
19-10-2020, 01:23 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,240
الدولة :
|
|
مسائل في النفقة
مسائل في النفقة
الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك
قوله: (ومن تسلم زوجته التي يوطأ مثلها، أو بذلت نفسها، ومثلها يوطأ، وجبت نفقتها، ولو مع صغير زوج ومرضه وجبه وعُنته...) إلى آخره[1].
قال في "المقنع": "وإذا بذلت المرأة تسليم نفسها إليه، وهي ممن يُوطأ مثلها، أو يتعذر وطؤها بمرض أو حيض أو رتق ونحوه لزم زوجها نفقتها، سواء كان الزوج صغيرًا أو كبيرًا، يمكنه الوطء أو لا يمكنه كالعنين والمجبوب والمريض.
وإن كانت صغيرة لا يمكن وطؤها لم تجب نفقتها، ولا تسلمها، ولا تسليمها إليه إذا طلبها، فإن بذلته والزوج غائب لم يُفرض لها حتى يراسله الحاكم ويمضي زمن يمكن أن يقدم في مثله.
وإن منعت تسليم نفسها، أو منعها أهلها فلا نفقة لها إلا أن تمنع نفسها قبل الدخول حتى تقبض صداقها الحال فلها ذلك وتجب نفقتها، وإن كان بعد الدخول فعلى وجهين[2] بخلاف الآجل.
وإن سلمت الأمة نفسها ليلًا ونهارًا فهي كالحرة، وإن كانت تأوي إليه ليلًا، وعند السيد نهارًا فعلى كل واحد منهما النفقة مُدة مقامها عنده.
وإذا نشزت المرأة أو سافرت بغير إذنه، أو تطوعت بصوم، أو حج، أو أحرمت بحج منذور في الذمة فلا نفقة لها، وإن بعثها في حاجة، أو أحرمت بحجة الإسلام فلها النفقة، وإن أحرمت بمنذور معين في وقته فعلى وجهين[3].
وإن سافرت لحاجتها بإذنه فلا نفقة لها، ذكره الخرقي، ويحتمل أن لها النفقة.
وإن اختلفا في نشوزها، أو تسليم النفقة إليها، فالقول قولها مع يمينها، وإن اختلفا في بذل التسليم فالقول قوله مع يمينه"[4].
قال في "الحاشية": "قول: وإذا بذلت المرأة تسليم نفسها إليه، وهي ممن يوطأ مثلها. هكذا أطلق المؤلف تبعًا للخرقي وأبي الخطاب وابن عقيل وأناط القاضي ذلك بابنة تسع سنين، وتبعه في "المُحرر" و"الوجيز"، وهو مقتضى نص أحمد[5] في رواية صالح وعبد الله سئل متى تؤخذ من الرجال نفقة الصغيرة؟ فقال: إذا كان مثلها يوطأ، كبنت تسع سنين. ويمكن حمل الإطلاق على هذا؛ لقول عائشة: إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة[6]، كذا قال في "المبدع"[7].
وقال في "الإنصاف" عن إطلاق المصنف: وهو أقعد فإن تمثيلهم بالسن فيه نظر، بل الاعتبار بالقُدرة على ذلك أولى أو متعين، وهذا يختلف، فقد تكون ابنة تسع سنين تقدر على الوطء، وبنت عشر لا تقدر عليه باعتبار كبرها وصغرها من نحولها وسمنها، وقوتها وضعفها، لكن الذي يظهر أن مرادهم بذلك في الغالب.
فائدة: لو زُوج طفل بطفلة فلا نفقة لها على الأصح[8].
قوله: (سواء كان الزوج صغيرًا...) إلى آخره؛ لأن الاستمتاع بها ممكن، وإنما تعذر من جهته.
وعنه[9]: لا تلزمه إذا كان صغيرًا، وبه قال مالك[10]، والشافعي[11] في أحد قوليه، وعلى الأول يجبر الولي على النفقة عليها من مال الصبي.
قوله: (وإن كانت صغيرة لا يمكن وطؤها لم تجب نفقتها ولا تسليمها إليه إذا طلبها)؛ لأنه لا يمكن استيفاء حقه منها، وبه قال الحسن وبكر بن عبد الله المزني والنخعي وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي[12].
قوله: (فإن بذلته والزوج غائب...) إلى آخره.
إذا بذلت التسليم والزوج غائب لم تستحق النفقة؛ لأنها بذلته في حال لا يمكنه التسلم فيه، فإن مضت إلى الحاكم فبذلت التسليم، كتب الحاكم إلى حاكم البلد الذي هو فيه ليستدعيه ويعلم ذلك، فإن شاء جاء إليها أو كل من يسلمها إليه، فإن وصلت فتسلمها هو أو نائبه وجبت النفقة حينئذ، وإن لم يفعل فرض الحاكم نفقتها من الوقت الذي كان يمكنه الوصول إليها وتسلمها فيه هذا إن لم يغب الزوج بعد تمكينها وإلا وجبت عليه ولم تسقط كما تقدم.
قوله: (وإن منعت تسليم نفسها أو سلمت تسليمًا غير تام) كفي منزل دون آخر ما لم يكن مشروطًا، أو منعها أهلها فلا نفقة لها، هذا المذهب[13]؛ لأن البذل شرط لوجوب النفقة ولم يوجد.
وفي "الفروع": إذا بذلت التسليم فحال بينه وبينها أولياؤها فظاهر كلام جماعة: لها النفقة[14].
قوله: (إلا أن تمنع نفسها قبل الدخول حتى تقبض صداقها الحال فلها ذلك وتجب نفقتها)؛ لأن تسليمها قبل تسليم صداقها يفضي إلى تسليم منفعتها المعقود عليها بالوطء، ثم لا تُسلم صداقها فلا يمكنها الرجوع فيما استوفى بخلاف المبيع إذا تسلمه المشتري ثم أعسر بثمنه، فإنه يمكنه الرجوع فيه، فعلى هذا تجب نفقتها؛ لأنها فعلت ما لها أن تفعله، فلو منعت نفسها لمرض لم يكن لها نفقة.
قوله: (وإن كان بعد الدخول) فعلى وجهين[15]:
أحدهما: لا تملك المنع فلا نفقة لها إذا امتنعت، وهو المذهب[16] كما لو سلم المبيع إلى المشتري ثم أراد منعه من ذلك.
قوله: (وإن سلمت الأمة نفسها ليلًا ونهارًا فهي كالحرة).
لا يخلو زوج الأمة إما أن يكون حرًا، أو عبدًا، أو مبعّضًا، فالأول نفقتها عليه للنص.
واتفق أهلُ العلم على وجوب نفقة الزوجات على أزواجهن البالغين[17] والأمة داخلة في عمومهن، وإن كان زوجها مملوكًا فالنفقة واجبة لزوجته كذلك.
قال ابن المنذر: أجمع كل من يُحفظ عنه من أهل العلم أن على العبد نفقة زوجته[18].
وهذا قول الشعبي والحكم والشافعي[19]، وبه قال أصحاب الرأي[20] إذا آواها بيتًا، وحُكي عن مالك[21]: ليس عليه نفقتها.
ولنا[22]: أنه عوض واجب في النكاح فوجب على العبد كالحر، إذا ثبت وجوبها على العبد فإنها تلزم سيده؛ لأنه إذن في النكاح المفضي إلى إيجابها.
وقال ابن أبي موسى: فيه رواية أخرى: أنها تجب في كسب العبد[23]، وهو قول أصحاب الشافعي[24].
وقال القاضي: تتعلق برقبته[25]، وهو قول أصحاب الرأي[26].
ولنا[27]: أنه دين أذن السيدُ فيه فلزم ذمته كالذي استدانه وكيلُه، وإن كان مُبعضًا فعليه من نفقة امرأته بقدر ما فيه من الحرية وباقيها على سيده، أو في كسبه، أو في رقبته على ما ذكرنا في العبد.
قوله: (وإن كانت تأوي إليه ليلًا، وعند السيد نهارًا فعلى كل واحد منهما النفقة مدة مقامها عنده)؛ لأن النفقة تجب في مقابلة التمكين وقد وجد في الليل، فتجب على الزوج النفقة فيه، والباقي منها على السيد، فعلى هذا: كل واحد منهما نصف النفقة.
قوله: (وإذا نشزت المرأة سقطت نفقتُها) في قول عامة أهل العلم[28]، قال ابن المنذر: لا نعلم أحدًا خالف فيه إلا الحكم[29].
ولنا[30]: أن النفقة لا تجب إلا في مقابلة تمكينها، بدليل أنها لا تجب قبل تسليمها إليه، ولأنها إذا منعها النفقة كان لها منعة التمكين.
كذلك إذا منعته التمكين كان له منعها النفقة، وكذلك إذا امتنعت من الانتقال معه إلى مسكن مثلها، أو خرجت من منزله بغير إذنه، أو أبت السفر معه إذا لم تشترط بلدها.
فأما إن سافرت بغير إذنه سقطت نفقتُها على المذهب[31]؛ لأنها ناشز، وإن كان بإذنه في حاجة نفسها سقطت نفقتها، ذكره الخرقي؛ لأنها فوتت التمكين بحظ نفسها وقضاء أربها فأشبه ما لو استنظرته قبل الدخول مدة فأنظرها، وفيه وجه: تجب[32].
وعلى الأول تجب إن كان معها متمكنًا من الاستمتاع بها.
وقال في "المبدع": الصحيح، أنه لا نفقة لها هنا بحال[33].
فائدتان:
الأولى: تُشطر النفقة لناشز ليلًا فقط، أو نهارًا فقط، لا بقدر الأزمنة، ولناشز بعض يوم على الأصح.
الثانية: لو نشزت، ثم غاب، فأطاعت في غيبته، فعلم بذلك، ومضى زمن يقدم في مثله عادت لها النفقة، وكذا لو سافر قبل الزفاف، أو أسلمت مرتدة أو متخلفة عن الإسلام في غيبته عند ابن عقيل، والأصح: تعود بمجرد إسلامها.
قوله: (أو أحرمت بحج منذور في الذمة فلا نفقة لها)؛ لأنها في معنى المسافرة، ولما فيه من تفويت الاستمتاع الواجب للزوج.
وإن أحرمت بإذنه، فقال القاضي: لها النفقة، والصحيح[34] أنها كالمسافرة؛ لأنها بإحرامها مانعة من التمكين.
وإن قدمت الإحرام على الميقات ففيه ما في حج التطوع، فإن اعتكفت فالقياس أنه كسفرها: إن كان بغير إذنه فهي ناشز، وإن كان بإذنه فلا نفقة لها على قول الخرقي، وعند القاضي: لها النفقة.
قوله: (وإن بعثها في حاجته أو أحرمت بحجة الإسلام) وكذا عُمرته أو طردها وأخرجها من منزله فلها النفقة.
أما أولًا: فلأنها سافرت في شغله ومراده.
وأما ثانيًا: فلأنها فعلت الواجب عليها بأصل الشرع فكان كصيام رمضان.
وأما ثالثًا: فلأن المانع منه.
قوله: (وإن أحرمت بمنذور معين في وقته فعلى وجهين)، وكذلك الصوم المنذور:
أحدهما[35]: لها النفقة مطلقًا، ذكره القاضي.
والثاني[36]: لا نفقة لها مطلقًا، اختاره ابن عبدوس في "تذكرته"، وجزم به في "المُنور" و"الإقناع"؛ لأنها فوتت على زوجها حقه من الاستمتاع باختيارها، ولأن النذر صدر من جهتها بخلاف صحة الإسلام.
وقيل[37]: إن كان نذرها بإذنه أو قبل النكاح لم تسقط وإلا سقطت.
قوله: (وإن اختلفا في نشوزها أو تسليم النفقة إليها فالقول قولها مع يمينها)؛ لأن الأصل عدمه.
قوله: (وإن اختلفنا في بذلك التسليم) كما لو قالت: بذلت لك نفسي فأنكره فالقوال قوله؛ لأنه مُنكر، وكذلك إن اختلفا في وقته فقالت: كان ذلك من شهر، قال: بل من يوم، وبهذا قال الشافعي[38] وأبو ثور وأصحاب الرأي[39]"[40].
وقال في "الإفصاح": "واختلفوا في نفقة الصغيرة التي لا يُجامع مثلها إذا تزوجها كبير:
فقال أبو حنيفة[41] ومالك[42] وأحمد[43]: لا نفقة لها.
وعن الشافعي قولان:
أحدهما[44]: موافق لمذهب الجماعة.
والآخر[45]: لها النفقة.
واختلفوا في إذا كانت الزوجة كبيرة والزوج صغيرًا لا يجامع مثله:
فقال أبو حنيفة[46] وأحمد[47]: تجب عليه النفقة.
وعن مالك[48]: لا تجب عليه النفقة.
وعن الشافعي قولان:
أحدهما[49]: لا نفقة عليه.
والآخر[50]: عليه النفقة.
واتفقوا على أن المرأة إذا سافرت بإذن زوجها في غير واجب عليها أن نفقتها تسقط[51] إلا مالكًا[52] والشافعي[53] فإنهما قالا: لا تسقط نفقتها بذلك"[54].
"واتفقوا على أن الناشز لا نفقة لها[55]"[56].
وقال ابن رشد: "اتفقوا على أن النفقة تجب للحرة الغير ناشز"[57].
واختلفوا في الناشز والأمة: فأما الناشز: فالجمهور[58] على أنها لا تجب لها نفقة، وشذ قوم فقالوا: تجب لها النفقة.
وسبب الخلاف: معارضة العموم للمفهوم، وذلك أن عموم قوله عليه الصلاة والسلام: (ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف)[59] يقتضي أن الناشز وغير الناشز في ذلك سواء، والمفهوم من أن النفقة هي في مقابلة الاستمتاع يوجب أن لا نفقة للناشز.
وأما الأمة: فاختلف فيها أصحاب مالك اختلافًا كثيرًا:
فقيل: لها النفقة كالحرة، وهو المشهور[60].
وقيل: لا نفقة لها.
وقيل أيضًا: إن كانت تأتيه فلها النفقة، وإن كان يأتيها فلا نفقة لها.
وقيل: لها النفقة في الوقت الذي تأتيه.
وقيل: إن كان الزوج حُرًا فعليه النفقة، وإن كان عبدًا فلا نفقة عليه[61].
وسبب اختلافهم: معارضة العموم للقياس، وذلك أن العموم يقتضي لها وجوب النفقة، والقياس يقتضي أن لا نفقة لها إلا على سيدها الذي يستخدمها، أو تكون النفقة بينهما؛ لأن كل واحد منهما ينتفع بها ضربًا من الانتفاع، ولذلك قال قوم: عليه النفقة في اليوم الذي تأتيه.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|