من درر الأعلام - صلاح التعليم أساس الإصلاح - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         احمى أسرتك وميزانيتك.. دليلك الشامل لشراء أفضل اللحوم الطازجة والمجمدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          4 خطوات تقلل من شيب الشعر وتجعله صحيا وحيويا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          4 وصفات سموزي مناسبة للرجيم.. نكهات لذيذة لحر الصيف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          طريقة عمل الفراخ في المقلاة الهوائية بطعم حكاية.. السر في العسل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          وصفات طبيعية لتفتيح الأندر أرم.. تقشير آمن وترطيب للبشرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          4 أفكار مختلفة لتصميمات مطبخ عصري.. موضة 2025 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          خلصي بيتك من السموم في 5 خطوات.. أهمها تغيير أدوات الطهي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          7 خضراوات تحتوي على فيتامين سي أكثر من البرتقال.. هتنور وشك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          طريقة عمل حواوشى ميكس باللحم والدجاج من الشيف شربينى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          لو شعرك طويل وبيتشابك.. 5 طرق هتساعدك على فكه بدون ألم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى الشباب المسلم
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19-12-2019, 09:52 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,481
الدولة : Egypt
افتراضي من درر الأعلام - صلاح التعليم أساس الإصلاح

من درر الأعلام - صلاح التعليم أساس الإصلاح



وائل رمضان

الشيخ عبد الحميد بن باديس ـ رحمه الله


لَنْيَصْلُحَ المُسْلِمُونَ حَتَّى يَصْلُحَ عُلَمَاؤُهُم؛ فَإِنَّمَ االْعُلَمَاءُ مِنَ الْأُمَّةِ بِمَثَابَةِ الْقَلْبِ، إِذَاصَلَحَ صَلَحَ الْجَسَدُكُلُّهُ ،وَإِذَا فَسَدَ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَصَلَاحُ المُسْلِمِينَ إِنَّمَا هُوَ بِفِقْهِهِمُ الْإِسْلَامَ وَعَمَلِهِمْ بِهِ، وَإِنَّمَا يَصِلُ إِلَيْهِمْ هَذَا عَلَى يَدِ عُلَمَائِهِمْ؛ فَإِذَا كَانَ عُلَمَاؤُهُمْ أَهْلَ جُمُودٍ فِي الْعِلْمِ وَابْتِدَاعٍ فِي الْعَمَلِ؛ فَكَذَلِكَ المُسْلِمُونَ يَكُونُونَ؛ فَإِذَاأَرَدْنَا إِصْلَاحَ المُسْلِمِينَ فَلْنُصْلِحْ عُلَمَاءَهُمْ.


وَلَنْ يَصْلُحَ الْعُلَمَاءُ إِلَّا إِذَا صَلَحَ تَعْلِيمُهُمْ؛ فَالتَّعْلِيمُ هُوَ الَّذِي يَطْبَعُ المُتَعَلِّمَ بِالطَّابَعِ الَّذِي يَكُونُ عَلَيْهِ فِي مُسْتَقْبَلِ حَيَاتِهِ وَمَا يَسْتَقْبِلُ مِنْ عَمَلِهِ لِنَفْسِهِ وَغَيْرِهِ؛ فَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُصْلِحَ الْعُلَمَاءَ فَلْنُصْلِحِ التَّعْلِيمَ، وَنَعْنِي بِالتَّعْلِيمِ، التَّعْلِيمَ الَّذِي يَكُونُ بِهِ المُسْلِمُ عَالِمًا مِنْ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ، يَأْخُذُ عَنْهُ النَّاسُ دِينَهُمْ وَيَقْتَدُونَ بِهِ فِيهِ.
التعليم النبوي
وَلَنْ يَصْلُحَ هَذَا التَّعْلِيمُ إِلَّا إِذَا رَجَعْنَا بِهِ لِلتَّعْلِيمِ النَّبَوِيِّ فِي شَكْلِهِ وَمَوْضُوعِهِ، فِي مَادَّتِهِ وَصُورَتِهِ، فِيمَا كَانَ يُعَلِّمُ
صلى الله عليه وسلم
وَفِي صُورَةِ تَعْلِيمِهِ؛ فَقَدْ صَحَّ عَنْهُ
من درر الأعلام صلى الله عليه وسلم
فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّمَا بُعِثْتُ مُعَلِّمًا»؛ فَمَاذَا كَانَ يُعَلِّمُ؟ وَكَيْفَ كَانَ يُعَلِّمُ؟

الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَالْإِحْسَانِ
كَان
صلى الله عليه وسلم
يُعَلِّمُ النَّاسَ دِينَهُمْ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَالْإِحْسَانِ، كَمَا قَالَ
صلى الله عليه وسلم
فِي جِبْرِيلَ فِي الْحَدِيثِ المَشْهُورِ: «هَذَا جِبْرِيلُ جَاءَ لِيُعَلِّمَ النَّاسَ دِينَهُمْ»، وَكَانَ يُعَلِّمُهُمْ هَذَا الدِّينَ بِتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ عَلَيْهِمْ كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ}(النمل: ٩١ - ٩٢)، وَمَا بَيَّنَهُ لَهُمْ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ وَفِعْلِهِ وَسِيرَتِهِ وَسُلُوكِهِ فِي مَجَالِسِ تَعْلِيمِهِ وَفِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ؛ فَكَانَ النَّاسُ يَتَعَلَّمُونَ دِينَهُمْ بِمَا يَسْمَعُونَ مِنْ كَلَامِ رَبِّهِمْ، وَمَا يَتَلَقَّوْنَ مِنْ بَيَانِ نَبِيِّهِمْ وَتَنْفِيذِهِ لِمَا أَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ؛ وَذَلِكَ الْبَيَانُ هُوَ سُنَّتُهُ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا أَصْحَابُهُ وَالخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ مِنْ بَعْدِهِ، وَبَقِيَّةُ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ المَشْهُودِ لَهُمْ بِالخَيْرِيَّةِ مِنَ التَّابِعِينَ وَأَتْبَاعِ التَّابِعِينَ.

سَيِّدُ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ
وَإِذَا رَجَعْتَ إِلَى (مُوَطَّإِ مَالِكٍ) سَيِّدِ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ؛ فَإِنَّكَ تَجِدُهُ -فِي بَيَانِ الدِّينِ-قَدْ بَنَى أَمْرَهُ عَلَى الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ، وَمَا صَحَّ عِنْدَهُ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ
صلى الله عليه وسلم
وَفِعْلِهِ، وَمَا كَانَ مِنْ عَمَلِ أَصْحَابِهِ الَّذِي يَأْخُذُ مِنْهُ مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْحَالُ آخِرَ حَيَاتِهِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَأْخُذُونَ بِالْأَحْدَثِ؛ فَالْأَحْدَثِ مِنْ أَمْرِهِ؛ وَكَذَلِكَ إِذَا رَجَعْتَ إِلَى كِتَابِ: «الْأُمِّ» لِتِلْمِيذِ مَالِكٍ: الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ؛ فَإِنَّكَ تَجِدُهُ قَدْ بَنَى فِقْهَهُ عَلَى الْكِتَابِ وَمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ مِنَ السُّنَّةِ، وَهَكَذَا كَانَ التَّعَلُّمُ وَالتَّعْلِيمُ فِي الْقُرُونِ الْفُضْلَى، مَبْنَاهُمَا عَلَى التَّفَقُّهِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ.

الفقه في الدين
رَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي «الجَامِعِ» عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ -تَعَالَى-: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللَّهِ وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ}(آل عمران: 79)، قَالَ الضَّحَّاكُ: «حَقٌّ عَلَى كُلِّ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ أَنْ يَكُونَ فَقِيهًا»، وَرَوَى عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى رضي الله عنه: «أَمَّا بَعْدُ؛ فَتَفَقَّهُوا فِي السُّنَّةِ وَتَفَقَّهُوا فِي الْعَرَبِيَّةِ»، وَقَالَ الْإِمَامُ ابْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِ (الْإِحْكَامِ) وَهُوَ يَتَحَدَّثُ عَنِ السَّلَفِ الصَّالِحِ، كَيْفَ كَانُوا يَتَعَلَّمُونَ الدِّينَ؟ «كَانَ أَهْلُ هَذِهِ الْقُرُونِ الْفَاضِلَةِ المَحْمُودَةِ، يَعْنِي: الْقُرُونَ الثَّلَاثَةَ، يَطْلُبُونَ حَدِيثَ النَّبِيّ
صلى الله عليه وسلم
وَالْفِقْهَ فِي الْقُرْآنِ، وَيَرْحَلُونَ فِي ذَلِكَ إِلَى الْبِلَادِ؛ فَإِنْ وَجَدُوا حَدِيثًا عَنْهُ -عليه السلام- عَمِلُوا بِهِ وَاعْتَقَدُوهُ»، وَمَنْ رَاجَعَ (كِتَابَ الْعِلْمِ) مِنْ (صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ)، وَوَقَفَ عَلَى كِتَابِ (جَامِعِ الْعِلْمِ) لِلْإِمَامِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ، عَصْرِيِّ ابْنِ حَزْمٍ وَبَلَدِيِّهِ وَصَدِيقِهِ عَرَفَ مِنَ الشَّوَاهِدِ عَلَى سِيرَتِهِمْ تِلْكَ شَيْئًا كَثِيرًا.

التَّعْلِيمُ الدِّينِيُّ السُّنِّيُّ
هَذَا هُوَ التَّعْلِيمُ الدِّينِيُّ السُّنِّيُّ السَّلَفِيُّ؛ فَأَيْنَ مِنْهُ تَعْلِيمُنَا نَحْنُ الْيَوْمَ وَقَبْلَ الْيَوْمِ، بَلْ مُنْذُ قُرُونٍ وَقُرُونٍ؟! فَقَدْ حَصَلْنَا عَلَى شَهَادَةِ الْعَالَمِيَّةِ مِنْ جَامِعِ الزَّيْتُونَةِ، وَنَحْنُ لَمْ نَدْرُسْ آيَةً وَاحِدَةً مِنْ كِتَابِ اللهِ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَنَا أَيُّ شَوْقٍ أَوْ أَدْنَى رَغْبَةٍ فِي ذَلِكَ، وَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ لَنَا هَذَا وَنَحْنُ لَمْ نَسْمَعْ مِنْ شُيُوخِنَا يَوْمًا مَنْزِلَةَ الْقُرْآنِ مِنْ تَعَلُّمِ الدِّينِ وَالتَّفَقُّهِ فِيهِ، وَلَا مَنْزِلَةَ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ مِنْ ذَلِكَ؟! هَذَا فِي جَامِعِ الزَّيْتُونَةِ، فَدَعْ عَنْكَ الْحَدِيثَ عَنْ غَيْرِهِ مِمَّا هُوَ دُونَهُ بِعَدِيدِ المَرَاحِلِ!

الْفَسَادِ التَّعْلِيمِيِّ
فَالْعُلَمَاءُ -إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ- أَجَانِبُ، أَوْ بوصفهم أَجَانِبَ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، مِنَ العِلْمِ بِهِمَا وَالتَّفَقُّهِ فِيهِمَا، وَمَنْ فَطِنَ مِنْهُمْ لِهَذَا الْفَسَادِ التَّعْلِيمِيِّ، الَّذِي بَاعَدَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْعِلْمِ بِالدِّينِ، وَحَمْلِهِمْ وِزْرَهُمْ وَوِزْرَ مَنْ فِي رِعَايَتِهِمْ، لَا يَسْتَطِيعُ -إِذَا كَانَتْ لَهُ هِمَّةٌ وَرَغْبَةٌ- أَنْ يَتَدَارَكَ ذَلِكَ إِلَّا فِي نَفْسِهِ، أَمَّا تَعْلِيمُهُ لِغَيْرِهِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْرُجَ فِيهِ عَنِ المُعْتَادِ الَّذِي تَوَارَثَهُ عَنِ الْآبَاءِ وَالْأَجْدَادِ، رَغْمَ مَا يَعْلَمُ فِيهِ مِنْ فَسَادٍ وَإِفْسَادٍ.
إِصْلَاحِ التَّعْلِيمِ الدِّينِيِّ
وَنَحْنُ بَعْدَ أَنْ بَيَّنَّا تَعْلِيمَ الدِّينِ مِنْ سُنَّةِ النَّبِيِّ
صلى الله عليه وسلم
، وَمِنْ عَمَلِ السَّلَفِ الصَّالِحِ مِنْ أَهْلِ الْقُرُونِ الْفَاضِلَةِ المَحْمُودَةِ، وَمِنْهُمْ إِمَامُنَا: إِمَامُ دَارِ الْهِجْرَةِ مَالِكٌ؛ فَإِنَّنَا عَقَدْنَا الْعَزْمَ عَلَى إِصْلَاحِ التَّعْلِيمِ الدِّينِيِّ فِي دُرُوسِنَا حَسَبَ مَا تَبْلُغُ إِلَيْهِ طَاقَتُنَا -إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى».



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 31-12-2019, 05:11 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,481
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من درر الأعلام - صلاح التعليم أساس الإصلاح

من درر الأعلام - صلاح التعليم أساس الإصلاح



وائل رمضان

الشيخ عبد الحميد بن باديس ـ رحمه الله


قال الشيخ عبد الحميد بن باديس -رحمه الله-: قَدْ ذَكَرْنَا فِي المَقَالِ السَّابِقِ مَا كَانَ عَلَيْهِ التَّعْلِيمُ الدِّينِيُّ فِي عَهْدِ السَّلَفِ الصَّالِحِ، مِنَ التَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ بِالتَّفَقُّهِ فِي الْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ، وَذَكَرْنَا الْحَالََ الَّتِي انْتَهَى إِلَيْهَا فِي عَصْرِنَا مِنْ هَجْرِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَالِاقْتِصَارِ عَلَى الْفُرُوعِ الْعِلْمِيَّةِ المُنْتَشِرَةِ دُونَ اسْتِدْلَالٍ وَلَا تَعْلِيلٍ، وَاسْتَشْهَدْنَا عَلَى ذَلِكَ بِحَالَِنَا نَحْنُ أَنْفُسِنَا.

لَمَّا أَخَذْنَا شَهَادَةَ الْعَالَمِيَّةِ مِنْ جَامِعِ الزَّيْتُونَةِ -عَمَرَهُ اللهُ بِدَوَامِ ذِكْرِهِ- وَنُرِيدُ أَنْ نَذْكُرَ الْيَوْمَ أَنَّ هَذَا الْإِعْرَاضَ عَنْ رَبْطِ الْفُرُوعِ بِأُصُولِهَا، وَمَعْرِفَةِ مَآخِذِهَا دَاءٌ قَدِيمٌ فِي هَذَا المَغْرِبِ مِنْ أَقْصَاهُ إِلَى أَدْنَاهُ، بَلْ كَانَ دَاءً عُضَالًا فِيمَا هُوَ أَرْقَى مِنَ المَغَارِبِ الثَّلَاثِ وَهُوَ الْأَنْدَلُسُ، وَنَحْنُ نَنْقُلُ فِيمَا يأتِي كَلَامَ إِمَامَيْنِ عَظِيمَيْنِ مِنْ أَئِمَّةِ الْأَنْدَلُسِ المُتَّبِعِينَ لِمَالِكٍ -رحمه الله.

تَفَهُّمِ وَجْهِ الصَّوَابِ

قَالَ الإِمَامُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ المُتَوَفَّى سَنَةَ: (ظ¤ظ¦ظ£) فِي (جَامِعِ بَيَانِ الْعِلْمِ وَفَضْلِه): وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ تَكُنْ مُنَاظَرَةٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ، أَوْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ، إِلَّا لِتَفَهُّمِ وَجْهِ الصَّوَابِ؛ فَيُصَار إِلَيْهِ وَيُعْرَف أُصُولُ الْقَوْلِ وَعِلَّتُهُ؛ فَيَجْرِي عَلَيْهِ أَمْثِلَتُهُ وَنَظَائِرُهُ، وَعَلَى هَذَا النَّاسُ فِي كُلِّ بَلَدٍ إِلَّا عِنْدَنَا -كَمَا شَاءَ اللهُ رَبُّنَا- وَعِنْدَ مَنْ سَلَكَ سَبِيلَنَا مِنْ أَهْلِ المَغْرِبِ؛ فَإِنَّهُمْ لَا يُقِيمُونَ عِلَّةً وَلَا يَعْرِفُونَ لِلْقَوْلِ وَجْهًا، وَحَسْبُ أَحَدِهِمْ أَنْ يَقُولَ: «فِيهَا رِوَايَةٌ لِفُلَانٍ وَرِوَايَةٌ لِفُلَانٍ»، وَمَنْ خَالَفَ عِنْدَهُمُ الرِّوَايَةَ الَّتِي لَا يَقِفُ عَلَى مَعْنَاهَا وَأَصْلِهَا وَصِحَّةِ وَجْهِهَا؛ فَكَأَنَّهُ خَالَفَ نَصَّ الْكِتَابِ وَثَابِت السُّنَّةِ، وَيُجِيزُونَ حَمْلَ الرِّوَايَاتِ المُتَضَادَّةِ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ؛ وَذَلِكَ خِلَافُ أَصْلِ مَالِكٍ، وَكَمْ لَهُمْ مِنْ خِلَافٍ فِي أُصُولِ مَذْهَبِهِ مِمَّا لَوْ ذَكَرْنَاهُ لَطَالَ الكِتَابُ بِذِكْرِهِ!

عِلْمِ أُصُولِ مَذْهَبِهِمْ

وَلِتَقْصِيرِهِمْ فِي عِلْمِ أُصُولِ مَذْهَبِهِمْ صَارَ أَحَدُهُمْ إِذَا لَقِيَ مُخَالِفًا مِمَّنْ يَقُولُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، أَوِ الشَّافِعِيِّ، أَوْ دَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ، أَوْ غَيْرِهِمْ مِنَ الْفُقَهَاءِ، وَخَالَفَهُ فِي أَصْلِ قَوْلِهِ، بَقِيَ مُتَحَيِّرًا، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ أَكْثَرُ مِنْ حِكَايَةِ قَوْلِ صَاحِبِهِ فَقَالَ: «هَكَذَا قَالَ فُلَانٌ، وَهَكَذَا روينا»، وَلَجَأَ إِلَى أَنْ يَذْكُرَ فَضْلَ مَالِكٍ وَمَنْزِلَتَهُ؛ فَإِنْ عَارَضَهُ الْآخَرُ بِذِكْرِ فَضْلِ إِمَامِهِ أَيْضًا، صَارَ فِي المَثَلِ كَمَا قَالَ الْأَوَّلُ:




شَكَوْنَا إِلَيْهِمْ خَرَابَ الْعِرَاقْ

فَعَابُوا عَلَيْنَا شُحُومَ الْبَقَرْ

فَكَانُوا كَمَا قِيلَ فِيمَا مَضَى:

أُرِيهَا السُّهَا وَتُرِينِي الْقَمَرْ

وَفِي مِثْلِ ذَلِكَ يَقُولُ مُنْذِرُ بْنُ سَعِيدٍ الْبَلُّوطِيُّ

عَذِيرِيَ مِنْ قَوْمٍ يَقُولُونَ ـ كُلَّمَا

طَلَبْتُ دَلِيلًا ـ: هَكَذَا قَالَ مَالِكُ

فَإِنْ عُدْتُ قَالُوا: هَكَذَا قَالَ أَشْهَبُ

وَقَدْ كَانَ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ المَسَالِكُ

فَإِنْ زِدْتُ قَالُوا: قَالَ سَحْنُونُ مِثْلَهُ

وَمَنْ لَمْ يَقُلْ مَا قَالَهُ فَهْوَ آفِكُ

فَإِنْ قُلْتُ: «قَالَ اللهُ» ضَجُّوا وَأَكْثَرُوا

وَقَالُوا جَمِيعًا: أَنْتَ قِرْنٌ مُمَاحِكُ

وَإِنْ قُلْتُ: «قَدْ قَالَ الرَّسُولُ» فَقَوْلُهُمْ:
أَتَتْ مَالِكًا فِي تَرْكِ ذَاكَ المَسَالِكُ

مُرَّ الشَّكْوَى

هَذَا إِمَامٌ مِنْ أَئِمَّةِ الإِسْلَامِ الْعِظَامِ المُجْمَعِ عَلَى إِمَامَتِهِمْ وَعَدَالَتِهِمْ، وَمِنْ أَعْظَمِ المُتَّبِعِينَ لِمَالِكٍ الْآخِذِينَ بِمَذْهَبِهِ، وَهَا هُوَ يَشْكُو مُرَّ الشَّكْوَى مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ أَهْلُ بَلَدِهِ الْأَنْدَلُسِ فِي الْقَرْنِ الْخَامِسِ، وَيَنْعِي عَلَيْهِمْ مَا انْفَرَدُوا بِهِ- هُمْ وَأَهْلُ المَغْرِبِ- مِنَ الْجُمُودِ وَالتَّقْلِيدِ، وَحَمْلِهِمْ لِلرِّوَايَاتِ المُخْتَلِفَةِ دُونَ مَعْرِفَةِ وُجُوهِهَا، وَمُخَالَفَتِهِمْ لِأَصْلِ مَذْهَبِ الْإِمَامِ الَّذِي يَنْتَسِبُونَ إِلَيْهِ، وَعُدُولِهِمْ عَنِ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ المَأْمُورِ بِهِمَا كِتَابًا وَسُنَّةً المَعْمُولِ بِهِمَا عِنْدَ جَمِيعِ الْأَئِمَّةِ، إِلَى الِاحْتِجَاجِ بِفَضْلِ الْقَائِلِ وَعِلْمِهِ، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُصِيبُ المَفْضُولُ وَيُخْطِئُ الْأَفْضَلُ، وَرَحِمَ اللهُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فِي قَوْلِهِ: «امْرَأَةٌ أَصَابَتْ وَرَجُلٌ أَخْطَأَ؛ وَاسْتَشْهَدَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِأَبْيَاتِ الْقَاضِي مُنْذِرِ بْنِ سَعِيدٍ الْبَلُّوطِيِّ المَوْلُودِ سَنَةَ: (ظ¢ظ¦ظ¥) المُتَوَفَّى سَنَةَ: (ظ£ظ¥ظ¥)، لِتَبْيِينِ قِدَمِ هَذَا الدَّاءِ فِي الْأَنْدَلُسِ، وَشَكْوَى الْعُلَمَاءِ الْأَعْلَامِ مِنْهُ وَإِنْكَارِهِمْ عَلَى أَهْلِهِ.

نَظَرُوا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَتَاهُوا


وَقَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْأَنْدَلُسِيُّ المُتَوَفَّى سَنَةَ: (ظ¥ظ¤ظ£) فِي «الْعَوَاصِمِ -وَهُوَ يَتَحَدَّثُ عَنْ فُقَهَاءِ عَصْرِهِ-: «ثُمَّ حَدَثَتْ حَوَادِثُ لَمْ يَلْقَوْهَا فِي مَنْصُوصَاتِ المَالِكِيَّةِ؛ فَنَظَرُوا فِيهَا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَتَاهُوا، وَجَعَلَ الْخَلَفُ مِنْهُمْ يَتْبَعُ -فِي ذَلِكَ- السَّلَفَ، حَتَّى آلَ المَئَالُ أَلَا يُنْظَرَ إِلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَكُبَرَاءِ أَصْحَابِهِ، وَيُقَالَ: قَدْ قَالَ فِي هَذِهِ المَسْأَلَةِ، أَهْلُ قُرْطُبَةَ، وَأَهْلُ طَلَمَنْكَةَ، وَأَهْلُ طَلَبِيرَةَ، وَأَهْلُ طُلَيْطَلَةَ؛ فَانْتَقَلُوا مِنَ المَدِينَةِ وَفُقَهَائِهَا إِلَى طَلَبِيرَةَ وَطَرِيقِهَا.

تَاهُوا فِي الْفُرُوعِ

فَهَذَا الْإِمَامُ الْعَظِيمُ قَدْ عَابَ عَلَيْهِمْ نَظَرَهُمْ فِي الْحَوَادِثِ بِغَيْرِ عِلْمٍ؛ لِأَنَّ مَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْفُرُوعِ المَقْطُوعَةِ عَنِ الْأُصُولِ لَا يُسَمَّى عِلْمًا؛ وَلَمَّا لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُمُ الْأُصُولُ تَاهُوا فِي الْفُرُوعِ المُنْتَشِرَةِ، وَمُحَالٌ أَنْ يَضْبِطَ الْفُرُوعَ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ أُصُولَهَا، وَذَكَرَ مَا أَدَّاهُمْ إِلَيْهِ إِهْمَالُ النَّظَرِ مِنَ الِانْقِطَاعِ عَنْ أَقْوَالِ مَالِكٍ نَفْسِهِ وَأَمْثَالِهِ إِلَى أَمْثَالِهِمْ مِنَ الْفُرُوعِيِّينَ التَّائِهِينَ النَّاظِرِينَ بِغَيْرِ عِلْمٍ.

أَعْسَرُ وَأَعْسَرُ

فَإِذَا كَانَ الْحَالُ هَكَذَا مِنْ تِلْكَ الْأَيَّامِ فِي تِلْكَ الدِّيَارِ، وَقَدْ مَضَتْ عَلَيْهِ الْقُرُونُ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ وَغَيْرِهَا؛ فَإِنَّ قَلْعَهُ عَسِيرٌ، وَالرُّجُوعَ بِالتَّعْلِيمِ إِلَى التَّفَقُّهِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَرَبْطِ الْفُرُوعِ بِالمَآخِذِ وَالْأَدِلَّةِ أَعْسَرُ وَأَعْسَرُ، غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُنَا مِنَ السَّعْيِ وَالْعَمَلِ بِصِدْقِ الرَّجَاءِ وَقُوَّةِ الْأَمَلِ، وَسَنُنَفِّذُهُ فِي دُرُوسِنَا ـ هَذَا الْعَامَ، وَاللهُ المُسْتَعَانُ.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 67.99 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 65.90 كيلو بايت... تم توفير 2.09 كيلو بايت...بمعدل (3.07%)]