تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ - الصفحة 45 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         وكفى بالله وكيلاً، كفى بالله شهيداً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          جحيم الأنا ونعيم اهدنا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          ما رأيك في هؤلاء ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          الإسلام دين الإنصاف لكبار السن وأهل الفضل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          الضوابط الشرعية لضرب الولد للتأديب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          ذوبان الحدود الشعورية! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          الثناء نافذة العطاء! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          عمل الشيطان: إثارة الهموم والمخاوف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          ﴿خافضة رافعة﴾ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          هل أنكر المنكر وأنا أفعل المعصية؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 14-07-2021, 03:59 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,551
الدولة : Egypt
افتراضي تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
الحلقة (1)
سُورَةُ الْفَاتِحَةِ (1)




بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) .

لَمْ يَذْكُرْ لِحَمْدِهِ هُنَا ظَرْفًا مَكَانِيًّا وَلَا زَمَانِيًّا ، وَذَكَرَ فِي سُورَةِ الرُّومِ أَنَّ مِنْ ظُرُوفِهِ الْمَكَانِيَّةِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي قَوْلِهِ : ( وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) وَذَكَرَ فِي سُورَةِ الْقَصَصِ أَنَّ مِنْ ظُرُوفِهِ الزَّمَانِيَّةِ : الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ فِي قَوْلِهِ : ( وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ ) ، وَقَالَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ سَبَأٍ : ( وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ) ، وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي ( الْحَمْدُ ) لِاسْتِغْرَاقِ جَمِيعِ الْمَحَامِدِ . وَهُوَ ثَنَاءٌ أَثْنَى بِهِ تَعَالَى عَلَى نَفْسِهِ وَفِي ضِمْنِهِ أَمَرَ عِبَادَهُ أَنْ يُثْنُوا عَلَيْهِ بِهِ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى : ( رَبِّ الْعَالَمِينَ ) لَمْ يُبَيِّنْ هُنَا مَا الْعَالَمُونَ ، وَبَيَّنَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِقَوْلِهِ : ( قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ) [ 26 \ 23 ، 24 ] .

قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : اشْتِقَاقُ الْعَالَمِ مِنَ الْعَلَامَةِ ; لِأَنَّ وُجُودَ الْعَالَمِ عَلَامَةٌ لَا شَكَّ فِيهَا عَلَى وُجُودِ خَالِقِهِ مُتَّصِفًا بِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَالْجَلَالِ ، قَالَ تَعَالَى : ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ) [ 3 \ 190 ] ، وَالْآيَةُ فِي اللُّغَةِ : الْعَلَامَةُ .
قَوْلُهُ تَعَالَى : ( الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ )

مَا وَصْفَانِ لِلَّهِ تَعَالَى ، وَاسْمَانِ مِنْ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى ، مُشْتَقَّانِ مِنَ الرَّحْمَةِ عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ ، وَالرَّحْمَنُ أَشَدُّ مُبَالَغَةً مِنَ الرَّحِيمِ ; لِأَنَّ الرَّحْمَنَ هُوَ ذُو الرَّحْمَةِ الشَّامِلَةِ لِجَمِيعِ الْخَلَائِقِ فِي الدُّنْيَا ، وَلِلْمُؤْمِنِي نَ فِي الْآخِرَةِ ، وَالرَّحِيمُ ذُو الرَّحْمَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ . وَفِي كَلَامِ ابْنِ جَرِيرٍ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ حِكَايَةُ الِاتِّفَاقِ عَلَى هَذَا . وَفِي تَفْسِيرِ بَعْضِ السَّلَفِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ كَثِيرٍ ، وَيَدُلُّ لَهُ الْأَثَرُ الْمَرْوِيُّ عَنْ عِيسَى كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ كَثِيرٍ وَغَيْرُهُ ، إِنَّهُ قَالَ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : الرَّحْمَنُ رَحْمَنُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَالرَّحِيمُ رَحِيمُ [ ص: 6 ] الْآخِرَةِ . وَقَدْ أَشَارَ تَعَالَى إِلَى هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا حَيْثُ قَالَ : ( ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ ) ، وَقَالَ : ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) ، فَذَكَرَ الِاسْتِوَاءَ بِاسْمِهِ الرَّحْمَنُ لِيَعُمَّ جَمِيعَ خَلْقِهِ بِرَحْمَتِهِ ، قَالَهُ ابْنُ كَثِيرٍ . وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : ( أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ ) أَيْ : وَمِنْ رَحْمَانِيَّتِه ِ : لُطْفُهُ بِالطَّيْرِ ، وَإِمْسَاكُهُ إِيَّاهَا صَافَّاتٍ وَقَابِضَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ . وَمِنْ أَظْهَرِ الْأَدِلَّةِ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : ( الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ ) إِلَى قَوْلِهِ : ( فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) ، وَقَالَ : ( وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِين َ رَحِيمًا ) فَخَصَّهُمْ بِاسْمِهِ الرَّحِيمِ . فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ مَا قَرَّرْتُمْ ، وَبَيْنَ مَا جَاءَ فِي الدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " رَحْمَانُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَرَحِيمُهُمَا " . فَالظَّاهِرُ فِي الْجَوَابِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، أَنَّ الرَّحِيمَ خَاصٌّ بِالْمُؤْمِنِين َ كَمَا ذَكَرْنَا ، لَكِنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِهِمْ فِي الْآخِرَةِ ؛ بَلْ يَشْمَلُ رَحْمَتَهُمْ فِي الدُّنْيَا أَيْضًا ، فَيَكُونُ مَعْنَى : " رَحِيمُهُمَا " رَحْمَتُهُ بِالْمُؤْمِنِين َ فِيهِمَا .

وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ رَحِيمٌ بِالْمُؤْمِنِين َ فِي الدُّنْيَا أَيْضًا : أَنَّ ذَلِكَ هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ تَعَالَى : ( هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِين َ رَحِيمًا ) لِأَنَّ صَلَاتَهُ عَلَيْهِمْ وَصَلَاةَ مَلَائِكَتِهِ وَإِخْرَاجَهُ إِيَّاهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ رَحْمَةٌ بِهِمْ فِي الدُّنْيَا . وَإِنْ كَانَتْ سَبَبَ الرَّحْمَةِ فِي الْآخِرَةِ أَيْضًا ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : ( لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِي نَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) [ 9 \ 117 ] فَإِنَّهُ جَاءَ فِيهِ بِالْبَاءِ الْمُتَعَلِّقَة ِ بِالرَّحِمِ الْجَارَّةِ لِلضَّمِيرِ الْوَاقِعِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُهَاجِرِي نَ وَالْأَنْصَارِ ، وَتَوْبَتُهُ عَلَيْهِمْ رَحْمَةٌ فِي الدُّنْيَا وَإِنْ كَانَتْ سَبَبَ رَحْمَةِ الْآخِرَةِ أَيْضًا . وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .
وَقَوْلُهُ : ( مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ )

لَمْ يُبَيِّنْهُ هُنَا ، وَبَيَّنَهُ فِي قَوْلِهِ : ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا ) الْآيَةَ [ 82 \ 17 ، 18 ، 19 ] .

وَالْمُرَادُ بِالدِّينِ فِي الْآيَةِ الْجَزَاءُ . وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : ( يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ ) أَيْ : جَزَاءُ أَعْمَالِهِمْ بِالْعَدْلِ .
[ ص: 7 ] قَوْلُهُ تَعَالَى : ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ )

أَشَارَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ إِلَى تَحْقِيقِ مَعْنَى لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ; لِأَنَّ مَعْنَاهَا مُرَكَّبٌ مِنْ أَمْرَيْنِ : نَفْيٌ وَإِثْبَاتٌ . فَالنَّفْيُ : خَلْعُ جَمِيعِ الْمَعْبُودَاتِ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ . وَالْإِثْبَاتُ : إِفْرَادُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَحْدَهُ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ . وَقَدْ أَشَارَ إِلَى النَّفْيِ مِنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ بِتَقْدِيمِ الْمَعْمُولِ الَّذِي هُوَ ( إِيَّاكَ ) وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ فِي مَبْحَثِ دَلِيلِ الْخِطَابِ الَّذِي هُوَ مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ . وَفِي الْمَعَانِي فِي مَبْحَثِ الْقَصْرِ : أَنَّ تَقْدِيمَ الْمَعْمُولِ مِنْ صِيَغِ الْحَصْرِ . وَأَشَارَ إِلَى الْإِثْبَاتِ مِنْهَا بِقَوْلِهِ : ( نَعْبُدُ ) .

وَقَدْ بَيَّنَ مَعْنَاهَا الْمُشَارَ إِلَيْهِ هُنَا مُفَصَّلًا فِي آيَاتٍ أُخَرَ كَقَوْلِهِ : ( يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ) الْآيَةَ [ 2 \ 21 ] ، فَصَرَّحَ بِالْإِثْبَاتِ مِنْهَا بِقَوْلِهِ : ( اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ) ، وَصَرَّحَ بِالنَّفْيِ مِنْهَا فِي آخِرِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ بِقَوْلِهِ : ( فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) [ 2 \ 22 ] ، وَكَقَوْلِهِ : ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ) فَصَرَّحَ بِالْإِثْبَاتِ بِقَوْلِهِ : ( أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ ) وَبِالنَّفْيِ بِقَوْلِهِ : ( وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ) ، وَكَقَوْلِهِ : ( فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ) [ 2 \ 256 ] فَصَرَّحَ بِالنَّفْيِ مِنْهَا بِقَوْلِهِ : ( فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ ) ، وَبِالْإِثْبَات ِ بِقَوْلِهِ : ( وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ ) ، وَكَقَوْلِهِ : ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي ) [ 43 \ 26 ، 27 ] ، وَكَقَوْلِهِ : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ) [ 21 \ 25 ] وَقَوْلِهِ : ( وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ ) [ 43 \ 45 ] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) أَيْ : لَا نَطْلُبُ الْعَوْنَ إِلَّا مِنْكَ وَحْدَكَ ; لِأَنَّ الْأَمْرَ كُلُّهُ بِيَدِكَ وَحْدَكَ لَا يَمْلِكُ أَحَدٌ مِنْهُ مَعَكَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ . وَإِتْيَانُهُ بِقَوْلِهِ : ( وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) بَعْدَ قَوْلِهِ : ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ ) فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُتَوَكَّلَ إِلَّا عَلَى مَنْ يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ ; لِأَنَّ غَيْرَهُ لَيْسَ بِيَدِهِ الْأَمْرُ . وَهَذَا الْمَعْنَى الْمُشَارُ إِلَيْهِ هُنَا جَاءَ مُبَيَّنًا وَاضِحًا فِي آيَاتٍ أُخَرَ كَقَوْلِهِ : ( فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ) الْآيَةَ [ 11 \ 123 ] ، وَقَوْلِهِ : ( فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ) الْآيَةَ [ 9 \ 129 ] وَقَوْلِهِ : ( رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا ) [ 73 \ 9 ] وَقَوْلِهِ :

[ ص: 8 ] ( قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا ) [ 67 \ 29 ] وَإِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى : ( صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ )

لَمْ يُبَيِّنْ هُنَا مَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ . وَبَيَّنَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِقَوْلِهِ : ( فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِين َ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ) .

تَنْبِيهَانِ

الْأَوَّلُ : يُؤْخَذُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ صِحَّةُ إِمَامَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ; لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِيمَنْ أَمَرَنَا اللَّهُ فِي السَّبْعِ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ - أَعْنِي الْفَاتِحَةَ - بِأَنْ نَسْأَلَهُ أَنْ يَهْدِيَنَا صِرَاطَهُمْ . فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ صِرَاطَهُمْ هُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ .

وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ : ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ) وَقَدْ بَيَّنَ الَّذِينَ أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ ، فَعَدَّ مِنْهُمُ الصِّدِّيقِينَ . وَقَدْ بَيَّنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنَ الصِّدِّيقِينَ ، فَاتَّضَحَ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ، الَّذِينَ أَمَرَنَا اللَّهُ أَنْ نَسْأَلَهُ الْهِدَايَةَ إِلَى صِرَاطِهِمْ ، فَلَمْ يَبْقَ لَبْسٌ فِي أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ ، وَأَنَّ إِمَامَتَهُ حَقٌّ .

الثَّانِي : قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الصِّدِّيقِينَ مِنَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ، وَقَدْ صَرَّحَ تَعَالَى بِأَنَّ مَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ صِدِّيقَةٌ فِي قَوْلِهِ : ( وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ) [ 5 \ 75 ] وَإِذَنْ فَهَلْ تَدْخُلُ مَرْيَمُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : ( صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ) أَوْ لَا ؟

الْجَوَابُ : أَنَّ دُخُولَهَا فِيهِمْ يَتَفَرَّعُ عَلَى قَاعِدَةٍ أُصُولِيَّةٍ مُخْتَلَفٍ فِيهَا مَعْرُوفَةٍ ، وَهِيَ : هَلْ مَا فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَالسُّنَّةِ مِنَ الْجُمُوعِ الصَّحِيحَةِ الْمُذَكَّرَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يَخْتَصُّ بِجَمَاعَةِ الذُّكُورِ تَدْخُلُ فِيهِ الْإِنَاثُ أَوْ لَا يَدْخُلْنَ فِيهِ إِلَّا بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ ؟ فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُنَّ يَدْخُلْنَ فِي ذَلِكَ ، وَعَلَيْهِ : فَمَرْيَمُ دَاخِلَةٌ فِي الْآيَةِ ، وَاحْتَجَّ أَهْلُ هَذَا الْقَوْلِ بِأَمْرَيْنِ : الْأَوَّلُ : إِجْمَاعُ أَهْلِ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ عَلَى تَغْلِيبِ الذُّكُورِ عَلَى الْإِنَاثِ فِي الْجَمْعِ .

وَالثَّانِي : وُرُودُ آيَاتٍ تَدُلُّ عَلَى دُخُولِهِنَّ فِي الْجُمُوعِ الصَّحِيحَةِ الْمُذَكَّرَةِ وَنَحْوِهَا ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي مَرْيَمَ نَفْسِهَا : ( وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ ) [ 66 \ 12 ] ، وَقَوْلِهِ فِي امْرَأَةِ الْعَزِيزِ : [ ص: 9 ] ( يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ ) [ 12 \ 29 ] ، وَقَوْلِهِ فِي بِلْقِيسَ : ( وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ ) [ 27 \ 43 ] ، وَقَوْلِهِ فِيمَا كَالْجَمْعِ الْمُذَكَّرِ السَّالِمِ : ( قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ) الْآيَةَ [ 2 \ 38 ] ; فَإِنَّهُ تَدْخُلُ فِيهِ حَوَّاءُ إِجْمَاعًا .

وَذَهَبَ كَثِيرٌ إِلَى أَنَّهُنَّ لَا يَدْخُلْنَ فِي ذَلِكَ إِلَّا بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ . وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِآيَاتٍ كَقَوْلِهِ : ( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَات ِ وَالْمُؤْمِنِين َ وَالْمُؤْمِنَات ِ ) إِلَى قَوْلِهِ : ( أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) [ 33 \ 35 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى : ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ ) [ 24 \ 31 ] ، ثُمَّ قَالَ : ( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ) الْآيَةَ [ 24 \ 31 ] ، فَعَطْفُهُنَّ عَلَيْهِمْ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ دُخُولِهِنَّ . وَأَجَابُوا عَنْ حُجَّةِ أَهْلِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ تَغْلِيبَ الذُّكُورِ عَلَى الْإِنَاثِ فِي الْجَمْعِ لَيْسَ مَحَلَّ نِزَاعٍ . وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي الَّذِي يَتَبَادَرُ مِنَ الْجَمْعِ الْمُذَكَّرِ وَنَحْوِهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ . وَعَنِ الْآيَاتِ بِأَنَّ دُخُولَ الْإِنَاثِ فِيهَا إِنَّمَا عُلِمَ مِنْ قَرِينَةِ السِّيَاقِ وَدَلَالَةِ اللَّفْظِ ، وَدُخُولُهُنَّ فِي حَالَةِ الِاقْتِرَانِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ لَا نِزَاعَ فِيهِ .

وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ : فَمَرْيَمُ غَيْرُ دَاخِلَةٍ فِي الْآيَةِ وَإِلَى هَذَا الْخِلَافِ أَشَارَ فِي " مَرَاقِي السُّعُودِ " بِقَوْلِهِ : [ الرَّجَزُ ] وَمَا شُمُولُ مَنْ لِلْأُنْثَى جَنَفُ وَفِي شَبِيهِ الْمُسْلِمِينَ اخْتَلَفُوا
وَقَوْلُهُ : ( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ) قَالَ جَمَاهِيرُ مِنْ عُلَمَاءِ التَّفْسِيرِ : ( الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ) الْيَهُودُ ، وَ " الضَّالُّونَ " النَّصَارَى . وَقَدْ جَاءَ الْخَبَرُ بِذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ . وَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَإِنْ كَانُوا ضَالِّينَ جَمِيعًا مَغْضُوبًا عَلَيْهِمْ جَمِيعًا ، فَإِنَّ الْغَضَبَ إِنَّمَا خُصَّ بِهِ الْيَهُودُ ، وَإِنْ شَارَكَهُمُ النَّصَارَى فِيهِ ; لِأَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ الْحَقَّ وَيُنْكِرُونَهُ ، وَيَأْتُونَ الْبَاطِلَ عَمْدًا ، فَكَانَ الْغَضَبُ أَخَصَّ صِفَاتِهِمْ . وَالنَّصَارَى جَهَلَةٌ لَا يَعْرِفُونَ الْحَقَّ ، فَكَانَ الضَّلَالُ أَخَصَّ صِفَاتِهِمْ .

وَعَلَى هَذَا فَقَدَ يُبَيِّنُ أَنَّ ( الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ) الْيَهُودَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِيهِمْ : ( فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ ) الْآيَةَ [ 2 \ 90 ] ، وَقَوْلُهُ فِيهِمْ أَيْضًا : ( هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ ) الْآيَةَ [ 5 \ 60 ] ، وَقَوْلُهُ : ( إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ ) الْآيَةَ [ 7 \ 152 ] ، وَقَدْ يُبَيِّنُ أَنَّ ( الضَّالِّينَ ) النَّصَارَى قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ) [ 5 \ 77 ] .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 1,394.51 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 1,392.83 كيلو بايت... تم توفير 1.68 كيلو بايت...بمعدل (0.12%)]