يَخْرُجَ فَلَا يُطِيقَ مِنْ أَجَلِ قِلَّةِ الْمَاءِ، فَيَمْكُثُ، فَإذاَ كَانَ يَوْمُ الْأحَدِ جَاءَ فَأخْذُهُ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَشَوِي السَّمَكَ، فَيَجِدُ جَارُهُ ريحَهُ، فَيَخْبَرُهُ فَيُصْنَعُ مِثْلَمَا صَنْعُ جَارُهُ.



فَفَعَلُوا ذَلِكَ زَمَانًا فَكَثُرَتْ أَمْوَالُهُمْ، وَلَمْ يَنْزَلْ عَلَيهُمْ عُقُوبَةٌ، فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ، وَتَجَرَّؤوا عَلَى الذَّنْبِ، وَقَالُوا: مَا نَرَى السَّبْتَ إِلَّا أُحِلَّ لَنَا الْعَمَلُ فِيهِ، فَلمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ صَارَ أهْلُ الْقَرْيَةِ ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ: صنْف ثَبَتُوا عَلَى دِينِهِمْ وَأَمَانِهِمْ، فَأَمْسَكَ وَنَهَى عَنِ الصَّيْدِ. وَصنْف أَمْسَكَ وَلَمْ يَنْهِ. وَصنْف انْتَهَكَ حُرُمَاتِ اللهِ.



وَإِنَّ الْقَومَ اجْتَمَعُوا فَتَنَاقَشُوا بِالْمَسْأَلَةِ فَاخْتَلَفُوا فِيهَا؛ فَقَالَ فَرِيقٌ مِنهُمْ: إِنَّمَا حُرِمَتْ عَلَيكُمْ يَوْمُ السَّبْتِ أَنْ تَأْكُلُوهَا، فَصِيدُوهَا يَوْمَ السَّبْتِ، وَكُلُوهَا فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ.



فَقَالَتْ فِرْقَةٌ: لَا نَأْخُذُهَا وَلَا نَقْرَبُهَا، فَقَامَتْ الْفَرِقَةُ الْمُؤْمِنَةُ تَنْهَاهُمْ، وَتَقُولُ: الله الله، نُحَذِّرُكُمْ بَأْسَ اللهِ.



وَأَمَا الْفَرِقَةُ الْمُتَوَسِّطَةُ فَكُفَّتْ أَيْدِيهَا، وَأَمْسَكَتْ أَلَسِنَتَهَا، وَأَمَّا الْفَرِقَةُ الْخَبِيثَةُ فَوَثَبْتِ عَلَى السَّمَكِ تَأْخُذُهُ بِاحْتِيَالٍ، وَمَكْرٍ، وَخَدِيعَةٍ، لَقَدْ نَصَحَهُمْ أَهْلُ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ مِنْ قَوْمِهِمْ، لَكِنْ لَمْ يَنْفَعْ نُصْحُهُمْ حَتَّى اَسْتَنْكِرَ بَعْضُهُمْ اسْتِمْرَارَهُمْ فِي النُّصْحِ، وَطَلَبُوا مِنهُمْ الْكَفَ عَنِ النُّصْحِ، فَلَمْ تَعُدْ مِنْ وَجِهَةِ نَظَرِهِمْ جَدْوَى مِنَ الْوَعْظِ لَهُمْ، وَلَمْ تَعدْ هُنَاكَ جَدْوَى لِتَحْذِيرِهِمْ بَعْدَمَا كَتَبَ اللهُ عَلَيهُمْ الْهَلَاكَ أَوِ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا اِقْتَرَفُوهُ مِنَ اِنْتِهَاكِ لِحُرُمَاتِ اللهِ.



وَلَكِن أَهْل الْعِلْمِ وَالْخَيْرِ بَيَّنُوا الْعِلَّةَ فِي اسْتِمْرَارِ النُّصْحِ، كَمَا حَكَى اللهُ عَنهُمْ بِقَولِهِ تَعَالَى: ﴿ قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [الأعراف: 164]، فَهُوَ وَاجِبٌ للهِ نُؤَدِّيهِ أَلَا وَهُوَ: الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنِ الْمُنْكَرِ، وَالتَّخْوِيفُ مِنَ انْتِهَاكِ حُرُمَاتِهِ، وَلنُبَلغَ إِلَى اللهِ عُذْرِنَا، وَيَعْلَمُ أَنْ قَدْ أَدَّينَا وَاجِبُنَا. ثُمَّ لَعَلَّ النُّصْحُ يُؤثِّرُ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْقُلُوبِ الْعَاصِيةِ فَيُثِيرُ فِيهَا الْخَوْفُ مِنَ اللهِ وَالتَّقْوَى، لَكِن الْقُلُوب الْقَاسِيَة الْمُحْتَالَة لَمْ يُجْدِ مَعَهَا نُصْحٌ، وَلَمْ يَنْفَعْ مَعهَا تَقْرِيعٌ وَتَخْوِيفٌ، فَكَانَتِ النِّهَايَةُ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيهُمْ، وَسَخطَ، وَمَسخهُمْ إِلَى قِرَدَةٍ وَخَنَازِيرَ.



قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: (وَالْقَومُ إِنَّمَا اصْطَادُوا لَهَا مُحْتَالِينَ مُسْتَحِلِينَ بِنَوْعِ مِنَ التَّأْوِيلِ، وَلَمْ يَأْكَلْ حَتَّى خَرَجَ يَوْمُ السَّبْتِ تَأْوِيلًا مِنهُمْ أَنَّ الْمُحْرِمَ هُوَ الْأُكْلُ، وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِحْلَالُ تَأْوِيلٍ، وَاِحْتِيَالٌ ظَاهِرهُ ظَاهِرُ الْاِتِّقَاءِ، وَحَقِيقَتُهُ حَقِيقَةُ الْاِعْتِدَاءِ، وَلِهَذَا - وَاللهُ أَعْلَمُ - مُسِخُوا قِرَدَةً، لِأَنَّ صُورَةَ الْقِرْدِ فِيهَا شَبَهٌ مِنْ صُورَةِ الْإِنْسَانِ، وَفِي بَعْضِ مَا يُذْكَرُ مِنْ أَوصَافِهِ شَبَهٌ مِنْهُ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لَهُ فِي الْحَدِّ وَالْحَقِيقَةِ، فَلَمَّا مَسَخَ أُولَئِكَ الْمُعْتَدُونَ دِينَ اللهِ بِحَيْثُ لَمْ يَتَمَسَّكُوا إِلَّا بِمَا يُشْبَهُ الدِّينُ فِي بَعْضِ ظَاهِرِهِ دُونَ حَقِيقَتِهِ مَسَخَهُمُ اللهُ قِرَدَةً يَشْبَهُونَهُمْ فِي بَعْضِ ظَاهِرِهِمْ دُونَ الْحَقِيقَةِ جَزَاءً وِفَاقًا).



كَمَا قَالَ أَيُّوب السِّخْتِيَانِيُّ: (لَوْ أَتَوا الْأَمْرَ عَلَى وَجْهِهِ كَانَ أَهْوَنُ عَلَيَّ؛ كَانَتْ عُقُوبَتُهُمْ أَغْلَظَ مِنْ عُقُوبَةِ غَيْرِهِمْ، فَإِنَّ مَنْ أَكَلَ الرِّبَا وَالصَّيْد الْمُحْرِم عَالِمًا بِأَنَّهُ حَرَامٌ، فَقَد اقْتَرَنَ بِمَعْصِيَتِهِ اعْتِرَافه بِالتَّحْرِيمِ، وَهُوَ إِيمَانٌ بِاللهِ وَآيَاتِهِ. وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَرَجَاءِ مَغْفِرَتِهِ، وَإِمْكَانِ التَّوْبَةِ مَا قَدْ يُفْضِي بِهِ إِلَى خَيْرٍ، وَمِنْ أَكْلِهِ مُسْتَحِلًا بِنَوْعِ اِحْتِيَالٍ تَأَوَّلَ فِيهِ، فَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى الْحَرَامِ، وَقَد اقْتَرَنَ بِهِ اعْتِقَادُهُ الْفَاسِد فِي حِلِّ الْحَرَامِ).



وَذَلِكَ قَدْ يُفْضِي بِهِ إِلَى شَرٍّ طَوِيلٍ، وَلِهَذَا حَذَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: «لَا تَرْتَكِبُوا مَا اِرْتَكَبَ الْيَهُودُ، فَتَسْتَحِلُّوا مَحَارِمَ اللهِ بِأَدْنَى الْحِيَلِ» قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: (فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَزْجَرَةٌ عَظِيمَةٌ لِلِمُتَعَاطِينَ لِلْحِيَلِ عَلَى الْمَنَاهِي الشَّرْعِيَّةِ مِمَّنْ يَتَلَبَّسُ بِعِلْمِ الْفِقْهِ وَلَيْسَ بِفَقِيهٍ; إِذِ الْفَقِيهِ مَنْ يَخْشَى اللهَ تَعَالَى فِي الرِّبَوِيَّاتِ وَالتَّحْلِيلِ بِاسْتِعَارَةِ الْمُحَلِّلِ لِلْمُطَلَّقَاتِ وَالْخُلْعِ لِحَلّ مَا لزِم مِنَ الْمُطْلِقَاتِ الْمُعَلّقَاتِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ عَظَائِمِ وَمَصَائِبِ لَو اعْتمدَ بَعْضُهَا مَخْلُوقٌ فِي حَقِّ مَخْلُوقٍ؛ لِكَانَ فِي نِهَايَةِ الْقُبْحِ، فَكَيْفَ فِي حَقِّ مَنْ يَعْلَمُ السِّرُّ وَأَخْفَى).



ثُمَّ مِمَّا يَقْضِي مِنْهُ الْعَجَبُ أَنَّ هَذِهِ الْحِيلَةَ الَّتِي احْتَالَهَا أَصْحَابُ السَّبْتِ فِي الصَّيْدِ قَدِ اسْتَحَلَّهَا طَوَائِفٌ مِنَ الْمُفْتِينَ حَتَّى تَعَدَّى ذَلِكَ إِلَى بَعْضِ الْحِيلَةِ، فَقَالُوا: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا نَصَبَ شَبَكَةً، أَوْ شَصًّا قَبْلَ أَنْ يَحْرُمَ؛ ليَقَعَ فِيهِ الصَّيْدُ بَعْدَ إِحْرَامِهِ، ثُمَّ أَخَذَهُ بَعْدَ حِلِّهِ لَمْ يَحْرُمْ ذَلِكَ، وَهَذِهِ بِعَيْنِهَا حِيلَةُ أَصْحَابِ السَّبْتِ، وَفِي ذَلِكَ تَصْدِيقُ قَوْلِهِ -سُبْحَانهُ وَتَعَالَى-: ﴿ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا ﴾. وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ مِنْ كَانَ قَبْلِكُمْ حَذْوَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمْوهُ». قَالَوا: يَا رَسُولَ اللهِ، الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: «فَمِنْ؟»، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا تَأَمَّلَهُ اللَّبِيبُ عَلِمَ أَنَّهُ يَدِلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْحِيَلَ مِنْ أَعَظْمِ الْمُحْرِمَاتِ فِي دَيْنِ اللهِ تَعَالَى، وَهَذَا الْحَديثُ أَصْلٌ فِي إِبْطَالِ الْحِيَلِ. وَبِهِ اِحْتَجَّ الْبُخَارِيُّ عَلَى ذلِكَ. اهـ.



الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

عباد الله، وَمَا أَكْثَر الْحِيل عِنْدَمَا يَلْتَوِي الْقَلْبُ، وَتَقِلُّ التَّقْوَى، وَيُرَادُ التَّفَلُّتُ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ، إِنَّ الَّذِي يَحْمِي الْمُؤْمِنُ مِنَ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ هُوَ الْخَوْفِ مِنَ اللهِ، وَمَا مِنْ نِظَامٍ تَحْرُسُهُ الْقُوَّةُ الْمَادِيَّةُ وَالْحِرَاسَةُ الظَّاهِرِيَّةُ يستطيعُ أَنْ يُحَقِّقَ النَّجَاح الْكَامِل، وَلَنْ تَسْتَطِيعَ الدُّولُ أَنْ تَضَعَ عَلَى رَأْسِ كُلِّ فَرْدٍ حَارِسًا يُلَاحِقُهُ لِتَنْفِيذِ الْأحكام وَصِيَانَتِهِ؛ مَا لَمْ تَكُنْ خِشْيَةُ اللهِ فِي قُلُوبِ النَّاسِ، وَمُرَاقَبَتِهِمْ لَهُ فِي السِّرِ وَالْعَلَنِ..



وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: (وَهَلْ أَصَابَ الطَّائِفَةَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ الْمَسْخُ إِلَّا بِاحْتِيَالِهِمْ عَلَى أَمْرِ اللهِ، إِنَّمَا ذَاكَ إِذَا اسْتَحَلُّوا هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ بِالتَّأْوِيلَاتِ الْفَاسِدَةِ، فَإِنَّهُمْ لَوِ اسْتَحَلُّوهَا مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّ الرَّسُولَ حَرَّمَهَا كَانُوا كُفَّارًا، وَلَمْ يَكُونُوا مِنْ أُمَّتِهِ، وَلَوْ كَانُوا مُعْتَرِفِينَ بِأَنَّهَا حَرَامٌ لَأَوْشَكَ أَنْ لَا يُعَاقَبُوا بِالْمَسْخِ كَسَائِرِ الَّذِينَ لَمْ يَزَالُوا يَفْعَلُونَ هَذِهِ الْمَعَاصِي، وَلَمَّا قِيلَ فِيهِمْ: يَسْتَحِلُّونَ فَإِنَّ الْمُسْتَحِلَّ لِلشَّيْءِ هُوَ الَّذِي يَأْخُذُهُ مُعْتَقِدًا حِلّهُ، وَإِذَا عَرَفَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 66]، مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَا يَفْعَلُونَ مِثْلَ فِعَالِهِمْ، وَقَالُوا: نَكَالًا عُقُوبَةً لِمَا قَبْلَهَا وَعِبْرَةً لِمَا بَعْدَهَا، كَمَا قَالَ فِي السَّارِقِ: ﴿ نَكَالًا مِنَ اللهِ ﴾ [المائدة: 38]، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِالنَّكَالِ الْعِبْرَةِ، لِأَنَّهُ قَدْ قَالَ: ﴿ جَزَاءً بِمَا كَسَبَا ﴾، فَإِذَا كَانَ اللهُ سُبْحَانهُ قَدْ نَكَلَ بِعُقُوبَةَ هَؤُلَاءِ سَائِر مَنْ بَعْدَهُمْ وَوَعَظَ بِهَا الْمُتَّقِينَ، فَحَقِيقٌ بِالْمُؤْمِنِ أَنْ يَحْذَرَ اسْتِحْلَالَ مَحَارِمِ اللهِ تَعَالَى، وَأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَشَدِّ أَسْبَابِ الْعُقُوبَةِ؛ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ الْخَطَايَا وَالْمَعَاصِي). وَانْتَهَى كَلَامُهُ -رَحِمَهُ اللهُ-. اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّا خَافَكَ وَتَقَاكَ.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 77.54 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 75.86 كيلو بايت... تم توفير 1.68 كيلو بايت...بمعدل (2.17%)]