|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() من أركان العقيدة: الإيمان بالكتب (القرآن الكريم) (1) علي محمد مقبول الأهدل القرآن لغة: مصدر قرأ يقرأ قراءة وقرآنًا، قال الشاعر: ضحوا بأشمط عنوان السجود به ![]() يقطع الليل تسبيحًا وقرآنًا ![]() أي: يقطع الليل قراءة للقرآن. والأصل في هذه اللفظة (القرآن) الجمع، وكل شيء جمعته فقد قرأته، وسمي القرآن بذلك؛ لأنه جمع القصص والأمر والنهي والوعد والوعيد، والآيات والسور بعضها إلى بعض، ومنه قوله تعالى: ﴿ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ﴾ [القيامة: 17]، أي: جمعه وقراءته[1]. أما تعريفه شرعًا فهو: كلام الله بلفظه ومعناه، أنزله الله تعالى على رسوله محمد عليه الصلاة والسلام بواسطة أمينه جبريل، وهو الذي بين دفتي المصحف، يبدأ بالفاتحة، وينتهي بسورة الناس[2]. مزاياه: ولأن القرآن كلام الله تعالى المنزل على قدوتنا محمد عليه الصلاة والسلام فهو معظم عند المسلم، ويسعى المسلم للتمسك بأحكامه وتلاوته وتدبره.. وحسب المسلم أن هذا القرآن هو هاديه في الدنيا، وسبب فوزه في الآخرة. وللقرآن الكريم مزايا كثيرة وخصائص متعددة ينفرد بها عن الكتب السماوية السابقة، منها: 1- أن القرآن قد تضمن خلاصة الأحكام الإلهية، وجاء مؤيدًا ومصدقًا لما جاء في الكتب السابقة من الأمر بعبادة الله وحده، قال تعالى ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾ [المائدة: 48]. ومعنى: (مصدقًا لما بين يديه) أي: يصدق هذا القرآن ما في هذه الكتب من الصحيح، ومعنى: (مهيمنًا عليه) أي: مؤتمنًا وشاهدًا على ما قبله من الكتب[3]. إذن القرآن يتمثل الحق في صدوره من جهة الألوهية، وهي الجهة التي تملك حق تنزيل الشرائع وفرض القوانين.. ويتمثل الحق في محتوياته، وفي كل ما يعرض له من شئون العقيدة والشريعة، وفي كل ما يقصه من خبر، وما يحمله من توجيه. ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾ هو الصورة الأخيرة لدين الله، وهو المرجع الأخير في هذا الشأن، والمرجع الأخير في منهج الحياة وشرائع الناس، ونظام حياتهم، بلا تعديل بعد ذلك ولا تبديل. ومن ثم فكل اختلاف يجب أن يرد إلى هذا الكتاب ليفصل فيه، سواء كان هذا الاختلاف في التصور الاعتقادي بين أصحاب الديانات السماوية، أم في الشريعة التي جاء هذا الكتاب بصورتها الأخيرة، أم كان هذا الاختلاف بين المسلمين أنفسهم، فالمرجع الذي يعودون إليه بآرائهم في شأن الحياة كله هو هذا الكتاب، ولا قيمة لآراء الرجال ما لم يكن لها مستند من هذا الكتاب العظيم.. وهذه من أعظم مزايا القرآن الكريم..[4]. 2- أن هذا القرآن يجب على جميع الناس التمسك به، ويتعين على جميع الخلق اتباع القرآن والعمل به، بخلاف الكتب السابقة فهي لأقوام معينين، قال تعالى: ﴿ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى ﴾ [الأنعام: 19]. 3- أن الله تكفل بحفظ القرآن الكريم، فلم تمتد إليه يد التحريف، ولا تمتد إليه، كما قال -: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9] [5]. تعاليمه: تعاليم القرآن الكريم هي تشريع إلهي كامل؛ وهذه التعاليم تسمو فوق كل تعاليم؛ وفوق كل تشريع وضعي عرفه البشر في القديم والحديث.. فتعاليم القرآن الكريم هي التي وضحت أصول العقائد، وأحكام العبادات، وقوانين الفضائل والآداب، وقواعد التشريع الاقتصادي، والسياسي، والمدني، والاجتماعي، وهو الذي نظم حياة الأسرة، والمجتمع، ووضع أعدل المبادئ الإنسانية الكريمة التي ينادى بها دعاة الإصلاح.. ألا وهي المساواة، وعدم العنصرية.. ونظرة واحدة إلى سورة الحجرات تعرف مدى سمو التعاليم القرآنية الفريدة. ففي العقائد -مثلًا- دعا القرآن إلى عقيدة واضحة سامية هي الإيمان بالله، والتصديق بجميع رسله، والإيمان بجميع الكتب السماوية، وأن تعاليم القرآن ناسخة لما سبق كله، قال تعالى: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ [البقرة: 285]. وفي العبادات جاءت تعاليم القرآن العظيم بأسس العبادات ودعائمها، فشرعت الصلاة والصيام، والحج، والزكاة، وسائر أعمال البر والطاعة، وليست العبادة في الإسلام قاصرة على هذه الدعائم والأركان؛ بل هي تشمل كل عمل خير، وفعل بر وطاعة، ولهذا فإن العلماء قرروا أن كل عمل يقصد به الإنسان وجه الله يكون عبادة، وقالوا: إن النية الصالحة تقلب العادة إلى عبادة، فإذا عمل الإنسان واحترف له صنعة بقصد التعفف عن الحرام والإنفاق على أهله وعياله، وإذا أكل أو شرب بقصد التقوي على طاعة الله؛ كان عمله عبادة يثاب عليها، والأصل في هذا قول النبي عليه الصلاة والسلام: «وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتى اللقمة تضعها في فيّ -فم- امرأتك..»[6]، قال ابن حجر في الفتح نقلًا عن ابن دقيق العيد: « فيه أن الثواب في الإنفاق مشروط بصحة النية وابتغاء وجه الله, وهذا عسر إذا عارضه مقتضى الشهوة؛ فإن ذلك لا يحصل الغرض من الثواب حتى يبتغي به وجه الله، وسبق تخليص هذا المقصود مما يشوبه.. وقد يكون فيه دليل على أن الواجبات إذا أديت على قصد أداء الواجب ابتغاء وجه الله أثيب عليها»[7]. وخلاصة القول: إن أصول العبادات المفروضة وسعها القرآن ونوعها وجعلها ضروبًا متفاوتة، فمنها ما هو (عبادات مالية) كالزكاة والصدقات، ومنها ما هو (عبادات بدنية) كالصلاة والصيام، ومنها ما هو يجمع بين الأمرين (عبادات مالية وبدنية) كالجهاد في سبيل الله يكون بالمال والنفس؛ وهذا التنويع له مغزاه وحكمته السامية؛ وذلك لئلا تألف النفس شيئًا فتصبح لها عادة، أو تمل وتضجر من العبادة الواحدة.. أما تعاليم القرآن في مجال التشريع العام فنجد أن القرآن العظيم قد وضع قواعد عامة في التشريع المدني والجنائي والسياسي والاقتصادي، ففي المعاملات حرم القرآن أكل أموال الناس بالباطل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ﴾ [النساء: 29] فالنداء في تعاليم القرآن هو للذين آمنوا، مما يوحي بتطهير المعاملات المالية من كل رواسب الباطل ويحث على ذلك باستجاشة ضمائر المسلمين بهذا النداء ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ﴾ فتعاليم القرآن تحرم جميع الحيل لأكل أموال الناس بالباطل بكل طريقة لتداول الأموال فيما لم يأذن به الله أو نهى عنه، ومن ذلك: الغش والرشوة، والقمار، واحتكار الضروريات لإغلائها وجميع أنواع البيوع المحرمة وفي مقدمتها الربا. وكل معاملة فيها أكل لأموال الناس بالباطل؛ فهي توحي بالآثار المدمرة التي ينشئها أكل أموال الناس بالباطل في حياة المسلمين؛ إنها عملية قتل..؛ لأنه لا تروج وسائل أكل أموال الناس بالباطل في مجتمع: بالربا أو الغش، أو القمار، أو الاحتكار أو التدليس، أو الاختلاس، أو الاحتيال، أو الرشوة، أو السرقة، أو بيع ما ليس يباع، كالعرض، أو الذمة، أو الضمير، أو الخلق أو الدين، مما تعج به الجاهليات القديمة والحديثة سواء؛ إلا وقد كتب على هذه الأمة أن تقتل نفسها وتتردى في هاوية الدمار[8]. وكذلك نجد أن تعاليم الإسلام وضعت أساسًا للتعامل الدولي في حالة السلم والحرب، على أكمل وجه وأعدل نظام، قال تعالى: ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [البقرة: 190]، وقال تعالى: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ ﴾ [النساء: 90] وفي الأمور الجنائية بينت تعاليم القرآن الحدود، وأوجب القرآن على الأمة تنفيذها من أجل حماية المجتمع وصيانته من الفوضى والاضطراب.. وقد نصت تعاليم القرآن على أمهات الجرائم، ووضع القرآن لكل منها عقوبات مقدرة لا يجوز الزيادة عليها أو النقصان منها، أو التساهل في تطبيقها.. وخلاصة القول: إن تعاليم القرآن هي تشريع إلهي لا تشريع بشري؛ لأن التشريع الإلهي هو التشريع الوحيد المبرأ من نتائج الهوى الإنساني، والضعف الإنساني، والرغبة الإنسانية في النفع الذاتي، وفي تحقيق ذلك النفع عن طريق التشريع لشخص المشرع أو لأسرته، أو لطبقته، أو لشعبه، أو لجنسه.. فواضع هذا التشريع هو الله -سبحانه- رب البشر أجمعين، فهو لا يشرع ليحابي نفسه ولا ليحابي طبقة من البشر على طبقة! ولا ليحابي شعبًا على شعب ولا ليحابي جنسًا على جنس!. والتشريع البشري الذي يصنعه فرد حاكم، أو أسرة حاكمة أو طبقة حاكمة، أو أمة حاكمة، أو جنس حاكم.. يستحيل -بحسب فطرة الإنسان- أن يتجرد عن الهوى، ومن مراعاة مصلحة واضع التشريع. فأما حين يكون تشريع الله وتعاليم القرآن هي التي تحكم حياة البشر، فتنتفي هذه الصفة ويتحقق العدل الحقيقي الشامل الكامل الذي لا يملكه تشريع آخر من تشريعات البشر أن يحققه في صورته هذه؛ لأنه ليس بين هذه التشريعات كلها ما يمكن أن يتجرد من عوامل الهوى الإنساني، والضعف الإنساني، والحرص على المصلحة الذاتية في صورة من الصور[9]. القرآن هو الكتاب الذي تصح نسبته إلى الله: الحق الذي لا يماري فيه منصف أنه لا يوجد اليوم على ظهر الأرض كتاب تصح نسبته إلى الله -سبحانه- سوى القرآن الكريم؛ يدل على هذه الحقيقة أدلة حسية من حفظه وعدم اختلافه في كل مكان وعلى مدار الأزمان؛ فضلًا عما أخبر به القرآن عن التحريف الواقع في الكتب الموجودة، ومن الأدلة على صحة نسبة القرآن إلى الله الأدلة الآتية: أولًا: أن الكتب التي نزلت قبل القرآن، قد ضاعت نسخها الأصلية، ولم يبق في أيدي الناس إلا تراجمها، أما القرآن فإنه لا يزال محفوظًا بسورة وآياته وكلماته وحركاته، كما تلاه جبريل عليه السلام على رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكما تلاه رسول الله على صحابته -رضوان الله عليهم-. ثانيًا: أن هذه الكتب قد اختلط فيه كلام الله بكلام الناس: من تفسير وتأريخ وسير الأنبياء وتلاميذهم، واستنباطات الفقهاء، فلا يعرف فيها كلام الله من كلام البشر. وأما القرآن فهو جميعه كلام الله ولم يختلط به غيره من حديث الرسول عليه الصلاة والسلام أو أقوال الصحابة أو غيرهم. ثالثًا: أن تلك الكتب ليس منها كتاب تصح نسبته إلى الرسول الذي ينسب إليه، فليس لأي منها سند تأريخي موثوق، فالأسفار الموجودة ضمن ما يسمى بالعهد القديم، ويطلق عليه التوراة، إنما دونت بعد موسى عليه السلام بقرون عديدة[10]. وأما القرآن الكريم فهو كتاب الوحيد الذي ثبتت نسبته بصورة قطعية إلى الرسول الذي أوحي إليه وهو محمد عليه الصلاة والسلام فقد نقل هذا الكتاب بسورة وآياته، وطريقة ترتبيها، وكيفية تلاوته إلى كل عصر جاء بعد عصر نزوله، بالتواتر، بحيث لا يشك في أن القرآن الذي نتوله هو الذي نزله الله على رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام [11]. رابعًا: ومن الأدلة على وقوع التحريف في تلك الكتب تعدد نسخها واختلافها فيما نقلته من الأقوال والآراء[12]. وقد أثبت المحققون من العلماء أن الكتاب المقدس (الجامع للعهدين القديم والحديث) ليس لأي سفر من أسفارهما سند متصل يصح نسبة ذلك السفر إلى من نسب إليه من الأنبياء أو الرسل أو غيرهم. وقد أثبتوا وجود نسبة كبيرة من الأغلاط والأخطاء التاريخية فيها، والتناقضات بين نصوصها، وقد أقر النصارى أنفسهم أولهم وآخرهم أن هذه الأناجيل تواريخ ألفها أربعة رجال معرفون في أزمان مختلفة، والأناجيل المعتبرة عند النصارى أربعة هي: إنجيل متى، وإنجيل مرقص، وإنجيل لوقا، وإنجيل يوحنا، وهذه الأناجيل الأربعة هي التي تعترف بها الكنائس، وتقرها الفرق المسيحية، وتأخذ بها، لكونها تشمل على عقيدة ألوهية المسيح في زعمهم، والصلب والفداء وغير ذلك. وبالنظر السريع إلى ما ورد في الأناجيل يتضح التناقض بينهما وبين التوراة من جهة وبين كل إنجيل وإنجيل من جهة أخرى؛ بل في الإنجيل الواحد يظهر التضارب والتباين[13]. خامسًا: ومن القرائن القاطعة على وقوع التحريف في هذه الكتب -عدا القرآن الكريم- ما تضمنته من العقائد الفاسدة والتصورات الباطلة عن الخالق -سبحانه-، وعن رسله الكرام -عليهم السلام- فإنك تجد فيها تشبيه الخالق بالإنسان، والقدح بالأنبياء بما يمس شرفهم ويتنافى مع عصمتهم[14]. ومن الأمثلة على ذلك ما ورد في سفر التكوين الإصحاح الثاني الصفحة الخامسة: «إن الله خلق السموات في ستة أيام، واستراح في اليوم السابع وكان في السبت، فأكملت السموات والأرض وكل جندها، وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل، وبارك الله اليوم السابع وقدسه لأنه استراح من جميع عمله الذي عمل الله خالقًا» هكذا الإله في هذه الكتب المحرفة إله يصاب بالتعب والنصب كالبشر، ولا يقوى على العمل بدون راحة، إنها فرية رد عليها القرآن الكريم بقوله: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ ﴾ [ق: 38][15]. قال الحسن وقتادة: قالت اليهود: إن الله خلق الخلق في ستة أيام واستراح يوم السابع، وهو يوم السبت، يسمونه يوم الراحة، فأنزل الله تعالى هذه الآية[16] ردًا عليهم. أما عن الأنبياء فتتحدث هذه الكتب المحرفة عن نوح عليه السلام أنه سكر وتعرى داخل خبائه حتى ظهرت عورته[17]، وتتحدث عن لوط أنه سكر وزنى بابنتيه حتى حملتا منه سفاحًا[18]، وتتحدث عن سليمان عليه السلام أنه من أجل شهوته أحب نساءه أكثر من ربه، وأشرك في آخر حياته[19]، وتتحدث عن هارون عليه السلام أنه صانع العجل الذهبي الذي عبده بنو إسرائيل بعد خروجهم من مصر[20]. وفي هذا دلالة قاطعة على تحريف هذه الكتب التي لم تلتزم الأدب مع أنبياء الله ورسله -صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين- ولا نجد مثل هذا في القرآن الكريم؛ بل نجد الثناء العاطر على الرسل جميعًا ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ [البقرة: 285]. [1] لسان العرب مادة (قرأ). [2] العقيدة الصافية للفرقة الناجية، سيد سعيد عبد الغني، (ص:93). [3] مقرر التوحيد، د. عبد العزيز العبد اللطيف، (ص:73). [4] في ظلال القرآن، سيد قطب، (2/902). [5] للتوسع راجع: خصائص القرآن الكريم، د. فهد بن عبد الرحمن الرومي. [6] أخرجه البخاري في كتاب الوصايا باب (2) حديث رقم (2742) البخاري مع الفتح (7/264)، وأخرجه مسلم في كتاب الوصية باب (1) الوصية بالثلث(2/1250) حديث رقم (5). [7] فتح الباري لابن حجر (7/270). [8] راجع: في ظلال القرآن، سيد قطب، (2/639). [9] انظر: هذا الدين، سيد قطب. (ص:21). [10] الإيمان، د. محمد نعيم ياسين، (ص:85). [11] الإيمان، د. محمد نعيم ياسين، (ص:86). [12] المرجع نفسه، (ص:87). [13] أساليب الدعوة الإسلامية المعاصرة، د. حمد العمار، (ص:469-470). [14] الإيمان، د. محمد نعيم ياسين، (ص:87). [15] أساليب الدعوة الإسلامية المعاصرة، (ص:443). [16] التفسير المنير، د. وهبة الزحيلي (26/313). [17] سفر التكوين، الإصحاح التاسع (ص:15). [18] سفر التكوين الإصحاح التاسع عشر، (ص:29). [19] سفر الملوك الأول، الإصحاح الحادي عشر، (ص:553). [20] سفر الخروج، الإصحاح الثاني والثلاثون، (ص:139).
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() من أركان العقيدة: الإيمان بالكتب (القرآن الكريم) (2) علي محمد مقبول الأهدل • القرآن كلام الله: القرآن كلام الله تعالى وليس بمخلوق، كما زعمت بعض الفرق، أنزله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم عن طريق جبريل عليه السلام. أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم بلفظه ومعناه، وقد تكلم به الله على الحقيقة اللائقة به قال تعالى: ï´؟ وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ ï´¾ [التوبة: 6]، والدليل على أنه منزل من عند الله قوله تعالى: ï´؟ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ï´¾ [الفرقان: 1]. والدليل على أنه غير مخلوق، قول الله سبحانه تعالى: ï´؟ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ï´¾ [الأعراف: 54]، وقد دلت هذه الآية الكريمة على أن الخلق غير الأمر، ولو كان الأمر يندرج تحت الخلق لذكر الله سبحانه تعالى الخلق وحده، وكونه جل شأنه يذكر الأمر بعد الخلق فهذا دليل واضح وبين على أن الأمر مغاير ومخالف للخلق. والقرآن الكريم يندرج تحت الأمر وليس تحت الخلق، وذلك بنص كتاب الله تعالى فقد جاءت آيات كثيرة تشير إلى أن القرآن الكريم أمر الله أنزله إلى عباده، قال تعالى: ï´؟ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ï´¾ [الشورى: 52]، وقال: ï´؟ ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ï´¾ [الطلاق: 5]، ويتضح من ذلك أن القرآن الكريم كلام الله، وصفة من صفاته، وهو الذي تولى حفظه، ولا يأتيه الباطل من يديه ولا من خلفه. إن من يقول بخلق القرآن الكريم فقد افترى على الله الكذب؛ فإن المخلوق له بداية ونهاية، ويأتي عليه البلى، ويجوز عليه التغيير والتحريف، ويحكم عليه بالفناء، وحاشا القرآن الكريم أن تعتريه هذه الصفات التي هي من خصائص المخلوقين[1]. ومما يدل على أن القرآن كلام الله معجز بلفظه أن كل محاولات الإتيان بمثله باءت بالفشل قديماً وحديثاً، فمنذ فترة من الزمن ظهر على (الإنترنت) كلام مسجوع من تأليف عربي لا يدين بالإسلام، يعيش في أمريكا، يحاول فيه أن يقلد النسق القرآني، من حيث تقسيم الكلام إلى عبارات مسجوعة تنتهي بحرف الميم أو النون مسبوقة بمد يائي أو واوي، وظن المسكين أنه قد أتى بما لم تستطعه الأوائل، كما قال الشاعر: وإني وإن كنت الأخير زمانه ![]() لآت بما لم تستطعه الأوائل ![]() كما ظن أنه بعمله هذا قد أبطل التحدي الذي تحدى الله به الإنس والجن حين قال سبحانه وتعالى: ï´؟ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ï´¾ [الإسراء: 88]، وكأنه يقول: هأنذا أنا قد أتيت بمثله! وإذاً قد أبطلت التحدي، وأبطلت دعوى الإعجاز القرآني الذي قامت عليه رسالة محمد صلى الله عليه وسلم.. وإذاً فالإسلام ليس من عند الله، إنما هو صناعة بشرية قام بها محمد صلى الله عليه وسلم.. ولعل المسكين لم يعلم أن مسيلمة الكذاب قد قام بمثل هذا العمل من قبل، وأتى بسجعات مثل سجعاته قال: إنها مثل القرآن. ومر الزمن وبطلت سجعات مسيلمة، وبقي القرآن يتحدى الإنس والجن إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها[2]. وللرد على مسيلمة الحديث والقديم نذكر نماذج من قرآن مسيلمة لِنُرِيَ القارئ - الكريم - هذه الأضحوكة الساذجة. يقول مسيلمة في قرآنه: "والمبذرات زرعاً، والحاصدات حصداً، والذاريات قمحاً، والطاحنات طحناً، والخابزات خبزاً، والثاردات ثرداً، واللاقمات لقماً، إهالة وسمناً، لقد فضلتم على أهل الوبر، وما سبقكم أهل المدر، رفيقكم فامنعوه، والمعتر فآووه، والناعي فواسوه". ومن قرآنه: "والفيل وما أدراك ما الفيل، له زلوم طويل" وكان يقول: " والليل الدامس، والذئب الهامس، ما قطعت أسد من رطب ولا يابس". وكان يقول: "يا ضفدع يا بنت الضفدعين، نقي لكم تنقين، لا الماء تكدرين، ولا الشارب تمنعين، رأسك في الماء وذنبك في الطين"، وكان يقول: "ولنا نصف الأرض ولقريش نصفها، ولكن قريشاً قوم يعتدون"[3]. وقد ذكر ابن كثير عن عمرو بن العاص أنه وفد إلى مسيلمة في أيام جاهليته، فقال له مسيلمة: ماذا أنزل على صاحبكم في هذا الحين؟ فقال له عمرو: لقد أنزل عليه سورة وجيزة بليغة، فقال: وما هي؟ قال: أنزل عليه: ï´؟ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ï´¾ [العصر: 1 - 3]، قال: ففكر مسيلمة ساعة ثم رفع رأسه فقال: ولقد أنزل عليّ مثلها، فقال له عمرو: وما هي؟ فقال مسيلمة: "يا وبر يا وبر، إنما أنت إيراد وصدر، وسائرك حفر نقر" ثم قال: كيف ترى يا عمرو؟ فقال له عمرو: والله إنك لتعلم إني أعلم أنك تكذب. ومن هذا الكلام السخيف الركيك أراد مسيلمة أن يعارض كتاب الله تعالى ويحاكيه، فكان أضحوكة العالم أجمع؛ والذين اتبعوه من الأعراب إنما هو للعصبية الجاهلية كما عبر بعضهم حين قال: "كذاب ربيعة أحب إلينا من صادق مضر"[4]. • مكانة القرآن في نفس المؤمن: للقرآن في نفس المؤمن مكانة ليست لأي كتاب آخر على الإطلاق. فالقرآن هو كلام الله المنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم المتعبد بتلاوته، وكفى بذلك تعظيماً في نفوس المؤمنين. فالمؤمن من يعظم ربه ابتداءً؛ فيعظم من ثم كل شيء يأتيه من عند ربه، فكيف بكلام ربه المنزل، الموجه إليه ليهديه سواء السبيل، وينير قلبه وطريقه، ويهديه خير الدنيا والآخرة؟ إن الكتاب الذي يصلني من مؤلف قدير في مادته؛ يكون عزيزاً عندي بمقدار ما أعرف عن ذلك المؤلف من مكانة في العلم. فكيف بكتاب رب العالمين القادر المقتدر العليم الحكيم؟! وإن الكتاب الذي يعطيني جزءاً صغيراً من المعلومات، وفي باب واحد من أبواب المعرفة يكون عزيزاً عندي بمقدار فائدتي منه، فكيف بالكتاب الذي يحوي الخير كله ويدل عليه؟ وإن الكتاب الذي يقدمه إليّ أستاذي، وأعلم أن قراءتي له ستزيد درجاتي عنده أكون حريصاً على قراءته بقدر ما يزيدني من درجات وعلامات، فكيف بالكتاب الذي تكون تلاوته تعبداً يرفع درجاتي عند الله؟ ولله المثل الأعلى في السموات والأرض. إنه لا يوجد كتاب في تأريخ البشرية كله نال من المكانة في نفوس أصحابه كما نال القرآن في نفوس المؤمنين. ولا يوجد كتاب قرئ وحفظ في تأريخ البشرية بقدر ما قرئ هذا الكتاب، ولا عجب أن سماه رب العالمين "القرآن" فهو الكتاب المقروء الذي لا تفتر قراءته في ليل أو نهار في صلاة أو ذكر أو حلقة درس أو ترتيل[5]. إن لتلاوة القرآن الكريم وحفظه وتعهده بالقراءة من الفضل ما لا يخفى، ويكفي لإثبات ذلك ما جاءت به الآيات الكريمات والأحاديث الشريفة وآثار الصحابة رضوان الله عليهم: 1- فمن الآيات قوله تعالى: ï´؟ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ï´¾ [فاطر: 29، 30]، وقد كان قتادة ا إذا قرأ هذه الآية يقول: هذه آية القراءة؛ لما أثبته لهم من الأجر العظيم والثواب المضاعف، فهم لا ينعمون بالأجر وافياً، وإنما يزيدهم الله إكراماً وفضلاً. 2- قد ربط الله تعالى بين تلاوة القرآن والإيمان به؛ فقال سبحانه تعالى: ï´؟ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ï´¾ [البقرة: 121] [6]. 3- والقرآن زاد للمسلم، قال تعالى: ï´؟ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ï´¾ [المزمل: 1 - 5]. والقول الثقيل هو هذا القرآن وما وراءه من التكليف.. والقرآن في مبناه ليس ثقيلاً فهو ميسر للذكر، ولكنه ثقيل في ميزان الحق، ثقيل في أثره في القلب... إن قراءة القرآن والكون ساكن في هذا زاد لكل مسلم؛ لأن القرآن ينير القلب ويعصمه من وسوسة الشيطان ومن التيه في الظلمات في هذه الحياة[7]. أما الأحاديث في فضل قراءة القرآن فهي كثيرة جداً، نأخذ منها على سبيل المثال فقط ما يلي: 1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "احشدوا[8]، فإني سأقرأ عليكم ثلث القرآن، فحشد من حشد، ثم خرج نبي الله صلى الله عليه وسلم فقرأ: ï´؟ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ï´¾ [الإخلاص: 1] ثم دخل، فقال بعضنا لبعض: إني أرى أن هذا خبراً جاءه من السماء، فذاك الذي أدخله. ثم خرج نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إني قلت لكم: سأقرأ عليكم ثلث القرآن، ألا إنها تعدل ثلث القرآن"[9]. 2- وعن أبي هريرة - أيضاً - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيحب أحدكم إذا رجع إلى أهله أن يجد ثلاث خلفات[10] عظام سمان؟ قلنا: نعم، قال: ثلاث آيات يقرأ بها أحدكم في صلاة خير له من ثلاث خلفات سمان"[11]. 3- وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: "بينما جبريل عليه السلام جالس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ سمع نقيضاً من فوقه، فرفع رأسه إلى السماء، فقال: إن هذا الباب من السماء قد فتح، ما فتح قط، قال: فنزل منه ملك، قال: فإن هذا الملك قد نزل، ما نزل إلى الأرض، قال: فجاء الملك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم عليه، وقال: يا محمد، أبشر بنورين أوتيتهما، لم يؤتهن نبي قبلك: فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة، لم تقرأ حرفاً منهما إلا أوتيته"[12]. 4- وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول لله صلى الله عليه وسلم يقول: "اقرءوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه، اقرءوا الزهراوين[13]: البقرة وسورة آل عمران. فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان؛ أو كأنهما غيايتان[14]؛ أو كأنهما فرقان من طير صواف[15]، تحاجان عن أصحابهما[16]، اقرءوا سورة البقرة؛ فإن أخذها بركة وتركها حسرة، ولا تستطيعها[17] البطلة"[18]. يتبع
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() من أركان العقيدة: الإيمان بالكتب (القرآن الكريم) (2) علي محمد مقبول الأهدل 5- وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: (الم) حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف"[19]. مع هذا الفضل العظيم عرف السلف رضوان الله عليهم قيمة القرآن، والأجر المترتب على تلاوته؛ فحرصوا أشد الحرص على الارتباط به ليلاً ونهاراً. فهذا جندب رضي الله عنه يقول: "أوصيكم بتقوى الله، وأوصيكم بالقرآن؛ فإنه نور بالليل المظلم، وهدىً بالنهار، فاعملوا به على ما كان من جهد وفاقة"[20]. وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: "من قرأ القرآن لم يرد إلى أرذل العمر، وذلك قوله تعالى: ï´؟ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ï´¾ [التين: 5] ï´؟ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ï´¾ [التين: 6] قال: الذين قرءوا القرآن"[21] [22]. قال أبو عبدالله البوشنجي في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لو كان القرآن في إهاب ما مسته النار" والحديث صحيح[23]. قال: معناه أن من حمل القرآن وقرأه لم تمسه النار[24]. وعن عائشة ل قالت: "القرآن أكرم من أن يزيل عقول الرجال"[25]. ومن العجب أن السلف كانوا يتحدثون عن المدة التي يقرأ فيها الإنسان القرآن، أو في كم يقرأ القرآن؟ قال الإمام النووي رحمه الله: "ينبغي لحامل القرآن أن يحافظ على تلاوته، ويكثر منه ليلاً ونهاراً، سفراً وحضراً، وقد كان للسلف منهم عادات مختلفة فيما يختمون فيه القرآن: فكان جماعة يختمون في كل شهرين ختمة، وآخرون في كل شهر ختمة، وآخرون في كل عشر ليال ختمة، وآخرون في كل ثمان ليال ختمة، وآخرون في كل سبع ليال ختمة، وهذا فعل الأكثرين.. "[26]. فإذا كان هذا حال السلف في قراءتهم للقرآن ومداومتهم عليه، وحرصهم على قراءته كاملاً وختمته في مدة معينة؛ فما بالك بمن لا يقرأه إلا في رمضان، أو بمن يقرأ من الكتب الهابطة أحياناً أكثر مما يقرأ من القرآن.. وقد حدث في زماننا كثيراً، وأخشى أن ينطبق علينا قول نبينا لربه سبحانه تعالى: ï´؟ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا ï´¾ [الفرقان: 30] [27]. والهجر المقصود به هنا في ضوء ما ذكره المفسرون أن هجر القرآن له جانبان: أحدهما: يتعلق بالقرآن دون أخذ له، وهذا صنيع الكفار والمنافقين. الثاني: يتعلق بالقرآن بعد الإقرار بأنه كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهذا صنيع بعض المسلمين الذين لا يقرءون القرآن، أو يقرءونه لا يجاوز حناجرهم، فلا يعملون به، ومن هؤلاء صنف يحفظ القرآن أو شيئاً منه ثم يهجر القراءة حتى ينسى ما قد يكون حفظه منه.. ولذلك ذكر ابن حجر أن النسيان بعد الحفظ من الكبائر، وقال بأن ذلك هو ما ذهب إليه الرافعي وغيره، ونقل عن بعض العلماء أن محل كون نسيان القرآن كبيرة عند من قال به مشروط بأن يكون عن تكاسل وتهاون، وهذا احتراز عما لو اشتغل عنه بمرض مانع من القراءة، وعدم التأثيم بالنسيان حينئذ واضح؛ لأنه مغلوب عليه لا اختيار له فيه[28]. وللأسف إن هذا القرآن يجهله أهله اليوم؛ لأنهم لا يعرفونه إلا تراتيل وترانيم وتعاويد وتهاويم؛ أو يعرفونه في افتتاحيات القنوات الفضائية.. وهذا سببه الكيد اللئيم، والجهل المزري، والفساد الشامل للفكر والقلب... إن هذا القرآن المهجور اليوم هو بصائر تهدي، ورحمة تفيض.. لمن يؤمن به، ويغتنم هذا الخير العميم: ï´؟ وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآَيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ï´¾ [الأعراف: 203] بصائر تكشف وتنير، وهدى يرشد ويهدي، ورحمة تغمر وتفيض لقوم يؤمنون؛ فهم الذين يجدون هذا كله في هذا القرآن الكريم..[29]. المبحث السابع: ثمرات الإيمان بالكتب: أولاً: العلم بعناية الله تعالى وكمال رحمته حيث أنزل لكل قوم كتاباً يهديهم به، ويحقق لهم السعادة في الدنيا والآخرة. ثانياً: العلم بحكمة الله تعالى في شرعه، حيث شرع لكل قوم ما يناسب أحوالهم ويلاءم أشخاصهم، كما قال سبحانه تعالى: ï´؟ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ï´¾ [المائدة: 48]. ثالثاً: شكر نعمة الله تعالى في إنزال الكتب؛ فهذه الكتب نور وهدى في الدنيا والآخرة، ومن ثم يتعين شكر الله على هذه النعم العظيمة. رابعاً: عبادة الله على بصيرة. خامساً: العيش مع القرآن، والتعبد بتلاوته وحفظه، والعمل به، وإقامة حدوده، وتربية النفوس بحسب أوامره وتوجيهاته[30]. [1] العقيدة الصافية للفرقة الناجية، سيد سعيد عبد الغني، (ص: 97-98). [2] لا يأتون بمثله، محمد قطب، (ص: 7). [3] إعجاز القرآن، للباقلاني، (ص: 157). [4] انظر: البداية والنهاية لابن كثير (6/331) تحقيق د. أحمد أبو ملحم وزملاؤه. [5] ركائز الإيمان، محمد قطب، (ص: 208). [6] موسوعة نضرة النعيم (4/1181). [7] في ظلال القرآن، سيد قطب، (6/3745). [8] أي: اجتمعوا واستحضروا والناس. [9] أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين باب (45) فضل القرآن حديث رقم (261) (1/557). [10] خلفات: الخلفات الحوامل من الإبل إلى أن يمضي عليها نصف أمرها. ثم هي عشار. [11] أخرجه مسلم في كتاب المسافرين باب (فضل قراءة القرآن) (41) (1/552) حديث رقم (250). [12] الحديث أخرجه مسلم في كتاب المسافرين باب (43) فضل الفاتحة وخواتيم سورة البقرة (1/554) حديث رقم (254). [13] الزهراوين: البقرة وآل عمران، سميتا بذلك لنورهما وهدايتهما وعظيم أجرهما. [14] كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان، قال أهل اللغة: الغمامة والغياية كل شيء أظل الإنسان فوق رأسه: سحابة وغبرة وغيرهما. قال العلماء: المراد أن ثوابهما يأتي كغمامتين. [15] الفرقان: قطيعان وجماعتان. [16] أي: تدافعان الجحيم والزبانية. وهو كناية عن المبالغة في الشفاعة. [17] أي: لا يقدر على تحصيلها. [18] الحديث أخرجه مسلم في كتاب المسافرين باب (42) فضل قراءة حديث رقم (252) (1/553). [19] أخرجه الترمذي في كتاب فضائل القرآن باب (16) فيمن قرأ حرفاً من القرآن، (5/175) حديث رقم (2910)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (3/9) حديث رقم (2327). [20] موسوعة نضرة النعيم (4/1228). [21] رواه في الترغيب والترهيب (2/355) قال المنذري: رواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد. [22] موسوعة نضرة النعيم (4/1228). [23] الحديث أخرجه أحمد في مسنده (4/155). [24] سير أعلام النبلاء (13/584). [25] موسوعة نضرة النعيم (4/1226). [26] صلاح الأمة في علو الهمة، د. سيد العفاني، (3/23). [27] موسوعة نضرة النعيم، (11/5691، 5692). [28] موسوعة نضرة النعيم (11/5691، 5692). [29] راجع في ظلال القرآن، سيد قطب، (3/1421، 1424). [30] انظر: مقرر التوحيد، د. عبدالعزيز العبد اللطيف، (ص: 75)، والمدخل إلى الثقافة الإسلامية، مجموعة مؤلفين، (ص:131).
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |