سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين - الصفحة 8 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         روائع قرآنية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 8 - عددالزوار : 62 )           »          حدث في السابع عشر من ذي القعدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          واستجاب الله دعاءَ أمِّ سلمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          ثمرٌ يانع ودعوة مستجابة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          السابقون السابقون (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات..) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          وقفات مع قصة طالوت وجالوت في القرآن الكريم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          من رجال الآخرة : الخليفة العادل عمر بن عبدالعزيز رحمه الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          التواضع يرفع صاحبه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          اتكلم عربى .. كيف تستخدم التكنولوجيا لتبسيط القواعد النحوية والكتابة بالعربية؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26-04-2023, 02:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,921
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين



سِيَر أعلام المفسّرين
من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
عبد العزيز الداخل



9: سيرة حذيفة بن اليمان بن جابر العبسي الغطفاني (ت:36هـ) رضي الله عنه


معرفته بالفتن والمخارج منها
- قال شعبة بن الحجاج، عن عدي بن ثابت، عن عبد الله بن يزيد الخطمي، عن حذيفة أنه قال: (أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بما هو كائن إلى أن تقوم الساعة؛ فما منه شيء إلا قد سألته إلا أني لم أسأله ما يخرج أهل المدينة من المدينة). رواه أحمد، ومسلم، وأبو داوود الطيالسي.
- وقال ابن وهب: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، أن أبا إدريس الخولاني، كان يقول: قال حذيفة بن اليمان: (والله إني لأعلم الناس بكل فتنة هي كائنة فيما بيني وبين الساعة، وما بي أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أسرَّ إليَّ في ذلك شيئاً لم يحدّثه غيري، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يحدث مجلسا أنا فيه عن الفتن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعدّ الفتن:« منهن ثلاث لا يكدن يذرن شيئاً، ومنهن فتن كرياح الصيف منها صغار ومنها كبار ».
قال حذيفة: (فذهب أولئك الرهط كلهم غيري). رواه مسلم.
- وقال الأعمش، عن شقيق، عن حذيفة، قال: «قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاماً، ما ترك شيئاً يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدّث به، حفظه من حفظه، ونسيه من نسيه، قد علمه أصحابي هؤلاء، وإنه ليكون منه الشيء قد نسيته فأراه فأذكره، كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه ثم إذا رآه عرفه».رواه مسلم.
- وقال أبو وائل شقيق بن سلمة: سمعت حذيفة، قال: كنا جلوساً عند عمر رضي الله عنه، فقال: أيكم يحفظ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة؟
قلت: أنا كما قاله.
قال: إنك عليه - أو عليها - لجريء.
قلت: «فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره، تكفرها الصلاة والصوم والصدقة، والأمر والنهي».
قال: ليس هذا أريد، ولكن الفتنة التي تموج كما يموج البحر.
قال: ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين! إنَّ بينك وبينها باباً مغلقاً.
قال: أيكسر أم يفتح؟
قال: يكسر.
قال: إذاً لا يغلق أبداً.
قلنا: أكان عمر يعلم الباب؟
قال: (نعم، كما أنَّ دون الغد الليلة، إني حدثته بحديث ليس بالأغاليط).
فهبنا أن نسأل حذيفة، فأمرنا مسروقاً فسأله، فقال: (الباب عمر). رواه البخاري ومسلم.
- وقال شعبة بن الحجاج، عن عمرو بن مرة، قال: سمعت أبا وائل يحدث عن حذيفة بن اليمان أنه قال: (ما بينكم وبين الشرّ إلا رجلٌ في عنقه الموت، ولو قد مات لقد صُبَّ عليكم الشرّ فراسخ). رواه نعيم بن حماد في الفتن، والبلاذري في أنساب الأشراف، وأبو يعلى الموصلي في جزء حديث محمد بن بشار عن شيوخه.
- وقال سفيان الثوري: نبأنا عطاء بن السائب، عن أبي البختري قال: قال حذيفة: (لو حدثتكم بحديث لكذبني ثلاثة أثلاثكم!).
قال: ففطن إليه شابٌّ؛ فقال: من يصدّقك إذا كذبك ثلاثة أثلاثنا؟!!
فقال: (إنَّ أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر).
قال: فقيل له: ما حملك على ذلك؟
فقال: (إنَّ من اعترف بالشرّ وقع في الخير). رواه ابن عساكر.
- قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن قتادة، عن نصر بن عاصم الليثي، عن خالد بن خالد اليشكري قال: خرجت زمان فتحت تستر حتى قدمت الكوفة، فدخلت المسجد فإذا أنا بحلقة فيها رجلٌ صَدْعٌ من الرجال، حسن الثغر، يُعرف فيه أنه من رجال أهل الحجاز.
قال: فقلت: من الرجل؟
فقال القوم: أو ما تعرفه؟
فقلت: لا.
فقالوا: هذا حذيفة بن اليمان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: فقعدت وحدّث القومَ، فقال: إنَّ الناس كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر، فأنكر ذلك القوم عليه.
فقال لهم: إني سأخبركم بما أنكرتم من ذلك، جاء الإسلام حين جاء، فجاء أمر ليس كأمر الجاهلية، وكنت قد أعطيتُ في القرآن فهماً، فكان رجال يجيئون فيسألون عن الخير، فكنت أسأله عن الشر؛ فقلت: يا رسول الله! أيكون بعد هذا الخير شر كما كان قبله شر؟
فقال: (( نعم )).
قال: قلت: فما العصمة يا رسول الله؟
قال: ((السيف)).
قال: قلت: وهل بعد هذا السيف بقية؟
قال: ((نعم، تكون إمارة على أقذاء وهدنة على دخن)).
قال: قلت: ثم ماذا؟
قال: ((ثم تنشأ دعاة الضلالة، فإن كان لله يومئذ في الأرض خليفة جلد ظهرك، وأخذ مالك فالزمه، وإلا فمتْ وأنت عاضّ على جذل شجرة)).
قال: قلت: ثم ماذا؟
قال: ((يخرج الدجال بعد ذلك معه نهر ونار، من وقع في ناره وجب أجره وحط وزره، ومن وقع في نهره وجب وزره وحط أجره)).
قال: قلت: ثم ماذا؟
قال: ((ثم ينتج المهر، فلا يركب حتى تقوم الساعة)).
الصدع من الرجال: الضَّرب، وقوله: (فما العصمة منه؟ قال: السيف) كان قتادة يضعه على الردة التي كانت في زمن أبي بكر، وقوله: (إمارة على أقذاء) يقول: على قذى، وهدنة، يقول: صلح، وقوله: (على دخن)، يقول: على ضغائن.
قيل لعبد الرزاق: ممن التفسير؟ قال: (من قتادة زعم). رواه أحمد في المسند.

- وقال سليمان بن المغيرة: حدّثنا حميد بن هلالٍ قال: حدّثنا نصر بن عاصمٍ قال: أتيت اليشكريّ في رهطٍ من بني ليثٍ فقال: «من القوم؟»

قلنا: بنو ليثٍ فسألناه وسألنا، ثمّ قلنا: أتيناك نسألك عن حديث حذيفة.
قال: أقبلنا مع أبي موسى قافلين، وغَلَتِ الدّوابّ بالكوفة؛ فاستأذنت أنا وصاحبٌ لي أبا موسى؛ فأذن لنا فقدمنا الكوفة؛ فقلت لصاحبي: إنّي داخل المسجد فإذا قامت السّوق خرجت إليك.
قال: فدخلت المسجد فإذا فيه حلقةٌ يستمعون إلى حديث رجلٍ فقمت عليهم؛ فجاء رجلٌ فقام إلى جنبي.
فقلت له: من هذا؟
فقال: أبصريٌّ أنت؟

فقلت: نعم.
قال: قد عرفت لو كنت كوفيًّا لم تسل عن هذا، هذا حذيفة بن اليمان؛ فدنوت منه فسمعته يقول: «كان النّاس يسألون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الخير، وأسأله عن الشّرّ وعرفت أنّ الخير لن يسبقني».
قلت: يا رسول الله! بعد هذا الخير شرٌّ؟

قال: « يا حذيفة! تعلّم كتاب الله واتّبع ما فيه » ثلاث مرارٍ

قلت: يا رسول الله! أبعد هذا الخير شرٌّ؟

قال: « يا حذيفة! تعلّم كتاب الله واتّبع ما فيه » ثلاث مرارٍ.
قلت: يا رسول الله! أبعد هذا الشّرّ خيرٌ؟

قال: «هدنةٌ على دخنٍ، وجماعةٌ على أقذاء فيها».
قلت: يا رسول الله! أبعد هذا الخير شرٌّ؟

قال: يا حذيفة! تعلّم كتاب الله واتّبع ما فيه » ثلاث مرارٍ.
قلت: يا رسول الله! أبعد هذا الخير شرٌّ؟

قال: «فتنةٌ عمياء صمّاء، عليها دعاةٌ على أبواب النّار، وأن تموت يا حذيفة، وأنت عاضٌّ على جذلٍ خيرٌ لك من أن تتّبع أحدًا منهم». رواه النسائي في السنن الكبرى.

معرفته بالمنافقين
- قال المغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعي عن علقمة بن قيس أنه قال: قدمت الشام فصليت ركعتين، ثم قلت: اللهم يسر لي جليسا صالحا، فأتيت قوما فجلست إليهم، فإذا شيخ قد جاء حتى جلس إلى جنبي، قلت: من هذا؟
قالوا: أبو الدرداء.
فقلت: إني دعوتُ الله أن ييسّر لي جليساً صالحاً، فيَسَّركَ لي.
قال: ممن أنت؟
قلت: من أهل الكوفة.
قال: (أوليس عندكم ابن أم عبد صاحب النعلين والوساد والمطهرة، وفيكم الذي أجاره الله من الشيطان - يعني على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم - أوليس فيكم صاحب سرّ النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يعلمه أحد غيره). رواه أحمد والبخاري وغيرهما، وفي رواية أحمد: (أليس فيكم الذي يعلم السر، ولا يعلمه غيره يعني حذيفة).
- قال عليّ بن مسهر، عن مجالد بن سعيد، عن الشعبي، عن صلة بن زفر قال: قلنا لحذيفة: من أين علمت المنافقين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر؛ فبينا نحن نسير ليلاً إذ نام على راحلته فسمعتُ ناساً يقولون: قد نام على راحلته، ولو طرحناه لانكسرت عنقه؛ فاسترحنا؛ فلما سمعتُ ذلك جعلتُ أسير بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقرأ وأرفع صوتي، وأخفتُ القومَ فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال: (( من هذا؟)).
فقلت: يا رسول الله! هذا فلان وفلان.
فقال: سمعت ما قالوا؟
قلت: نعم.
قال: (فإنَّ هؤلاء فلانا وفلاناً، لا تخبر بذلك أحداً)). عن تلك الليلة علم المنافقين). رواه أبو القاسم البغوي.
- وقال أبو أسامة الحافظ وعبيدة بن الأسود الهمداني: حدثنا مجالد، عن الشعبي، قال: قلنا: كيف أصاب حذيفة ما لم يصب أبو بكر ولا عمر؟
قال صلة بن زفر: قد والله سألنا حذيفة عن ذلك، فقال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير ذات ليلة، فأدلجنا دلجة، فنعس رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته، فقال أناس: لو دفعناه الساعة فوقع فاندقت عنقه استرحنا منه. فلما سمعتهم تقدمتهم، فسرت بينه وبينهم، فجعلت أقرأ سورة من القرآن، فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «من هذا؟»
قلت: حذيفة يا رسول الله!
قال: «ادن» فدنوت.
فقال: «ما سمعت هؤلاء خلفك ما قالوا؟».
قلت: بلى يا رسول الله! ولذلك سرت بينك وبينهم.
قال: «أما إنهم منافقون، فلان وفلان وفلان». رواه الطبراني في الكبير.
- وقال أبو معاوية، عن الأعمش، زيد بن وهب: مات رجل من المنافقين فلم يصل عليه حذيفة، فقال له عمر: أمن القوم هو؟
قال: نعم.
فقال له عمر: بالله منهم أنا؟
قال: (لا، ولن أخبر به أحداً بعدك). رواه ابن أبي شيبة.
- قال الأعمش: حدثني عمرو بن مرة، عن أبي البختري قال: سئل عليّ عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
فقال: عن أيهم تسألوني؟
قالوا: عن عبد الله.
قال: (علم القرآن، وعلم السنة، ثم انتهى وكفى به علماً). فقالوا: أخبرنا عن أبي موسى؟
قال: (صُبغ في العلم صبغاً).
قالوا: أخبرنا عن حذيفة؟
قال: (أعلم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمنافقين).
قالوا: حدثنا عن عمار؟
قال: (مؤمنٌ نَسِيٌّ، وإذا ذكّرته ذكر).
قالوا: حدثنا عن أبي ذر؟
قال: (وعى علماً عجز عنه).
قالوا: حدثنا عن سلمان؟
قال: (عن لقمان الحكيم تسألوني، عَلِمَ عِلْمَ الأولى وعلم الآخرة، بحرا لا يدرك قعره، وهو منا أهل البيت).
قالوا: حدثنا عن نفسك؟
قال: (كنتُ إذا سَألتُ أعطيت، وإذا سكتُّ ابتُديت). رواه يعقوب بن سفيان واللفظ له، وابن سعد في الطبقات، والبيهقي في المدخل إلى السنن، ورواية أبي البختري الطائي عن عليّ مرسلة.
- وقال إبراهيم بن يوسف الصيرفي: حدثنا علي بن عابس، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، وإسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم قالا [ عمرو وقيس]: سُئل علي رضي الله عنه عن ابن مسعود فقال: «قرأ القرآن ووقف عند متشابهه، فأحلَّ حلاله وحرَّم حرامه».
وسئل عن عمار فقال: «مؤمن نَسِيٌّ، وإذا ذُكّرَ ذَكَر، قد حُشي ما بين قرنه إلى كعبه إيماناً».
وسئل عن حذيفة فقال: «كان أعلم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمنافقين، سأل عنهم فأُخبرَهم».
فقالوا: حدثنا عن سلمان، فقال: «أدرك العلم الأول والعلم الآخر، بحر لا ينزح منا أهل البيت»
قالوا: أخبرنا عن أبي ذر، قال: «وعاء علم ضيعه الناس».
قالوا: فأخبرنا عن نفسك.
قال: «إياها أردتم، كنت إذا سألت أعطيت، وإذا سكت ابتديت، وإن بين الذقنين لعلماً جماً». رواه الطبراني في المعجم الكبير والسياق له، ورواه الحاكم في المستدرك مختصراً، عمرو بن مرة لم يدرك عليّ بن أبي طالب، وأدركه قيس بن أبي حازم، وعليّ بن عابس الملائي متكلّم فيه، ضعّفه يحيى بن معين، وقال الدارقطني: يُعتبر به.
- وقال حجاج بن محمد المصيصي: حدثنا ابن جريج قال: حدثنا أبو حرب بن أبي الأسود الديلي عن أبي الأسود، وعن ابن جريج ورجل عن زاذان كذا قالا: (بينا الناس ذات يوم عند علي إذ وافقوا منه نفسا طيبة؛ فقالوا: حدّثنا عن أصحابك يا أمير المؤمنين!
قال: عن أيّ أصحابي؟
قالوا: أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: كل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أصحابي فأيّهم تريدون؟
قالوا: النفر الذين رأيناك تلطفهم بذكرك والصلاة عليهم دون القوم.
قال: أيهم؟
قالوا: عبد الله بن مسعود.
قال: (علم السنة وقرأ القرآن وكفى به علماً، ثم ختم به عنده).
فلم يدروا على ما يريد بقوله: (كفى به علماً) كفى بعبد الله بن مسعود أم كفى بالقرآن.
قالوا: فحذيفة؟
قال: (عَلِمَ أو عُلّم أسماء المنافقين وسأل عن المعضلات حين غُفل عنها؛ فإن تسألوه عنها تجدوه بها عالماً). ثم ذكر باقي الحديث بنحو ما تقدم، وفيه زيادات، وقد رواه أحمد بن منيع كما في المطالب العالية، والضياء المقدسي في المختارة، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال قيس بن الربيع الأسدي، عن أبي إسحاق [السبيعي]، عن هبيرة [بن يريم] قال: شهدت علياً وسئل عن حذيفة فقال: (سأل عن أسماء المنافقين فأُخبر بهم). رواه أبو داوود الطيالسي، وابن عساكر.
- وقال أسود بن عامر الشامي: حدثنا شعبة بن الحجاج، عن قتادة، عن أبي نضرة، عن قيسٍ ، قال: قلت لعمار: أرأيتم صنيعكم هذا الذي صنعتم في أمر علي، أرأيا رأيتموه أو شيئا عهده إليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فقال: ما عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً لم يعهده إلى الناس كافة، ولكن حذيفة أخبرني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «في أصحابي اثنا عشر منافقاً، فيهم ثمانية لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سمّ الخياط، ثمانية منهم تكفيكهم الدبيلة » وأربعة لم أحفظ ما قال شعبة فيهم). رواه أحمد، ومسلم.

- وقال الأعمش: حدّثني إبراهيم، عن الأسود، قال: كنّا في حلقة عبد اللّه فجاء حذيفة حتّى قام علينا فسلّم، ثمّ قال: «لقد أنزل النّفاق على قومٍ خيرٍ منكم»، قال الأسود: سبحان اللّه إنّ اللّه يقول: (إنّ المنافقين في الدّرك الأسفل من النّار)، فتبسّم عبد اللّه، وجلس حذيفة في ناحية المسجد، فقام عبد اللّه فتفرّق أصحابه، فرماني بالحصا، فأتيته، فقال حذيفة: «عجبت من ضحكه، وقد عرف ما قلت، لقد أنزل النّفاق على قومٍ كانوا خيرًا منكم ثمّ تابوا، فتاب اللّه عليهم». رواه البخاري في صحيحه، والنسائي في السنن الكبرى.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 08-05-2023, 11:19 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,921
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين



سِيَر أعلام المفسّرين
من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
عبد العزيز الداخل



10: سيرة أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري (ت:44هـ)

أصله ونسبه:
هو عبد الله بن قيس بن سليم بن حُضار من بني الأشعر، وهم بطن من العرب القحطانية.
وأصله من اليمن، من بلدة يقال لها "رِمَع" قُرب زبيد.
- قال ياقوت الحموي: (رمع: بكسر أوّله، وفتح ثانيه، وعين مهملة، مرتجل، موضع باليمن، وقيل: هو جبل باليمن).
قال: (وقال نصر: رمع قرية أبي موسى ببلاد الأشعريّين من اليمن قرب غسّان وزبيد)ا.هـ..

إسلامه وهجرته:
قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو بمكة فأسلم، ثم رجع إلى أرض قومه بإذن النبي صلى الله عليه وسلم، حتى قدم هو وأناس من الأشعريين على رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر مع جعفر بن أبي طالب وأصحابه؛ فقسم لهم النبي صلى الله عليه وسلم، وشهد ما بعدها من المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- قال أبو أسامة الكوفي الحافظ: حدثني بريد بن عبد الله بن أبي بردة، عن جدّه أبي بردة، عن أبي موسى، قال: بلغنا مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن باليمن، فخرجنا مهاجرين إليه، أنا وأَخَوانِ لي، أنا أصغرهما، أحدهما أبو بردة، والآخر أبو رهم، إما قال: بضعاً، وإما قال: ثلاثة وخمسين أو اثنين وخمسين رجلا من قومي.
قال: فركبنا سفينة، فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة، فوافقنا جعفر بن أبي طالب وأصحابه عنده.
فقال جعفر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا هاهنا، وأمرنا بالإقامة فأقيموا معنا، فأقمنا معه حتى قدمنا جميعا.
قال: فوافقنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر؛ فأسهم لنا، أو قال: أعطانا منها، وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئاً إلا لمن شهد معه إلا لأصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه، قسم لهم معهم.
قال: فكان ناس من الناس يقولون لنا - يعني لأهل السفينة -: نحن سبقناكم بالهجرة.
قال: فدخلتْ أسماء بنت عميس -وهي ممن قدم معنا- على حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم زائرةً، وقد كانت هاجرت إلى النجاشي فيمن هاجر إليه؛ فدخل عمر على حفصة وأسماء عندها؛ فقال عمر حين رأى أسماء: من هذه؟
قالت: أسماء بنت عميس.
قال عمر: الحبشية هذه؟ البحرية هذه؟
فقالت أسماء: نعم.
فقال عمر: سبقناكم بالهجرة؛ فنحن أحقّ برسول الله صلى الله عليه وسلم منكم.
فغضبت، وقالت كلمة: كذبتَ يا عمر كلا، والله كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم جائعَكم، ويعظ جاهلَكم، وكنَّا في دار -أو في أرض - البعداء البغضاء في الحبشة، وذلك في الله وفي رسوله، وايم الله لا أطعم طعاماً ولا أشرب شراباً حتى أذكر ما قلتَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن كنا نُؤذَى ونُخَاف، وسأذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأسأله، ووالله لا أكذبُ ولا أزيغُ ولا أزيد على ذلك.
قال: فلما جاء النبيُّ صلى الله عليه وسلم قالت: يا نبيَّ الله إنَّ عمر قال: كذا وكذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس بأحق بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهلَ السفينة هجرتان»
قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتوني أرسالاً، يسألوني عن هذا الحديث، ما من الدنيا شيءٌ هم به أفرحُ ولا أعظمُ في أنفسهم مما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال أبو بردة: فقالت أسماء: (فلقد رأيت أبا موسى وإنَّه ليستعيدُ هذا الحديثَ مني). رواه البخاري ومسلم.
- وقال أبو أسامة: حدثنا بريد بن عبد الله، عن أبي بردة، عن أبي موسى رضي الله عنه، بلغنا مخرج النبي صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن فركبنا سفينة، فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة، فوافقنا جعفر بن أبي طالب، فأقمنا معه حتى قدمنا، فوافقنا النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لكم أنتم يا أهل السفينة هجرتان» رواه البخاري.
- وقال أبو إسحاق السبيعي، عن أبي بردة بن أبي موسى، عن أبيه، قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننطلق مع جعفر بن أبي طالب إلى أرض النجاشي؛ فبلغ ذلك قريشاً؛ فبعثوا عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد، وجمعوا للنجاشي هدية، فقدمنا وقدموا على النجاشي). رواه ابن سعد.

مناقبه وفضائله:
لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه مناقب كثيرة؛ فقد كان من السابقين إلى الإسلام؛ وهاجر هجرتين إلى الحبشة ثم إلى المدينة، وشهد له النبي صلى الله عليه وسلم بأنه مؤمن منيب، وأنه من قوم يحبهم الله ويحبونه، وأثنى على تلاوتهم للقرآن، وقيامهم به.
وكان من كبار علماء الصحابة وقرائهم وفقهائهم، وكان حسن الصوت بتلاوة القرآن، حسن القيام به.
دعا له النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من موضع، وبعثه إلى اليمن قاضياً ومعلّماً، وأميراً على مخلافٍ منها.
وقاد الجيوش في بعض فتوح فارس، وهو الذي افتتح أصبهان وتستر والسوس والأهواز وهمذان وغيرها من بلاد فارس.

- قال أبو أسامة الكوفي: حدثني بريد بن عبد الله عن أبيه عن أبي موسى رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم دعا له فقال في دعائه: (( اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه، وأدخله يوم القيامة مدخلا كريماً)). متفق عليه.
- وقال حماد بن سلمة: أخبرنا حُميد، عن أنس قال: إنه لما أقبل أهل اليمن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قد جاءكم أهل اليمن، هم أرق منكم قلوباً)).
قال أنس: (وهم أول من جاء بالمصافحة). رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد، وأبو داوود في سننه.
- وقال يحيى بن أيوب المصري، عن حميد الطويل قال: سمعت أنس بن مالك يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقدم عليكم غداً أقوام هم أرقّ قلوباً للإسلام منكم».
قال: (فقدم الأشعريون فيهم أبو موسى الأشعري، فلما دنوا من المدينة جعلوا يرتجزون، يقولون:
غدا نلقى الأحبة ... محمدا وحزبه
فلما أن قدموا تصافحوا، فكانوا هم أولَّ من أحدث المصافحة). رواه أحمد والضياء المقدسي في المختارة.
- وقال شعبة، عن سماك بن حرب، قال: سمعت عياضاً الأشعري، يقول: (لما نزلت {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هم قومك يا أبا موسى» وأومأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى أبي موسى الأشعري). رواه ابن سعد وابن أبي شيبة والحاكم وصححه وأبو نعيم في تاريخ أصبهان.
- وقال مالك بن مغول، عن عبد الله بن بريدة بن الحصيب قال: خرج بريدة عشاء فلقيه النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ بيده فأدخله المسجد فإذا صوت رجل يقرأ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «تراه مرائيا؟» فأسكت بريدة.
فإذا رجل يدعو؛ فقال: "اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت. الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد"؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده - أو قال والذي نفس محمد بيده - لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب».
قال: فلما كان من القابلة خرج بريدة عشاء؛ فلقيه النبي صلى الله عليه وسلم؛ فأخذ بيده فأدخله المسجد؛ فإذا صوت الرجل يقرأ؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أتقوله مرائيا؟»
فقال بريدة: أتقوله مرائيا يا رسول الله؟
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا. بل مؤمن منيب، لا. بل مؤمن منيب»؛ فإذا الأشعري يقرأ بصوت له في جانب المسجد.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الأشعريَّ، -أو إن عبد الله بن قيس- أعطي مزمارا من مزامير داود».
فقلت: ألا أخبره يا رسول الله؟
قال: «بلى فأخبره» فأخبرته، فقال: (أنت لي صديق أخبرتني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث). رواه الإمام أحمد في مسنده، وهو في السنن الكبرى للنسائي مختصرا.ً
- وقال بريد بن عبد الله، عن جدّه أبي بردة، عن أبي موسى رضي الله عنه، قال: (كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالجعرانة بين مكة والمدينة، ومعه بلال فأتى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابي فقال: ألا تنجز لي ما وعدتني؟ فقال له: «أبشر» فقال: قد أكثرت علي من أبشر، فأقبل على أبي موسى وبلال كهيئة الغضبان، فقال: «رد البشرى، فاقبلا أنتما» قالا: قبلنا، ثم دعا بقدح فيه ماء، فغسل يديه ووجهه فيه ومج فيه، ثم قال: «اشربا منه، وأفرغا على وجوهكما ونحوركما وأبشرا». فأخذا القدح ففعلا، فنادت أم سلمة من وراء الستر: أن أفضلا لأمكما، فأفضلا لها منه طائفة). رواه البخاري ومسلم.
- وقال أبو بردة، عن أبي موسى، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالقرآن حين يدخلون بالليل، وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن بالليل، وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنهار)). علّقه البخاري في صحيحه، ووصله مسلم من طريق أبي أسامة الحافظ عن بريد بن عبد الله عن جدّه أبي بردة.
- وقال أبو أسامة الحافظ: حدثني بريد بن عبد الله بن أبي بردة، عن جده أبي بردة، عن أبي موسى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو، أو قلَّ طعام عيالهم بالمدينة، جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد، بالسوية؛ فهم مني وأنا منهم» رواه البخاري ومسلم.

حسن صوته بالقرآن
مما اشتهر عن أبي موسى رضي الله عنه حُسن صوته بالقرآن، بل ذكر بعض التابعين أنه أحسن الصحابة صوتاً بالقرآن.
وقد استمع النبي صلى الله عليه وسلم إلى تلاوته وعجب من حسن صوته، وعجب منه الصحابة، وكان ربما إذا قام يتهجّد من الليل استمعوا إلى تلاوته، وفي ذلك أحاديث وآثار.
- قال أبو يحيى الحِمَّاني: حدثنا بريد بن عبد الله بن أبي بردة عن جده، عن أبي موسى رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «يا أبا موسى لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود » رواه البخاري.
- وقال يحيى بن سعيد الأنصاري: حدثنا طلحة، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي موسى: «لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة، لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود» رواه مسلم.
- وقال حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس بن مالك أن أبا موسى الأشعري قام ليلة يصلي، فسمع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم صوته، وكان حلو الصوت، فقُمْن يستمِعْن، فلما أصبح، قيل له: إن النساء كنَّ يستمعن، فقال: (لو علمت لحبرتكن تحبيرا ولشوقتكن تشويقا). رواه ابن سعد.
- وقال ابن شهاب الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن عمر كان إذا رأى أبا موسى قال: (ذكّرنا يا أبا موسى، فيقرأ عنده). رواه ابن سعد، وهو منقطع لكن يعضده ما رواه شعبة، عن أبي مسلمة، عن أبي نضرة العبدي قال: قال عمر لأبي موسى: (شوّقنا إلى ربنا) فقرأ، فقالوا: الصلاة، فقال عمر: (أولسنا في صلاة؟). وقد أخرجه ابن سعد أيضاً، وأحمد في الزهد.
- وقال علي بن الجعد: حدثنا معاوية، حدثنا ثابت عن أنس قال: قدمنا البصرة مع أبي موسى وهو أمير على البصرة.
قال: فقام من الليل يتهجَّد؛ فلما أصبح قيل له: أصلح الله الأمير، لو رأيت إلى نسوتك وقرابتك وهم يستمعون لقراءتك!
فقال: (لو علمت أنَّ أحداً يستمع قراءتي لزيَّنت كتابَ الله بصوتي ولحبرته تحبيرا). رواه ابن عساكر.
- وقال يحيى بن صالح: حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن أبي يوسف حاجب معاوية قال: (قدم أبو موسى الأشعري؛ فنزل بعض الدور بدمشق، فكان معاوية يخرج ليلاً يستمع قراءته). رواه أبو زرعة الدمشقي وابن عساكر.
- وقال صفوان بن عيسى القسام: حدثنا سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي قال: (صلى بنا أبو موسى الأشعري صلاةَ الصبحِ فما سمعتُ صوتَ صنجٍ ولا بربطٍ قطّ كان أحسن صوتاً منه). رواه أبو القاسم البغوي وابن سعد وأبو عوانة وأبو نعيم.
وفي رواية عند أبي سعد: (ولا نايٍ أحسن من صوته؛ فنود أنه قرأ البقرة من حسن صوته)..
ورواه البخاري في خلق أفعال العباد بسياق مقارب.
- وقال علي بن عاصم: حدثني سليمان التيمي، عن أبي عثمان النهدي قال: (كان الأشعريّ - يعني أبا موسى الأشعري - من أحسن الناس صوتاً، كأنه مزمار من مزامير داود، وكان يصلّي بنا الغداة؛ فأتمنى أن يقرأ بنا البقرة من حسن صوته). رواه ابن عساكر.
- وقد قدم أبو موسى على معاوية في دمشق وهو خليفة، فرُوي أن معاوية كان يخرج من الليل إلى منزل أبي موسى يستمع إلى قراءته.

جهاده وأعماله وأخباره في زمن النبي صلى الله عليه وسلم
كان أبو موسى رضي الله عنه شجاعاً مقداماً لا يفرّ، بل كان يعيب على من يفرّ، وقد شهد مع النبيّ صلى الله عليه وسلم مشاهده بعد خيبر؛ فشهد غزوة ذات الرقاع، وفتح مكة وحنين، ثم كان مع السرية التي بعث بها النبي صلى الله عليه وسلم إلى أوطاس؛ وكانت الراية مع أبي عامر الأشعري عمّ أبي موسى؛ فقتل أبو عامر تسعةً من المشركين مبارزة يومئذ، ثمّ رماه أحدهم بسهم في ركبته؛ فجرح منها جرحاً شديداً ثم مات منها؛ فأخذ الرايةَ أبو موسى، وقتل قاتل عمّه، وقاتل حتى فتح الله له.
ثمّ غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى تبوك، ثم بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن معلّما وقاضياً وأميراً ثمّ أتبعه بمعاذ بن جبل، واليمن مخلافان؛ والمخلاف بمعنى الإقليم والناحية؛ فكان معاذ على المخلاف الشمالي وهو من صنعاء إلى الجَنَد، وأبو موسى على المخلاف الجنوبي وهو من جنوب صنعاء إلى عدن، ويشمل زبيد والساحل ورِمَع وهي أرض قوم أبي موسى الأشعري.
ثم حجّ أبو موسى مع النبي صلى الله عليه وسلم حجّة الوداع، وقال في إهلاله: لبيّك بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن قد ساق الهدي، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أنّ يطوف ويسعى ثم يحلّ؛ فيكون متمتّعاً.
ثمّ عاد بعد الحجّ إلى اليمن، وتوفّي النبي صلى الله عليه وسلم وأبو موسى باليمن، ثم إنّ أبا بكر الصدّيق استعمل على اليمن المهاجرَ بن أبي ميّة المخزومي، أخو أمّ سلمة رضي الله عنها، وكتب إليه معاذ يستأذنه في القفول إلى المدينة هو ومن معه من العمّال الذين بعثهم النبي صلى الله عليه وسلم فأذن لهم؛ فرجعوا؛ بعد أن علّموا الناس القرآن وفقّهوهم في دين الله، وانتشر العلم في اليمن، وانتظم الأمر فيه.
وفي جهاده وأعماله وأخباره زمن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث وآثار.
- قال بريد، عن جدّه أبي بردة، عن أبيه، قال: لما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من حنين بعث أبا عامرٍ على جيش إلى أوطاس، فلقي دريدَ بن الصمَّة، فقتل دريد وهزم الله أصحابه، فقال أبو موسى: وبعثني مع أبي عامر، قال: فرُمي أبو عامر في ركبته، رماه رجل من بني جشم بسهم، فأثبته في ركبته فانتهيت إليه؛ فقلت: يا عم من رماك؟
فأشار أبو عامر إلى أبي موسى؛ فقال: إنَّ ذاك قاتلي، تراه ذلك الذي رماني، قال أبو موسى: فقصدت له فاعتمدته فلحقته، فلما رآني ولى عني ذاهبا، فاتبعته وجعلت أقول له: ألا تستحيي؟ ألست عربيا؟ ألا تثبت؟ فكفَّ، فالتقيت أنا وهو، فاختلفنا أنا وهو ضربتين، فضربته بالسيف فقتلته، ثم رجعتُ إلى أبي عامر؛ فقلت: إن الله قد قتل صاحبك.
قال: فانزع هذا السهم، فنزعته فنزا منه الماء، فقال: يا ابن أخي انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقرئه مني السلام، وقل له: يقول لك أبو عامر: استغفر لي.
قال: واستعملني أبو عامر على الناس، ومكث يسيرا ثم إنه مات، فلما رجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم دخلت عليه، وهو في بيت على سرير مرمل، وعليه فراش، وقد أثر رمال السرير بظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وجنبيه، فأخبرته بخبرنا وخبر أبي عامر، وقلت له: قال: قل له: يستغفرْ لي، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء؛ فتوضأ منه، ثم رفع يديه، ثم قال: «اللهم اغفر لعبيدٍ أبي عامر» حتى رأيت بياض إبطيه، ثم قال: «اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك » أو من الناس
فقلت: ولي يا رسول الله فاستغفرْ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه، وأدخله يوم القيامة مدخلا كريما» رواه البخاري ومسلم.
- قال أبو أسامة عن بريد بن عبد الله بن أبي بردة، عن أبي بردة، عن أبي موسى رضي الله عنه، قال: «خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة ونحن ستة نفر، بيننا بعير نعتقبه، فنقبت أقدامنا، ونقبت قدماي، وسقطت أظفاري، وكنا نلفّ على أرجلنا الخِرَق، فسمّيت غزوة ذات الرقاع لما كنا نعصب من الخرق على أرجلنا»
وحدّث أبو موسى بهذا ثم كره ذاك، قال: ما كنت أصنع بأن أذكره، كأنه كره أن يكون شيء من عمله أفشاه. رواه البخاري ومسلم.
- وقال أبو أسامة، عن بريد بن عبد الله بن أبي بردة، عن أبي بردة، عن أبي موسى رضي الله عنه، قال: (أرسلني أصحابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله الحُملان لهم، إذ هم معه في جيش العسرة، وهي غزوة تبوك..). فذكر الحديث، وهو في الصحيحين، وفيه: (فلما أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((خذ هذين القرينين، وهذين القرينين، وهذين القرينين، لستة أبعرة ابتاعهنَّ حينئذ من سعد، فانطلق بهنَّ إلى أصحابك)). رواه البخاري ومسلم.
- وقال عاصم الأحول عن أبي عثمان النهدي عن أبي موسى رضي الله عنه، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فجعل الناس يجهرون بالتكبير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس اربعوا على أنفسكم، إنكم ليس تدعون أصم ولا غائبا، إنكم تدعون سميعا قريبا، وهو معكم».
قال: وأنا خلفه، وأنا أقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فقال يا عبد الله بن قيس: ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة.
فقلت: بلى، يا رسول الله.
قال: ((قل: لا حول ولا قوة إلا بالله)). رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية في صحيح البخاري من طريق أيوب السختياني عن أبي عثمان النهدي عن أبي موسى قال: ثم أتى عليَّ وأنا أقول في نفسي: "لا حول ولا قوة إلا بالله"؛ فقال لي: ((يا عبد الله بن قيس، قل لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها كنز من كنوز الجنة)).
- وقال عمر بن علي بن مقدم: حدثنا أبو عميس، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن أبي موسى الأشعري قال: أتاني ناس من الأشعريين فقالوا: اذهب معنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن لنا حاجة.
قال: فقمت معهم؛ فقالوا: يا رسول الله استعن بنا في عملك فاعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مما قالوا.
وقلت: لم أدر ما حاجتهم.
فصدَّقني رسول الله صلى الله عليه وسلم وعذرني وقال: «إنا لا نستعين في عملنا من سألَناه» رواه أحمد.
- وقال حميد بن هلال: حدثنا أبو بردة، عن أبي موسى، قال: أقبلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومعي رجلان من الأشعريين، أحدهما عن يميني والآخر عن يساري، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستاك، فكلاهما سأل العمل؛ والنبي صلى الله عليه وسلم يستاك.
فقال: «ما تقول يا أبا موسى أو يا عبد الله بن قيس؟»
قال: قلت: والذي بعثك بالحق ما أطلعاني على ما في أنفسهما، وما شعرت أنهما يطلبان العمل، فكأني أنظر إلى سواكه تحت شفته قلصت.
فقال: «لا نستعمل على عملنا من أراده، ولكن اذهب أنت يا أبا موسى أو يا عبد الله بن قيس إلى اليمن» ثم أتبعه معاذ بن جبل). رواه أحمد والبخاري.
- وقال أبو أسامة، عن بريد بن عبد الله، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم أنا ورجلان من بني عمي، فقال أحد الرجلين: يا رسول الله أمّرنا على بعض ما ولاك الله عز وجل، وقال الآخر مثل ذلك، فقال: «إنا والله لا نولي على هذا العمل أحدا سأله، ولا أحداً حَرَص عليه» رواه مسلم.
- وقال شعبة، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم، بعث معاذا وأبا موسى إلى اليمن قال: «يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا» رواه البخاري ومسلم.
- وقال أبو عوانة: حدثنا عبد الملك، عن أبي بردة، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا موسى ومعاذ بن جبل إلى اليمن، وبعث كلَّ واحد منهما على مخلاف، واليمن مخلافان.
ثم قال: «يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا» فانطلق كل واحد منهما إلى عمله، وكان كل واحد منهما إذا سار في أرضه كان قريبا من صاحبه أحدث به عهدا، فسلم عليه، فسار معاذ في أرضه قريباً من صاحبه أبي موسى، فجاء يسير على بغلته حتى انتهى إليه، وإذا هو جالس، وقد اجتمع إليه الناس، وإذا رجل عنده قد جمعت يداه إلى عنقه، فقال له معاذ: يا عبد الله بن قيس أيم هذا؟
قال: هذا رجل كفر بعد إسلامه.
قال: لا أنزل حتى يُقتل.
قال: إنما جيء به لذلك فانزل.
قال: ما أنزل حتى يقتل.
فأمر به فقتل، ثم نزل؛ فقال: يا عبد الله! كيف تقرأ القرآن؟
قال: أتفوَّقه تفوقاً.
قال: فكيف تقرأ أنت يا معاذ؟
قال: (أنام أوَّل الليل؛ فأقوم وقد قضيتُ جزئي من النوم، فأقرأ ما كتب الله لي، فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي). رواه البخاري.
- قال قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن أبي موسى رضي الله عنه، قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى قوم باليمن، فجئت وهو بالبطحاء، فقال: «بما أهللت؟»
قلت: أهللت كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: «هل معك من هدي؟»
قلت: لا، فأمرني، فطفت بالبيت، وبالصفا والمروة، ثم أمرني، فأحللت). رواه البخاري ومسلم.

يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 29-04-2024, 04:21 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,921
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين




سِيَر أعلام المفسّرين
من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
عبد العزيز الداخل


11: سيرة أبي سعيد زيد بن ثابت بن الضحاك النجاري الأنصاري (ت:45هـ)


اسمه ونسبه وأسرته
هو زيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد بن لوذان بن عمرو بن عبد عوف بن غنم بن مالك بن النجار الخزرجي الأنصاري.
قُتل أبوه يوم بعاث قبل الهجرة، وله من الإخوة: حسَّان شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأوس والد شداد بن أوس، ويزيد؛ وكانوا جيران النبي صلى الله عليه وسلم، استشهد أوس يوم أحد، واستشهد يزيد يوم اليمامة.
وزيد ويزيد أمّهما: النوار بنت مالك بن عامر بن عدي بن النجار، قاله خليفة بن خياط.
- قال إبراهيم بن إسحاق الحربي: حدثنا مصعب بن عبد الله الزبيري، قال: «أبو سعيد ويقال: أبو خارجة زيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد بن لوذان بن عمرو بن عبد عوف بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاري». رواه الحاكم في المستدرك.

تزوّج زيدٌ جميلةَ بن سعد بن الربيع، وأنجب منها: خارجة، وسعداً، وسليمان، ويحيى، وإسماعيل، وأمّ عثمان، وأمّ زيد.
وله من غيرها: سُليط، وعبد الرحمن، وعبد الله، وزيد، وأمهاتهم أمّهات أولاد.
وأكثر أبناء زيد قُتلوا يوم الحرّة.
- قال ابن سعد: (قتل من ولد زيد بن ثابت يوم الحرة سبعة لصلبه).




إسلامه وصحبته للنبي صلى الله عليه وسلم
قدم النبيُّ صلى الله عليه وسلم المدينةَ وزيد ابن إحدى عشرة سنة، وكان منزله بجوار منزل النبي صلى الله عليه وسلم؛ فانتفع بهذا الجوار المبارك بكثرة رؤيته للنبي صلى الله عليه وسلم وصحبته إيّاه، وتعلّمه منه، والقيام بما ينتدبه له النبي صلى الله عليه وسلم من الأعمال التي شرّفه بها؛ فكان يكتب الوحي، ويقرأ للنبي صلى الله عليه وسلم الرسائل التي ترد عليه، ويكتب له الرسائل، ويشهد معه المشاهد مع خاصة أصحابه.
- قال الليث بن سعد، عن الوليد بن أبي الوليد، عن سليمان بن خارجة بن زيد بن ثابت، عن خارجة بن زيد بن ثابت قال: دخل نفر يعني على زيد بن ثابت، فقالوا: حدثنا بعض حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: وما أحدثكم؟!! كنت جاره، وكان إذا نزل الوحي أرسل إليَّ فكتبت الوحي، وكان إذا ذكرنا الآخرة ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الدنيا ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الطعام ذكره معنا؛ فكلّ هذا أحدثكم عنه؟). رواه الطبراني في المعجم الكبير والأوسط



مناقبه وفضائله
كان زيد بن ثابت ذكياً فَهماً فطناً، حسن التعلم، ماهراً بالكتابة؛ فكان النبي صلى الله عليه السلام يعلّمه القرآن، ويأمره بكتابة الوحي؛ فلزم زيدٌ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وتعلّم منه، وشاهد نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم، وعرض عليه القرآن مراراً، وشهد معه الخندق وأكثر المشاهد بعدها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم ربما استخلفه على المدينة في بعض غزواته على حداثة سنّه، وكان له موقف محمود يوم السقيفة تبعه عليه عامة الأنصار، وتمت بعده البيعة لأبي بكر الصديق رضي الله عنه.
ثم إنه قاتل المرتدين في زمن أبي بكر الصديق، وشهد يوم اليمامة، وأصيب فيه بسهم ثم برأ، وجمع القرآن في زمان أبي بكر بين لوحين، وجاهد في الشام، وشهد يوم اليرموك، وهو الذي تولى قسمة الغنائم فيها، ولما فرّق عمر علماء الصحابة على الأمصار ليعلّموهم القرآن والسنن ويفقّهوهم في الدين احتبس زيد بن ثابت عنده بالمدينة ليعلّم أهلها ويفتيهم، وكان عمر إذا خرج من المدينة للحج أو لغيره أكثر ما يستخلف على المدينة زيد بن ثابت.
وكان في زمان عثمان على بيت المال مع قيامه بالإفتاء والقضاء، وهو الذي تولى كتابة المصاحف العثمانية.
ولما حوصر عثمان جاء زيد بن ثابت بالأنصار وعرض على عثمان أن يقاتلوا دونه، وقال: إن شئت أن نكون أنصار الله مرتين؛ فقال عثمان: أما القتال فلا.

وكان زيد عالماً بالقرآن والفرائض والحساب والكتابة، وكان الخلفاء يرجعون إليه في المعضلات، وكان عمر وهو خليفة ربما أتاه في بيته ليسأله عن بعض المسائل المعضلة، وكان معاوية يكتب إليه من الشام يسأله فيما يُشكل عليه.
وكان صاحب صدقات وإنفاق في سبيل الله، وكان يحتبس الجياد في سبيل الله ويبعث بها للجهاد في الثغور حتى بلغت أفراسُه القسطنطينية، وأوقف أوقافاً بالمدينة بقيت بعده مدّة طويلة.
- قال عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن خارجة بن زيد، أن أباه زيدا، أخبره: أنه لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، قال زيد: ذُهِب بي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأعجب بي، فقالوا: يا رسول الله! هذا غلام من بني النجار، معه مما أنزل الله عليك بضع عشرة سورة، فأعجب ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: ((يا زيد! تعلّم لي كتاب يهود؛ فإني والله ما آمن يهود على كتابي)).
قال زيد: (فتعلمت له كتابهم، ما مرّت بي خمس عشرة ليلة حتى حذقته، وكنت أقرأ له كتبهم إذا كتبوا إليه، وأجيب عنه إذا كتب). رواه أحمد، وأبو داوود، والترمذي، ولفظ أبي داوود: (فتعلمته، فلم يمرَّ بي إلا نصف شهر حتى حذقته، فكنتُ أكتب له إذا كَتب، وأقرأ له إذا كُتب إليه).
- وقال أبو الوليد الطيالسي: حدثنا جرير عن الأعمش عن ثابت بن عبيد عن زيد بن ثابت قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( تأتيني كتب لا أحب أن يقرأها أحد فتحسن السريانية؟))
قلت: لا.
قال: ((فتعلمها)).
فتعلمتها في سبعة عشر يوماً). رواه يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ.
- وقال ابن شهاب الزهري: حدثني سهل بن سعد الساعدي، أنه رأى مروان بن الحكم في المسجد، فأقبلت حتى جلست إلى جنبه، فأخبرنا أن زيد بن ثابت أخبره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أملى عليه: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} {والمجاهدون في سبيل الله} فجاءه ابنُ أم مكتوم وهو يملّها عليَّ، قال: يا رسول الله! والله لو أستطيع الجهاد لجاهدت، وكان أعمى؛ فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، وفخذُه على فخذي، فثقلت علي حتى خفت أن ترضّ فخذي، ثم سُرّي عنه؛ فأنزل الله: {غير أولي الضرر}). رواه البخاري في صحيحه.
- وقال يحيى بن أيوب الغافقي، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عبد الرحمن بن شماسة المهري، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤلّف القرآن من الرقاع إذ قال: ((طوبى للشام))
قيل: ولم ذلك يا رسول الله؟
قال: ((إنَّ ملائكةَ الرحمنِ باسطةٌ أجنحتها عليها)). رواه الإمام أحمد، وابن أبي شيبة، والترمذي، والحاكم، والبيهقي وغيرهم.








يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 13-05-2024, 11:08 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,921
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين


سِيَر أعلام المفسّرين
من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
عبد العزيز الداخل


12: سيرة أمّ المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق (ت: 57هـ)

اسمها ونسبها وكنيتها
هي عائشة بنت أبي بكر عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر القرشية التيمية رضي الله عنها وأرضاها.
وقد تقدّم الكلام على نسب أبيها رضي الله عنهما.
وأمّا كنية عائشة فهي أمّ عبد الله، كما كناها النبي صلى الله عليه وسلم.
- قال معمر بن راشد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن عائشة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: (كل نسائك لها كنية غيري!
فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اكتني بأم عبد الله)).
فكان يقال لها "أم عبد الله" حتى ماتت ولم تلد قط). رواه أبو نعيم في معرفة الصحابة.
- وقال أبو معاوية الضرير، عن هشام بن عروة، عن عباد بن حمزة عن عائشة قالت: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقلت: (يا رسول الله! كنيت نساءك فاكنني).
قال: (( اكتني بابن أختك عبد الله )). رواه ابن سعد.
- وقال أنس بن عياض الليثي، عن هشام بن عروة، عن عبّاد بن حمزة أنَّ عائشة قالت: يا نبي الله ألا تكنيني؟!
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اكتني بابنك عبد الله بن الزبير)). فكانت تكنى بأم عبد الله. رواه ابن سعد.




أسرتها أبوها أفضل الأمّة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وقدّ تقدّمت سيرته ولله الحمد.
وأمّها أمّ رَوْمان الكنانية، واختلف في اسمها؛ فقيل: زينب، وقيل: دعد.
- قال مصعب بن عبد الله الزبيري في "نسب قريش": (أمّ رومان بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس بن عتاب بن أذينة بن سبيع بن دهمان بن الحارث بن غنم بن مالك بن كنانة).
والخلاف في تسمية آبائها كثير، وقول مصعب الزبيري فيه نظر لأنه ثبت في الصحيحين في خبر أضياف أبي بكر الصديق رضي الله عنه وعنها أنه قال لها: (يا أخت بني فراس ما هذا؟).
وفراس أخو الحارث وهما ابنا غنم بن مالك بن كنانة؛ فإما أن تكون من بني فراس بن غنم، وإما أن يكون أبو بكر نسبها إلى أشهر الأخوين.
- قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: (تقدَّم أنَّ أمَّ رَومان من ذرية الحارث بن غنم وهو أخو فراس بن غنم فلعلَّ أبا بكر نسبها إلى بني فراس لكونهم أشهر من بني الحارث، ويقع في النسب كثير من ذلك، وينسبون أحياناً إلى أخي جدّهم أو المعنى يا أخت القوم المنتسبين إلى بني فراس، ولا شك أنَّ الحارث أخو فراس؛ فأولاد كلّ منهما إخوة للآخرين لكونهم في درجتهم، وحكى عياض أنَّه قيل في أمّ رومان: إنها من بني فراس بن غنم لا من بني الحارث، وعلى هذا فلا حاجة إلى هذا التأويل).
- وقال أبو عمر ابن عبد البر: (والخلاف من أبيها إلى كنانة كثير جداً، وأجمعوا أنها من بني غنم بن مالك بن كنانة).
- وقال الواقديّ: (كانت أمّ رومان الكنانية تحت عبد اللَّه بن الحارث بن سخبرة بن جرثومة الأزديّ، وكان قد قدم مكة فحالف أبا بكر قبل الإسلام، وتوفي عن أمّ رومان بعد أن ولدت له الطّفيل، ثم خلف عليها أبو بكر).
وقد اختلف في وفاة أمّ رومان على أقوال أقربهما قولان:
أحدهما: أنها ماتت سنة تسع للهجرة، ويُروى حديث فيه مقال في شهود النبي صلى الله عليه وسلم دفنها.
- قال حماد بن سلمة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن القاسم بن محمد، قال: لما دُلّيَت أم رَومان في قبرها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من سرَّه أن ينظر إلى امرأة من الحور العين فلينظر إلى أمّ رومان)). رواه ابن سعد في الطبقات، وأبو نعيم في معرفة الصحابة.
وهذا حديث مرسل، وعليّ بن زيد بن جدعان ضعيف الحديث.
والآخر: أنها ماتت في خلافة عثمان.
وقد رجّح البخاري بقاءها بعد النبي صلى الله عليه وسلم بزمن، واحتجّ برواية مسروق عنها، ومسروق إنما قدم المدينة في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
- قال أبو وائل شقيق بن سلمة: حدثني مسروق بن الأجدع قال: حدّثتني أمّ رومان وهي أمّ عائشة رضي الله عنهما قالت: بينا أنا قاعدة أنا وعائشة إذ ولجت امرأة من الأنصار فقالت: فعل الله بفلان وفعل...) فذكرت حديث الإفك. وهو في صحيح البخاري وغيره.
ولعائشة من الإخوة:
1: عبد الرحمن، وهو شقيقها وأكبر أولاد أبي بكر، أسلم بعد الهجرة.
2: وعبد الله، وأمّه قُتيلة بنت عبد العزى ، أصيب بسهم يوم الطائف فمرض منه حتى مات بالمدينة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان له ولد ثم انقرض عقبه.
3: ومحمد، وأمّه أسماء بنت عميس، ولدت به في حجّة الوداع، ونشأ في حجر عليّ بن أبي طالب، وفي خلافة عليّ
ولها من الأخوات:
1: أسماء، وهي أكبر بنات أبي بكر، وأمّها قُتيلة، وهي شقيقة عبد الله، وقد تزوجها الزبير بن العوام وأنجبت له: عبد الله، والمنذر، وعروة.
2: وأمّ كلثوم، وأمّها حبيبة بنت خارجة بن زيد الخزرجية، وُلدت بعد موت أبيها، وتزوّجها طلحة بن عبيد الله، وأنجبت له: زكريا وعائشة.
ثم خلف عليها عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي، فولدت له: عثمان، وإبراهيم، وموسى.
ولعائشة أخ من أمّها أسنّ منها هو الطفيل بن عبد الله بن الحارث بن سخبرة الأزدي.

مولدها ونشأتها
وُلدت عائشة رضي الله عنها قبل الهجرة بنحو ثمان سنين، وذلك بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم بنحو خمس سنين؛ فقد صحّ في صحيح مسلم وغيره من طريق معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة، ومن طريق أبي معاوية عن الأعمش عن إبراهيم النخعي عن الأسود بن يزيد عن عائشة، أنها كانت بنت ثمان عشرة حين مات النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان موت النبي صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول من العام الحادي عشر بعد الهجرة.
- قال الحافظ ابن حجر في الإصابة: (ولدت بعد المبعث بأربع سنين أو خمس، فقد ثبت في الصّحيح أنّ النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم تزوجها وهي بنت ست، وقيل سبع، ويجمع بأنها كانت أكملت السّادسة ودخلت في السّابعة).

وقد نشأت عائشة رضي الله عنها بمكة في كنف أبويها وهما مسلمان، وشهدَت ما لقيا من أذى مشركي قريش، وعرَفَتْ قوة الصحبة بين النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق رضي الله عنه.
- قال الليث بن سعد، عن عقيل، عن ابن شهاب، قال: أخبرني عروة بن الزبير، أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (لم أعقل أبويَّ إلا وهما يدينان الدين، ولم يمرّ علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشية، ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجداً بفناء داره، فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن، فيقف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون منه وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلاً بكاء، لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن؛ فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين). رواه البخاري من هذا الطريق، ورواه عبد الرزاق، وأحمد، وإسحاق بن راهويه من طريق معمر عن الزهري عن عروة بنحوه.

إسلامها وهجرتها
وُلدت عائشة رضي الله عنها مسلمة، ولم تعقل أبويها إلا وهما على الإسلام، وهاجرت مع بنات النبي صلى الله عليه وسلم وآل أبي بكر بصحبة طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه على المشهور في كتب السير.
- قال محمد بن عمر الواقدي: حدثنا موسى بن محمد بن عبد الرحمن، عن ريطة، عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة أنها سُئلت: متى بنى بك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فقالت: لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة خلَّفنا وخلَّف بناته؛ فلما قدم المدينة بعث إلينا زيد بن حارثة، وبعث معه أبا رافع مولاه، وأعطاهما بعيرين وخمسمائة درهم أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبي بكر، يشتريان بها ما يحتاجان إليه من الظهر، وبعث أبو بكر معهما عبد الله بن أريقط الديلي ببعيرين أو ثلاثة، وكتب إلى عبد الله بن أبي بكر يأمره أن يحمل أهله أمي أمّ رومان وأنا وأختي أسماء امرأة الزبير، فخرجوا مصطحبين؛ فلما انتهوا إلى قديد اشترى زيد بن حارثة بتلك الخمسمائة ثلاثة أبعرة، ثم رحلوا من مكة جميعاً؛ وصادفوا طلحة بن عبيد الله يريد الهجرة بآل أبي بكر، فخرجنا جميعاً وخرج زيد بن حارثة وأبو رافع بفاطمة وأمّ كلثوم وسودة بنت زمعة، وحمل زيد أم أيمن وأسامة بن زيد، وخرج عبد الله بن أبي بكر بأمّ رومان وأختيه، وخرج طلحة بن عبيد الله، واصطحبنا جميعا حتى إذا كنّا بالبيض من مِنَى نفر بعيري وأنا في مَحَفَّة معي فيها أمي، فجعلت أمي تقول: وابنتاه! واعروساه! حتى أُدرك بعيرنا وقد هبط من لفت؛ فسلَّم الله عز وجل، ثم إنا قدمنا المدينة فنزلتُ مع عيال أبي بكر، ونزل آل رسول الله ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ يبني المسجد وأبياتاً حول المسجد، فأنزل فيها أهله، ومكثنا أياماً في منزل أبي بكر). رواه ابن سعد في الطبقات، والحاكم في المستدرك.
- وقال الزبير بن بكار الأسدي: حدثني محمد بن الحسن بن زبالة المخزومي، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: (لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم خلَّفنا وخلَّف بناته، فلما استقر بالمدينة بعث زيد بن حارثة، وبعث معه أبا رافع مولاه، وأعطاهما بعيرين وخمسمائة درهم أخذها من أبي بكر يشتريان بها ما يحتاجان إليه من الظهر، وبعث أبو بكر معهما عبد الله بن أريقط الدؤلي ببعيرين أو ثلاثة، وكتب إلى عبد الله بن أبي بكر أن يحمل أهله أمَّ أبي بكر وأمَّ رومان وأنا وأخي وأسماء امرأة الزبير، فخرجوا مصحبين حتى انتهوا إلى قديد اشترى زيد بن حارثة بتلك الخمسمائة درهم ثلاثة أبعرة، ثم دخلوا مكة جميعاً، فصادفوا طلحة بن عبيد الله يريد الهجرة، فخرجنا جميعاً، وخرج زيد وأبو رافع بفاطمة وأم كلثوم وسودة بنت زمعة، وحمل زيدٌ أمَّ أيمن وولدها أيمن، وأسامة، واصطحبنا حتى إذا كنا بالبيض من نمر نفر بعيري وأنا في محفة معي فيها أمي، فجعلت أمي تقول: وابنتاه واعروساه، حتى إذا أُدرك بعيرنا وقد هبط من الثنية ثنية هرشا فسلّم الله، ثم إنا قدمنا المدينة، فنزلت مع عيال أبي بكر، ونزل آل النبي صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ يبني المسجد وأبياتاً حول المسجد، فأنزل فيها أهله). رواه الطبراني في المعجم الكبير، وابن زبالة أخباري متروك الحديث من بابة الواقدي.
- وقال خليفة بن خياط: حدثنا بكر بن سليمان عن ابن إسحاق، ووهب بن جرير، عن أبيه، عن ابن إسحاق، قال: «نزل أبو بكر على حبيب بن إساف أخي بلحارث بن الخزرج بالسنح» ، ويقال: «بل نزل على خارجة بن زيد بن أبي زهير أخي بني الحارث بن الخزرج». رواه الطبراني في المعجم الكبير.
- وقال محمد بن عمر الواقدي، عن موسى بن يعقوب قال: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير قال: «نزل أبو بكر على خارجة بن زيد بن أبي زهير وتزوج ابنته، ولم يزل في بني الحارث بن الخزرج بالسنح حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم». رواه ابن سعد في الطبقات.
والسُّنح أصلها جمع سانح، مثل بازل وبُزل، وهي هنا اسم موضع في عوالي المدينة.
- قال ياقوت الحموي: (وهي منازل بني الحارث بن الخزرج بعوالي المدينة، وبينها وبين منزل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ميل).
وقولها: ( حتى إذا كنا بالبيض من مِنَى) لا أعرف موضعاً في مِنَى ولا ما حولها يُسمَّى "البيض" إلا أن يكون المراد بالبيض أعلام الحَرم؛ فقد كانت من حجارة بيضاء اللون، وتُجمع على بيض.
وفسّره بعض المتأخرين بما ذكره ياقوت الحموي في معجم البلدان بقوله: (بيض أيضاً من منازل بني كنانة بالحجاز، قال بديل بن عبد مناة الخزاعي يخاطب بني كنانة:

ونحن منعنا بين بيض وعتود ... إلى خيف رضوى من مجرّ القبائل
ونحن صبحنا بالتلاعة داركم ... بأسيافنا، يسبقن لوم العواذل).


وفي هذا التعيين نظر؛ لبعد موضعه جداً عن منى.

زواج النبي صلى الله عليه وسلم بها
تزوّج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة في شوّال بعد السنة العاشرة من البعثة، وذلك قبل الهجرة بسنتين أو ثلاث سنين، وهي بنت ستّ سنين، ودخل بها بعد الهجرة إلى المدينة في شوال في السنة الأولى أو الثانية من الهجرة، وقد بلغت تسع سنين.
- قال هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أريتك في المنام ثلاث ليال! جاءني بك الملك في سرقة من حرير، فيقول: هذه امرأتك، فأكشف عن وجهك فإذا أنت هي، فأقول: إن يكُ هذا من عند الله يُمضه)). رواه البخاري ومسلم، وقد رواه عن هشام جماعة من الأئمة منهم: وهيب بن خالد، وحماد بن زيد، وأبو أسامة الكوفي، وأبو معاوية، ورواياتهم في الصحيحين وغيرهما بألفاظ متقاربة.
- وقال محمد بن بشر العبدي: حدثنا محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو سلمة ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، قالا: لما هلكت خديجة جاءت خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون، قالت: يا رسول الله ألا تزوج؟
قال: ((من؟)).
قالت: إن شئت بكراً، وإن شئت ثيباً؟
قال: ((فمن البكر؟)).
قالت: ابنة أحبّ خلق الله عز وجل إليك عائشة بنت أبي بكر.
قال: ((ومن الثيب؟)).
قالت: سودة بنت زمعة، آمنت بك، واتبعتك على ما تقول.
قال: ((فاذهبي فاذكريهما عليَّ)).
فدخلت بيت أبي بكر، فقالت: يا أمَّ رومان! ماذا أدخل الله عز وجل عليكم من الخير والبركة؟
قالت: وما ذاك؟
قالت: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطب عليه عائشة.
قالت: انتظري أبا بكر حتى يأتي، فجاء أبو بكر، فقالت: يا أبا بكر ماذا أدخل الله عز وجل عليكم من الخير والبركة؟ قال: وما ذاك؟ قالت: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطب عليه عائشة، قال: وهل تصلح له؟ إنما هي ابنة أخيه، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له.
قال: " ارجعي إليه فقولي له: ((أنا أخوك وأنت أخي في الإسلام، وابنتك تصلح لي)).
فرجعت فذكرت ذلك له، قال: انتظري وخرج.
قالت أم رومان: إنَّ مطعم بن عدي قد كان ذكرها على ابنه، فوالله ما وعد وعداً قط فأخلفه لأبي بكر، فدخل أبو بكر على مطعم بن عدي وعنده امرأته أمّ الفتى، فقالت: يا ابن أبي قحافة! لعلك مصبئ صاحبنا مدخله في دينك الذي أنت عليه إنْ تزوّج إليك.
قال أبو بكر للمطعم بن عدي: أَقَوْل هذه تقول.
قال: إنها تقول ذلك.
فخرج من عنده، وقد أذهب الله عز وجل ما كان في نفسه من عدته التي وعده فرجع، فقال لخولة: ادعي لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعته فزوّجها إيّاه وعائشة يومئذ بنت ست سنين، ثم خرجت فدخلت على سودة بنت زمعة.
فقالت: ماذا أدخل الله عز وجل عليك من الخير والبركة؟
قالت: ما ذاك؟
قالت: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطبك عليه.
قالت: وددت، ادخلي إلى أبي فاذكري ذاك له، وكان شيخاً كبيراً قد أدركته السنّ، قد تخلّف عن الحج، فدخلت عليه، فحيته بتحية الجاهلية؛ فقال: من هذه؟
فقالت: خولة بنت حكيم.
قال: فما شأنك؟
قالت: أرسلني محمد بن عبد الله أخطب عليه سودة.
قال: كفء كريم، ماذا تقول صاحبتك؟
قالت: تحبّ ذاك.
قال: ادعها لي؛ فدعتها؛ فقال: أي بنية إنَّ هذه تزعم أنَّ محمد بن عبد الله بن عبد المطلب قد أرسل يخطبك، وهو كفء كريم، أتحبين أن أزوجك به؟
قالت: نعم.
قال: ادعيه لي، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه فزوجها إياه، فجاءها أخوها عبد بن زمعة من الحج، فجعل يحثي على رأسه التراب!
فقال بعد أن أسلم: لعمرك إني لسفيه يوم أحثي في رأسي التراب أن تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم سودة بنت زمعة.
قالت عائشة: (فقدمنا المدينة فنزلنا في بني الحارث من الخزرج في السنح).
قالت: (فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل بيتنا واجتمع إليه رجال من الأنصار، ونساء فجاءت بي أمي وإني لفي أرجوحة بين عذقين ترجح بي، فأنزلتني من الأرجوحة، ولي جُميمة ففرقتها، ومسحت وجهي بشيء من ماء، ثم أقبلت تقودني حتى وقفت بي عند الباب، وإني لأنهَجُ حتى سَكَنَ من نَفَسي، ثم دخلتْ بي فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسٌ على سرير في بيتنا، وعنده رجال ونساء من الأنصار، فأجلستني في حجره، ثم قالت: هؤلاء أهلك فبارك الله لك فيهم، وبارك لهم فيك.
فوثب الرجال والنساء، فخرجوا وبنى بي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتنا، ما نُحرت عليَّ جزور، ولا ذبحت عليَّ شاة، حتى أرسل إلينا سعد بن عبادة بجفنة كان يرسل بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا دار إلى نسائه وأنا يومئذ بنت تسع سنين). رواه أحمد.
- وقال عبد الله بن نمير، عن الأجلح [بن عبد الله الكندي] عن عبد الله بن أبي مليكة قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة إلى أبي بكر الصديق؛ فقال: يا رسول الله! إني كنت أعطيتها مُطعماً لابنه جبير فدعني حتى أسلَّها منهم؛ فاستسلّها منهم فطلّقها فتزوَّجها رسول الله صلى الله عليه وسلم). رواه ابن سعد.
- وقال عبد الله بن عمر بن أبان: حدّثنا أبو أسامة، عن الأجلح، عن ابن أبي مليكة، قال: «خطب النبي صلى الله عليه وسلم عائشة إلى أبي بكر وكان أبو بكر قد زوجها جبير بن مطعم فخلعها منه، فزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي ابنة ست سنين، تركها ثلاث سنين، ثم بنى بها وهي بنت تسع سنين». رواه الطبراني في المعجم الكبير.
- وقال هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: «تزوَّجني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا بنت ست سنين، فقدمنا المدينة فنزلنا في بني الحارث بن خزرج، فوعكت فتمرق شعري، فوفى جميمة فأتتني أمي أم رومان، وإني لفي أرجوحة، ومعي صواحب لي، فصرخت بي فأتيتها، لا أدري ما تريد بي فأخذت بيدي حتى أوقفتني على باب الدار، وإني لأنهج حتى سكن بعض نفسي، ثم أخذت شيئاً من ماء فمسحت به وجهي ورأسي، ثم أدخلتني الدار، فإذا نسوة من الأنصار في البيت، فقلن على الخير والبركة، وعلى خير طائر، فأسلمتني إليهن، فأصلحن من شأني، فلم يرعني إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى، فأسلمتني إليه، وأنا يومئذ بنت تسع سنين». رواه البخاري، ومسلم.
- وقال مصعب بن عبد الله الزبيري: حدثني عبد الله بن معاوية، عن هشام بن عروة، أنَّ عروة كتب إلى الوليد بن عبد الملك بن مروان: « ونكح رسول الله صلى الله عليه وسلم عند متوفَّى خديجة عائشة رضي الله عنها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أريها في المنام ثلاث مرارٍ يُقال: هذه امرأتك عائشة، وكانت عائشة يوم نكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنت ست سنين، ثم بنى بها وقدم المدينة وهي بنت تسع سنين». رواه الحاكم في المستدرك.
- وقال عبدة بن سليمان، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، قالت: «تزوَّجني النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأنا بنت ستّ سنين، وبنى بي وأنا بنت تسع سنين». رواه مسلم.
- وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بنت سبع سنين، وزفَّت إليه وهي بنت تسع سنين ولُعَبها معها، ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة». رواه مسلم.
- وقال أبو معاوية الضرير، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، قالت: «تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بنت ست، وبنى بها وهي بنت تسع، ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة». رواه مسلم في الصحيح، وابن سعد في الطبقات.
- وقال سفيان الثوري، عن أبي إسحاق السبيعي، عن أبي عبيدة، عن عائشة، قالت: «أدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا بنت تسع سنين، ومكثت عنده تسع سنين». رواه الطبراني في المعجم الكبير.
- وقال سفيان الثوري، عن إسماعيل بن أمية، عن عبد الله بن عروة، عن عروة، عن عائشة، قالت: «تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال، وبنى بي في شوال، فأيّ نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحظى عنده مني؟!!».
قال: «وكانت عائشة تستحب أن تدخل نساءها في شوال». رواه عبد الرزاق، وابن سعد، وإسحاق بن راهويه، وأحمد، ومسلم، وغيرهم.
- قال أبو عاصم النبيل تلميذ سفيان الثوري: (إنما كره الناس أن يدخلوا النساء في شوال لطاعون وقع في شوال في الزمن الأول). رواه ابن سعد.
- وقال الزبير بن بكار: حدثني محمد بن حسن، عن أسامة بن حفص، عن يونس، عن ابن شهاب قال: «تزوج عائشة بنت أبي بكر في شوال، وأعرس بها بالمدينة في شوال على رأس ستة عشر شهراً من مهاجره إلى المدينة». رواه الطبراني في المعجم الكبير، ومحمد بن حسن بن زبالة أخباريّ متروك الحديث من بابة الواقدي.
- وقال أبو عبد الله الذهبي: (دخل بها النبي صلى الله عليه وسلم في شوال بعد بدر، ولها من العمر تسع سنين).
- - قلت: ( ظاهر ما ذكرته عائشة رضي الله عنها من سياق خبر زواجها يرجّح أنها زفت إلى النبي صلى الله عليه وسلم في السنة الأولى، وما ذكره الذهبي إن كان مستنده ما ذكره ابن زبالة؛ فليس ممن يُركن إليه).
- وقال زيد بن الحباب بن الريّان: حدثني حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: «لما تزوَّجني النبي صلى الله عليه وسلم سمَّنني أهلي بكل شيء فلم أسمن، فأطعموني القثاء والرطب فسمنت عليه أحسن السمن». رواه الطبراني في المعجم الكبير.
يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 22-05-2024, 06:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,921
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين


سِيَر أعلام المفسّرين
من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
عبد العزيز الداخل









13: سيرة أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي الأزدي (ت:59هـ)
اسمه وكنيته ونسبه
اشتهر أبو هريرة رضي الله عنه بكنيته حتى غلبت على اسمه، وقد اختلف في اسمه على أقوال كثيرة؛ ومن أسباب الاختلاف أنَّ له اسماً في الجاهلية قد هُجر فلم يشتهر ضبطه، وله اسم في الإسلام، لكن غلبت كنيته على اسمه؛ فلم يشتهر أيضاً.
فأما اسمه في الجاهلية فاختلف فيه على أقوال كثيرة أشهرها وأحظاها بالنظر قولان:
القول الأول: اسمه عبد شمس، وهو قول أبي سلمة بن عبد الرحمن من أصحاب أبي هريرة، وقول محمد بن إسحاق، وشعبة بن الحجاج، وأبي نعيم الفضل بن دُكين، وأبي مسهر الغساني، ويحيى بن معين، وأحمد بن صالح المصري، وأبي بكر ابن أبي شيبة، والبخاري، وأبي زرعة الرازي.
زاد ابن إسحاق ذكر اسم والده: صخر.
- قال حسين بن حريث: حدثنا الفضل بن موسى، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة [بن عبد الرحمن] قال: (عن أبي هريرة عبد شمس من الأزد من دوس). رواه البخاري في التاريخ الكبير.
- وقال يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق قال: حدثني بعض أصحابي عن أبي هريرة قال: (كان اسمي في الجاهلية عبد شمس بن صخر؛ فسمّيت في الإسلام عبد الرحمن). رواه البخاري في التاريخ الكبير من طريق ابن نمير عن يونس، ورواه ابن عساكر في تاريخ من طريق أحمد بن عبد الجبار عن يونس بنحوه.
- وقال محمد بن الهيثم بن حماد قاضي عُكبرا: حدثنا أبو سعيد الجعفي، قال: حدثنا ابن إدريس، عن شعبة قال: (اسم أبي هريرة عبد شمس). رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، قال: حدثنا أحمد بن عثمان الأودي قال: سمعت أبا نعيم يقول: (اسم أبى هريرة عبد شمس).
- وقال أبو زرعة الدمشقي: سمعت أبا مسهر يقول: (اسم أبي هريرة عبد شمس). رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال عباس بن محمد الدوري: سمعت يحيى بن معين يقول: (أبو هريرة اسمه عبد شمس). رواه أبو بشر الدولابي، وابن أبي حاتم.
- وقال محمد بن عثمان بن أبي شيبة: سمعت عمي أبا بكر يقول: (اسم أبي هريرة عبد شمس). رواه ابن عساكر.
- وقال أبو الفضل جعفر بن أحمد بن عبد السلام البزاز: حدثنا الحسين بن نصر قال: سمعت أحمد بن صالح يقول: (اسم أبي هريرة عبد شمس). رواه ابن عساكر.
- وقال البخاري في التاريخ الكبير: (عبد شمس أبو هريرة الدوسي اليماني رضى الله عنه نزل المدينة).
القول الثاني: عبد عمرو بن عبد غنم، وهو قول أبي حفص الفلاس.
- قال أبو حفص الفلاس: واختلفوا في اسمه، والذي صحَّ أنه عبد عمرو بن عبد غنم، رواه الزهري عن محرر بن أبي هريرة، قال: اسم أبي: (عبد عمرو بن عبد غنم).
- وقال عمر بن علي المقدمي، عن سفيان بن حسين، عن الزهري، عن المحرَّر بن أبي هريرة قال: (كان اسم أبي: عبد عمرو بن عبد غنم). رواه ابن أبي الدنيا في منازل الأشراف، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال سفيان بن حسين الواسطي، عن الزهري، عن المحرَّر بن أبي هريرة قال:(كان اسم أبي: عبد الرحمن بن غنم).رواه ابن عساكر.
- قلت: لم يذكر من رواه عن سفيان بن حسين غير عمر بن علي المقدمي، وأبو حفص الفلاس قد أدرك الرواية عن سفيان بن حسين، لكن رواية سفيان بن حسين عن الزهري معلولة، وقد اختُلف عليه مع ذلك.
- قال أبو بكر ابن خزيمة: (في رواية السيناني دلالة واضحة أن اسمه كان عبد شمس فإنه إسناد متصل، ومحمد بن عمرو عن أبي سلمة أحسن إسناداً من سفيان بن حسين عن الزهري عن المحرر، اللهم إلا إن يكون كان له اسمان قبل إسلامه، أحدهما: عبد شمس، والآخر: عبد عمرو، ولا أحسب اسمه كان بعد الإسلام عبد شمس، ولا عبد عمرو، ولست أنكر أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم غيَّر اسمه بعد الإسلام؛ فسماه عبد الله كما حكى أحمد بن حنبل عن أبي عبيدة أن اسمه عبد الله، قد كان النبي صلى الله عليه وسلم يغيّر أسامي من أسامي أهل الجاهلية، وقد أمليتُ تلك الأخبار في كتاب الأدب).رواه ابن عساكر.
- قلت: (السيناني هو الفضل بن موسى المروزي(ت:192هـ) أحد الرواة عن محمد بن عمرو بن علقمة).
وأما اسم أبي هريرة في الإسلام فقد اختلف فيه على قولين:
القول الأول: عبد الرحمن، وهو أشهر القولين، قال به ابن إسحاق، وهو الأشهر عند المحدثين.
- قال أبو بكر ابن البرقي: قال ابن هشام: (كان اسم أبي هريرة: عبد الرحمن بن صخر).رواه أبو بشر الدولابي.
- وقال أبو أحمد الحاكم: (أصحّ شيء عندنا في اسم أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر).
- وقال ابن عبد البرّ: (روى إبراهيم بن سعد، عن ابن إسحاق، قال: اسم أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر. وعلى هذه اعتمدت طائفة ألفت في الأسماء والكنى).
القول الثاني: عبد الله، وهو قول أبي خيثمة زهير بن حرب، ورواه إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس الأصبحي عن أبيه وجادة.
- وقال إسماعيل [ابن أبي أويس]: وجدت في كتاب أبي: (اسم أبي هريرة في الجاهلية عبد شمس، واسمه في الإسلام عبد الله). رواه البخاري في التاريخ الكبير.


وحُكي في اسمه أُقوال أخر:
- قال ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب قال: (اسم أبي هريرة عبد نهم بن عامر، وهو دوسي، وهو حليف لأبي بكر الصديق).رواه أبو بشر الدولابي.
- وقال أبو حاتم الرازي: حدثنا الأويسي قال: أخبرنا ابن لهيعة قال: (اسم أبي هريرة عبد نهم بن عامر). رواه ابن عساكر.
- وقال محمد بن إسماعيل بن أبي فديك: قال موسى بن يعقوب [المطلبي]: (اسم أبي هريرة: عبد الله بن عمرو بن أبي الأسود).رواه البخاري في التاريخ الكبير.
- وقال ابن أبي خيثمة: سمعت أحمد بن حنبل يقول: (أبو هريرة يقال: اسمه عبد شمس، وعبد نهم بن عامر، ويقال: عبد غنم، ويقال: سكين).
- وقال صالح بن أحمد بن حنبل: قال سمعت أبي يقول: (اسم أبي هريرة يقال: عبد شمس، ويقال: عبد نهم بن عامر، ويقال: عبد غنم، ويقال: سكين، ويقال: عبد الله).
- وقال ابن أبي خيثمة: سمعت أبي يقول: (أبو هريرة اسمه عبد الله بن شمس، ويقال: عامر).
- وقال أبو عبد الله البخاري: (قالوا: اسم أبي هريرة عبد شمس، ويقال: عبد تيم، ويقال: سكين، وعمرو، وقال غيرهم: عبد نهم).
- وقال أبو عوانة يعقوب بن إسحاق الإسفراييني(ت:316هـ): (واسمه عبد عمرو بن عبد نهم، وقيل: عامر بن عبد شمس، وقيل سكين بن عامر، وقيل: عبد الله، وقيل عبد نهم بن عامر، وقيل: عبد غنم، وقيل: عبد شمس رضي الله عنه).
- وقال: (ويقال: عبد غنم، ويقال: سكين..، ويقال: عامر بن عبد شمس، وسمي في الإسلام: عبد الله، ويقال: عبد الرحمن، ويقال: عبد عمرو بن غنم، ويقال: عبد نعم، وقيل: عبد نهم بن عامر، وقيل: عبد شمس بن عامر، وقيل: عبد شمس بن عبد عمرو، وقيل: اسمه سكين بن عمرو، وقيل: عبد الله بن عامر، من الازد ثم من دوس).
- وقال أبو عمر ابن عبد البر: (اختلفوا في اسم أبي هريرة، واسم أبيه اختلافاً كثيراً، لا يحاط به ولا يضبط في الجاهلية والإسلام).
- وقال أبو زكريا النووي: (ذكر ابن عبد البر أيضاً أنه اختُلف فيه على عشرين قولاً، وذكر غيره نحو ثلاثين قولاً، واختلف العلماء في الأصحّ منها، والأصحّ عند المحققين الأكثرين ما صحَّحه البخاري وغيره من المتقنين أنه عبد الرحمن بن صخر).
كنيته
له كنيتان: أبو هريرة، وأبو هرّ.
فأما كنيته أبو هريرة فكان يكنى بها في الجاهلية والإسلام، وأما كنيته "أبو هر" فأوّل من كناه بها النبي صلى الله عليه وسلم، وقد روي عن أبي هريرة أنه كان يحبّ أن يُكنى بها، لكن ثبت في الصحيح أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كناه بأبي هريرة أيضاً.
- قال روح بن عبادة: حدثنا أسامة بن زيد، عن عبد الله بن رافع، قال: قلت لأبي هريرة، لم كنيت أبا هريرة؟
قال: أما تفرق مني؟
قلت: بلى والله إني لأهابك.
قال: (كنت أرعى غنم أهلي، فكانت لي هُريرة صغيرة؛ فكنتُ أضعها بالليل في شجرة، فإذا كان النهار ذهبت بها معي؛ فلعبت بها فكنوني أبا هريرة). رواه الترمذي.
- وقال أحمد بن عبد الجبار: حدثنا يونس [بن بكير]، عن محمد بن إسحاق قال: حدثني بعض أصحابي عن أبي هريرة قال: (وإنما كناني بأبي هريرة أبي؛ لأني كنت أرعى غنماً فوجدتُ أولادَ هرة؛ فجعلتُها في كمّي فلما أرحت عليه غنمه سمع أصوات هرّ؛ فقال: ما هذا يا عبد شمس؟
فقلت: أولاد هرّ وجدتها.
قال: فأنت أبو هريرة؛ فلزمتني بعد). رواه ابن عساكر.
- وقال عبد الله بن المؤمل: حدثنا ابن أبي ذباب، عن أبي هريرة، قال: قال لي رسول الله: ((يا أبا هرّ)). رواه ابن أبي خيثمة.
- وقال مسدد بن مسرهد: حدثنا أبو الأحوص، قال: حدثنا ابن إسحاق، عن كميل بن زياد النخعي، عن أبي هريرة، قال: كنت أمشي مع النبي فقال لي: ((يا أبا هر)). رواه ابن أبي خيثمة.
- وقال محمد بن بكار: حدثنا أبو معشر، عن محمد بن قيس؛ قال: كان أبو هريرة يقول: (لا تكنوني أبا هريرة؛ كناني رسول الله "أبا هر").
قال: (ثكلتك أمّك، والذكر خير من الأنثى). رواه ابن أبي خيثمة.
- وقال حميد الطويل، عن بكر بن عبد الله المزني، عن أبي رافع، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جنب، فأخذ بيدي، فمشيت معه حتى قعد، فانسللت، فأتيت الرحل، فاغتسلت ثم جئت وهو قاعد، فقال: «أين كنت يا أبا هر»، فقلت له، فقال: «سبحان الله يا أبا هر إن المؤمن لا ينجس». رواه أحمد، والبخاري.
- وقال عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه قال: قلت: يا رسول الله! من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟
فقال: ((لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أوَّلَ منك، لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله، خالصاً من قبل نفسه)). رواه أحمد، والبخاري، والنسائي في الكبرى.

نشأته
- قال سليم بن حيان بن بسطام الهذلي: سمعت أبي يقول: سمعت أبا هريرة يقول: (نشأتُ يتيماً، وهاجرتُ مسكيناً، وكنت أجيراً لبسرة بنت غزوان بطعام بطني وعقبة رجلي؛ فكنت أخدم إذا نزلوا، وأحدو إذا ركبوا؛ فزوجنيها الله؛ فالحمد لله الذي جعل الدين قواماً، وجعل أبا هريرة إماماً). رواه ابن سعد، وابن ماجة، وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي في السنن الكبرى، وشعب الإيمان.

إسلامه
أسلم أبو هريرة عام خيبر، وقدم المدينةَ مهاجراً والنبي صلى الله عليه وسلم قد خرج إلى خيبر؛ فخرج إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوافاه وقد فتح الله خيبر للمسلمين.
- قال ابن أبي خيثمة: (أسلم أبو هريرة زمن خيبر).
- وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عثمان بن أبي سليمان، قال: سمعت ابن مالك قال: سمعت أبا هريرة يقول: (قدمت المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر فوجدتُ رجلاً من بني غفار يؤمّ الناس في صلاة الفجر؛ فسمعته يقرأ في الركعة الأولى بسورة مريم، وفي الثانية ب "ويل للمطففين").رواه ابن سعد.
- وقال عبد الصمد بن عبد الوارث: حدثنا أبو خلدة، قال: حدثنا أبو العالية، عن أبي هريرة، قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: ممن أنت؟
قال: قلت: من دوس.
قال: ((ما كنتُ أرى أنَّ في دوسٍ أحداً فيه خير)). رواه الترمذي، والبزار.
- قلت: كان هذا قبل أن يدعو النبي صلى الله عليه وسلم لدوس، وكان سيدهم الطفيل بن عمرو الدوسي يشكو جفاءهم وتأبّيهم عن الإسلام حتى سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو عليهم؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللهم اهد دوساً وائتِ بها))، وكان ذلك بعد إسلام أبي هريرة، وكثرت الهداية فيهم ببركة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم.
- وقال أبو أسامة حماد بن أسامة الكوفي، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: لما قدمتُ على النبي صلى الله عليه وسلم قلت في الطريق:

يا ليلة من طولها وعنائها ... على أنها من دارة الكفر نجت
قال: وأبق مني غلام في الطريق فلما قدمتُ على النبي صلى الله عليه وسلم؛ فبايعتُه فبينا أنا عنده إذ طلع الغلام؛ فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( يا أبا هريرة! هذا غلامك)).
فقلت: (هو لوجه الله؛ فأعتقته). رواه ابن سعد في الطبقات، وأبو بشر الدولابي في الكنى.
- وقال حماد بن سلمة: أخبرنا علي بن زيد، قال: أخبرنا عمار بن أبي عمار، قال: (كان أبو هريرة وأبو موسى قدما بين الحديبية وخيبر). رواه ابن أبي خيثمة.
- وقال محمد بن فليح، عن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب؛ قال: (وقد ذكروا - والله أعلم - أنه قدم على رسول الله بخيبر نفر من دوس؛ فيهم: أبو هريرة). رواه ابن أبي خيثمة.
- وقال عكرمة بن عمار: حدثنا أبو كثير [يزيد بن عبد الرحمن السحيمي]، حدثني أبو هريرة، قال: كنت أدعو أمّي إلى الإسلام وهي مشركة، فدعوتها يوماً فأسمعتني في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكره، فأتيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي.
قلت: يا رسول الله! إني كنتُ أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى علي، فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أمَّ أبي هريرة.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اهدِ أمّ أبي هريرة» فخرجت مستبشراً بدعوة نبيّ الله صلى الله عليه وسلم، فلما جئتُ فصرتُ إلى الباب، فإذا هو مجاف، فسمِعَت أمّي خشف قدمي؛ فقالت: مكانك يا أبا هريرة! وسمعت خضخضة الماء.
قال: فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها، ففتحت الباب.
ثم قالت: يا أبا هريرة! أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله.
قال: فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيته وأنا أبكي من الفرح.
قال: قلت: يا رسول الله! أبشر قد استجاب الله دعوتك، وهدى أمَّ أبي هريرة؛ فحمد الله وأثنى عليه، وقال خيراً.
قال: قلت: يا رسول الله! ادع الله أن يحببني أنا وأمي إلى عباده المؤمنين، ويحببهم إلينا، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « اللهم حبّبّ عُبيدك هذا - يعني أبا هريرة - وأمّه إلى عبادك المؤمنين، وحبب إليهم المؤمنين» فما خُلِق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلا أحبَّني). رواه أحمد، ومسلم.
- قال ابن سعد: (وأمه ابنة صفيح بن الحارث بن شابي بن أبي صعب بن هنية بن سعد بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس، وكان سعدُ بن صفيح خالُ أبي هريرة من أشداء بني دوس).

صحبته وملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم
أسلم أبو هريرة وهو شابّ عاقل فَطن؛ فرغب في ملازمة النبي صلى الله عليه وسلم، وحفظ حديثه، حتى شغله ذلك عن التكسّب، وكان مع أهل الصفّة، وصبر على ما لقي من الفاقة، ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم لزوماً شديداً منذ أسلم حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستكمل ثلاثة أعوام وأشهراً.
- قال إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: (صحبت النبيَّ صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين، ما كنت سنواتٍ قطّ أعقلَ مني ولا أحبَّ إليَّ أن أعي ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم مني فيهن).رواه أحمد، وابن سعد، ويعقوب بن سفيان.
- وقال داود بن عبد الله الأودي عن حميد الحميري أنه حدَّثهم، قال: (لقيتُ رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم صحبه أربع سنين كما صحبه أبو هريرة). رواه ابن أبي خيثمة، ويعقوب بن سفيان.
- قلت: التفاوت بسبب اطراح الأشهر الزائدة عن السنوات الثلاث أو جبرها.

مناقبه وفضائله
لأبي هريرة رضي الله عنه فضائل كثيرة ومناقب عدة؛ نالها بسبقه قومَه إلى الإسلام، وهجرته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وشدة ملازمته إياه، وحرصه على العلم، وحفظ الحديث؛ حتى امتاز به امتيازاً ظاهراً، فكان له بحديث النبي صلى الله عليه وسلم اختصاصٌ لا يُنكر، وفضل لا يخفى.
وقد شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالحرص على العلم، ودعا له بالحفظ؛ فكان لا ينسى شيئاً سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وبورك له فيما حدّث به عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى صارَ أكثر أصحابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم رواية لحديث، وتلك منقبة عظيمة له؛ إذ كلّ حديث حدّث به فهو من العلم النافع الذي تركه، وكلّ من عمل بما حدّث به فله مثل أجره مهما تسلسل التحديث عنه.
وقد دعا له النبي صلى الله عليه وسلم أن يحببه وأمه إلى المؤمنين، فكانت محبّته من علامات الإيمان، وتلك منقبة أخرى عظيمة.
- وقال الفضل بن العلاء: حدثنا إسماعيل بن أمية، عن محمد بن قيس، عن أبيه، أنه أخبره أنَّ رجلاً جاءَ زيد بن ثابت، فسأله عن شيء، فقال له زيد: عليك أبا هريرة؛ فإني بينما أنا وأبو هريرة وفلان في المسجد ذات يوم ندعو الله ونذكر ربنا خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس إلينا فسكتنا؛ فقال: « عودوا للذي كنتم فيه ».
قال زيد: فدعوتُ أنا وصاحبي قبل أبي هريرة، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤمّن على دعائنا، ثم دعا أبو هريرة، فقال: اللهم إني أسألك مثل ما سألك صاحباي هذان، وأسألك علما لا ينسى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «آمين».
فقلنا: يا رسول الله! ونحن نسأل الله علماً لا ينسى؛ فقال: «سبقكم بها الغلام الدوسي» رواه النسائي في السنن الكبرى والطبراني في الأوسط.
- وقال أبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي: حدثنا عكرمة بن عمار، قال: حدثني أبو كثير السحيمي، قال: حدثني أبو هريرة وركبتي تمس ركبته وقال لنا: والله لا يسمع بي مسلم ولا يراني إلا أحبني.
قال: قلت: وما ذاك يا أبا هريرة؟
قال: إنَّ أمّي كانت امرأةً مشركة، فذكر حديثاً طويلاً قال في آخره: قال: قلت: يا رسول الله! قد استجاب الله دعوتك! قد هدى أمَّ أبي هريرة.
قال: قلت: يا رسول الله! ادع الله أن يحببني أنا وأمي إلى عباده المؤمنين ويحببهم إلينا، قال: ((اللهم حبّبْ عبيدك وأمَّه إلى عبادك المؤمنين وحببهم إليهما)).رواه ابن أبي خيثمة بهذا السياق، وأصل الحديث في صحيح مسلم، ومسند الإمام أحمد.











__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 18-08-2024, 12:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,921
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين


سِيَر أعلام المفسّرين
من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
عبد العزيز الداخل




14: عبد الله بن عمرو بن العاص السهمي (ت:65هـ)
العالم العابد الزاهد؛ أسلم قبل أبيه، وهاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وكان حافظاً للقرآن؛ ربما قرأه في ليلة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم حتى نهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وأمره بالقصد والاعتدال
قال أبو سلمة بن عبد الرحمن: حدثني عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: كنت أصوم الدهر وأقرأ القرآن كل ليلة، قال: فإما ذُكرت للنبي صلى الله عليه وسلم، وإما أرسل إلي فأتيته، فقال لي: «ألم أُخبر أنك تصوم الدهر وتقرأ القرآن كل ليلة؟» فقلت: بلى، يا نبي الله، ولم أرد بذلك إلا الخير.
قال: «فإن بحسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام»
قلت: يا نبي الله، إني أطيق أفضل من ذلك.
قال «فإن لزوجك عليك حقا، ولزورك عليك حقا، ولجسدك عليك حقا»
قال: «فصم صوم داود نبي الله صلى الله عليه وسلم، فإنه كان أعبد الناس»
قال: قلت: يا نبي الله، وما صوم داود؟
قال: «كان يصوم يوما ويفطر يوما»
قال: «واقرأ القرآن في كل شهر»
قال: قلت: يا نبي الله، إني أطيق أفضل من ذلك.
قال: «فاقرأه في كل عشرين».
قال: قلت: يا نبي الله، إني أطيق أفضل من ذلك.
قال: «فاقرأه في كل عشر».
قال قلت: يا نبي الله، إني أطيق أفضل من ذلك.
قال: «فاقرأه في كل سبع، ولا تزد على ذلك، فإن لزوجك عليك حقا، ولزَورك عليك حقا، ولجسدك عليك حقا»
قال: فشدَّدت، فشُدِّد علي.
قال: وقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: «إنك لا تدري لعلك يطول بك عُمُر».
قال: «فصرت إلى الذي قال لي النبي صلى الله عليه وسلم، فلما كبرت وددت أني كنت قبلت رخصة نبي الله صلى الله عليه وسلم» رواه مسلم.
قال ابن أبي مليكة: قال طلحة بن عبيد الله: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (نعم أهل البيت عبد الله وأبو عبد الله وأم عبد الله). رواه الإمام أحمد، وله شاهد من حديث عقبة بن عامر.
قال أبو معاوية الضرير: حدثنا الأعمش عن خيثمة قال: انتهيت إلى عبد الله بن عمرو بن العاص وهو يقرأ في المصحف. قال فقلت: أي شيء تقرأ؟
قال: جزئي الذي أقوم به الليلة). رواه ابن سعد.
وقد أَذن له النبي صلى الله عليه وسلم في كتابة الحديث؛ فكان يكتب ما يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، فكتب حديثاً كثيراً، وكانت عنده صحيفة يسميها الصادقة.
- عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: قلت: يا رسول الله، أكتب ما أسمع منك؟، قال: نعم، قلت: في الرضا والسخط؟، قال: نعم، فإنه لا ينبغي لي أن أقول في ذلك إلا حقا). رواه الإمام أحمد والحاكم.
- قال همام بن منبّه: سمعت أبا هريرة، يقول: «ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد أكثر حديثا عنه مني، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب» رواه البخاري.
- سليمان بن بلال عن صفوان بن سليم عن عبد الله بن عمرو قال: استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في كتابة ما سمعته منه فأذن لي فكتبته؛ فكان عبد الله يسمي صحيفته تلك الصادقة. رواه ابن سعد.
- قال معن بن عيسى: أخبرنا إسحاق بن يحيى بن طلحة عن مجاهد قال: رأيت عند عبد الله بن عمرو بن العاص صحيفة فسألت عنها فقال: هذه الصادقة! فيها ما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس بيني وبينه فيها أحد). رواه ابن سعد في الطبقات.
- اجتهد في العلم والعبادة وتلاوة القرآن ولزم ذلك حتى كبرت سنّه، ولم يترك ذلك خشية أن يترك شيئاً فارق عليه النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان معروفاً بتواضعه؛ وحسن خلقه؛ قال سليمان بن ربيعة الغنوي: (كنا نُحدَّث أنه أشد الناس تواضعاً). ذكره الذهبي.
- تعلّم اللسان السرياني، وأصاب يوم اليرموك زاملتين من كتب أهل الكتاب؛ فقرأ في كتبهم؛ لكنّه لم يكن كثير التحديث منها؛ فمروياته من أخبار بني إسرائيل قليلة غير كثيرة؛ وأكثر ما يرويه في التفسير إما مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإما من اجتهاده في التفسير.
قال همام بن يحيى: حدثنا قتادة عن الحسن عن شريك بن خليفة قال: (رأيت عبد الله بن عمرو يقرأ بالسريانية). رواه ابن سعد.
من مروياته في التفسير:
أ: شعبة، عن يعلى بن عطاء، عن يحيى بن قمطة، عن عبد الله بن عمرو: {فلنولينك قبلة ترضاها} حيال ميزاب الكعبة). رواه ابن جرير.
ب: عوف بن أبي جميلة عن أبي المغيرة القواس، عن عبد الله بن عمرو قال: (إن ابني آدم اللذين قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر، كان أحدهما صاحب حرث، والآخر صاحب غنم. وأنهما أمرا أن يقربا قربانا، وإن صاحب الغنم قرب أكرم غنمه وأسمنها وأحسنها طيبة بها نفسه وإن صاحب الحرث قرب شر حرثه) رواه ابن جرير.

وممن روى عنه التفسير: حفيده شعيب بن محمد، وأبو عبد الرحمن الحبلي، وسعيد بن المسيب، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وعروة بن الزبير، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وحميد بن عبد الرحمن بن عوف، وعمرو بن ميمون الأودي، وابن أبي مليكة، وعبد الرحمن بن جبير بن نفير، وعامر الشعبي، وبشر بن شغاف التميمي، وأبو أيّوب الأزدي، وأبو يحيى الأعرج، وعيسى بن هلال الصدفي، ومعدان بن أبي طلحة اليعمري، وسالم بن أبي الجعد، والهيثم بن الأسود، وشفيّ الأصبحي، ويحيى بن قمطة، وعمرو بن عاصم، ونافع بن عاصم، وفاطمة السهمية، وعطية العوفي، وشهر بن حوشب.
وحدّث عنه أيضاً: نوف البكالي، ووهب بن جابر الخيواني، وأبو قلابة الجرمي، وفي رواية هؤلاء عنه بعض الإسرائيليات.
وأرسل عنه: الحسن البصري، ومجاهد، وقتادة السدوسي، وبكر بن سوادة، وأبو الزبير المكي محمد بن مسلم بن تدرس، ومكحول، والأعمش.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 23-09-2024, 05:09 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,921
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين




سِيَر أعلام المفسّرين
من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
عبد العزيز الداخل


15: عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي (ت:68هـ)
ابن عمّ النبي صلى الله عليه وسلم، وخادمه، وأبو الخلفاء العباسيين.
ولد في شعب بني هاشم، وهم محصورون فيه قبل الهجرة بثلاث سنين.
هاجر مع أبيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قبل فتح مكة؛ فلقيه بالجحفة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قادم إلى مكة بجيش الفتح؛ على ما ذكره غير واحد من أهل السير.
ثم لزم رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر حياته، وكان غلاماً ذكيّا فطناً حافظاً؛ حريصاً على العلم والتفقّه في الدين؛ وكان من حرصه على العلم أن سأل خالته ميمونة بنت الحارث أمّ المؤمنين أن يبيت عندها ليلة من الليالي التي يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها ليرى عمله في الليل؛ فأذنت له، والقصّة مروّية في صحيح مسلم.
وهذا يدلّ على أنّه كان يتتبّع هدي النبي صلى الله عليه وسلم جُهده.
وحفظ المفصَّل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالحكمة والفقه في الدين والعلم بالتأويل.
- قال هُشيم: أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما، «جمعت المحكم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم»، فقلت له: وما المحكم؟ قال: «المفصل» رواه البخاري.
- قال هاشم بن القاسم: حدثنا ورقاء، عن عبيد الله بن أبي يزيد، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الخلاء، فوضعتُ له وضوءا قال: «من وضع هذا؟»
فأخبر فقال: «اللهم فقهه في الدين»
- وعن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كنت في بيت ميمونة بنت الحارث؛ فوضعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم طهورا فقال: "من وضع هذا"؟
قالت ميمونة: عبد الله.
فقال صلى الله عليه وسلم: "اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل). رواه أحمد وابن حبان.
- عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ضمني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «اللهم علمه الكتاب» رواه البخاري، وفي رواية في الصحيح أيضاً: «اللهم علمه الحكمة»
- عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، قال: سُئل ابن عباس: مثل من أنت حين قبض النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: «أنا يومئذ مختون» قال: وكانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك). رواه البخاري.
يدرك: يبلغ سنّ الاحتلام.
وفي رواية أنه كان ابن عشر سنين، وقد أعلّها أبو حاتم، والأقرب ما تقدّم.

ومن دلائل حرصه على طلب العلم أنّه لمّا رأى أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قد توفّي اجتهد في طلب العلم عند كبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- قال يعلى بن حكيم، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: «لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت لرجل من الأنصار: يا فلان هلم فلنسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فإنهم اليوم كثير».
فقال: واعجبا لك يا ابن عباس، أترى الناس يحتاجون إليك، وفي الناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من ترى؟!! فتركَ ذلك، وأقبلتُ على المسألة، فإن كان ليبلغني الحديث عن الرجل فآتيه وهو قائل؛ فأتوسد ردائي على بابه؛ فتسفي الريح على وجهي التراب، فيخرج، فيراني، فيقول: يا ابن عم رسول الله ما جاء بك؟
ألا أرسلت إلي فآتيك؟
فأقول: لا، أنا أحق أن آتيك. فأسأله عن الحديث.
قال: فبقي الرجل حتى رآني، وقد اجتمع الناس علي؛ فقال: «كان هذا الفتى أعقل مني» رواه الدارمي.
- وقال سليمان الأحول، عن طاووس بن كيسان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «إن كنت لأسأل عن الأمر الواحد ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم». رواه الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
- قال جرير بن عبد الحميد الضبي، عن المغيرة بن مقسم الضبي، قال: قيل لابن عباس كيف أصبت هذا العلم؟
قال: «بلسان سؤول، ‌وقلب ‌عقول». رواه عبد الله بن الإمام أحمد في فضائل الصحابة لأبيه، والبيهقي في المدخل، وفيه انقطاع، ورواه المعافى بن زكريا في الجليس الصالح من طريق الأصمعي، عن عبد الحميد بن الحسن الهلالي، عن مغيرة، عن الشعبي، عن ابن عباس.
- وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن الزهري قال: قال المهاجرون لعمر ألا تدعو أبناءنا كما تدعو ابن عباس؟
قال: «ذاك ‌فتى ‌الكهول! إنَّ له لساناً سؤولاً، وقلباً عقولاً». رواه عبد الرزاق في مصنفه، وأحمد في فضائل الصحابة، وابن أبي شيبة في مصنفه، وغيرهم.
وكان الصحابة يعرفون له حرصه على طلب العلم وفطنته وذكاءه؛ وكان حسن الخلق متواضعاً لا يؤذي أحداً، ولا يعسّر على أحد، يأتي العالم في محلّه، ويجلّه ويبجّله، ويتفطّن لما يعنيه في طلب العلم؛ فكان علماء الصحابة يحبّونه ويقرّبونه؛ حتى حصّل علماً كثيراً مباركاً.
- عن أبي بشر اليشكري عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: (كان عمر يأذن لي مع أهل بدر).
- وروى يحيى بن اليمان عن عبد الملك بن سليمان عن سعيد بن جبير قال: قال عمر لابن عباس: (لقد علمت علما ما علمناه). ذكره الذهبي في تاريخ الإسلام وقال: سنده صحيح.
- قال الشعبي: قال ابن عباس: قال لي أبي: يا بني، إن عمر يدنيك، فاحفظ عني ثلاثا: (لا تفشين له سرا، ولا تغتابن عنده أحدا، ولا يجربن عليك كذبا).
- عن عامر بن سعد بن أبي وقاص قال: سمعت أبي يقول: (ما رأيت أحدا أحضر فهما ولا ألبَّ لبا، ولا أكثر علما، ولا أوسع حلما من ابن عباس! ولقد رأيت عمر بن الخطاب يدعوه للمعضلات ثم يقول: عندك قد جاءتك معضلة. ثم لا نجاوز قوله وإن حوله لأهل بدر من المهاجرين والأنصار). رواه ابن سعد في الطبقات عن شيخه الواقدي، والواقدي متكلّم فيه.
- عن الأعمش، عن مسلم بن صبيح، عن مسروق قال: قال عبد الله، «نعم ترجمان القرآن ابن عباس، لو أدرك أسناننا ما عشره منا رجل» رواه أحمد فضائل الصحابة.
قال إبراهيم الحربي: (يقول: (لو أدرك أسناننا): لو كان في السن مثلنا ما بلغ أحدٌ منا عُشْرَه في العلم).
قال ابن كثير: (وقد مات ابن مسعود رضي الله عنه في سنة اثنتين وثلاثين على الصحيح، وعمر بعده ابن عباس ستا وثلاثين سنة؛ فما ظنك بما كسبه من العلوم بعد ابن مسعود رضي الله عنه؟!!).
- قال أبو نعيم: حدثنا صالح بن رستم، عن ابن أبي مليكة، قال: صحبت ابن عباس من مكة إلى المدينة ومن المدينة إلى مكة، وكان يصلي [الفريضة] ركعتين؛ فإذا نزل قام شطر الليل، ويرتّل القرآن يقرأ حرفا حرفا، ويكثر في ذلك من النشيج والنحيب). رواه أحمد في فضائل الصحابة وابن أبي شيبة في مصنفه والبيهقي في شعب الإيمان.
- وقال حماد بن زيد: حدثنا أيوب، عن إبراهيم بن ميسرة، عن طاووس قال: (ما رأيت أحدا أشدَّ تعظيما لمحارم الله من ابن عباس. ولو أشاء أن أبكي إذا ذكرته لبكيت). رواه ابن سعد.
وكانت له كتب وصحف بقيت بعد وفاته عند مولاه كريب.
- قال موسى بن عقبة: وضع عندنا كُريب حمل بعير، أو عدل بعير - من كتب ابن عباس؛ فكان علي بن عبد الله بن العباس إذا أراد الكتاب كتب إليه: (ابعث إليَّ بصحيفة كذا وكذا؛ فينسخها ويبعث إليه بإحداهما). رواه ابن أبي خيثمة.
كُف بصره في آخر عمره، وسكن الطائف، وبها توفّي سنة 68 هـ ، وقد جاوز السبعين.
روي من طرق متعددة أنه لما مات ابن عباس جاء طائر أبيض، فدخل في أكفانه.
مما روي عنه في التفسير:
أ: عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، في قوله تعالى: {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس} قال: «هي رؤيا عين، أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به إلى بيت المقدس»، قال: {والشجرة الملعونة في القرآن} قال: «هي شجرة الزقوم» رواه البخاري.
ب: منصور، عن مجاهد، عن ابن عباس، {فيما عرضتم به من خطبة النساء} يقول: «إني أريد التزويج، ولوددت أنه تيسر لي امرأة صالحة» رواه البخاري.
ج: عن عمرو بن دينار، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كانت في بني إسرائيل قصاص ولم تكن فيهم الدية، فقال الله لهذه الأمة: {كتب عليكم القصاص في القتلى} - إلى هذه الآية - {فمن عفي له من أخيه شيء} قال ابن عباس: «فالعفو أن يقبل الدية في العمد» قال: {فاتباع بالمعروف} :«أن يطلب بمعروف ويؤدي بإحسان» رواه البخاري.

روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن الخلفاء الراشدين وعن عائشة وميمونة وأبيّ بن كعب وابن مسعود وزيد بن ثابت، وأبي طلحة، وأبي ذر، وأسامة بن زيد، وأبي هريرة، وجماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروى عنه في التفسير خلق كثير؛ منهم: مجاهد بن جبر، وعكرمة، وعطاء بن أبي رباح، وطاووس بن كيسان، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وأربدة التميمي، ومقسم بن بَجَرة، ويوسف بن مهران، وعطاء بن يسار، وأبو الجوزاء، وزر بن حبيش، ومحمد بن كعب القرظي، والحكم بن عتيبة، وأبو عثمان النهدي، وأبو العالية الرياحي، وأبو صالح مولى أم هانئ، وعمرو بن دينار، وأبو الضحى.
وأرسل عنه: الزهري، والضحاك بن مزاحم، وعلي بن أبي طلحة، والحسن البصري، وابن سيرين، وقتادة، وأيوب السختياني، ومكحول، وعطاء الخراساني، وابن جريج، ومحمد بن السائب الكلبي، وأبو نصر الأسدي، والحسن بن عبد الله العرني.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 02-12-2024, 01:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,921
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين


سِيَر أعلام المفسّرين
من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
عبد العزيز الداخل


سيرة عبد الله بن الزبير بن العوام الأسدي القرشي(ت:73هـ) ) رضي الله عنه
16: عبد الله بن الزبير بن العوام الأسدي القرشي (ت:73هـ)


هو أوّل مولود ولد للمسلمين بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، فرح المسلمون بودلاته، وحنّكه النبي صلى الله عليه وسلم بتمرة، وسمّاه عبد الله، وأمّه أسماء بنت أبي بكر الصديق، وكان أبوه الزبير يشبّهه بأبي بكر.
كان من أهل العلم والجهاد، اختاره عثمان في كَتَبة المصاحف العثمانية، وشغل بالجهاد في مواطن كثيرة حتى غزا أفريقية وغيرها، ثم عاد إلى المدينة، وكان مع عثمان يوم الدار، واستخلفه على الصلاة بأهل الدار لما حُصر، وقاتلَ ذلك اليوم دفاعاً عن عثمان وجرح بضعة عشر رجلاً، وشهد وقعة الجمل مع أبيه، ثمّ عاد إلى المدينة، ولم يزل مقيماً بها حتى توفي معاوية بن أبي سفيان سنة 60هـ، ثم دُعي إلى بيعة يزيد بن معاوية فخرج إلى مكة، وأقام بها مدة حتى جرت بينه وبين يزيد بن معاوية فتنة انتهت بأن دعا إلى نفسه بعد موت يزيد سنة 64هـ؛ فبويع بالخلافة وغلب على الحجاز واليمن والعراق ومصر، وبقي في مكة معلماً ومقرئاً وحاكماً إلى أن قتله الحجاج سنة 73هـ في أيام عبد الملك بن مروان، وذلك نحو تسع سنين.

وكان قارئاً عابداً فقيهاً عالماً بالقرآن والسنن، حَسَن الصلاة والقراءة، وقد شُغل بالجهاد في الفتوح ثم حروب الفتن عن كثير من العلم، وكان على ذلك يُعلّم ويُفتي ويقرئ، وقد رويت عنه حروف في القراءة، وله أقوال في التفسير مروية في كتب التفسير المسندة.
ولما استقرّ له الأمر في مكة كان إمامَهم وخطيبَهم، وأقرّ عبدَ الله بن السائب على إمامة الناس في قيام رمضان.
- قال محمد بن المرتفع العبدري: سمعت ابن الزبير يقول: (يا معشر الحاج سلوني؛ فعلينا كان التنزيل، ونحن حضرنا التأويل). رواه ابن سعد.
- وقال أحمد بن يونس: حدثنا الزنجي بن خالد، عن عمرو بن دينار، قال: (ما رأيت مصلّيا أحسن صلاة من ابن الزّبير). رواه ابن أبي خيثمة.
- وقال سلمة بن شبيب: سمعت عبد الرزاق يقول: (أخذ أهل مكةَ الصلاةَ عن ابن جريج، وأخذها ابن جريج عن عطاء، وأخذها عطاء عن ابن الزبير، وأخذها ابن الزبير من أبي بكر الصديق، وأخذ أبو بكر الصديق، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأخذها النبي صلى الله عليه وسلم عن جبريل عليه السلام).
قال عبد الرزاق: (وما رأيت أحدا أحسن صلاةً من ابن جريج، كان يصلي ونحن خارجين فنرى كأنه اسطوانة وما التفت يمينا ولا شمالا). رواه ابن عساكر.
- قال ابن وهب: أخبرني مالك قال: كان عبد الله بن الزبير يؤم الناس بمكة، فكان يقرأ قراءة؛ فعاب عليه بعض الناس قراءته، وقالوا له: إن الناس يقرأون غير هذه القراءة؛ فقال: (وددت أني أقرأ قراءتكم، ولكن جرى لساني على هذه القراءة).
روى ابن الزبير عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أبيه الزبير، والخلفاء الراشدين، وخالته عائشة وغيرهم.
ممن روى عنه حروفاً في القراءات: مجاهد، وعمرو بن دينار، وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، وعبيد الله بن أبي يزيد.
وروى عنه في التفسير: أخوه عروة بن الزبير، وأبناؤه عامر وعباد، وأبناء عروة هشام ومحمد، وابن أبي مليكة، ومحمد بن المرتفع العبدري، وعمرو بن دينار، وعطاء بن أبي رباح، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، ووهب بن كيسان، ومصعب بن شيبة، وإسحاق بن سويد، وأبو الزبير المكي، ومعقل بن داوود، وسليط بن عبد الله بن يسار، وابن شهاب الزهري، وغيرهم.
وابن إسحاق له نسخة في التفسير يرويها عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن جدّه.
وأرسل عنه: ابن أخيه محمد بن جعفر بن الزبير، وسفيان الثوري، ومالك بن أنس.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 03-12-2024 الساعة 04:36 AM.
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 30-12-2024, 04:04 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,921
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين



سِيَر أعلام المفسّرين
من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
عبد العزيز الداخل




سيرة عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي القرشي (ت:74هـ) رضي الله عنهما


18 سيرة أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي القرشي (ت:74هـ)



اسمه ونسبه:
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزّى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عديّ بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر، القرشيّ المضري.
يلتقي نسبه مع النبي صلى الله عليه وسلم في كعب بن لؤيّ.
وهو شقيق أمّ المؤمنين حفصة بنت عمر، أمّهما زينب بنت مظعون بن حبيب الجُمَحِية القرشية، وكانت من المهاجرات.

مولده ونشأته وإسلامه:
ولد بمكّة قبل الهجرة بعشر سنين، وأسلم بمكة وهو غلام صغير، وشهد إسلام أبيه عمر بن الخطاب، ثمّ هاجر معه إلى المدينة.
- قال سفيان بن عيينة: قال عمرو بن دينار: قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: لما أسلم عمر اجتمع الناس عند داره، وقالوا: صبا عمر، وأنا غلام فوق ظهر بيتي، فجاء رجل عليه قباء من ديباج، فقال: قد صبا عمر فما ذاك، فأنا له جار.
قال: (فرأيت الناس تصدعوا عنه؛ فقلت: من هذا؟ قالوا: العاص بن وائل). رواه البخاري.
- وقال عبد الله بن وهب: حدثني عمر بن محمد قال: أخبرني جدي زيد بن عبد الله بن عمر، عن أبيه قال: بينما هو في الدار خائفاً، إذ جاءه العاص بن وائل السهمي أبو عمرو، عليه حلَّة حَبِرة وقميص مكفوف بحرير، وهو من بني سهم، وهم حلفاؤنا في الجاهلية.
فقال له: ما بالك؟
قال: زعم قومك أنهم سيقتلوني إن أسلمت.
قال: لا سبيل إليك.
بعد أن قالها أمنتُ؛ فخرج العاص فلقيَ الناسَ قد سال بهم الوادي؛ فقال: أين تريدون؟ فقالوا: نريد هذا ابن الخطاب الذي صبا، قال: لا سبيل إليه؛ فكرَّ الناس). رواه البخاري.

مناقبه وفضائله:
لابن عمر رضي الله عنهما مناقب كثيرة؛ منها هجرته مع أبيه، وشهوده الخندق وما بعدها من المشاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم، وشهوده بيعة الرضوان، وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم عنه أنه رجل صالح.
- قال عبد الرزاق، عن الزهري، عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: كان الرجل في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى رؤيا قصَّها على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فتمنيت أن أرى رؤيا أقصها على النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: وكنت غلاما شاباً عزباً، وكنت أنام في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيت في النوم كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر، وإذا لها قرنان كقرني البئر، وإذا فيها ناس قد عرفتهم، فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار، أعوذ بالله من النار، أعوذ بالله من النار.
قال: فلقيهما مَلَك؛ فقال لي: لم تُرَع.
فقصصتها على حفصة، فقصّتها حفصة، على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل».
قال سالم: (فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلا). متفق عليه.
وفي رواية في صحيح البخاري من طريق يونس بن يزيد الأيلي عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، عن أخته حفصة أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال لها: «إنَّ عبد الله رجلٌ صالح».

- وقال عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وهي مثل المسلم، حدثوني ما هي؟» فوقع الناس في شجر البادية، ووقع في نفسي أنها النخلة.
قال عبد الله: فاستحييت، فقالوا: يا رسول الله، أخبرنا بها؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هي النخلة»
قال عبد الله: فحدثت أبي بما وقع في نفسي، فقال: «لأن تكون قلتَها أحبّ إليّ من أن يكون لي كذا وكذا» رواه البخاري ومسلم.

بعض أخباره زمن النبي صلى الله عليه وسلم:
كان ابن عمر وهو شابّ أعزب ينام في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ليكون أقرب إليه، وكان المسجد مجمع عامّة المسلمين وكبار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ فأصاب علماً كثيراً على حداثة سنّه؛ نشأ في عبادة الله مع أكرم صحبة، وفي أحسن منبت بعد بيت النبوة، وكان حريصاً على ملازمة النبي صلى الله عليه وسلم واتّباع هديه؛ فكان يحضر مجالس النبي صلى الله عليه وسلم، ويصحبه في بعض شؤونه، ويخدمه.
- قال عبيد الله بن عمر العمري: حدثني نافع، قال: أخبرني عبد الله بن عمر «أنه كان ينام وهو شاب أعزب لا أهل له في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم» رواه البخاري.

جهاده ومشاهده مع النبي صلى الله عليه وسلم:
عُرض على النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر فردّه لصغر سنّه؛ ثمّ عرض عليه في أحد فردّه؛ ثم عرض عليه في غزوة الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة فأجازه؛ ثمّ لم يُعلم أنّه تخلّف عن غزاة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فشهد بعد الخندق غزوةَ بني المصطلق، وبيعة الرضوان، وغزوة خيبر، وفتح مكة، وغزوة حنين، وحصار الطائف، وغزوة تبوك، وغيرها.
وغزا في سرايا بعث بها النبي صلى الله عليه وسلم منها غزوة مؤتة، وغزوة إلى نجد، وغيرهما.
ولما دخل النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة في يوم الفتح ومعه بلال وأسامة بن زيد وعثمان بن طلحة، وأغلق الباب ثم صلى في جوف الكعبة، ثم خرج؛ وابتدر الناس إلى الكعبة كان أوّل من دخل بعدهم عبد الله بن عمر؛ فوجد بلالاً وراء الباب قائماً؛ فسأله: أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأشار له إلى المكان الذي صلى فيه، والخبر في صحيح البخاري.
وحجّ مع النبي صلى الله عليه وسلم حجّة الوداع، واعتمر مع النبي صلى الله عليه وسلم عُمَرَه كلَّها.
قالت عائشة رضي الله عنها: (ما اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم عمرة إلا وهو شاهده) رواه البخاري ومسلم.
فكان من أعلم الصحابة بمناسك الحجّ والعمرة؛ لشدّة حرصه على معرفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم واتّباعه.
ثم جاهد في زمان الخلفاء الراشدين وبعده، فقاتل المرتدّين في زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وشهد يوم اليمامة.
ثم شهد القادسية، واليرموك، وفتح بيت المقدس، وفتح مصر، وبارز في عهد عمر دهقاناً من دهاقنة الفرس فقتله.
ثم غزا في بلاد فارس مراراً، حتى بلغ أذربيجان.

وقد روي في كلّ ما تقدّم أحاديث وآثار يطول المقام بتقصّيها.
- قال عبيد الله العمري: أخبرني نافع عن ابن عمر قال: (عرضني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد في القتال، وأنا ابن أربع عشرة سنة، فلم يُجِزْني، وعرضني يوم الخندق، وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني). رواه البخاري ومسلم.
- وقال عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، عن أبيه، أن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: «أول يوم شهدته يوم الخندق»رواه البخاري.
- وقال مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال حين خرج إلى مكة معتمرا في الفتنة: «إن صددت عن البيت صنعنا كما صنعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأهل بعمرة من أجل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أهل بعمرة عام الحديبية» رواه البخاري ومسلم.
- وقال عبد الله بن عون: كتبت إلى نافع؛ فكتب إلي: «إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أغار على بني المصطلق وهم غارّون، وأنعامهم تسقى على الماء، فقتل مقاتلتهم، وسبى ذراريهم، وأصاب يومئذ جويرية» حدثني به عبد الله بن عمر، وكان في ذلك الجيش). رواه البخاري ومسلم.
- وقال عبد الله بن سعيد [بن أبي هند]، عن نافع، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: أمّر رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة مؤتة زيدَ بن حارثة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن قتل زيد فجعفر، وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة».
قال عبد الله: (كنت فيهم في تلك الغزوة، فالتمسنا جعفر بن أبي طالب، فوجدناه في القتلى، ووجدنا ما في جسده بضعا وتسعين، من طعنة ورمية). رواه البخاري.
- وقال جرير بن حازم عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: (أصبنا يوم اليرموك طعاماً وعلفاً فلم يُقسم). رواه ابن عساكر.
- وقال أبو سعيد بن يونس: (شهد الفتح بمصر واختط بمصر، وروى عنه أكثر من أربعين رجلاً من أهل مصر).
- وقال الخطيب البغدادي: (خرج إلى العراق فشهد يوم القادسية ويوم جلولاء وما بينهما من وقائع الفرس وورد المدائن).
- وقال عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر (أنه أقام بأذربيجان ستة أشهر حبسه بها الثلج؛ فكان يقصر الصلاة). رواه عبد الرزاق وابن سعد.
- وقال أبو إسحاق الفزاري، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر أنه قال: (أريح علينا الثلج ونحن بأذربيجان ستة أشهر في غزاة).
قال ابن عمر: (وكنا نصلي ركعتين). رواه البيهقي في السنن الكبرى.
وغزوة أذربيجان اجتمع عليها جند العراق وجند الشام، وكانت في آخر خلافة عمر وأوّل خلافة عثمان.

أخباره في خلافة عثمان بن عفان:
كان ابن عمر مع صلاحه وورعه عاقلاً رشيداً حسن الرأي، أوصى عمر أن يشهد مشورة الستة الذين أوصى أن يختاروا من بينهم رجلاً للخلافة من بعده؛ فاجتمع رأيهم على عثمان.
واجتهد عثمان في توليته القضاء فأبى أشدّ الإباء، حتى قال لعثمان: أما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((من عاذ بالله فقد عاذ بمعاذ؟))
فقال عثمان: (بلى).
فقال: (فإني أعوذ بالله أن تستعملني فأعفاه). والقصة في مسند الإمام أحمد ومعجم الطبراني.
وبقي مشتغلاً في زمن عثمان بالجهاد في سبيل الله والعبادة.
- ولمّا حوصر عثمان تقلّد سيفه ليقاتل دونه؛ ولكن عثمان عزم على الصحابة أن لا يراق بسببه دم.

علمه وفقهه:
كان ابن عمر من علماء الصحابة ومن أهل الفتوى فيهم، وقد حدّث عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أكابر أصحابه فأكثر وأطاب، حتى عُدَّ من القلّة المكثرين من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وأفتى ونصح وجاهد، واجتهد في فعل الخيرات، والتعبد بأنواع العبادات، وعمّر حتى انتفع خلق كثير بعلمه وهديه.
- قال زيد بن أبي أنيسة، عن القاسم بن عوف الشيباني، قال: سمعت ابن عمر، يقول: «لقد عشنا برهة من دهرنا وإنَّ أحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم فيتعلَّم حلالها وحرامها، وما ينبغي أن يوقف عنده فيها كما تعلَّمون أنتم القرآن، ثم لقد رأيت رجالاً يُؤتَى أحدهم القرآن فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يدري ما آمره ولا زاجره، ولا ما ينبغي أن يوقف عنده منه، ينثره نثر الدقل». رواه الطحاوي والحاكم والبيهقي.
- وقال أبو المليح، عن ميمون بن مهران (أن ابن عمر تعلم سورة البقرة في أربع سنين). رواه ابن سعد.
- وقال عبد الله بن وهب عن الإمام مالك بن أنس قال: (أقام ابن عمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم ستين سنة يفتي الناس في الموسم وغير ذلك).
وقال: (وكان ابن عمر من أئمة الدين). رواه الخطيب البغدادي.

توقّيه في الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم:
كان ابن عمر على سعة علمه وكثرة حديثه واجتهاده في اتّباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم حريصاً على التثبت في الفتيا وأداء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم كما سمعه بلفظه، ولا يجد غضاضة إذا سُئل عما لا يعلم أن يقول لا أعلم.
- قال مصعب بن سلام: حدثنا محمد بن سوقة: سمعت أبا جعفر [محمد بن علي] يقول: كان عبد الله بن عمر إذا سمع من نبي الله صلى الله عليه وسلم شيئاً أو شهد معه مشهداً، لم يقصر دونه أو يعدوه، قال: فبينما هو جالس وعبيد بن عمير يقص على أهل مكة، إذ قال عبيد بن عمير: مثل المنافق كمثل الشاة بين الغنمين، إن أقبلت إلى هذه الغنم نطحتها، وإن أقبلت إلى هذه نطحتها، فقال عبد الله بن عمر: ليس هكذا، فغضب عبيد بن عمير، وفي المجلس عبد الله بن صفوان، فقال: يا أبا عبد الرحمن، كيف قال رحمك الله؟
فقال: قال: ((مثل المنافق مثل الشاة بين الربيضين، إن أقبلت إلى ذا الربيض نطحتها، وإن أقبلت إلى ذا الربيض نطحتها)).
فقال له: رحمك الله هما واحد.
قال: كذا سمعت، كذا سمعت). رواه أحمد.
- وقال سفيان بن عيينة: حدثنا محمد بن سوقة، عن محمد بن علي أنه سمعه، يقول: (كان ابن عمر إذا سمع شيئاً لم يزد فيه، ولم ينقص منه، ولم يجاوزه إلى غيره، ولم يقصر عنه). رواه الحميدي.
- وقال زهير بن معاوية: سمعت محمد بن سوقة يذكر عن أبي جعفر محمد بن علي قال: (لم يكن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد أحذر إذا سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ألا يزيد فيه، ولا ينقص منه، ولا، ولا، من عبد الله بن عمر). رواه ابن سعد.
- وقال يزيد بن هارون: أخبرنا شعبة، عن عبد الله بن أبي السفر، عن الشعبي، قال: (جالست ابن عمر سنة؛ فما سمعته يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً). رواه ابن سعد.
- وقال سفيان بن عيينة: قال لي ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: صحبت ابن عمر إلى المدينة فلم أسمعه يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا حديثاً واحداً، قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتي بجمّار، فقال: «إن من الشجر شجرة مثلها كمثل المسلم» فأردت أن أقول: هي النخلة، فإذا أنا أصغر القوم فسكتّ.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «هي النخلة» رواه البخاري ومسلم.
- وقال عمران بن حدير، عن أبي مجلز، عن ابن عمر، قال: (أيها الناس إليكم عني؛ فإنّي قد كنتُ مع من هو أعلم مني، ولو علمتُ أني أبقى فيكم حتى تفضوا إليَّ لتعلَّمتُ لكم). رواه ابن سعد.
- وقال عبد العزيز بن أبي رواد: أخبرني نافع أن رجلا سأل ابن عمر عن مسألة فطأطأ ابن عمر رأسه ولم يجبه حتى ظنَّ الناس أنه لم يسمع مسألته.
قال: فقال له: يرحمك الله أما سمعت مسألتي؟
قال: (بلى ولكنكم كأنكم ترون أن الله ليس بسائلنا عما تسألوننا عنه!! اتركنا يرحمك الله حتى نتفهَّم في مسألتك؛ فإن كان لها جواب عندنا، وإلا أعلمناك أنه لا علم لنا به). رواه ابن سعد.
- وقال هشام بن عروة عن أبيه قال: سئل ابن عمر عن شيء فقال: (لا علم لي به) فلما أدبر الرجل قال لنفسه: (سُئل ابن عمر عما لا علم له به؛ فقال لا علم لي به). رواه ابن سعد، وروى نحوه ابن عساكر من طريق الأعمش عن مجاهد عن ابن عمر.
- وقال أحمد بن محمد الأزرقي: حدثنا عمرو بن يحيى عن جده قال: سئل ابن عمر عن شيء فقال: لا أدري؛ فلما ولى الرجل أفتى نفسه؛ فقال: (أحسن ابن عمر، سئل عما لا يعلم فقال لا أعلم). رواه ابن سعد.

مذهبه في كتابة العلم:
كان ابن عمر رحمه الله لا يُحبّ أن يُكتب عنه شيء، ولا أن ينقل قوله، ويغضب من ذلك، وروي أنه كانت له صحفاً ينظر فيها لخاصة نفسه.
- قال عفّان: حدّثنا شعبة عن أيوب عن سعيد بن جبير قال: كنت أسأل ابن عمر في صحيفة، ولو علم بها كانت الفيصل بيني وبينه، قال: فسألته عن الإيلاء؛ فقال: (أتريد أن تقول: قال ابن عمر، وقال ابن عمر؟!).
قال: قلت: نعم، ونرضى بقولك ونقنع.
قال: (يقول في ذلك الأمراء). رواه ابن سعد.
- وقال أبو حمزة السكري، عن إبراهيم الصائغ، عن نافع (أن ابن عمر كان لا يخرج من بيته غدوة حتى ينظر في كتبه). رواه البخاري في التاريخ الكبير، والبيهقي في المدخل إلى السنن، وهذا إسناد جيد.

حرصه على اتّباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم:
مما اشتهر عن ابن عمر وعرف به حبّه الشديد للنبي صلى الله عليه وسلم، وحرصه على اتباع هديه، في كبير أموره وصغيرها، حتى كان في سفره للحجّ والعمرة يحرص على تتبع آثار النبي صلى الله عليه وسلم، والصلاة في المواضع التي صلى فيها، ويتوخّى ذلك أشدّ التوخّي.
- قال سفيان بن عيينة، عن عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر، عن أبيه قال: (ما سمعت ابن عمر يذكر النبي صلى الله عليه وسلم إلا بكى). رواه الفسوي في المعرفة، والدارمي في سننه.
- وقال إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس المدني قال: حدثني أبي، عن عاصم بن محمد، عن أبيه قال: (ما سمعت ابن عمر ذاكرا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ابتدرت عيناه تبكيان). رواه ابن سعد.
- وقال وكيع بن الجراح، عن أبي مودود، عن نافع، عن ابن عمر، أنه كان في طريق مكة يقول برأس راحلته يثنيها ويقول: « لعلَّ خفاً يقع على خف» يعني خف راحلة النبي صلى الله عليه وسلم، رواه ابن أبي شيبة.
أبو مودود المدني اسمه عبد العزيز بن أبي سليمان وثّقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين.
وقال عبد العزيز بن مسلم، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي مسجد قباء كل سبت، ماشيا وراكبا».
قال عبد الله بن دينار: وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما «يفعله» رواه البخاري.
- وقال أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو تركنا هذا الباب للنساء».
قال نافع: (فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات). رواه أبو داوود وابن سعد والطبراني في الأوسط.

عبادته وهديه:
نشأ ابن عمر في عبادة الله تعالى، وحفظ وصايا النبي صلى الله عليه وسلم له، وما بلغه من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يزل يتعبّد ويتهجّد، ويجاهد ويتصدّق، ويفتي من يستفتيه، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويفعل الخيرات، ويجتهد في ذلك اجتهاداً بالغاً، حتى كان من أكثر الصحابة صلاة وصياماً وتلاوة للقرآن، وأشدّهم لزوماً لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأكابر أصحابه، حتى كان يغدو كلَّ سبتٍ إلى قباء ماشياً فيصلي فيه اتّساء بالنبي صلى الله عليه وسلم.
وكان لا يداهن في دينه، ولا يهاب أحداً في كلمة الحق، إلا أن يدفع فساداً أعظم.

- قال سليمان الأعمش: حدثني مجاهد، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي، فقال: «كن في الدنيا كأنك غريبٌ أو عابر سبيل» وكان ابن عمر، يقول: (إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك). رواه البخاري
- وقال سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، أن ابن عمر، قال: «ما وضعت لبنة ولا غرست نخلة منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم» رواه ابن أبي شيبة.
- وقال نافع مولى ابن عمر: سمعت ابن عمر يقول: أتى رجلٌ النبيَّ صلى الله عليه وسلم؛ فقال: يا رسول الله حدِّثني بحديث واجعله موجزًا؛ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((صلِّ صلاةَ مودِّع؛ فإنَّك إن كنت لا تراه فإنه يراك، وأيّس مما في أيدي الناس تكن غنيًّا، وإياك وما يُعتذر منه)). رواه الطبراني والبيهقي في الزهد والخطيب البغدادي والضياء المقدسي وحسَّنه الألباني.
- إبراهيم النخعي عن الأسود بن يزيد عن عبد الله بن مسعود قال: (لقد رأيتنا ونحن متوافرون، وما فينا شاب هو أملك لنفسه من عبد الله بن عمر). رواه ابن سعد.
- قال عمر بن حمزة: أخبرني الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذؤيب ، قال : قالت عائشة : (ما أعلم رجلا سلَّمه الله من أمور الناس، واستقام على طريقة مَن كان قبله استقامةَ عبد الله بن عمر). رواه ابن أبي شيبة.
- وقال عبد الله بن عمر العمري، عن أبي النضر، عن أبي سلمة، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: «ما رأيت ألزمَ للأمر الأول من عبد الله بن عمر» رواه الحاكم في المستدرك.
- وقال شعبة: حدثنا حصين بن عبد الرحمن، عن سالم بن أبي الجعد قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: (ما منّا من أحدٍ أدرك الدنيا إلا قد مالت به إلا عبد الله بن عمر). رواه ابن عساكر.
- وقال إسماعيل ابن إبراهيم: حدثنا أيوب، عن محمد بن سيرين أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما أدركتِ الفتنةُ أحداً منا إلا لو شئتُ أن أقولَ فيه لقلت فيه إلا عبد الله بن عمر» رواه ابن أبي شيبة بهذا اللفظ، ورواه سعيد منصور، ولم يذكر "من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم"
- وقال إسماعيل ابن إبراهيم: حدثنا أيوب عن محمد بن سيرين قال: نُبئت أن ابن عمر كان يقول: (إني لقيت أصحابي على أمرٍ؛ فإن خالفتهم خشيت أن لا ألحق بهم). رواه سعيد بن منصور، وابن سعد.
- وقال إسماعيل ابن إبراهيم: حدثنا أيوب، عن محمد بن سيرين قال: قال رجل: (اللهم أبقِ عبد الله بن عمر ما أبقيتني، أقتدي به، فإني لا أعلم أحدا على الأمر الأول غيره). رواه سعيد بن منصور وابن سعد.
- وقال سفيان بن عيينة، عن ابن جريج، عن طاووس قال: (ما رأيت رجلاً أورعَ من ابن عمر، ولا رأيت رجلاً أعلمَ من ابنِ عباس رضي الله عنهما). رواه أحمد بن منيع كما في المطالب العالية، وأبو يوسف الفسوي في المعرفة والتاريخ، والبيهقي في المدخل إلى السنن.
- وقال حماد بن سلمة: أخبرنا أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، أنه كان يجلس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يرتفع الضحى ولا يصلي، ثم ينطلق إلى السوق فيقضي حوائجه، ثم يجيء إلى أهله فيبدأ بالمسجد فيصلي ركعتين، ثم يدخل بيته. رواه ابن سعد.
- وقال عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: حدثني سليمان بن موسى، عن نافع، عن ابن عمر: «أنه كان يحيي الليل صلاة» ، ثم يقول: «يا نافع أسحرنا؟» فيقول: لا، «فيعاود الصلاة» ثم يقول: «يا نافع أسحرنا؟» فأقول: نعم «فيقعد فيستغفر ويدعو حتى يصبح» رواه الطبراني في المعجم الكبير، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم في تفاسيرهم.
- وقال أبو أسامة، عن ابن عون، عن نافع: أن ابن عمر، كان إذا قرأ القرآن كره أن يتكلم أو لم يتكلم حتى يفرغ مما يريد، أو لم يتكلم حتى يفرغ إلا يوماً كنت قد أخذت عليه المصحف وهو يقرأ فأتى على الآية فقال: «أتدري فيما أنزلت» رواه ابن أبي شيبة.
- وقال وكيع بن الجراح: حدثنا هشام بن سعد، عن نافع، قال: كان ابن عمر «يعمل في خاصة نفسه بالشيء لا يعمل به في الناس» رواه ابن أبي شيبة.
- وقال حبيب بن الشهيد: قيل لنافع: ما كان يصنع ابن عمر في منزله؟ قال: (لا تطيقونه! الوضوء لكل صلاة، والمصحف فيما بينهما). رواه ابن سعد.
- وقال يزيد بن هارون، عن ابن عون، عن محمد بن سيرين قال: «كان ابن عمر كلما استيقظ من الليل صلى» رواه ابن أبي شيبة.

- وقال زائدة عن منصور بن المعتمر قال: قال عبد الله بن عمر: « لو بات رجلٌ ينفق ديناراً ديناراً، ودرهماً درهماً، ويحمل على الجياد في سبيل الله، وبات رجل يتلو كتاب الله حتى يصبح متقبلا منه، وبتّ أتلو كتاب الله حتى أصبح متقبلاً مني، لم أحبّ أنَّ لي عمله بعملي » رواه ابن أبي شيبة.

- وقال محارب بن دثارٍ رحمه الله قال: دخلت على ابن عمر رضي الله عنه بيته وهو يصلي، فإذا هو يبكي في صلاته، فلما انصرف أقبل عليَّ وعلم أني قد رأيته وهو يبكي، فقال: (إن هذه الشمس لتبكي من خشية الله، ابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا).
- وقال عبد الله بن عمر أيضا: ((لأن أدمع دمعة من خشية الله أحب إلي من أن أتصدق بألف دينار)) ذكرهما محمد بن نصر المروزي في قيام الليل.
- وقال البراء بن سليم، عن نافع، عن ابن عمر قال: ما تلا هذه الآية قط إلا بكى {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله}). رواه ابن أبي شيبة.
- وقال الحافظ أبو أسامة الكوفي، عن عثمان بن واقد، عن نافع قال: (وكان ابن عمر إذا قرأ هذه الآية {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله}بكى حتى يغلبه البكاء). رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، وأبو نعيم في الحلية، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 23-01-2025, 10:20 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,921
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين



سِيَر أعلام المفسّرين
من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
عبد العزيز الداخل



سيرة جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الخزرجي الأنصاري(ت:78هـ) رضي الله عنهما



19: سيرة جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الخزرجي الأنصاري (ت:78هـ)
من علماء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفقهائهم، ولد قبل الهجرة ببضع عشرة سنة، وله مناقب كثيرة:
- منها شهوده بيعة العقبة الثانية وهو شابّ مع أبيه وخاليه.
- وشهوده تسع عشرة غزوة مع النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يتخلّف عن بدر وأحد إلا لمنع والده إياه ليخلّفه على بناته.
- وشهوده بيعة الرضوان، وهو من رواة أحاديثها.
- واستغفار النبي صلى الله عليه وسلم له خاصة في ليلة واحدة خمساً وعشرين مرّة.
- وعناية النبي صلى الله عليه وسلم به، وتلطّفه له، وتعزيته له في والده، وإعانته على قضاء دينه بأمر يعدّ من دلائل النبوة.
- ومنها أنّ النبي صلى الله عليه وسلم خصّه بشهود بعض دلائل النبوة.
- ومنها حرصه على طلب العلم وحفظه حتى رحل مسيرة شهر في طلب حديث واحد.
- ومنها أنه من المكثرين من رواية الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
- ومنها تصدّره للفتيا والتعليم سنين طويلة بالمدينة ، وجاور بمكة نحو سنة فانتفع به أهل العلم فيها.

مشاهده مع النبي صلى الله عليه وسلم:
شهد بيعة العقبة الثانية مع أبيه وخاليه وهو صغير، ثم منعه أبوه من القتال ببدر وأحدٍ ليخلِفَه في أهله، واستشهد أبوه يوم أحد، وهو الذي كلّمه الله كفاحاً بعد موته.
ولم يتخلّف جابر بن عبد الله عن غزوة غزاها النبي صلى الله عليه وسلم بعد أحد، فكانت أول غزوة غزاها غزوة حمراء الأسد، وشهد بيعة الرضوان.
- قال ابن جريج: قال عطاء: قال جابر: «أنا وأبي وخالي من أصحاب العقبة» رواه البخاري في صحيحه.
- ,قال سفيان بن عيينة: كان عمرو [بن دينار] يقول: سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، يقول: «شهد بي خالاي العقبة» ، رواه البخاري في صحيحه وقال: قال ابن عيينة: (أحدهما البراء بن معرور).
- وقال زكريا بن إسحاق المكي: أخبرنا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله، يقول: «غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع عشرة غزوة»
قال جابر: «لم أشهد بدرا، ولا أحداً منعني أبي، فلما قتل عبد الله يوم أحد، لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة قط» رواه أحمد ومسلم.
- وقال عمرو بن دينار: سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية: «أنتم خير أهل الأرض» وكنا ألفا وأربع مائة، ولو كنت أبصر اليوم لأريتكم مكان الشجرة). رواه البخاري ومسلم.
- قال الذهبي: قال ابن سعد: (شهد العقبة مع السبعين، وكان أصغرهم، وأراد شهود بدر، فخلفه أبوه على أخواته، وكن تسعا، وخلفه يوم أحد فاستشهد يومئذ، وكان أبوه عقبيا بدريا من النقباء).
- وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال: (كنت أمتح لأصحابي الماء يوم بدر). قال الواقدي: هذا وهم من أهل العراق.
- قال الذهبي: (صدق، فإن زكريا بن إسحاق روى عن أبي الزبير، عن جابر، قال: "لم أشهد بدرا ولا أحدا، منعني أبي فلما قتل لم أتخلف عن غزوة" أخرجه مسلم).


استغفار النبي صلى الله عليه وسلم له:
- قال حماد بن سلمة: أنبأنا أبو الزبير عن جابر قال: (استغفر لي رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين مرة ليلة البعير). رواه الترمذي في سننه والنسائي في فضائل الصحابة.
- قال أبو عيسى الترمذي: (ومعنى قوله: ليلة البعير ما روي عن جابر من غير وجه أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فباع بعيره من النبي صلى الله عليه وسلم واشترط ظهره إلى المدينة، يقول جابر ليلة بعت من النبي صلى الله عليه وسلم البعير استغفر لي خمسا وعشرين مرة، وكان جابر قد قتل أبوه عبد الله بن عمرو بن حرام يوم أحد وترك بنات، فكان جابر يعولهن وينفق عليهن، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبر جابرا ويرحمه لسبب ذلك).

تعزية النبي صلى الله عليه وسلم له في وفاة أبيه:
- قال موسى بن إبراهيم بن كثير الأنصاري: سمعت طلحة بن خراش يقول: سمعت جابر بن عبد الله يقول: لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال لي: يا جابر ما لي أراك منكسرا؟
قلت: يا رسول الله استشهد أبي، وترك عيالا ودينا.
قال: أفلا أبشرك بما لقي الله به أباك؟
قال: بلى يا رسول الله.
قال: ما كلم الله أحدا قط إلا من وراء حجاب، وأحيا أباك فكلمه كفاحا.
فقال: يا عبدي تمن علي أعطك.
قال: يا رب تحييني فأقتل فيك ثانية.
قال الرب عز وجل: إنه قد سبق مني أنهم إليها لا يرجعون.
قال: يا رب فأبلغ من ورائي.
فأنزل الله عز وجل هذه الآية: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا...} الآية كلها ).
رواه الترمذي وابن ماجة وابن خزيمة في التوحيد وابن أبي عاصم في السنة وابن حبان وغيرهم من طرق عن موسى بن إبراهيم به.

عيادة النبي صلى الله عليه وسلم له:
- قال سفيان بن عيينة: سمعت ابن المنكدر يقول: سمعت جابر بن عبد الله يقول: مرضت فجاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني وأبو بكر، وهما ماشيان؛ فأتاني وقد أغمي علي، فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صبَّ وضوءَه عليَّ؛ فأفقت، فقلت: يا رسول الله كيف أقضي في مالي؟ كيف أصنع في مالي؟
قال: (فما أجابني بشيء حتى نزلت آية الميراث) متفق عليه.

حرصه على حفظ الحديث ورحلته في طلبه:
- قال القاسم بن عبد الواحد المكي: حدثني عبد الله بن محمد بن عقيل، أن جابر بن عبد الله قال: بلغني حديث عن رجل سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتريت بعيرا، ثم شددت عليه رحلي، فسرت إليه شهرا، حتى قدمت عليه الشام فإذا عبد الله بن أنيس، فقلت للبواب: قل له: جابر على الباب، فقال ابن عبد الله؟ قلت: نعم، فخرج يطأ ثوبه فاعتنقني، واعتنقته، فقلت: حديثا بلغني عنك أنك سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم في القصاص، فخشيت أن تموت، أو أموت قبل أن أسمعه ...) فذكر الحديث، وهو في مسند الإمام أحمد والأدب المفرد للبخاري، ومعجم الصحابة لابن قانع، والمعجم الكبير للطبراني.
- قال البخاري في صحيحه في كتاب العلم: (باب الخروج في طلب العلم، ورحل جابر بن عبد الله مسيرة شهر إلى عبد الله بن أنيس في حديث واحد).

شيء من أخباره وما شهد من دلائل النبوة:
- قال حجاج بن أبي زينب: حدثني أبو سفيان طلحة بن نافع، قال: سمعت جابر بن عبد الله، قال: كنت جالسا في داري، فمرَّ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشار إلي، فقمت إليه، فأخذ بيدي، فانطلقنا حتى أتى بعض حجر نسائه، فدخل ثم أذن لي، فدخلت الحجاب عليها، فقال: «هل من غداء؟» فقالوا: نعم، فأتي بثلاثة أقرصة، فوضعن على نبي، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قرصا، فوضعه بين يديه، وأخذ قرصا آخر، فوضعه بين يدي، ثم أخذ الثالث، فكسره باثنين، فجعل نصفه بين يديه، ونصفه بين يدي، ثم قال: «هل من أدم؟» قالوا: لا إلا شيء من خل، قال: «هاتوه، فنعم الأدم هو» رواه مسلم في صحيحه، والدارمي وزاد: قال جابر: «فما زلت أحب الخل منذ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم»، فقال أبو سفيان: «فما زلت أحبه منذ سمعته من جابر»
- وقال حنظلة بن أبي سفيان: أخبرنا سعيد بن ميناء، قال: سمعت جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما قال: لما حفر الخندق رأيت بالنبي صلى الله عليه وسلم خمصا شديدا، فانكفأت إلى امرأتي، فقلت: هل عندك شيء؟ فإني رأيت برسول الله صلى الله عليه وسلم خمصا شديدا، فأخرجت إليَّ جراباً فيه صاع من شعير، ولنا بهيمة داجن فذبحتُها، وطحَنَتِ الشعير، ففرَغَتْ إلى فراغي، وقطعتُها في برمتها، ثم وليت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: لا تفضحني برسول الله صلى الله عليه وسلم وبمن معه، فجئته فساررته، فقلت: يا رسول الله ذبحنا بهيمة لنا وطحنا صاعا من شعير كان عندنا، فتعال أنت ونفر معك، فصاح النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا أهل الخندق، إن جابرا قد صنع سورا، فحي هلا بكم» فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تنزلن برمتكم، ولا تخبزن عجينكم حتى أجيء».
فجئت وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم الناس حتى جئت امرأتي، فقالت: بك وبك، فقلت: قد فعلتُ الذي قلتِ، فأخرجت له عجينا فبصق فيه وبارك، ثم عمد إلى برمتنا فبصق وبارك، ثم قال: «ادع خابزة فلتخبز معي، واقدحي من برمتكم ولا تنزلوها»
وهم ألفٌ، فأقسم بالله لقد أكلوا حتى تركوه وانحرفوا، وإن برمتنا لتغطّ كما هي، وإن عجيننا ليخبز كما هو). رواه البخاري ومسلم.
- وقال شعبة، عن محارب بن دثار قال: سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، يقول: بعتُ من النبي صلى الله عليه وسلم بعيراً في سفر، فلما أتينا المدينة قال: «ائت المسجد فصل ركعتين» فوزن - قال شعبة: أراه فوزن لي - فأرجح، فما زال معي منها شيء حتى أصابها أهل الشأم يوم الحرة). رواه أحمد والبخاري، ورواه أحمد أيضاً ومسلم من طريق الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن جابر، قال: أقبلنا من مكة إلى المدينة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتل جملي، وساق الحديث بقصته، وفيه ثم قال لي: «بعني جملك هذا»، قال: قلت: لا، بل هو لك، قال: «لا، بل بعنيه» قال: قلت: لا، بل هو لك يا رسول الله، قال: «لا، بل بعنيه»، قال: قلت: فإن لرجل علي أوقية ذهب، فهو لك بها، قال: «قد أخذته، فتبلغ عليه إلى المدينة»، قال: فلما قدمت المدينة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال: «أعطه أوقية من ذهب وزده»، قال: فأعطاني أوقية من ذهب، وزادني قيراطا، قال: فقلت: لا تفارقني زيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: (فكان في كيس لي فأخذه أهل الشام يوم الحرة).
- وقال سالم بن أبي الجعد، عن جابر بن عبد الله، قال: أصابنا عطش بالحديبية فجهشنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين يديه تور فيه ماء، فقال: بأصابعه هكذا فيها، وقال: (( خذوا بسم الله "، قال: فجعل الماء يتخلل من بين أصابعه كأنها عيون، فوسعنا، وكفانا)). رواه أحمد والدارمي والنسائي في الكبرى.
- وقال أبو إسماعيل حاتم بن إسماعيل العبدري، عن يعقوب بن مجاهد أبي حزرة، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلنا واديا أفيح، فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته، فاتبعته بإداوة من ماء، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ير شيئا يستتر به، فإذا شجرتان بشاطئ الوادي، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إحداهما، فأخذ بغصن من أغصانها؛ فقال: «انقادي علي بإذن الله» فانقادت معه كالبعير المخشوش، الذي يصانع قائده، حتى أتى الشجرة الأخرى، فأخذ بغصن من أغصانها، فقال: «انقادي علي بإذن الله» فانقادت معه كذلك، حتى إذا كان بالمنصف مما بينهما، لأم بينهما - يعني جمعهما - فقال: «التئما علي بإذن الله» فالتأمتا.
قال جابر: فخرجت أحضر مخافة أن يحس رسول الله صلى الله عليه وسلم بقربي فيبتعد؛ فجلست أحدث نفسي، فحانت مني لفتة، فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا، وإذا الشجرتان قد افترقتا، فقامت كل واحدة منهما على ساق، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف وقفة، فقال برأسه هكذا - وأشار أبو إسماعيل برأسه يمينا وشمالا - ثم أقبل، فلما انتهى إلي قال: «يا جابر هل رأيت مقامي؟»
قلت: نعم، يا رسول الله.
قال: «فانطلق إلى الشجرتين فاقطع من كل واحدة منهما غصنا، فأقبل بهما، حتى إذا قمت مقامي فأرسل غصنا عن يمينك وغصنا عن يسارك»
قال جابر: فقمت فأخذت حجرا فكسرته وحسرته، فانذلق لي، فأتيت الشجرتين فقطعت من كل واحدة منهما غصنا، ثم أقبلت أجرهما حتى قمت مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، أرسلت غصنا عن يميني وغصنا عن يساري، ثم لحقته، فقلت: قد فعلت، يا رسول الله فعم ذاك؟
قال: «إني مررت بقبرين يعذبان، فأحببت، بشفاعتي، أن يرفه عنهما، ما دام الغصنان رطبين».
قال: فأتينا العسكر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا جابر ناد بوضوء» فقلت: ألا وضوء؟ ألا وضوء؟ ألا وضوء؟
قال: قلت: يا رسول الله ما وجدت في الركب من قطرة، وكان رجل من الأنصار يُبرد لرسول الله صلى الله عليه وسلم الماء في أشجاب له، على حمارة من جريد، قال: فقال لي: «انطلق إلى فلان ابن فلان الأنصاري، فانظر هل في أشجابه من شيء؟»
قال: فانطلقت إليه فنظرت فيها فلم أجد فيها إلا قطرة في عزلاء شجب منها، لو أني أفرغه لشربه يابسه، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله إني لم أجد فيها إلا قطرة في عزلاء شجب منها، لو أني أفرغه لشربه يابسه، قال: «اذهب فأتني به» فأتيته به، فأخذه بيده فجعل يتكلم بشيء لا أدري ما هو، ويغمزه بيديه، ثم أعطانيه، فقال: «يا جابر ناد بجفنة» فقلت: يا جفنة الركب فأتيت بها تحمل، فوضعتها بين يديه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بيده في الجفنة هكذا، فبسطها وفرق بين أصابعه، ثم وضعها في قعر الجفنة، وقال: «خذ يا جابر فصب علي، وقل باسم الله» فصببت عليه وقلت: باسم الله، فرأيت الماء يتفور من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم فارت الجفنة ودارت حتى امتلأت، فقال: «يا جابر ناد من كان له حاجة بماء» قال فأتى الناس فاستقوا حتى رووا، قال: فقلت: هل بقي أحد له حاجة؟ فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من الجفنة وهي ملأى). رواه مسلم في صحيحه، وابن حبان في صحيحه، والبيهقي في دلائل النبوة، ورواه ابن أبي شيبة في المصنف والدارمي في سننه من طريق إسماعيل بن عبد الملك عن أبي الزبير عن جابر بسياق مختلف.
- وقال زكريا بن أبي زائدة: حدثني عامر الشعبي قال: حدثني جابر بن عبد الله أنه كان يسير على جمل له قد أعيا، فأراد أن يسيّبه، قال: فلحقني النبي صلى الله عليه وسلم فدعا لي، وضربه، فسار سيرا لم يسر مثله، قال: «بعنيه بوقية»، قلت: لا، ثم قال: «بعنيه»، فبعته بوقية، واستثنيت عليه حملانه إلى أهلي، فلما بلغت أتيته بالجمل، فنقدني ثمنه، ثم رجعت، فأرسل في أثري، فقال: «أتراني ماكستك لآخذ جملك، خذ جملك، ودراهمك فهو لك». رواه أحمد في مسنده، ومسلم في صحيحه، والنسائي في السنن الكبرى وابن حبان في صحيحه.
- وقال حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار، عن جابر بن عبد الله، قال: كان ليهوديّ على أبي تمر، فقتل يوم أحد، وترك حديقتين، وتمر اليهودي يستوعب ما في الحديقتين؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « هل لك أن تأخذ العام بعضه وتؤخر بعضه؟» فأبى اليهودي.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « يا جابر إذا حضر الجداد، فآذني فآذنته، فجاء هو وأبو بكر، فجعل يجدّ ويكال من أسفل النخل، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بالبركة، حتى وفينا جميع حقه من أصغر الحديقتين - فيما يحسب عمار- ثم أتيتهم برطب وماء، فأكلوا وشربوا، ثم قال: «هذا من النعيم الذي تسألون عنه» رواه النسائي وأبو يعلى والبيهقي في شعب الإيمان.
- وقال زكريا بن أبي زائدة: حدثني عامر الشعبي قال: حدثني جابر بن عبد الله أن أباه توفي وعليه دين. قال فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: إن أبي ترك عليه دينا وليس عندنا إلا ما يخرج نخله فلا يبلغ ما يخرج نخله سنتين ما عليه فانطلق معي لكيلا يفحش علي الغرماء. قال فمشى حول بيدر من بيادر التمر ودعا ثم جلس عليه وقال: أين غرماؤه؟ فأوفاهم الذي لهم وبقي مثل الذي أعطاهم). رواه ابن سعد.

تصدّره لتعليم العلم:
- قال وكيع عن هشام بن عروة قال: رأيت لجابر بن عبد الله حلقة في المسجد , يؤخذ عنه). رواه البيهقي في المدخل إلى السنن، وذكر ابن حجر في الإصابة أنّه في مصنف وكيع.
- وقال عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت: خرجت أنا وأبي نطلبُ العلمَ في هذا الحيِّ من الأنصار قبل أن يهلكوا؛ فكان أول من لَقِيَنا أبو اليسَر فذكر الحديث..
ثم قال: ثم مضينا حتى أتينا جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في مسجده وهو يصلي..) فذكر الحديث. رواه مسلم في صحيحه، والبخاري في الأدب المفرد، وابن شبة في تاريخ المدينة، وابن حبان في صحيحه، وغيرهم.
- وقال محمد بن عمرو بن علقمة: حدثنا أبو سلمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: وجدت عامة علم رسول الله صلى الله عليه وسلم عند هذا الحي من الأنصار، إن كنت لأقيل عند باب أحدهم ولو شئت أن يؤذن لي عليه لأذن، ولكن أبتغي بذلك طيب نفسه"). رواه ابن أبي خيثمة في كتاب العلم، والبيهقي في المدخل إلى السنن، والخطيب البغدادي في الجامع.
- قال أبو بكر البيهقي رحمه الله: (جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام وأبوه من أكابر الصحابة، شهد العقبة في السبعين من الأنصار , الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها، استشهد أبوه يوم أحد، وبقي جابر بعد النبي صلى الله عليه وسلم مدة مديدة حتى احتاجوا إلى علمه).



من وصاياه:

- قال الهيثم بن محمد الخشاب: أخبرنا عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه، عن سعيد بن المسيب، عن جابر بن عبد الله، قال: (ينبغي للعالم أن يغسل قلبه كما يغسل الرجل ثوبه من النجس).
- وبإسناده، عن جابر، قال: (تعلموا الصمت، ثم تعلموا الحلم، ثم تعلموا العمل بالعلم، ثم انشروا). رواهما البيهقي في شعب الإيمان.


وفاته:
كُفَّ بصره في آخر عمره، وتوفي بالمدينة، واختلف في سنة وفاته
- فقال خارجة بن الحارث، وابن نمير، والهيثم بن عدي، والمدائني، والواقدي، وأبو حفص الفلاس، وابن زبر الربعي، وابن حبان: سنة 78هـ ، واختاره الذهبي.
- وفي رواية أخرى عن الهيثم بن عديّ: سنة 68هـ. وهو خطأ.
- وفي رواية أخرى عن ابن نمير ذكرها ابن زبر: سنة 72هـ.، وهو خطأ أيضاً.
- وقال ابن سعد: سنة 73هـ، وهذه سنة وفاة جابر بن سمرة.
- وقال ابن عبد البر: سنة 74هـ، ولا أعلم له مستنداً.
- وعن أبي نعيم الفضل بن دكين روايتان، إحداهما: سنة 77ه، والأخرى: سنة 79هـ، ولعلهما على التقريب، والصواب بينهما.
وأرجح الأقوال قول الجمهور، وهو أنه توفي سنة 78هـ، وقد ذكر أنه مات هو وعبد الرحمن بن غنم الأشعري في وقت واحد، وعبد الرحمن توفي سنة 78هـ.

- قال محمد بن عمر الواقدي: (مات جابر بن عبد الله سنة ثمان وسبعين، وحدثني خارجة بن الحارث، قال: «رأيت على سريره بردا، وصلى عليه أبان بن عثمان، وهو والي المدينة، ومات جابر بن عبد الله وهو ابن أربع وتسعين، وكان يكنى أبا عبد الله، وكان قد ذهب بصره» رواه أبو نعيم في معرفة الصحابة.
- وقال عاصم بن سويد: سمعت جَدّي معاوية بن معبد قال: (أدركت جابر بن عبد الله في بني حرام، يجلس في الشمس يستدبرها بظهره فاسودّ ظهره؛ فلما مات أخذ حسن بن حسن بن علي بين عمودي سرير جابر). رواه البخاري في التاريخ الكبير.
- وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: (ويقال أنه مات وهو ابن أربع وتسعين وصلى عليه أبان بن عثمان وهو والي المدينة وكان آخر من مات من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة). رواه ابن عساكر.
- قال أبو مسهر: (عبد الرحمن بن غنم هو رأس التابعين كان بفلسطين وقيل: تفقه به عامة التابعين بالشام, وكان صادقا فاضلا كبير القدر مات هو وجابر بن عبد الله في وقت).
قال الهيثم بن عدي وشباب: توفي سنة ثمان وسبعين.

- قال قتادة: كان آخر أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم موتا بالمدينة جابر). رواه البغوي في معجم الصحابة وابن أبي شيبة في المصنف
قال أبو القاسم البغوي: (وهذا عندي وهم، وآخر من مات بالمدينة سهل بن سعد، أخبرت عن ابن نمير قال: مات جابر بن عبد الله في سنة ثمان وسبعين).
- وقال ابن عيينة: حدثنا أبو حازم قال: (كان سهل بن سعد آخر من بقي بالمدينة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم). رواه ابن أبي خيثمة.
وسهل بن سعد توفي سنة إحدى وتسعين وقيل سنة ثمان وثمانين؛ فهو بعد جابر ببضع عشرة سنة، لكن كان يروى عن قتادة أن سهلاً توفّي بمصر.
ورجّح الحافظ العراقي أنّ آخر الصحابة موتاً بالمدينة محمود بن الربيع توفي بها سنة تسع وتسعين للهجرة.

رواة التفسير عن جابر:
روى عن جابر بن عبد الله جماعة من كبار مفسري التابعين، منهم: سعيد بن المسيب، والحسن البصري، وعطاء بن أبي رباح، ومجاهد بن جبر، وعكرمة مولى ابن عباس، وزيد بن أسلم، وعامر بن شراحيل الشعبي، ووهب بن منبه، وقتادة بن دعامة السدوسي، ومحمد بن كعب القرظي، وعطية العوفي، وأرسل عنه عطاء الخراساني.
ومن الرواة المكثرين من الرواية عنه: أبو الزبير المكي واسمه محمد بن مسلم بن تدرس، ومحمد بن المنكدر، وعمرو بن دينار، وأبو سفيان طلحة بن نافع.
وممن له رواية عنه في كتب التفسير المسندة سوى من تقدّم: أبو جعفر الباقر محمد بن علي بن الحسين، ومحمد بن عمرو بن الحسن، وعبد الله بن محمد بن عقيل، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وعبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت، وسعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت، وسعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة، وعبد الرحمن بن سابط، وسالم بن أبي الجعد، وسعيد بن أبي هلال، ويزيد بن صهيب الفقير، وعبد الله بن عبيدة، وعمار بن أبي عمار المكي، سعيد بن أبي كرب الهداني، وعبد الله بن عثمان بن خثيم، وطلق بن حبيب العنزي، وأبو نضرة العبدي، وسعيد بن مينا المكي، وسليمان بن قيس اليشكري وله صحيفة عنه

من مروياته في التفسير:
- قال عمرو بن دينار: سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، يقول: لما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم} قال: «أعوذ بوجهك»، {أو من تحت أرجلكم} قال: «أعوذ بوجهك»، فلما نزلت: {أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض} قال: «هاتان أهون، - أو أيسر -» رواه أحمد والبخاري والترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم.
- وقال حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار، قال: سمعت جابر بن عبد الله، يقول: «أتانا النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما فأطعمناهم رطبا، وسقيناهم ماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم» هذا من النعيم الذي تسألون عنه " رواه أبو داوود الطيالسي وأحمد والنسائي وأبو يعلى وابن جرير وابن حبان والطبراني.
- وقال عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: «{الصراط المستقيم} هو الإسلام، وهو أوسع مما بين السماء والأرض» رواه ابن جرير والحاكم وصححه.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 289.77 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 283.89 كيلو بايت... تم توفير 5.88 كيلو بايت...بمعدل (2.03%)]