وسائل التوفيق بين القاعدة النحوية والتطبيق - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1369 - عددالزوار : 139961 )           »          معالجات نبوية لداء الرياء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          التربية بالحوار (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          صور من فن معالجة أخطاء الأصدقاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          في صحوةِ الغائب: الذِّكر بوابة الحضور (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          آيات السَّكِينة لطلب الطُّمأنينة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (العليم, العالم. علام الغيوب) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          سبل إحياء الدعوة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          التساؤلات القلبية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          الحب الذي لا نراه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى النحو وأصوله
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 13-03-2021, 04:32 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,143
الدولة : Egypt
افتراضي وسائل التوفيق بين القاعدة النحوية والتطبيق

وسائل التوفيق بين القاعدة النحوية والتطبيق

أ. د. عبدالله أحمد جاد الكريم حسن


توطئة: رأينا كيف وضع النحاة قواعدهم، حيث بدأت قواعدهم وصفيةً ثم تحولت إلى معيارية، حاول النحاة إطرادها، وبما أن الاستقراء كان ناقصًا عند جمع النصوص اللغوية؛ ولأسباب أخرى ذكرنا بعضها فيما سبق، وعند تطبيق القواعد وجد النحاة نصوصًا لغويةً مسموعةً فصيحةً لا تخضع لسلطان قواعدهم، فكان ضرورةً أن يتصدوا لإيجاد حل لهذا الإشكال وتلك المعضلة، ومحاولة التوفيق بين القاعدة النحوية والتطبيق، وهذا إكمال لدور النحاة في وضع القواعد أو لنقل هو تعديل وتكملة لبعض القواعد وترقيتها - كما يحدث مع كثير من القوانين الوضعية والدساتير - ولكننا نجدهم أحيانًا ينسبون ذلك إلى العرب أصحاب اللغة، والحقيقة أن مثل هذه الظواهر والمصطلحات من تسميتهم واستنباطهم وزعمهم، لأن مثل هذه الظواهر - سنذكر بعضها بعد قليل - موجودة في اللغة كغيرها من النصوص والظواهر اللغوية الأخرى؛ لذا كان لزامًا على النحاة أن يتصدوا لدراستها، ومحاولة نظمها في مكان يناسبها في منظومة القواعد النحوية وصرح النحو العربي الشامخ؛ كي يقوى للنهوض والاضطلاع بالدور المهم المنوط به.

يقول سيبويه:" وليس شيء يضطرون إليه إلا وهم يحاولون به وجهًا ".[1] ويقول ابن جني: "وسبب هذه الحمول والإضافات والإلحاقات كثيرة في هذه اللغة، وسعتها وغلبة حاجة أهلها إلى التصرف فيها والتركح في أثنائها لما يلابسونه ويكثرون استعماله من الكلام المنثور والشعر الموزون والخطب والسجوع، ولقوة إحساسهم في كل شيء شيئًا، وتخيلهم مالا يكاد يشعر به من لم يألف مذاهبهم"[2].

وأذكر فيما يأتي بعض الوسائل أو الظواهر التي ذكرها النحاة في تراثهم النحوي؛ محاولةً منهم لرأب الصدع بين القاعدة النحوية والتطبيق، أو ما أسميته " ضرورات التوفيق بين القاعدة النحوية والتطبيق "، أو بعبارة أخرى: محاولة إرجاع النصوص التي لم تتوفر فيها شروط الصحة نحويًا إلى موقف تتسم فيه بالسلامة النحوية، أو بتعبير آخر: هو صب ظواهر اللغة المنافية للقواعد في قوالب هذه القواعد[3].

من وسائل التوفيق في القواعد الخاصة بالحروف والمفردات:
القول بالزيادة:
إن كثيرًا من الحروف العربية – حروف المعاني - قد توافقت مع القواعد التي صنعها النحاة، وبعضها القليل تمرد على سلطان القواعد، فنجد النحاة يحكمون عليه بالزيادة. والزيادة المقصودة بالدراسة هاهنا هي الزيادة في السياق النحوي، وما ينتج عنها من معان ودلالات، وليس المقصود الزيادة بالمعنى الصرفي التي تجتمع حروفها في قولهم: (سألتمونيها).

والزيادة: مجيء كلمة في البنية السطحية للتركيب من دون أن يكون لها أثر في معنى البنية العميقة، لكن فائدتها في التركيب التوكيد والربط وتقوية المعنى، ويسميه اللغويون الجدد (الزيادة والإقحام).

ويرى السيوطي أن حروف الزيادة "دخولها كخروجها من غير إحداث معنى"[4]، ويقول ابن يعيش:" وقد أنكر بعضهم وقوع الأحرف زوائد لغير معنى، لأنه إذ ذاك يكون كالعبث، وليس يخلو إنكارهم لذلك من أنهم لم يجدوه في اللغة، أو لما ذكروه من معنى، فإن كان الأول فقد جاء منه في التنزيل والشعر ما لا يحصى، وإن كان الثاني فليس كما ظنوه، لأن قولنا " زائد " ليس المراد أنه دخل لغير المعنى البتة، بل زيد لضرب من التأكيد، والتأكيد معنى صحيح"[5]. ومن أنماطها عند النحاة العرب: زيادة بعض حروف الجر، وعن ذلك يقول سيبويه:" هذا باب ما يجري على الموضع لا على الاسم الذي قبله؛ وذلك قولك: ليس زيد بجبان ولا بخيلًا، وما زيد بأخيك ولا صاحبك" [6].

ومنه ما جاء في القرآن الكريم من زيادة بعض الحروف – على حد زعم بعضهم، وحاشا لله أن يكون في القرآن حرف زائد بل هي زيادة نحوية، وهذا أمر مشهور ومفهوم - كزيادة (الباء)؛ نحو قوله تعالى:﴿ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ﴾ [الرعد: 43] وزيادة (أن)؛ نحو قوله تعالى:﴿ وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ ﴾ [العنكبوت: 33]. وزيادة (الكاف)؛ نحو قوله تعالى: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ [الشورى: 11]. ومنه زيادة (لا) النافية؛ نحو قوله تعالى: ﴿ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ ﴾ [الأعراف: 12]، ومنه زيادة (ما)؛ نحو قوله تعالى: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ ﴾ [آل عمران: 159] ومنه زيادة (من)؛ نحو قوله تعالى: ما ترى في ﴿ مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ ﴾ [الملك: 3]. ومنه زيادة (الواو)؛ نحو قوله تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا ﴾ [الزمر: 73]. ومنه زيادة (كان) كما في قول الشاعر:
فكيف إذا مررت بدار قوم وجيران لنا كانوا كرام

ومن ذلك زيادة (اللام المزحلقة) في مثل قولنا: إن خالدًا لمؤدب.

القول بوقوع التقارض:
قد يجد النحاة بعض الكلمات لا تتفق مع قواعدهم فيما ألفوا لهذه الكلمات أو الحروف من عمل، وقد يجدوا أن كلمتين أو حرفين قد تبادلا العمل، فيقولون: وقع بينهما تقارض لغوي، فالتقارض هو:" أن تتبادل الكلمتان حكمًا خاصًا بهما؛ بمعنى أن تعطي كل منهما الأخرى حكمًا مساويًا لما أخذته منها". أو "هو أن يتبادل لفظان أهم صفاتهما أو عملهما، ويجري كل منهما مجرى الآخر" أو "هو أن يجري أحد اللفظين مجرى الآخر في إعماله أو إهماله والعكس صحيح".[7] ويقول ابن يعيش:" التقارض هو أن كل واحد منهما يستعير من الآخر حكمًا هو أخص به "[8].

ويقع التقارض في الحروف والأفعال والأسماء، وقد ذكر ابن هشام هذه الظاهرة في المغني، ومن ذلك قوله:" القاعدة الحادية عشرة: من ملح كلامهم تقارض اللفظين في الأحكام"[9]، وذكر أمثلة لها، منها:
1- (تقارض غير وإلا): فتعطى (غير) حكم (إلا) في الاستثناء بها؛ نحو قوله تعالى ﴿ لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ ﴾ [النساء: 95] فيمن نصب (غير). وتعطي (إلا) حكم (غير) في الوصف بها؛ كقوله تعالى: ﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ﴾ [الأنبياء: 22] فـ(إلا) في الآية صفة للنكرة قبلها (آلهة) بمعنى (غير)؛ أي: لو كان فيهما آلهة غير الله. ومنه قول الشاعر:
وكل أخ مفارقه أخوه لعمر أبيك إلا الفرقدان
أي: وكل أخ غير الفرقدين مفارقه أخوه.

2- تقارض ( أن المصدرية وما المصدرية ): فتعطى (أن) المصدرية حكم (ما) في الإهمال؛ ومنه قراءة ابن محيصن: ﴿ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ﴾ [البقرة: 233] برفع (يتم). ومنه قو الشاعر:
أن تقرآن على أسماء ويحكما مني السلام وألا تشعرا أحدا

وتعطى (ما) المصدرية حكم (أن) في الإعمال، كما روي من قوله صلى الله عليه وسلم: " كما تكونوا يولى عليكم " بحذف النون من (تكونوا).

3- تقارض (إن الشرطية ولو): فتعطى (إن) الشرطية حكم (لو) في الإهمال، كما روي في الحديث:" فإن لا تراه فإنه يراك". وتعطى (لو) حكم (إن) الشرطية فيجزم بها. ومنه قول الشاعر:
لو يشأ طار بها ذو ميعةلاحق الآطال نهد ذو خصل

4- تقارض (ما النافية وليس): فتعطى (ما) النافية حكم (ليس) في الإعمال، وهي لغة أهل الحجاز كقوله تعالى: ﴿ مَا هَذَا بَشَرًا [يوسف: 31] وتعطى (ليس) حكم (ما) في الإهمال عند انتقاض نفيها بإلا؛ كقولهم: " ليس الطيب إلا المسك "، وهي لغة بني تميم.

ويعلل ابن جني هذه الظاهرة بأن السر فيها توثيق الشبه بين الصيغتين المتقارضتين، فقال في الخصائص: "وهذه عادة مألوفة، وسنة مسلوكة: إذا أعطوا شيئًا من شيء حكمًا قابلوا ذلك بأن يعطوا المأخوذ منه حكمًا من أحكام صاحبه، عمارةً لبينهما وتتميمًا للشبه الجامع لهما".[10]

القول بالإهمال:
الإهمال هو عدم العمل، وأن الكلمة المهملة لا تأثير لها في إعراب الجملة الواقعة فيها، فالإهمال ترك العمل في الكلمة، ولا يدخل الإهمال الكلمة العاملة إلا لعارض يعرض لها، فيبطل عملها أو يعود بها إلى أصلها [11]. يقول ابن عقيل: " أما (لا) فمذهب الحجازيين إعمالها عمل (ليس) ومذهب تميم إهمالها ".[12] ويقول المرادي:" فالعامل هو ما أثر فيما دخل عليه؛ رفعًا، أو نصبًا، أو جرًا، أو جزمًا. وغير العامل بخلافه، ويسمى المهمل" [13].

والإهمال في العربية قسيم الإعمال، وينقسم إلى قسمين: إهمال جائز، وإهمال واجب، فالإهمال الجائز: يدور حول مفردات تعمل بشروط وهيئات خاصة، فإذا انتفى شرط أو أكثر من هذه الشروط أو انتقضت هيئة من هذه الهيئات أهملت وبطل عملها، وكأنها لم تكن عاملةً، أما الإهمال الواجب فإهمال الكلمة غير مرتبط بتغير الشروط أو تغير الهيئة، ويقع الإهمال في الحروف، والأسماء، والأفعال.

فالفعل التام: الأصل فيه أن يرفع الفاعل، ولكن يهمل إذا اتصلت به (ما) الكافة في نحو: قلما، طالما، كثرما، فلا نجد الفاعل بعد هذه الأفعال؛ نحو: قلما يقول ذلك أحد[14].

والفعل الناسخ يهمل إذا كان زائدًا، فمثلًا (كان) وبعض أخواتها تأتي تامة؛ أي: لا تنصب خبرًا لها وعليه أهمل عملها، وكذلك إذا جاءت زائدة (حشوًا) تهمل ولا تعمل عملها المعتاد.

والحرف: الحروف نوعان: حروف عاملة وحروف غير عاملة، وقد تهمل الحروف العاملة؛ فمثلًا (إن) وأخواتها إذا اتصل ب(ما)؛ نحو: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات: 10]، ﴿ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ ﴾ [الأنفال: 6]، أو تخفيف النون مع (إن)؛ نحو: ) وإن كل لما جميع لدينا ﴿ وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ ﴾ [يس: 32]، وقول الشاعر:
أنا ابن أبًاة الضيم من آل مالك وإن مالك كانت كرام المعادن

وقول الشاعر:
شلت يمينك إن قتلت لمسلمًا حلت عليك عقوبة المتعمد

وتهمل (ما) المشبهة ب(ليس) إذا تكررت؛ نحو: ما ما زيد قائم.
كما تهمل (إلا) في الاستثناء الناقص المنفي؛ نحو قوله: ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ ﴾ [آل عمران: 144].

القول بوقوع التعليق:
في بعض أبواب النحو العربي كباب (ظن وأخواتها) الأفعال التي تنصب مفعولين وجد النحاة بعض المسموعات قد وردت فيها بعض أفعال هذه المجموعة ولم ينصب المفعولين، والقاعدة تنص على هذا العمل، فماذا يفعلون؟ وكيف يتصرفون؟ وجدناهم يقولون: إن الفعل علق عن العمل، والتعليق معناه: إبطال عملها لفظًا فقط وإبقاؤه محلاً، وسببه وجود كلمة تفصل بين الفعل ومفعوليه، بشرط أن تكون هذه الكلمة مما يستحق الصدارة في الجملة، ومعنى الصدارة ألا يعمل في الكلمة عامل قبلها، وهذا الفاصل يسمى "المانع"، أو المعلق[15]. وهذا الفاصل أنواع هي:
1- لام الابتداء: نحو: علمت لزيد كريم.
2- اللام الواقعة في جواب القسم: نحو: علمت لينجحن المجد.
3- الاستفهام؛ مثل: لا أدري أزيد حاضر أم غائب.
4- النفي بما أو لا أو إن: نحو: علمت ما زيد بخيل. وأظن ما زيد قائم وأنا ظان ما زيد قائم.

ويقول سيبويه عندما يتحدث عن التعليق عن العمل لفظًا:" هذا باب ما لا يعمل فيه ما قبله من الفعل الذي يتعدى إلى المفعول ولا غيره".[16] والتعليق مشهور فلا داعي للإطالة والاستطراد.

القول بالإلغاء:
صادف النحاة بعض الكلمات في بعض النصوص المسموعة التي لا يمكن ردها ووجدوها لا تعمل العمل المنوط بها الذي نصت عليه قواعدهم، لذلك نجدهم يقولون: إن هذا الحرف أو تلك الكلمة ملغاة. و(ألغيت) الشيء: أسقطته وأبطلته[17]، والإلغاء في باب ظن وأخواتها: هو أن يتوسط الفعل القلبي مفعوليه أو يتلوهما، فيجوز عند ذلك رفعهما، ولكن يظل نصبهما جائزًا أيضًا، أو هو: إبطال العمل لفظًا ومحلًا لضعف العامل بتوسطه[18]، نحو: زيد ظننت قائم. يقول الأنباري:" الإلغاء إنما يكون للمفردات لا للجمل"[19]، ويقول:" إلغاؤها يدل على إطراحها وقلة الاهتمام بها "[20]، ولا يدخل الإلغاء ولا التعليق في شيء من أفعال التصيير، ولا في قلبي جامد، وهو اثنان (هب، وتعلم)، فإنهما يلزمان الأمر، وما عداهما من أفعال الباب متصرف إلا (وهب)، والفرق بين الإلغاء والتعليق من وجهين:
أحدهما: أن العامل الملغى لا عمل له البته، والعامل المعلق له عمل في المحل، فيجوز "علمت لزيد قائم وغير ذلك من أموره " بالنصب عطفًا على المحل.

والثاني: أن سبب التعليق موجب فلا يجوز " ظننت ما زيدًا قائمًا "، وسبب الإلغاء مجوز فيجوز " زيدًا ظننت قائمًا " و" زيدًا قائمًا ظننت "، ولا يجوز إلغاء العامل المتقدم خلافًا للكوفيين والأخفش[21].

ولا داعي هنا للإطالة أيضًا، ولكننا نقصد بالإلغاء في هذه الدراسة كل ما قال عنه النحاة أنه ملغى لأنه لا عمل له وفق قواعدهم على الرغم من وروده في السماع عن العرب!!

ومن ذلك (ما) و(إلا) في الاستثناء الناقص المنفي؛ نحو: ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ ﴾ [آل عمران: 144].

عند تكرار (ما) النافية؛ نحو: ما ما زيد قائم.

إلغاء عمل (لا) النافية إذا فصلت بينها وبين اسمها؛ نحو قوله تعالى:﴿ لَا فِيهَا غَوْلٌ ﴾ [الصافات: 47]، وكذلك تلغى إذا دخل عليها حرف جر؛ نحو: جئت بلا زاد.

إذا تكررت إلا لقصد التوكيد ألغيت. وفائدتها حينئذ: التأكيد اللفظي للأولى.

زيادة (كان)؛ نحو: من كان يكلمك؟ [22] - تأخر (إذن)؛ نحو: أكرمك إذًا [23].

إذا اتصلت (ما) الكافة ب(إن) وأخوتها ألغتها.- إذا خففت (إن) وبعض أخواتها تلغى.

وظاهرة الإلغاء مشهورة في الدرس النحوي ولا داعي أيضا للاستطراد في شرحها[24].

التضمين
التضمين:" أن يؤدي (أو يتوسع) في استعمال لفظ توسعًا يجعله مؤديًا معنى لفظ آخر مناسب له، فيعطي الأول حكم الثاني في التعدي واللزوم"[25]، أو هو: "إشراب لفظ معني لفظ آخر، وإعطاؤه حكمه لتصير الكلمة تؤدي معنى الكلمتين"[26]. يقول ابن جني:" اعلم أن الفعل إذا كان بمعنى فعل آخر وكان أحدهما يتعدى بحرف والآخر بحرف آخر؛ فإن العرب قد تتوسع فتوقع أحد الحرفين موقع صاحبه، إيذانًا بأن هذا الفعل في معنى ذلك الآخر؛ فلذلك جيء بالحرف المعتاد مع ما هو في معناه؛ وذلك كقوله تعالي: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ﴾ [البقرة: 187]، وأنت لا تقول (رفثت المرأة) ولكن تقول (رفثت بها أو معها)، لكنه لما كان الرفثً هنا في معنى الإفضاء، وكنت تعدي (أفضيت) بإلي؛ كقولك: أفضيت إلي المرأة؛ جئت ب (إلي) مع الرفث إيذانًا وإشعارًا أنه بمعناه[27].

وقد امتدح ابن جني التضمين قائلًا:" وهذا من أسد وأدمث مذاهب العربية، وذلك أنه موضع يملك فيه المعنى عنان الكلام، فأخذه إليه ويصرفه بحسب ما يؤثره عليه"[28]. فمن المؤكد أن التضمين جاء لتحسين المعنى والعناية به، لأن التضمين في الدرس النحوي ما هو إلا دراسة في المعنى، ويؤدي فيه المعنى دورًا بارزًا؛ لأن الاعتماد علي اللفظ المنطوق فحسب لا يكفي في تفسير الأسلوب؛ لأن" فيه كسرًا لقانون اللغة فقد يتعدى اللازم أو يلزم المتعدي، ولكن الذي يفسر كل هذه العلاقات النحوية هو النظر إلي المعنى؛ فوضوح المعنى هو الذي أباح ذلك"[29].

وقد اختلف حول تعريف التضمين ومفهومه وشواهده وأغراضه وهل يقاس عليه؟، وأخيرًا قرر مجمع اللغة العربية أن: "التضمين هو أن يؤدي فعل أو ما في معناه في التعبير مؤدى فعل آخر أو في معناه فيعطي حكمه في التعدية واللزوم، وهو قياسي لا سماعي بشروط ثلاثة:
أولا: تحقق المناسبة بين الفعلين.
ثانيًا: وجود قرينة تدل على ملاحظة الفعل الآخر يؤمن معها اللبس.
ثالثًا: ملائمة التضمين للذوق العربي.

ويوصي المجمع ألا يلجأ إلى التضمين إلا لغرض بلاغي"[30].


يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 132.08 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 130.40 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (1.27%)]