تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد - الصفحة 42 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         ما أفضل حمية للمصابات بسكر الحمل؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          دليلك الشامل لأنواع السرطان! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          ما لا تعرفه عن أسباب العقم! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          العصبية وصحة القلب: هل الغضب يدمّر صحتك؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          أعراض مرض الزهري: كل ما تحتاج معرفته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          أطعمة غنية بسكر الفركتوز: هل هي ضارة أم مفيدة؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          7 نصائح ذكية حول كيفية الوقاية من داء القطط للحامل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          أسباب وعوامل خطر الإصابة بسوء التغذية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          أطعمة تحتوي على الكربوهيدرات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          إنقاص الوزن بعد الولادة: طرق آمنة وفعالة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20-01-2023, 10:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,335
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ الْفُرْقَانِ
الحلقة (414)
صــ 91 إلى صــ 100




[ ص: 91 ] قوله تعالى: وقرونا المعنى : وأهلكنا قرونا بين ذلك كثيرا أي : بين عاد وأصحاب الرس . وقد سبق بيان القرن [الأنعام : 6] . وفي هذه القصص تهديد لقريش .

قوله تعالى: وكلا ضربنا له الأمثال أي : أعذرنا إليه بالموعظة وإقامة الحجة وكلا تبرنا قال الزجاج : التتبير : التدمير ، وكل شيء كسرته وفتتته فقد تبرته ، وكسارته : التبر ، ومن هذا قيل لمكسور الزجاج : التبر ، وكذلك تبر الذهب .
ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء أفلم يكونوا يرونها بل كانوا لا يرجون نشورا . وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي بعث الله رسولا إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا . أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا

قوله تعالى: ولقد أتوا يعني كفار مكة على القرية التي أمطرت مطر السوء يعني قرية قوم لوط التي رميت بالحجارة أفلم يكونوا يرونها في أسفارهم فيعتبروا؟! ثم أخبر بالذي جرأهم على التكذيب ، فقال : بل كانوا لا يرجون نشورا أي : لا يخافون بعثا ، هذا قول المفسرين . وقال الزجاج : الذي عليه أهل اللغة أن الرجاء ليس بمعنى الخوف ، وإنما المعنى : بل كانوا لا يرجون ثواب عمل الخير ، فركبوا المعاصي .

[ ص: 92 ] قوله تعالى: وإذا رأوك إن يتخذونك أي : ما يتخذونك إلا هزوا أي : مهزوءا به . ثم ذكر ما يقولون من الاستهزاء : أهذا الذي بعث الله رسولا إن كاد ليضلنا عن آلهتنا أي : ليصرفنا عن عبادة آلهتنا لولا أن صبرنا عليها أي : على عبادتها ; قال الله تعالى : وسوف يعلمون حين يرون العذاب في الآخرة من أضل أي : من أخطأ طريقا عن الهدى ، أهم ، أم المؤمنون .

ثم عجب نبيه من جهلهم حين عبدوا ما دعاهم إليه الهوى ، فقال : أرأيت من اتخذ إلهه هواه قال ابن عباس : كان أحدهم يعبد الحجر ، فإذا رأى ما هو أحسن منه رمى به وعبد الآخر . وقال قتادة : هو الكافر لا يهوى شيئا إلا ركبه .

وقال ابن قتيبة : المعنى يتبع هواه ويدع الحق ، فهو له كالإله .

قوله تعالى: أفأنت تكون عليه وكيلا أي : حفيظا يحفظه من اتباع هواه . وزعم الكلبي أن هذه الآية منسوخة بآية القتال .

قوله تعالى: أم تحسب أن أكثرهم يسمعون يعني أهل مكة ; والمراد : يسمعون سماع طالب الإفهام أو يعقلون ما يعاينون من الحجج والأعلام إن هم إلا كالأنعام وفي وجه تشبيههم بالأنعام قولان .

أحدهما : أن الأنعام تسمع الصوت ولا تفقه القول .

والثاني : أنه ليس لها هم إلا المأكل والمشرب .

قوله تعالى: بل هم أضل سبيلا لأن البهائم تهتدي لمراعيها وتنقاد لأربابها وتقبل على المحسن إليها ، وهم على خلاف ذلك .
ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا [ ص: 93 ] وهو الذي جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماء طهورا لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا ولقد صرفناه بينهم ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفورا ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا

قوله تعالى: ألم تر إلى ربك أي : إلى فعل ربك . وقال الزجاج : معناه : ألم تعلم ، فهو من رؤية القلب ، ويجوز أن يكون من رؤية العين ; فالمعنى : ألم تر إلى الظل كيف مده ربك؟ والظل من وقت طلوع الفجر إلى وقت طلوع الشمس ولو شاء لجعله ساكنا أي : ثابتا دائما لا يزول ثم جعلنا الشمس عليه دليلا فالشمس دليل على الظل ، فلولا الشمس ما عرف أنه شيء ، كما أنه لولا النور ما عرفت الظلمة ، فكل الأشياء تعرف بأضدادها .

قوله تعالى: ثم قبضناه إلينا يعني : الظل قبضا يسيرا وفيه قولان .

أحدهما : سريعا ، قاله ابن عباس . والثاني : خفيا ، قاله مجاهد .

وفي وقت قبض الظل قولان . أحدهما : عند طلوع الشمس يقبض الظل وتجمع أجزاؤه المنبسطة بتسليط الشمس عليه حتى تنسخه شيئا فشيئا والثاني : عند غروب الشمس تقبض أجزاء الظل بعد غروبها ، ويخلف كل جزء منه جزءا من الظلام .

قوله تعالى: وهو الذي جعل لكم الليل لباسا أي : ساترا بظلمته ، لأن ظلمته تغشى الأشخاص وتشتمل عليها اشتمال اللباس على لابسه والنوم [ ص: 94 ] سباتا قال ابن قتيبة : أي : راحة ، ومنه يوم السبت ، لأن الخلق اجتمع يوم الجمعة ، وكان الفراغ منه في يوم السبت ، فقيل لبني إسرائيل : استريحوا في هذا اليوم ولا تعملوا فيه شيئا ، فسمي يوم السبت ، أي : يوم الراحة ، وأصل السبت : التمدد ، ومن تمدد استراح . وقال ابن الأنباري : أصل السبت : القطع ; فالمعنى : وجعلنا النوم قطعا لأعمالكم .

قوله تعالى: وجعل النهار نشورا فيه قولان . أحدهما : تنتشرون فيه لابتغاء الرزق ، قاله ابن عباس . والثاني : تنشر الروح باليقظة كما تنشر بالبعث ، حكاه الماوردي .

قوله تعالى: وهو الذي أرسل الرياح قد شرحناه في (الأعراف : 75) إلى قوله : وأنزلنا من السماء ماء طهورا يعني : المطر . قال الأزهري : الطهور في اللغة : الطاهر المطهر . والطهور ما يتطهر به ، كالوضوء الذي يتوضأ به ، والفطور الذي يفطر عليه .

قوله تعالى: لنحيي به بلدة ميتا وقرأ أبو المتوكل ، وأبو الجوزاء ، وأبو جعفر : " ميتا " بالتشديد . قال الزجاج : لفظ البلدة مؤنث ، وإنما قيل : " ميتا " لأن معنى البلدة والبلد سواء . وقال غيره : إنما قال : " ميتا " ، لأنه أراد بالبلدة المكان . وقد سبق معنى صفة البلدة بالموت [الأعراف : 57] ومعنى : ونسقيه [الفرقان : 49]؟؟؟ . وقرأ أبو مجلز ، وأبو رجاء ، والضحاك ، والأعمش ، وابن أبي عبلة : " ونسقيه " بفتح النون . فأما الأناسي ، فقال الزجاج : هو جمع إنسي ، مثل كرسي وكراسي ; ويجوز أن يكون جمع إنسان ، وتكون الياء بدلا من النون ، الأصل : أناسين مثل سراحين . وقرأ أبو مجلز، [ ص: 95 ] والضحاك ، وأبو العالية ، وعاصم الجحدري : " وأناسي " بتخفيف الياء .

قوله تعالى: ولقد صرفناه يعني المطر بينهم مرة لهذه البلدة ، ومرة لهذه ليذكروا أي : ليتفكروا في نعم الله عليهم فيحمدوه . وقرأ حمزة ، والكسائي : " ليذكروا " خفيفة الذال . قال أبو علي : يذكر في معنى يتذكر ، فأبى أكثر الناس إلا كفورا وهم الذين يقولون : مطرنا بنوء كذا وكذا ، كفروا بنعمة الله . ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا المعنى : إنا بعثناك إلى جميع القرى لعظم كرامتك ، فلا تطع الكافرين وذلك أن كفار مكة دعوه إلى دين آبائهم ، وجاهدهم به أي بالقرآن جهادا كبيرا أي : تاما شديدا .
وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا . وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم وكان الكافر على ربه ظهيرا

قوله تعالى: وهو الذي مرج البحرين قال الزجاج : أي : خلى بينهما ; تقول : مرجت الدابة وأمرجتها : إذا خليتها ترعى ، ومنه الحديث : " مرجت [ ص: 96 ] عهودهم وأماناتهم " أي : اختلطت . قال المفسرون : والمعنى أنه أرسلهما في مجاريهما ، فما يلتقيان ، ولا يختلط الملح بالعذب ، ولا العذب بالملح ، وهو قوله : هذا يعني : أحد البحرين عذب أي : طيب ; يقال : عذب الماء يعذب عذوبة ، فهو عذب . قال الزجاج : والفرات صفة للعذب ، وهو أشد الماء عذوبة ، والأجاج صفة للملح ، وهو : المر الشديد المرارة . وقال ابن قتيبة : هو أشد الماء ملوحة ، وقيل : هو الذي يخالطه مرارة ، ويقال : ماء ملح ، ولا يقال : مالح ، والبرزخ : الحاجز . وفي هذا الحاجز قولان .

أحدهما : أنه مانع من قدرة الله تعالى ، قاله الأكثرون . قال الزجاج : فهما في مرأى العين مختلطان ، وفي قدرة الله منفصلان لا يختلط أحدهما بالآخر . قال أبو سليمان الدمشقي : ورأيت عند عبادان من سواد البصرة الماء العذب ينحدر في دجلة نحو البحر ، ويأتي المد من البحر ، فيلتقيان ، فلا يختلط أحد الماءين بالآخر ، يرى ماء البحر إلى الخضرة الشديدة ، وماء دجلة إلى الحمرة الخفيفة ، فيأتي المستقي فيغرف من ماء دجلة عذبا لا يخالطه شيء ، وإلى جانبه ماء البحر في مكان واحد .

والثاني : أن الحاجز : الأرض واليبس ، وهو قول الحسن ; والأول أصح .

قوله تعالى: وحجرا محجورا قال الفراء : أي : حراما محرما أن يغلب أحدهما صاحبه .

[ ص: 97 ] قوله تعالى: وهو الذي خلق من الماء بشرا أي : من النطفة بشرا ، أي : إنسانا فجعله نسبا وصهرا أي : ذا نسب وصهر . قال علي عليه السلام : النسب : ما لا يحل نكاحه ، والصهر : ما يحل نكاحه . وقال الضحاك : النسب سبع ، وهو قوله : حرمت عليكم أمهاتكم إلى قوله : وبنات الأخت ، والصهر خمس ، وهو قوله : وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم إلى قوله : من أصلابكم [النساء : 23] . وقال طاوس : الرضاعة من الصهر . وقال ابن قتيبة : " نسبا " أي : قرابة النسب ، " وصهرا " أي : قرابة النكاح . وكل شيء من قبل الزوج ، مثل الأب والأخ ، فهم الأحماء ، واحدهم حما ، مثل : قفا ، وحمو مثل أبو ، وحمء مهموز ساكن الميم ، وحم مثل أب . وحماة المرأة : أم زوجها ، لا لغة فيها غير هذه وكل شيء من قبل المرأة ، فهم الأختان . والصهر يجمع ذلك كله . وحكى



ابن فارس عن الخليل ، أنه قال : لا يقال لأهل بيت الرجل إلا أختان ، ولأهل بيت المرأة إلا أصهار . ومن العرب من يجعلهم أصهارا كلهم . والصهر : إذابة الشيء . وذكر الماوردي أن المناكح سميت صهرا ، لاختلاط الناس بها كما يختلط الشيء إذا صهر .

قوله تعالى: وكان الكافر على ربه ظهيرا فيه أربعة أقوال .

أحدها : معينا للشيطان على ربه ، لأن عبادته للأصنام معاونة للشيطان .

والثاني : معينا للمشركين على أن لا يوحدوا الله تعالى .

والثالث : معينا على أولياء ربه .

والرابع : وكان الكافر على ربه هينا ذليلا ، من قولك : ظهرت بفلان : إذا جعلته وراء ظهرك ولم تلتفت إليه . قالوا : والمراد بالكافر هاهنا أبو جهل .
[ ص: 98 ] وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا . وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيرا الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا . وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا

قوله تعالى: ما أسألكم عليه أي : على القرآن وتبليغ الوحي من أجر وهذا توكيد لصدقه ، لأنه لو سألهم شيئا من أموالهم لاتهموه ، إلا من شاء معناه : لكن من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا بإنفاق ماله في مرضاته ، فعل ذلك ، فكأنه قال : لا أسألكم لنفسي . وقد سبق تفسير الكلمات التي تلي هذه [آل عمران : 159 ، البقرة : 30 ، الأعراف : 54] إلى قوله : فاسأل به خبيرا ، و " به " بمعنى : " عنه " ، قال [علقمة بن عبدة] :

فإن تسألوني بالنساء فإنني بصير بأدواء النساء طبيب

وفي هاء " به " ثلاثة أقوال .

أحدها : أنها ترجع إلى الله عز وجل . والثاني : إلى اسمه الرحمن ، لأنهم قالوا : لا نعرف الرحمن . والثالث : إلى ما ذكر من خلق السماوات والأرض وغير ذلك .

وفي " الخبير " أربعة أقوال .

أحدها : أنه جبريل ، قاله ابن عباس . والثاني : أنه الله عز وجل ، والمعنى: [ ص: 99 ] سلني فأنا الخبير ، قاله مجاهد . والثالث : [أنه] القرآن ، قاله شمر . والرابع : مسلمة أهل الكتاب ، قاله أبو سليمان ، وهذا يخرج على قولهم : لا نعرف الرحمن ، فقيل : سلوا مسلمة أهل الكتاب ، فإن الله تعالى خاطب موسى في التوراة باسمه الرحمن ، فعلى هذا ، الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد سواه .

قوله تعالى: وإذا قيل لهم يعني كفار مكة اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن قال المفسرون : إنهم قالوا : لا نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة ، فأنكروا أن يكون من أسماء الله تعالى ، أنسجد لما تأمرنا وقرأ حمزة ، والكسائي : " يأمرنا " بالياء ، أي : لما يأمرنا به محمد ، وهذا استفهام إنكار ، ومعناه : لا نسجد للرحمن الذي تأمرنا بالسجود له ، وزادهم ذكر الرحمن نفورا أي : تباعدا من الإيمان .
تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا . وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا

قوله تعالى: تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا قد شرحناه في (الحجر : 16) . والمراد بالسراج : الشمس . وقرأ حمزة ، والكسائي : " سرجا " بضم السين والراء وإسقاط الألف . قال الزجاج : أراد : الشمس : والكواكب العظام ; ويجوز " سرجا " بتسكين الراء ، مثل رسل ورسل . قال الماوردي : لما اقترن بضوء الشمس وهج حرها ، جعلها لأجل الحرارة سراجا ، ولما عدم ذلك في القمر جعله نورا .

قوله تعالى: وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة فيه قولان .

أحدهما : أن كل واحد منهما يخالف الآخر في اللون ، فهذا أبيض ، وهذا [ ص: 100 ] أسود ، روى هذا المعنى الضحاك عن ابن عباس ، وابن أبي نجيح عن مجاهد ، وبه قال قتادة .

والثاني : أن كل واحد منهما يخلف صاحبه ، رواه عمرو بن قيس الملائي عن مجاهد ، وبه قال ابن زيد وأهل اللغة ، وأنشدوا قول زهير :


بها العين والآرام يمشين خلفة وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم


أي : إذا ذهبت طائفة جاءت طائفة .

قوله تعالى: لمن أراد أن يذكر أي : يتعظ ويعتبر باختلافهما . وقرأ حمزة : " يذكر " خفيفة الذال مضمومة الكاف ، وهي في معنى : يتذكر ، أو أراد شكر الله تعالى فيهما .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 20-01-2023, 10:48 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,335
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ الْفُرْقَانِ
الحلقة (415)
صــ 101 إلى صــ 110





وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما . والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما . إنها ساءت مستقرا ومقاما والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما

[ ص: 101 ] قوله تعالى: وعباد الرحمن الذين يمشون وقرأ علي ، وأبو عبد الرحمن السلمي ، وابن السميفع : " يمشون " برفع الياء وفتح الميم والشين وبالتشديد .

وقال ابن قتيبة : إنما نسبهم إليه لاصطفائه إياهم كقوله : ناقة الله [الأعراف : 73] ، ومعنى " هونا " مشيا رويدا ، ومنه يقال : أحبب حبيبك هونا ما . وقال مجاهد : يمشون بالوقار والسكينة . وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما أي : سدادا . وقال الحسن : لا يجهلون على أحد ، وإن جهل عليهم حلموا . وقال مقاتل بن حيان : " قالوا سلاما " أي : قولا يسلمون فيه من الإثم . وهذه الآية محكمة عند الأكثرين . وزعم قوم أن المراد بها أنهم يقولون للكفار : ليس بيننا وبينكم غير السلام ، ثم نسخت بآية السيف .

[ ص: 102 ] قوله تعالى: والذين يبيتون لربهم قال الزجاج : كل من أدركه الليل فقد بات ، نام أو لم ينم ; يقال : بات فلان قلقا ، إنما المبيت إدراك الليل .

قوله تعالى: كان غراما فيه خمسة أقوال متقارب معانيها .

أحدها : دائما ، رواه أبو سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . والثاني : موجعا ، رواه الضحاك عن ابن عباس . والثالث : ملحا ، قاله ابن السائب ; وقال ابن جريج : لا يفارق . والرابع : هلاكا ، قاله أبو عبيدة . والخامس : أن الغرام في اللغة : أشد العذاب ، قال الشاعر :

ويوم النسار ويوم الجفا ر كانا عذابا وكانا غراما

قاله الزجاج .

قوله تعالى: ساءت مستقرا أي : بئس موضع الاستقرار وموضع الإقامة هي .

قوله تعالى: والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو : " يقتروا " مفتوحة الياء مكسورة التاء وقرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائي : " يقتروا " بفتح الياء وضم التاء . وقرأ نافع ، وابن عامر : " يقتروا " بضم الياء وكسر التاء .

وفي معنى الكلام قولان .

أحدهما : أن الإسراف : مجاوزة الحد في النفقة ، والإقتار : التقصير عما لا بد [ ص: 103 ] منه ، ويدل على هذا قول عمر بن الخطاب : كفى بالمرء سرفا أن يأكل كل ما اشتهى .

والثاني : [أن] الإسراف : الإنفاق في معصية الله وإن قل ، والإقتار : منع حق الله تعالى ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، وابن جريج في آخرين .

قوله تعالى: وكان يعني الإنفاق بين ذلك أي : بين الإسراف والإقتار قواما أي : عدلا ; قال ثعلب : القوام ، بفتح القاف : الاستقامة والعدل ، وبكسرها : ما يدوم عليه الأمر ويستقر .
والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا . إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما

قوله تعالى: والذين لا يدعون مع الله إلها آخر في سبب نزولها ثلاثة أقوال .

أحدها : ما رواه البخاري ومسلم من حديث ابن مسعود ، قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم؟ قال : " أن تجعل لله ندا وهو خلقك " قلت : ثم أي؟ قال : " أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك " ، قلت: [ ص: 104 ] ثم أي؟ قال : " أن تزاني حليلة جارك " ، فأنزل الله تعالى تصديقها والذين لا يدعون مع الله إلها آخر الآية .

والثاني : أن ناسا من أهل الشرك قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا ، ثم أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة ، فنزلت هذه الآية ، إلى قوله : غفورا رحيما أخرجه مسلم من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس .

والثالث : أن وحشيا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد أتيتك مستجيرا فأجرني حتى أسمع كلام الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد كنت أحب أن أراك على غير جوار ، فأما إذا أتيتني مستجيرا فأنت في جواري حتى تسمع كلام الله ، قال : فإني أشركت بالله وقتلت التي حرم الله وزنيت ، فهل يقبل الله مني توبة؟ فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلت هذه الآية ، فتلاها عليه ، فقال : أرى شرطا ، فلعلي لا أعمل صالحا ، أنا في جوارك حتى أسمع كلام الله ، فنزلت إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء [النساء:48] ، فدعاه فتلاها عليه ، فقال : ولعلي ممن لا يشاء [الله] ، أنا في جوارك حتى أسمع كلام الله ، فنزلت : يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله الآية [الزمر : 53] ، فقال : نعم ، الآن لا أرى شرطا ، فأسلم ، رواه عطاء عن ابن عباس ; وهذا وحشي هو قاتل حمزة ; وفي هذا الحديث المذكور عنه نظر ، وهو بعيد الصحة ، والمحفوظ في إسلامه غير هذا ، وأنه قدم [ ص: 105 ] مع رسل الطائف فأسلم من غير اشتراط . وقوله : يدعون معناه : يعبدون . وقد سبق بيان قتل النفس بالحق في (الأنعام : 151) .

قوله تعالى: يلق أثاما وقرأ سعيد بن جبير ، وأبو المتوكل : " يلق " برفع الياء وفتح اللام وتشديد القاف مفتوحة . قال ابن عباس : يلق جزاء . وقال مجاهد ، وعكرمة : وهو واد في جهنم . وقال ابن قتيبة : يلق عقوبة ، وأنشد :


[جزى الله ابن عروة حيث أمسى عقوقا] والعقوق له أثام؟؟؟
قال الزجاج : وقوله : يلق أثاما جزما على الجزاء . قال أبو عمرو الشيباني : يقال : قد لقي أثام ذلك ، أي : جزاء ذلك ، وسيبويه والخليل يذهبان إلى أن معناه : يلق جزاء الأثام . قال سيبويه : وإنما جزم " يضاعف له العذاب " لأن مضاعفة العذاب لقي الآثام ، فلذلك جزمت ، كما قال الشاعر :


متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا تجد حطبا جزلا ونارا تأججا


لأن الإتيان هو الإلمام ، فجزم " تلمم " لأنه بمعنى " تأتي . وقرأ الحسن : " يضعف " ، وهو جيد بالغ ; تقول : ضاعفت الشيء وضعفته . وقرأ عاصم : " يضاعف " بالرفع على تفسير " يلق أثاما " كأن قائلا قال : ما لقي الأثام؟ فقيل : يضاعف للآثم العذاب . وقرأ أبو المتوكل ، وقتادة ، وأبو حيوة : " يضعف " برفع الياء وسكون الضاد وفتح العين خفيفة من غير ألف . وقرأ أبو حصين الأسدي ، والعمري عن أبي جعفر مثله ، إلا أن العين مكسورة ، و " العذاب " بالنصب .

[ ص: 106 ] قوله تعالى: ويخلد وقرأ أبو حيوة ، وقتادة ، والأعمش : " ويخلد " برفع الياء وسكون الخاء وفتح اللام مخففة . وقرأ عاصم الجحدري ، وابن يعمر ، وأبو المتوكل مثله ، إلا أنهم شددوا اللام .

فصل

ولعلماء الناسخ والمنسوخ في هذه الآية قولان .

أحدهما : أنها منسوخة ; وفي ناسخها ثلاثة أقوال . أحدها : أنه قوله تعالى: ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم [النساء : 93] ، قاله ابن عباس . وكان يقول " هذه مكية ، والتي في " النساء " مدنية . والثاني : أنها نسخت بقوله : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك الآية [النساء : 48] . والثالث : أن الأولى نسخت بالثانية ، وهي قوله : إلا من تاب .

والقول الثاني : أنها محكمة ; والخلود إنما كان لانضمام الشرك إلى القتل والزنا . وفساد القول الأول ظاهر ، لأن القتل لا يوجب تخليدا عند الأكثرين ; وقد بيناه في سورة (النساء : 93) ، والشرك لا يغفر إذا مات المشرك عليه ، والاستثناء ليس بنسخ .

قوله تعالى: إلا من تاب قال ابن عباس : قرأنا على عهد رسول الله سنتين . " والذين لا يدعون مع الله إلها آخر " ثم نزلت " إلا من تاب " فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرح بشيء فرحه بها ، وبـ إنا فتحنا لك فتحا مبينا [الفتح : 1]

[ ص: 107 ] قوله تعالى: فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات اختلفوا في كيفية هذا التبديل وفي زمان كونه ، فقال ابن عباس : يبدل الله شركهم إيمانا وقتلهم إمساكا ، وزناهم إحصانا ; وهذا يدل على أنه يكون في الدنيا ، وممن ذهب إلى هذا المعنى سعيد بن جبير ، ومجاهد ، وقتادة ، والضحاك ، وابن زيد . والثاني أن هذا يكون في الآخرة ، قاله سلمان رضي الله عنه ، وسعيد بن المسيب ، وعلي بن الحسين .

وقال عمرو بن ميمون : يبدل الله سيئات المؤمن إذا غفرها له حسنات ، حتى إن العبد يتمنى أن تكون سيئاته أكثر مما هي . وعن الحسن كالقولين . وروي عن الحسن أنه قال : ود قوم يوم القيامة أنهم كانوا في الدنيا استكثروا من الذنوب ; فقيل : من هم؟ قال : هم الذين قال الله تعالى فيهم : فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ، ويؤكد هذا القول حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم : " يؤتى بالرجل يوم القيامة ، فيقال : اعرضوا عليه صغار ذنوبه ، فتعرض عليه صغار ذنوبه وتنحى عنه كبارها ، فيقال : عملت يوم كذا ، كذا وكذا ، وهو مقر لا ينكر ، وهو مشفق من الكبار ، فيقال : أعطوه مكان كل سيئة عملها حسنة " ، أخرجه مسلم في " صحيحه " .
[ ص: 108 ] ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا . والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا . والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما

قوله تعالى: ومن تاب ظاهر هذه التوبة أنها عن الذنوب المذكورة . وقال ابن عباس : يعني : ممن لم يقتل ولم يزن ، وعمل صالحا فإني قد قدمتهم وفضلتهم على من قاتل نبيي واستحل محارمي .

قوله تعالى: فإنه يتوب إلى الله متابا قال ابن الأنباري : معناه : من أراد التوبة وقصد حقيقتها ، فينبغي له أن يريد الله بها ولا يخلط بها ما يفسدها ; وهذا كما يقول الرجل من تجر فإنه يتجر في البز ومن ناظر فإنه يناظر في النحو ، أي : من أراد ذلك ، فينبغي أن يقصد هذا الفن ; قال : ويجوز أن يكون معنى [هذه] الآية : ومن تاب وعمل صالحا ، فإن ثوابه وجزاءه يعظمان له عند ربه الذي أراد بتوبته ، فلما كان قوله : فإنه يتوب إلى الله متابا يؤدي عن هذا المعنى ، كفى منه ، وهذا كما يقول الرجل للرجل : إذا تكلمت فاعلم [ ص: 109 ] أنك تكلم الوزير ، أي : تكلم من يعرف كلامك ويجازيك ، ومثله قوله تعالى: إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت [يونس : 71] أي : فإني أتوكل على من ينصرني ولا يسلمني . وقال قوم : معنى الآية : فإنه يرجع إلى الله مرجعا يقبله منه .

قوله تعالى: والذين لا يشهدون الزور فيه ثمانية أقوال .

أحدها : أنه الصنم ; روى الضحاك عن ابن عباس أن الزور صنم كان للمشركين . والثاني : أنه الغناء ، قاله محمد بن الحنفية ، ومكحول ; وروى ليث عن مجاهد قال : لا يسمعون الغناء . والثالث : الشرك ، قاله الضحاك ، وأبو مالك . والرابع : لعب كان لهم في الجاهلية ، قاله عكرمة . والخامس : الكذب ، قاله قتادة ، وابن جريج . والسادس : شهادة الزور ، قاله علي بن أبي طلحة . والسابع : أعياد المشركين ، قاله الربيع بن أنس . والثامن : مجالس الخنا ، قاله عمرو بن قيس .

[ ص: 110 ] وفي المراد باللغو هاهنا خمسة أقوال .

أحدها : المعاصي قاله الحسن . والثاني : أذى المشركين إياهم ، قاله مجاهد . والثالث : الباطل ، قاله قتادة . والرابع : الشرك ، قاله الضحاك . والخامس : إذا ذكروا النكاح كنوا عنه ، قاله مجاهد . وقال محمد بن علي : إذا ذكروا الفروج كنوا عنها .

قوله تعالى: مروا كراما فيه ثلاثة أقوال .

أحدها : مروا حلماء ، قاله ابن السائب . والثاني : مروا معرضين عنه ، قاله مقاتل . والثالث : أن المعنى : إذا مروا باللغو جاوزوه ، قاله الفراء .

قوله تعالى: والذين إذا ذكروا أي : وعظوا بآيات ربهم وهي القرآن لم يخروا عليها صما وعميانا قال ابن قتيبة : لم يتغافلوا عنها كأنهم صم لم يسمعوها ، عمي لم يروها . وقال غيره من أهل اللغة : لم يثبتوا على حالتهم الأولى كأنهم لم يسمعوا ولم يروا ، وإن لم يكونوا خروا حقيقة ; تقول العرب : شتمت فلانا فقام يبكي ، وقعد يندب ، وأقبل يعتذر ، وظل يتحير ، وإن لم يكن قام ولا قعد .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 20-01-2023, 10:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,335
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ الشُّعَرَاءِ
الحلقة (416)
صــ 111 إلى صــ 120





[ ص: 111 ] قوله تعالى: هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرأ ابن كثير ، ونافع ، وابن عامر ، وحفص عن عاصم : " وذرياتنا " على الجمع . وقرأ أبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو بكر ، [وحفص] عن عاصم : " وذريتنا " على التوحيد ، قرة أعين وقرأ ابن مسعود ، وأبو حيوة : " قرات أعين " يعنون : من يعمل بطاعتك فتقر به أعيننا في الدنيا والآخرة . وسئل الحسن عن قوله : " قرة أعين " في الدنيا أم في الآخرة؟ قال : لا ، بل في الدنيا ، وأي شيء أقر لعين المؤمن من أن يرى زوجته وولده يطيعون الله ، والله ما طلب القوم إلا أن يطاع الله فتقر أعينهم . قال الفراء : إنما قال : " قرة " لأنها فعل ، والفعل لا يكاد يجمع ، ألا ترى إلى قوله : وادعوا ثبورا كثيرا [الفرقان : 14] فلم يجمعه ; والقرة مصدر ، تقول : قرت عينه قرة ، ولو قيل : قرة عين أو قرات أعين كان صوابا . وقال غيره : أصل القرة من البرد ، لأن العرب تتأذى بالحر ، وتستروح إلى البرد .

قوله تعالى: واجعلنا للمتقين إماما فيه قولان .

أحدهما : اجعلنا أئمة يقتدى بنا ، قاله ابن عباس . وقال غيره : هذا من الواحد الذي يراد به الجمع ، كقوله : إنا رسول رب العالمين [الشعراء : 16] ، وقوله : فإنهم عدو لي [الشعراء : 77] .

والثاني : اجعلنا مؤتمين بالمتقين مقتدين بهم ، قاله مجاهد ; فعلى هذا يكون الكلام من المقلوب ، فيكون المعنى : واجعل المتقين لنا إماما .
[ ص: 112 ] أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما . خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاما

قوله تعالى: أولئك يجزون الغرفة قال ابن عباس : يعني الجنة . وقال غيره : الغرفة : كل بناء عال مرتفع ، والمراد غرف الجنة ، وهي من الزبرجد والدر والياقوت ، بما صبروا على دينهم وعلى أذى المشركين .

قوله تعالى: ويلقون فيها قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وحفص عن عاصم : " ويلقون " بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف . وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم : " ويلقون " بفتح الياء وسكون اللام وتخفيف القاف ، تحية وسلاما قال ابن عباس : يحيي بعضهم بعضا بالسلام ، ويرسل إليهم الرب عز وجل بالسلام . وقال مقاتل : " تحية " يعني السلام ، " وسلاما " أي : سلم الله لهم أمرهم وتجاوز عنهم .

قوله تعالى: قل ما يعبأ بكم ربي فيه ثلاثة أقوال .

أحدها : ما يصنع بكم! قاله ابن عباس . والثاني : أي وزن يكون لكم عنده ; تقول : ما عبأت بفلان ، أي : ما كان له عندي وزن ولا قدر ، قاله الزجاج . والثالث : ما يعبأ بعذابكم ، قاله ابن قتيبة .

وفي قوله : لولا دعاؤكم أربعة أقوال .

أحدها : لولا إيمانكم ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس .

[ ص: 113 ] والثاني : لولا عبادتكم ، رواه الضحاك عن ابن عباس .

والثالث : لولا دعاؤه إياكم لتعبدوه ، قاله مجاهد ; والمراد نفع الخلق ، لأن الله تعالى غير محتاج .

والرابع : لولا توحيدكم ، حكاه الزجاج . وعلى قول الأكثرين ليس في الآية إضمار ; وقال ابن قتيبة : فيها إضمار تقديره : ما يعبأ بعذابكم لولا ما تدعونه من الشريك والولد ، ويوضح ذلك [قوله] : فسوف يكون لزاما يعني : العذاب ، ومثله قول الشاعر :


من شاء دلى النفس في هوة ضنك ولكن من له بالمضيق


أي : بالخروج من المضيق . وهل هذا خطاب للمؤمنين ، أو للكفار؟ فيه قولان .

فأما قوله تعالى: فقد كذبتم فهو خطاب لأهل مكة حين كذبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسوف يكون يعني : تكذيبكم لزاما أي : عذابا لازما [لكم] ; وفيه ثلاثة أقوال .

أحدها : أنه قتلهم يوم بدر ، فقتلوا يومئذ ، واتصل بهم عذاب الآخرة لازما لهم ، وهذا مذهب ابن مسعود ، وأبي بن كعب ، ومجاهد في آخرين . والثاني : أنه الموت ، قاله ابن عباس . والثالث : أن اللزام : القتال ، قاله ابن زيد .
[ ص: 114 ] سُورَةُ الشُّعَرَاءِ

وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا ، إِلَّا أَرْبَعَ آيَاتٍ مِنْهَا نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ ، مِنْ قَوْلِهِ : وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ [الشُّعَرَاءِ : 224] إِلَى آخِرِهَا ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَقَتَادَةُ .

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

طسم . تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ . إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ . فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ . إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ

قَوْلُهُ تَعَالَى: طسم قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ ، وَنَافِعٌ ، وَأَبُو عَمْرٍو ، وَابْنُ عَامِرٍ : " طسم " بِفَتْحِ الطَّاءِ وَإِدْغَامِ النُّونِ مِنْ هِجَاءِ " سِين " عِنْدَ الْمِيمِ . وَقَرَأَ حَمْزَةُ ، وَالْكِسَائِيُّ ، وَخَلَفٌ ، وَأَبَانُ ، وَالْمُفَضَّلُ : " طسم " وَ " طس " [النَّمْلِ] بِإِمَالَةِ الطَّاءِ فِيهِمَا .

وَأَظْهَرَ النُّونَ مِنْ هِجَاءِ " سِين " عِنْدَ الْمِيمِ حَمْزَةُ هَاهُنَا وَفِي (الْقَصَصِ) .

[ ص: 115 ] وَفِي مَعْنَى " طسم " أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ .

أَحَدُهَا : أَنَّهَا حُرُوفٌ مِنْ كَلِمَاتٍ ، ثُمَّ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ . أَحَدُهَا : [مَا] رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ " طسم " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الطَّاءُ : طُورُ سَيْنَاءَ ، وَالسِّينُ : الْإِسْكَنْدَرِيَّةُ ، وَالْمِيمُ : مَكَّةُ " . وَالثَّانِي : [أَنَّ] الطَّاءَ : طَيْبَةُ ، وَسِينَ : بَيْتُ الْمَقْدِسِ ، وَمِيمَ : مَكَّةُ ، [رَوَاهُ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ] . وَالثَّالِثُ : الطَّاءُ : شَجَرَةُ طُوبَى ، وَالسِّينُ : سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى ، وَالْمِيمُ : مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَهُ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ .

وَالثَّانِي : أَنَّهُ قَسَمٌ أَقْسَمَ اللَّهُ بِهِ ، وَهُوَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ . وَقَدْ بَيَّنَّا كَيْفَ يَكُونُ مِثْلُ هَذَا مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فِي فَاتِحَةِ مَرْيَمَ . وَقَالَ الْقُرَظِيُّ : أَقْسَمَ اللَّهُ بِطُولِهِ وَسَنَائِهِ وَمُلْكِهِ .

وَالثَّالِثُ : أَنَّهُ اسْمٌ لِلسُّورَةِ ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ .

وَالرَّابِعُ : أَنَّهُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْقُرْآنِ ، قَالَهُ قَتَادَةُ ، وَأَبُو رَوْقٍ . وَمَا بَعْدَ [ ص: 116 ] هَذَا قَدْ سَبَقَ تَفْسِيرُهُ [الْمَائِدَةِ : 15 ، الْكَهْفِ : 6] إِلَى قَوْلِهِ : أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ وَالْمَعْنَى : لَعَلَّكَ قَاتِلٌ نَفْسَكَ لِتَرْكِهِمُ الْإِيمَانَ .

ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ مَا يَضْطَرُّهُمْ إِلَى الْإِيمَانِ لَفَعَلَ ، فَقَالَ : إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ وَقَرَأَ أَبُو رَزِينٍ ، وَأَبُو الْمُتَوَكِّلِ : " إِنْ يَشَأْ يُنَزِّلْ " بِالْيَاءِ فِيهِمَا ، عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ جَعَلَ الْفِعْلَ أَوَّلًا لِلْأَعْنَاقِ ، ثُمَّ جَعَلَ " خَاضِعِينَ " لِلرِّجَالِ ، لِأَنَّ الْأَعْنَاقَ إِذَا خَضَعَتْ فَأَرْبَابُهَا خَاضِعُونَ . وَقِيلَ : لَمَّا وَصَفَ الْأَعْنَاقَ بِالْخُضُوعِ ، وَهُوَ مِنْ صِفَات بَنِي آدَمَ ، أَخْرَجَ الْفِعْلَ مَخْرَجَ الْآدَمِيِّينَ كَمَا بَيَّنَّا فِي قَوْلِهِ : وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ [يُوسُفَ : 4] ، وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي عُبَيْدَةَ . وَقَالَ الزَّجَّاجُ : قَوْلُهُ : " فَظَلَّتْ " مَعْنَاهُ : فَتَظَلُّ ، لِأَنَّ الْجَزَاءَ يَقَعُ فِيهِ لَفْظُ الْمَاضِي فِي مَعْنَى الْمُسْتَقْبَلِ ، كَقَوْلِكَ : إِنْ تَأْتِنِي أَكْرَمْتُكَ ، مَعْنَاهُ : أُكْرِمْكَ ; وَإِنَّمَا قَالَ : " خَاضِعِينَ " لِأَنَّ خُضُوعَ الْأَعْنَاقِ هُوَ خُضُوعُ أَصْحَابِهَا ، وَذَلِكَ أَنَّ الْخُضُوعَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ إِلَّا بِخُضُوعِ الْأَعْنَاقِ ، جَازَ أَنْ يُخْبِرَ عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ :


رَأَتْ مَرَّ السِّنِينَ أَخَذْنَ مِنِّي كَمَا أَخَذَ السِّرَارُ مِنَ الْهِلَالِ


فَلَمَّا كَانَتِ السُّنُونَ لَا تَكُونُ إِلَّا بِمَرٍّ ، أَخْبَرَ عَنِ السِّنِينَ ، وَإِنْ كَانَ أَضَافَ إِلَيْهَا الْمُرُورَ . قَالَ : وَجَاءَ فِي التَّفْسِيرِ أَنَّهُ يَعْنِي بِالْأَعْنَاقِ كُبَرَاءَهُمْ وَرُؤَسَاءَهُمْ . وَجَاءَ فِي [ ص: 117 ] اللُّغَةِ أَنَّ أَعْنَاقَهُمْ جَمَاعَاتُهُمْ ; يُقَالُ : جَاءَنِي عُنُقٌ مِنَ النَّاسِ ، أَيْ : جَمَاعَةٌ . وَمَا بَعْدَ هَذَا قَدْ سَبَقَ تَفْسِيرُهُ [الْأَنْبِيَاءِ : 2] إِلَى قَوْلِهِ : أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الأَرْضِ يَعْنِي الْمُكَذِّبِينَ بِالْبَعْثِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا نَبَاتٌ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ : مِنْ كُلِّ جِنْسٍ حَسَنٍ . وَقَالَ الزَّجَّاجُ : الزَّوْجُ : النَّوْعُ ، وَالْكَرِيمُ : الْمَحْمُودُ .

قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ فِي ذَلِكَ الْإِنْبَاتِ لآيَةً تَدُلُّ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ أَيْ : مَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ يُؤْمِنُ فِي عِلْمِ اللَّهِ ، وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْمُنْتَقِمُ مِنْ أَعْدَائِهِ الرَّحِيمُ بِأَوْلِيَائِهِ .
وإذ نادى ربك موسى أن ائت القوم الظالمين . قوم فرعون ألا يتقون قال رب إني أخاف أن يكذبون . ويضيق صدري ولا ينطلق لساني فأرسل إلى هارون ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون . قال كلا فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين . أن أرسل معنا بني إسرائيل قال ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين . وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين قال فعلتها إذا وأنا من الضالين . ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل

قوله تعالى: وإذ نادى المعنى : واتل هذه القصة على قومك .

قوله تعالى: أن يكذبون ياء " يكذبون " محذوفة ، ومثلها أن يقتلون [الشعراء : 14] سيهدين [الشعراء : 62] فهو يهدين [الشعراء : 78] [ ص: 118 ] ويسقين [الشعراء:79] فهو يشفين [الشعراء : 80] ثم يحيين [الشعراء : 81] كذبون [الشعراء : 117] وأطيعون [الشعراء : 108] فهذه ثمان آيات أثبتهن في الحالين يعقوب .

قوله تعالى: ويضيق صدري أي بتكذيبهم إياي ولا ينطلق لساني للعقدة التي كانت بلسانه . وقرأ يعقوب : " ويضيق " " ولا ينطلق " بنصب القاف فيهما ، فأرسل إلى هارون المعنى : ليعينني ، فحذف ، لأن في الكلام دليلا عليه . ولهم علي ذنب وهو القتيل الذي وكزه فقضى عليه ; والمعنى : ولهم علي دعوى ذنب فأخاف أن يقتلون به قال كلا وهو ردع وزجر عن الإقامة على هذا الظن ; والمعنى : لن يقتلوك لأني لا أسلطهم عليك ، فاذهبا يعني : أنت وأخوك بآياتنا وهي : ما أعطاهما من المعجزة إنا يعني نفسه عز وجل معكم فأجراها مجرى الجماعة مستمعون نسمع ما تقولان وما يجيبونكما به .

قوله تعالى: إنا رسول رب العالمين قال ابن قتيبة : الرسول يكون بمعنى الجميع ، كقوله : هؤلاء ضيفي [الحجر : 68] وقوله : ثم نخرجكم طفلا [الحج : 5] . وقال الزجاج : المعنى : إنا رسالة رب العالمين ، أي : ذوو رسالة رب العالمين ، قال الشاعر :


لقد كذب الواشون ما بحت عندهم بسر ولا أرسلتهم برسول


أي : برسالة .

[ ص: 119 ] قوله تعالى: أن أرسل المعنى : بأن أرسل معنا بني إسرائيل أي : أطلقهم من الاستعباد ، فأتياه فبلغاه الرسالة ، فـ قال ألم نربك فينا وليدا أي : صبيا صغيرا ولبثت فينا من عمرك سنين وفيها ثلاثة أقوال .

أحدها : ثماني عشرة سنة ، قاله ابن عباس . والثاني : أربعون سنة ، قاله ابن السائب . والثالث : ثلاثون سنة ، قاله مقاتل . والمعنى : فجازيتنا على أن ربيناك أن كفرت نعمتنا ، وقتلت منا نفسا ، وهو قوله : وفعلت فعلتك وهي قتل النفس . قال الفراء . وإنما نصبت الفاء ، لأنها مرة واحدة ، ولو أريد بها مثل الجلسة والمشية جاز كسرها .

وفي قوله : وأنت من الكافرين قولان .

أحدهما : من الكافرين لنعمتي ، قاله ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، وعطاء ، والضحاك ، وابن زيد .

والثاني : من الكافرين بإلهك ، كنت معنا على ديننا الذي تعيب ، قاله الحسن ، والسدي . فعلى الأول : وأنت من الكافرين الآن . وعلى الثاني : وكنت .

وفي قوله : وأنا من الضالين ثلاثة أقوال .

أحدها : من الجاهلين ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وقتادة . وقال بعض المفسرين : المعنى : إني كنت جاهلا لم يأتني من الله شيء .

والثاني : من الخاطئين ; والمعنى : إني قتلت النفس خطأ ، قاله ابن زيد .

والثالث : من الناسين ، ومثله : أن تضل إحداهما [البقرة : 282] ، قاله أبو عبيدة .

قوله تعالى: ففررت منكم أي : ذهبت من بينكم لما خفتكم على [ ص: 120 ] نفسي إلى مدين ، وقرأ عاصم الجحدري ، والضحاك ، وابن يعمر : (لما) بكسر اللام وتخفيف الميم ، فوهب لي ربي حكما وفيه قولان .

أحدهما : النبوة ، قاله ابن السائب . والثاني : العلم والفهم ، قاله مقاتل .

قوله تعالى: وتلك نعمة تمنها علي يعني التربية أن عبدت بني إسرائيل أي : اتخذتهم عبيدا ; يقال : عبدت فلانا وأعبدته واستعبدته : إذا اتخذته عبدا .

وفي " أن " وجهان .

أحدهما : أن تكون في موضع رفع على البدل من " نعمة " .

والثاني : أن تكون في موضع نصب بنزع الخافض ، تقديره : لأن عبدت ، أو لتعبيدك .

واختلف العلماء في تفسير الآية ، ففسرها قوم على الإنكار ، وقوم على الإقرار .

فمن فسرها على الإنكار قال معنى الكلام : أوتلك نعمة؟! على طريق الاستفهام ، ومثله هذا ربي [الأنعام : 76] ، وقوله : فهم الخالدون [الأنبياء : 34] ، وأنشدوا :


[لم أنس يوم الرحيل وقفتها وجفنها من دموعها شرق]


وقولها والركاب سائرة تتركنا هكذا وتنطلق




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 20-01-2023, 10:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,335
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ الشُّعَرَاءِ
الحلقة (417)
صــ 121 إلى صــ 130






[ ص: 121 ] وهذا قول جماعة منهم . ثم لهم في معنى الكلام ووجهه أربعة أقوال .

أحدها : أن فرعون أخذ أموال بني إسرائيل واستعبدهم وأنفق على موسى منها ، فأبطل موسى النعمة لأنها أموال بني إسرائيل ، قاله الحسن .

والثاني : أن المعنى : إنك لو كنت لا تقتل أبناء بني إسرائيل لكفلني أهلي ، وكانت أمي تستغني عن قذفي في اليم ، فكأنك تمن علي بما كان بلاؤك سببا له ، وهذا قول المبرد ، والزجاج ، والأزهري .

والثالث : أن المعنى : تمن علي بإحسانك إلي خاصة ، وتنسى إساءتك بتعبيدك بني إسرائيل؟! قاله مقاتل .

والرابع : أن المعنى : كيف تمن علي بالتربية وقد استعبدت قومي؟! ومن أهين قومه فقد ذل ، فقد حبط إحسانك إلي بتعبيدك قومي ، حكاه الثعلبي .

فأما من فسرها على الإقرار ، فإنه قال : عدها موسى نعمة حيث رباه ولم يقتله ولا استعبده . فالمعنى : هي لعمري نعمة إذ ربيتني ولم تستعبدني كاستعبادك بني إسرائيل ; فـ " أن " تدل على المحذوف ، ومثله في الكلام- أن تضرب بعض عبيدك وتترك الآخر ، فيقول المتروك : هذه نعمة علي أن ضربت فلانا وتركتني ، ثم تحذف " وتركتني " لأن المعنى معروف ، هذا قول الفراء .
قال فرعون وما رب العالمين . قال رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين قال لمن حوله ألا تستمعون . قال ربكم ورب آبائكم الأولين قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون . قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون

[ ص: 122 ] قوله تعالى: قال فرعون وما رب العالمين سأله عن ماهية من لا ماهية له ، فأجابه بما يدل عليه من مصنوعاته .

وفي قوله : إن كنتم موقنين قولان .

أحدهما : أنه خلق السماوات والأرض .

والثاني : إن كنتم موقنين أن ما تعاينونه كما تعاينونه ، فكذلك ، فأيقنوا أن رب العالمين رب السماوات والأرض . قال يعني : فرعون لمن حوله من أشراف قومه ألا تستمعون معجبا لهم .

فإن قيل : فأين جوابهم؟

فالجواب : أنه أراد ألا تستمعون قول موسى؟ فرد موسى ، لأنه المراد [ ص: 123 ] بالجواب ، ثم زاد في البيان بقوله : ربكم ورب آبائكم الأولين ، فأعرض فرعون عن جوابه ونسبه إلى الجنون ، فلم يحفل موسى بقول فرعون ، واشتغل بتأكيد الحجة ، فـ قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون أي : إن كنتم ذوي عقول ، لم يخف عليكم ما أقول .
قال لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين . قال أولو جئتك بشيء مبين قال فأت به إن كنت من الصادقين . فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين . قال للملإ حوله إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون . قالوا أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين يأتوك بكل سحار عليم . فجمع السحرة لميقات يوم معلوم وقيل للناس هل أنتم مجتمعون . لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أإن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين . قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون . فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون . فألقي السحرة ساجدين قالوا آمنا برب العالمين . رب موسى وهارون

قوله تعالى: أولو جئتك بشيء مبين أي : بأمر ظاهر تعرف به صدقي أتسجنني؟! وما بعد هذا مفسر في (الأعراف : 107) إلى قوله : فجمع [ ص: 124 ] السحرة لميقات يوم معلوم وهو يوم الزينة ، وكان عيدا لهم ، وقيل للناس يعني أهل مصر . وذهب ابن زيد إلى أن اجتماعهم كان بالإسكندرية .

قوله تعالى: لعلنا نتبع السحرة قال الأكثرون : أرادوا سحرة فرعون ; فالمعنى : لعلنا نتبعهم على أمرهم . وقال بعضهم : أرادوا موسى وهارون ، وإنما قالوا ذلك استهزاء . قال ابن جرير : و " لعل " هاهنا بمعنى " كي " . وقوله : بعزة فرعون أي : بعظمته .
قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلسوف تعلمون لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم أجمعين . قالوا لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا أول المؤمنين

قوله تعالى: فلسوف تعلمون قال الزجاج : اللام دخلت للتوكيد .

قوله تعالى: لا ضير أي : لا ضرر . قال ابن قتيبة : هو من ضاره يضوره ويضيره ; بمعنى : ضره . والمعنى : لا ضرر علينا فيما ينالنا في الدنيا ، لأنا ننقلب إلى ربنا في الآخرة مؤملين غفرانه .

قوله تعالى: أن كنا أي : لأن كنا أول المؤمنين بآيات موسى في هذه الحال .
وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي إنكم متبعون . فأرسل فرعون في المدائن حاشرين إن هؤلاء لشرذمة قليلون . وإنهم لنا لغائظون وإنا لجميع حاذرون . فأخرجناهم [ ص: 125 ] من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم . كذلك وأورثناها بني إسرائيل

قوله تعالى: إنكم متبعون أي : يتبعكم فرعون وقومه .

قوله تعالى: إن هؤلاء المعنى : وقال فرعون إن هؤلاء ، يعني بني إسرائيل لشرذمة قال ابن قتيبة : أي : طائفة . قال الزجاج : والشرذمة في كلام العرب : القليل . قال المفسرون : وكانوا ستمائة ألف ، وإنما استقلهم بالإضافة إلى جنده وكان جنده لا يحصى .

قوله تعالى: وإنهم لنا لغائظون تقول : غاظني الشيء ، إذا أغضبك .

قال ابن جرير : وذكر أن غيظهم كان لقتل الملائكة من قتلت من أبكارهم .

قال : ويحتمل أن غيظهم لذهابهم بالعواري التي استعاروها من حليهم ، ويحتمل أن يكون لفراقهم إياهم وخروجهم من أرضهم على كره منهم .

قوله تعالى: وإنا لجميع حاذرون قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو : " حذرون " بغير ألف . وقرأ الباقون : " حاذرون " بألف . وهل بينهما فرق؟ فيه قولان .

أحدهما : أن الحاذر : المستعد ، والحذر : المتيقظ . وجاء في التفسير أن معنى حاذرين : مؤدون ، أي : ذوو أداة ، وهي السلاح ، لأنها أداة الحرب .

والثاني : أنهما لغتان معناهما واحد ; قال أبو عبيدة : يقال : رجل حذر وحذر وحاذر . والمقام الكريم : المنزل الحسن .

وفي قوله : كذلك قولان .

أحدهما : كذلك أفعل بمن عصاني ، قاله ابن السائب . والثاني : الأمر كذلك أي : كما وصفنا ، قاله الزجاج .

[ ص: 126 ] قوله تعالى: وأورثناها بني إسرائيل وذلك أن الله تعالى ردهم إلى مصر بعد غرق فرعون ، وأعطاهم ما كان لفرعون وقومه من المساكن والأموال .

وقال ابن جرير الطبري : إنما جعل ديار آل فرعون ملكا لبني إسرائيل ولم يرددهم إليها لكنه جعل مساكنهم الشام .
فأتبعوهم مشرقين . فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا إن معي ربي سيهدين . فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم وأزلفنا ثم الآخرين . وأنجينا موسى ومن معه أجمعين ثم أغرقنا الآخرين إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم

قوله تعالى: فأتبعوهم قال ابن قتيبة : لحقوهم مشرقين أي : حين شرقت الشمس ، أي طلعت ، يقال : أشرقنا : دخلنا في الشروق ، كما يقال : أمسينا وأصبحنا . وقرأ الحسن ، وأيوب السختياني : " فاتبعوهم " بالتشديد .

قوله تعالى: فلما تراءى الجمعان وقرأ أبو رجاء ، والنخعي ، والأعمش : " تراأى " ؟؟ بكسر الراء وفتح الهمزة ، أي : تقابلا بحيث يرى كل فريق صاحبه .

قوله تعالى: كلا أي : لن يدركونا إن معي ربي سيهدين أي : سيدلني على طريق النجاة .

قوله تعالى: فانفلق فيه إضمار " فضرب فانفلق " ، أي : انشق الماء اثني عشر طريقا فكان كل فرق أي : كل جزء انفرق منه . وقرأ أبو المتوكل ، وأبو الجوزاء ، وعاصم الجحدري : " كل فلق " باللام ، كالطود وهو الجبل .

[ ص: 127 ] قوله تعالى: وأزلفنا ثم الآخرين أي : قربنا الآخرين من الغرق ، وهم أصحاب فرعون . وقال أبو عبيدة : " أزلفنا " أي : جمعنا . قال الزجاج : وكلا القولين حسن ، لأن جمعهم تقريب بعضهم من بعض ، وأصل الزلفى في كلام العرب : القربى . وقرأ ابن مسعود ، وأبي بن كعب ، وأبو رجاء ، والضحاك ، وابن يعمر : " أزلقنا " بقاف ، وكذلك قرأوا : وأزلفت الجنة [الشعراء : 90] بقاف [أيضا] .

قوله تعالى: إن في ذلك لآية يعني : في إهلاك فرعون وقومه عبرة لمن بعدهم وما كان أكثرهم مؤمنين أي : لم يكن أكثر أهل مصر مؤمنين ، إنما آمنت آسية ، وخربيل مؤمن آل فرعون ، وفنة الماشطة ، ومريم- امرأة دلت موسى على عظام يوسف- ، هذا قول مقاتل . وما أخللنا به من تفسير كلمات في قصة موسى ، فقد سبق بيانها ، وكذلك ما يفقد ذكره في مكان ، فهو إما أن يكون قد سبق ، وإما أن يكون ظاهرا ، فتنبه لهذا .
واتل عليهم نبأ إبراهيم . إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين . قال هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون . قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون . أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين . الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين . وإذا [ ص: 128 ] مرضت فهو يشفين والذي يميتني ثم يحيين . والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين

قوله تعالى: هل يسمعونكم والمعنى : هل يسمعون دعاءكم . وقرأ سعيد بن جبير ، وابن يعمر ، وعاصم الجحدري : " هل يسمعونكم " بضم الياء وكسر الميم ، إذ تدعون قال الزجاج : إن شئت بينت الذال ، وإن شئت أدغمتها في التاء وهو أجود في العربية ، لقرب الذال من التاء .

قوله تعالى: أو ينفعونكم أي : إن عبدتموهم أو يضرون إن لم تعبدوهم؟ فأخبروا عن تقليد آبائهم .

قوله تعالى: فإنهم عدو لي فيه وجهان .

أحدهما : أن لفظه لفظ الواحد والمراد به الجميع ; فالمعنى : فإنهم أعداء لي .

والثاني : فإن كل معبود لكم عدو لي .

فإن قيل : ما وجه وصف الجماد بالعداوة؟

فالجواب : من وجهين . أحدهما : أن معناه : فإنهم عدو لي يوم القيامة إن عبدتهم . والثاني : أنه من المقلوب ; والمعنى : فإني عدو لهم ، لأن من عاديته عاداك ، قاله ابن قتيبة .

وفي قوله إلا رب العالمين قولان .

أحدهما : أنه استثناء من الجنس ، لأنه علم أنهم كانوا يعبدون الله مع آلهتهم ، قاله ابن زيد .

والثاني : أنه من غير الجنس ; والمعنى : لكن رب العالمين [ليس كذلك] ، قاله أكثر النحويين .

[ ص: 129 ] قوله تعالى: الذي خلقني فهو يهدين أي : إلى الرشد ، لا ما تعبدون ، والذي هو يطعمني ويسقين أي : هو رازقي الطعام والشراب .

فإن قيل : لم قال : " مرضت " ، ولم يقل " أمرضني " ؟

فالجواب : أنه أراد الثناء على ربه فأضاف إليه الخير المحض ، لأنه لو قال : " أمرضني " لعد قومه ذلك عيبا ، فاستعمل حسن الأدب ; ونظيره قصة الخضر حين قال في العيب : فأردت [الكهف:79] ، وفي الخير المحض : فأراد ربك [الكهف : 82] .

فإن قيل : فهذا يرده قوله : والذي يميتني .

فالجواب : أن القوم كانوا لا ينكرون الموت ، وإنما يجعلون له سببا سوى تقدير الله عز وجل ، فأضافه إبراهيم إلى الله عز وجل ، وقوله : ثم يحيين يعني للبعث ، [وهو] أمر لا يقرون به ، وإنما قاله استدلالا عليهم ; والمعنى : أن ما وافقتموني عليه موجب لصحة قولي فيما خالفتموني فيه .

قوله تعالى: والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يعني : ما يجري على مثلي من الزلل ; والمفسرون يقولون : إنما عنى الكلمات الثلاث التي ذكرناها في (الأنبياء : 63) ، يوم الدين يعني : يوم الحشر والحساب ; وهذا احتجاج على قومه أنه لا تصلح الإلهية إلا لمن فعل هذه الأفعال .
رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين . واجعل لي لسان صدق في الآخرين واجعلني من ورثة جنة النعيم . واغفر [ ص: 130 ] لأبي إنه كان من الضالين ولا تخزني يوم يبعثون . يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم

قوله تعالى: هب لي حكما فيه ثلاثة أقوال .

أحدها : النبوة ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . والثاني : اللب ، قاله عكرمة . والثالث : الفهم والعلم ، قاله مقاتل . وقد بينا قوله : وألحقني بالصالحين في سورة (يوسف : 101) ، وبينا معنى لسان صدق في (مريم : 50) والمراد بالآخرين : الذين يأتون بعده إلى يوم القيامة .

قوله تعالى: واغفر لأبي قال الحسن : بلغني أن أمه كانت مسلمة على دينه ، فلذلك لم يذكرها .

فإن قيل : فقد قال : اغفر لي ولوالدي [إبراهيم : 41] .

قيل : أكثر الذكر إنما جرى لأبيه ، فيجوز أن يسأل الغفران لأمه وهي مؤمنة ، فأما أبوه فلا شك في كفره . وقد بينا سبب استغفاره لأبيه في (براءة : 113) ، وذكرنا معنى الخزي في (آل عمران : 192) .

قوله تعالى : يوم يبعثون يعني : الخلائق .

قوله تعالى: إلا من أتى الله بقلب سليم فيه ستة أقوال .

أحدها : سليم من الشرك ، قاله الحسن ، وابن زيد .

والثاني : سليم من الشك ، قاله مجاهد .

والثالث : سليم ، أي : صحيح ، وهو قلب المؤمن ، لأن قلب الكافر والمنافق مريض ، قاله سعيد بن المسيب .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 20-01-2023, 11:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,335
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ الشُّعَرَاءِ
الحلقة (418)
صــ 131 إلى صــ 140





[ ص: 131 ] والرابع : أن السليم في اللغة : اللديغ ، فالمعنى : كاللديغ من خوف الله تعالى ، قاله الجنيد .

والخامس : سليم من آفات المال والبنين ، قاله الحسين بن الفضل .

والسادس : سليم من البدعة ، مطمئن على السنة ، حكاه الثعلبي .

وأزلفت الجنة للمتقين . وبرزت الجحيم للغاوين وقيل لهم أين ما كنتم تعبدون . من دون الله هل ينصرونكم أو ينتصرون فكبكبوا فيها هم والغاوون . وجنود إبليس أجمعون قالوا وهم فيها يختصمون . تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين . وما أضلنا إلا المجرمون فما لنا من شافعين . ولا صديق حميم فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين . إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم

قوله تعالى : وأزلفت الجنة للمتقين أي : قربت إليهم حتى نظروا إليها ، وبرزت الجحيم أي : أظهرت للغاوين وهم الضالون ، وقيل لهم على وجه التوبيخ أين ما كنتم تعبدون من دون الله هل ينصرونكم أي : يمنعونكم من العذاب ، أو يمتنعون منه .

قوله تعالى: فكبكبوا قال السدي : هم المشركون . قال ابن قتيبة : ألقوا على رؤوسهم ، وأصل الحرف " كببوا " من قولك : كببت الإناء ، فأبدل من الباء الوسطى كافا ، استثقالا لاجتماع ثلاث باءات ، كما قالوا : " كمكموا " من " الكمة " ، والأصل : " كمموا " . وقال الزجاج : [ ص: 132 ] معناه : طرح بعضهم على بعض ; وحقيقة ذلك في اللغة تكرير الانكباب ، كأنه إذا ألقي ينكب مرة بعد مرة حتى يستقر فيها .

وفي الغاوين ثلاثة أقوال .

أحدها : المشركون ، قاله ابن عباس .

والثاني : الشياطين ، قاله قتادة ، ومقاتل .

والثالث : الآلهة ، قاله السدي . وجنود إبليس أتباعه من الجن والإنس . قالوا وهم فيها يختصمون يعني : هم وآلهتهم ، تالله إن كنا قال الفراء : لقد كنا . وقال الزجاج : ما كنا إلا في ضلال .

قوله تعالى : إذ نسويكم أي : نعدلكم بالله في العبادة ، وما أضلنا إلا المجرمون فيهم قولان .

أحدهما : الشياطين . والثاني : أولوهم الذين اقتدوا بهم ، قال عكرمة : إبليس وابن آدم القاتل .

قوله تعالى : فما لنا من شافعين هذا قولهم إذا شفع الأنبياء والملائكة والمؤمنون . وروى جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الرجل يقول في الجنة : ما فعل صديقي فلان؟ وصديقه في الجحيم ، فيقول الله عز وجل : أخرجوا له صديقه إلى الجنة ، فيقول من بقي [في النار] : فما لنا من شافعين ولا صديق حميم " ؟ . والحميم : القريب الذي توده ويودك والمعنى : ما لنا [ ص: 133 ] من ذي قرابة يهمه أمرنا ، فلو أن لنا كرة أي : رجعة إلى الدنيا فنكون من المؤمنين لتحل لنا الشفاعة كما حلت للموحدين .
كذبت قوم نوح المرسلين . إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون إني لكم رسول أمين . فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين . فاتقوا الله وأطيعون

قوله تعالى: كذبت قوم نوح قال الزجاج : القوم مذكرون ; والمعنى : كذبت جماعة قوم نوح .

قوله تعالى: إذ قال لهم أخوهم نوح كانت الأخوة من جهة النسب بينهم ، لا من جهة الدين ، ألا تتقون عذاب الله بتوحيده وطاعته ، إني لكم رسول أمين على الرسالة فيما بيني وبين ربكم . وما أسألكم عليه من أجر أي : على الدعاء إلى التوحيد .
قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون . قال وما علمي بما كانوا يعملون إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون . وما أنا بطارد المؤمنين إن أنا إلا نذير مبين . قالوا لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين [ ص: 134 ] قوله تعالى: واتبعك الأرذلون وقرأ يعقوب بفتح الهمزة وتسكين التاء وضم العين : " وأتباعك الأرذلون " ، وفيهم ثلاثة أقوال .

أحدها : الحاكة ، رواه الضحاك عن ابن عباس .

والثاني : الحاكة والأساكفة ; قاله عكرمة .

والثالث : المساكين الذين ليس لهم مال ولا عز ، قاله عطاء . وهذا جهل منهم ، لأن الصناعات لا تضر في باب الديانات .

قوله تعالى: وما علمي بما كانوا يعملون أي : لم أعلم أعمالهم وصنائعهم ، ولم أكلف ذلك ، إنما كلفت أن أدعوهم ، إن حسابهم فيما يعملون إلا على ربي لو تشعرون بذلك ما عبتموهم في صنائعهم ، وما أنا بطارد المؤمنين أي : ما أنا بالذي لا أقبل إيمانهم لزعمكم أنهم الأرذلون .

وفي قوله : لتكونن من المرجومين ثلاثة أقوال .

أحدها : من المشتومين ، قاله الضحاك . والثاني : من المضروبين بالحجارة ، قاله قتادة . والثالث : من المقتولين بالرجم ، قاله مقاتل .
قال رب إن قومي كذبون . فافتح بيني وبينهم فتحا ونجني ومن معي من المؤمنين فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون . ثم أغرقنا بعد الباقين إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين . وإن ربك لهو العزيز الرحيم

قوله تعالى: فافتح بيني وبينهم أي : اقض بيني وبينهم قضاء ، يعني : بالعذاب ونجني ومن معي من ذلك العذاب . والفلك قد تقدم بيانه [البقرة : 164] . والمشحون : المملوء ، يقال : شحنت الإناء : إذا ملأته ; وكانت [ ص: 135 ] سفينة نوح قد ملئت من الناس والطير والحيوان كله ، ثم أغرقنا بعد بعد نجاة نوح ومن معه الباقين .
كذبت عاد المرسلين . إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون إني لكم رسول أمين . فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين . أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون . وإذا بطشتم بطشتم جبارين فاتقوا الله وأطيعون . واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون أمدكم بأنعام وبنين . وجنات وعيون إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم

قوله تعالى: أتبنون بكل ريع وقرأ عاصم الجحدري ، وأبو حيوة ، وابن أبي عبلة : " بكل ريع " بفتح الراء . قال الفراء : هما لغتان . ثم فيه ثلاثة أقوال .

أحدها : أنه المكان المرتفع ; روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال : بكل شرف . قال الزجاج : هو في اللغة : الموضع المرتفع من الأرض .

والثاني : أنه الطريق ، رواه الضحاك عن ابن عباس ، وبه قال قتادة .

والثالث : الفج بين الجبلين ، قاله مجاهد . والآية : العلامة .

وفيما أراد بهذا البناء ثلاثة أقوال .

أحدها : أنه أراد : تبنون ما لا تسكنون ، رواه عطاء عن ابن عباس ; والمعنى أنه جعل بناءهم ما يستغنون عنه عبثا .

والثاني : بروج الحمام ، قاله سعيد بن جبير ، ومجاهد .

[ ص: 136 ] والثالث : أنهم كانوا يبنون في المواضع المرتفعة ليشرفوا على المارة فيسخروا منهم ويعبثوا بهم ، وهو معنى قول الضحاك .

قوله تعالى: وتتخذون مصانع فيه ثلاثة أقوال .

أحدها : قصور مشيدة ، قاله مجاهد . والثاني : مصانع الماء تحت الأرض ، قاله قتادة . والثالث : بروج الحمام ، قاله السدي .

وفي قوله : لعلكم تخلدون قولان :

أحدهما : كأنكم تخلدون ، قاله ابن عباس ، وأبو مالك .

والثاني : كيما تخلدوا ، قاله الفراء ، وابن قتيبة . وقرأ عكرمة ، والنخعي ، وقتادة ، وابن يعمر : " تخلدون " برفع التاء [وتسكين الخاء وفتح اللام مخففة . وقرأ عاصم الجحدري ، وأبو حصين] : " تخلدون " بفتح الخاء وتشديد اللام .

قوله تعالى: وإذا بطشتم بطشتم جبارين المعنى : إذا ضربتم ضربتم بالسياط ضرب الجبارين ، وإذا عاقبتم قتلتم ; وإنما أنكر عليهم ذلك ، لأنه صدر عن ظلم ، إذ لو ضربوا بالسيف أو بالسوط في حق ما ليموا .
وفي قوله : عذاب يوم عظيم قولان .
أحدهما : ما عذبوا به في الدنيا . والثاني : عذاب جهنم .
[ ص: 137 ] قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين . إن هذا إلا خلق الأولين وما نحن بمعذبين . فكذبوه فأهلكناهم إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم . كذبت ثمود المرسلين إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون . إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون . وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين

قوله تعالى: إن هذا إلا خلق الأولين قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، والكسائي : " خلق " بفتح الخاء وتسكين اللام ; قال ابن قتيبة : أرادوا اختلافهم وكذبهم ، يقال : خلقت الحديث واختلقته ، أي : افتعلته ، قال الفراء : والعرب تقول للخرافات : أحاديث الخلق . وقرأ عاصم ، وأبو عمرو ، وحمزة ، [وخلف ، ونافع] : " خلق الأولين] بضم الخاء واللام . وقرأ ابن عباس ، وعكرمة ، وعاصم الجحدري : " خلق " برفع الخاء وتسكين اللام ; والمعنى : عادتهم وشأنهم قال قتادة : قالوا [له] : هكذا كان الناس يعيشون ما عاشوا ، ثم يموتون ، ولا بعث لهم ولا حساب .

قوله تعالى: وما نحن بمعذبين أي : على ما نفعله في الدنيا .
أتتركون في ما ها هنا آمنين في جنات وعيون . وزروع ونخل طلعها هضيم وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين فاتقوا الله وأطيعون ولا تطيعوا أمر المسرفين . الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون

[ ص: 138 ] قوله تعالى: أتتركون في ما ها هنا أي : فيما أعطاكم الله في الدنيا آمنين من الموت والعذاب .

قوله تعالى: طلعها هضيم الطلع : الثمر . وفي الهضيم سبعة أقوال .

أحدها : أنه الذي قد أينع وبلغ ، رواه العوفي عن ابن عباس . والثاني : أنه الذي يتهشم تهشما ، قاله مجاهد . والثالث : أنه الذي ليس له نوى ، قاله الحسن . والرابع : أنه المذنب من الرطب ، قاله سعيد بن جبير . والخامس : اللين ، قاله قتادة ، والفراء . والسادس : أنه الحمل الكثير الذي يركب بعضه بعضا ، قاله الضحاك . والسابع : أنه الطلع قبل أن ينشق عنه [القشر] وينفتح ، يريد أنه منضم مكتنز ، ومنه قيل : رجل أهضم الكشحين ، إذا كان منضمهما ، قاله ابن قتيبة .

قوله تعالى: وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو : " فرهين " . وقرأ الباقون : " فارهين " بألف . قال ابن قتيبة : " فرهين " : أشرين بطرين ، ويقال : الهاء فيه مبدلة من حاء ، أي : فرحين ، و " الفرح " قد يكون السرور ، وقد يكون الأشر ، ومنه قوله : إن الله لا يحب الفرحين [القصص : 76] أي : الأشرين ، ومن قرأ : " فارهين " فهي لغة أخرى ، يقال : فره وفاره ، كما يقال : فرح وفارح ، ويقال : فارهين أي : حاذقين ; قال عكرمة : حاذقين بنحتها .

[ ص: 139 ] قوله تعالى: ولا تطيعوا أمر المسرفين قال ابن عباس : يعني : المشركين . وقال مقاتل : هم التسعة الذين عقروا الناقة .
قالوا إنما أنت من المسحرين . ما أنت إلا بشر مثلنا فأت بآية إن كنت من الصادقين قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم . ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم فعقروها فأصبحوا نادمين . فأخذهم العذاب إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم . كذبت قوم لوط المرسلين إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون . إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون . وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين

قوله تعالى: إنما أنت من المسحرين قال الزجاج : أي : ممن له سحر ، والسحر : الرئة ، والمعنى : أنت بشر مثلنا . وجائز أن يكون من المفعلين من السحر ; والمعنى : ممن قد سحر مرة بعد مرة .

قوله تعالى: لها شرب أي : حظ من الماء . قال ابن عباس : لها شرب معروف لا تحضروه معها ، ولكم شرب لا تحضر معكم ، فكانت إذا كان يومهم حضروا الماء فاقتسموه ، وإذا كان يومها شربت الماء كله . وقال قتادة : كانت إذا كان يوم شربها ، شربت ماءهم أول النهار ، وسقتهم اللبن آخر النهار . وقرأ أبي بن كعب ، وأبو المتوكل ، وأبو الجوزاء ، وابن أبي عبلة : " لها شرب " بضم الشين .

[ ص: 140 ] قوله تعالى: فأصبحوا نادمين قال ابن عباس : ندموا حين رأوا العذاب على عقرها ، وعذابهم كان بالصيحة .
أتأتون الذكران من العالمين . وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون قالوا لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين . قال إني لعملكم من القالين رب نجني وأهلي مما يعملون فنجيناه وأهله أجمعين إلا عجوزا في الغابرين . ثم دمرنا الآخرين وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين . إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم

قوله تعالى: أتأتون الذكران وهو جمع ذكر من العالمين أي : من بني آدم ، وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم [قال الزجاج : وقرأ ابن مسعود : " ما أصلح لكم ربكم من أزواجكم " ] يعني به الفروج . وقال مجاهد : تركتم أقبال النساء إلى أدبار الرجال .

قوله تعالى: بل أنتم قوم عادون أي : ظالمون معتدون . قالوا لئن لم تنته يا لوط أي : لئن لم تسكت عن نهينا لتكونن من المخرجين من بلدنا . قال إني لعملكم يعني : إتيان الرجال من القالين قال ابن قتيبة : أي : من المبغضين ، يقال : قليت الرجل : إذا أبغضته .

قوله تعالى: رب نجني وأهلي مما يعملون أي : من عقوبة عملهم ، فنجيناه وأهله وقد ذكرناهم في (هود : 80) ، (إلا عجوزا) يعني : امرأته في الغابرين أي : الباقين في العذاب . ثم دمرنا الآخرين أهلكناهم بالخسف والحصب ، وهو قوله : وأمطرنا عليهم مطرا يعني الحجارة .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 20-01-2023, 11:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,335
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ الشُّعَرَاءِ
الحلقة (419)
صــ 141 إلى صــ 150





[ ص: 141 ] كذب أصحاب الأيكة المرسلين . إذ قال لهم شعيب ألا تتقون إني لكم رسول أمين . فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين

قوله تعالى: كذب أصحاب الأيكة قرأ ابن كثير ، ونافع ، وابن عامر : " أصحاب ليكة " هاهنا ، وفي (ص : 13) بغير همز والتاء مفتوحة ; وقرأ الباقون : " الأيكة " بالهمز فيهما والألف . وقد سبق هذا الحرف [الحجر : 78] . إذ قال لهم شعيب إن قيل : لم لم يقل : أخوهم ، كما قال في (الأعراف : 85)؟ فالجواب : أن شعيبا لم يكن من نسل أصحاب الأيكة ، فلذلك لم يقل : أخوهم ، وإنما أرسل إليهم بعد أن أرسل إلى مدين ، وهو من نسل مدين ، فلذلك قال هناك : أخوهم ، هذا قول مقاتل بن سليمان . وقد ذكرنا في سورة (هود : 94) عن محمد بن كعب القرظي ، أن أهل مدين عذبوا بعذاب الظلة ، فإن كانوا غير أصحاب الأيكة كما زعم مقاتل ، فقد تساووا في العذاب ، وإن كان أصحاب مدين هم أصحاب الأيكة ، وهو مذهب ابن جرير الطبري كان حذف ذكر الأخ تخفيفا ، والله أعلم .
[ ص: 142 ] أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين . وزنوا بالقسطاس المستقيم ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين . واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين

قوله تعالى: ولا تكونوا من المخسرين أي : من الناقصين للكيل ، يقال : أخسرت الكيل والوزن : إذا نقصته . وقد ذكرنا القسطاس في (بني إسرائيل : 35) .

قوله تعالى: واتقوا الذي خلقكم والجبلة أي : وخلق الجبلة .

وقيل : المعنى : واذكروا ما نزل بالجبلة الأولين . وقرأ الحسن ، وأبو مجلز ، وأبو رجاء ، وابن يعمر ، وابن أبي عبلة : " والجبلة " برفع الجيم والباء جميعا مشددة اللام . وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي ، والضحاك ، وعاصم الجحدري : بكسر الجيم وتسكين الباء وتخفيف اللام . قال ابن قتيبة : الجبلة : الخلق ، يقال : جبل فلان على كذا ، أي : خلق ، قال الشاعر :
والموت أعظم حادث مما يمر على الجبلة

قالوا إنما أنت من المسحرين . وما أنت إلا بشر مثلنا وإن نظنك لمن الكاذبين فأسقط علينا كسفا من السماء إن كنت من الصادقين . قال ربي أعلم بما تعملون فكذبوه [ ص: 143 ] فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم . إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم

قوله تعالى: فأسقط علينا كسفا قال ابن قتيبة : أي: قطعة من السماء ، و " كسف " جمع " كسفة " ، [كما] يقال : قطع وقطعة .

قوله تعالى: ربي أعلم بما تعملون أي : من نقصان الكيل والميزان ; والمعنى : إنه يجازيكم إن شاء ، وليس عذابكم بيدي ، فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة قال المفسرون : بعث الله عليهم حرا شديدا ، فأخذ بأنفاسهم ، فخرجوا من البيوت هربا إلى البرية ، فبعث الله عليهم سحابة أظلتهم من الشمس ، فوجدوا لها بردا ، ونادى بعضهم بعضا ، حتى إذا اجتمعوا تحتها ، أرسل الله عليهم نارا ، فكان ذلك من أعظم العذاب . والظلة : السحابة التي أظلتهم .
وإنه لتنزيل رب العالمين . نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين . بلسان عربي مبين وإنه لفي زبر الأولين . أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل ولو نزلناه على بعض الأعجمين . فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين

قوله تعالى: وإنه يعني القرآن لتنزيل رب العالمين . نزل به [ ص: 144 ] الروح الأمين قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وحفص عن عاصم : " نزل به " خفيفا " الروح الأمين " بالرفع . وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم : " نزل " مشددة الزاي " الروح الأمين " بالنصب . والمراد بالروح الأمين جبريل ، وهو أمين على وحي الله تعالى إلى أنبيائه ، على قلبك قال الزجاج : معناه : نزل عليك فوعاه قلبك ، فثبت ، فلا تنساه أبدا .

قوله تعالى: لتكون من المنذرين أي : ممن أنذر بآيات الله المكذبين ، بلسان عربي مبين قال ابن عباس : بلسان قريش ليفهموا ما فيه .

قوله تعالى: وإنه لفي زبر الأولين وقرأ الأعمش : " زبر " بتسكين الباء . وفي هاء الكناية قولان .

أحدهما : أنها ترجع إلى القرآن ; والمعنى : وإن ذكر القرآن وخبره ، هذا قول الأكثرين .

والثاني : أنها تعود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قاله مقاتل . والزبر : الكتب .

قوله تعالى: أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي : " أو لم يكن لهم " بالياء " آية " بالنصب . وقرأ ابن عامر ، وابن أبي عبلة : " تكن " بالتاء " آية " بالرفع . وقرأ أبو عمران الجوني ، وقتادة : " تكن " بالتاء " آية " بالنصب قال الزجاج: إذا قلت " يكن " بالياء ، فالاختيار نصب " آية " ويكون " أن " اسم كان ، ويكون " آية " خبر كان ، المعنى : أو لم يكن لهم علم علماء بني إسرائيل أن النبي صلى الله عليه وسلم حق ، وأن نبوته حق؟! " آية " أي : علامة موضحة ، لأن العلماء الذين آمنوا من بني إسرائيل [ ص: 145 ] وجدوا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل . ومن قرأ " أو لم تكن " بالتاء " آية " جعل " آية " هي الاسم ، و " أن يعلمه " خبر " تكن " .

ويجوز أيضا " أو لم تكن " بالتاء " آية " بالنصب ، كقوله : ثم لم تكن فتنتهم [الأنعام : 23] وقرأ الشعبي ، والضحاك ، وعاصم الجحدري : " أن تعلمه " بالتاء .

قال ابن عباس : بعث أهل مكة إلى اليهود وهم بالمدينة يسألونهم عن محمد صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : إن هذا لزمانه ، وإنا لنجد في التوراة صفته ، فكان ذلك آية لهم على صدقه .

قوله تعالى: على بعض الأعجمين قال الزجاج : هو جمع أعجم ، والأنثى عجماء ، والأعجم : الذي لا يفصح ، وكذلك الأعجمي ; فأما العجمي : فالذي من جنس العجم ، أفصح أو لم يفصح .

قوله تعالى: ما كانوا به مؤمنين أي : لو قرأه عليهم أعجمي لقالوا : نفقه هذا ، فلم يؤمنوا .
كذلك سلكناه في قلوب المجرمين . لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم فيأتيهم بغتة وهم لا يشعرون [ ص: 146 ] فيقولوا هل نحن منظرون أفبعذابنا يستعجلون . أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون . ذكرى وما كنا ظالمين

قوله تعالى: كذلك سلكناه قد شرحناه في (الحجر : 12) . والمجرمون هاهنا : المشركون .

قوله تعالى: لا يؤمنون به قال الفراء : المعنى : كي لا يؤمنوا . فأما العذاب الأليم ، فهو عند الموت . فيقولوا عند نزول العذاب هل نحن منظرون أي : مؤخرون لنؤمن ونصدق . قال مقاتل : فلما أوعدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعذاب ، قالوا : فمتى هو؟ تكذيبا به ، فقال الله تعالى : أفبعذابنا يستعجلون .

قوله تعالى: أفرأيت إن متعناهم سنين قال عكرمة : عمر الدنيا .

قوله تعالى: ثم جاءهم ما كانوا يوعدون أي : من العذاب . وما أهلكنا من قرية بالعذاب في الدنيا إلا لها منذرون يعني : رسلا تنذرهم العذاب . ذكرى أي : موعظة وتذكيرا .
وما تنزلت به الشياطين . وما ينبغي لهم وما يستطيعون إنهم عن السمع لمعزولون

قوله تعالى: وما تنزلت به الشياطين سبب نزولها أن قريشا قالت : إنما [ ص: 147 ] تجيء بالقرآن الشياطين فتلقيه على [لسان] محمد ، فنزلت هذه الآية ، قاله مقاتل .
قوله تعالى: وما ينبغي لهم أي : أن ينزلوا بالقرآن وما يستطيعون أن يأتوا به من السماء ، لأنهم قد حيل بينهم وبين السمع بالملائكة والشهب . إنهم عن السمع أي : عن الاستماع للوحي من السماء لمعزولون فكيف ينزلون به؟! وقال عطاء : عن سماع القرآن لمحجوبون ، لأنهم يرجمون بالنجوم .
فلا تدع مع الله إلها آخر فتكون من المعذبين . وأنذر عشيرتك الأقربين واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين . فإن عصوك فقل إني بريء مما تعملون وتوكل على العزيز الرحيم . الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين . إنه هو السميع العليم

قوله تعالى: فلا تدع مع الله إلها آخر قال ابن عباس : يحذر به غيره ، يقول : أنت أكرم الخلق علي ، ولو اتخذت من دوني إلها لعذبتك .

قوله تعالى: وأنذر عشيرتك الأقربين روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة قال : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل الله وأنذر عشيرتك الأقربين فقال : " يا معشر قريش : اشتروا أنفسكم من الله ، لا أغني عنكم من الله شيئا ، يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئا ، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا ، يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا ، يا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت ما أغني عنك من الله شيئا " .

[ ص: 148 ] وفي بعض الألفاظ : " سلوني من مالي ما شئتم " . وفي لفظ : " غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها " . ومعنى قوله " عشيرتك الأقربين : رهطك الأدنين . فإن عصوك يعني : العشيرة فقل إني بريء مما تعملون من الكفر . وتوكل على العزيز الرحيم أي : ثق به وفوض أمرك إليه ، فهو عزيز في نقمته ، رحيم لم يعجل بالعقوبة . وقرأ نافع ، وابن عامر : " فتوكل " بالفاء ، وكذلك [هو] في مصاحف أهل المدينة والشام الذي يراك حين تقوم فيه ثلاثة أقوال .

أحدها : حين تقوم إلى الصلاة ، قاله ابن عباس ، ومقاتل ، والثاني : حين تقوم من مقامك ، قاله أبو الجوزاء . والثالث : حين تخلو ، قاله الحسن .

قوله تعالى: وتقلبك أي : ونرى تقلبك في الساجدين وفيه ثلاثة أقوال .

أحدها : وتقلبك في أصلاب الأنبياء حتى أخرجك ، رواه عكرمة عن ابن عباس .

والثاني : وتقلبك في الركوع والسجود والقيام مع المصلين في الجماعة ; والمعنى : يراك وحدك ويراك في الجماعة ، وهذا قول الأكثرين منهم قتادة .

[ ص: 149 ] والثالث : وتصرفك في ذهابك ومجيئك في أصحابك المؤمنين ، قاله الحسن .
هل أنبئكم على من تنزل الشياطين . تنزل على كل أفاك أثيم يلقون السمع وأكثرهم كاذبون

قوله تعالى: هل أنبئكم على من تنزل الشياطين هذا رد عليهم حين قالوا : إنما يأتيه بالقرآن الشياطين . فأما الأفاك فهو الكذاب ، والأثيم : الفاجر ; قال قتادة : وهم الكهنة .

قوله تعالى: يلقون السمع أي : يلقون ما سمعوه من السماء إلى الكهنة .

وفي قوله : وأكثرهم كاذبون قولان .

أحدهما : أنهم الشياطين . والثاني : الكهنة .
والشعراء يتبعهم الغاوون . ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون . إلا الذين آمنوا وعملوا [ ص: 150 ] الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون

قوله تعالى: والشعراء يتبعهم الغاوون وقرأ نافع : " يتبعهم " بسكون التاء ; والوجهان حسنان ، يقال : تبعت واتبعت ، مثل حقرت واحتقرت .

وروى العوفي عن ابن عباس ، قال : كان رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تهاجيا ، فكان مع كل واحد منهما غواة من قومه ، فقال الله : والشعراء يتبعهم الغاوون . وفي رواية أخرى عن ابن عباس ، قال : هم شعراء المشركين . قال مقاتل : منهم عبد الله بن الزبعرى ، وأبو سفيان بن حرب ، وهبيرة ابن أبي وهب المخزومي في آخرين ، قالوا : نحن نقول مثل قول محمد ، وقالوا الشعر ، فاجتمع إليهم غواة من قومهم يستمعون أشعارهم ويروون عنهم .

وفي الغاوين ثلاثة أقوال .

أحدها : الشياطين ، قاله مجاهد ، وقتادة . والثاني : السفهاء ، قاله الضحاك . والثالث : المشركون ، قاله ابن زيد .

قوله تعالى: ألم تر أنهم في كل واد يهيمون هذا مثل بمن يهيم في الأودية ; والمعنى أنهم يأخذون في كل فن من لغو وكذب وغير ذلك ; فيمدحون بباطل ويذمون بباطل ، ويقولون : فعلنا ، ولم يفعلوا .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 20-01-2023, 11:21 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,335
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ الشُّعَرَاءِ
الحلقة (420)
صــ 151 إلى صــ 160






[ ص: 151 ] قوله تعالى: إلا الذين آمنوا قال ابن عباس : لما نزل ذم الشعراء ، جاء كعب بن مالك ، وعبد الله بن رواحة ، وحسان بن ثابت ، فقالوا : يا رسول الله ، أنزل الله هذا وهو يعلم أنا شعراء ، فنزلت هذه الآية . قال المفسرون : وهذا الاستثناء لشعراء المسلمين الذين مدحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وذموا من هجاء ، وذكروا الله كثيرا أي : لم يشغلهم الشعر عن ذكر الله ولم يجعلوا الشعر همهم . وقال ابن زيد : وذكروا الله في شعرهم . وقيل : المراد بالذكر : الشعر في طاعة الله عز وجل .

قوله تعالى: وانتصروا أي : من المشركين من بعد ما ظلموا لأن المشركين بدؤوا بالهجاء . ثم أوعد شعراء المشركين ، فقال : وسيعلم الذين ظلموا أي : أشركوا وهجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أي منقلب [ ص: 152 ] ينقلبون قال الزجاج : " أي " منصوبة بقوله : ينقلبون لا بقوله : " سيعلم " لأن " أيا " وسائر أسماء الاستفهام لا يعمل فيها ما قبلها . ومعنى الكلام : إنهم ينقلبون إلى نار يخلدون فيها .

وقرأ ابن مسعود ، ومجاهد عن ابن عباس ، وأبو المتوكل ، وأبو رجاء : " أي متقلب يتقلبون " بتاءين مفتوحتين وبقافين على كل واحدة منهما نقطتان وتشديد اللام فيهما . وقرأ أبي بن كعب ، وابن عباس ، وأبو العالية ، وأبو مجلز ، وأبو عمران الجوني ، وعاصم الجحدري : " أي منفلت ينفلتون " بالفاء فيهما وبنونين ساكنين وبتاءين . وكان شريح يقول : سيعلم الظالمون حظ من نقصوا ، إن الظالم ينتظر العقاب ، وإن المظلوم ينتظر النصر .
[ ص: 153 ] سُورَةُ النَّمْلِ

وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا بِإِجْمَاعِهِمْ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ . هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ . إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ . وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ إِذْ قَالَ مُوسَى لأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ . فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

قَوْلُهُ تَعَالَى : طس فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ .

أَحَدُهَا : أَنَّهُ قَسَمٌ أَقْسَمَ اللَّهُ بِهِ ، وَهُوَ مِنْ أَسْمَائِهِ ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ . وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ ، قَالَ : هُوَ اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ . [ ص: 154 ] وَالثَّانِي : اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْقُرْآَنِ ، قَالَهُ قَتَادَةُ .

وَالثَّالِثُ : الطَّاءُ مِنَ اللَّطِيفِ ، وَالسِّينِ مِنَ السَّمِيعِ ، حَكَاهُ الثَّعْلَبِيُّ .

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكِتَابٍ مُبِينٍ وَقَرَأَ أَبُو الْمُتَوَكِّلِ ، وَأَبُو عِمْرَانَ ، وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ : " وَكِتَابٌ مُبِينٌ " بِالرَّفْعِ فِيهِمَا .

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَبُشْرَى أَيْ : بُشْرَى بِمَا فِيهِ مِنَ الثَّوَابِ لِلْمُصَدِّقِينَ .

قَوْلُهُ تَعَالَى: زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ أَيْ : حَبَّبْنَا إِلَيْهِمْ قَبِيحَ فِعْلِهِمْ . وَقَدْ بَيَّنَّا حَقِيقَةَ التَّزْيِينِ وَالْعَمَهِ فِي (الْبَقَرَةِ : 15 ، 212) . وَسُوءُ الْعَذَابِ : شَدِيدُهُ .

قَوْلُهُ تَعَالَى: هُمُ الأَخْسَرُونَ لِأَنَّهُمْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ وَصَارُوا إِلَى النَّارِ .

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ : أَيْ : يُلْقَى عَلَيْكَ فَتَتَلَقَّاهُ أَنْتَ ، أَيْ : تَأْخُذُهُ . إِذْ قَالَ مُوسَى الْمَعْنَى : اذْكُرْ إِذْ قَالَ مُوسَى .

قَالَ تَعَالَى : بِشِهَابٍ قَبَسٍ قَرَأَ عَاصِمٌ ، وَحَمْزَةُ ، وَالْكِسَائِيُّ ، وَيَعْقُوبُ إِلَّا زَيْدًا : " بِشِهَابٍ " بِالتَّنْوِينِ . وَقَرَأَ الْبَاقُونَ عَلَى الْإِضَافَةِ غَيْر َمُنَوَّنٍ . قَالَ الزَّجَّاجُ : مَنْ نَوَّنَ الشِّهَابَ ، وَجَعَلَ الْقَبَسَ مِنْ صِفَةِ الشِّهَابِ ، وَكُلُّ أَبْيَضٍ ذِي نُورٍ ، فَهُوَ شِهَابٌ . فَأَمَّا مَنْ أَضَافَ ، فَقَالَ الْفَرَّاءُ : هَذَا مِمَّا يُضَافُ إِلَى نَفْسِهِ إِذَا اخْتَلَفَتِ الْأَسْمَاءُ ، كَقَوْلِهِ : وَلَدَارُ الآخِرَةِ [يُوسُفَ : 109] . قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ : الشِّهَابُ : النَّارُ ، وَالْقَبَسُ : النَّارُ تَقْبِسُ ، يُقَالُ : قَبَسَتِ النَّارُ قَبَسًا ، وَاسْمُ مَا قَبَسْتَ : قَبَسٌ .

[ ص: 155 ] قَوْلُهُ تَعَالَى: تَصْطَلُونَ أَيْ : تَسْتَدْفِئُونَ ، وَكَانَ الزَّمَان شِتَاءً .

قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلَمَّا جَاءَهَا أَيْ : جَاءَ مُوسَى النَّارَ ، وَإِنَّمَا كَانَ نُورًا فَاعْتَقَدَهُ نَارًا ، نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ .

أَحَدُهَا : أَنَّ الْمَعْنَى : قَدَّسَ مَنْ فِي النَّارِ ، وَهُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَالْحَسَنُ ; وَالْمَعْنَى : قَدَّسَ مَنْ نَادَاهُ مِنَ النَّارِ ، لَا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَحِلُّ فِي شَيْءٍ .

وَالثَّانِي : أَنَّ " مِنْ " زَائِدَةٌ ; وَالْمَعْنَى : بُورِكَتِ النَّارُ ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ . وَالثَّالِثُ : أَنَّ الْمَعْنَى : بُورِكَ عَلَى مَنْ فِي النَّارِ ، أَوْ فِيمَنْ فِي النَّارِ ; قَالَ الْفَرَّاءُ : وَالْعَرَبُ تَقُولُ : بَارَكَهُ اللَّهُ ، وَبَارَكَ عَلَيْهِ ، وَبَارَكَ فِيهِ ، بِمَعْنًى وَاحِدٍ ، وَالتَّقْدِيرُ : بُورِكَ مَنْ فِي طَلَبِ النَّارِ ، وَهُوَ مُوسَى ، فَحَذَفَ الْمُضَافَ . وَهَذِهِ تَحِيَّةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِمُوسَى بِالْبَرَكَةِ ، كَمَا حَيَّا إِبْرَاهِيمَ بِالْبَرَكَةِ عَلَى أَلْسِنَةِ الْمَلَائِكَةِ حِينَ دَخَلُوا عَلَيْهِ ، فَقَالُوا : رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ [هُودٍ : 73] .

فَخَرَجَ فِي قَوْلِهِ : بُورِكَ قَوْلَانِ .

أَحَدُهُمَا : قَدَّسَ . وَالثَّانِي : مِنَ الْبَرَكَةِ .

وَفِي قَوْلِهِ : وَمَنْ حَوْلَهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ .

أَحَدُهَا : الْمَلَائِكَةُ ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَالْحَسَنُ . وَالثَّانِي : مُوسَى وَالْمَلَائِكَةُ ، قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ . وَالثَّالِثُ : مُوسَى ; فَالْمَعْنَى : بُورِكَ فِيمَنْ يَطْلُبُهَا وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْهَا .
يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم . وألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد [ ص: 156 ] سوء فإني غفور رحيم . وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات إلى فرعون وقومه إنهم كانوا قوما فاسقين فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين

قوله تعالى: إنه أنا الله الهاء عماد في قول أهل اللغة ; وعلى قول السدي : هي كناية عن المنادي ، لأن موسى قال : من هذا الذي يناديني؟ فقيل : إنه أنا الله

قوله تعالى: وألق عصاك في الآية محذوف ، تقديره : فألقاها فصارت حية ، فلما رآها تهتز كأنها جان قال الفراء : الجان : الحية التي ليست بالعظيمة ولا بالصغيرة .

قوله تعالى: ولم يعقب فيه قولان .

أحدهما : لم يلتفت ، قاله قتادة . والثاني : لم يرجع ، قاله ابن قتيبة ، والزجاج قال ابن قتيبة : وأهل النظر يرون أنه مأخوذ من العقب .

قوله تعالى: إني لا يخاف لدي المرسلون : أي : لا يخافون عندي . وقيل : المراد : في الموضع الذي يوحي إليهم فيه ، فكأنه نبهه على أن من أمنه الله بالنبوة من عذابه لا ينبغي أن يخاف من حية .

وفي قوله : إلا من ظلم ثلاثة أقوال .

أحدها : أنه استثناء صحيح ، قاله الحسن ، وقتادة ، ومقاتل ; والمعنى : إلا من ظلم منهم فإنه يخاف . قال ابن قتيبة : علم الله تعالى أن موسى مستشعر [ ص: 157 ] خيفة من ذنبه في الرجل الذي وكزه ، فقال : إلا من ظلم ثم بدل حسنا أي : توبة وندما ، فإنه يخاف ، وإني غفور رحيم .

والثاني : أنه استثناء منقطع ; والمعنى : لكن من ظلم فإنه يخاف ، قاله ابن السائب ، والزجاج . وقال الفراء : " من " مستثناة من الذين تركوا في الكلام ، كأنه قال : لا يخاف لدي المرسلون ، إنما الخوف على غيرهم ، إلا من ظلم ، فتكون " من " مستثناة . وقال ابن جرير : في الآية محذوف ، تقديره : إلا من ظلم ، فمن ظلم ثم بدل حسنا .

والثالث : أن " إلا " بمعنى الواو ، فهو كقوله : لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم [البقرة : 150] ، حكاه الفراء عن بعض النحويين ، ولم يرضه .

وقرأ أبي بن كعب ، وسعيد بن جبير ، والضحاك ، وعاصم الجحدري ، وابن يعمر : " ألا من ظلم " بفتح الهمزة وتخفيف اللام .

وللمفسرين في المراد بالظلم هاهنا قولان .

أحدهما : المعاصي . والثاني : الشرك . ومعنى " حسنا " :توبة وندما .

وقرأ ابن مسعود ، والضحاك ، وأبو رجاء ، والأعمش ، وابن السميفع ، وعبد الوارث عن أبي عمرو : " حسنا " بفتح الحاء والسين . بعد سوء أي : بعد إساءة . وقيل : الإشارة بهذا إلى أن موسى وإن كان [قد] ظلم نفسه بقتل القبطي ، فإن الله يغفر له ، لأنه ندم على ذلك وتاب .

[ ص: 158 ] قوله تعالى: وأدخل يدك في جيبك الجيب حيث جيب من القميص ، أي : قطع . قال ابن جرير : إنما أمر بإدخاله يده في جيبه ، لأنه كان عليه حينئذ مدرعة من صوف ليس لها كم . والسوء : البرص .

قوله تعالى: في تسع آيات قاله الزجاج : " في " من صلة قوله : وألق عصاك وأدخل يدك ، فالتأويل : أظهر هاتين الآيتين في تسع آيات . و " في " بمعنى " من " ، فتأويله : من تسع آيات ; تقول : خذ لي عشرا من الإبل فيها فحلان ، أي : منها فحلان . وقد شرحنا الآيات في (بني إسرائيل : 101) .

قوله تعالى: إلى فرعون وقومه أي : مرسلا إلى فرعون وقومه ، فحذف ذلك لأنه معروف . فلما جاءتهم آياتنا مبصرة أي : بينة واضحة ، وهو كقوله : وآتينا ثمود الناقة مبصرة [الإسراء : 59] وقد شرحناه .

قوله تعالى: قالوا هذا أي : هذا الذي نراه عيانا سحر مبين . وجحدوا بها أي : أنكروها واستيقنتها أنفسهم أنها من عند الله ، ظلما أي : شركا وعلوا أي : تكبرا . قال الزجاج : المعنى : وجحدوا بها ظلما وعلوا ، أي : ترفعا عن أن يؤمنوا بما جاء به موسى وهم يعلمون أنها من عند الله .
[ ص: 159 ] ولقد آتينا داود وسليمان علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين . وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون . حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين

قوله تعالى: ولقد آتينا داود وسليمان علما قال المفسرون : علما بالقضاء وبكلام الطير والدواب وتسبيح الجبال وقالا الحمد لله الذي فضلنا بالنبوة والكتاب وإلانة الحديد وتسخير الشياطين والجن والإنس على كثير من عباده المؤمنين قال مقاتل : كان داود أشد تعبدا من سليمان ، وكان سليمان أعظم ملكا منه وأفطن .

قوله تعالى: وورث سليمان داود أي : ورث نبوته وعلمه وملكه ، وكان لداود تسعة عشر ذكرا ، فخص سليمان بذلك ، ولو كانت وراثة مال لكان جميع أولاده فيها سواء .

قوله تعالى: وقال يعني سليمان لبني إسرائيل يا أيها الناس علمنا منطق الطير قرأ أبي بن كعب : " علمنا " بفتح العين واللام . قال الفراء : " منطق الطير " : كلام الطير كالمنطق إذا فهم ، قال الشاعر :

[ ص: 160 ]
عجبت لها أنى يكون غناؤها فصيحا ولم تفغر ( تفتح ) بمنطقها فما


ومعنى الآية : فهمنا ما تقول الطير . قال قتادة : والنمل من الطير . وأوتينا من كل شيء قال الزجاج : أي : من كل شيء يجوز أن يؤتاه الأنبياء والناس .

وقال مقاتل : أعطينا الملك والنبوة والكتاب والرياح ومنطق الطير ، وسخرت لنا الجن والشياطين .

وروى جعفر بن محمد عن أبيه ، قال : أعطي سليمان ملك مشارق الأرض ومغاربها ، فملك سبعمائة سنة وستة أشهر ، وملك أهل الدنيا كلهم من الجن والإنس والشياطين والدواب والطير والسباع ، وأعطي علم كل شيء ومنطق كل شيء ، وفي زمانه صنعت الصنائع المعجبة ، فذلك قوله : علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء

قوله تعالى: إن هذا يعني : الذي أعطينا لهو الفضل المبين أي : الزيادة الظاهرة على ما أعطي غيرنا . وحشر لسليمان جنوده أي : جمع له كل صنف من جنده على حدة ، وهذا كان في مسير له ، فهم يوزعون قال مجاهد : يحبس أولهم على آخرهم . قال ابن قتيبة : وأصل الوزع : الكف والمنع . يقال : وزعت الرجل ، أي : كففته ، ووازع الجيش : الذي يكفهم عن التفرق ، ويرد من شذ منهم .

قوله تعالى: حتى إذا أتوا أي : أشرفوا على واد النمل وفي موضعه قولان .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 20-01-2023, 11:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,335
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد


تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ الشُّعَرَاءِ
الحلقة (421)
صــ 161 إلى صــ 170





[ ص: 161 ] أحدهما : أنه بالطائف ، قاله كعب . والثاني : بالشام ، قاله قتادة .

قوله تعالى: قالت نملة وقرأ أبو مجلز ، وأبو رجاء ، وعاصم الجحدري ، وطلحة بن مصرف : " نملة " بضم الميم ; أي : صاحت بصوت ، فلما كان ذلك الصوت مفهوما عبر عنه بالقول ; ولما نطق النمل كما ينطق بنو آدم ، أجري مجرى الآدميين ، فقيل : ادخلوا ، وألهم الله تلك النملة معرفة سليمان معجزا له ، وقد ألهم الله النمل كثيرا من مصالحها تزيد به على الحيوانات ، فمن ذلك أنها تكسر كل حبة تدخرها قطعتين لئلا تنبت ، إلا الكزبرة فإنها تكسرها أربع قطع ، لأنها تنبت إذا كسرت قطعتين ، فسبحان من ألهمها هذا!

وفي صفة تلك النملة قولان .

أحدهما : أنها كانت كهيئة النعجة ، قال نوف الشامي : كان النمل في زمن سليمان بن داود كأمثال الذئاب .

والثاني : كانت نملة صغيرة .

ادخلوا مساكنكم وقرأ أبي بن كعب ، وأبو المتوكل ، وعاصم الجحدري : " مسكنكم " على التوحيد .

قوله تعالى: لا يحطمنكم الحطم : الكسر . وقرأ أبي بن كعب ، وأبو رجاء : " ليحطمنكم " بغير ألف بعد اللام . وقرأ ابن مسعود: [ ص: 162 ] " لا يحطمكم " بفتح الياء وسكون الحاء وتخفيف الطاء وسكون الميم وحذف النون . وقرأ عمرو بن العاص ، وأبان : " يحطمنكم " بفتح الياء وسكون الحاء والنون ساكنة أيضا والطاء خفيفة . وقرأ أبو المتوكل ، وأبو مجلز : " لا يحطمنكم " بفتح الياء وكسر الحاء وتشديد الطاء والنون جميعا . وقرأ ابن السميفع ، وابن يعمر ، وعاصم الجحدري : " يحطمنكم " برفع الياء وسكون الحاء وتخفيف الطاء وتشديد النون . والحطم : الكسر ، والحطام : ما تحطم . قال مقاتل : سمع سليمان كلامها من ثلاثة أميال .

وفي قوله : وهم لا يشعرون قولان .

أحدهما : وأصحاب سليمان لم يشعروا بكلام النملة ، قاله ابن عباس .

والثاني : وأصحاب سليمان لا يشعرون بمكانكم ، أنها علمت أنه ملك لا بغي فيه ، وأنهم لو علموا بالنمل ما توطؤوهم ، قاله مقاتل .

قوله تعالى: فتبسم ضاحكا قال الزجاج : " ضاحكا " منصوب ، حال مؤكدة ، لأن " تبسم " بمعنى " ضحك " . قال المفسرون : تبسم تعجبا مما قالت ، وقيل : من ثنائها عليه . وقال بعض العلماء : هذه الآية من عجائب القرآن ، لأنها بلفظة " يا " نادت " أيها " نبهت " النمل " عينت " ادخلوا " أمرت " مساكنكم " نصت " لا يحطمنكم " حذرت " سليمان " خصت " وجنوده " عمت " وهم لا يشعرون " عذرت .

قوله تعالى: وقال رب أوزعني قال ابن قتيبة : ألهمني ، أصل الإيزاع : الإغراء بالشيء ، يقال : أوزعته بكذا ، أي : أغريته به ، وهو موزع بكذا ، ومولع بكذا . وقال الزجاج . تأويله في اللغة : كفني عن الأشياء إلا عن شكر نعمتك ; والمعنى : كفني عما يباعد منك ، وأن أعمل أي: [ ص: 163 ] وألهمني أن أعمل صالحا ترضاه قال المفسرون : إنما شكر الله عز وجل لأن الريح أبلغت إليه صوتها ففهم ذلك .
وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين . لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبإ بنبإ يقين . إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون . ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم

قوله تعالى: وتفقد الطير التفقد : طلب ما غاب عنك ; والمعنى أنه طلب ما فقد من الطير ; والطير اسم جامع للجنس ، وكانت الطير تصحب سليمان في سفره تظله بأجنحتها فقال ما لي لا أرى الهدهد قرأ ابن كثير ، وعاصم ، والكسائي : " ما لي لا أرى الهدهد " بفتح الياء . وقرأ نافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة بالسكون ، والمعنى : ما للهدهد [لا أراه]؟! تقول العرب : ما لي أراك كئيبا ، أي : ما لك؟ فهذا من المقلوب الذي معناه معلوم .

قال المفسرون : لما فصل سليمان عن وادي النمل ، وقع في قفر من الأرض ، فعطش الجيش فسألوه الماء ، وكان الهدهد يدله على الماء ، فإذا قال له : هاهنا الماء ، شققت الشياطين الصخر وفجرت العيون قبل أن يضربوا أبنيتهم ، وكان الهدهد يرى الماء في الأرض كما يرى الماء في الزجاجة ، فطلبه يومئذ فلم يجده .

[ ص: 164 ] وقال بعضهم : إنما طلبه لأن الطير كانت تظلهم من الشمس ، فأخل الهدهد بمكانه ، فطلعت الشمس عليهم من الخلل .

قوله تعالى: أم كان قال الزجاج : معناه : بل كان .

قوله تعالى: لأعذبنه عذابا شديدا فيه ستة أقوال .

أحدها : نتف ريشه ، قاله ابن عباس ، والجمهور . والثاني : نتفه وتشميسه ، قاله عبد الله بن شداد . والثالث : شد رجله وتشميسه ، قاله الضحاك . والرابع : أن يطليه بالقطران ويشمسه ، قاله مقاتل بن حيان . والخامس : أن يودعه القفص والسادس : أن يفرق بينه وبين إلفه ، حكاهما الثعلبي .

قوله تعالى: أو ليأتيني وقرأ ابن كثير : " ليأتينني " بنونين ، وكذلك هي في مصاحفهم . فأما السلطان ، فهو الحجة ، وقيل : العذر .

وجاء في التفسير أن سليمان لما نزل في بعض مسيره ، قال الهدهد : إنه قد اشتغل بالنزول فأرتفع أنا إلى السماء فانظر إلى طول الدنيا وعرضها ، فارتفع فرأى بستانا لبلقيس ، فمال إلى الخضرة فوقع فيه ، فإذا هو بهدهد قد لقيه ، فقال : من أين أقبلت؟ قال : من الشام مع صاحبي سليمان ، فمن أين أنت؟ قال : من هذه البلاد ، وملكها امرأة يقال لها : بلقيس ، فهل أنت منطلق معي حتى ترى ملكها؟ قال : أخاف أن يتفقدني سليمان وقت الصلاة إذا احتاج إلى الماء ، قال : إن صاحبك يسره أن تأتيه بخبر هذه الملكة ، فانطلق معه ، فنظر إلى بلقيس وملكها ، فمكث غير بعيد قرأ الجمهور بضم الكاف ، وقرأ عاصم بفتحها ، وقرأ ابن مسعود : " فتمكث " بزيادة تاء ; والمعنى : لم يلبث إلا يسيرا حتى جاء ، فقال سليمان : ما الذي أبطأ بك؟ فقال أحطت بما لم تحط به أي : علمت شيئا من جميع جهاته مما لم تعلم [به] وجئتك من سبإ قرأ ابن كثير، [ ص: 165 ] وأبو عمرو : " سبأ " نصبا غير مصروف ، وقرأ الباقون خفضا منونا . وجاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن سبأ رجل من العرب . وقال قتادة : هي أرض باليمن يقال لها : مأرب . وقال أبو الحسن الأخفش : إن شئت صرفت " سبأ " فجعلته اسم أبيهم ، أو اسم الحي ، وإن شئت لم تصرف فجعلته اسم القبيلة ، أو اسم الأرض . قال الزجاج : وقد ذكر قوم من النحويين أنه اسم رجل . وقال آخرون : الاسم إذا لم يدر ما هو لم يصرف ; وكلا القولين خطأ ، لأن الأسماء حقها الصرف ، وإذا لم يعلم هل الاسم للمذكر أم للمؤنث ، فحقه الصرف حتى يعلم أنه لا ينصرف ، لأن أصل الأسماء الصرف . وقول الذين قالوا : هو اسم رجل ، غلط ، لأن سبأ هي مدينة تعرف بمأرب من اليمن ، بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاثة أيام ، فمن لم يصرفه جعله اسم مدينة ، ومن صرفه فلأنه اسم البلد ، فيكون مذكرا سمي بمذكر .

قوله تعالى: بنبإ يقين أي : بخبر صادق ، إني وجدت امرأة تملكهم يعني بلقيس وأوتيت من كل شيء قال الزجاج : معناه : من كل شيء يعطاه الملوك ويؤتاه الناس . والعرش : سرير الملك . قال قتادة : كان عرشها من ذهب ، قوائمه من جوهر مكلل باللؤلؤ ، وكان أحد أبويها من الجن ، وكان مؤخر أحد قدميها مثل حافر الدابة . وقال مجاهد : كان قدماها كحافر الحمار .

وقال ابن السائب : لم يكن بقدميها شيء ، إنما وقع الجن فيها عند سليمان بهذا القول ، فلما جعل لها الصرح بان له كذبهم . قال مقاتل : كان ارتفاع عرشها [ ص: 166 ] ثمانين ذراعا في عرض ثمانين ، وكانت أمها من الجن . قال ابن جرير وإنما صار هذا الخبر عذرا للهدهد ، لأن سليمان كان لا يرى لأحد في الأرض مملكة سواه ، وكان مع ذلك يحب الجهاد ، فلما دله الهدهد على مملكة لغيره ، وعلى قوم كفرة يجاهدهم ، صار ذلك عذرا له .

قوله تعالى: ألا يسجدوا قرأ الأكثرون : " ألا " بالتشديد . قال الزجاج : والمعنى : وزين لهم الشيطان ألا يسجدوا ، أي : فصدهم لئلا يسجدوا . وقرأ ابن عباس ، وأبو عبد الرحمن السلمي ، والحسن ، والزهري ، وقتادة ، وأبو العالية ، وحميد الأعرج ، والأعمش ، وابن أبي عبلة ، والكسائي : " ألا يسجدوا " مخففة ، على معنى : ألا يا هؤلاء اسجدوا ، فيكون في الكلام إضمار " هؤلاء " ويكتفى منها ب " يا " ، ويكون الوقف " ألا يا " والابتداء " اسجدوا " ; قال الفراء : فعلى هذه القراءة هي سجدة ، وعلى قراءة من شدد لا ينبغي لها أن تكون سجدة .

وقال أبو عبيدة : هذا أمر من الله مستأنف ، يعني : ألا يا أيها الناس اسجدوا . وقرأ ابن مسعود ، وأبي : " هلا يسجدوا " بهاء .

قوله تعالى: الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض قال ابن قتيبة : أي : المستتر فيهما ، وهو من خبأت الشيء : إذا أخفيته ، ويقال : خبء السموات : المطر ، وخبء الأرض : النبات . وقال الزجاج : كل ما خبأته فهو خبء ، فالخبء : كل ما غاب ; فالمعنى : يعلم الغيب في السموات والأرض . 50 وقال ابن جرير : " في " بمعنى " من " ، فتقديره : يخرج الخبء من السموات .

قوله تعالى: ويعلم ما تخفون وما تعلنون قرأ حفص [عن] عاصم ، والكسائي بالتاء فيهما . وقرأ الباقون بالياء . قال ابن زيد : من قوله : أحطت إلى قوله : العظيم كلام الهدهد . وقرأ الضحاك ، وابن محيصن : " العظيم " برفع الميم .
[ ص: 167 ] قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين . اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم . إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين

فلما فرغ الهدهد من كلامه قال سننظر فيما أخبرتنا به أصدقت فيما قلت أم كنت من الكاذبين وإنما شك في خبره ، لأنه أنكر أن يكون لغيره في الأرض سلطان . ثم كتب كتابا وختمه بخاتمه ودفعه إلى الهدهد وقال : اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم قرأ ابن كثير ، وابن عامر ، والكسائي : " فألقهي " موصولة بياء . وقرأ أبو عمرو ، وعاصم ، وأبو جعفر ، وحمزة : " فألقه " بسكون الهاء ، وروى قالون عن نافع كسر الهاء من غير إشباع ; ويعني إلى أهل سبإ ، ثم تول عنهم فيه قولان .

أحدهما : أعرض . والثاني : انصرف ، فانظر ماذا يرجعون أي : ماذا يردون من الجواب .

فإن قيل : إذا تولى عنهم فكيف يعلم جوابهم؟ فعنه جوابان .

أحدهما : أن المعنى : ثم تول عنهم مستترا من حيث لا يرونك ، فانظر ماذا يردون من الجواب ، وهذا قول وهب بن منبه .

والثاني : أن في الكلام تقديما وتأخيرا ، تقديره : فانظر ماذا يرجعون ثم تول عنهم ، وهذا مذهب ابن زيد .

قال قتادة : أتاها الهدهد وهي نائمة فألقى الكتاب على نحرها فقرأته وأخبرت قومها . وقال مقاتل : حمله في منقاره حتى وقف على رأس المرأة ، فرفرف ساعة [ ص: 168 ] والناس ينظرون ، فرفعت رأسها فألقي الكتاب في حجرها ، فلما رأت الخاتم أرعدت وخضعت وخضع من معها من الجنود .

واختلفوا لأي علة سمته كريما على سبعة أقوال .

أحدها : لأنه كان مختوما ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس والثاني : أنها ظنته من عند الله عز وجل ، روي عن ابن عباس أيضا . والثالث : أن معنى قولها : " كريم " : حسن ما فيه ، قاله قتادة ، والزجاج . والرابع : لكرم صاحبه ، فإنه كان ملكا ، ذكره ابن جرير . والخامس : أنه كان مهيبا ، ذكره أبو سليمان الدمشقي . والسادس : لتسخير الهدهد لحمله ، حكاه الماوردي . السابع : لأنها رأت في صدره " بسم الله الرحمن الرحيم " حكاه الثعلبي .

قوله تعالى: إنه من سليمان أي : إن الكتاب من عنده وإنه أي : وإن المكتوب بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا علي أي : لا تتكبروا . وقرأ ابن عباس : " تغلوا " بغين معجمة وأتوني مسلمين أي : منقادين طائعين . ثم استشارت قومها ، ف قالت يا أيها الملأ يعني الأشراف ، وكانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر قائدا ، كل رجل منهم على عشرة آلاف . وقال ابن عباس : كان معها مائة ألف قيل ، مع كل قيل مائة ألف . وقيل : كانت جنودها ألف ألف ومائتي ألف .
قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون . قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية [ ص: 169 ] أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون . وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون

قوله تعالى: أفتوني في أمري أي : بينوا لي ما أفعل ، وأشيروا علي . قال الفراء : جعلت المشورة فتيا ، وذلك جائز لسعة اللغة .

قوله تعالى: ما كنت قاطعة أمرا أي : فاعلته حتى تشهدون أي . تحضرون ; والمعنى : إلا بحضوركم ومشورتكم .

قالوا نحن أولو قوة فيه قولان .

أحدهما : أنهم أرادوا القوة في الأبدان . والثاني : كثرة العدد والبأس والشجاعة في الحرب .

وفيما أرادوا بذلك القول قولان أحدهما : تفويض الأمر إلى رأيها . والثاني : تعريض منهم بالقتال إن أمرتهم .

ثم قالوا : والأمر إليك أي : في القتال وتركه . قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية قال الزجاج : المعنى : إذا دخلوها عنوة عن قتال وغلبة .

قوله تعالى: أفسدوها أي : خربوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة أي : أهانوا أشرافها ليستقيم لهم الأمر . ومعنى الكلام : أنها حذرتهم مسير سليمان إليهم ودخوله بلادها .

قوله تعالى: وكذلك يفعلون فيه قولان .

أحدهما : أنه من تصديق الله تعالى لقولها ، قاله الزجاج .

والثاني : من تمام كلامها ; والمعنى : وكذلك يفعل سليمان وأصحابه إذا دخلوا بلادنا ، حكاه الماوردي .

[ ص: 170 ] قوله تعالى: وإني مرسلة إليهم بهدية قال ابن عباس : إنما أرسلت الهدية لتعلم أنه إن كان نبيا لم يرد الدنيا ، وإن كان ملكا فسيرضى بالحمل ، وأنها بعثت ثلاث لبنات من ذهب في كل لبنة مائة رطل ; وياقوتة حمراء طولها شبر مثقوبة ، وثلاثين وصيفا وثلاثين وصيفة ، وألبستهم لباسا واحدا حتى لا يعرف الذكر من الأنثى ، ثم كتبت إليه : إني قد بعثت إليك بهدية فاقبلها ، وبعثت إليك بياقوتة طولها شبر ، فأدخل فيها خيطا واختم على طرفي الخيط بخاتمك ، وقد بعثت إليك ثلاثين وصيفا وثلاثين وصيفة : فميز بين الجواري والغلمان ; فجاء أمير الشياطين فأخبره بما بعثت إليه ، فقال له : انطلق فافرش على طريق القوم من باب مجلسي ثمانية أميال في ثمانية أميال [لبنا] من الذهب ; فانطلق ، فبعث الشياطين ، فقطعوا اللبن من الجبال وطلوه بالذهب وفرشوه ، ونصبوا في الطريق أساطين الياقوت الأحمر ، فلما جاء الرسل ، قال بعضهم لبعض : كيف تدخلون على هذا الرجل بثلاث لبنات ، وعنده ما رأيتم؟! فقال رئيسهم : إنما نحن رسل ، فدخلوا عليه ، فوضعوا اللبن بين يديه ، فقال : أتمدونني بمال؟ ثم دعا ذرة فربط فيها خيطا وأدخلها في ثقب الياقوتة حتى خرجت من طرفها الآخر ، ثم جمع بين طرفي الخيط فختم عليه ودفعها إليهم ، ثم ميز بين الغلمان والجواري ، هذا كله مروي عن ابن عباس . وقال مجاهد : جعلت لباس الغلمان للجواري ولباس الجواري للغلمان ، فميزهم ولم يقبل هديتها .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 20-01-2023, 11:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,335
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ النَّمْلِ
الحلقة (422)
صــ 171 إلى صــ 180






[ ص: 171 ] وفي عدد الوصائف والوصفاء خمسة أقوال .

أحدها : ثلاثون وصيفا وثلاثون وصيفة ، وقد ذكرناه عن ابن عباس .

والثاني : خمسمائة غلام و خمسمائة جارية ، قاله وهب . والثالث : مائتا غلام ومائتا جارية ، قاله مجاهد . والرابع : عشرة غلمان وعشر جوار ، قاله ابن السائب .

والخامس : مائة وصيف ومائة وصيفة ، قاله مقاتل .

وفي ما ميزهم به ثلاثة أقوال .

أحدها : أنه أمرهم بالوضوء ، فبدأ الغلام من مرفقه إلى كفه ، وبدأت الجارية من كفها إلى مرفقها ، فميزهم بذلك ، قاله سعيد بن جبير .

والثاني : أن الغلمان بدؤوا بغسل ظهور السواعد قبل بطونها ، والجواري على عكس ذلك ، قاله قتادة .

والثالث : أن الغلام اغترف بيده ، والجارية أفرغت على يدها ، قاله السدي .

وجاء في التفسير أنها أمرت الجواري ان يكلمن سليمان بكلام الرجال ، وأمرت الرجال أن يكلموه كلام النساء ، وأرسلت قدحا تسأله أن يملأها ماء ليس من [ماء] لسماء ولا من ماء الأرض ، فأجرى الخيل وملأه من عرقها .

قوله تعالى: فناظرة بم يرجع المرسلون أي : بقبول أم برد .

قال ابن جرير : وأصل " بم " :بما ، وإنما أسقطت الألف لأن العرب إذا كانت " ما " بمعنى " أي " ثم وصلوها بحرف خافض ، أسقطوا ألفها ، تفريقا بين الاستفهام والخبر ، كقوله : عم يتساءلون [النبأ : 1] و قالوا فيم كنتم؟ [النساء : 97] ، وربما أثبتوا فيها الألف كما قال الشاعر :

[ ص: 172 ]
على ما قام يشتمنا لئيم كخنزير تمرغ في رماد؟

فلما جاء سليمان قال أتمدونن بمال فما آتاني الله خير مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون . ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين . قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم

قوله تعالى: فلما جاء سليمان قال الزجاج : لما جاء رسولها ، ويجوز : فلما جاء برها .

قوله تعالى: أتمدونن بمال قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو : " أتمدونني " بنونين وياء في الوصل وروى المسيبي عن نافع : " أتمدوني " بنون واحدة خفيفة وياء في الوصل والوقف . وقرأ عاصم ، وابن عامر ، والكسائي : " أتمدونن " بغير ياء في الوصل والوقف . وقرأ حمزة : " أتمدوني بمال " بنون واحدة مشددة ووقف على الياء .

قوله تعالى: فما آتاني الله قرأ ابن كثير ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم : " فما آتان الله " بكسر النون من غير ياء . وقرأ أبو عمرو ، ونافع ، وحفص عن عاصم : " آتاني " بفتح الياء . وكلهم [ ص: 173 ] فتحوا التاء غير الكسائي ، فإنه أمالها من " آتاني الله " ، وأمال حمزة : " أنا آتيك به " أشم النون شيئا من الكسر ، والمعنى : فما آتاني الله ، أي : من النبوة والملك خير مما آتاكم من المال بل أنتم بهديتكم تفرحون يعني إذا أهدى بعضكم إلى بعض فرح ، فأما أنا فلا ، ثم قال للرسول : ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل أي : لا طاقة لهم بها ولنخرجنهم منها يعني بلدتهم .

فلما رجعت رسلها إليها بالخبر ، قالت : قد علمت أنه ليس بملك وما لنا به طاقة ، فبعثت إليه : إني قادمة عليك بملوك قومي لأنظر ما تدعو إليه ، ثم أمرت بعرشها فجعل وراء سبعة أبواب ، ووكلت به حرسا يحفظونه ، وشخصت إلى سليمان في اثني عشر ألف ملك ، تحت يدي كل ملك منهم ألوف . وكان سليمان مهيبا لا يبتدأ بشيء حتى يسأل عنه ، فجلس يوما على سرير ملكه فرأى رهجا قريبا منه ، فقال : ما هذا قالوا : بلقيس قد نزلت بهذا المكان ، وكان قدر فرسخ وقد كان بلغه أنها احتاطت على عرشها قبل خروجها ، ف قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها وفي سبب طلبه له خمسة أقوال .

أحدها : ليعلم صدق الهدهد ، قاله ابن عباس .

والثاني : ليجعل ذلك دليلا على صدق نبوته ، لأنها خلفته في دارها واحتاطت عليه ، فوجدته قد تقدمها ، قاله وهب بن منبه .

والثالث : ليختبر عقلها وفطنتها ، أتعرفه أم تنكره ، قاله سعيد بن جبير .

والرابع : لأن صفته أعجبته ، فخشي أن تسلم فيحرم عليه مالها ، فأراد أخذه قبل ذلك ، قاله قتادة .

والخامس : ليريها قدرة الله تعالى وعظم سلطانه ، حكاه الثعلبي .

[ ص: 174 ] قوله تعالى: قال عفريت من الجن قال أبو عبيدة : العفريت من كل جن أو إنس : الفائق المبالغ الرئيس . وقال ابن قتيبة ; العفريت : الشديد الوثيق .

وقال الزجاج : العفريت : النافذ في الأمر ، المبالغ فيه مع خبث ودهاء .

وقرأ أبي بن كعب ، والضحاك ، وأبو العالية ، وابن يعمر ، وعاصم الجحدري : " قال عفريت " بفتح العين وكسر الراء . وروى ابن أبي شريح عن الكسائي : " عفرية " بفتح الياء وتخفيفها ; وروي عنه أيضا تشديدها وتنوين الهاء على التأنيث . وقرأ ابن مسعود ، وابن السميفع : " عفراة " بكسر العين وفتح الراء وبألف من غير ياء .

قوله تعالى: قبل أن تقوم من مقامك أي : من مجلسك ; ومثله في مقام أمين [الدخان : 51] وكان سليمان يجلس للقضاء بين الناس من وقت الفجر إلى طلوع الشمس ، وقيل : إلى نصف النهار . وإني عليه أي : على حمله لقوي .

وفي قوله : أمين قولان .

أحدهما : أمين على ما فيه من الجوهر والدر وغير ذلك ، قاله ابن السائب .

والثاني : أمين أن لا آتيك بغيره بدلا منه ، قاله ابن زيد .

قال سليمان : أريد أسرع من ذلك . قال الذي عنده علم من الكتاب وهل هو إنسي أم ملك؟ فيه قولان .

أحدهما : إنسي ، قاله ابن عباس ، والضحاك ، وأبو صالح . ثم فيه أربعة أقوال . أحدها : أنه رجل من بني إسرائيل ، واسمه آصف بن برخيا ، قاله مقاتل . قال ابن عباس : دعا آصف- وكان آصف يقوم على رأس سليمان بالسيف- فبعث الله الملائكة فحملوا السرير تحت الأرض يخدون الأرض خدا ، حتى انخرقت [ ص: 175 ] الأرض بالسرير بين يدي سليمان . والثاني : أنه سليمان عليه السلام ، وإنما قال له رجل : أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ، فقال : هات ، قال : أنت النبي ابن النبي ، فإن دعوت الله جاءك ، فدعا الله فجاءه ، قاله محمد بن المنكدر .

والثالث : أنه الخضر ، قاله ابن لهيعة . والرابع : أنه عابد خرج يومئذ من جزيرة في البحر فوجد سليمان فدعا فأتي بالعرش ، قاله ابن زيد .

والقول الثاني : أنه من الملائكة . ثم فيه قولان .

أحدهما : أنه جبريل عليه السلام . والثاني : ملك من الملائكة أيد الله به سليمان ، حكاهما الثعلبي .

وفي العلم الذي عنده من الكتاب ثلاثة أقوال .

أحدها : أنه اسم الله الأعظم ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، والجمهور .

والثاني : أنه علم كتاب سليمان إلى بلقيس .

والثالث : أنه علم ما كتب الله لبني آدم ، وهذا على أنه ملك ، حكى القولين الماوردي .

وفي قوله : قبل أن يرتد إليك طرفك أربعة أقوال .

أحدها : قبل أن يأتيك أقصى ما تنظر إليه ، قاله سعيد بن جبير .

والثاني : قبل أن ينتهي طرفك إذا مددته إلى مداه ، قاله وهب .

والثالث : قبل أن يرتد طرفك حسيرا إذا أدمت النظر ، قاله مجاهد .

والرابع : بمقدار ما تفتح عينك ثم تطرف ، قاله الزجاج . قال مجاهد : دعا فقال : يا ذا الجلال والإكرام . وقال ابن السائب : إنما قال : يا حي يا قيوم .

قوله تعالى: فلما رآه في الكلام محذوف ، تقديره : فدعا الله [فأتي] [ ص: 176 ] به ، فلما رآه ، يعني : سليمان مستقرا عنده أي : ثابتا بين يديه قال هذا يعني : التمكن من حصول المراد .

قوله تعالى: أأشكر أم أكفر فيه قولان .

أحدهما : أأشكر على السرير إذ أتيت به ، أم أكفر إذا رأيت من هو دوني في الدنيا أعلم مني ، قاله ابن عباس .

والثاني : أأشكر ذلك من فضل الله علي ، أم أكفر نعمته بترك الشكر له ، قاله ابن جرير .
قال نكروا لها عرشها ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون فلما جاءت قيل أهكذا عرشك قالت كأنه هو وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين . وصدها ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها قال إنه صرح ممرد من قوارير قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين

قوله تعالى: قال نكروا لها عرشها قال المفسرون : خافت الشياطين أن يتزوج سليمان بلقيس فتفشي إليه أسرار الجن ، لأن أمها كانت جنية ، فلا ينفكون من تسخير سليمان وذريته بعده ، فأساؤوا الثناء عليها وقالوا : إن في عقلها شيئا ، وإن رجلها كحافر الحمار ، فأراد سليمان [أن] يختبر عقلها بتنكير عرشها ، وينظر إلى قدميها ببناء الصرح . قال ابن قتيبة : ومعنى " نكروا " : غيروا ، يقال : نكرت الشيء فتنكر ، أي : غيرته فتغير .

[ ص: 177 ] وللمفسرين في كيفية تغييره ستة أقوال .

أحدها : أنه زيد فيه ونقص منه ، رواه العوفي عن ابن عباس .

والثاني : أنهم جعلوا صفائح الذهب التي كانت عليه مكان صفائح الفضة ، وصفائح الفضة مكان صفائح الذهب ، والياقوت مكان الزبرجد ، والدر مكان اللؤلؤ ، وقائمتي الزبرجد مكان قائمتي الياقوت ، قاله ابن عباس أيضا .

والثالث : أنهم نزعوا ما عليه من فصوصه وجواهره ، روي عن ابن عباس أيضا .

والرابع : أنهم جعلوا ما كان منه أحمر أخضر ، وما كان أخضر أحمر ، قاله مجاهد .

والخامس : أنهم جعلوا أسفله أعلاه ، ومقدمه مؤخره ، وزادوا فيه ، ونقصوا منه ، قاله قتادة .

والسادس : أنهم جعلوا فيه تماثيل السمك ، قاله أبو صالح .

وفي قوله : كأنه هو قولان .

أحدهما : أنها لما رأته جعلت تعرف وتنكر ، ثم قالت في نفسها : من أين يخلص إلى ذلك وهو في سبعة أبيات والحرس حوله؟! ثم قالت : كأنه هو ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . وقال قتادة : شبهته بعرشها . وقال السدي : وجدت فيه ما تعرفه فلم تنكر ، ووجدت فيه ما تنكره فلم تثبت ، فلذلك قالت : كأنه هو .

والثاني : أنها عرفته ، ولكنها شبهت عليهم كما شبهوا [عليها] ، فلو أنهم قالوا : هذا عرشك ، لقالت : نعم ، قاله مقاتل . قال المفسرون : فقيل لها : فإنه عرشك ، فما أغنى عنك إغلاق الأبواب . !

وفي قوله : وأوتينا العلم ثلاثة أقوال . [ ص: 178 ] أحدها : أنه قول سليمان ، قاله مجاهد . ثم في معناه قولان . أحدهما : وأوتينا العلم بالله وقدرته على ما يشاء من قبل هذه المرأة . والثاني : أوتينا العلم بإسلامها ومجيئها طائعة من قبل مجيئها وكنا مسلمين لله .

والقول الثاني : أنه من قول بلقيس ، فإنها لما رأت عرشها ، قالت : قد عرفت هذه الآية ، وأوتينا العلم بصحة نبوة سليمان بالآيات المتقدمة ، تعني أمر الهدهد والرسل التي بعثت من قبل هذه الآية ، وكنا مسلمين منقادين لأمرك قبل أن نجيء .

والثالث : أنه من قول قوم سليمان ، حكاه الماوردي .

قوله تعالى: وصدها ما كانت تعبد من دون الله قال الفراء : معنى الكلام : هي عاقلة ، إنما صدها عن عبادة الله عبادتها الشمس والقمر ، وكان عادة من دين آبائها ; والمعنى : وصدها أن تعبد الله ما كانت تعبد ، قال : وقد قيل : صدها سليمان ، أي : منعها ما كانت تعبد . قال الزجاج : المعنى : صدها عن الإيمان العادة التي كانت عليها ، لأنها نشأت ولم تعرف إلا قوما يعبدون الشمس ، وبين عبادتها بقوله : إنها كانت من قوم كافرين وقرأ سعيد بن جبير ، وابن أبي عبلة : " أنها كانت " بفتح الهمزة .

قوله تعالى: قيل لها ادخلي الصرح قال المفسرون : أمر الشياطين فبنوا له صرحا كهيئة السطح من زجاج .

وفي سبب أمره بذلك ثلاثة أقوال .

أحدها : أنه أراد أن يريها ملكا هو أعز من ملكها ، قاله وهب بن منبه .

والثاني : أنه أراد أن ينظر إلى قدمها من غير أن يسألها كشفها ، لأنه [ ص: 179 ] قيل له : إن رجلها كحافر الحمار ، فأمر أن يهيأ لها بيت من قوارير فوق الماء ، ووضع سرير سليمان في صدر البيت ، هذا قول محمد بن كعب القرظي .

والثالث : أنه فعل ذلك ليختبرها كما اختبرته بالوصائف والوصفاء ، ذكره ابن جرير . فأما الصرح ، فقال ابن قتيبة : هو القصر ، وجمعه : صروح ، ومنه قول الهذلي :



[على طرق كنحور الركا ب ] تحسب أعلامهن الصروحا


قال : ويقال : الصرح بلاط اتخذ لها من قوارير ، وجعل تحتها ماء وسمك .

قال مجاهد : كانت بركة من ماء ضرب عليها سليمان قوارير . وقال مقاتل : كان قصرا من قوارير بني على الماء وتحته السمك .

قوله تعالى : حسبته لجة وهي : معظم الماء وكشفت عن ساقيها لدخول الماء ، فناداها سليمان إنه صرح ممرد أي : مملس من قوارير أي : من زجاج ; فعلمت حينئذ أن ملك سليمان من الله تعالى ، ف قالت رب إني ظلمت نفسي أي : بعبادة غيرك . وقيل : ظنت في سليمان أنه يريد تفريقها في الماء ، فلما علمت أنه صرح ممرد قالت : رب [ ص: 180 ] إني ظلمت نفسي بذلك الظن ، وأسلمت مع سليمان ، ثم تزوجها سليمان . وقيل : إنه ردها إلى مملكتها وكان يزورها في كل شهر مرة ويقيم عندها ثلاثة أيام ، وأنها ولدت منه . وقيل : إنه زوجها ببعض الملوك ولم يتزوجها هو .
ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا أن اعبدوا الله فإذا هم فريقان يختصمون . قال يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون قالوا اطيرنا بك وبمن معك قال طائركم عند الله بل أنتم قوم تفتنون

قوله تعالى: فإذا هم فريقان أي : مؤمن وكافر يختصمون وفيه قولان . أحدهما : أنه قولهم : أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه الآيات [الأعراف : 75- 80] .

والثاني : أنه قول كل فريق منهم : الحق معي .

قوله تعالى: لم تستعجلون بالسيئة وذلك حين قالوا : إن كان ما أتيتنا به حقا فائتنا بالعذاب . وفي السيئة والحسنة قولان .

أحدهما : أن السيئة : العذاب ، والحسنة : الرحمة ، قاله مجاهد .

والثاني : [أن] السيئة : البلاء ، والحسنة : العافية ، قاله السدي .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 20-01-2023, 11:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,335
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ النَّمْلِ
الحلقة (423)
صــ 181 إلى صــ 190







قوله تعالى: لولا أي : هلا تستغفرون الله من الشرك لعلكم ترحمون فلا تعذبون . قالوا اطيرنا قال ابن قتيبة : المعنى : تطيرنا وتشاءمنا بك ، فأدغمت التاء في الطاء ، وأثبتت الألف ، ليسلم السكون [ ص: 181 ] لما بعدها . وقال الزجاج : الأصل : تطيرنا ، فأدغمت التاء في الطاء ، واجتلبت الألف لسكون الطاء فإذا ابتدأت قلت : اطيرنا ، وإذا وصلت لم تذكر الألف وتسقط لأنها ألف وصل ، [وإنما] تطيروا به ، لأنهم قحطوا وجاعوا ، ف قال لهم طائركم عند الله ، وقد شرحنا هذا المعنى في (الأعراف : 131) .

وفي قوله : تفتنون ثلاثة أقوال .

أحدها : تختبرون بالخير والشر ، قاله ابن عباس . والثاني : تصرفون عن دينكم ، قاله الحسن . والثالث : تبتلون بالطاعة والمعصية ، قاله قتادة . وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون . قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون . فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون . وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون

قوله تعالى: وكان في المدينة وهي الحجر التي نزلها صالح تسعة رهط يفسدون في الأرض يريد : في أرض الحجر ، وفسادهم : كفرهم ومعاصيهم ، وكانوا يسفكون الدماء ويثبون على الأموال والفروج، وهم الذين عملوا في قتل الناقة . وروي عن سعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح قالا : كان فسادهم كسر الدراهم والدنانير ، قالوا فيما بينهم تقاسموا بالله أي : احلفوا بالله لنبيتنه أي : لنقتلن صالحا وأهله ليلا ثم لنقولن وقرأ حمزة ، والكسائي : " لتبيتنه وأهله ثم لتقولن " بالتاء فيهما . وقرأ مجاهد، [ ص: 182 ] وأبو رجاء ، وحميد بن قيس : " ليبيتنه " بياء وتاء مرفوعتين " ثم ليقولن " بياء مفتوحة وقاف مرفوعة وواو ساكنة ولام مرفوعة " لوليه " أي : لولي دمه إن سألنا عنه ما شهدنا أي : ما حضرنا مهلك أهله قرأ الأكثرون بضم الميم ; وفتح اللام والمهلك يجوز أن يكون مصدرا بمعنى الإهلاك ، ويجوز أن يكون الموضع . وروى أبو بكر ، وأبان عن عاصم : بفتح الميم واللام ، يريد الهلاك ; يقال : هلك يهلك مهلكا . وروى عنه حفص ، والمفضل : بفتح الميم وكسر اللام ، وهو اسم المكان ، على معنى : ما شهدنا موضع هلاكهم ; فهذا كان مكرهم ، فجازاهم الله عليه فأهلكهم .

وفي صفة إهلاكهم أربعة أقوال .

أحدها : أنهم أتوا دار صالح شاهرين سيوفهم ، فرمتهم الملائكة بالحجارة فقتلتهم ، [قاله ابن عباس .

والثاني : رماهم الله بصخرة فقتلتهم ، قاله قتادة] .

والثالث : أنهم دخلوا غارا ينتظرون مجيء صالح ، فبعث الله صخرة سدت باب الغار ، قاله ابن زيد .

والرابع : أنهم نزلوا في سفح جبل ينتظر بعضهم بعضا ليأتوا دار صالح ، فجثم عليهم الجبل فأهلكهم ، قاله مقاتل .

قوله تعالى: أنا دمرناهم قرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائي : " أنا دمرناهم " بفتح الألف . وقرأ بكسرها . فمن كسر استأنف ، ومن فتح ، فقال أبو علي : فيه وجهان .

أحدهما : أن يكون بدلا من عاقبة مكرهم . [ ص: 183 ] والثاني : أن يكون محمولا على مبتدإ مضمر ،كأنه قال : هو أنا دمرناهم .

قوله تعالى: فتلك بيوتهم خاوية قال الزجاج : هي منصوبة على الحال ; المعنى : فانظر إلى بيوتهم خاوية . ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون . أإنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون . فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين

قوله تعالى: أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون فيه قولان .

أحدهما : وأنتم تعلمون أنها فاحشة . والثاني : وبعضكم يبصر بعضا .

قوله تعالى: بل أنتم قوم تجهلون قال ابن عباس تجهلون القيامة وعاقبة العصيان .

قوله تعالى: قدرناها من الغابرين أي : جعلناها بتقديرنا وقضائنا عليها من الباقين في العذاب . وقرأ أبو بكر عن عاصم : " قدرناها " خفيفة ، وهي في معنى المشددة . وباقي القصة قد تقدم تفسيره [هود : 77] . قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى آلله خير أما يشركون . أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون أمن جعل الأرض [ ص: 184 ] قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون

قوله تعالى: قل الحمد لله هذا خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، أمر أن يحمد الله على هلاك الأمم الكافرة ، وقيل : على جميع نعمه ، وسلام على عباده ، الذين اصطفى فيهم أربعة أقوال .

أحدها : الرسل ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . وروى عنه عكرمة ، قال : اصطفى إبراهيم بالخلة ، وموسى بالكلام ، ومحمدا بالرؤية .

[ ص: 185 ] والثاني : أنهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، رواه أبو مالك عن ابن عباس . وبه قال السدي .

والثالث : أنهم الذين وحدوه وآمنوا به ، رواه عطاء عن ابن عباس .

والرابع : أنه محمد صلى الله عليه وسلم ، قاله ابن السائب .

قوله تعالى: آلله خير أما يشركون قال أبو عبيدة : مجازه : أو ما يشركون ، وهذا خطاب للمشركين ; والمعنى : الله خير لمن عبده ، أم الأصنام لعابديها؟! ومعنى الكلام : أنه لما قص عليهم قصص الأمم الخالية ، أخبرهم أنه نجى عابديه ، ولم تغن الأصنام عنهم .

قوله تعالى: أمن خلق السماوات تقديره : أما يشركون خير ، أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ؟! فأما الحدائق ، فقال ابن قتيبة : هي البساتين ، واحدها : حديقة ، سميت بذلك لأنه يحدق عليها ، أي : يحظر ، والبهجة : الحسن .

قوله تعالى: ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أي : ما ينبغي لكم ذلك [لأنكم] لا تقدرون عليه . ثم قال مستفهما منكرا عليهم : أإله مع الله؟! أي : ليس معه [ ص: 186 ] إله بل هم يعني : كفار مكة قوم يعدلون وقد شرحناه في فاتحة (الأنعام) . أمن جعل الأرض قرارا أي : مستقرا لا تميد بأهلها وجعل خلالها أي : فيما بينها أنهارا وجعل لها رواسي أي : جبالا ثوابت وجعل بين البحرين حاجزا أي : مانعا من قدرته بين العذب والملح أن يختلطا ، بل أكثرهم لا يعلمون قدر عظمة الله . أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون . أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته أإله مع الله تعالى الله عما يشركون أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين . قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون . وقال الذين كفروا أإذا كنا ترابا وآباؤنا أإنا لمخرجون لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين . قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين ولا تحزن عليهم ولا تكن في ضيق مما يمكرون . ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين قل عسى أن يكون ردف لكم بعض الذي تستعجلون . وإن ربك لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون وإن ربك ليعلم ما تكن [ ص: 187 ] صدورهم وما يعلنون . وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب مبين

قوله تعالى: أمن يجيب المضطر وهو : المكروب المجهود ; ويكشف السوء يعني الضر ويجعلكم خلفاء الأرض أي : يهلك قرنا وينشئ آخرين ، و تذكرون بمعنى تتعظون . وقرأ أبو عمرو بالياء ، والباقون بالتاء . أمن يهديكم أي : يرشدكم إلى مقاصدكم إذا سافرتم في ظلمات البر والبحر وقد بيناها في (الأنعام : 63 ، 97) وشرحنا ما يليها من الكلمات فيما مضى [الأعراف: 57 ويونس : 4] إلى قوله : وما يشعرون يعني من في السماوات والأرض أيان يبعثون أي : متى يبعثون بعد موتهم .

[ ص: 188 ] قوله تعالى: بل ادارك علمهم في الآخرة قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو : " بل أدرك " قال مجاهد : " بل " بمعنى " أم " والمعنى : لم يدرك علمهم ، وقال الفراء : المعنى : هل ادرك علمهم علم الآخرة؟ فعلى هذا يكون المعنى : إنهم لا يقفون في الدنيا على حقيقة العلم بالآخرة . وقرأ نافع ، وابن عامر ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي : " بل ادارك " على معنى : بل تدارك ، أي : تتابع وتلاحق ، فأدغمت التاء في الدال . ثم في معناها قولان .

أحدهما : بل تكامل علمهم يوم القيامة لأنهم مبعوثون ، قاله الزجاج . وقال ابن عباس : ما جهلوه في الدنيا ، علموه في الآخرة .

والثاني : بل تدارك ظنهم وحدسهم في الحكم على الآخرة ، فتارة يقولون : إنها كائنة ، وتارة يقولون : لا تكون ، قاله ابن قتيبة . وروى أبو بكر عن عاصم : " بل ادرك " على وزن افتعل من أدركت .

قوله تعالى: بل هم في شك منها أي : بل هم اليوم في شك من القيامة بل هم منها عمون قال ابن قتيبة : أي : من علمها وما بعد هذا قد سبق بيانه [النحل :127 ، المؤمنون : 35 ، 82] إلى قوله : متى هذا الوعد يعنون : العذاب الذي تعدنا . قل عسى أن يكون ردف لكم قال ابن عباس : قرب لكم . وقال ابن قتيبة : تبعكم ، واللام زائدة ، كأنه قال : ردفكم .

وفي ما تبعهم مما استعجلوه قولان .

أحدهما : يوم بدر . والثاني : عذاب القبر .

قوله تعالى: وإن ربك لذو فضل على الناس قال مقاتل : على أهل مكة حين لا يعجل عليهم بالعذاب .

قوله تعالى: وإن ربك ليعلم ما تكن صدورهم أي : ما تخفيه [ ص: 189 ] وما يعلنون بألسنتهم من عداوتك وخلافك ; والمعنى أنه يجازيهم عليه .

وما من غائبة أي : وما من جملة غائبة ، إلا في كتاب يعني اللوح المحفوظ ; والمعنى : إن علم ما يستعجلونه من العذاب بين عند الله وإن غاب عن الخلق .
إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون . وإنه لهدى ورحمة للمؤمنين إن ربك يقضي بينهم بحكمه وهو العزيز العليم . فتوكل على الله إنك على الحق المبين إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين وما أنت بهاد العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون .

إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل وذلك أن أهل الكتاب اختلفوا فيما بينهم فصاروا أحزابا يطعن بعضهم على بعض ، فنزل القرآن ببيان ما اختلفوا فيه ، فلو أخذوا به لسلموا . إن ربك يقضي بينهم يعني بين بني إسرائيل بحكمه وقرأ أبو المتوكل ، وأبو عمران الجوني ، وعاصم الجحدري : " بحكمه " بكسر الحاء وفتح الكاف .

قوله تعالى: إنك لا تسمع الموتى قال المفسرون : هذا مثل ضربه الله للكفار فشبههم بالموتى .

قوله تعالى: ولا تسمع الصم الدعاء وقرأ ابن كثير : " ولا يسمع الصم " بفتح ميم " يسمع " ، وضم ميم " الصم " .

قوله تعالى: إذا ولوا مدبرين أي : أن الصم إذا أدبروا عنك ثم [ ص: 190 ] ناديتهم لم يسمعوا ، فكذلك الكافر . وما أنت بهاد العمي أي : [ما أنت] بمرشد من أعماه الله عن الهدى ، إن تسمع إسماع إفهام إلا من يؤمن بآياتنا .

قوله تعالى: وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض " وقع " بمعنى " وجب " .

وفي المراد بالقول ثلاثة أقوال .

أحدها : العذاب ، قاله ابن عباس . والثاني : الغضب ، قاله قتادة . والثالث : الحجة ، قاله ابن قتيبة . ومتى ذلك؟ فيه قولان .

أحدهما : إذا لم يأمروا بمعروف ، ولم ينهوا عن منكر ، قاله ابن عمر ، وأبو سعيد الخدري .

والثاني : إذا لم يرج صلاحهم ، حكاه أبو سليمان الدمشقي ، وهو معنى قول أبي العالية . والإشارة بقوله : " عليهم " إلى الكفار الذين تخرج الدابة عليهم .

وللمفسرين في صفة الدابة أربعة أقوال .

أحدها : أنها ذات وبر وريش ، رواه حذيفة بن اليمان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال ابن عباس : ذات زغب وريش لها أربع قوائم .

والثاني : أن رأسها رأس ثور ، وعينها عين خنزير ، وأذنها أذن فيل ، وقرنها قرن إيل ، وصدرها صدر أسد ، ولونها لون نمر ، وخاصرتها خاصرة هر ، وذنبها ذنب كبش ، وقوائمها قوائم بعير ، بين كل مفصلين اثنا عشر ذراعا ، رواه ابن جريج عن أبي الزبير .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 487.76 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 481.92 كيلو بايت... تم توفير 5.85 كيلو بايت...بمعدل (1.20%)]