تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد - الصفحة 48 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 602 - عددالزوار : 339353 )           »          أبناؤنا وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 59 )           »          7خطوات تعلمكِ العفو والسماح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          تربية الزوجات على إسعاد الأزواج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          الغزو الفكري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          حدث في العاشر من صفر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          الإنسان القرآني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 52 )           »          الخطابة فنّ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          الرحمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          متاعب الحياة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18-03-2023, 10:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,926
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السابع

سورة الزمر
الحلقة (474)
صــ 191 إلى صــ 200






والرابع: أن أهل مكة قالوا: يزعم محمد أن من عبد الأوثان [ ص: 191 ] وقتل النفس التي حرم الله لم يغفر له، فكيف نهاجر ونسلم وقد فعلنا ذلك؟! فنزلت هذه الآية; وهذا مروي عن ابن عباس أيضا .

ومعنى "أسرفوا على أنفسهم" ارتكبوا الكبائر . والقنوط بمعنى اليأس . وأنيبوا بمعنى ارجعوا إلى الله من الشرك والذنوب، وأسلموا له أي: أخلصوا له التوحيد . و "تنصرون" بمعنى تمنعون .

واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم قد بيناه في قوله: يأخذوا بأحسنها [الأعراف: 145] .
أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين . أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين . بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين .

[ ص: 192 ] قوله تعالى: أن تقول نفس قال المبرد: المعنى: بادروا قبل أن تقول نفس، وحذرا من أن تقول نفس . وقال الزجاج : خوف أن تصيروا إلى حال تقولون فيها هذا القول . ومعنى يا حسرتا يا ندامتا ويا حزنا . والتحسر: الاغتمام على ما فات . والألف في "يا حسرتا" هي [ياء] المتكلم، والمعنى: يا حسرتي، على الإضافة . قال الفراء: والعرب تحول الياء إلى الألف في كل كلام معناه الاستغاثة ويخرج على لفظ الدعاء، وربما أدخلت العرب الهاء بعد هذه الألف، فيخفضونها مرة، ويرفعونها أخرى، وقرأ الحسن، وأبو العالية، وأبو عمران، وأبو الجوزاء: "يا حسرتي" بكسر التاء، على الإضافة إلى النفس . وقرأ معاذ القارئ، وأبو جعفر: "يا حسرتاي"، بألف بعد التاء وياء مفتوحة . قال الزجاج : وزعم الفراء أنه يجوز "يا حسرتاه على كذا" بفتح الهاء، و "يا حسرتاه" بالضم والكسر، والنحويون أجمعون لا يجيزون أن تثبت هذه الهاء مع الوصل .

قوله تعالى: في جنب الله فيه خمسة أقوال . أحدها: في طاعة الله تعالى، قاله الحسن . والثاني: في حق الله، قاله سعيد بن جبير . والثالث: في أمر الله، قاله مجاهد، والزجاج . والرابع: في ذكر الله، قاله عكرمة، والضحاك . والخامس: في قرب الله; روي عن الفراء أنه قال: الجنب: القرب، أي: في قرب الله وجواره; يقال: فلان يعيش في جنب فلان، أي: في قربه وجواره; فعلى هذا يكون المعنى: [على] ما فرطت في طلب قرب الله تعالى، وهو الجنة .

[ ص: 193 ] قوله تعالى: وإن كنت لمن الساخرين أي: وما كنت إلا من المستهزئين بالقرآن وبالمؤمنين في الدنيا .

أو تقول لو أن الله هداني أي: أرشدني إلى دينه لكنت من المتقين الشرك; فيقال لهذا القائل: بلى قد جاءتك آياتي قال الزجاج : و "بلى" جواب النفي، وليس في الكلام لفظ النفي، غير أن معنى "لو أن الله هداني": ما هديت، فقيل: "بلى قد جاءتك آياتي" . وروى ابن أبي سريج [عن الكسائي]: "جاءتك"، "فكذبت"، "واستكبرت"، "وكنت"، بكسر التاء فيهن، مخاطبة للنفس . ومعنى "استكبرت": تكبرت عن الإيمان بها .
ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين . وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون .

قوله تعالى: ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله فزعموا أن له ولدا وشريكا وجوههم مسودة . وقال الحسن: هم الذين يقولون: إن شئنا فعلنا، وإن شئنا لم نفعل . وباقي الآية قد ذكرناه آنفا [الزمر: 32] .

قوله تعالى: وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم وقرأ حمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: "بمفازاتهم" . قال الفراء: وهو كما تقول: قد تبين أمر القوم وأمورهم، وارتفع الصوت والأصوات، والمعنى واحد . وفيها للمفسرين ثلاثة أقوال . أحدها: بفضائلهم، قاله السدي . والثاني: بأعمالهم، قاله ابن السائب، ومقاتل . والثالث: بفوزهم من النار .

[ ص: 194 ] قال المبرد: المفازة: مفعلة من الفوز، وإن جمع فحسن، كقولك: السعادة والسعادات، والمعنى: ينجيهم الله بفوزهم، أي: بنجاتهم من النار وفوزهم بالجنة .
الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل . له مقاليد السماوات والأرض والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون .

قوله تعالى: له مقاليد السماوات والأرض قال ابن قتيبة : أي: مفاتيحها وخزائنها، لأن مالك المفاتيح مالك الخزائن، واحدها: إقليد، وجمع على غير واحد، كما قالوا: مذاكير جمع ذكر، ويقال: هو فارسي معرب . [وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي: الإقليد: المفتاح، فارسي معرب]، قال الراجز:


لم يؤذها الديك بصوت تغريد ولم تعالج غلقا بإقليد


والمقليد: لغة في الإقليد، والجمع: مقاليد .

وللمفسرين في المقاليد قولان . أحدهما: المفاتيح، قاله ابن عباس . والثاني: الخزائن، قاله الضحاك . وقال الزجاج : تفسيره أن كل شيء في السموات والأرض، فهو خالقه وفاتح بابه . قال المفسرون: مفاتيح السموات: المطر، ومفاتيح الأرض: النبات .
قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون . ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين . بل الله فاعبد وكن من الشاكرين .

[ ص: 195 ] قوله تعالى: أفغير الله تأمروني أعبد قرأ نافع، وابن عامر: "تأمروني أعبد" مخففة، غير أن نافعا فتح الياء، ولم يفتحها ابن عامر . وقرأ ابن كثير: "تأمروني" بتشديد النون وفتح الياء، وقرأ الباقون بسكون الياء . وذلك حين دعوه إلى دين آبائه أيها الجاهلون أي: فيما تأمرون .

قوله تعالى: ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك فيه تقديم وتأخير، تقديره: ولقد أوحي إليك لئن أشركت ليحبطن عملك، وكذلك أوحي إلى الذين من قبلك . قال أبو عبيدة: ومجازها مجاز الأمرين اللذين يخبر عن أحدهما ويكف عن الآخر،قال ابن عباس: هذا أدب من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم وتهديد لغيره، لأن الله عز وجل قد عصمه من الشرك . وقال غيره: إنما خاطبه بذلك، ليعرف من دونه أن الشرك يحبط الأعمال المتقدمة كلها ولو وقع من نبي . وقرأ أبو عمران، وابن السميفع، ويعقوب: "لنحبطن" بالنون، "عملك" بالنصب . بل الله فاعبد أي: وحد .
وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون .

قوله تعالى: وما قدروا الله حق قدره سبب نزولها أن رجلا من أهل الكتاب أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أبا القاسم، بلغك أن الله تعالى يحمل الخلائق على إصبع والأرضين على إصبع والشجر على إصبع والثرى على إصبع؟! فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، فأنزل الله تعالى هذه الآية، قاله [ ص: 196 ] ابن مسعود . [وقد أخرج البخاري ومسلم في "الصحيحين" نحوه في ابن مسعود] . وقد فسرنا أول هذه الآية في [الأنعام: 91] . قال ابن عباس: هذه الآية في الكفار، فأما من آمن بأنه على كل شيء قدير، فقد قدر الله حق قدره .

ثم ذكر عظمته بقوله: والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه وقد أخرج البخاري ومسلم في "الصحيحين" من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض؟"; وأخرجا من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" يطوي الله عز وجل السموات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون، أين المتكبرون؟" . قال ابن عباس: الأرض والسموات كلها بيمينه .

[ ص: 197 ] وقال سعيد بن جبير: السموات قبضة والأرضون قبضة .
ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون . وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون . ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون .

قوله تعالى: ونفخ في الصور فصعق وقرأ ابن السميفع، وابن يعمر، والجحدري : "فصعق" بضم الصاد من في السماوات ومن في الأرض أي: ماتوا من الفزع وشدة الصوت . وقد بينا هذه الآية والخلاف في الذين استثنوا في سورة [النمل: 87] .

ثم نفخ فيه أخرى وهي نفخة البعث فإذا هم يعني الخلائق قيام ينظرون .

[ ص: 198 ] قوله تعالى: وأشرقت الأرض بنور ربها أي: أضاءت . والمراد بالأرض: عرصات القيامة .

قوله تعالى: ووضع الكتاب فيه قولان . أحدهما: كتاب الأعمال، قاله قتادة، ومقاتل . والثاني: الحساب، قاله السدي . وفي الشهداء قولان .

أحدهما: أنهم الذين يشهدون على الناس بأعمالهم، قاله الجمهور . ثم فيهم أربعة أقوال . أحدها: أنهم المرسلون من الأنبياء . والثاني: أمة محمد يشهدون للرسل بتبليغ الرسالة وتكذيب الأمم إياهم، رويا عن ابن عباس رضي الله عنه . والثالث: الحفظة، قاله عطاء . والرابع: النبيون والملائكة وأمة محمد صلى الله عليه وسلم والجوارح، قاله ابن زيد .

والثاني: أنهم الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله، قاله قتادة; والأول أصح .

ووفيت كل نفس ما عملت أي: جزاء عملها وهو أعلم بما يفعلون أي: لا يحتاج إلى كاتب ولا شاهد .
وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين . قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين . وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها [ ص: 199 ] وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين . وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين . وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين .

قوله تعالى: وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا قال أبو عبيدة: الزمر: جماعات في تفرقة بعضهم على إثر بعض، واحدها: زمرة .

قوله تعالى: رسل منكم أي: من أنفسكم . و كلمة العذاب هي قوله: لأملأن جهنم [الأعراف: 18] .

قوله تعالى: فتحت أبوابها قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو ، وابن عامر: "فتحت" "وفتحت" مشددتين; وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي: بالتخفيف .

وفي هذه الواو ثلاثة أقوال .

أحدها: أنها زائدة، روي عن جماعة من اللغويين منهم الفراء .

والثاني: أنها واو الحال; فالمعنى: جاؤوها وقد فتحت أبوابها، فدخلت [ ص: 200 ] الواو لبيان أن الأبواب كانت مفتحة قبل مجيئهم، وحذفت من قصة أهل النار لبيان أنها كانت مغلقة قبل مجيئهم، ووجه الحكمة في ذلك من ثلاثة أوجه .

أحدها: أن أهل الجنة جاؤوها وقد فتحت أبوابها ليستعجلوا السرور والفرح إذا رأوا الأبواب مفتحة، وأهل النار يأتونها وأبوابها مغلقة ليكون أشد لحرها، ذكره أبو إسحاق ابن شاقلا من أصحابنا .

والثاني: أن الوقوف على الباب المغلق نوع ذل، فصين أهل الجنة عنه، وجعل في حق أهل النار، ذكره لي بعض مشايخنا .

والثالث: أنه لو وجد أهل الجنة بابها مغلقا لأثر انتظار فتحه في كمال الكرم، ومن كمال الكرم غلق باب النار إلى حين مجيء أهلها، لأن الكريم يعجل المثوبة، ويؤخر العقوبة، وقد قال عز وجل: ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم [النساء: 147]; قال المصنف: هذا وجه خطر لي .

والقول الثالث: أن الواو زيدت، لأن أبواب الجنة ثمانية، وأبواب النار سبعة، والعرب تعطف في العدد بالواو على ما فوق السبعة على ما ذكرناه في قوله: ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم [الكهف: 22]، حكى هذا القول والذي قبله الثعلبي .

واختلف العلماء أين جواب هذه الآية على ثلاثة أقوال .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 18-03-2023, 10:59 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,926
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السابع

سورة غافر
الحلقة (475)
صــ 201 إلى صــ 210




أحدها: أن الجواب محذوف، قاله أبو عبيدة، والمبرد، والزجاج في آخرين . وفي تقدير هذا المحذوف قولان . أحدهما: أن تقديره: حتى إذا جاءوها . . . . . إلى آخر الآية . . . . سعدوا، قاله المبرد . والثاني: حتى إذا جاءوها إلى قوله: [ ص: 201 ] فادخلوها خالدين . . . . دخلوها، وإنما حذف، لأن في الكلام دليلا عليه، وهذا اختيار الزجاج .

والقول الثاني: أن الجواب: قال لهم خزنتها، والواو زائدة، ذكره الأخفش، قال: ومثله في الشعر:


فإذا وذلك يا كبيشة لم يكن إلا كلمة حالم بخيال


أي: فإذا ذلك .

والثالث: الجواب: حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها، والواو زائدة، حكاه الزجاج عن قوم من أهل اللغة .

وفي قوله: طبتم خمسة أقوال . أحدها: أنهم إذا انتهوا إلى باب الجنة وجدوا عند بابها شجرة يخرج من تحت ساقها عينان، فيشربون من إحداهما، فلا يبقى في بطونهم أذى ولا قذى إلا خرج، ويغتسلون من الأخرى، فلا تغبر جلودهم ولا تشعث أشعارهم أبدا، حتى إذا انتهوا إلى باب الجنة قال لهم عند ذلك خزنتها: "سلام عليكم طبتم"، رواه عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه، وقد ذكرنا في [الأعراف: 44] نحوه عن ابن عباس . والثاني: طاب لكم [ ص: 202 ] المقام، قاله ابن عباس . والثالث: طبتم بطاعة الله، قاله مجاهد . والرابع: أنهم طيبوا قبل دخول الجنة بالمغفرة، واقتص من بعضهم لبعض، فلما هذبوا قالت لهم الخزنة: طبتم، قاله قتادة . والخامس: كنتم طيبين في الدنيا، قاله الزجاج .

فلما دخلوها قالوا: الحمد لله الذي صدقنا وعده بالجنة وأورثنا الأرض أي أرض الجنة ( نتبوأ منها حيث نشاء ) أي: نتخذ فيها من المنازل ما نشاء . وحكى أبو سليمان الدمشقي أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم يدخلون الجنة قبل الأمم، فينزلون منها حيث شاؤوا، ثم تنزل الأمم بعدهم فيها فلذلك قالوا: "نتبوأ من الجنة حيث نشاء"; يقول الله عز وجل: فنعم أجر العاملين أي: نعم ثواب المطيعين في الدنيا الجنة .

قوله تعالى: وترى الملائكة حافين من حول العرش أي: محدقين به، يقال: حف القوم بفلان: إذا أحدقوا به; ودخلت "من" للتوكيد، كقولك: ما جاءني من أحد .

يسبحون بحمد ربهم قال السدي، ومقاتل: بأمر ربهم . وقال بعضهم: يسبحون بالحمد له حيث دخل الموحدون الجنة . وقال ابن جرير: التسبيح هاهنا بمعنى الصلاة .

قوله تعالى: وقضي بينهم أي: بين الخلائق بالحق أي: بالعدل وقيل الحمد لله رب العالمين هذا قول أهل الجنة شكرا لله تعالى على إنعامه .

قال المفسرون: ابتدأ الله ذكر الخلق بالحمد فقال: "الحمد لله الذي [ ص: 203 ] خلق السماوات والأرض" [الأنعام: 1] وختم غاية الأمر -وهو استقرار الفريقين في منازلهم- بالحمد لله بهذه الآية، فنبه على تحميده في بداية كل أمر وخاتمته .
[ ص: 204 ] سُورَةُ الْمُؤْمِنِ

قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ: وَيُقَالُ لَهَا: سُورَةُ الطَّوْلِ . وَهِيَ مَكِّيَّةٌ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالْحَسَنُ، وَمُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَقَتَادَةُ . وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ أَنَّ فِيهَا آَيَتَيْنِ نَزَلَتَا بِالْمَدِينَةِ: قَوْلُهُ: الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ وَالَّتِي بَعْدَهَا [الْمُؤْمِنِ: 35، 36] . قَالَ الزَّجَّاجُ : وَذَكَرَ أَنَّ الْحَوَامِيمَ كُلَّهَا نَزَلَتْ بِمَكَّةَ . قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ : يُقَالُ: إِنَّ "حم" اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ أُضِيفَتْ هَذِهِ السُّورَةُ إِلَيْهِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: سُورَةُ اللَّهِ، لِشَرَفِهَا وَفَضْلِهَا، فَقِيلَ: آَلُ حَامِيمٍ، وَإِنْ كَانَ الْقُرْآَنُ كُلُّهُ سُوَرَ اللَّهِ، وَإِنَّ هَذَا كَمَا يُقَالُ: بَيْتُ اللَّهِ، وَحَرَمُ اللَّهِ، وَنَاقَةُ اللَّهِ، قَالَ الْكُمَيْتُ:


وَجَدْنَا لَكُمْ فِي آَلِ حَامِيمَ آَيَةٌ تَأَوَّلَهَا مِنَّا تَقِيٌّ وَمُعَرَّبٌ


وَقَدْ تُجْعَلُ "حم" اسْمًا لِلسُّورَةِ، وَيَدْخُلُ الْإِعْرَابَ وَلَا يُصْرَفُ، وَمَنْ قَالَ هَذَا فِي الْجَمِيعِ: الْحَوَامِيمُ، كَمَا يُقَالُ: "طس" وَالطَّوَاسِينَ . وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ الْأَنْبَارِيِّ: الْعَرَبُ تَقُولُ: وَقَعَ فِي الْحَوَامِيمِ، وَفِي آَلِ حَمِيمٍ، أَنْشَدَ أَبُو عُبَيْدَةَ:
حَلَفْتُ بِالسَّبْعِ اللَّوَاتِي طُوِّلَتْ وَبِمِئِينَ بَعْدَهَا قَدْ أُمْئِيَتْ


وَبِمَثَانٍ ثُنِّيَتْ فَكُرِّرَتْ وَبِالطَّوَاسِينَ اللَّوَاتِي ثُلِّثَتْ


[ ص: 205 ] وَبِالْحَوَامِيمِ اللَّوَاتِي سُبِّعَتْ [وَبِالْمُفَصَّلِ اللَّوَاتِي فُصِّلَتْ]


فَمَنْ قَالَ: وَقَعَ فِي آَلِ حَامِيمَ، جَعَلَ حَامِيمَ اسْمًا لِكُلِّهِنَّ; وَمَنْ قَالَ: وَقَعَ فِي الْحَوَامِيمِ، جَعَلَ "حم" كَأَنَّهُ حَرْفٌ وَاحِدٌ بِمَنْزِلَةِ قَابِيلَ وَهَابِيلَ . وَقَرَأْتُ عَلَى شَيْخِنَا أَبِي مَنْصُورٍ اللُّغَوِيِّ قَالَ: مِنَ الْخَطَإِ أَنْ تَقُولَ: قَرَأَتُ الْحَوَامِيمَ، وَلَيْسَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ، وَالصَّوَابُ أَنْ تَقُولَ، قَرَأَتُ آَلَ حَامِيمَ . وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ "إِذَا وَقَعَتْ فِي آَلِ حم وَقَعَتْ فِي رَوْضَاتٍ دَمِثَاتٍ"، وَقَالَ الْكُمَيْتُ:

وَجَدْنَا لَكُمْ فِي آَلِ حَامِيمَ آَيَةٌ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

حم . تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ . غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ .

وَفِي حم أَرْبَعَةُ أَقَوْالٍ .

أَحَدُهَا: قَسَمٌ أَقْسَمَ اللَّهُ بِهِ وَهُوَ مِنْ أَسْمَائِهِ عَزَّ وَجَلَّ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ . قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ جَوَابَ الْقَسَمِ قَوْلُهُ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ [الْمُؤْمِنِ: 10] .

[ ص: 206 ] وَالثَّانِي: أَنَّهَا حُرُوفٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقَوْالٍ . أَحَدُهَا: أَنْ "الر" وَ "حم" وَ "نُونُ" حُرُوفِ الرَّحْمَنِ، رَوَاهُ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ . وَالثَّانِي: أَنَّ الْحَاءَ مِفْتَاحُ اسْمِهِ "حَمِيدُ"، وَالْمِيمُ مِفْتَاحُ اسْمِهِ "مَجِيدُ"، قَالَهُ أَبُو الْعَالِيَةَ . وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْحَاءَ مِفْتَاحُ كُلِّ اسْمٍ لِلَّهِ ابْتِدَاؤُهُ حَاءٌ، مِثْلُ "حَكِيمٍ"، وَ "حَلِيمٍ"، وَ "حَيٍّ"، وَالْمِيمُ مِفْتَاحُ كُلِّ اسْمٍ لَهُ، ابْتِدَاؤُهُ مِيمٌ مِثْلُ "مَلِكٍ"، وَ "مُتَكَبِّرٍ"، وَ "مَجِيدٍ"، حَكَاهُ أَبُو سُلَيْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ . وَرُوِيَ نَحْوَهُ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ .

وَالثَّالِثُ: أَنَّ مَعْنَى "حم": قُضِيَ مَا هُوَ كَائِنٌ، رَوَاهُ أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ . وَرُوِيَ عَنِ الضَّحَّاكِ وَالْكِسَائِيِّ مِثْلُ هَذَا كَأَنَّهُمَا أَرَادَا الْإِشَارَةَ إِلَى حم، بِضَمِّ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ . قَالَ الزَّجَّاجُ : وَقَدْ قِيلَ فِي "حم": حُمَّ الْأَمْرُ . وَالرَّابِعُ: أَنْ "حم" اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْقُرْآَنِ، قَالَهُ قَتَادَةُ . وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ: "حم" بِفَتْحِ الْحَاءِ; وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ، وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ: بِكَسْرِهَا; وَاخْتَلَفَ عَنِ الْبَاقِينَ . قَالَ الزَّجَّاجُ : أَمَّا الْمِيمُ، فَسَاكِنَةٌ فِي قِرَاءَةِ الْقُرَّاءِ كُلِّهِمُ الَّا عِيسَى ابْنُ عُمَرَ فَإِنَّهُ فَتَحَهَا; وَفَتْحُهَا عَلَى ضَرْبَيْنِ . أَحَدُهُمَا: أَنْ يَجْعَلَ "حم" اسْمًا لِلسُّورَةِ، فَيَنْصِبُهُ وَلَا يُنَوِّنُهُ، لِأَنَّهُ عَلَى لَفْظِ الْأَسْمَاءِ الْأَعْجَمِيَّةِ نَحْوَ هَابِيلَ وَقَابِيلَ . وَالثَّانِي: عَلَى مَعْنَى: اتْلُ حم; وَالْأَجْوَدُ أَنْ يَكُونَ فَتْحٌ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ حَيْثُ جَعَلَهُ اسْمًا لِلسُّورَةِ، وَيَكُونُ حِكَايَةَ حُرُوفِ الْهِجَاءِ .

قَوْلُهُ تَعَالَى: تَنْزِيلُ الْكِتَابِ أَيْ: هَذَا تَنْزِيلُ الْكِتَابِ . وَالتَّوْبُ: [ ص: 207 ] جَمْعُ تَوْبَةٍ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا مَنْ تَابَ يَتُوبُ تَوْبًا . وَالطَّوْلُ: الْفَضْلُ . قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: يُقَالُ: فُلَانٌ ذُو طَوْلٍ عَلَى قَوْمِهِ، أَيْ: ذُو فَضْلٍ . وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ : يُقَالُ: طُلَّ عَلَيَّ يَرْحَمُكَ اللَّهُ، أَيْ: تَفَضَّلْ . قَالَ الْخَطَّابِيُّ: ذُو: حَرْفُ النِّسْبَةِ، وَالنِّسْبَةُ فِي كَلَامِهِمْ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: بِالْيَاءِ، كَقَوْلِهِمْ: أَسَدِيٌّ، وَبِكْرِّيٌّ، وَالثَّانِي عَلَى الْجَمْعِ، كَقَوْلِهِمُ: الْمَهَالِبَةُ، وَالْمَسَامِعَةُ، وَالْأَزَارِقَةُ، وَالثَّالِثُ بِـ "ذِي" وَ "ذَاتُ"، كَقَوْلِهِمْ: رَجُلُ مَالٍ، أَيْ: ذُو مَالٍ، وَكَبْشٍ صَافٍ، أَيْ: ذُو صُوفٍ، وَنَاقَةٍ ضَامِرٍ، أَيْ: ذَاتُ ضَمْرٍ; فَقَوْلُهُ: ذُو الطَّوْلِ، مَعْنَاهُ: أَهْلُ الطَّوْلِ وَالْفَضْلِ .
ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد . كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب . وكذلك حقت كلمت ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار .

قوله تعالى: ما يجادل في آيات الله أي: ما يخاصم فيها بالتكذيب لها ودفعها بالباطل إلا الذين كفروا وباقي الآية في [آل عمران: 196]; والمعنى: إن عاقبة أمرهم إلى العذاب كعاقبة من قبلهم .

قوله تعالى: وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه فيه قولان . أحدهما: ليقتلوه، قاله ابن عباس، وقتادة . والثاني: ليحبسوه ويعذبوه، ويقال للأسير: أخيذ، حكاه ابن قتيبة . قال الأخفش: وإنما قال: "ليأخذوه" فجمع على الكل، لأن الكل مذكر ومعناه معنى الجماعة . وما بعد هذا مفسر في [الكهف: 56] إلى قوله: فأخذتهم أي: عاقبتهم وأهلكتهم [ ص: 208 ] فكيف كان عقاب استفهام تقرير لعقوبتهم الواقعة بهم . وكذلك أي: مثل الذي حق على الأمم المكذبة حقت كلمت ربك بالعذاب، وهي قوله: لأملأن جهنم [الأعراف: 18]على الذين كفروا من قومك . وقرأ نافع، وابن عامر: ( حقت كلمات ربك ) ، أنهم قال الأخفش: لأنهم أو بأنهم أصحاب النار .
الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم . ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم . وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم .

ثم أخبر بفضل المؤمنين فقال: الذين يحملون العرش وهم أربعة أملاك، فإذا كان يوم القيامة جعلوا ثمانية ومن حوله قال وهب بن منبه: حول العرش سبعون ألف صف من الملائكة يطوفون به، ومن وراء هؤلاء مائة ألف صف من الملائكة ليس فيهم أحد إلا وهو يسبح بما لا يسبحه الآخر . وقال غيره: الذين حول العرش هم الكروبيون وهم سادة الملائكة . وقد ذكرنا في السورة المتقدمة معنى قوله: يسبحون بحمد ربهم [الزمر: 75] .

قوله تعالى: ربنا أي يقولون: ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما قال الزجاج : هو منصوب على التمييز . وقال غيره: المعنى: وسعت رحمتك وعلمك كل شيء فاغفر للذين تابوا من الشرك واتبعوا سبيلك [ ص: 209 ] وهو دين الإسلام . وما بعد هذا ظاهر إلى قوله: وقهم السيئات قال قتادة: يعني العذاب .
إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون . قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل . ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير .

قوله تعالى: إن الذين كفروا ينادون لمقت الله قال المفسرون: لما رأوا أعمالهم وأدخلوا النار مقتوا أنفسهم لسوء فعلهم، فناداهم مناد: لمقت الله إياكم في الدنيا إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون أكبر من مقتكم أنفسكم .

ثم أخبر عما يقولون في النار بقوله: ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين وهذا مثل قوله: وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم [البقرة: 28] وقد فسرناه هنالك .

قوله تعالى: فهل إلى خروج أي: من النار إلى الدنيا لنعمل بالطاعة من سبيل ؟ وفي الكلام اختصار، تقديره: فأجيبوا أن لا سبيل إلى ذلك; وقيل لهم: ذلكم يعني العذاب الذي نزل بهم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم أي: إذا قيل "لا إله إلا الله" أنكرتم، وإن جعل له شريك آمنتم، فالحكم لله فهو الذي حكم على المشركين بالنار . وقد بينا في سورة [البقرة: 255] معنى العلي، وفي [الرعد: 9] معنى الكبير .
[ ص: 210 ] هو الذي يريكم آياته وينزل لكم من السماء رزقا وما يتذكر إلا من ينيب . فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون . رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق . يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار . اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب .

هو الذي يريكم آياته أي: مصنوعاته التي تدل على وحدانيته وقدرته . والرزق هاهنا: المطر، سمي رزقا، لأنه سبب الأرزاق . و "يتذكر" بمعنى يتعظ، و "ينيب" بمعنى يرجع إلى الطاعة .

ثم أمر المؤمنين بتوحيده فقال: فادعوا الله مخلصين له الدين أي: موحدين .

قوله تعالى: رفيع الدرجات قال ابن عباس: يعني رافع السموات . وحكى الماوردي عن بعض المفسرين قال: معناه: عظيم الصفات .

قوله تعالى: ذو العرش أي: خالقه ومالكه .

قوله تعالى: يلقي الروح فيه خمسة أقوال .

أحدها: أنه القرآن . والثاني: النبوة . والقولان مرويان عن ابن عباس . وبالأول قال ابن زيد، وبالثاني قال السدي . والثالث: الوحي، قاله قتادة . وإنما سمي القرآن والوحي روحا، لأن قوام الدين به، كما أن قوام البدن بالروح . والرابع: جبريل، قاله الضحاك . والخامس: الرحمة، حكاه إبراهيم الحربي .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 18-03-2023, 11:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,926
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السابع

سورة غافر
الحلقة (476)
صــ 211 إلى صــ 220




[ ص: 211 ] قوله تعالى: من أمره فيه ثلاثة أقوال . أحدها: من قضائه، قاله ابن عباس . والثاني: بأمره، قاله مقاتل . والثالث: من قوله، ذكره الثعلبي .

قوله تعالى: على من يشاء من عباده يعني الأنبياء .

لينذر في المشار إليه قولان . أحدهما: أنه الله عز وجل . والثاني: النبي الذي يوحى إليه .

والمراد بـ يوم التلاق : يوم القيامة . وأثبت ياء ( التلاقي ) في الحالين ابن كثير ويعقوب، وأبو جعفر وافقهما في الوصل; والباقون بغير ياء في الحالين . وفي سبب تسميته بذلك خمسة أقوال .

أحدها: أنه يلتقي فيه أهل السماء والأرض، رواه يوسف بن مهران عن ابن عباس .

والثاني: يلتقي فيه الأولون والآخرون، روي عن ابن عباس أيضا .

والثالث: [يلتقي] فيه الخلق والخالق، قاله قتادة ومقاتل .

والرابع: يلتقي المظلوم والظالم، قاله ميمون بن مهران .

والخامس: يلتقي المرء بعمله، حكاه الثعلبي .

قوله تعالى: يوم هم بارزون أي: ظاهرون من قبورهم لا يخفى على الله منهم شيء .

فإن قيل: فهل يخفى عليه منهم اليوم شيء؟

فالجواب: أن لا، غير أن معنى الكلام التهديد بالجزاء; وللمفسرين فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: لا يخفى عليه مما عملوا شيء، قاله ابن عباس . والثاني: [ ص: 212 ] لا يستترون منه بجبل ولا مدر، قاله قتادة . والثالث: أن المعنى: أبرزهم جميعا، لأنه لا يخفى عليه منهم شيء، حكاه الماوردي .

قوله تعالى: لمن الملك اليوم اتفقوا على أن هذا يقوله الله عز وجل بعد فناء الخلائق . واختلفوا في وقت قوله له على قولين .

أحدهما: [أنه] يقوله عند فناء الخلائق إذا لم يبق مجيب، فيرد هو على نفسه فيقول: لله الواحد القهار ، قاله الأكثرون .

والثاني: أنه يقوله يوم القيامة .

وفيمن يجيبه حينئذ قولان . أحدهما: أنه يجيب نفسه وقد سكت الخلائق لقوله، قاله عطاء . والثاني: أن الخلائق كلهم يجيبونه فيقولون: "لله الواحد القهار"، قاله ابن جريج .
وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع . يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور .

قوله تعالى: وأنذرهم يوم الآزفة فيه قولان .

أحدهما: أنه يوم القيامة، قاله الجمهور . قال ابن قتيبة : وسميت القيامة بذلك لقربها، يقال: أزف شخوص فلان، أي: قرب .

والثاني: أنه يوم حضور المنية، قاله قطرب .

[ ص: 213 ] قوله تعالى: إذ القلوب لدى الحناجر وذلك أنها ترتقي إلى الحناجر فلا تخرج ولا تعود، هذا على القول الأول . وعلى الثاني: القلوب هي النفوس تبلغ الحناجر عند حضور المنية; قال الزجاج : و كاظمين منصوب على الحال، والحال محمولة على المعنى; لأن القلوب لا يقال لها: كاظمين، وإنما الكاظمون أصحاب القلوب; فالمعنى: إذ قلوب الناس لدى الحناجر في حال كظمهم . قال المفسرون: "كاظمين" أي: مغمومين ممتلئين خوفا وحزنا، والكاظم: الممسك للشيء على ما فيه; وقد أشرنا إلى هذا عند قوله: والكاظمين الغيظ [آل عمران: 134] .

ما للظالمين يعني الكافرين من حميم أي: قريب ينفعهم ولا شفيع يطاع فيهم فتقبل شفاعته .

يعلم خائنة الأعين قال ابن قتيبة : الخائنة والخيانة واحد . وللمفسرين فيها أربعة أقوال .

أحدها: أنه الرجل يكون في القوم فتمر به المرأة فيريهم أنه يغض بصره، فإذا رأى منهم غفلة لحظ إليها، فإن خاف أن يفطنوا له غض بصره، قاله ابن عباس .

والثاني: أنه نظر العين إلى ما نهي عنه، قاله مجاهد .

والثالث: الغمز بالعين، قاله الضحاك والسدي . قال قتادة: هو الغمز بالعين فيما لا يحبه الله ولا يرضاه .

والرابع: النظرة بعد النظرة، قاله ابن السائب .

قوله تعالى: وما تخفي الصدور فيه ثلاثة أقوال . أحدها: ما تضمره من الفعل أن لو قدرت على ما نظرت إليه، قاله ابن عباس . والثاني: الوسوسة، [ ص: 214 ] قاله السدي . والثالث: ما يسره القلب من أمانة أو خيانة، حكاه الماوردي .
والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء إن الله هو السميع البصير . أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وآثارا في الأرض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق . ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فكفروا فأخذهم الله إنه قوي شديد العقاب . ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين . إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب . فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم وما كيد الكافرين إلا في ضلال .

قوله تعالى: والله يقضي بالحق أي: يحكم به فيجزي بالحسنة والسيئة والذين يدعون من دونه من الآلهة . وقرأ نافع، وابن عامر: "تدعون" بالتاء على معنى: قل لهم: لا يقضون بشيء أي: لا يحكمون بشيء ولا يجازون به; وقد نبه الله عز وجل بهذا على أنه حي، لأنه إنما يأمر ويقضي من كان حيا، وأيد ذلك بذكر السمع والبصر، لأنهما إنما يثبتان لحي، [ ص: 215 ] قاله أبو سليمان الدمشقي . وما بعد هذا قد تقدم بعضه [يوسف: 109] وبعضه ظاهر إلى قوله: كانوا هم أشد منهم قوة وقرأ ابن عامر: "أشد منكم" بالكاف، وكذلك هو في مصاحفهم، وهو على الانصراف من الغيبة إلى الخطاب، وما كان لهم من الله أي: من عذاب الله من واق بقي العذاب عنهم .

ذلك أي: ذلك العذاب الذي نزل بهم بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات . . . . إلى آخر الآية .

ثم ذكر قصة موسى وفرعون ليعتبروا . وأراد بقوله: اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه أعيدوا القتل عليهم كما كان أولا، قاله ابن عباس . وقال قتادة: كان فرعون قد كف عن قتل الولدان، فلما بعث الله موسى، أعاد عليهم القتل ليصدهم بذلك عن متابعة موسى .

قوله تعالى: وما كيد الكافرين إلا في ضلال أي: إنه يذهب باطلا ويحيق بهم ما يريده الله عز وجل .
وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد . وقال موسى إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب . وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب . يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم [ ص: 216 ] إلا سبيل الرشاد . وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب . مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد . ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد . يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد . ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب .

وقال فرعون ذروني أقتل موسى وإنما قال هذا، لأنه كان في خاصة فرعون من يمنعه من قتله خوفا من الهلاك وليدع ربه الذي يزعم أنه أرسله فليمنعه من القتل إني أخاف أن يبدل دينكم أي: عبادتكم إياي ( وأن يظهر في الأرض الفساد ) قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو ، وابن عامر: "وأن" بغير ألف . وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي: "أو أن" بألف قبل الواو، على معنى: إن لم يبدل دينكم أوقع الفساد، إلا أن نافعا وأبا عمرو قرأ: "يظهر" بضم الياء "الفساد" بالنصب . وقرأ الباقون: "يظهر" بفتح الياء "الفساد" بالرفع، والمعنى: يظهر الفساد بتغيير أحكامنا، فجعل ذلك فسادا بزعمه; وقيل: يقتل أبناءكم كما تفعلون بهم .

فلما قال فرعون هذا، استعاذ موسى بربه فقال: إني عذت بربي وربكم قرأ ابن كثير، وعاصم، وابن عامر: "عذت" مبينة الذال، وأدغمها أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وأبو جعفر، وخلف من كل متكبر أي: متعظم عن الإيمان . فقصد فرعون قتل موسى، فقال حينئذ رجل مؤمن من آل فرعون . . . [ ص: 217 ] وفي الآل هاهنا قولان .

أحدهما: [أنه] بمعنى الأهل والنسب; قال السدي ومقاتل: كان ابن عم فرعون، وهو المراد بقوله: وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى [القصص: 20] .

والثاني: أنه بمعنى القبيلة والعشيرة; قال قتادة ومقاتل: كان قبطيا . وقال قوم: كان إسرائيليا، وإنما المعنى: قال رجل مؤمن يكتم إيمانه من آل فرعون; وفي اسمه خمسة أقوال .

أحدها: حزبيل، قاله ابن عباس، ومقاتل . والثاني: حبيب، قاله كعب . والثالث: سمعون، بالسين المهملة، قاله شعيب الجبائي . والرابع: جبريل . والخامس: شمعان، بالشين المعجمة، رويا عن ابن إسحاق، وكذلك حكى الزجاج "شمعان" بالشين، وذكره ابن ماكولا بالشين المعجمة أيضا . والأكثرون على أنه آمن بموسى لما جاء . وقال الحسن: كان مؤمنا قبل مجيء موسى، وكذلك امرأة فرعون . قال مقاتل: كتم إيمانه من فرعون مائة سنة .

قوله تعالى: أتقتلون رجلا أن يقول أي: لأن يقول ربي الله وهذا استفهام إنكار وقد جاءكم بالبينات أي: بما يدل على صدقه، وإن يك كاذبا فعليه كذبه أي: لا يضركم ذلك وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم من العذاب . وفي "بعض" ثلاثة أقوال .

[ ص: 218 ] أحدها: أنها بمعنى "كل" قاله أبو عبيدة، وأنشد للبيد:


تراك أمكنة إذا لم أرضها أو يعتلق بعض النفوس حمامها


أراد: كل النفوس .

والثاني: أنها صلة; والمعنى: يصبكم الذي يعدكم، حكي عن الليث .

والثالث: أنها على أصلها، ثم في ذلك قولان . أحدهما: أنه وعدهم النجاة إن آمنوا، والهلاك إن كفروا، فدخل ذكر البعض لأنهم على أحد الحالين . والثاني: أنه وعدهم على كفرهم الهلاك في الدنيا والعذاب في الآخرة، فصار هلاكهم في الدنيا بعض الوعد، ذكرهما الماوردي .

قال الزجاج : هذا باب من النظر يذهب فيه المناظر إلى إلزام الحجة بأيسر ما في الأمر، وليس في هذا نفي إصابة الكل، ومثله قول الشاعر:


قد يدرك المتأني بعض حاجته وقد يكون من المستعجل الزلل


وإنما ذكر البعض ليوجب الكل، لأن البعض من الكل، ولكن القائل إذا قال: أقل ما يكون للمتأني إدراك بعض الحاجة، وأقل ما يكون للمستعجل الزلل، فقد أبان فضل المتأني على المستعجل بما لا يقدر الخصم أن يدفعه، فكأن المؤمن قال لهم: أقل ما يكون في صدقه أن يصيبكم بعض الذي يعدكم، وفي بعض ذلك هلاككم; قال: وأما بيت لبيد، فإنه أراد ببعض النفوس: نفسه وحدها .

[ ص: 219 ] قوله تعالى: إن الله لا يهدي أي: لا يوفق للصواب من هو مسرف وفيه قولان . أحدهما: أنه المشرك، قاله قتادة . والثاني: أنه السفاك للدم، قاله مجاهد .

قوله تعالى: ظاهرين في الأرض أي: عالين في أرض مصر فمن ينصرنا أي: من يمنعنا من بأس الله أي: من عذابه; والمعنى: لا تتعرضوا للعذاب بالتكذيب وقتل النبي; فقال فرعون عند ذلك: ما أريكم من الرأي والنصيحة إلا ما أرى لنفسي وما أهديكم أي: أدعوكم الا إلى طريق الهدى في تكذيب موسى والإيمان بي، وهذا يدل على أنه انقطع عن جواب المؤمن .

وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب قال الزجاج : أي: مثل يوم حزب حزب; والمعنى: أخاف أن تقيموا على كفركم فينزل بكم من العذاب مثل ما نزل بالأمم المكذبة رسلهم .

قوله تعالى: يوم التناد قرأ عاصم، وأبو عمرو ، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: "التناد" بغير ياء . وأثبت الياء في الوصل والوقف ابن كثير، ويعقوب، وافقهم أبو جعفر في الوصل . وقرأ أبو بكر الصديق، وابن عباس، وسعيد بن المسيب، وابن جبير، وأبو العالية، والضحاك : "التناد" بتشديد الذال . قال الزجاج : أما إثبات الياء فهو الأصل، وحذفها حسن جميل، [ ص: 220 ] لأن الكسرة تدل على الياء، وهو رأس آية، وأواخر هذه الآيات على الدال، ومن قرأ بالتشديد، فهو من قولهم: ند فلان، وند البعير: إذا هرب على وجهه، ويدل على هذا قوله: "يوم تولون مدبرين" وقوله: يوم يفر المرء من أخيه [عبس: 34]; قال أبو علي: معنى الكلام: إني أخاف عليكم عذاب يوم التناد . قال الضحاك: إذا سمع الناس زفير جهنم وشهيقها ندوا فرارا منها في الأرض، فلا يتوجهون قطرا من أقطار الأرض إلا رأوا ملائكة، فيرجعون من حيث جاؤوا . وقال غيره: يؤمر بهم إلى النار فيفرون ولا عاصم لهم . فأما قراءة التخفيف، فهي من النداء، وفيها للمفسرين أربعة أقوال .

أحدها: أنه عند نفخة الفزع ينادي الناس بعضهم بعضا، روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يأمر الله عز وجل إسرافيل بالنفخة الأولى فيقول: أنفخ نفخة الفزع: فيفزع أهل السموات والأرض إلا من شاء الله، فتسير الجبال، وترج الأرض، وتذهل المراضع، وتضع الحوامل، ويولي الناس مدبرين ينادي بعضهم بعضا [وهو قوله: "يوم التناد"]" .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 18-03-2023, 11:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,926
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السابع

سورة غافر
الحلقة (477)
صــ 221 إلى صــ 230




[ ص: 221 ] والثاني: أنه نداء أهل الجنة والنار بعضهم بعضا كما ذكر في [الأعراف: 44، 50]، وهذا قول قتادة .

والثالث: أنه قولهم: يا حسرتنا يا ويلتنا، قاله ابن جريج .

والرابع: أنه ينادى فيه كل أناس بإمامهم بسعادة السعداء وشقاوة الأشقياء .

قوله تعالى: يوم تولون مدبرين فيه قولان . أحدهما: هربا من النار . والثاني: أنه انصرافهم إلى النار .

قوله تعالى: ما لكم من الله من عاصم أي: من مانع .

قوله تعالى: ولقد جاءكم يوسف وهو يوسف بن يعقوب، ويقال: إنه ليس به، وليس بشيء .

قوله تعالى: من قبل أي: من قبل موسى بالبينات وهي الدلالات على التوحيد، كقوله: أأرباب متفرقون خير . . . . الآية [يوسف: 39]، وقال ابن السائب: البينات: تعبير الرؤيا وشق القميص، وقيل: بل بعثه الله تعالى بعد موت ملك مصر إلى القبط .

قوله تعالى: فما زلتم في شك مما جاءكم به أي: من عبادة الله وحده حتى إذا هلك أي: مات قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا أي: إنكم أقمتم على كفركم وظننتم أن الله لا يجدد الحجة عليكم كذلك [ ص: 222 ] أي: مثل هذا الضلال يضل الله من هو مسرف أي: مشرك مرتاب أي: شاك في التوحيد وصدق الرسل .
الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار . وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب . أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب .

قوله تعالى: الذين يجادلون قال الزجاج : هذا تفسير المسرف المرتاب، والمعنى: هم الذين يجادلون في آيات الله . قال المفسرون: يجادلون في إبطالها والتكذيب بها بغير سلطان، أي: بغير حجة أتتهم من الله .

كبر مقتا أي: كبر جدالهم مقتا عند الله وعند الذين آمنوا، والمعنى: يمقتهم الله ويمقتهم المؤمنون بذلك الجدال .

كذلك أي: كما طبع الله على قلوبهم حتى كذبوا وجادلوا بالباطل يطبع على كل قلب متكبر عن عبادة الله وتوحيده . وقد سبق بيان معنى الجبار [ ص: 223 ] في [هود: 59] . وقرأ أبو عمرو: "على كل قلب" بالتنوين، وغيره من القراء السبعة يضيفه . وقال أبو علي: المعنى: يطبع على جملة القلب من المتكبر . واختار قراءة الإضافة الزجاج ، قال: لأن المتكبر هو الإنسان، لا القلب .

فإن قيل: لو كانت هذه القراءة أصوب لتقدم القلب على الكل؟

فالجواب: أن هذا جائز عند العرب، قال الفراء: تقدم هذا وتأخره واحد، سمعت بعض العرب يقول: هو يرجل شعره يوم كل جمعة، يريد: كل يوم جمعة والمعنى واحد . وقد قرأ ابن مسعود، وأبو عمران الجوني: "على قلب كل متكبر" بتقديم القلب .

قال المفسرون: فلما وعظ المؤمن فرعون وزجره عن قتل موسى، قال فرعون لوزيره: يا هامان ابن لي صرحا وقد ذكرناه في [القصص: 38] .

قوله تعالى: لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات قال ابن عباس وقتادة: يعني أبوابها . وقال أبو صالح: طرقها . وقال غيره: المعنى: لعلي أبلغ الطرق من سماء إلى سماء . وقال الزجاج : لعلي ما يؤديني إلى السموات . وما بعد هذا مفسر في [القصص: 38] إلى قوله: وكذلك أي: ومثل ما وصفنا زين لفرعون سوء عمله وصد عن سبيل الهدى . قرأ عاصم، وحمزة والكسائي: "وصد" بضم الصاد، والباقون بفتحها، وما كيد فرعون في إبطال آيات موسى إلا في تباب أي: في بطلان وخسران .
[ ص: 224 ] وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد . يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار . من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب .

ثم عاد الكلام إلى نصيحة المؤمن لقومه، وهو قوله: اتبعون أهدكم سبيل الرشاد أي: طريق الهدى، يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع يعني الحياة في هذه الدار متاع يتمتع بها أياما ثم تنقطع وإن الآخرة هي دار القرار التي لا زوال لها .

من عمل سيئة فيها قولان . أحدهما: أنها الشرك، ومثلها جهنم، قاله الأكثرون . والثاني: المعاصي، ومثلها: العقوبة بمقدارها، قاله أبو سليمان الدمشقي . فعلى الأول، العمل الصالح: التوحيد، وعلى الثاني، هو [على] الإطلاق .

قوله تعالى: فأولئك يدخلون الجنة قرأ ابن كثير، وأبو عمرو : "يدخلون" بضم الياء . وقرأ نافع، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: بالفتح، وعن عاصم كالقراءتين .

وفي قوله: بغير حساب قولان . أحدهما: أنهم لا تبعة عليهم فيما يعطون في الجنة، قاله مقاتل . والثاني: أنه يصب عليهم الرزق صبا بغير تقتير، قاله أبو سليمان الدمشقي .
[ ص: 225 ] ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار . تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار . لا جرم أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة وأن مردنا إلى الله وأن المسرفين هم أصحاب النار . فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد . فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب . النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب .

قوله تعالى: ويا قوم ما لي أدعوكم أي: مالكم، كما تقول: ما لي أراك حزينا، معناه: مالك، ومعنى الآية: أخبروني كيف هذه الحال، أدعوكم إلى النجاة من النار بالإيمان، وتدعونني إلى النار أي: إلى الشرك الذي يوجب النار؟! ثم فسر الدعوتين بما بعد هذا .

ومعنى ليس لي به علم أي: لا أعلم هذا الذي ادعوه شريكا له . وقد سبق بيان ما بعد هذا [البقرة: 129، طه: 82] إلى قوله: ليس له دعوة وفيه قولان . أحدهما: ليس له استجابة دعوة، قاله السدي . والثاني: ليس له شفاعة، قاله ابن السائب .

قوله تعالى: وأن مردنا إلى الله أي: مرجعنا; والمعنى: أنه يجازينا بأعمالنا . وفي المسرفين قولان قد ذكرناهما عند قوله: مسرف كذاب [غافر: 28] .

قوله تعالى: فستذكرون ما أقول لكم وقرأ ابن مسعود، وأبو العالية، [ ص: 226 ] وأبو عمران الجوني، وأبو رجاء: "فستذكرون" بفتح الذال وتخفيفها وتشديد الكاف وفتحها; وقرأ أبي بن كعب ، وأيوب السختياني: بفتح الذال والكاف وتشديدهما جميعا . أي: إذا نزل العذاب بكم ما أقول لكم في الدنيا من النصيحة؟!

وأفوض أمري إلى الله أي: أرده، وذلك أنهم تواعدوه لمخالفته دينهم إن الله بصير بالعباد أي: بأوليائه وأعدائه .

ثم خرج المؤمن عنهم، فطلبوه فلم يقدروا عليه، ونجا مع موسى لما عبر البحر، فذلك قوله: فوقاه الله سيئات ما مكروا أي: ما أرادوا به من الشر وحاق بآل فرعون لما لجوا في البحر سوء العذاب قال المفسرون: هو الغرق .

قوله تعالى: النار يعرضون عليها غدوا وعشيا قال ابن مسعود [ ص: 227 ] [ ص: 228 ] وابن عباس: إن أرواح آل فرعون في أجواف طير سود يعرضون على النار كل يوم مرتين فيقال: يا آل فرعون هذه داركم . وروى ابن جرير قال: حدثنا عبد الكريم بن أبي عمير، قال: حدثنا حماد بن محمد البلخي قال: سمعت الأوزاعي، وسأله رجل، فقال: رأينا طيورا تخرج من البحر فتأخذ ناحية الغرب بيضا، فوجا فوجا، لا يعلم عددها إلا الله، فإذا كان العشي رجع مثلها سودا، قال: وفطنتم إلى ذلك؟ قال: نعم، قال: إن تلك الطير في حواصلها أرواح آل فرعون يعرضون على النار غدوا وعشيا، فترجع إلى وكورها وقد احترقت رياشها وصارت سوداء، فينبت عليها من الليل رياش بيض، وتتناثر السود، ثم تغدو ويعرضون على النار غدوا وعشيا، [ثم ترجع إلى وكورها]، فذلك دأبها في الدنيا، فإذا كان يوم القيامة قال الله عز وجل: أدخلوا [ ص: 229 ] آل فرعون أشد العذاب . وقد روى البخاري ومسلم في "الصحيحين" من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن [أهل] الجنة، وإن كان من أهل النار فمن [أهل] النار، يقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة" .

وهذه الآية تدل على عذاب القبر، لأنه بين ما لهم في الآخرة فقال: ويوم تقوم الساعة أدخلوا قرأ ابن كثير، وابن عامر، [وأبو عمرو]، وأبو بكر وأبان عن عاصم: "الساعة ادخلوا" بالضم وضم الخاء على معنى الأمر لهم بالدخول، والابتداء على قراءة هؤلاء بضم الألف . وقرأ الباقون: بالقطع مع كسر الخاء على جهة الأمر للملائكة بإدخالهم، وهؤلاء يبتدئون بفتح الألف .
وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار . قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد . وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب . قالوا أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال . إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد . يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار .

قوله تعالى: وإذ يتحاجون في النار المعنى: واذكر لقومك يا محمد [ ص: 230 ] إذ يختصمون، يعني أهل النار، والآية مفسرة في [سورة] [إبراهيم: 21]، والذين استكبروا هم القادة . ومعنى إنا كل فيها أي: نحن وأنتم، إن الله قد حكم بين العباد أي: قضى هذا علينا وعليكم . ومعنى قول الخزنة لهم: فادعوا أي: نحن لا ندعو لكم وما دعاء الكافرين إلا في ضلال أي: إن ذلك يبطل ولا ينفع .

إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: أن ذلك بإثبات حججهم . والثاني: بإهلاك عدوهم: والثالث: بأن العاقبة تكون لهم . وفصل الخطاب: أن نصرهم حاصل لابد منه، فتارة يكون بإعلاء أمرهم كما أعطى داود وسليمان من الملك ما قهرا به كل كافر، وأظهر محمدا صلى الله عليه وسلم على مكذبيه، وتارة يكون بالانتقام من مكذبيهم بإنجاء الرسل وإهلاك أعدائهم، كما فعل بنوح وقومه وموسى وقومه، وتارة يكون بالانتقام من مكذبيهم بعد وفاة الرسل، كتسليطه بختنصر على قتلة يحيى بن زكريا . وأما نصرهم يوم يقوم الأشهاد، فإن الله منجيهم من العذاب، وواحد الأشهاد شاهد، كما أن واحد الأصحاب صاحب . وفي الأشهاد ثلاثة أقوال .

أحدها: الملائكة، شهدوا للأنبياء بالإبلاغ وعلى الأمم بالتكذيب، قاله مجاهد، والسدي . قال مقاتل: وهم الحفظة من الملائكة .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 18-03-2023, 11:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,926
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السابع

سُورَةُ السَّجْدَةِ
الحلقة (478)
صــ 231 إلى صــ 240






[ ص: 231 ] والثاني: الملائكة والأنبياء، قاله قتادة .

والثالث: أنهم أربعة: الأنبياء والملائكة والمؤمنون والجوارح، قاله ابن زيد .

قوله تعالى: يوم لا ينفع قرأ ابن كثير، وأبو عمرو : "تنفع" بالتاء، والباقون بالياء; لأن المعذرة والاعتذار بمعنى الظالمين معذرتهم أي: لا يقبل منهم إن اعتذروا ولهم اللعنة أي: البعد من الرحمة . وقد بينا في [الرعد: 25] أن "لهم" بمعنى "عليهم"، و سوء الدار : النار .
ولقد آتينا موسى الهدى وأورثنا بني إسرائيل الكتاب . هدى وذكرى لأولي الألباب . فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار . إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير . لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون . وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء قليلا ما تتذكرون . إن الساعة لآتية لا ريب فيها ولكن أكثر الناس لا يؤمنون . وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين . الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون . ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو [ ص: 232 ] فأنى تؤفكون . كذلك يؤفك الذين كانوا بآيات الله يجحدون . الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين . هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين . قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما جاءني البينات من ربي وأمرت أن أسلم لرب العالمين . هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلا مسمى ولعلكم تعقلون . هو الذي يحيي ويميت فإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون .

ولقد آتينا موسى الهدى من الضلالة، يعني التوراة وأورثنا بني إسرائيل الكتاب بعد موسى، وهو التوراة أيضا في قول الأكثرين; وقال ابن السائب: التوراة والإنجيل والزبور . والذكرى بمعنى التذكير .

فاصبر على أذاهم إن وعد الله حق في نصرك، وهذه الآية في هذه السورة في موضعين [غافر: 55، 77]، وقد ذكروا أنها منسوخة بآية السيف . ومعنى "سبح": صل .

وفي المراد بصلاة العشي والإبكار ثلاثة أقوال .

أحدها: أنها الصلوات الخمس، قاله ابن عباس .

[ ص: 233 ] والثاني: صلاة الغداة وصلاة العصر، قاله قتادة .

والثالث: أنها صلاة كانت قبل أن تفرض الصلوات، ركعتان غدوة، وركعتان عشية، قاله الحسن .

وما بعد هذا قد تقدم آنفا [المؤمن: 4] إلى قوله: إن في صدورهم إلا كبر . . . الآية نزلت في قريش; والمعنى: ما يحملهم على تكذيبك إلا ما في صدورهم من التكبر عليك، وما هم ببالغي مقتضى ذلك الكبر، لأن الله تعالى مذلهم، فاستعذ بالله من شرهم; ثم نبه على قدرته بقوله: لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس أي: من إعادتهم، [ ص: 234 ] وذلك لكثرة أجزائها وعظم جرمها، فنبههم على قدرته على إعادة الخلق ولكن أكثر الناس لا يعلمون يعني الكفار حين لا يستدلون بذلك على التوحيد . وقال مقاتل: عظمت اليهود الدجال وقالوا: إن صاحبنا يبعث في آخر الزمان وله سلطان، فقال الله: إن الذين يجادلون في آيات الله لأن الدجال من آياته، بغير سلطان أي: [بغير] حجة، فاستعذ بالله من فتنة الدجال، قال: والمراد بـ "خلق الناس": الدجال; وإلى نحو هذا ذهب أبو العالية، والأول أصح .

وما بعد هذا ظاهر إلى قوله: ادعوني أستجب لكم فيه قولان . أحدهما: وحدوني واعبدوني أثبكم، قاله ابن عباس . والثاني: سلوني أعطكم، قاله السدي .

إن الذين يستكبرون عن عبادتي فيه قولان . أحدهما: عن توحيدي، والثاني: عن دعائي ومسألتي سيدخلون جهنم قرأ ابن كثير . وأبو بكر [ ص: 235 ] عن عاصم، وعباس بن الفضل عن أبي عمرو: "سيدخلون" [بضم الياء]، والباقون بفتحها . والداخر: الصاغر .

وما بعد هذا قد سبق في مواضع متقرقة [يونس: 67، القصص: 73، الأنعام: 95، النمل: 61، الأعراف: 54، 29، الحج: 5] إلى قوله: ولتبلغوا أجلا مسمى وهو أجل الحياة إلى الموت ولعلكم تعقلون توحيد الله وقدرته .
ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون . الذين كذبوا بالكتاب وبما أرسلنا به رسلنا فسوف يعلمون . إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون . في الحميم ثم في النار يسجرون . ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون . من دون الله قالوا ضلوا عنا بل لم نكن ندعو من قبل شيئا كذلك يضل الله الكافرين . ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون . ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين . فاصبر إن وعد الله حق فإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون . ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم [ ص: 236 ] من لم نقصص عليك وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله فإذا جاء أمر الله قضي بالحق وخسر هنالك المبطلون . الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون . ولكم فيها منافع ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم وعليها وعلى الفلك تحملون . ويريكم آياته فأي آيات الله تنكرون . أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثارا في الأرض فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون . فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون . فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين . فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنت الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون .

ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله يعني القرآن، يقولون: ليس من عند الله، أنى يصرفون أي: كيف صرفوا عن الحق إلى الباطل؟! وفيهم قولان . أحدهما: أنهم المشركون، قاله ابن عباس . والثاني: أنهم القدرية، ذكره جماعة من المفسرين . وكان ابن سيرين يقول: إن لم تكن نزلت في القدرية فلا أدري فيمن نزلت .

وقرأ ابن مسعود، وابن عباس، وأبو رزين ، وأبو مجلز، والضحاك ، وابن يعمر، وابن أبي عبلة: "والسلاسل يسحبون" بفتح اللام والياء . وقال ابن عباس: إذا سحبوها كان أشد عليهم .

[ ص: 237 ] قوله تعالى: يسجرون قال مجاهد: توقد بهم النار فصاروا وقودها .

قوله تعالى: أين ما كنتم تشركون مفسر في [الأعراف: 190] .

وفي قوله: لم نكن ندعو من قبل شيئا قولان .

أحدهما: أنهم أرادوا أن الأصنام لم تكن شيئا، لأنها لم تكن تضر ولا تنفع، وهو قول الأكثرين .

والثاني: أنهم قالوه على وجه الجحود، قاله أبو سليمان الدمشقي .

كذلك أي: كما أضل الله هؤلاء يضل الكافرين .

ذلكم العذاب الذي نزل بكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق أي: بالباطل وبما كنتم تمرحون وقد شرحنا المرح في [بني إسرائيل: 37] . وما بعد هذا قد تقدم بتمامه [النحل: 29، يونس: 109، النساء: 164] إلى قوله: وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله وذلك لأنهم كانوا يقترحون عليه الآيات فإذا جاء أمر الله وهو قضاؤه بين الأنبياء وأممهم، و المبطلون : أصحاب الباطل .

قوله تعالى: ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم أي: حوائجكم في البلاد .

قوله تعالى: فأي آيات الله تنكرون استفهام توبيخ .

قوله تعالى: فما أغنى عنهم في "ما" قولان . أحدهما: أنها للنفي . [ ص: 238 ] والثاني: [أنها] للاستفهام، ذكرهما ابن جرير .

قوله تعالى: فرحوا بما عندهم من العلم في المشار إليهم قولان .

أحدهما: [أنهم] الأمم المكذبة، قاله الجمهور; ثم في معنى الكلام قولان . أحدهما: أنهم قالوا: نحن أعلم منهم لن نبعث ولن نحاسب، قاله مجاهد . والثاني: فرحوا بما كان عندهم أنه علم، قاله السدي .

والقول الثاني: أنهم الرسل; والمعنى: فرح الرسل لما هلك المكذبون ونجوا بما عندهم من العلم بالله إذ جاء تصديقه، حكاه أبو سليمان وغيره .

قوله تعالى: وحاق بهم يعني بالمكذبين العذاب الذي كانوا به يستهزؤون . والبأس: العذاب . ومعنى سنت الله : أنه سن هذه السنة في الأمم، أي: أن إيمانهم لا ينفعهم إذا رأوا العذاب، وخسر هنالك الكافرون .

[ ص: 239 ] فإن قيل: كأنهم لم يكونوا خاسرين قبل ذلك؟

فعنه جوابان . أحدهما: أن "خسر" بمعنى "هلك" قاله ابن عباس .

والثاني: أنه إنما بين لهم خسرانهم عند نزول العذاب، قاله الزجاج .
[ ص: 240 ] سُورَةُ السَّجْدَةِ

مَكِّيَّةٌ [كُلُّهَا] بِإِجْمَاعِهِمْ، وَيُقَالُ لَهَا: سَجْدَةُ الْمُؤْمِنِ، وَيُقَالُ لَهَا: الْمَصَابِيحُ .

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

حم . تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ . بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ . وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ . قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ . الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ . إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 18-03-2023, 11:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,926
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السابع

سُورَةُ السَّجْدَةِ
الحلقة (479)
صــ 241 إلى صــ 250





قَوْلُهُ تَعَالَى: تَنْزِيلٌ قَالَ الْفَرَّاءُ: يَجُوزُ أَنْ يَرْتَفِعَ "تَنْزِيلُ" بِـ حم ،وَيَجُوزُ أَنْ يَرْتَفِعَ بِإِضْمَارِ "هَذَا" . وَقَالَ الزَّجَّاجُ : "تَنْزِيلُ" مُبْتَدَأٌ، وَخَبَرُهُ [ ص: 241 ] "كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ"، هَذَا مَذْهَبُ الْبَصْرِيِّينَ . وَ قُرْآنًا مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ، الْمَعْنَى: بُيِّنَتْ آيَاتُهُ فِي حَالِ جَمْعِهِ، لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ أَيْ: لِمَنْ يَعْلَمُ .

قَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ يَعْنِي أَهْلَ مَكَّةَ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ تَكَبُّرًا عَنْهُ، وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ أَيْ: فِي أَغْطِيَةٍ فَلَا نَفْقَهُ قَوْلَكَ . وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ "الْأَكِنَّةِ" وَ "الْوَقْرِ" فِي [الْأَنْعَامِ: 25] . وَمَعْنَى الْكَلَامِ: إِنَّا فِي تَرْكِ الْقَبُولِ مِنْكَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَا يَسْمَعُ وَلَا يَفْهَمُ، وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ أَيْ: حَاجِزٌ فِي النِّحْلَةِ وَالدِّينِ . قَالَ الْأَخْفَشُ: وَ "مِنْ" هَاهُنَا لِلتَّوْكِيدِ .

قَوْلُهُ تَعَالَى: فَاعْمَلْ فِيهِ قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: اعْمَلْ فِي إِبْطَالِ أَمْرِنَا إِنَّا عَامِلُونَ عَلَى إِبْطَالِ أَمْرِكَ . وَالثَّانِي: اعْمَلْ عَلَى دِينِكَ إِنَّا عَامِلُونَ عَلَى دِينِنَا .

قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَيْ: لَوْلَا الْوَحْيُ لَمَا دَعَوْتُكُمْ .

فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ أَيْ: تَوَجَّهُوا إِلَيْهِ بِالطَّاعَةِ، وَاسْتَغْفِرُوهُ مِنَ الشِّرْكِ .

قَوْلُهُ تَعَالَى: الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ فِيهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ .

أَحَدُهَا: لَا يَشْهَدُونَ أَنْ "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ"، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ عِكْرِمَةُ، وَالْمَعْنَى: لَا يُطَهِّرُونَ أَنْفُسَهُمْ مِنَ الشِّرْكِ بِالتَّوْحِيدِ .

وَالثَّانِي: لَا يُؤْمِنُونَ بِالزَّكَاةِ وَلَا يُقِرُّونَ بِهَا، قَالَهُ الْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ .

[ ص: 242 ] وَالثَّالِثُ: لَا يُزَكُّونَ أَعْمَالَهُمْ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَالرَّبِيعُ .

وَالرَّابِعُ: لَا يَتَصَدَّقُونَ، وَلَا يُنْفِقُونَ فِي الطَّاعَاتِ، قَالَهُ الضَّحَّاكُ، وَمُقَاتِلٌ .

وَالْخَامِسُ: لَا يُعْطُونَ زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ، قَالَ ابْنُ السَّائِبِ: كَانُوا يَحُجُّونَ وَيَعْتَمِرُونَ وَلَا يُزَكُّونَ .

قَوْلُهُ تَعَالَى: غَيْرُ مَمْنُونٍ أَيْ: غَيْرُ مَقْطُوعٍ وَلَا مَنْقُوصٍ .
قل أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين . وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء [ ص: 243 ] للسائلين . ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين . فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم .

قوله تعالى: خلق الأرض في يومين قال ابن عباس: في يوم الأحد والاثنين، وبه قال عبد الله بن سلام، والسدي، والأكثرون . وقال مقاتل: في يوم الثلاثاء والأربعاء . وقد أخرج مسلم في أفراده من حديث أبي هريرة قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي، فقال: "خلق الله عز وجل التربة يوم السبت، وخلق الجبال فيها يوم الأحد، وخلق الشجر فيها يوم الإثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب "يوم الخميس"، وهذا الحديث يخالف ما تقدم، وهو أصح .

[ ص: 244 ] قوله تعالى: وتجعلون له أندادا قد شرحناه في [البقرة: 22] و ذلك الذي فعل ما ذكر رب العالمين .

وجعل فيها رواسي أي: جبالا ثوابت من فوق الأرض، وبارك فيها بالأشجار والثمار والحبوب والأنهار، وقيل: البركة فيها: أن ينمي فيها الزرع، فتخرج الحبة حبات، والنواة نخلة وقدر فيها أقواتها قال أبو عبيدة: هي جمع قوت، وهي الأرزاق وما يحتاج إليه .

وللمفسرين في هذا التقدير خمسة أقوال .

أحدها: أنه شقق الأنهار وغرس الأشجار . قاله ابن عباس .

والثاني: أنه قسم أرزاق العباد والبهائم، قاله الحسن .

والثالث: أقواتها من المطر، قاله مجاهد .

والرابع: قدر لكل بلدة ما لم يجعله في الأخرى كما أن ثياب اليمن لا تصلح إلا بـ "اليمن" والهروية بـ "هراة"، ليعيش بعضهم من بعض بالتجارة، قاله عكرمة، والضحاك .

والخامس: قدر البر لأهل قطر، والتمر لأهل قطر، والذرة لأهل قطر، قاله ابن السائب .

قوله تعالى: في أربعة أيام أي: في تتمة أربعة أيام . قال الأخفش: ومثله [أن] تقول: تزوجت أمس امرأة، واليوم ثنتين، وإحداهما التي تزوجتها أمس .

قال المفسرون: يعني: الثلاثاء والأربعاء، وهما مع الأحد والإثنين أربعة أيام .

[ ص: 245 ] قوله تعالى: سواء قرأ أبو جعفر: "سواء" بالرفع . وقرأ يعقوب، وعبد الوارث: "سواء" بالجر . وقرأ الباقون من العشرة: بالنصب . قال الزجاج : من قرأ بالخفض، جعل "سواء" من صفة الأيام; فالمعنى: في أربعة أيام مستويات تامات; ومن نصب، فعلى المصدر; فالمعنى: استوت سواء واستواء; ومن رفع، فعلى معنى: هي سواء .

وفي قوله: للسائلين وجهان . أحدهما: للسائلين القوت، لأن كلا يطلب القوت ويسأله . والثاني: لمن يسأل: في كم خلقت الأرض؟ فيقال: خلقت في أربعة أيام سواء، لا زيادة ولا نقصان .

قوله تعالى: ثم استوى إلى السماء قد شرحناه في [البقرة: 29] وهي دخان وفيه قولان .

أحدهما: أنه لما خلق [الماء] أرسل عليه الريح فثار منه دخان فارتفع وسما، فسماه سماء .

والثاني: أنه لما خلق الأرض أرسل عليها نارا، فارتفع منها دخان فسما .

قوله تعالى: فقال لها وللأرض قال ابن عباس: قال للسماء: أظهري شمسك وقمرك ونجومك، وقال للأرض: شققي أنهارك، وأخرجي ثمارك، طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين قال الزجاج : هو منصوب على الحال، وإنما لم يقل: طائعات، لأنهن جرين مجرى ما يعقل ويميز، كما قال في النجوم: وكل في فلك يسبحون [يس: 40]، قال: وقد قيل: أتينا نحن ومن فينا طائعين .

فقضاهن أي: خلقهن وصنعهن، قال أبو ذؤيب الهذلي:

[ ص: 246 ]
وعليهما مسرودتان قضاهما داود أو صنع السوابغ تبع


معناه: عملهما وصنعهما .

قوله تعالى: في يومين قال ابن عباس وعبد الله بن سلام: وهما يوم الخميس ويوم الجمعة . وقال مقاتل: الأحد والاثنين، لأن مذهبه أنها خلقت قبل الأرض . وقد بينا مقدار هذه الأيام في [الأعراف: 54] .

وأوحى في كل سماء أمرها فيه قولان . أحدهما: أوحى ما أراد، وأمر بما شاء، قاله مجاهد، ومقاتل . والثاني: خلق في كل سماء خلقها، قاله السدي .

قوله تعالى: وزينا السماء الدنيا أي: القربى إلى الأرض بمصابيح وهي النجوم، والمصابيح: السرج، فسمي الكوكب مصباحا، لإضاءته وحفظا قال الزجاج : معناه: وحفظناها من استماع الشياطين بالكواكب حفظا .
فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود . إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم ألا تعبدوا إلا الله قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة فإنا بما أرسلتم به كافرون . فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون . فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب [ ص: 247 ] الآخرة أخزى وهم لا ينصرون . وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون . ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون .

قوله تعالى: فإن أعرضوا عن الإيمان بعد هذا البيان فقل أنذرتكم صاعقة الصاعقة: المهلك من كل شيء; والمعنى: أنذرتكم عذابا مثل عذابهم . وإنما خص القبيلتين، لأن قريشا يمرون على قرى القوم في أسفارهم .

إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم أي: أتت آباءهم ومن كان قبلهم ومن خلفهم أي: من خلف الآباء، وهم الذين أرسلوا إلى هؤلاء المهلكين ألا تعبدوا أي: بأن لا تعبدوا إلا الله قالوا لو شاء ربنا أي: لو أراد دعوة الخلق لأنزل ملائكة .

قوله تعالى: فاستكبروا أي: تكبروا عن الإيمان وعملوا بغير الحق . وكان هود قد تهددهم بالعذاب فقالوا: نحن نقدر على دفعه بفضل قوتنا . والآيات هاهنا: الحجج .

وفي الريح الصرصر أربعة أقوال .

أحدها: أنها الباردة، قاله ابن عباس، وقتادة، والضحاك . وقال الفراء: هي الريح الباردة تحرق كالنار، وكذلك قال الزجاج : هي الشديدة البرد جدا; فالصرصر متكرر فيها البرد، كما تقول: أقللت الشيء وقلقلته، فأقللته بمعنى رفعته، وقلقلته: كررت رفعه .

[ ص: 248 ] والثاني: أنها الشديدة السموم، قاله مجاهد .

والثالث: الشديدة الصوت، قاله السدي، وأبو عبيدة، وابن قتيبة .

والرابع: الباردة الشديدة، قاله مقاتل .

قوله تعالى: في أيام نحسات قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو : "نحسات" بإسكان الحاء; وقرأ الباقون: بكسرها . قال الزجاج : من كسر الحاء، فواحدهن " نحس "، ومن أسكنها، فواحدهن "نحس"; والمعنى: مشؤومات .

وفي أول هذه الأيام ثلاثة أقوال . أحدها: غداة يوم الأحد، قاله السدي . والثاني: يوم الجمعة، قاله الربيع بن أنس . والثالث: يوم الأربعاء، قاله يحيى بن سلام . والخزي: الهوان .

قوله تعالى: وأما ثمود فهديناهم فيه ثلاثة أقوال . أحدها: بينا لهم، قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير . وقال قتادة: بينا لهم سبيل الخير والشر . والثاني: دعوناهم، قاله مجاهد . والثالث: دللناهم على مذهب الخير، قاله الفراء .

[ ص: 249 ] قوله تعالى: فاستحبوا العمى أي: اختاروا الكفر على الإيمان، فأخذتهم صاعقة العذاب الهون أي: ذي الهوان، وهو الذي يهينهم .
ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون . حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون . وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون . وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون . وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين . فإن يصبروا فالنار مثوى لهم وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين . وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين .

قوله تعالى: ويوم يحشر أعداء الله وقرأ نافع: "نحشر" بالنون "أعداء" بالنصب .

[ ص: 250 ] قوله تعالى: فهم يوزعون أي: يحبس أولهم على آخرهم ليتلاحقوا .

حتى إذا ما جاءوها يعني النار التي حشروا إليها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم ، وفي المراد بالجلود ثلاثة أقوال . أحدها: الأيدي والأرجل . والثاني: الفروج، رويا عن ابن عباس . والثالث: أنه الجلود نفسها، حكاه الماوردي . وقد أخرج مسلم في أفراده من حديث أنس بن مالك قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك فقال: "هل تدرون مم أضحك؟" قال: قلنا: الله ورسوله أعلم . قال: "من مخاطبة العبد ربه، يقول: يارب ألم تجرني من الظلم؟ قال: يقول: بلى، قال: فيقول: فإني لا أجيز علي إلا شاهدا مني، قال: فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا، وبالكرام الكاتبين شهودا، قال: فيختم على فيه، فيقال لأركانه: انطقي، قال: فتنطق بأعماله، قال: ثم يخلى بينه وبين الكلام، فيقول: بعدا لكن وسحقا، فعنكن كنت أناضل" .

قوله تعالى: قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء أي: مما نطق . وهاهنا تم الكلام . وما بعده ليس من جواب الجلود .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 18-03-2023, 11:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,926
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السابع

سُورَةُ السَّجْدَةِ
الحلقة (480)
صــ 251 إلى صــ 260






قوله تعالى: وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم روى البخاري ومسلم في "الصحيحين" من حديث ابن مسعود قال: كنت مستترا بأستار الكعبة، فجاء ثلاثة نفر، قرشي وختناه ثقفيان، أو ثقفي وختناه قرشيان، كثير شحم بطونهم، قليل فقه قلوبهم، فتكلموا بكلام لم أسمعه، [ ص: 251 ] فقال أحدهم: أترون الله يسمع كلامنا هذا؟! فقال الآخران: إنا إذا رفعنا أصواتنا سمعه، وإن لم نرفع لم يسمع، وقال الآخر: إن سمع منه شيئا سمعه كله، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: "وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم . . . . " إلى قوله: "من الخاسرين" . ومعنى "تستترون": تستخفون "أن يشهد" أي: من أن يشهد "عليكم سمعكم" لأنكم لا تقدرون على الاستخفاء من جوارحكم، ولا تظنون أنها تشهد ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون قال ابن عباس: كان الكفار يقولون: إن الله لا يعلم ما في أنفسنا، ولكنه يعلم ما يظهر، وذلكم ظنكم أي: أن الله لا يعلم ما تعملون، أرداكم أهلككم .

فإن يصبروا أي: على النار، فهي مسكنهم، وإن يستعتبوا أي: يسألوا أن يرجع لهم إلى ما يحبون، لم يرجع لهم، لأنهم لا يستحقون [ ص: 252 ] ذلك . يقال: أعتبني فلان، أي: أرضاني بعد إسخاطه إياي . واستعتبته، أي: طلبت منه أن يعتب، أي: يرضى .

قوله تعالى: وقيضنا لهم قرناء أي: سببنا لهم قرناء من الشياطين فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: ما بين أيديهم: من أمر الآخرة أنه لا جنة ولا نار ولا بعث ولا حساب، وما خلفهم: من أمر الدنيا، فزينوا لهم اللذات وجمع الأموال وترك الإنفاق في الخير .

والثاني: ما بين أيديهم: من أمر الدنيا، وما خلفهم: من أمر الآخرة، على عكس الأول .

والثالث: ما بين أيديهم: ما فعلوه، وما خلفهم: ما عزموا على فعله . وباقي الآية [قد] تقدم تفسيره [الإسراء: 16، الأعراف: 38] .
وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون . فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون ذلك جزاء أعداء الله النار لهم فيها دار الخلد جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون .

قوله تعالى: وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن أي: لا تسمعوه والغوا فيه أي: عارضوه باللغو، وهو الكلام الخالي عن فائدة . وكان الكفار يوصي بعضهم بعضا: إذا سمعتم القرآن من محمد وأصحابه فارفعوا أصواتكم حتى تلبسوا عليهم قولهم . وقال مجاهد: والغوا فيه بالمكاء والصفير والتخليط من القول على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ لعلكم تغلبون فيسكتون .

قوله تعالى: ذلك جزاء أعداء الله يعني العذاب المذكور . وقوله: النار بدل من الجزاء لهم فيها دار الخلد أي: دار الإقامة . قال الزجاج : النار [ ص: 253 ] هي الدار، ولكنه كما تقول: لك في هذه الدار دار السرور، وأنت تعني الدار بعينها، قال الشاعر:


أخو رغائب يعطيها ويسألها يأبى الظلامة منه النوفل الزفر
وقال الذين كفروا ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين . إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون . نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون . نزلا من غفور رحيم .

قوله تعالى: وقال الذين كفروا لما دخلوا النار ربنا أرنا اللذين أضلانا وقرأ ابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: "أرنا" بسكون الراء . قال المفسرون: يعنون إبليس وقابيل، لأنهما سنا المعصية، نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين أي: في الدرك الأسفل، وهو أشد عذابا من غيره .

ثم ذكر المؤمنين فقال: إن الذين قالوا ربنا الله [أي: وحدوه] ثم استقاموا فيه ثلاثة أقوال .

[ ص: 254 ] أحدها: استقاموا على التوحيد، قاله أبو بكر الصديق، ومجاهد .

والثاني: على طاعة الله وأداء فرائضه، قاله ابن عباس، والحسن، وقتادة .

والثالث: على الإخلاص والعمل إلى الموت، قاله أبو العالية، والسدي .

وروى عطاء عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق، وذلك أن المشركين قالوا: ربنا الله، والملائكة بناته، وهؤلاء شفعاؤنا عند الله، فلم يستقيموا، وقالت اليهود: ربنا الله، وعزير ابنه، ومحمد ليس بنبي، فلم يستقيموا، وقالت النصارى: ربنا الله، والمسيح ابنه، ومحمد ليس بنبي، فلم يستقيموا، وقال أبو بكر: ربنا الله وحده، ومحمد عبده ورسوله، فاستقام .

قوله تعالى: تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا أي: بأن لا تخافوا . وفي وقت نزولها عليهم قولان .

أحدهما: عند الموت، قاله ابن عباس، ومجاهد; فعلى هذا في معنى "لا تخافوا" قولان . أحدهما: لا تخافوا الموت، ولا تحزنوا على أولادكم، قاله مجاهد . والثاني: لا تخافوا ما أمامكم، ولا تحزنوا على ما خلفكم، قاله عكرمة، والسدي .

والقول الثاني: تتنزل عليهم إذا قاموا من القبور، قاله قتادة ; فيكون معنى "لا تخافوا": أنهم يبشرونهم بزوال الخوف والحزن يوم القيامة .

[ ص: 255 ] قوله تعالى: نحن أولياؤكم قال المفسرون: هذا قول الملائكة لهم، والمعنى: نحن [الذين] كنا نتولاكم في الدنيا، لأن الملائكة تتولى المؤمنين وتحبهم لما ترى من أعمالهم المرفوعة إلى السماء، وفي الآخرة أي: ونحن معكم في الآخرة لا نفارقكم حتى تدخلوا الجنة . وقال السدي: هم الحفظة على ابن آدم، فلذلك قالوا: "نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة"; وقيل: هم الملائكة الذين يأتون لقبض الأرواح .

قوله تعالى: ولكم فيها أي: في الجنة .

نزلا قال الزجاج : معناه: أبشروا بالجنة تنزلونها [نزلا] . وقال الأخفش: لكم فيها ما تشتهي أنفسكم أنزلناه نزلا .
ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين . ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي [ ص: 256 ] هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم . وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم . وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم .

قوله تعالى: ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله فيمن أريد بهذا ثلاثة أقوال .

أحدها: أنهم المؤذنون . روى جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "نزلت في المؤذنين"، وهذا قول عائشة، ومجاهد، وعكرمة .

[ ص: 257 ] والثاني: أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا إلى شهادة أن لا إله إلا الله، قاله ابن عباس، والسدي، وابن زيد .

والثالث: أنه المؤمن أجاب الله إلى ما دعاه، ودعا الناس إلى ذلك وعمل صالحا في إجابته، قاله الحسن .

وفي قوله: وعمل صالحا ثلاثة أقوال .

أحدها: صلى ركعتين بعد الأذان، وهو قول عائشة، ومجاهد . وروى إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم: "ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله" قال: الأذان "وعمل صالحا" قال: الصلاة بين الأذان والإقامة .

والثاني: أدى الفرائض وقام لله بالحقوق، قاله عطاء .

والثالث: صام وصلى، قاله عكرمة .

قوله تعالى: ولا تستوي الحسنة ولا السيئة قال الزجاج : "لا" زائدة مؤكدة; والمعنى: ولا تستوي [الحسنة] والسيئة . وللمفسرين فيهما ثلاثة أقوال .

أحدها: أن الحسنة: الإيمان، والسيئة: الشرك، قاله ابن عباس . [ ص: 258 ] والثاني: الحلم والفحش، قاله الضحاك . والثالث: النفور والصبر، حكاه الماوردي .

قوله تعالى: ادفع بالتي هي أحسن وذلك كدفع الغضب بالصبر، والإساءة بالعفو، فإذا فعلت ذلك صار الذي بينك وبينه عداوة كالصديق القريب . وقال عطاء: هو السلام على من تعاديه إذا لقيته . قال المفسرون: وهذه الآية منسوخة بآية السيف .

قوله تعالى: وما يلقاها أي: ما يعطاها . قال الزجاج : ما يلقى هذه الفعلة: وهي دفع السيئة بالحسنة إلا الذين صبروا على كظم الغيظ وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم من الخير . وقال السدي: إلا ذو جد . وقال قتادة: الحظ العظيم: الجنة; فالمعنى: ما يلقاها إلا من وجبت له الجنة .

قوله تعالى: وإما ينزغنك من الشيطان نزغ قد فسرناه في [الأعراف: 200] .
[ ص: 259 ] ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون . فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون . ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير

قوله تعالى: فإن استكبروا [أي: تكبروا عن التوحيد والعبادة] فالذين عند ربك يعني الملائكة يسبحون أي: يصلون . و "يسأمون" بمعنى يملون .

وفي موضع السجدة قولان .

أحدهما: أنه عند قوله: "يسأمون"، قاله ابن عباس، ومسروق، وقتادة، واختاره القاضي أبو يعلى، لأنه تمام الكلام .

والثاني: [أنه] عند قوله: إن كنتم إياه تعبدون ، روي عن أصحاب عبد الله، والحسن، وأبي عبد الرحمن .

[ ص: 260 ] قوله تعالى: ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة قال قتادة: غبراء متهشمة . قال الأزهري: إذا يبست الأرض ولم تمطر، قيل: خشعت .

قوله تعالى: اهتزت أي: تحركت بالنبات وربت أي: علت، لأن النبت إذا أراد أن يظهر ارتفعت له الأرض; وقد سبق بيان هذا [الحج: 5] .
إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير . إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز . لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 18-03-2023, 11:21 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,926
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السابع

سُورَةُ الشورى
الحلقة (481)
صــ 261 إلى صــ 270





[ ص: 261 ] قوله تعالى: إن الذين يلحدون في آياتنا قال مقاتل: نزلت في أبي جهل . وقد شرحنا معنى الإلحاد في [النحل: 103]; وفي المراد به هاهنا خمسة أقوال .

أحدها: أنه وضع الكلام على غير موضعه، رواه العوفي عن ابن عباس .

والثاني: أنه المكاء والصفير عند تلاوة القرآن، قاله مجاهد .

والثالث: أنه التكذيب بالآيات، قاله قتادة .

والرابع: أنه المعاندة، قاله السدي .

والخامس: أنه الميل عن الإيمان بالآيات، قاله مقاتل .

قوله تعالى: لا يخفون علينا هذا وعيد بالجزاء أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة وهذا عام، غير أن المفسرين ذكروا فيمن أريد به سبعة أقوال .

أحدها: أنه أبو جهل وأبو بكر الصديق، رواه الضحاك عن ابن عباس . والثاني: أبو جهل وعمار بن ياسر، قاله عكرمة . والثالث: أبو جهل ورسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله ابن السائب، ومقاتل . والرابع: أبو جهل وعثمان بن عفان، حكاه الثعلبي . والخامس: أبو جهل وحمزة، حكاه الواحدي . والسادس: أبو جهل وعمر بن الخطاب . والسابع: الكافر والمؤمن، حكاهما الماوردي .

[ ص: 262 ] قوله تعالى: اعملوا ما شئتم قال الزجاج : لفظه لفظ الأمر، ومعناه الوعيد والتهديد .

قوله تعالى: إن الذين كفروا بالذكر يعني القرآن; ثم أخذ في وصف الذكر; وترك جواب "إن"، وفي جوابها هاهنا قولان .

[أحدهما]: أنه "أولئك ينادون من مكان بعيد"، ذكره الفراء .

والثاني: أنه متروك، وفي تقديره قولان . أحدهما: إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم كفروا به . والثاني: إن الذين كفروا يجازون بكفرهم .

قوله تعالى: وإنه لكتاب عزيز فيه أربعة أقوال . أحدها: منيع من الشيطان لا يجد إليه سبيلا، قاله السدي . والثاني: كريم على الله، قاله ابن السائب . والثالث: منيع من الباطل، قاله مقاتل . والرابع: يمتنع على الناس أن يقولوا مثله، حكاه الماوردي .

قوله تعالى: لا يأتيه الباطل فيه ثلاثة أقوال . أحدها: التكذيب، قاله سعيد بن جبير . والثاني: الشيطان . والثالث: التبديل، رويا عن مجاهد . قال قتادة: لا يستطيع إبليس أن ينقص منه حقا، ولا يزيد فيه باطلا . وقال مجاهد: لا يدخل فيه ماليس منه . وفي قوله: من بين يديه ولا من خلفه ثلاثة أقوال . أحدها: بين يدي تنزيله، وبعد نزوله . والثاني: أنه ليس قبله كتاب يبطله، ولا يأتي بعده كتاب يبطله . والثالث: لا يأتيه الباطل في إخباره عما تقدم، ولا في إخباره عما تأخر .
ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم . ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى [ ص: 263 ] وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد .

قوله تعالى: ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك فيه قولان .

أحدهما: أنه قد قيل فيمن أرسل قبلك: ساحر وكاهن ومجنون، وكذبوا كما كذبت، هذا قول الحسن، وقتادة، والجمهور .

والثاني: ما تخبر إلا بما أخبر الأنبياء قبلك من أن الله غفور، وأنه ذو عقاب، حكاه الماوردي .

قوله تعالى: ولو جعلناه يعني الكتاب الذي أنزل عليه قرآنا أعجميا أي: بغير لغة العرب لقالوا لولا فصلت آياته أي: هلا بينت آياته بالعربية حتى نفهمه؟! أأعجمي وعربي قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو ، وابن عامر، وحفص عن عاصم: "آعجمي" [بهمزة] ممدودة . وقرأ حمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: "أأعجمي" بهمزتين، والمعنى: أكتاب أعجمي ونبي عربي؟! وهذا استفهام إنكار; أي لو كان كذلك لكان أشد لتكذيبهم .

قل هو يعني القرآن للذين آمنوا هدى من الضلالة وشفاء للشكوك والأوجاع . و "الوقر": الصمم; فهم في ترك القبول بمنزلة من في أذنه صمم .

وهو عليهم عمى أي: ذو عمى . قال قتادة: صموا عن القرآن وعموا عنه أولئك ينادون من مكان بعيد أي: إنهم لا يسمعون ولا يفهمون كالذي ينادى من بعيد .
ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم وإنهم لفي شك منه مريب . [ ص: 264 ] من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد .

قوله تعالى: ولقد آتينا موسى الكتاب هذه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والمعنى: كما آمن بكتابك قوم وكذب به قوم، فكذلك كتاب موسى، ولولا كلمة سبقت من ربك في تأخير العذاب إلى أجل مسمى وهو القيامة لقضي بينهم بالعذاب الواقع بالمكذبين وإنهم لفي شك من صدقك وكتابك، مريب أي: موقع لهم الريبة .
إليه يرد علم الساعة وما تخرج من ثمرات من أكمامها وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه ويوم يناديهم أين شركائي قالوا آذناك ما منا من شهيد . وضل عنهم ما كانوا يدعون من قبل وظنوا ما لهم من محيص .

قوله تعالى: إليه يرد علم الساعة سبب نزولها أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: أخبرنا عن الساعة إن كنت رسولا كما تزعم، قاله مقاتل . ومعنى الآية: لا يعلم قيامها إلا هو، فإذا سئل عنها فعلمها مردود إليه .

( وما تخرج من ثمرة ) قرأ ابن كثير، وأبو عمرو ، وحمزة، والكسائي، [ ص: 265 ] وأبو بكر عن عاصم: "من ثمرة" . وقرأ نافع، وابن عامر، وحفص عن عاصم: "من ثمرات" على الجمع من أكمامها أي: أوعيتها . قال ابن قتيبة : أي: من المواضع التي كانت فيها مستترة، وغلاف كل شيء: كمه، وإنما قيل: كم القميص، من هذا . قال الزجاج : الأكمام: ما غطى، وكل شجرة تخرج ماهو مكمم فهي ذات أكمام، وأكمام النخلة: ما غطى، جمارها من السعف والليف والجذع، وكل ما أخرجته النخلة فهو ذو أكمام، فالطلعة كمها قشرها، ومن هذا قيل للقلنسوة: كمة، لأنها تغطي الرأس، ومن هذا كما القميص، لأنهما يغطيان اليدين .

قوله تعالى: ويوم يناديهم أي: ينادي الله تعالى المشركين أين شركائي الذين كنتم تزعمون قالوا آذناك قال الفراء، وابن قتيبة : أعلمناك، وقال مقاتل: أسمعناك ما منا من شهيد فيه قولان .

أحدهما: أنه من قول المشركين; والمعنى: ما منا من شهيد بأن لك شريكا، فيتبرؤون يومئذ مما كانوا يقولون، هذا قول مقاتل .

والثاني: [أنه] من قول الآلهة التي كانت تعبد، والمعنى: ما منا من شهيد لهم بما قالوا، قاله الفراء، وابن قتيبة .

قوله تعالى: وضل عنهم أي: بطل عنهم في الآخرة ما كانوا يدعون أي: يعبدون في الدنيا، وظنوا أي: أيقنوا ما لهم من محيص وقد شرحنا المحيص في سورة [النساء: 121] .
[ ص: 266 ] لا يسأم الإنسان من دعاء الخير وإن مسه الشر فيئوس قنوط . ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى فلننبئن الذين كفروا بما عملوا ولنذيقنهم من عذاب غليظ وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض . قل أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق بعيد

قوله تعالى: لا يسأم الإنسان قال المفسرون: المراد به الكافر; فالمعنى: لا يمل الكافر من دعاء الخير أي: من دعائه بالخير، وهو المال والعافية .

وإن مسه الشر وهو الفقر والشدة; والمعنى: إذا اختبر بذلك يئس من روح الله، وقنط من رحمته . وقال أبو عبيدة: اليؤوس، فعول من يأس، والقنوط، فعول من قنط .

قوله تعالى: ولئن أذقناه رحمة منا أي: خيرا وعافية وغنى، ليقولن هذا لي أي: هذا واجب لي بعملي وأنا محقوق به، ثم يشك في البعث فيقول: وما أظن الساعة قائمة أي: لست على يقين من البعث ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى يعني الجنة، أي: كما أعطاني في الدنيا يعطيني في الآخرة فلننبئن الذين كفروا أي: لنخبرنهم بمساوئ أعمالهم . وما بعده قد سبق [إبراهيم: 17، الإسراء: 83] إلى قوله تعالى: ونأى بجانبه قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو : "ونأى" مثل "نعى" . وقرأ ابن عامر: "وناء" مفتوحة النون ممدودة والهمزة بعد الألف . وقرأ [ ص: 267 ] حمزة: "نئي" مكسورة النون والهمزة .

فذو دعاء عريض قال الفراء، وابن قتيبة : معنى العريض: الكثير، وإن وصفته بالطول أو بالعرض جاز في الكلام .

قل يا محمد لأهل مكة أرأيتم إن كان القرآن من عند الله ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق أي: خلاف للحق بعيد عنه؟! وهو اسم; والمعنى: فلا أحد أضل منكم . وقال ابن جرير: معنى الآية: ثم كفرتم به، ألستم في شقاق للحق وبعد عن الصواب؟! فجعل مكان هذا باقي الآية .
سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد . ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم ألا إنه بكل شيء محيط .

قوله تعالى: سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم فيه خمسة أقوال .

أحدها: في الآفاق: فتح أقطار الأرض، وفي أنفسهم: فتح مكة، قاله الحسن، ومجاهد، والسدي .

والثاني: أنها في الآفاق: وقائع الله في الأمم الخالية، وفي أنفسهم: يوم بدر، قاله قتادة ، ومقاتل .

والثالث: أنها في الآفاق: إمساك القطر عن الأرض كلها، وفي أنفسهم: البلايا التي تكون في أجسادهم، قاله ابن جريج .

والرابع: أنها في الآفاق: آيات السماء كالشمس والقمر والنجوم، وفي أنفسهم: [ ص: 268 ] حوادث الأرض، قاله ابن زيد . وحكي عن ابن زيد أن التي في أنفسهم: سبيل الغائط والبول، فإن الإنسان يأكل ويشرب من مكان واحد، ويخرج من مكانين .

والخامس: أنها في الآفاق: آثار من مضى قبلهم من المكذبين، وفي أنفسهم: كونهم خلقوا نطفا ثم علقا ثم مضغا ثم عظاما إلى أن نقلوا إلى العقل والتمييز، قاله الزجاج .

قوله تعالى: حتى يتبين لهم أنه الحق في هاء الكناية قولان . أحدهما: أنها ترجع إلى القرآن . والثاني: إلى جميع ما دعاهم إليه الرسول . وقال ابن جرير: معنى الآية: حتى يعلموا حقيقة ما أنزلنا على محمد وأوحينا إليه من الوعد له بأنا مظهرو دينه على الأديان كلها .

أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد أي: أولم يكف به أنه شاهد على كل شيء؟! قال الزجاج : المعنى: أو لم يكفهم شهادة ربك؟!

[ ص: 269 ] ومعنى الكفاية هاهنا: أنه قد بين لهم ما فيه كفاية في الدلالة على توحيده وتثبيت رسله .
[ ص: 270 ] سُورَةُ حَم عسق

وَاسْمُهَا سُورَةُ الشُّورَى

وَهِيَ مَكِّيَّةٌ، رَوَاهُ الْعَوْفِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَعِكْرِمَةُ، وَمُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ، وَالْجُمْهُورُ . وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وقَتَادَةَ قَالَا: إِلَّا أَرْبَعَ آيَاتٍ نَزَلْنَ بِالْمَدِينَةِ، أَوَّلُهَا: قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا [الشُّورَى: 23] وَقَالَ مُقَاتِلٌ: فِيهَا مِنَ الْمَدَنِيِّ قَوْلُهُ: ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا [الشُّورَى: 23] إِلَى قَوْلِهِ: بِذَاتِ الصُّدُورِ [الشُّورَى: 24] وَقَوْلُهُ: وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ [الشُّورَى: 39] إِلَى قَوْلِهِ: مِنْ سَبِيلٍ [الشُّورَى: 41] .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 18-03-2023, 11:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,926
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السابع

سُورَةُ الشورى
الحلقة (482)
صــ 271 إلى صــ 280





بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

حم عسق . كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ . لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ . تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأَرْضِ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ [ ص: 271 ] الرَّحِيمُ . وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ

قَوْلُهُ تَعَالَى: حم قَدْ سَبَقَ تَفْسِيرُهُ [الْمُؤْمِنِ] .

قَوْلُهُ تَعَالَى: عسق فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ .

أَحَدُهَا: أَنَّهُ قَسَمٌ أَقْسَمَ اللَّهُ بِهِ، وَهُوَ مِنْ أَسْمَائِهِ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ .

وَالثَّانِي: أَنَّهُ حُرُوفٌ مِنْ أَسْمَاءٍ; ثُمَّ فِيهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ . أَحَدُهَا: أَنَّ الْعَيْنَ عِلْمُ اللَّهُ، وَالسِّينَ سَنَاؤُهُ، وَالْقَافَ قُدْرَتُهُ، رَوَاهُ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ . وَالثَّانِي: أَنَّ الْعَيْنَ فِيهَا عَذَابٌ، وَالسِّينَ فِيهَا مَسْخٌ، وَالْقَافَ فِيهَا قَذْفٌ، رَوَاهُ أَبُو الْجَوْزَاءِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ . وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْحَاءَ مِنْ حَرْبٍ، وَالْمِيمَ مِنْ تَحْوِيلِ مُلْكٍ، وَالْعَيْنَ مِنْ عَدُوٍّ مَقْهُورٍ، وَالسِّينَ اسْتِئْصَالٌ بِسِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ، وَالْقَافَ مِنْ قُدْرَةِ اللَّهِ فِي مُلُوكِ الْأَرْضِ، قَالَهُ عَطَاءٌ . وَالرَّابِعُ: أَنَّ الْعَيْنَ مِنْ عَالِمٍ، وَالسِّينَ مِنْ قُدُّوسٍ، وَالْقَافَ مِنْ قَاهِرٍ، قَالَهُ [سَعِيدُ] بْنُ جُبَيْرٍ . وَالْخَامِسُ: أَنَّ الْعَيْنَ مِنَ الْعَزِيزِ، وَالسِّينَ مِنَ السَّلَامِ، وَالْقَافَ مِنَ الْقَادِرِ، قَالَهُ السُّدِّيُّ .

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْقُرْآنِ، قَالَهُ قَتَادَةُ .

قَوْلُهُ تَعَالَى: كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ .

[ ص: 272 ] أَحَدُهَا: أَنَّهُ كَمَا أَوْحَيْتُ "حم عسق" إِلَى كُلِّ نَبِيٍّ، كَذَلِكَ نُوحِيهَا إِلَيْكَ، قَالَهُ أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ .

وَالثَّانِي: كَذَلِكَ نُوحِي إِلَيْكَ أَخْبَارَ الْغَيْبِ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى مَنْ قَبْلَكَ، رَوَاهُ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ .

وَالثَّالِثُ: أَنْ "حم عسق" نَزَلَتْ فِي أَمْرِ الْعَذَابِ، فَقِيلَ: كَذَلِكَ نُوحِي إِلَيْكَ أَنَّ الْعَذَابَ نَازِلٌ بِمَنْ كَذَّبَكَ كَمَا أَوْحَيْنَا ذَلِكَ إِلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكَ، قَالَهُ مُقَاتِلٌ .

وَالرَّابِعُ: أَنَّ الْمَعْنَى: هَكَذَا نُوحِي إِلَيْكَ، قَالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ .

وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ: "يُوحَى" بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْحَاءِ . كَأَنَّهُ إِذَا قِيلَ: مَنْ يُوحِي؟ قِيلَ: اللَّهُ . وَرَوَى أَبَانُ عَنْ عَاصِمٍ: "نُوحِي" بِالنُّونِ وَكَسْرِ الْحَاءِ .

تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ، وَابْنُ عَامِرٍ، وَحَمْزَةُ: "تَكَادُ" بِالتَّاءِ "يَتَفَطَّرْنَّ" بِيَاءٍ وَتَاءٍ مَفْتُوحَةٍ وَفَتْحِ الطَّاءِ وَتَشْدِيدِهَا . وَقَرَأَ نَافِعٌ، وَالْكِسَائِيُّ: "يَكَادُ" بِالْيَاءِ "يَتَفَطَّرْنَ" مِثْلُ قِرَاءَةِ ابْنِ كَثِيرٍ . وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو، وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ: "تَكَادُ" بِالتَّاءِ "يَنْفَطِرْنَ" بِالنُّونِ وَكَسْرِ الطَّاءِ وَتَخْفِيفِهَا، أَيْ: يَتَشَقَّقْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ أَيْ: مِنْ فَوْقِ الْأَرَضِينَ مِنْ عَظَمَةِ الرَّحْمَنِ; وَقِيلَ: مِنْ قَوْلِ الْمُشْرِكِينَ: "اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا" وَنَظِيرُهَا [الَّتِي] فِي [مَرْيَمَ: 90] .

وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ قَالَ بَعْضُهُمْ: يُصَلُّونَ بِأَمْرِ رَبِّهِمْ; وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُنَزِّهُونَهُ عَمَّا لَا يَجُوزُ فِي صِفَتِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأَرْضِ فِيهِ قَوْلَانِ .

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَرَادَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَهُ قَتَادَةُ ، وَالسُّدِّيُّ .

[ ص: 273 ] وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَغْفِرُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ، فَلَمَّا ابْتُلِيَ هَارُوتُ وَمَارُوتُ اسْتَغْفَرُوا لِمَنْ فِي الْأَرْضِ .

وَمَعْنَى اسْتِغْفَارِهِمْ: سُؤَالُهُمُ الرِّزْقَ لَهُمْ، قَالَهُ ابْنُ السَّائِبِ . وَقَدْ زَعَمَ قَوْمٌ مِنْهُمْ مُقَاتِلٌ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ: وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا [غَافِرٍ: 7]، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا يَسْتَغْفِرُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ دُونَ الْكُفَّارِ، فَلَفْظُ هَذِهِ الْآيَةِ عَامٌّ، وَمَعْنَاهَا خَاصٌّ، وَيَدُلُّ عَلَى التَّخْصِيصِ قَوْلُهُ: وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا [غَافِرٍ: 7]، لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُسْتَغْفَرَ لَهُ .

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ يَعْنِي كُفَّارَ مَكَّةَ اتَّخَذُوا آلِهَةً فَعَبَدُوهَا مِنْ دُونِهِ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ أَيْ: حَافِظٌ لِأَعْمَالِهِمْ لِيُجَازِيَهُمْ بِهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ أَيْ: لَمْ نُوَكِّلْكَ بِهِمْ فَتُؤْخَذَ بِهِمْ . وَهَذِهِ الْآيَةُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْمُفَسِّرِينَ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ، وَلَا يَصِحُّ .

وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير . ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة ولكن يدخل من يشاء في رحمته والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير . أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي وهو يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير .

قوله تعالى: وكذلك أي: ومثل ما ذكرنا أوحينا إليك قرآنا عربيا ليفهموا مافيه لتنذر أم القرى يعني مكة، والمراد: أهلها، [ ص: 274 ] وتنذر يوم الجمع أي: وتنذرهم يوم الجمع، وهو يوم القيامة، يجمع الله فيه الأولين والآخرين وأهل السموات والأرضين لا ريب فيه أي: لا شك في هذا الجمع أنه كائن، ثم بعد الجمع يتفرقون، وهو قوله: فريق في الجنة وفريق في السعير .

ثم ذكر سبب افتراقهم فقال: ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة أي: على دين واحد، كقوله: لجمعهم على الهدى [الأنعام: 35] ولكن يدخل من يشاء في رحمته أي: في دينه والظالمون وهم الكافرون ما لهم من ولي يدفع عنهم العذاب ولا نصير يمنعهم منه .

أم اتخذوا من دونه أي: بل اتخذ الكافرون من دون الله أولياء يعني آلهة يتولونهم فالله هو الولي أي: ولي أوليائه، فليتخذوه وليا دون الآلهة; وقال ابن عباس: وليك يا محمد وولي من اتبعك .
وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب . فاطر السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه ليس [ ص: 275 ] كمثله شيء وهو السميع البصير . له مقاليد السماوات والأرض يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه بكل شيء عليم . شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب . وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب .

قوله تعالى: وما اختلفتم فيه من شيء أي: من أمر الدين; وقيل: بل هو عام فحكمه إلى الله فيه قولان . أحدهما: علمه عند الله . والثاني: هو يحكم فيه . قال مقاتل: وذلك أن أهل مكة كفر بعضهم بالقرآن، وآمن بعضهم، فقال الله: أنا الذي أحكم فيه ذلكم الله الذي يحكم بين المختلفين هو ربي عليه توكلت في مهماتي وإليه أنيب أي: أرجع في المعاد .

فاطر السماوات قد سبق بيانه [الأنعام: 14]، جعل لكم من أنفسكم أي: من مثل خلقكم أزواجا نساء ومن الأنعام أزواجا أصنافا ذكورا وإناثا; والمعنى أنه خلق لكم الذكر والأنثى من الحيوان كله يذرؤكم فيها ثلاثة أقوال . أحدها: يخلقكم، قاله السدي . والثاني: يعيشكم، قاله مقاتل . والثالث: يكثركم، قاله الفراء . و [في قوله] فيه قولان .

أحدهما: أنها على أصلها، قاله الأكثرون . فعلى هذا في هاء الكناية ثلاثة أقوال . [ ص: 276 ] أحدها: أنها ترجع إلى بطون الإناث وقد تقدم ذكر الأزواج، قاله زيد بن أسلم . فعلى هذا يكون المعنى: يخلقكم في بطون النساء، وإلى نحو هذا ذهب ابن قتيبة ، فقال: يخلقكم في الرحم أو في الزوج; وقال ابن جرير: يخلقكم فيما جعل لكم من أزواجكم، ويعيشكم فيما جعل لكم من الأنعام .

والثاني: أنها ترجع إلى الأرض، قاله ابن زيد; فعلى هذا يكون المعنى: يذرؤكم فيما خلق من السموات والأرض .

والثالث: أنها ترجع إلى الجعل المذكور; ثم في معنى الكلام قولان . أحدهما: يعيشكم فيما جعل من الأنعام، قاله مقاتل . والثاني: يخلقكم في هذا الوجه الذي ذكر من جعل الأزواج، قاله الواحدي .

والقول الثاني: أن "فيه" بمعنى "به"; والمعنى: يكثركم بما جعل لكم، قاله الفراء، والزجاج .

قوله تعالى: ليس كمثله شيء قال ابن قتيبة : أي: ليس كهو شيء، والعرب تقيم المثل مقام النفس، فتقول: مثلي لا يقال له هذا، أي: أنا لا يقال لي هذا، وقال الزجاج : الكاف مؤكدة، والمعنى: ليس مثله شيء . وما بعد هذا قد سبق بيانه [الزمر: 63، الرعد: 26] إلى قوله: شرع لكم أي: بين وأوضح من الدين ما وصى به نوحا وفيه ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه تحليل الحلال وتحريم الحرام، قاله قتادة . والثاني: تحريم الأخوات والأمهات، قاله الحكم . والثالث: التوحيد وترك الشرك .

قوله تعالى: والذي أوحينا إليك أي: من القرآن وشرائع الإسلام . قال الزجاج : المعنى: وشرع الذي أوحينا إليك وشرع لكم ما وصى به إبراهيم [ ص: 277 ] وموسى وعيسى . وقوله: أن أقيموا الدين تفسير قوله: وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى ، وجائز أن يكون تفسيرا لـ "ما وصى به نوحا" ولقوله: والذي أوحينا إليك ولقوله: وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى ، فيكون المعنى: شرع لكم ولمن قبلكم إقامة الدين وترك الفرقة، وشرع الاجتماع على اتباع الرسل . وقال مقاتل: أن أقيموا الدين يعني التوحيد ولا تتفرقوا فيه أي: لا تختلفوا كبر على المشركين أي: عظم على مشركي مكة ما تدعوهم إليه يا محمد من التوحيد .

قوله تعالى: الله يجتبي إليه أي: يصطفي من عباده لدينه من يشاء ويهدي إلى دينه، من ينيب أي: يرجع إلى طاعته .

ثم ذكر افتراقهم بعد أن أوصاه بترك الفرقة، فقال: وما تفرقوا يعني أهل الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: من بعد كثرة علمهم للبغي . والثاني: من بعد أن علموا أن الفرقة ضلال . والثالث: من بعد ما جاءهم القرآن، بغيا منهم على محمد صلى الله عليه وسلم .

[ ص: 278 ] ولولا كلمة سبقت من ربك في تأخير المكذبين من هذه الأمة إلى يوم القيامة، لقضي بينهم بإنزال العذاب على المكذبين وإن الذين أورثوا الكتاب يعني اليهود والنصارى من بعدهم أي: من بعد أنبيائهم لفي شك منه أي: من محمد صلى الله عليه وسلم .
فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنـزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد .

قوله تعالى: فلذلك فادع قال الفراء: المعنى: فإلى ذلك، تقول: دعوت إلى فلان، ودعوت لفلان، و "ذلك" بمعنى "هذا"; وللمفسرين فيه قولان .

أحدهما: أنه القرآن، قاله ابن السائب . والثاني: أنه التوحيد، قاله مقاتل .

[ ص: 279 ] قوله تعالى: ولا تتبع أهواءهم يعني أهل الكتاب، لأنهم دعوه إلى دينهم .

قوله تعالى: وأمرت لأعدل بينكم قال بعض النحويين: المعنى: أمرت كي أعدل . وقال غيره: المعنى: أمرت بالعدل . وتقع "أمرت" على "أن"، وعلى "كي"، وعلى "اللام"; يقال: أمرت أن أعدل، وكي أعدل، ولأعدل .

ثم في ما أمر أن يعدل فيه قولان . أحدهما: في الأحكام إذا ترافعوا إليه . والثاني: في تبليغ الرسالة .

قوله تعالى: الله ربنا وربكم أي: هو إلهنا وإن اختلفنا، فهو يجازينا بأعمالنا، فذلك قوله: لنا أعمالنا أي: جزاؤها .

لا حجة بيننا وبينكم قال مجاهد: لا خصومة بيننا وبينكم .

فصل

وفي هذه الآية قولان

أحدهما: أنها اقتضت الاقتصار على الإنذار، وذلك قبل القتال، ثم نزلت آية السيف فنسختها، قاله الأكثرون .

والثاني: أن معناها: إن الكلام -بعد ظهور الحجج والبراهين- قد سقط بيننا، فعلى هذا هي محكمة، حكاه شيخنا علي بن عبيد الله عن طائفة من المفسرين .

قوله تعالى: والذين يحاجون في الله أي: يخاصمون في دينه . قال قتادة: هم اليهود، قالوا: كتابنا قبل كتابكم، ونبينا قبل نبيكم، فنحن خير منكم . وعلى قول مجاهد: هم المشركون، طمعوا أن تعود الجاهلية .

[ ص: 280 ] قوله تعالى: من بعد ما استجيب له أي: من بعد إجابة الناس إلى الإسلام حجتهم داحضة أي: خصومتهم باطلة .

الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان وما يدريك لعل الساعة قريب . يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق ألا إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد . الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوي العزيز . من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب .

قوله تعالى: الله الذي أنزل الكتاب يعني القرآن بالحق أي: لم ينزله لغير شيء والميزان فيه قولان . أحدهما: أنه العدل، قاله ابن عباس، وقتادة، والجمهور . والثاني: أنه الذي يوزن به، حكي عن مجاهد . ومعنى إنزاله: إلهام الخلق أن يعملوا به، وأمر الله عز وجل إياهم بالإنصاف . وسمي العدل ميزانا; لأن الميزان آلة الإنصاف والتسوية بين الخلق . وتمام الآية مشروح في [الأحزاب: 63] .

قوله تعالى: يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها لأنهم لا يخافون ما فيها، إذ لم يؤمنوا بكونها، فهم يطلبون قيامها استبعادا واستهزاء والذين آمنوا مشفقون أي: خائفون منها لأنهم يعلمون أنهم محاسبون ومجزيون، ولا يدرون ما يكون منهم ويعلمون أنها الحق أي: أنها كائنة لا محالة ألا إن الذين يمارون في الساعة أي: يخاصمون في كونها لفي ضلال بعيد حين لم يتفكروا، فيعلموا قدرة الله على إقامتها .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 18-03-2023, 11:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,926
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السابع

سُورَةُ الشورى
الحلقة (483)
صــ 281 إلى صــ 290





[ ص: 281 ] الله لطيف بعباده قد شرحنا معنى [اسمه] "اللطيف" في [الأنعام: 103] . وفي عباده هاهنا قولان . أحدهما: أنهم المؤمنون . والثاني: أنه عام في الكل . ولطفه بالفاجر: أنه لا يهلكه .

يرزق من يشاء أي: يوسع له الرزق .

قوله تعالى: من كان يريد حرث الآخرة قال ابن قتيبة : أي: عمل الآخرة، يقال: فلان يحرث الدنيا، أي: يعمل لها ويجمع المال; فالمعنى: من أراد بعمله الآخرة نزد له في حرثه أي: نضاعف له الحسنات .

قال المفسرون: من أراد العمل لله بما يرضيه، أعانه الله على عبادته، ومن أراد الدنيا مؤثرا لها على الآخرة لأنه غير مؤمن بالآخرة، يؤته منها، وهو الذي قسم له، وما له في الآخرة من نصيب لأنه كافر بها لم يعمل لها .

فصل

اتفق العلماء على أن أول هذه الآية إلى "حرثه" محكم، واختلفوا في باقيها على قولين .

[ ص: 282 ] أحدهما: [أنه] منسوخ بقوله: عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد [الإسراء: 18]، وهذا قول جماعة منهم مقاتل .

والثاني: أن الآيتين محكمتان متفقتان في المعنى، لأنه لم يقل في هذه الآية: نؤته مراده، فعلم أنه إنما يؤتيه الله ما أراد، وهذا موافق لقوله: "لمن نريد"، ويحقق هذا أن لفظ الآيتين لفظ الخبر ومعناهما معنى الخبر، وذلك لا يدخله النسخ، وهذا مذهب جماعة منهم قتادة .
أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم . ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير . ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور . أم يقولون افترى على الله كذبا فإن يشأ الله يختم على قلبك ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته إنه عليم بذات الصدور .

قوله تعالى: أم لهم شركاء يعني كفار مكة; والمعنى: ألهم آلهة شرعوا أي: ابتدعوا لهم دينا لم يأذن به الله؟! ولولا كلمة الفصل [ ص: 283 ] وهي: القضاء السابق بأن الجزاء يكون في القيامة لقضي بينهم في الدنيا بنزول العذاب على المكذبين . والظالمون في هذه الآية والتي تليها: يراد بهم المشركون . والإشفاق: الخوف . والذي كسبوا: هو الكفر والتكذيب، وهو واقع بهم يعني جزاءه . وما بعد هذا ظاهر إلى قوله: ذلك يعني: ما تقدم ذكره من الجنات الذي يبشر الله عباده قال أبو سليمان الدمشقي: "ذلك" بمعنى: هذا الذي أخبرتكم به بشرى يبشر الله بها عباده . وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو ، وحمزة، والكسائي: "يبشر" بفتح الياء وسكون الباء وضم الشين .

قوله تعالى: قل لا أسألكم عليه أجرا في سبب نزول هذه الآية ثلاثة أقوال .

أحدها: أن المشركين كانوا يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فنزلت هذه الآية، رواه الضحاك عن ابن عباس .

والثاني: أنه لما قدم المدينة كانت تنوبه نوائب وليس في يده سعة، فقال الأنصار: إن هذا الرجل قد هداكم الله به، وليس في يده سعة، فاجمعوا له من أموالكم مالا يضركم، ففعلوا ثم أتوه به، فنزلت هذه الآية، وهذا مروي عن ابن عباس أيضا .

والثالث: أن المشركين اجتمعوا في مجمع لهم، فقال بعضهم لبعض: أترون محمدا يسأل على ما يتعاطاه أجرا، فنزلت هذه الآية، قاله قتادة .

[ ص: 284 ] والهاء في "عليه" كناية عما جاء به من الهدى .

وفي الاستثناء هاهنا قولان .

أحدهما: أنه من الجنس، فعلى هذا يكون سائلا أجرا . وقد أشار ابن عباس في رواية الضحاك إلى هذا المعنى، ثم قال: نسخت هذه بقوله: قل ما سألتكم من أجر فهو لكم . . . [الآية] [سبأ: 47]، وإلى هذا المعنى ذهب مقاتل .

والثاني: أنه استثناء من غير الأول، لأن الأنبياء لا يسألون على تبليغهم أجرا; وإنما المعنى: لكني أذكركم المودة في القربى، وقد روى هذا المعنى جماعة عن ابن عباس، منهم العوفي، وهذا اختيار المحققين، وهو الصحيح، فلا يتوجه النسخ أصلا .

وفي المراد بالقربى خمسة أقوال .

أحدها: أن معنى الكلام: إلا أن تودوني لقرابتي منكم، قاله ابن عباس، وعكرمة، ومجاهد في الأكثرين . قال ابن عباس: ولم يكن بطن من بطون قريش إلا ولرسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم قرابة .

والثاني: إلا [أن] تودوا قرابتي، قاله علي بن الحسين، وسعيد بن جبير، والسدي . ثم في المراد بقرابته قولان . أحدهما: علي وفاطمة وولدها، وقد رووه [ ص: 285 ] مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . والثاني: أنهم الذين تحرم عليهم الصدقة ويقسم فيهم الخمس، وهم بنو هاشم وبنو المطلب .

والثالث: أن المعنى: إلا أن توددوا إلى الله تعالى فيما يقربكم إليه من العمل الصالح، قاله الحسن، وقتادة .

والرابع: إلا أن تودوني، كما تودون قرابتكم، قاله ابن زيد .

والخامس: إلا أن تودوا قرابتكم وتصلوا أرحامكم، حكاه الماوردي . والأول: أصح .

قوله تعالى: ومن يقترف أي: من يكتسب حسنة نزد له فيها حسنا أي: نضاعفها بالواحدة عشرا فصاعدا . وقرأ ابن السميفع، وابن يعمر، والجحدري : "يزد له" بالياء إن الله غفور للذنوب شكور للقليل حتى يضاعفه .

أم يقولون أي: بل يقول كفار مكة افترى على الله كذبا حين زعم أن القرآن من عند الله! فإن يشأ الله يختم على قلبك فيه قولان .

[ ص: 286 ] أحدهما: يختم على قلبك فينسيك القرآن، قاله قتادة .

والثاني: يربط على قلبك بالصبر على أذاهم فلا يشق عليك قولهم: إنك مفتر، قاله مقاتل، والزجاج .

قوله تعالى: ويمح الله الباطل قال الفراء: ليس بمردود على "يختم" فيكون جزما، وإنما هو مستأنف، ومثله مما حذفت منه الواو ويدع الإنسان بالشر [الإسراء: 11] . وقال الكسائي: فيه تقديم وتأخير . تقديره: والله يمحو الباطل . وقال الزجاج : الوقف عليها "ويمحوا" بواو وألف; والمعنى: والله يمحو الباطل على كل حال، غير أنها كتبت في المصاحف بغير واو، لأن الواو تسقط في اللفظ لالتقاء الساكنين، فكتبت على الوصل، ولفظ الواو ثابت; والمعنى: ويمحو الله الشرك ويحق الحق بما أنزله من كتابه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم .
وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون . ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد . ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير .

قوله تعالى: وهو الذي يقبل التوبة عن عباده قد ذكرناه في [براءة: 104] .

قوله تعالى: ويعلم ما تفعلون أي: من خير وشر . قرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: بالتاء، وقرأ الباقون: بالياء، على الإخبار عن المشركين والتهديد لهم .

و "يستجيب" بمعنى يجيب . وفيه قولان .

[ ص: 287 ] أحدهما: أن الفعل فيه لله، والمعنى: يجيبهم إذا سألوه; وقد روى قتادة عن أبي إبراهيم اللخمي ويستجيب الذين آمنوا قال: يشفعون في إخوانهم، ويزيدهم من فضله قال: يشفعون في إخوان إخوانهم .

والثاني: أنه للمؤمنين; فالمعنى: يجيبونه . والأول أصح .

قوله تعالى: ولو بسط الله الرزق لعباده قال خباب بن الأرت: فينا نزلت هذه الآية، وذلك أنا نظرنا إلى أموال بني قريظة والنضير فتمنيناها، فنزلت هذه الآية . ومعنى الآية: لو أوسع الله الرزق لعباده لبطروا وعصوا وبغى بعضهم على بعض، ولكن ينزل بقدر ما يشاء أي: ينزل أمره بتقدير ما يشاء مما يصلح أمورهم ولا يطغيهم إنه بعباده خبير بصير فمنهم من لا يصلحه إلا الغنى، ومنهم من لا يصلحه إلا الفقر .
[ ص: 288 ] وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد . ومن آياته خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم إذا يشاء قدير . وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير . وما أنتم بمعجزين في الأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير .

وهو الذي ينزل الغيث يعني المطر وقت الحاجة من بعد ما قنطوا أي: يئسوا، وذلك أدعى لهم إلى شكر منزله وينشر رحمته في الرحمة هاهنا قولان . أحدهما: المطر، قاله مقاتل . والثاني: الشمس بعد المطر، حكاه أبو سليمان الدمشقي . وقد ذكرنا "الولي" في سورة [النساء: 45] و "الحميد" في [البقرة: 267] .

قوله تعالى: وما أصابكم من مصيبة وهو ما يلحق المؤمن من مكروه فبما كسبت أيديكم من المعاصي . وقرأ نافع، وابن عامر: "بما كسبت أيديكم" بغير فاء، وكذلك [هي] في مصاحف أهل المدينة والشام ويعفو عن كثير من السيئات فلا يعاقب بها . وقيل لأبي سليمان الداراني: ما بال العقلاء أزالوا اللوم عمن أساء إليهم؟ قال: إنهم علموا أن الله تعالى إنما ابتلاهم بذنوبهم، وقرأ هذه الآية .

قوله تعالى: وما أنتم بمعجزين في الأرض إن أراد الله عقوبتكم ،وهذا يدخل فيه الكفار والعصاة كلهم .
ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام . إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره إن في ذلك لآيات لكل [ ص: 289 ] صبار شكور . أو يوبقهن بما كسبوا ويعف عن كثير . ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص . فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون .

قوله تعالى: ومن آياته الجوار في البحر والمراد بالجوار: السفن . قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو : "الجواري" بياء في الوصل، إلا أن ابن كثير يقف أيضا بياء، وأبو عمرو بغير ياء، ويعقوب يوافق ابن كثير، والباقون بغير ياء في الوصل والوقف; قال أبو علي: والقياس ما ذهب إليه ابن كثير، ومن حذف، فقد كثر حذف مثل هذا في كلامهم .

كالأعلام قال ابن قتيبة : كالجبال، واحدها: علم . وروي عن الخليل بن أحمد أنه قال: كل شيء مرتفع -عند العرب- فهو علم .

قوله تعالى: إن يشأ يسكن الريح التي تجريها فيظللن يعني الجواري رواكد على ظهره أي: سواكن على ظهر البحر [لا يجرين] .

أو يوبقهن أي: يهلكهن ويغرقهن، والمراد أهل السفن، ولذلك قال: بما كسبوا أي: من الذنوب ويعف عن كثير من ذنوبهم، فينجيهم من الهلاك .

ويعلم الذين يجادلون قرأ نافع، وابن عامر: "ويعلم" بالرفع على الاستئناف وقطعه من الأول; وقرأ الباقون بالنصب . قال الفراء: هو مردود على الجزم، إلا أنه صرف، والجزم إذا صرف عنه معطوفه نصب .

وللمفسرين في معنى الآية قولان .

[ ص: 290 ] أحدهما: ويعلم الذين يخاصمون في آيات الله حين يؤخذون بالغرق أنه لا ملجأ لهم .

والثاني: أنهم يعلمون بعد البعث أنه لا مهرب لهم من العذاب .

قوله تعالى: فما أوتيتم من شيء أي: ما أعطيتم من الدنيا فهو متاع تتمتعون به، ثم يزول سريعا، وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا لا للكافرين، لأنه إنما أعد لهم في الآخرة العذاب .
والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون . والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة . وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون . والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون . وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين . ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل . إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم . ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور .

قوله تعالى: والذين يجتنبون كبائر الإثم وقرأ حمزة، والكسائي: "كبير الإثم" على التوحيد من غير ألف، والباقون بألف . وقد شرحنا الكبائر في سورة [النساء: 31] . وفي المراد بالفواحش هاهنا قولان . أحدهما: الزنا . والثاني: موجبات الحدود .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 457.24 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 451.39 كيلو بايت... تم توفير 5.85 كيلو بايت...بمعدل (1.28%)]