|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() شرح باب التفكر في عظيم مخلوقات الله تعالى وفناء الدنيا وأهوال الآخرة وسائر أمورها وتقصير النفس وتهذيبها وحملها على الاستقامة سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين قال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ﴾ [سبأ: 46]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [آل عمران: 191]، وقال تعالى: ﴿ أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإبل كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ * فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ ﴾ [الغاشية: 21] وقال تعالى: ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا ﴾ [محمد: 10]، والآيات في الباب كثيرة. ومن الأحاديث الحديث السابق: «الكيّسُ مَن دانَ نفسَه». قال العلَّامةُ ابنُ عثيمين - رحمَه الله -: التَّفكُّرُ: هو أن الإنسان يُعمِلُ فكره في الأمر، حتى يصل فيه إلى نتيجة، وقد أمر الله تعالى به - أي: بالتَّفكُّرِ - وحثَّ عليه في كتابه، لما يتوصل إليه الإنسان به من المطالب العالية والإيمان واليقين. قال الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ ﴾ [سبأ: 46]، قل يا محمد للناس جميعًا: ما أعظكم إلا بواحدة: ما أقدِّم لكم موعظةً إلا بواحدةٍ فقط، إذا قمتم بها أدركتم المطلوب، ونجوتم من المرهوب، وهي: ﴿ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ﴾. ﴿ تَقُومُوا لِلَّهِ ﴾، أي: مخلصين له، فتقومون بطاعة الله - عزَّ وجلَّ - على الوجه الذي أمرتم به، مخلصين له، ثم بعد ذلك تتفكروا، فإذا فعلتم ذلك فهذه موعظة، وأيُّ موعظة. وفي هذه الآية إشارة إلى أنَّه ينبغي للإنسان إذا قام لله بعملٍ، أن يتفكَّر ماذا فعل في هذا العمل: هل قام به على الوجه المطلوب، وهل قصر، وهل زاد، وماذا حصل له من هذا العمل من طهارة القلب، وزكاة النفس، وغير ذلك. لا يكن كالذي يؤدي أعماله الصالحة وكأنها عادات يفعلها كل يوم، بل تفكر، ماذا حصل لك من هذا العبادة، وماذا أثرت على قلبك وعلى استقامتك. ولنضرب لهذا مثلا بالصلاة، قال الله تبارك وتعالى: ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ ﴾ [البقرة: 45]، وقال: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45]، فلنفكر، هل نحن إذا صلينا زدنا طاقة وقوة ونشاطًا على الأعمال الصالحة، حتى تكون الصلاة معينةً لنا؟ الواقع أن هذا لا يكون إلا نادرًا باعتبار أفراد الناس، فانظر ماذا حدث لك من الصلاة، هل صارت معينةً لك على طاعة الله تعالى، وعلى المصائب وعلى غيرها. كما يذكر عن النبي عليه الصلاة والسلام: «أنَّه كان إذا حزَبَه أمرٌ فزِع إلى الصلاة»، أي: إذا أهمَّه وأغمَّه فزع إلى الصلاة. كذلك قال الله تعالى: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45]، فانظر في صلاتك، هل أنت إذا صليت وجدت في نفسك كراهيةً للفحشاء، وكراهية للمنكر، وكراهية المعاصي، أو أن الصلاة لا تفيدك في هذا؟ إذا عرفت هذه الأمور، عرفتَ نتائج هذه الأعمال الصالحة، وكنت متعظًا بما وعظك به النبي صلى الله عليه وسلم. مثالٌ آخر في الزكاة، وهي: المال الواجب في الأموال الزكوية، يصرفه الإنسانُ في الجهات التي أمر الله بها. وقد بيَّن الله فوائدها، وقد قال الله لرسوله: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾ [التوبة: 103] فإذا أدَّيت الزكاة فانظر هل طهَّرتك هذه الزكاةُ من الأخلاق الرذيلة، هل طهرتك من الذنوب، وهل زكَّت مالك؟ هل زكت نفسك؟! كثيرٌ من الناس يؤدِّي الزكاة وكأنها غُرْمٌ، يؤديه وهو كاره - نسأل الله العافية - يؤديها وهو لا يشعر بأنَّها تزكي نفسه، وعلى هذا بقية الأعمال، قُم لله ثم تفكَّر ماذا حصل. فهذه موعظة عظيمة إذا اتَّعظَ الإنسان بها، نفعته وصلحتْ أحواله، نسأل اللهَ أن يُصلح لنا الأعمال والأحوال. ثم ذكر المؤلِّفُ - رحمه الله تعالى - قول الله تعالى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِى الألباب * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ ﴾ [آل عمران: 190، 191]. هذه الآية في أول الآيات العشر التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرؤها كلما استيقظ من صلاة الليل. فينبغي للإنسان إذا استيقظ من صلاة الليل أن يقرأ من هذه الآية إلى آخر سورة آل عمران: (العشرة الأخيرة من سورة آل عمران). قوله: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [البقرة: 164]، يعني في خلقهما من حيث الحجمُ والكبر والعظمة، وغير ذلك مما أودع الله فيهما. في هذا الخلق آيات ففي النجوم آية من آيات الله، وفي الشمس آية من آيات الله، وكذا القمر آية من آيات الله، وكذا الأشجار والبحار والأنهار، وفي كل ما خلق الله في السماوات والأرض آيات عظيمة، تدل على كمال وحدانيَّته جلَّ وعلا، وعلى كمال قدرته، وعلى كمال رحمته، وعلى كمال حكمته، يقول عزَّ وجلَّ: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [البقرة: 164]. وجمَع السماوات وأفرَدَ الأرض، لأن السماوات سبعٌ كما ذكره الله في عدَّة آيات: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَات ﴾ [الطلاق: 12] ﴿ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾ [المؤمنون: 86]. أما الأرض، فإنَّ الله تعالى لم يذكرها في القرآن إلا منفردةً، لأن المراد بها الجنس الشامل لجميع الأرضيين، وقد أشار الله في سورة الطلاق إلى أن الأرضيين سبع، فقال: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ ﴾ [الطلاق: 12]، أي: مثلهنَّ في العدد، وليس مثلهن في الخِلقة والعِظَم، بل السماوات أعظم من الأرض بكثير لكنهنَّ مثل السماوات في العدد، وقد جاءت السُّنَّة صريحة في ذلك، مثل قول النبي عليه الصلاة السلام: «مَن اقتطع شبرًا من الأرضِ ظلمًا طوَّقه اللهُ إيَّاه يوم القيامةِ من سَبْعِ أرضين». ﴿ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ﴾ يكون من وجوهٍ متعددةٍ: أولا: من جهة أن الليل مظلمٌ والنهار مُضيءٌ، كما قال الله تعالى: ﴿ وجعلنا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً ﴾ [الإسراء: 12]. ثانيًا: اختلافهما في الطول والقصر، أحيانًا يطول الليل، وأحيانًا يطول النهار، وأحيانا يتساويان كما قال الله تعالى: ﴿ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ﴾ [الحج: 61]، أي: يدخل هذا في هذا مرة فيأخذ منه، وهذا في هذا فيأخذ منهن هذا من اختلاف الليل والنهار. ثالثًا: ومن اختلاف الليل والنهار اختلافهما في الحر والبرودة؛ تارة يكون الجو باردًا وتارة يكون حارًا. رابعًا: ومن اختلافهما أيضا، الخصب والجدب، تارة تكون الدنيا جدبًا وقحطًا وسنين، وتارة تكون خصبة وربيعًا ورخاءً. خامسًا: ومن اختلاف الليل والنهار اختلافهما في الحرب والسلم، تارة تكون حربًا، وتارة تكون سلمًا، وتارة تكون عزًّا وتارة تكون ذلَّةً، كما قال الله تعالى: ﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾ [آل عمران: 140]. ومن تأمَّل اختلاف الليل والنهار وجد فيهما من آيات الله - عزَّ وجلَّ - ما يبهر العقول. وقوله تعالى: ﴿ لَآياتٍ ﴾، أي: علاماتٍ واضحات على وحدانية الله، وكمال قدرته وعزَّته وعلمِه ورحمته، وغير ذلك من آياته. وقوله: ﴿ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾، أي: لأصحاب الألباب، والألباب جمع لُبٍّ، وهو العقل، وأولوا الألباب: هم أصحاب العقول، وذلك لأنَّ العقل لبٌّ، والإنسان بلا عقل قشور بلا لب، فالأصل في الإنسان هو العقل؛ فلهذا سُمي لُبًّا، وأما إنسانٌ بلا عقل فإنَّه قُشور. ولكن ما المراد بالعقل؟ هل المراد بالعقل الذكاء؟ الجواب: لا، الذكاء شيء والعقلُ شيءٌ آخر، رُبَّ ذكي نابغ في ذكائه لكنه مجنون في تصرفاته، فالعقل في الحقيقة هو ما يعقلُ صاحبه عن سوء التصرف، هذا العقل وإن لم يكن ذكيًّا. فإذا مَنَّ الله على الإنسان بالذكاء والعقل تمَّت عليه النعمةُ، وقد يكون الإنسان ذكيًّا وليس بعاقل، أو عاقلًا وليس بذكي. جميع الكفار - وإن كانوا أذكياء - فإنَّهم ليسوا عقلاء، كما قال الله: ﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ ﴾ [الأنفال: 22]. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |