|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الإجماع في اللغة العربية قصي جدوع رضا الهيتي الإجماع في اللغة: مصدر الفعل الرباعي أَجْمَعَ، وله معنيان؛ أحدهما: العزم على الأمر والإحكام عليه، تقول: أجمعتُ الخروجَ، وأجمعتُ عليه، إذا عزمت عليه[1]، ومنه قوله تعالى: ﴿ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ﴾ [يونس: 71]، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن لَم يُجمِع الصِّيامَ قَبلَ الفَجرِ، فَلا صِيامَ لَهُ))[2]؛ أي: من لم يعزم عليه فيَنويه. والآخر: الاتفاقُ، ومنه قولهم: أَجْمَعَ القومُ على كذا؛ أي: اتفقوا عليه[3]. والفرْق بين المعنيين أن الإجماع بالمعنى الأول يتصور من الواحد، وبالمعنى الثاني لا يتصوَّر إلا من اثنين فأكثر[4]. ويرجع تعريف الإجماع في الاصطِلاح إلى المعنى الثاني، وهو الاتِّفاق. وقبل تعريف الإجماع في اصطلاح علماء العربية، لا بُدَّ من الإشارة إلى أمر مُهمٍّ، وهو أن الإجماع إما أن يُراد به إجماع النُّحاة، وإما أن يراد به إجماع العرب، والغالب أن يكون المراد به إجماع النحاة على حكم ما. ومن هنا كان تعريف الإجماع في الاصطِلاح هو: إجماع أهل البلدين - البصرة والكوفة - على أمر يتعلَّق بالصناعة النحوية والصرفية[5]، قال السيوطي: "والمراد به إجماع نحاة البلدَين: البصرة والكوفة"[6]، وعرفه ابن بابشاذ بأنَّه: "إجماع الأمة من أهل كل علم على ما أجمعوا عليه"[7]، أو "إجماع العلماء بها[8] على صحَّتها وانتِشارها، وكثرتها"[9]. ويَبدو لي أن تعريف ابن بابشاذ للإجماع أوسع من تعريف السيوطي؛ إذ لم يَجعله مقصورًا على أهل البلدَين، بينما قصر السيوطي الإجماع على أهل البلدين بحيث لا إجماع إلا إجماعهم، معنى ذلك أن نحاة الأمصار لا أثر لهم في الإجماع؛ وإنما يَقتصر دورهم على الاقتداء بهم. وقد أفرد له ابن جنِّي في "الخصائص" بابًا عنوانه: القول على إجماع أهل العربية متى يكون حُجَّة، قال فيه: "اعلم أن إجماع أهل البلدَين إنما يكون حُجة إذا أعطاك خصمك يده ألا يخالف المنصوص، والمَقيس على المنصوص، فأما إن لم يعطِ يده بذلك، فلا يكون إجماعهم حجة عليه"[10]. فقوله هذا معناه: أن الإجماع إذا خالف المنصوص أو المَقيس عليه، لم يكن حُجة؛ بل يجب تقديم النص عليه، وقد استدلَّ بهذا الأصل علماء العربية[11] في عدَّة مواضع، سواء أكان في إثبات الحكم أم في الرد على مُخالفيهم في الآراء. ويأتي سيبويه في طليعة من استعمل الإجماع في أصوله، سواء أكان إجماع العرب أم إجماع النحويين قبْله، ومن ذلك قوله: "وإلا خالف جميع العرب والنحويين"[12]، وقوله: "فالعرب تنصب هذا، والنحويون أجمعون"[13]، ولم يكن هذا الأصل واضح المعالم في كتابه، والسبب في ذلك "عدم وجود نُحاة كثيرين مُختلفي الآراء والمذاهب، وعدم وجود مدارس نحوية متعدِّدة، ولم تكن الخلافات في الآراء قد ظهرت بصورة واضحة على النحو الذي نراه بعد زمنه؛ حيث تشعَّبت الآراء واختلفَت المَذاهب، واستقرَّت قواعد النحو وأصوله وتبيَّنت أدلة النحاة وحُججهم، وخاصة في زمن ابن جني وابن الأنباري وابن الحاجب وابن مالك وأبي حيان ومَن جاء بعدهم"[14]. أما إجماع العرب من غير النحويين على شيء، فقد عدَّه السيوطي حُجة إن أمكن الوقوف عليه، وفي ذلك يقول: "وإجماع العرب أيضًا حجة، ولكن أنى لنا بالوقوف عليه، ومن صوره أن يتكلم العربي بشيء ويُبلغهم ويسكتون عليه، قال ابن مالك في "التسهيل"[15]: استُدِلَّ على جواز توسيط خبر "ما" الحجازية ونصبه بقول الفرزدق[16]: فَأَصبَحوا قَد أَعادَ اللهُ نِعمَتَهُم ![]() إِذ هُم قُرَيشٌ وَإِذ ما مِثلَهُم بَشَرُ ![]() وردَّه المانعون: بأنَّ الفرزدق تَميمي، تكلَّم بهذا مُعتقدًا جوازه عند الحجازيين، فلم يُصبْ، ويُجاب بأن الفرزدق كان له أضداد من الحجازيين والتميميين، ومِنْ مُناهُم أن يظفروا له بزلة يُشَنِّعُون بها عليه مبادرين لتخطئته، ولو جرى شيء من ذلك لنُقل؛ لتوفُّر الدواعي على التحدث بمثل ذلك إذا اتفق، ففي عدم نقل ذلك دليل على إجماع أضداده الحجازيين والتميميين على تصويب قوله"[17]. وقد ساق السيوطي هذا الكلام؛ ليستدل به على إثبات الإجماع السكوتي في اللغة، وليس فيما ذكر دليل على هذا الإجماع؛ إذ لا يلزم من سكوتهم جواز ما ذكر؛ لأن للعلماء في بيت الفرزدق توجيهات متعددة، منها: 1- أن سيبويه ذكر أن الأمر لا يكاد يُعْرَفُ[18]؛ لأن من شروط إعمال "ما" عمل "ليس" في لغة أهل الحجاز ألا يتقدم خبرها على اسمها، نحو: ما زيدٌ قائمًا، فإن تقدم الخبر على الاسم بطل إعمال "ما"، فيقال: ما قائمٌ زيدٌ، بالرفع، وقد أعمل الفرزدق - وهو تميمي - "ما" عمل "ليس" مع توسيط الخبر بين الناسخ واسمه. 2- أن يكون تقديرُه: وإذ ما في الدنيا أو في الوجود بشر مثلهم، فيكون "بشر" مبتدأ و"مثلهم" نعتًا له، و"في الدنيا" هو الخبر، فلما قدَّم "مثلهم" انتصب على الحال، وهذا تخريج المازني[19] والمبرد[20] وأبي علي الفارسي[21]. 3- أن يكون "مثلهم" منصوبًا على الظرف، كأنه قال: وإذ ما في حالهم وفي مكانهم في الرفعة بشر، كما تقول: وإذ ما فوقهم بشر، أي: فوق منزلتهم بشر، وإذ ما دونهم على الظرف، وهذا تخريج أبي سعيد السيرافي[22]، والأعلم الشنتمري[23]. وهناك تخريجات أخرى لهذا البيت ذكرها علماء العربية[24]، ولكني ارتأيت ألا أطيل في هذا الموضوع. والإجماع كأصل من أصول النحو، اعترف به معظم علماء العربية، وإن لم يؤلفوا فيه، فقد امتلأت مؤلفاتهم باحتجاجاتهم به في إثبات القواعد وفي الرد على مخالفيهم. أما اليزدي، فقد اعتمد على الإجماع، واتخذه دليلاً دعم به جملة من الآراء، ولكنه قليل جدًّا إذا ما قابلناه بالسماع والقياس، فهو يأتي في المرتبة الثالثة من حيث الأهمية، وقد عبر عنه في شرحه بلفظ "المجمع" في بعض المواطن، وبلفظ "الاتفاق" في مواطن أخرى، ولم يستعمل في شرحه لفظ "الإجماع" إلا في موطن واحد[25]. فمن وروده بلفظ "المجمع" قوله في تصحيح حرف العلة في المَوَتان: (ولقائل أن يقول: لا يجوز أن يكون "المَوَتان" محمولاً على "الحَيَوان"؛ لكونه نقيضًا له؛ لأنَّ علة التصحيح في الحَيَوان التنبيه بحركته على حركة مسماه، والمَوَتان مسماه لا حركة له، فيؤدي إلى أن يكون عدم العلة في المَوَتان علة فيه، وهذا يوجب كون وجود العلة وعدمها سواء، وكل علة كانت كذلك لا تصلح للعِلِّيَّة. والجواب: أنا لا نسلِّم أن العلة في المَوَتان عدم العلة، بل هي فيه كونه في المعنى نقيضًا للحيوان، والمغايرة بين هذا الكون وعدم العلَّة الظاهرة، وأيضًا لو جعل ما ذكرتم مانعًا للعلِّيَّة، لزم كونه مطردًا لرفع التحكم، ولو كان كذلك لزم رفع المجمع عليه؛ لأنهم قالوا[26]: العرب تحمل النقيض على النقيض، كما تحمل النظير على النظير، واللازم باطل)[27]. ومن ذلك أيضًا قوله على كلام أبي الحسن الأخفش[28] عندما جعل مخرج الألف هو مخرج الهاء، لا قبله ولا بعده؛ إذ قال: (القول باتحاد مخرجيهما باطل؛ لاستلزامه رفع المجمع عليه؛ لكونه خلاف العقل والحس، أما الأول: فلأنهم أطبقوا على أنهما حرفان، ولا بدَّ أن يكون لكل واحد منهما مخرج مخصوص به كغيره من الحروف، وإلا لزم التحكم، فالخصوصية التي بها يَتمايَزان تأبى الاتحاد...)[29]. ومما ورَد بلفظ "الاتفاق"، وهو الأكثر ورودًا في الشرح: 1- قوله في تصغير ما ثالثه واو ولم يكن البناء الذي اشتمل عليها أحد الأمرَين، أعني أَفْعَلَ وفَعولاً: (ما لم يكن البناء أحد الأمرين، يجب قلب الواو ياءً فيه، وإدغام الساكن في المتحرك...، وفي هذا اتفاق، وذلك كقولك في: عُرْوَةٍ وفَرْوَةٍ: عُرَيَّةٌ وفُرَيَّةٌ، وكان الأصل: عُرَيْوَةٌ وفُرَيْوَةٌ، فقلبوا[30] وأدغموا)[31]. 2- قوله في منْع صرف "أحوى" بعد تصغيره على ما هو مذهب سيبويه[32] ومن تابعه[33]: (أما الأول[34]: فكونه القياس؛ لأنه وزن الفعل الذي فيه زيادته، أعني الهمزة، فيجب الامتناع من الصرف؛ إذ خصوصية التصغير لا تُخرجه عن كونه مانعًا من الصرف، بدليل امتِناع صرف مثل: هو أُفَيْضِلُ منك بالاتفاق)[35]. ويقتضي المقام توضيح ما قاله اليزدي: القياس في تصغير "أحوى": أُحَيُّ، غير منصرف للصفة ووزن الفعل؛ لأن أصله "أُحَيْوِي"، فقلبت الواو ياءً وأدغمت ياء التصغير فيها، فاجتمعت ثلاث ياءات، فحذفت الياء الأخيرة نسيًا، وجعل الإعراب على ما قبلها، فقيل: "أُحَيُّ" غير مُنصرف للصفة ووزن الفعل، فإن وزن الفعل معتد به، ألا ترى أن "أُفَيْضِل" تصغير "أَفْضَل" غير منصرف للاعتداد بوزن الفعل؟ فكذا ههنا، قال سيبويه: (وكذلك "أحوى" إلا في قول من قال: "أُسيود"، ولا تَصرفه؛ لأن الزيادة ثابتة في أوله، ولا يَلتفت إلى قلته، كما لا يلتفت إلى قلة يضع)[36]. 3- قوله في زيادة همزة "جُرَائِض": (استدل على زيادة همزة جُرائِضٍ بأنه قد جاء الجِرْواض والجِرْياض أيضًا، ومعناهما واحد، وهو عظيم البطن[37]، وأما جِرْواضٌ فَفِعْوالٌ باتفاق كجِلْوَاخٍ[38]، فترى أن الهمزة ذاهبة، ولو كانت أصلية لم تذهب، فثبت أنَّه فُعَائِل)[39]. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |