الناس وسيد الشهور - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حِيلة الجَاكِيت (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          أدب المعلم مع طلبته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          حكم السمر بعد العشاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          هجر المسلم لأخيه المسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          في أيُّ مراتبِ الخُلق أنت؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          بناء المساجد وترميمها: أجرٌ عظيم وأثرٌ باق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          قضايا تُنسي قضايا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          (رجل) صفة مدح أم ذم ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          (ورَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْرًا) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          التحذير من الغفلة عن ذكر الله تعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > ملتقى اخبار الشفاء والحدث والموضوعات المميزة > رمضانيات
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

رمضانيات ملف خاص بشهر رمضان المبارك / كيف نستعد / احكام / مسابقات

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 03-04-2020, 03:24 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,200
الدولة : Egypt
افتراضي الناس وسيد الشهور

الناس وسيد الشهور

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه.
فإنَّ رمضان، شهرُ خيرٍ وبركة، قد حباه الله - عز وجل - بفضائل كثيرة، فهو شهر القرآن، إنّ القرآن في رمضان يُعيدُ ذكرى نزوله وأيام تدارسه، وأوقاتِ اهتمام السلف به.
إنّ رمضان يُدعَى بسيد الشهور، وفي الحديث الضعيف الذي أخرجه البزار وغيره عن أبي سعيد مرفوعاً: « سيد الشهور شهر رمضان، وأعظمُها حُرمةً ذو الحجة » "ضعيف الجامع" ص (487) برقم (3321)
وقد كان المصطفى - صلى الله عليه وسلم - يُبشّر أصحابه بقدوم رمضان ويُبارك لهم في ذلك، يقول - عليه الصلاة والسلام -: « أتاكم رمضان شهرٌ مبارك، فرض الله - عز وجل - عليكم صيامه، تُفتح فيه أبوابُ السماء، وتُغلَق فيه أبوابُ الجحيم، وتُغلُّ فيه مردةُ الشياطين، لله فيه ليلةٌ خير من ألف شهر، من حُرِم خيرَها فقد حُرِم » أخرجه النسائي وغيره، عن أبي هريرة مرفوعاً، وهو صحيح. "صحيح سنن النسائي" ج (2) ص (455) برقم (1992).
إنه في رمضان، يقلُّ الشرُّ في الأرض، حيث تُصفَّد وتُشدُّ مردة الجن بالسلاسل والأغلال، فلا يخلصون إلى إفساد الناس كما كانوا يخلُصون إليه في غيره، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: « إذا دخل رمضانُ فُتِّحت أبوابُ الجنة وغُلِّقت أبوابُ جهنَّم وسُلسِلت الشياطين » أخرجه البخاري عن أبي هريرة. "الفتح" ج (4) ص (112) برقم (1898) و ج (6) ص (336) برقم (3277) على أنّ هناك نفوساً شريرة، شديدة التقبل لوسوسة الشيطان، فهي حين يضعفُ تأثيرُ الشيطان في رمضان، يكون فيها شرٌّ في ذاتها، ولهذا لا عجبَ أن تجدَ والعياذ بالله من الناس من يكون انحرافه في رمضان، فضلاً عن إغواء الشياطين له، فإنّ في رمضان التي تُصفَّد هي مردة الشياطين، فهو بعض منهم، وقد ورد في الحديث: «....وينادي منادٍ: يا با غي الخير أقبل، ويا باغي الشرِّ أقْصِر... » أخرجه الترمذي وغيره، عن أبي هريرة مرفوعاً، وهو حسن.
وإنّ من فضائل رمضان: استجابة الدعاء، والعتقُ من النار، يقول - صلى الله عليه وسلم -: « إنّ لله في كل يوم وليلة عتقاءَ من النار، في شهر رمضان، وإن لكل مسلم دعوةً يدعو بها فيستجاب له » أخرجه أحمد وغيره، عن جابر مرفوعاً، وهو صحيح.
بل إنّ من يصومُ رمضان ويقومه: معدود من الصديقين والشهداء، ففي حديث عمرو بن مرة الجهني: أن رجلاً جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله! أرأيت إن شهدتُ أن لا إله إلا الله، وأنَّك رسولُ الله، وصليتُ الخمسَ، وأديتُ الزكاة، وصمتُ رمضان وقمتُه، فمِمّن أنا؟ قال: « من الصديقين والشهداء » أخرجه ابن حبان، وهو صحيح.
أحبتي في الله: جاء رمضان، فيه الأمانُ والعتقُ والفوزُ بسكنى الجنان، من لم يربح في هذا الشهر ففي أيِّ وقت يربح؟ من لم يُقرِّب فيه لمولاه، فهو على بُعدِه لا يبرحْ.
من رُحِم في هذا الشهر فهو المرحوم، ومن حُرِم خيرَه فهو المحروم. رمضان هو أشرف الشهور، أيامه أحلى الأيام، ولذا كان من دعاء المسلمين: اللهم سلِّمني إلى رمضان، وسلِّم لي رمضان، وتسلّمه مني متقبلاً، قاله يحيى بن كثير. وقال معلّى بن الفضل: كانوا يدعون الله ستة أشهر: أن يبلغهم رمضان، ثم يدعون ستة أشهر: أن يتقبله منهم.

مرحباً أهلاً وسهلاً بالصيام *** ياحبـيـباً زارنا في كـل عامْ

قـد أتينـاك بحبٍّ مفـعمٍ *** كلّ حب في سوى المولى حرامْ

فاقبلِ اللهمَّ ربي صومـنا *** ثم زدنا من عطـاياك الجسـامْ
لا تُعــاقِبنا فقـد عَاقَبنا *** قلقٌ أسهــرنا جُنحَ الظــلامْ

ــــــــــــــــــــــــــ
وظائف رمضان، لابن قاسم (ص 11-12).
دروس رمضان، للعودة (ص20-21).
ثلاثون درساً للصائمين، للقرين(ص 4-11).
صفة صوم النبي - صلى الله عليه وسلم - في رمضان، للهلالي وعلي حسن(19-24).

حال الناس عند قدوم رمضان
هكذا السلف الصالح، أما اليوم:
أيها الأخوة المؤمنون: فإنّ مما يندى له الجبين، ما عليه حال أكثر المسلمين في هذا الزمان. يا للأسف أصبح عندهم ذكر الله وتلاوة كتابه لا يتجاوزان الحنجرة، وكذلك الصلاة، يصلّيها بجسمه لا بقلبه، وكذلك الصيام يُؤديه كعادة رسمية يحترمها مع التضجر على ما يمتنع منه، والتلهف على سرعة تناوله، فلا الذكر والقرآن يورثان المحبة والتعظيم والتدبر والتفكر، ولا الصلاة تُورث الإخبات والإنابة، لخلوها من الخشوع، ولا الصوم يُورثه قوة الإرادة ورباطة الجأش وصدق العزيمة.
فالصيام أيّه الأخ المبارك، تهذيب لا تعذيب، فإذا لم يُؤتِ ثمرته النافعة، فليس النقص منه، إنما النقص من سوء تصرفك أنت أيّه الصائم وعدم صحة قلبك وطهارة ضميرك وعدم حسن تفكيرك.
ومن هنا، وجب أن يكون الصوم عن إيمان واحتساب وضبط وتعظيم لشعائر الله، لا عن تقليد ومسايرة، كصوم من يصوم بتوجع وتحسر، ويقتل أوقاته بالنوم، والبطالة، وهو في الحقيقة قاتل لنفسه قتلاً معنوياً، ويتمنى سرعة انقضاء رمضان، هذا الصنف من الناس أين حاله من حال النبي - صلى الله عليه وسلم - والسلف الصالح الذين يصومون أياماً من الأسبوع أو أياماً من كل شهر تطوعاً لله، يُهذّبون بها أنفسهم ويتدربون فيها على حمل أعباء الرسالة وتحقيق الحياة الطيبة؟
أين هو من الاقتداء بهم واللحوق بركبهم الشريف الذي طهّر مشارق الأرض ومغاربها من الكفر والظلم، وعمرها بالدين الصحيح والعدالة والخير والأمن والصلاح؟ أم يريد أن يلحق بالركب المادي الحاضر الذي طبعه الاستعمار بأوضار ثقافته الكافرة الفاجرة، فيلحق في حزب الشيطان؟ أعاذ الله المسلمين من عاقبة السوء.
إنّ هذا الصنف من الناس، ممن يصوم رمضان يتوجّع وتحّسر وسوء استقبال، قد أورثهم هذا الصوم حرجاً في نفوسهم، وضيقاً في صدورهم، فتجدهم حمقى، سريعي السخط، يغضبون لأدنى سبب، يتلفظون بسيء الكلام، وإذا ما عاتبه أحد على تصرّفه، سمعت من يقول: لا تعتب عليه، فإنه صائم عجباً أيه المسلمون: كأن الصائم يمن على الله وعلى خلقه بصيامه، فلا يتحمل منهم كلاماً ولا مفاوضة.
واعلموا أيه الأحبة، أنّ الصائم بإيمان واحتساب وخشية ومراقبة وتعظيم ومحبة لله يجب أن يكون بخلاف ذلك، فيكون راضياً مرضياً، مطمئن النفس، منشرح الصدر، مسروراً متلذذا، شاكراً لله الذي فسح في عمره، حتى بلّغه صيام هذا الشهر، ولم يجعله من أصحاب القبور، فلا يكون في نفسه اضطراب ولا انزعاج، ولا ضيق ولا حرج أبداً، بل يكون أوسع أفقاً، وأشرح صدراً، وأطيب نفساً، وأهدأ أعصاباً، وأقوى روحاً، فيكون على أحسن خلق في معاملته ومقابلته وحلمه ومفاوضته، وإذا ابتلي بخصم من الحمقى، لم يجاره في حمقه وسفاهته، بل يقل له ثلاث مرات إني صائم، كما أرشد لذلك المصطفى - صلى الله عليه وسلم -.

ــــــــــــــــــ
"الصوم" لعبد الرحمن الدوسري (8-9، 12، 14-18، 20، 26، 31، 33)
"مجلة البيان" ع (73) ص (10)
***

رمضان مدرسة الأجيال
لذا، أحبتي في الله، كلنا محتاجون من النهل من تلك المدرسة، المدرسة التي ربى رسول - صلى الله عليه وسلم - أصحابه فيها، فكانوا خير الناس من بعده، وتربى التابعون ومن بعدهم فيها، وما زال المسلمون حتى الآن يتربون ويتعلمون من تلك المدرسة العظيمة، وستظل إلى أن يشاء الله - عز وجل -. أيه الأحبة في الله:
إنه لا ينبغي لعاقل أن يمر عليه شهر رمضان دون أن يفيد منه ويتعلم، ويتقدم نحو الخير والصلاح، فهذا الشهر ليس كغيره من شهور السنة يمرّ مروراً دون أن ندري أو نعقل أو نفهم، ويصعب في هذه الوقفة العجلى أن نُلِّم بجميع ما في هذا الشهر الكريم من دروس وعبر وعظات، غيرَ أنَّ أمتنا اليوم بأمس الحاجة إلى وصلها بأصل نشأتها، بتلك المدرسة التي ربى عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صحابته وأمته.
وحسبنا في هذا المقام أن نذكر لكم بعضاً من الدروس والميادين التربوية والمستفادة من تلك المدرسة العريقة، إنها أحبتي: حرية بأن نتّدبرها ونتأملها، ونعمل بما فيها، لننقل أمتنا من واقعها المرير إلى واقعها الأصيل
1- تحقيق معنى التقوى، وذلك، لأن التقوى هي المقصد الأسنى، والبغيةُ العظمى من وراء فرضية الصوم، حيث قال - تعالى -: "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون" (183) البقرة
إن التقوى هي التي تحرس القلوب من إفساد الصوم بالمعصية، فالصيام الشرعي غير مقتصر على تجنب الطعام والشراب والجماع، بل لا بد من إمساك الجوارح عن اقتراف الآثام والذنوب والمعاصي، ولا بد من الإيمان والاحتساب اللذين هما من أهم علامات التقوى، قال جابر بن عبد الله - رضي الله عنه -: إذا صمت فليصم سمعك وبصرُك ولسانُك عن الكذب والمآثم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقارٌ وسكينةٌ يوم صومِك، ولا تجعل يومَ فطرِك ويومَ صومِك سواء.
وهناك جملة من الأسئلة، تفرض نفسها، آمل منكم الإجابة عليها:
- هل الذي ينام النهار ويُفوِّت بعض الصلوات يُحقِّقُ معنى التقوى؟
- هل الذي يسهر الليل على ما حرم الله يبحث عن التقوى؟
- هل الذي جعل رمضان موسماً للتبذير والإسراف يريد أن يصل إلى التقوى؟
- هل الذي يُمسك عن الأكل والشرب مع إفطاره على غيره قد عرف معنى التقوى؟
- هل الذي حسنت حاله وعبادته في رمضان، ثم عاد بعده إلى ما كان عليه، قد حقق معنى التقوى؟
إن التقوى أيها المؤمنون: ليست مجرد دعوى أو أمنيةٍ مجردةٍ عن الواقع، وإنما هي حقيقة لا بد أن تظهر آثارها على الجوارح بعد رسوخها في القلب، كما كان إمام المتقين.

2- تقوية الصلة بالله - تعالى -، حيث الإكثار من الصلوات وخاصة قيام الليل وقراءة القرآن ومعايشةُ كتاب الله ليلاً ونهاراً.
كثرة مجالس الذكر والاستماع إلى المواعظ والرقائق.
الاعتكاف، وهو خلوة إيمانية عظيمة الأثر في النفس والسلوك، حيث ينقطع الإنسان عن الدنيا وملذاتها، ويخلص في جوانحه وجوارحه ومشاعره لله رب العالمين.
الإقبال على الله - عز وجل - بقوة إذا دخلتِ العشر.
العمرة في رمضان.

كلها أيها الأحبة: مظاهرُ فيها تقوية للصلة بالله - تعالى -، وتثبيت دعائمها، فيها تربيةٌ للروح، تربيةٌ إيمانية على هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وبالجملة: فالمسلم في هذا الشهر يتدرّب على عبادة الله، ويجد لها حلاوة، ويألف المساجد ويعمرها، ويحظى بصحبة الأخيار، فتغشاه الرحمة، وتعمّه البركة من الله، لا سيما من وفَِّق لصلاة التراويح والتهجد.
والمُضيِّع للصلاة: إذا عاودها واعتادها في رمضان، يُرجى له أن يداوم عليها بعد رمضان، لِما ينغرس في قلبه من التقوى والرجوع إلى الله فيه.
3- تحقيق الصبر وقوة الإرادة والرجولة، ما أحوجنا إلى الصبر والمصابرة والتجلد وقوة الإرادة، وبخاصة في هذا الزمان الذي ندر فيه الصبر وضعفت فيه الإرادة وقلَّ فيه الاحتمال ووهنت العزائم، ففي رمضان نصبر على الجوع والعطش ونقوي إرادة الخير فينا، فنبذل من نفائس أموالنا للفقراء والمساكين، ونتحمّل أذى الناس وجهل الجاهلين، فلا نسبُّ ولا نشتم ولا نجهل على أحد، وفي هذا تعويدُ النفسِ وتمرينُها على تحمل الغير والصبر على أذاه، بل هو إعداد للصبر في ميادين كثيرة، في العلم ومدارسته، وحاجته إلى السهر والسفر والبحث والتحري والمذاكرة والحفظ، في الدعوة وتوجيه الناس، وهذا يتطلب الخلق الحسن وسعة الصدر وقوة التحمل، كل هذا لا يتم إلا بالصيام الشرعي الكامل.
4- تحقيق مبدأ المراقبة والابتعاد عن الرياء والسمعة، إنّ عبادة الصوم منهج إلهي يوقظ الضمير ويحي الشعور وينبه الإحساس ويفرض حراسته على الإنسان، وبذلك تَتطهَّر الحياة من البغي والظلم والفساد.
الواحد منا: إذا نسي، أو غلبته نفسه على فعل معصيةٍ، ذكر الله سريعاً، فأناب إليه واستغفر مما أصاب، وذلك لِما غَرس فيه صوم هذا الشهر المبارك، من مراقبة الله وخشيته.
الصيام يُربِّي فينا تلك المعاني الطيبة والخصال الكريمة والسجايا الحسنة، تجد المرأة في مطبخها أمام أصناف الأطعمة والأشربة، فلا تأكل منه شيئاً، الرجل وفي شدة حرارة الصيف يومَ أن يُدخل الماء إلى فيه يتمضمض، ألا يستطيع أن يأخذ شربة من ماء يُرطِّب بها معدته وعروقه؟ نعم، كل يستطيع ذلك، لكنه مبدأ المراقبة والخوف من الجليل، إنه يعلم السر وأخفى، وما أعظم هذا الدرس، فلنأخذ به في جميع حياتنا، فبه نخلص من الرياء والنفاق، وتكون أقوالنا وأفعالنا خالصة لله - تعالى -.
5- تهذيب الأخلاق وتعلُم الصدق والأمانة. في رمضان يوم أن تُفتّح فيه أبواب الجنة، وتُغلّق فيه أبواب النار، يوم أن تنتشر الفضائل ويكثر الخير، يوم أن تُصفّد فيه مردة الشياطين، يبتعد الإنسان عن الكذب وفحش القول واللغو والرفث والجهل على الناس، ويتحلى بالصدق والأمانة والرحمة والرأفة، فيُحسنُ كلامُه ويجمل منَطقُه، حتى مع من يعاديه ويسبُّه، وهذا سرٌّ من أسرار قول رسولك الكريم: « إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل إني امرؤ صائم » أخرجه البخاري "الفتح" ج (4) ص (118) برقم (1904).
فبمجرد أن تقول له: إني صائم، تراه قد تغيرت حالُه وذهب غضبُه، ويعتذر ويندم.
إن أولئك الذين لا يُهذِّب رمضانُ أخلاقهم، ولا يُغيِّر من طباعهم، بل قد يزدادون سوءاً، ويغضبون لأتفه الأسباب، إنَّ هؤلاء لم يعرفوا طعم رمضان وفضل الصيام.
فالصبرُ خلق، والكرمُ خلق، والحلم والصفح خلق، وعفة اللسان خلق، كلها أخلاق نبيلة، نتربى عليها في رمضان، فهو بحق [هدى للناس].

6- الكرم والجود وبذل المال في سبيل الله، إنّ البخل صفة ذميمة قبيحة، فيأتي رمضان فيهذّب هذه الصفة وينميها، إنّ الكرم يربي المسلم على عدم التعلق بالدنيا، وأن يطمع في كرم الله وجوده ورحمته، وبخاصة في رمضان، لأن من أراد أن - يرحمه الله - فليرحم عباد الله، من أراد أن يكرمه الله فليكرم عباد الله، ولذا روى ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: “كان أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، فإذا لقيه جبريل - عليه السلام - كان أجود بالخير من الريح المرسلة”. أخرجه البخاري "الفتح" ج (4) ص (116) برقم (1902)
وعن جابر بن عبد الله، قال: ما سُئِل رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - شيئاً قطْ، فقال: لا. أخرجه مسلم "شرح النووي" ج (15) ص (78) برقم (2311) وقال - صلى الله عليه وسلم -: « والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماءُ النار... » أخرجه الترمذي وغيره، وهو صحيح "صحيح الجامع" ج (2) ص (913) برقم (5136) وقال: « من فطّر صائماً فله مثل أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء » أخرجه الترمذي وغيره، وهو صحيح، "صحيح الجامع" ج (2) ص (1095) برقم (6415) فالجود وبذل المال من صفات الأخيار، ودرس عظيم من الدروس المستفادة في هذا الشهر المبارك.
7- الشعور بالوحدة والمساواة بين المسلمين، في رمضان يستوي الغني والفقير، العبد والأمير، المستخدم والوزير، بل فيه علاج للكبر والطغيان والتعالي على الناس، لأن الكل صائم، والكل يعاني ألم الجوع، والكلُ يُمسك ويفطر دون تفريق أو امتياز، لا يُستثنى من ذلك أحد لغناه، أو لمنصبه أو جاهه، فأكرمُنا عند الله أتقانا، وأفضلُنا أزكانا.
8- اعتياد النظام ودقة المواعيد: نرى أيها الأحبة حياة كثير منا في فوضى وعدم التزام بالمواعيد والأوقات، فإذا جاء رمضان أعطانا هذا الدرس العجيب: الدقة في المواعيد والنظام، ويكفي أن تتعلم الأمة النظام في المعيشة، إذ جميع الصائمين يُمسكون ويفطرون في وقت واحد، بلا تقديم ولا تأخير، وإنّ الأوامر والنواهي إن لم تتحول إلى واقع عملي، فقدت قيمتها وضاع جوهرها، ورمضان يُربِّي فينا هذه الخصلة الحميدة في معرفة بركة الدقائق وآثار الالتزام وعاقبة الانضباط.
9- تربية الأولاد من صغرهم وتعويدهم على الطاعة والعبادة.
كثير من الناس يشتكى من عدم قدرته على تربية أبنائه، فلو انتهزنا فرصة هذا الشهر وعود أولادنا على الصيام، وكذلك الصلاة وقراءة القرآن والصدق والتحمّل ومراقبة الله في السر والعلن، وبر الوالدين وصلة الأقارب والجيران والتصدق على الفقراء والمساكين والمجاهدين، لو فعلنا ذلك أيها الأحبة، لحمدنا العاقبة بإذن الله.
وفي حديث الرُّبيِّع بنت مُعوِّذ قالت: كنا نصومه أي يوم عاشوراء بُعد، ونُصوِّم صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار. أخرجه البخاري "الفتح" ج (4) ص (200) برقم (1960)، "رمضان مدرسة الأجيال" للعمر ص (7-9، 19-53).

رسائل إلى الأئمة:
1- فيما يتعلق بصلاة التراويح، وذلك بنقرها والإسراع في القراءة وأداء أركانها، وهذا من أعظم مكائد الشيطان لأهل الإيمان، بل كثير ممن أطاعوا شيطان العجلة، صلاتهم أقرب إلى اللعب منها للطاعة، وقول الناس. أنّ الإمام إذا استعجل صلى معه أكثر الناس، وإذا طول لم يصل معه إلاّ القليل، فنقول: إنّ الشيطان له غرض خبيث، ويحرص على ترك العمل، فإن عجز عن ذلك، سعى فيما يُبطل العمل، وكثير من الأئمة في المدن وغيرها، يفعل في صلاة التراويح، فعل أهل الجاهلية، ويصلون صلاة لا يعقلونها، ولا يطمئنون في سجودها ولا ركوعها، والطمأنينة ركن لا تصح الصلاة إلاّ بها. وليكن ما يكن من حدوث فُرقة بين الجماعة وبين الإمام، يوم أن صار هواهم في التخفيف، واعلم أيها الإمام أنّ لب الصلاة وروحها هو إقبال القلب على الله فيها، ورُب قليل خير من كثير.
واعلمْ: أن الصلاة مكيال، فمن وفّى وفيِّ له، ومن طفّف فويل للمطففين.
واعلم: أنه يكره للإمام أن يُسرع سرعة تمنع المأمومين فعل ما يُسنّ، فكيف بسرعة تمنعهم فعل ما يجب. وفي الحديث نهيه - صلى الله عليه وسلم -: « عن نُقرة الغراب » قال ابن الأثير: يريد تخفيف السجود وأنه لا يمكث فيه إلاّ قدر وضع الغراب منقاره فيما يريد أكلُه.
وفي حديث آخر، قال - صلى الله عليه وسلم -: « أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته » قالوا: يا رسول الله كيف يسرق من صلاته؟ قال: « لا يتم ركوعها ولا سجودها »
2- فيما يتعلق بالقنوت في الوتر ظن بعض الأئمة أن القنوت لازم في كل ليلة، وأنه لا بد وأن يكون بعد الركوع، ومن فعل خلاف ذلك فقد أخطأ، وهذا ليس بصحيح، بل إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقنت في ركعة الوتر أحياناً، فالسنة فعله حيناً وتركه حيناً وأبي بن كعب - رضي الله عنه -، صلى بالصحابة، فقنت بهم في النصف الأخير من رمضان، وللإمام أن يقنت قبل الركوع وبعده، وهذا هو مذهب جمهور العلماء وغير واحد من المحققين لثبوت الأحاديث في ذلك، غير أن الأحاديث التي فيها أن القنوت بعد الركوع هي أكثر وهو الأقيس، كما ذكره ابن تيمية.
وأما رفع الأيدي فيه فهو مذهب جماهير العلماء، وهو ثابت عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، والقنوت يكون في النصف الثاني من رمضان، حيث عمل به كثير من أئمة السلف كعمر وابنه عبد الله وأبي والحسن وغيرهم، وهو رواية عن أحمد ومذهب مالك والشافعي ولم يثبت عن أحد القنوت في النصف الأول من رمضان.
وأما صيغة الدعاء، فلم يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا ما علمه الحسن، وهو قوله: « اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يُقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تبارك ربنا وتعاليت » أخرجه أحمد والترمذي والبيهقي بزياداته، وهو صحيح. وورد بالإفراد والجمع.
وأما قنوت عمر: اللهم إنا نستعينك ونؤمن بك ونتوكل عليك، ونثني عليك الخير كله، ولا نكفرك، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك، ونخشى عذابك، إن عذابك الجد بالكفار ملحق، اللهم عذب كفرة أهل الكتاب، الذين يصدون عن سبيلك. فأخرجه ابن أبي شيبة والبيهقي وغيرهما، وهو صحيح. وعمر فعل ذلك في قنوت الفجر في إحدى النوازل، وليس فيه أنه كان يقنت به في الوتر.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 125.34 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 123.66 كيلو بايت... تم توفير 1.68 كيلو بايت...بمعدل (1.34%)]