شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان - الصفحة 4 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         دور السنة النبوية في وحدة الأمة وتماسكها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          الافتراء والبهتان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          الشهوات والملذات بين الثواب والحسرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          (المنافقون) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          التأثير المذهل للقرآن على الكفار (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          ما يلفظ من قول... إلا لديه رقيب عتيد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          نهاية الرحلة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          من غشنا فليس منا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          وقفات مع اسم الله العدل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          تبرؤ المتبوعين من أتباعهم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > ملتقى اخبار الشفاء والحدث والموضوعات المميزة > رمضانيات
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

رمضانيات ملف خاص بشهر رمضان المبارك / كيف نستعد / احكام / مسابقات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 27-01-2023, 10:48 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,827
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان




شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
من صــ 566الى صــ 575
(33)
المجلد الثانى
كتاب الصيام
(3)


615 - وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فيما رواه عقبة بن عامر؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإِسلام, وهي أيام أكل وشرب». رواه الخمسة إلا ابن ماجه, وقال الترمذي: حسن صحيح.
فأما صومه للمتمتع الذي لا يجد الهدي آخر الثلاثة. . . .
وقال القاضي: الاختيار له, والفضل أن يفطر ولا يقف بعرفة صائماً.

* فصل:
وأما صوم يوم عاشوراء؛ فقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم: إنه يكفر السنة الماضية.
فإن قيل: إنما أمر بصيامه قبل رمضان؛ فأما بعد رمضان؛ فهو يوم من الأيام.
616 - بدليل ما روى علقمة: أن الأشعث بن قيس دخل على عبد الله وهو يطعم يوم عاشوراء, فقال: يا أبا عبد الرحمن! إن اليوم يوم عاشوراء. فقال: «قد كان يصام قبل أن ينزل رمضان, فلما نزل رمضان؛ ترك؛ فإن كنت مفطراً؛ فأطعم». أخرجاه.
ولمسلم: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومهم قبل أن ينزل رمضان, فلما ن
زل رمضان تركه».
617 - وعن عبد الله؛ قال: ذكرنا يوم عاشوراء عند رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوم كان يصومه أهل الجاهلية؛ فمن أحب منكم أن يصومه؛ فليصمه, ومن كرهه؛ فليدعه».
618 - وعن ابن عمر: أن أهل الجاهلية كانوا يصومون يوم عاشوراء, وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صامه والمسلمون قبل أن يفرض رمضان, فلما فرض رمضان؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن عاشوراء يوم من أيام الله؛ فمن شاء صامه» , وكان ابن عمر لا يصومه؛ إلا أن يوافق صيامه. متفق عليه.
619 - وعن جابر بن سمرة؛ قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم يوم عاشوراء, ويحثنا عليه, ويتعاهدنا عنده, فلما فرض رمضان؛ لم يأمرنا ولم ينهنا عنه, ولم يتعاهدنا عنده». رواه أحمد ومسلم.
قلنا: استحباب صومه ثابت بعد رمضان لحديث أبي قتادة المقدم.
620 - ولما روى معاوية بن أبي سفيان؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن هذا يوم عاشوراء, ولم يكتب عليكم صيامه, وأنا صائم؛ فمن شاء صام, ومن شاء أفطر». متفق عليه.
وفي رواية سفيان عن الزهري, عن حميد, [عن معاوية بن أبي سفيان؛ قال]: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بصيام هذا اليوم».

وهذا خطاب يخاطب به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه, ولم يؤكد عليهم صيامه, وهذا إنما يكون بعد فرض شهر رمضان؛ لأن ما قبل شهر رمضان كان مؤكداً.
ومعاوية لم ير النبي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة يوم عاشوراء إلا وهو مسلم؛ لأنه قبل ذلك كان بم
كة, والنبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة, وإنما أسلم بعد الفتح, وقد فرض قبل ذلك بست سنين.
وحديث ابن عباس الآتي ذكره صريح بأن النبي صلى الله عليه وسلم صامه وأمر بصيامه قبل موته بعام.
(وأما هذه الأحاديث) معناها أن التوكيد الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤكد في صومه نسخ شهر رمضان, ولم يؤكد شأنه بعد الهجرة؛ إلا عاماً واحداً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة في شهر ربيع الأول, فأدركه عاشوراء من السنة الثانية, وفرض رمضان تلك السنة فلم يجئ عاشوراء آخر إلا ورمضان فرض.
وقد اختلف هل كان هذا التوكيد إيجاباً؟

فقال القاضي: لا يعرف عن أصحابنا رواية بأن صوم عاشوراء كان فرضاً في ذلك الوقت. قال: وقياس المذهب أنه لم يكن مفروضاً؛ لأن من شرط صيام الفرض النية من الليل, والنبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالنية من النهار.
وذكر هو وأصحابه وأبو حفص البرمكي وغيرهم أنه لم يكن مفروضاً؛ احتجاجاً بحديث معاوية المتقدم, وبأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر مَنْ أكل بإمساك بقية اليوم, ولم يأمرهم بالقضاء, ولو كان واجباً لأمرهم بالقضاء؛ كما يجب القضاء على مَنْ أكل يوم الشك ثم قامت البينة بأنه رمضان.

والتزموا على هذا أن الإِمساك بعد الأكل في يوم شريف فيه فضل يكون قربة كما يكون الإِمساك في اليوم الواجب واجباً.
واعتذروا عما ورد من النسخ بأن المنسوخ تأكيد صيامه وكثرة ثوابه؛ فإنه كان قبل رمضان أوكد وأكثر ثواباً منه بعد رمضان.
وذكر بعض أصحابنا عن أحمد: أنه كان مفروضاً.
وهو الذي ذكره أبو بكر الأثرم؛ قال في «ناسخ الحديث ومنسوخه»: وقد روي من أكثر من عشرين وجهاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بصوم عاشوراء. وذكر الأحاديث الأخر. قال: وهذا عندنا من الناسخ والمنسوخ, وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم وكَّد صومه في أول الأمر قبل نزول شهر الصوم, حتى أمرهم بأن يتموا بقية يومهم, وإن كانوا قد أكلوا, وإنما يفعل ذلك في الفريضة, ثم جاءت الأحاديث لما بين أن ذلك كله كان قبل شهر رمضان, فلما فرض في شهر رمضان؛ كان ما سواه تطوعاً.
ومما يؤكد ذلك حديث معاوية؛ ففيه وفيما اشتهر من الأحاديث بيان نسخ إيجاب صوم عاشوراء, وفيه أيضاً بيان أن النسخ لم يكن على تركه ألبتة, ولكن على أنه صار تطوعاً, وهو اختيار أبي محمد, وهو أشبه.

621 - وهذا لما روى سلمة بن الأكوع رضي الله عنه؛ قال: «أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً أن أذن في الناس أن من كان أكل؛ فليصم بقية يومه, ومن لم يكن أكل؛ فليصم؛ فإن اليوم يوم عاشوراء». متفق عليه.
والأمر يقتضي الإِيجاب, خصوصاً في الصوم؛ فإنه لم يكن يأمر بصيام التطوع، وإنما يرغب فيه ويحض عليه, ثم أذانه بذلك في الناس أذاناً عاماً وأمره للآكل بصوم بقية يومه توكيد ومبالغة لا يكون مثله لصوم مستحب.
622 - وعن هند بن أسماء؛ قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومي من اسلم, فقال: «مُرْ قومك؛ فليصوموا هذا اليوم؛ يوم عاشوراء؛ فمن وجدته منهم قد أكل أول يومه؛ فليصم آخره». رواه أحمد.
623 - وعن الربيع بنت معوذ رضي الله عنها؛ قالت: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى [الأنصار] التي حول المدينة: «من كان أصبح صائماً؛ فليتم صومه, ومن كان أصبح مف
طراً؛ فليتم بقية يومه». فكنا بعد ذلك نصومه, ونصومه صبياننا الصغار منهم, ونذهب إلى المسجد, فنجعل لهم اللعبة من العهن؛ فإذا بكى أحدهم على الطعام؛ أعطيناها إياه حتى يكون عند الإِفطار». أخرجاه.
وفي لفظ. . . .

624 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: «أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل قرية على أربع فراسخ (أو قال: فرسخين) يوم عاشوراء, فأمر من أكل أن لا يأكل بقية يومه, ومن لم يأكل أن يتم بقية صومه». رواه أحمد.
625 - وعن محمد بن صيفي؛ قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم عاشوراء, فقال: «أصمتم يومكم هذا؟». فقال بعضهم: نعم. وقال بعضهم: لا. قال: «فأتموا بقية يومكم هذا». وأمرهم أن يؤذنوا أهل العوالي أن يتموا بقية يومهم.

626 - وعن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: كان يوم عاشوراء يوماً تصومه قريش في الجاهلية, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه, فلما قدم المدينة؛ صامه وأمر بصيامه, لما فرض رمضان؛ قال: «من شاء ص
امه, ومن شاء تركه». متفق عليه.
627 - وعن أبي موسى؛ قال: كان يوم عاشوراء تعظمه اليهود وتتخذه عيداً, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فصوموه أنتم». [متفق عليه.
وفي رواية لمسلم: كان أهل خيبر يصومون يوم عاشوراء؛ يتخذونه عيداً, ويلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فصوموه أنتم»].
628 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم, فرأى اليهود تصوم عاشوراء, فقال: «ما هذا؟». فقالوا: يوم صالح نجى الله فيه موسى وبني إسرائيل من عدوهم, فصامه موسى عليه السلام. فقال: «أنا أحق بموسى منكم». فصامه وأمر بصيامه.
629 - وعن ابن عباس أيضاً: وسئل عن صوم يوم عاشوراء؟ فقال: «ما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صام يوماً يطلب فضله على الأيام إلا هذا اليوم, ولا شهراً إلا هذا الشهر (يعني: رمضان
»). متفق عليهما.
فقد بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أن النبي أمر بصيامه ووكده, وجعلوا في نفسه كفضل رمضان, وأخبروا أن ذلك كان قبل أن يفرض رمضان, ولما فرض رمضان؛ لم يأمر به, وبينوا أنه كان يصومه بعد فرض رمضان ويأمر بذلك أمر استحباب.
630 - ويدل على أنهم قصدوا ترك صومه وجوباً ما روى علقمة؛ قال: «أتيت ابن مسعود ما بين رمضان إلى رمضان, ما من يوم إلا أتيته فيه, فما رأيته في يوم صائماً؛ إلا يوم عاشوراء».
وقد تقدم عنه أنه ترك صومه.

631 - وقال الأسود بن يزيد: «لم أر رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين كانوا بالكوفة آمر بصوم عاشوراء من علي والأشعري». رواهما سعيد.
ومعلوم أن هذا التوكيد لا يليق بمستحب؛ لأن يوم عرفة أفضل منه؛ فإنه يكفر سنتين, ومع هذا فلم يؤمر به, فثبت أن ذلك [إنما هو لوجوبه إذْ ذاك, ولأنه صلى الله عليه وسلم صامه أولاً بناء على اعتيادهم صومه قبل الإِسلام؛ كما ذكرت عائشة, وموافقة لموسى عليه السلام في صومه؛؛ لأنا أحق به من بني إسرائيل؛ كما ذكر أبو موسى وابن عباس, ثم نسخ التشبيه بأهل الكتاب في صومه صوم يوم آخر.
وأما حديث معاوية؛ فهو متأخر بعد فرض رمضان, وإذ ذاك لم يكن واجباً بالاتفاق.
632 - وأما كونه لم يأمر بالقضاء؛ فقد روى قتادة, عن عبد الرحمن بن مسلمة, عن عم
ه: أن أسلم أتت النبي صلى الله عليه وسلم, فقال: «صمتم يومكم هذا؟». قالوا: لا. قال: «فأتموا بقية يومكم واقضوه». رواه أبو داوود والنسائي.
ثم إنما لم يأمر بالقضاء لأن الوجوب إنما ثبت بالنهار. . . .


* فصل:
وعاشوراء هو اليوم العاشر من المحرم.
والسنة لمن صامه أن يصوم تاسوعا معه.
قال في رواية الميموني وأبي الحارث: من أراد أن يصوم عاشوراء؛ فليصم التاسع والعاشر؛ إل
ا أن يشكل الشهر, فيصوم ثلاثة أيام, ابن سيرين يقول ذلك.
وقال في رواية الأثرم: أنا أذهب في عاشوراء أن يصام يوم التاسع والعاشر, حديث ابن عباس: «صوموا التاسع والعاشر».
وقال حرب: سألت أحمد عن صوم عاشوراء؟ فقال: يصوم التاسع والعاشر.
633 - وذلك لما روى ابن عباس؛ قال: لما صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه؛ قالوا: يا رسول الله! إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى. فقال: «فإذا كان العام المقبل إن شاء الله؛ صمنا يوم التاسع
». قال؛ لم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم وأبو داوود.
وفي لفظ: «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع (يعني: يوم عاشوراء»). رواه أحمد ومسلم وابن ماجه.











__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 30-01-2023, 10:23 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,827
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان






شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
من صــ 586الى صــ 595
(35)
المجلد الثانى
كتاب الصيام
(5)




658 - وعن [قتادة] بن ملحان العبسي؛ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بصيام أيام البيض: ثلاث عشرة, وأربع عشرة, وخمس عشرة, وقال: «هي كهيئة الدهر». رواه الخمسة إلا الترمذي, واحتج به أحمد. وفي لفظ: «أن يصوم الليالي البيض»؛ أي: بصيام أيام الليالي البيض؛ كما قال: «وأتبعه بست»؛ [أي: بأيام من
ست].
659 - وعن موسى بن طلحة: أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أيام يصومهن؟ فقال: «أين أنت من البيض؟». رواه سعيد.
قال القاضي: قيل: إنما سميت البيض لأن ليلها كنهارها يضيء بالقمر جميع ليلها, والجيد
أن يقال: أيام البيض لأن البيض صفة لليالي البيض [أي: أيام الليالي البيض] , وهذا جاء في الحديث وكلام أكثر الفقهاء.
ووقع في كلام بعضهم ابن عقيل وأبي الخطاب: الأيام البيض, فعدوه لحناً؛ لأن كل الأيام بيض.
660 - وقيل: سُميت البيض؛ «لأن الله تعالى تاب على آدم فيها وبيض صحيفته». رواه أبو الحسن التميمي في كتاب «اللطف».
مسألة:

والاثنين والخميس.
هذان اليومان يستحب صومهما من بين أيام الأسبوع؛ لأن أعمال العباد تعرض فيها؛ كما استحب صوم شعبان؛ لأن أعمال العباد تعرض فيه:
661 - 662 - لما تقدم عن أم سلمة وحفصة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحرى أن يصوم الثلاثة يوم الاثنين والخميس».
663 - وتقدم أنه لما سئل عن صوم الاثنين؟ فقال: «ذاك يوم ولدت فيه, وأنزل عليَّ فيه
». رواه مسلم.
664 - وعن عائشة رضي الله عنها: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتحرى صيام الاثنين والخميس». رواه الخمسة إلا أبا داوود, وقال الترمذي: حديث حسن.
665 - وعن أبي سعيد المقبري, عن أسامة بن زيد؛ قال: قلت: يا رسول الله! إنك تصوم لا تكاد
تفطر, وتفطر لا تكاد تصوم؛ إلا يومين إن دخلا في صيامك وإلا صمتهما, الاثنين والخميس؟ قال: «ذانك يومان تعرض فيهما الأعمال على رب العالمين, فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم». رواه أحمد والنسائي.

وفي رواية عن عمر بن الحكم بن ثوبان, عن مولى قدامة بن مظعون, عن مولى أسامة بن زيد: أنه انطلق مع أسامة إلى وادي القرى في طلب مال له, فكان يصوم يوم الاثنين ويوم الخميس, فقال له مولاه: لِمَ تصوم يوم الاثنين ويوم الخميس وأنت شيخ كبير؟ فقال: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم الاثنين ويوم الخميس, وسئل عن ذلك؟ فقال: «إن أعمال العباد تعرض يوم الاثنين ويوم الخميس». رواه أحمد وأبو داوود والنسائي.

666 - وعن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أكثر ما يصوم الاثنين والخميس, فقيل له, فقال: «إن الأعمال تعرض في كل اثنين وخميس, فيغفر الله لكل مسلم؛ إلا المتهاجرين؛ يقول الله تعالى: أخروهما». رواه أحمد وابن ماجه والترمذي, وقال: «تعرض الأعمال كل اثنين وخميس, فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم». حديث حسن غريب.
* فصل:

قال أحمد في رواية محمد بن يحيى الكحال: ليس في الصوم رياء.
قال القاضي: وهذا يدل على فضيلة الصوم على غيره؛ لأن الرياء لا يدخله؛ لأنه إمساك ونية, وهذا المعنى لا يصح إظهاره, فيقع الرياء فيه. . . .


مسألة:
والصائم المتطوع أمير نفسه, إن شاء صام, وإن شاء أفطر, ولا قضاء عليه.
وجملة ذلك أن منْ شرع في صيام التطوع؛ فإنه يجوز الخروج منه ولا قضاء عليه, لكن المستحب أن يتمه وأن يقضيه إذا أفطر. . . .
وهل يكره فطره لغير حاجة؟ وهل يستحب فطره مع الحاجة؟ وهل يقضي مع الح
اجة؟
قال ابن أبي موسى: من أفطر في تطوعه عامداً؛ فالاحتياط له أن يقضيه من غير أن يجب ذلك؛ فعلى هذا لا يستحب له القضاء إذا أفطر بعذر, بل يكون بمنزلة صوم مبتدأ, [والأول].
وقال في رواية الأثرم فيمن أصبح صائماً متطوعاً فبدا له فأفطر يقضيه؟ قال: إن قضاه فحسن
, وأرجو أن لا يجب عليه.
وقال حرب: سئل أحمد قيل: ما تقول فيمن نوى الصيام من الليل, ثم أصبح فأفطر؟ قال: إن قضى فهو أحب إليَّ, وإلا؛ فليس عليه شيء.
وسئل عن رجل صام تطوعاً, فأراد أن يفطر: أعليه قضاء أم لا؟ قال: إذا كان من نذر أو قضاء رمضان يقضي, وإلا فلا.
وكذلك نقل ابن منصور. . . .

وهذا هو المذهب.
وروى عنه حنبل: إذا أجمع على الصيام من الليل, فأوجبه على نفسه, فأفطر من غير عذر؛ أعاد ذلك اليوم.
فاختلف أصحابنا في هذه الرواية:

فقال القاضي: هذا محمول على صوم النذر دون التطوع, وقد صرح به في مسائل حنبل, فقال: إذا كان [نذراً]؛ قضى وأطعم لكل يوم مسكيناً, وإن كان. . . .
وقال غيره: يحمل ذلك على استحباب القضاء دون إيجابه؛ ليوافق سائر الروايات, وأقرها طائفة رواية.
قال أبو بكر عبد العزيز: تفرد حنبل بهذه الرواية, وجميع أصحابنا على أن لا قضاء عليه, وبه أقول.

وهذه طريقة ابن البناء وغيره, وهي أصح؛ لأن أحمد فرق بين الأمر بالإِعادة وبين المعذور وغيره, وقضاء النذر لا [يختلف] , ولم يتعرض لوجوب الكفارة, ولو كانت نذراَ؛ لذكر الكفارة.

ووجه ذلك: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33].
وهذا يعم إبطالها بعد إكمالها وفي أثنائها؛ فإن ما مضى من الصوم والصلاة والإِحرام ونحوها عمل صالح يثاب عليه؛ بحيث لو مات في أثنائه؛ أجر على ما مضى أجر من قد عمل لا أجر من قصد ونوى, وإذا كان عملاً صالحاً؛ فقد نهى الله عن إبطاله
.
667 - وعن شداد بن أوس؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أتخوف على أمتي الشرك والشهوة الخفية». قال: قلت: يا رسول الله! أتشرك أمتك بعدك؟ قال: «نعم؛ أما إنهم لا يعبدون شمساً ولا قمراً ولا حجراً ولا وثناً, ولكن يراؤون بأعمالهم, والشهوة الخفية أن يصبح أحدهم صائماً, فتعرض له شهوة من شهواته, فيترك صومه». رواه أحمد وابن ماجه من حديث رواد بن الجراح, عن عامر بن عبد الله, عن الحسن بن ذكوان, عن عبادة بن نسي, عن شداد بن أوس.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 31-01-2023, 05:27 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,827
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان







شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
من صــ 596الى صــ 605
(36)
المجلد الثانى
كتاب الصيام
(6)




668 - وعن الزهري, عن عروة, عن عائشة؛ قالت: كنت أنا وحفصة صائمتين, فعرض لنا طعان اشتهيناه, فأكلنا منه, فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم, فبدرتني إليه حفصة, وكانت ابنة أبيها, فقالت: يا رسول الله! إن كنا صائمتين, فع
رض لنا طعام اشتهيناه, فأكلنا, فقلنا: «اقضيا يوماً آخر مكانه». رواه أحمد والنسائي والترمذي [من حديث] جعفر بن برقان الزهري, وقال الترمذي: وروى صالح بن أبي الأخضر ومحمد بن أبي حفص هذا الحديث عن الحديث عن الزهري عن عروة عن عائشة.
669 - قال: وروى مالك بن أنس ومعمر وعبيد الله بن عمر وزياد بن [سعد] وغير واحد من الحفاظ, عن الزهري, عن عائشة؛ مرسلاً, ولم يذكر فيه عروة, وهذا أصح.
670 - وروي بإسناده عن ابن جريج؛ قال: سألت الزهري, فقلت: أحدثك عروة عن عائشة؟ فقال: لم أسمع من عروة في هذا شيئاً, ولكن سمعت في خلافة سليمان بن عبد الملك من ناس عن بعض منْ سأل عائشة عن هذا الحديث.

ورواه أحمد والنسائي من حديث سفيان بن حسين عن الزهري.
ورواه النسائي أيضاً, من حديث صالح بن أبي الأخضر, عن الزهري؛ قال: وصالح بن أبي الأخضر ضعيف في الزهري وفي غير الزهري, وسفيان بن حسين وجعفر بن برقان ليسا بقويين في الزهري, ولا بأس بهما في غير الزهري, ثم روا
ه مرسلاً من حديث معمر ومالك وعبيد الله بن عمر.
ورواه عن سفيان؛ قال: سألوا الزهري وأنا شاهد: أهو عن عروة؟ قال: لا.
ورواه سعيد عن سفيان بن عيينة [فثنا الزهري؛ قال: قالت عائشة: فذكره, وفيه: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقال: «صوما يوماً مكانه». قال سفيان: فسألت الزهري: عن عروة؟ فغضب وأبى أن يسنده.
671 - قال سعد: ثنا عاطف بن خالد, عن زيد بن أسلم؛ قال: قالت عائشة: مثله, وقال لنا: «صوما مكانه ولا تعودوا».
وفي حديث مالك وغيره: أن عائشة وحفصة أصبحتا صائمتين متطوعتين.

672 - وعن ابن الهاد, عن زميل مولى عروة, عن عروة بن الزبير, عن عائشة؛ قالت: أهدي لحفصة طعام, وكنا صائمتين, فأفطرنا, ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقلنا: يا رسول الله! إنا أهديت لنا هدية, واشتهيناها, فأفطرنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا عليكما, صوما يوماً آخر». رواه أبو داوود والنسائي وقال: زميل ليس بالمشهور. وقال البخاري: لا يعرف لزميل سماعاً عن عروة, ولا تقوم به الحجة.

673 - وعن جرير بن حازم, عن يحيى بن سعيد, عن عمرة, عن عائشة: نحوه. رواه النسائي وقال: هذا خطأ.
وقال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: تحفظ عن يحيى عن عمرة عن عائشة: «أصبحت أنا وحفصة صائمتين»؟ فأنكره و
قال: مَنْ رواه؟ قلت: جرير. فقال: جرير يحدث بالتوهم, وأشياء عن [قتادة] يسندها جرير بن حازم باطلة.
674 - وعن سعيد بن جبير: «أن حفصة وعائشة أصبحتا صائمتين تطوعاً, فأفطرتا, فأمرهما رسول الله أن يقضياه». رواه سعيد.
675 - وعن أنس بن سيرين؛ قال: «صمت يوماً, فأجهدت, فأفطرت, فسألت ابن عمرو وابن عباس؟ فأمران
ي أن أقضي يوماً مكانه». رواه سعيد.
676 - وعن محمد بن أبي حميد, عن إبراهيم عن عبيد؛ قال: صنع أبو سعيد الخدري طعاماً, فدعا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه, فقال رجل من القوم: إني صائم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صنع لك أخوك, وتكلف لك أخوك؛ أفطر وصم يوماً مكانه». رواه الدارقطني وقال: هذا مرسل.

ورواه حرب وقال: «كل وصم يوماً مكانه إن أحببت».
وقد تكلم في محمد بن أبي حميد.

677 - وعن ابن عيينة, عن طلحة بن يحيى, عن عائشة بن طلحة, عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها؛ قالت: دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً, فقربت له حيساً, فأكل منه وقال: «إني كنت أريد الصيام, ولكن أصوم يوماً مكانه». رواه عبد الرزاق عنه.
ورواه الدارقطني, ولفظه: قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: «إني أريد الصيام». و
أهدي إليه حيس, فقال: «إني آكل وأصوم يوماً مكانه».
قال الدارقطني: لم يروه بهذا اللفظ غير ابن عيينة عن محمد بن عمرو بن العباس الباهلي, ولم يتابع على قوله: «وأصوم يوماً مكانه» , ولعله شبه عليه, والله أعلم, لكثرة من خالفه عن ابن عيينة.

ورواية عبد الرزاق التي ذكرناها تدل على خلاف قول الدارقطني.
فهذا الحديث غايته أن يكون مرسلاً.

لكن قد أرسله الزهري وزيد بن أسلم وسعيد بن جبير, وعمل به الصحابة, والمرسل إذا تعدد مرسلوه وعمل به الصحابة؛ صار حجة بلا تردد, وقد أسند من غير حديث الزهري كما تقدم.
ولأنها عبادة, فلزمت بالشروع فيها ووجب القضاء بالخروج منها لغير عذر؛ كالحج, ولأن الشروع في العباد
ة التزام لها, فلزم الوفاء به كالنذر.
يحقق التماثل: أن الله تعالى قال في آية الصوم: {أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] كما قال في آية الحج: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196].

فإذا كان عليه إتمام ما دخل فيه من الحج والعمرة؛ فكذلك عليه إتمام ما دخل فيه من الصيام.
فعلى هذه الرواية: إنما تقضى إذا أفطر لغير عذر.
فأما إن أفطر لعذر من مرض أو سفر ونحو ذلك؛ فلا إعادة عليه.

وإن أفطر لكون الصوم مكروهاً, مثل أن يفرد يوماً بالصوم. . . .

678 - ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دعي أحدكم إلى طعام؛ فإن كان مفطراً؛ فليطعم, وإن كان صائماً؛ فليصل».
ولو كان الأكل جائزاً؛ لبينه, ولاستحبه في الدعوة.
679 - ولأنه صلى الله عليه وسلم قال: «لا تصومن امرأة وزوجها شاهد إلا بإذنه».
ولو كان التفطير جائزاً؛ لم يكن في شروعها في الصوم عليه ضرر.
والأول المذهب:


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 01-02-2023, 03:39 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,827
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان







شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
من صــ 606الى صــ 615
(37)
المجلد الثانى
كتاب الصيام
(7)




680 - لما روى شعبة, عن جعدة, عن أم هانئ وهي جدته.
وفي لفظ: قال شعبة: كنت أسمع سماك بن حرب يقول: أحد بني أم هانئ حدثني, فلقيت أنا أفضلهما, وكان اسمه جعدة, وكانت أم هانئ جدته, فذكره عن جدته: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها, فدعا بشراب فشرب, ثم ناولها فشربت, وقالت: يا رسول الله! أما إني كنت صائمة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الصائم المتطوع أمير نفسه
, إن شاء صام, وإن شاء أفطر».
وفي رواية: قلت له: سمعته من أم هانئ؟ قال: لا. حدثنيه أبو صالح وأهلنا عن أم هانئ.
رواه أحمد والنسائي والترمذي وقال: في إسناده مقال.

وفي رواية لأحمد والنسائي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الفتح.
ورووه أيضاً من حديث سماك بن حرب, عن ابن أم هانئ
, عن أم هانئ.
وفي لفظ: سمعه منها.
وفي لفظ: عن هارون ابن بنت أم هانئ أو ابن ابن أم هانئ عن أم هانئ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب شراباً, فناولها لتشرب, فقالت: إني صائمة, ولكن كرهت أن أرد سؤرك. فقال: «إن كان قضاء من رمضان؛ فاقضي يوماً مكانه, وإن كان تطوعاً؛ فإن شئت فاقضي, وإن كان تطوعاً؛ فإن شئت فاقضي, وإن شئت فلا تقضي».
قال النسائي: اختلف فيه على سماك, وسماك ليس ممن يعتمد علي
ه إذا انفرد بالحديث.
ورواه أحمد وأبو داوود: عن يزيد بن أبي زياد, عن عبد الله بن الحارث, عن أم هانئ؛ قالت: لما كان يوم الفتح؛ فتح مكة؛ جاءت فاطمة, فجلست عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأم هانئ عن يمينه. قالت: فجاءت الوليدة بإناء فيه شراب, فناولته
فشرب منه, ثم ناوله أم هانئ فشربت منه, فقالت: يا رسول الله! لقد أفطرت وكنت صائمة. فقال لها: «أكنت تقضين شيئاً؟». قالت: لا. قال: «فلا يضرك إن كان تطوعاً».
فقد عاد الحديث إلى إسنادين:

أحدهما: رواته أهل بيت أم هانئ عنها, رواه عنهم شعبة وسماك, ولم ينفرد به سماك.
والثاني: رواته عبد الله بن الحارث.
وأهل البيت [عدة] نفر, منهم أبو صالح؛ فروايتهم أوكد من رواية الواحد, ورواية ذريتها عنهم دليل
على ثقتهم وأمانتهم.
فإن قيل: النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح في رمضان, ولا يجوز أن تكون صائمة في رمضان عن قضاء ولا تطوع.
681 - قيل: «النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بضع عشرة ليلة بعد الفتح, وهذه ا
لأيام كلها تسمى أيام الفتح». . . . .
ولا يجوز أن يعتقد أنها أفطرت ناسية؛ لأنها أخبرت أنها كانت صائمة, وإنما كرهت أن ترد سؤر النبي صلى الله عليه وسلم, ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن التطوع لا قضاء فيه بحال, وأنه إن كان قضاء من رمضان؛ فعليها القضاء, ولأنه لم يقل: فالله أطعمك وسقاك.
682 - وأيضاً [روى] طلحة بن يحيى, عن عائشة بنت طلحة, عن عائشة؛ قالت: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم, فقال: «هل عندكم من شيء؟». فقلنا: لا. فقال: «فإني إذاً صائم». ثم أتانا يوماً آخر, فقلنا: يا رسول الله! أهدي لنا حيس. ف
قال: «أرينيه؛ فلقد أصبحت صائماً». فأكل. رواه الجماعة إلا البخاري.

زاد النسائي: ثم قال: «إنما مثل صوم التطوع مثل الرجل يخرج من ماله الصدقة؛ فإن شاء أمضاها, وإن شاء حبسها».
وفي لفظ له: قال: «يا عائشة! إنما بمنزلة من صام في غير رمضان أو في قضاء رمضان أو في التطوع بمنزلة رجل أخرج صدقة من ماله, فجاد منها بما شاء فأمضاه, وبخل منها بما شاء فأمسكه».
وفي رواية لمسلم؛ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم: «يا عائشة! هل عندكم شيء؟». قالت: فقلت: يا رسول الله! ما عندنا شيء. قال: «فإني إذاً صائم». قالت: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأهديت لنا هدية (أو: جاءنا زور). قالت: فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قلت: أهديت لنا هدية (أو: جاءنا زور) , وقد خبأت لك شيئاً. قال: «ما هو؟
». قلت: حيس. قال: «هاتيه». فجئت به, فأكل, ثم قال: «قد كنت أصبحت صائماً». قال طلحة: فحدثت مجاهداً بهذا الحديث, فقال: ذلك بمنزلة الرجل يخرج الصدقة من ماله؛ فإن شاء أمضاها, وإن شاء أمسكها.
والحيس: تمر وسمن وأقط يطبخ.
قال الشاعر:

التمر والسمن جميعاً والقط الحيس إلا أنه لم يختلط
فهذا نص في جواز الإِفطار بعد إِجماع الصيام.
683 - وعن عكرمة؛ قال: قالت عائشة: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم, فقال: «هل عندكم شيء؟». فقلت: لا. فقال: «إني إذاً أصوم». ودخل يوماً آخر, فقال: «هل عندكم شيء؟». قلت: نعم. قال: «إذاً أطعم, وإن كنت فرضت الصوم». رواه الدارقطني وقال أيضاً: إسناد حسن صحيح.

684 - وعن أبي جحيفة؛ قال: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء, فزار سلمان أبا الدرداء, فرأى أم الدرداء متبذلة, فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا. فجاء أبو الدرداء, فصنع ل
ه طعاماً, فقال: كل؛ فإني صائم. فقال: ما أنا بآكل حتى تأكل. فأكل فلما كان الليل؛ ذهب أبو الدرداء يقوم. قال: نم. فنام, ثم ذهب يقوم, فقال: نم. فلما كان من آخر الليل؛ فقال: قم الآن. فصلَّيا, فقال له سلمان: إن لربك عليك حقّاً, ولنفسك عليك حقّاً, ولأهلك عليك حقّاً؛ فأعط لكل ذي حق حقه. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «صدق سلمان». رواه البخاري.
فقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم سلمان على تفطير أبي الدرداء و
لم يأمره بالقضاء.
685 - وعن سالم؛ قال: صنع عطاء طعاماً, فأرسل إلى سعيد بن جبير, فأتاه, فقال: إني صائم. فحدثه بحديث سلمان أنه أفطر أبا الدرداء, فأفطر. رواه البغوي.

686 - وعن عمرو, عن سعيد؛ قال: «لأن أضرب بالخناجر أحب إليَّ من أن أفطر من تطوع بالنهار». رواه سعيد البغوي.
فقد رجع سعيد إلى حديث سلمان هذا, وهو ممن روى حديث عائشة وحفصة.
687 - وعن جويرية بنت الحارث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على جويرية في يوم جمعة وهي صائمة, فقال لها: «أصمت أمس؟». قالت: لا. قال: «أتصومين غداً؟». قالت: لا. قال: «فأفطري». رواه الجماعة إلى مسلماً وابن ماجه والترمذي.
688 - ورواه أحمد من حديث عبد الله بن عمرو.
إلا أن هذين الحديثين إنما يدلان على الفطر في موضع يكون الصوم مكروهاً؛ كإفراد يوم الجمعة, وسرد الصوم الذي يضعف به حقوق أهله, ونحو ذلك.

وأيضاً؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أفطر في شهر رمضان هو وأصحابه وهو مسافر بعد أن أصبحوا صياماً لما كان جائزاً لهم ترك الصوم؛ فلن يجوز الفطر في صيام التطوع أولى وأحرى.
وأيضاً؛ فإنه إجماع ذكرناه عن سلمان وأبي الدرداء.
689 - وعن الحارث, عن علي؛ قال: «إذا أصبحت وأنت تريد الصيام؛ فأنت بالخيار: إن شئت صمت, وإن شئت أفطرت؛ إلا أن تفرض الصيام عليك من الليل». [يعني والله أعلم بالنذر]

690 - وعن عبد الله: «متى أصبحت وأنت تريد الصوم؛ فأنت على خير النظرين: إن شئت صمت, وإن شئت أفطرت».
وفي رواية عنه؛ قال: «أحدكم بأخير الفطرين ما لم يأكل أو يشرب».
691 - وعن عكرمة, عن ابن عباس؛ قال: «الصائم بالخيار: إن شاء صام, وإن شاء أفطر».
692 - وعن عطاء, عن ابن عباس؛ قال: «إذا صام الرجل تطوعاً, ثم شاء أن يقطعه؛ قطعه, وإذا دخل في صل
اة تطوعاً, ثم شاء أن يقطعها؛ قطعها, وإذا طاف بالبيت تطوعاً, ثم شاء أن يقطعه؛ قطعه, غير أنه لا ينصرف إلا على وتر خمساً أو ثلاثاً أو شوطاً, وإذا أخرج الرجل صدقة تطوعاً, ثم شاء أن يحبسها؛ حبسها».
693 - وعن ابن عمر: أنه أصبح صائماً, ثم أتى بطعام, فأكل, فقيل له: ألم تكن صائماً؟ فقال: «لا بأس به؛ ما لم يكن نذراً أو قضاء رمضان». رواهن سعيد.
694 - وعن جابر: «أنه كان لا يرى [بالإِفطار] في صيام التطوع بأساً». رواه الشافعي.
وأيضاً؛ فإن الرجل إذا أصبح صائماً؛ لم يوجد منه إلا مجرد النية والقصد, والنية المجردة لا يجب بها شيء.
695 - لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل به».
يبقى الفرق بينه وبين الإِحرام وبين أن يتكلم بالنية أو لا يتكلم بها.
ولأنها عبادة يخرج منها بالإِفساد, فلم يجب قضاؤها إذا أفسدها؛ كالوضوء, وكما لو صام يعتقد أن عليه فرضاً؛ فإنه بخلافه, وعكسه الإِحرام؛ فإنه لا يخرج منه بالفساد. . . .
ولأنه إذا كان له أن لا يفعل؛
كان له أن يخرج منه قبل الإِتمام. . . .
وأما قوله سبحانه: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33]؛ فإنه ما لم يتم فليس بعمل.
وأما الأحاديث التي فيها الأمر بالقضاء إن كانت صحيحة؛ فإنما هو أمر استحباب, وبيان أن الصوم لم يفت, وأن المفطر إذا صام يوماً مكان هذا اليوم؛ فقد عمل بدل ما ترك.
696 - وهذا كما قضت عائشة عمرة بدل العمرة التي أدخلت عليها الحج وصارت قارنة.
وكما قضى النبي صلى الله عليه وسلم اعتكافه حتى لا يعتقد المعتقد أن المتطوع إذا أفطر؛ فقد بطلت حسنته على وجه لا يمكن تلافيه؛ كالمفطر في رمضان ونحوه.

ويدل على ذلك أشياء:
أحدها أن الرواية المسندة قال فيها: «لا عليكما صوما مكانه يوماً» , مع إخبارهما أنهما أكلتا بشهوة ولم يفطرا لعذر.
وبقوله: «لا عليكما»؛ أي: لا بأس عليكما, ولو كان الفطر حراماً والقضاء واجباً؛ لكان عليهما بأس.
ثانيهما: أن في رواية سفيان عن الزهري: أنهما لما أخبرتاه؛ تبسم النبي صلى الله عليه وسلم, ولو كانتا قد أذنبتا؛ لغضب أو لبيَّن لهما أن هذا حراماً؛ لئلا يعودا إليه.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 03-02-2023, 05:13 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,827
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان







شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
من صــ 616الى صــ 625
(38)
المجلد الثانى
كتاب الصيام
(8)



وأما قوله: «ولا تعودا»؛ فهي رواية مرسلة, ثم معناها - والله أعلم - لا تعودا إلى فطر تريدان قضاؤه؛ فإ
ن إتمام الصيام أهون من التماس القضاء, وهذا لما رأى حزنهما على ما فوتاه من الصوم؛ قال: فلا تفعلاه شيئاً تحزنا عليه.
وثالثهما: أن في حديث النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الحيس: أنه قال: «إني آكل وأصوم يوماً مكانه» , ولولا أن الخروج جائز والقضاء مستحب؛ لما أفطر.

ورابعهما: أن في حديث المدعو إلى طعام أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أفطر وصم يوماً مكانه». وفي رواية: «إن أحببت» , ولو كان القضاء واجباً؛ لما قيل هذا.

وخامسها: أن ابن عمر وابن عباس قد أمرا بالقضاء, وصح عنهما جواز الإِفطار لغير عذر, فعلم أن ذلك أمر استحباب.
697 - فروى يوسف بن ماهك؛ قال: «وطئ ابن عباس جارية له وهو صائم, فقال: إنما هو تطوع وهي جارية اشتهيتها».
698 - وفي رواية عن سعيد بن جبير؛ قال: «دخلنا على ابن عباس صدر النهار فوجدناه صائماً, ثم دخلنا فوجدناه
مفطراً, فقلنا: ألم تك صائماً؟ قال: بلى, ولكن جارية لي أتت عليَّ, فأعجبتني, فأصبتها, وإنما هو تطوع, وسأقضي يوماً مكانه, وسأزيدكم: إنها كانت بغيّاً فحصنتها, وإنه قد عزل عنها». قال سعيد بن جبير: «فعلمنا أربعة أشياء في حديث واحد». رواهما سعيد.
وأما حديث شداد بن أوس إن صح؛ فيشبه - والله أعلم - أن يكون ذلك فيمن يعتاد أبداً الصوم ثم تركه لشهوته؛ فإن هذا مكروه.
ويحتمل أن يكون تفسير الشهوة الخفية من جهة بعض الرواة مدرجاً في الحديث.
يدل على ذلك ثلاثة أشياء.
أحدها: أن الشهوة الخفية قد فسرها أبو داوود وغيره بأنها حب الرئاسة, ولو كان تفسيرها مرفوع
ا؛ لما أقدموا على ذلك.
الثاني: أن تفسيرها بحب الرئاسة أشبه؛ لأن حب الرئاسة يكون في الإِنسان, ويظهر الأعمال الصالحة ولا نعلم أن مق
صوده درك الرئاسة.
الثالث: أن الأكل شهوة ظاهرة؛ فإنه إن لم تكن هي الشهوة الظاهرة؛ لم يكن لها شهوة ظاهرة.
الرابع: أن قرانه بالرياء دليل على أنه أراد ما هو من جنسه, والذي هو من جنسه هو حب الشرف لا أكل الطعام. والله تعالى أعلم.
* فصل:

في المواضع [التي يكره فيها الفطر أو يستحب أو يباح]
قال القاضي: يكره الخروج من الصوم والصلاة لغير عذر. . . .
وقال في رواية أبي الحارث في رجل يصوم التطوع فيسأله أبواه أو أحدهما أن يفطر؛ قال:
699 - يروى عن الحسن: أنه يفطر, وله أجر البر وأجر الصوم إذا افطر.

وقال في رواية عبد الله: إذا نهاه أبوه عن الصوم؛ ما يعجبني أن يصوم إذا نهاه, ولا أحب لأبيه أن ينهاه؛ يعني: في التطوع.
وقال في رواية يوسف بن موسى: إذا أمره [أبواه]؛ لا يصلي إلا المكتوب
ة. قال: يداريهما ويصلي.
وقال المروذي: قلت لأبي عبد الله: فإن دعاه والداه وهو في الصلاة؟
700 - قال: قد روى ابن المنكدر؛ قال: «إذا دعتك أمك وأنت في الصلاة؛ فأجبها, وإذا دعاك أبوك؛ فلا تجبه».
وفي موضع آخر: قلت: تدعوه أمه وهو في الصلاة. قال: يروى عن ابن المنكدر أنه قال: «إن كان في التطوع؛ فليجبها».

* فصل:
ومن تلبس بصيام رمضان أو بصلاة في أول وقتها أو بقضاء رمضان أو بقضاء الصلاة أو بصوم نذر أو كفارة؛ لزمه المضي فيه, ولم يكن له الخروج منه؛ إلا عن عذر؛ بخلاف المتلبس بالصوم في السفر؛ فإن العذر المب
يح للفطر قائم. . . .
مسألة:
وكذلك سائر التطوع؛ إلا الحج والعمرة؛ فإنه يجب إتمامهما وقضاء ما أفسد منهما.
فيه مسألتان:

أحدهما: أن سائر التطوعات من الصلاة والطواف والاعتكاف والهدي والأضحية والصدقة والعتق: إذا شرع فيه؛ [فالأولى] أن يتمه, وإن قطعه؛جاز ولا قضاء عليه, وإن قضاه بعد قطعه؛ فهو أحسن.
هذا الذي عليه أصحابنا, وقد أفتى أبو عبد الله بما ذكره عن ابن المنكدر إذا دعته أمه وهو في الصلا
ة إن كان في التطوع؛ فليجبها.
وقال أحمد في رواية الأثرم وقد سئل عن الرجل يصبح صائماً متطوعاً: أيكون بالخيار؟ والرجل يدخل في الصلاة: أله أن يقطعها؟ فقال: الصلاة أشد لا يقطعها, فإن قطعها وقضاها؛ فليس فيه اختلاف.
قال القاضي: ظاهر هذا أنه لم يوجب القضاء, وإنما استحبه؛ لأنه يخرج من ا
لخلاف.
وقال غير القاضي: هذه الرواية تقتضي الفرق بين الصلاة والصيام, وأن الصلاة تلزم بالشروع.
وهذا الفرق اختيار أبي إسحاق والجوزجاني.
لأن الصلاة ذات إحرام وإحلال, فلزمت بالشروع كالحج.

701 - ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مفتاح الصلاة الطهور, وتحريمها التكبير, وتحليلها التسليم».
وهذا يعم جميع الصلوات, ويقتضي أنه ليس له أن يتحلل منها إلا بالتسليم؛ كما ليس له أن يفتتحها إلا بالطهور, ولا أن تحرم بها إلا بالتكبير.
ويؤيد الفرق: أنه لو أمره أحد أبويه بالفطر في صومه التطوع؛ أجابه, ولو دعاه أحدهما في صلاة التطوع؛ أجاب الأم ولم يجب الأب. . . .

المسألة الثانية: إذا أحرم بحجة أو عمرة؛ لزمه المضي فيها, ولا يجوز له أن يقصد الخروج منها, ولو نوى الخروج منها ورفضها؛ لم يخرج بذلك.
[ولو أفسدها؛ لزمه المضي فيها, وإتمام ما أفسده, وعليه قضاؤها من العام المقبل إن كانت] حجة, وعل الفور إن كانت. . . , حتى لو دخل فيها يعتقدها واجبة عليه بنذر أو قضاء ونحو ذلك, ثم تبين أنها ليست عليه؛ لزمه المضي فيها, ومتى أفسدها؛ كان عليه القضاء. . . .
والأصل في ذلك قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196].
702 - وفي حرف عبد الله: «إلى البيت».
وقد أجمع أهل التفسير إلى أنها نزلت عام الحديبية, لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أحرم هو وأصحابه
بالعمرة, وساقوا الهدي, فصده المشركون, فأنزل الله تعالى هذه الآية يأمر فيها بإتمام الحج والعمرة, ويذكر شأن الإِحصار.
وهذا أمر بالإِتمام لمن دخل متطوعاً؛ لأن الحج لم يكن قد فرض بعد؛ فإن الآية نزلت سنة ست, والحج إنما فرض بعد فتح مكة.
ثم إن الله تعالى أمر بالإِتمام مطلقاً, فدخل فيه كل منشئ للحج والعمرة, بخلاف الآية التي فيها إتمام الصيام؛ فإنها تفارق هذه من وجهين:
أحدهما: أنه قال في أولها: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ. . .} , واللام هنا لتعريف الصيام المعهود الذي تقدم ذكره, وهو صيام رمضان, ثم قال: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} , فعاد الكلام إلى الصيام المتقدم الذي كان الأكل والنكاح في ليلته محظوراً بعد النوم, ثم أبيح, وهذا صفة صيام الواجب.
نعم؛ سائر الصيام لا يتم إلا بذلك على سبيل التبع والإِلحاق.

الثاني: أن قوله: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}: أمر بأن يكون إتمام الصيام إلى الليل, وبيان لكون الصوم لا يتم إلا بالإِمساك إلى الليل, فتفيد الآية أن من أفطر قبل الليل؛ لم يتم الصيام, وهذا حكم شامل [يجمع] أنواع الصوم, ثم ما كان واجباً كان الإِتمام فيه إلى الليل واجباً, وما كان مستحبّاً كان مستحبّاً, وما كان مكروهاً كان مكروهاً, وما كان محرماً كان محرماً؛ لقوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] , وهو أمر بأن يكون حكمه بما أنزل اتلله لا أمر بنفس الحكم؛ بخلاف آية الحج والعمرة؛ فإنه أمر بإتمامهما, فيكون نفس الإِتما
م مأموراً به, وهنا الإِتمام إلى الليل هو المأمور به, وفرق بأن يكون الأمر بنفس الفعل أو بصفة في الفعل؛ فإنه لو قال: [صل] بوضوء, أو: صلِّ مستقبل القبلة, ونحو ذلك؛ كان أمراً بفعل هذا الشرط في الصلاة لا أمراً بنفس الصلاة.
والفرق بين الحج والعمرة من وجوه:أحدها: أن الحج والعمرة يمضي في فاسدها ولا يخرج منهما بالإِفساد ولا بقطع النية, وغيرهما ليس كذلك.

فإن قيل: الصوم القضاء والمنذور والكفارة والصلاة في أول الوقت يخرج منها بالفساد مع وجوب إتمامها.
قيل: الصوم المتعيِّن مثل شهر رمضان والنذر المعين إذا أفطر لزمه المضي في فاسده, وأما غيره؛
فإنه حين إفساده يمكن إنشاؤه صحيحاً, فلم يكن حاجة إلى المضي في فاسده.
الثاني: أن الكفارة تجب في إفساد فرضهما ونفلهما بخلاف الصوم.
الثالث: أنه لو دخل فيهما معتقداً. . .


مسألة:
ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يومين؛ يوم الفطر ويوم الأضحى.
703 - وذلك لما روى أو سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنه نهى عن صوم يومين: يوم الفطر ويوم النحر». متفق عليه.
وفي لفظ لمسلم: «لا يصلح الصوم في يومين».
وفي لفظ للبخاري: «لا صوم في يومين: الفطر والأضحى».

704 - وعن ابن عمر نحوه. متفق عليه.
705 - 706 - وعن عائشة وأبي هريرة نحوه. رواهما مسلم.
707 - وعن أبي عبيد مولى ابن أزهر؛ قال: «شهدت العيد مع عمر بن الخطاب؛ فقال: يا أيها الناس! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاكم عن صيام هذين العيدين».
وفي رواية: «اليومين الفطر والأضحى: أما أحدهما؛ فيوم فطركم من صيامكم, وأما الآخر؛ فيوم تأكلون فيه من نسككم». رواه الجماعة.
708 - وعنه أيضاُ؛ قال: شهدت عليّاً وعثمان رضي الله عنهما في يوم الفطر والنحر يصليان ثم ينصرفان يذكران الناس. قال: وسمعتهما يقولان: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام هذين اليومين». رواه أح
مد والنسائي.
ولا يجوز صوم يومي العيدين عن كفارة ولا قضاء ولا نذر في الذمة.
فإن نذر صوم يوم أحد العيدين قصداً؛ انعقد نذره موجباً لكفارة يمين في إحدى الروايات. نص عليه في رواية حنبل بناء على أنه نذر معصية, وموجب نذر المعصية كفارة يمين.
وفي الأخرى: عليه مع الكفارة قضاء يوم. نص عليه في رواية أبي طالب, وهو. . .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 04-02-2023, 04:22 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,827
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان







شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
من صــ 626الى صــ 635
(39)
المجلد الثانى
كتاب الصيام
(9)



مسألة:
ونهى عن صوم أيام التشريق إلا أنه أرخص في صومها للمتمتع إذا لم يجد الهدي.
709 - الأصل في ذلك ما روي عن نبيشة الهذلي؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله تعالى». رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي.

710 - وروى كعب بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه وأوس بن الحدثان أيام التشريق, فناديا: «أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن, وأيام منى أيام أكل وشرب». رواه مسلم.
711 - وعن أبي مرة مولى أم هانئ: «أنه دخل مع عبد الله بن عمرو على أبيه عمرو بن العاص, فقرب إليهما طعاماً, فقال: كل. قال: إني صائم. فقال عمرو: كل؛ فهذه الأيام التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بإفطارها ونهى عن صيامها». قال مالك: وهي أيام التشريق. رواه مالك في «الموطأ» وأبو داوود.

712 - وعن عمر ن سليم, عن [أمه]؛ قالت: بينما نحن بمنى, إذا علي بن أبي طالب يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن هذه الأيام أيام أكل وشرب؛ فلا يصومها أحد». رواه أحمد والنسائي.
713 - وعن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: أمر النبي صلى الله عليه وسلم عب
د الله بن حذافة السهمي أن يركب راحلة أيام منى, فيصيح في الناس: «لا يصومن أحد؛ فإنها أيام أكل وشرب». رواه أحمد.
714 - وعن عبد تالله بن حذافة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن ينادي في أيام التشريق أنها أيام أكل وشرب». رواه النسائي والإِسماعيلي في «صحيحه».
واحتج به أحمد:

قال في رواية المروذي: أيام التشريق قد نُهي عن صيامها.
ويروى عن سليمان بن يسار, عن عبد الله بن حذافة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن ينادي في أيام التشريق: إنها أيام أكل وشرب».


* فصل:
وأما المتمتع إذا لم يجد الهدي, ولم يصم الأيام الثلاثة قبل يوم النحر؛ فهل يصوم أيام التشريق؟ على روايتين.
إحداهما: يجب عليه صومها. وهي اختيار الشيخ.
715 - لما روي عن ابن عمر وعائشة؛ قالا: «لم يرخص في أيام التشريق أن يُصمن إلا لمن يجد الهدي». رواه البخاري.
وفي رواية عن ابن عمر؛ قال: «الصيام لمن تمتع بالعمرة إلى الحج إلى يوم عرفة, فإن لم يجد هد
ياً ولم يصم؛ صام أيام منى».
وعن عائشة مثله. رواه البخاري.
والثانية: لا يصومها. قال ابن أبي موسى: وهي أظهرهما لعموم النهي, ولأنها أيام النهي,
فلم تصم عن واجب ولا غيره؛ كيومي العيدين.
وذكر الخرقي والقاضي وأصحابه وغيرهم الروايتين في صومهما عن جميع الواجبات من النذر والقضاء والكفارات؛ كفارات الأيمان ونحوها, وكفارات الحج؛ كالمتمتع إذا لم يجد الهدي.

* فصل:
ويكره صوم يوم الشك في حال الصحو. رواية
واحدة.
واختلف أصحابنا هل هي كراهة تنزيه أو تحريم على وجهين:

أحدهما: أنها كراهة تحريم. قاله ابن البناء وغيره.
والثاني: كراهة تنزيه, وهو ظاهر قول القاضي.
وكذلك الإِمساك في نهاره, وسواء صامه عن رمضان أو صامه تطوعاً أو أطلق النية؛ إلا أن يوافق عادة مثل إن كانت عادته صوم يوم الاثنين نذراً [قال القاضي] أو كان سرد الصوم؛ فلا يكره له. . . .

فإن صام عن قضاء أو نذر أو كفارة:
فقال القاضي وابن البناء: لا يكره؛ كما لو وافق عادة, مثل ما قلنا في الجمعة, وكذلك يوم [الإِغمام] إذا قلنا: لا يصام من رمضان. ذكره ابن الجوزي.

وقال بعض:. . . يكره صومه عن فرض غير رمضان الحاضر, ويحرم
عن رمضان أو عن تطوع لم يوافق عادة.
وقال أبو حكيم: لا يجوز صوم يوم الشك تطوعاً, ولا عن فرض.
قال في رواية الأثرم إذا لم يكن علة؛ قال: يصبح عازماً عل الفطر.
وقال في روايته: ليس ينبغي أن يصبح صائماً إذا لم يحل دون منظر الهلال شيء م
ن سحاب ولا غيره.
وقال في رواية المروذي, وقد سئل عن نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم الشك؟ فقال: هذا إذا كان صحواً؛ لم يصم, فأما إن كان في السماء غيم؛ صام.
ونقل عنه أبو داود الشك على ضربين:

فالذي لا يصام إذا لم يحل دون منظره سحاب ولا قتر, والذي يصام إذا حال دون منظره سحاب أو قتر.
وأما إذا وافق عادة؛ فأخذه أصحابنا من كراهة إفراد الجمعة.
فعلى هذا؛ لو نذر صوم السنة كلها؛ دخل فيه يوم الشك.

وقال ابن عقيل: لا يدخل فيه يوم الشك؛ كالأيام الخمسة.
وهذا يقتضي المنع منه مفرداً أو مجموعاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم الشك مطلقاً, ونهى عن استقبال رمضان بيوم أو يومين إلا أن يوافق عادة.
وقد روى أحمد بإسناده عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: لو صمت السنة كلها؛ لأفطرت اليوم الذي يشك فيه.
والشك إذا تقاعد الناس أو تشاغلوا عن رؤية الهلال أو شهد برؤيته فاسق؛ فأما مع عدم ذلك؛ ف
هو من شعبان. قاله في «الخلاف».
وابن عقيل وأبو حكيم قال: لا يكون شكّاً مع الصحو؛ إلا أن [شهد] برؤيته فاسق, فترد شهادته, فيوقع في قلوب الناس شكّاً أو يتتارك الناس رؤية الهلال, فيصبحون لا يعلمون هل هو من رمضان أو شعبان.
وإذا كانت السماء مطبقة بالغيم بحيث لا يجوز رؤية الهلال, وقلنا: لا يصام؛ فهو يوم شك على ظاهر كلامه.

وذكر في «المجرد»: أنه شك أيضاً؛ لجواز أن يجيء الخبر بالرؤية من مكان آخر.
وقال ابن الجوزي: إذا كانت السماء مصحية؛ فشعبان موجود حقيقة وحكماً, ولم يوجد شك ولا شبهة.
وإذا تراءاه الناس فلم يروه:
فقال ابن الجوزي: لم يُسمِّ أحد ذلك يوم شك.
فعلى هذا يجوز صومه تطوعاً.

والصواب أنه يوم شك؛ لإِمكان الرؤية في مكان آخر.
وقال أبو محمد: ليس لهم صيام آخر يوم من شعبان مع الصحو بحال؛ إلا أن يوافق عادة,
أو يكون صائماً قبله أياماً.

* فصل:
ويكره استقبال رمضان باليوم واليومين.
716 - لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «
[لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين]؛ إلا أن يكون رجل كان يصوم صوماً؛ فليصمه». رواه الجماعة.
فأما حديث عمران ومعاوية. . . .

فأما استقباله بالثلاثة؛ فالمشهور في المذهب أنه لا بأس به.
وقال بعض أصحابنا: لا يستحب الصوم بعد منتصف شعبان إلا لمن قد صام قبله.

717 - لما روى العلاء بن عبد الرحمن, عن أبيه, عن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان النصف من شعبان؛ فأمسكوا عن الصوم حتى يكون رمضان». رواه الخمسة, وقال الترمذي: حديث حسن. وقال النسائي: لا نعلم أحداً روى هذا الحديث غير العلاء.
وقد أجاب أحمد عن هذا الحديث:
قال حرب: سمعت أحمد يقول في الحديث الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا كان النصف من شعبان؛
فلا صوم إلا رمضان»؛ قال: هذا حديث منكر. قال: وسمعت أحمد يقول: لم يحدث (يعني: العلاء) حديثاً أنكر من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا كان النصف من شعبان؛ فلا صوم إلا رمضان» , وأنكر أحمد هذا الحديث, وقال: كان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدث بهذا الحديث عن سهيل, ورواية محمد بن يحيى الكحال هذا الحديث ليس بمحفوظ, والمحفوظ الذي يروى عن أبي سلمة [عن أم سلمة]: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان ورمضان.
واعتمد في رواية عبد الله على حديث أبي هريرة المتقدم: «لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين»؛ فإن مفهوم هذا الحديث يجوز التقدم بالثلاثة.
ولأنه إنما كره التقدم خشية أن يزاد في الشهر ويلحق به ما ليس منه, وهذا أكثر ما يقع في اليوم واليومين, فأما الثلاثة؛ فلا يقع فيها لبس. والله أعلم.
فأما صيام اليوم واليومين قبل رمضان قضاء أو نذراً أو كفارة. . . .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 05-02-2023, 11:16 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,827
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان





شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
من صــ 636الى صــ 645
(40)
المجلد الثانى
كتاب الصيام
(10)


* فصل:
ويكره استقبال رمضان باليوم واليومين.
716 - لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «[لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين]؛ إلا أن يكون رجل كان يصوم صوماً؛ فليصمه». رواه الجماعة.
فأما حديث عمران ومعاوية. . . .

فأما استقباله بالثلاثة؛ فالمشهور في المذهب أنه لا بأس به.
وقال بعض أصحابنا: لا يستحب الصوم بعد منتصف شعبان إلا لمن قد صام قبله.
717 - لما روى العلاء بن عبد الرحمن, عن أبيه, عن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان النصف من شعبان؛ فأمسكوا عن الصوم حتى يكون رمضان». رواه الخمسة, وقال الترمذي: حديث حسن. وقال النسائي: لا نعلم أحداً روى هذا الحديث غير العلاء.
وقد أجاب أحمد عن هذا الحديث:

قال حرب: سمعت أحمد يقول في الحديث الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا كان النصف من شعبان؛ فلا صوم إلا رمضان»؛ قال: هذا حديث منكر. قال: وسمعت أحمد يقول: لم يحدث (يعني: العلاء) حديثاً أنكر من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا كان النصف من شعبان؛ فلا صوم إلا رمضان» , وأنكر أحمد هذا الحديث, وقال: كان عبد الرح
من بن مهدي لا يحدث بهذا الحديث عن سهيل, ورواية محمد بن يحيى الكحال هذا الحديث ليس بمحفوظ, والمحفوظ الذي يروى عن أبي سلمة [عن أم سلمة]: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان ورمضان.
واعتمد في رواية عبد الله على حديث أبي هريرة المتقدم: «لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين»؛ فإن مفهوم هذا الحديث يجوز التقدم بالثلاثة.
ولأنه إنما كره التقدم خشية أن يزاد في الشهر ويلحق به ما ليس منه, وهذا أكثر ما يقع في اليوم واليومين, فأما الثلاثة؛ فلا يقع فيها لبس. والله أعلم.

فأما صيام اليوم واليومين قبل رمضان قضاء أو نذراً أو كفارة. . . .
* فصل:
ويكره إفراد يوم الجمعة بالصوم.
718 - لما روى محمد بن عباد بن جعفر؛ قال: «سألت جابر بن عبد الله: أنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الجمعة؟ قال: نعم». متفق عليه.

وفي رواية للبخاري: «أن ينفرد بصومه».
719 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تصوموا يوم الجمعة؛ إلا وقبله يوم, أو بعده يوم». رواه الجماعة إلا النسائي.
وفي رواية لمسلم: «لا تختصوا ليلة الجمعة بالقيام من بين الليالي, ولا تخصوا يوم الجمعة بص
يام من بين الأيام؛ إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم».
وفي رواية لأحمد: «يوم الجمعة يوم عيد, ولا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم؛ إلا أن تصوموا قبله أو بعده».
720 - وقد تقدم عنه صلى الله عليه وسلم أنه دخل على جويرية يوم جمعة وهي صائمة, فقال لها: «أصمت أمس؟». قالت: لا. قال: «تصومين غداً؟». قالت: لا. قال: «فأفطري».

721 - وعن ابن عباس؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تصوموا يوم الجمعة وحده». رواه أحمد.
واحتج به في رواية حنبل, فقال عكرمة عن ابن عباس: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تصوموا يوم الجمعة وحده». قال أبو عبد الله: ولا أحب لرجل أن يتعمد صيامه, فإن وافق نذراً؛ صامه؛ لأن هذا أسهل من العيدين,
ولا يخصه رجل بصيام.
فأما يوم الفطر ويوم النحر؛ فهما مخصوصان بالنهي من رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولا نعلم أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في صومهما, وقد استثنى في يوم الجمعة, فقال: «إلا رجل كلن يصوم صوماً فليصمه».
فأما إن لم يقصده بعينه, بل صام قبله يوماً [أو] بعده يوماً, أو كان يصوم يوماً ويفطر يوماً؛ [فإنه يصوم]
يوم الجمعة دون ما قبله وما بعده, لكن في جملة أيام, أو أراد أن يصوم يوم عرفة أو يوم عاشوراء, فكان يوم جمعة ونحو ذلك؛ لم يكره؛ فإن النهي إنما هو عن تعمده بعينه: كما قال في رواية حنبل.

وقال في رواية الأثرم, وقد سئل عن صيام يوم الجمعة, فذكر حديث النهي أن يفرد, ثم قال: إلا أن يكون في صيام كان يصومه؛ فأما أن يفرد؛ فلا. فقيل له: فإن كان يصوم يوماً ويفطر يوماً, فوقع فطره يوم الخميس وصومه الجمعة وفطره السبت, ف
صام الجمعة مفرداً؟ فقال: هذا الآن لم يتعمد صومه خاصة, وإنما كره أن يتعمد, وهذا لم يتعمد.
وقال أيضاً في رواية إبراهيم, وقد سأله عن صوم الجمعة, وهو يوم عرفة, ولا يتقدمه بيوم ولا يومين؟ فقال: لا يبالي, إنما أراد يوم عرفة, وإنما نهى عن صوم عرفة بعرفات.

وهذا لما تقدم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أذن في صومه إذا صام قبله أو بعده.
ولأنه جعل أفضل الصيام صيام داوود, ومعلوم أن من صام يوماً وأفطر يوماً؛ صام يوم الجمعة, وكذلك من صام يومين وأفطر يوماً, أو من صام يوماً وأفطر يومين.

وقد تقدم عن ابن مسعود رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم قلما كان يفطر يوم الجمعة».
لأنه كان يصوم الخميس فيصله بالجمعة.
ولا يكره صوم وحده عن فرض من قضاء أو نذر ونحو ذلك. قاله القاضي.
فأما صومه بعينه؛ فينبغي أن يكون مكروهاً.

فإن صام معه يوماً من أيام الأسبوع, لا يليه, مثل الاثنين والأحد ونحو ذلك. . . .

* فصل:
ويكره إفراد يوم السبت بالصيا
م عند أكثر أصحابنا.
قال الأثرم: قال أبو عبد الله: أما صيام يوم السبت ينفرد به؛ فقد جاء فيه حديث الصماء, وكان يحيى بن سعيد يتقيه, وأبى أن يحدثني به, وسمعته من أبي عاصم.
وقال في رواية الأثرم, وقد سأله عن صيام يوم السبت بغير فرض؟ فقال: قد جاء فيه الحديث: «لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم».
وعنه ما لا يدل على أنه لا يكره.
قال في رواية الأثرم: قد جاء في صيام يوم السبت ذاك الحديث مفرد, حديث الصماء عن النبي صلى الله عليه وسلم, وكان يحيى يتقيه.
وهذا يدل على توقفه عن الأخذ به؛ لأن ظاهر
الحديث خلاف الإِجماع.
ولذلك قال الأثرم في «مختلف الحديث»: جاء هذا الحديث ثم خالفته الأحاديث كلها, وذكر ال
أحاديث في صوم المحرم وشعبان, وفيهما السبت, والأحاديث في إتباع رمضان بست من شوال, وقد يكون فيها السبت, وأشياء كثيرة توافق هذه الأحاديث. وقد روي عن السلف أنهم أنكروه: فروى أبو داود عن ابن شهاب: أنه كان إذا ذُكر له أنه نهي عن صيام يوم السبت؛ يقول ابن شهاب: هذا حديث حمصي. وعن الأوزاعي؛ قال: ما زلت له كاتماً حتى رأيته انتشر (يعني: حديث ابن بسر في صوم يوم السبت). قال أبو داود: قال: مالك: هذا [كذب]. وقال أبو داوود: هذا الحديث منسوخ.
ووجه الأول:

722 - ما روى ثور بن يزيد, عن خالد بن معدان, عن عبد الله بن بسر السلمي، عن أخته الصماء: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم, وإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنب أو عود شجرة (وفي لفظ: إلا لحاء عنب أو عود شجرة)؛ فليمصه». رواه الخمسة, وقال الترمذي: حديث حسن.

وقد رواه أحمد والنسائي من وجوه أخرى عن خالد عن عبد الله بن بسر.
723 - ورواه أيضاً عن الصماء, عن عائشة. وإسناده إسناد جيد.
وقول أبي داوود: وهو منسوخ: يدل على جودة إسناده.
724 - ورواه أحمد من حديث ابن لهيعة؛ قال: ثنا موسى بن وردان, عن عبيد الأعرج؛ [قال: حدثتني جدتي]: أن
ها دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم السبت وهو يتغدى, فقال: «تعالي فكلي». فقالت: إني صائمة. فقال لها: أصمت أمس؟ قالت: لا. قال: «كلي؛ فإن صيام يوم السبت لا لك ولا عليك».
وإنما حُمل على الإِفراد؛ لأن في حديث جويرية وغيره: «أصمت أمس؟». قالت: لا. قال: «أتصومين غداً؟». قالت: لا.
فعلم أن صومه مع الجمعة لا بأس به.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 06-02-2023, 11:32 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,827
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان


شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
من صــ 646الى صــ 655
(41)
المجلد الثانى
كتاب الصيام
(11)





وكذلك إذنه في فطر يوم وصوم يوم مطلقاً, وصوم يومين وفطر يوم, وصوم يوم وفطر يومين, وصوم أيام البيض؛ مع العلم بأن هذا لابد فيه من صوم يوم السبت كغيره من الأيام. . . .
ولأنه يوم عيد لأهل الكتاب؛ فقصده بالصوم دون غيره يكون تعظيماً له, فكره ذلك؛ كما كُره إفراد عاش
وراء بالتعظيم لما عظمه أهل الكتاب, وإفراد رجب أيضاً لما عظمه المشركون, مع أن يوم عاشوراء. . . .
فإن قيل: إنما يعظمونه بالفطر, ثم هذا منتقض بيوم الأحد. . . .

وعلله ابن عقيل بأنه يوم يمسك فيه اليهود, ويخصونه بالإِمساك, وهو ترك العمل فيه, والصائم في مظنة ترك العمل, فصار تشبهاً بهم.
725 - وعن كريب: أنه سمع أم سلمة؛ قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم يوم السبت والأحد أكثر ما يصوم من الأيام, ويقول: «إنهما يوما عيد للمشركين؛ فأنا أحب أن أخالفهم». رواه أحمد والنسائي.

وروى النسائي عن عائشة وأم سلمة ر
ضي الله عنهما. . . .
* فصل:
قال أصحابنا: ويكره إفراد يوم النيروز ويوم المهرجان.
726 - وقد أومأ أحمد إلى ذلك فقال في رواية عبد الله: [حدثنا] وكيع, عن سفيان, عن رجل, عن أنس والحسن: كرها ص
وم يوم النيروز والمهرجان.
قال أبي: أبان بن أبي عياش؛ يعني: الرجل.
قال بعضهم: وعلى قياس هذا كل عيد للكفار أو يوم يفردونه بالتعظيم.

مسألة:
وليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان.
الأصل في هذه الليلة قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1 - 5] السورة إلى آخرها, وقوله سبحانه: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة: رقم 185] , وقوله سبحانه: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ} [الدخان
: آية 3].
727 - قال ابن أبي نجيح, عن مجاهد: «بلغني أنه كان في بني إسرائيل رجل لبس السلاح ف
ي سبيل الله ألف شهر فلم يضعه عنه. فذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه, فعجبوا من قوله, فأنزل الله تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: آية 3]؛ يقول الله تعالى: ليلة القدر خير لكم من تلك الألف شهر التي لبس فيها السلاح, وذلك الرجل في سبيل الله». رواه آدم ابن أبي إياس عن الزنجي عنه.
828 - وذكر مالك في «الموطأ»: أنه سمع من يثق به يقول: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرى أ
عمار الناس قبله أو ما شاء الله ذلك, فكأنه تقاصر أعمار أمته, لا يبلغون من العمل الذي بلغ غيرهم في طول العمر, فأعطاهم الله ليلة القدر خير من ألف شهر».
729 - وعن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: «من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً؛ غفر له ما تقدم من ذنبه». رواه الجماعة إلا ابن ماجه.
وهي باقية في رمضان إلى يوم القيامة في العشر الأواخر منه.

قال أبو عبد الله في رواية حنبل: ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان, وحديث ابن عمر هو أصحها, والرواية في ليلة القدر صحيحة: أنها في كل سنة في شهر رمضان في العشر الأواخر, واختلف في ذلك؛ قالوا: عن النبي صلى الله عليه وسلم: في سبع [يبقين] , وقالوا: في ثلاث [يبقين] , فهي في العشر, في وتر من الليالي, لا يخطئ ذلك إن شاء الله تعالى, كذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «اطلبوها في العشر الأواخر لثلاث بقين أو سبع بقين أو تسع بقين»؛ فهي في العشر الأواخر.

وقال في رواية أبي داود: الثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر؛ يعني: ليلة القدر.
وقال القاضي في «المجرد»: وفيها: (يعني: العشر الأواخر من رمضان) يجوز أن تطلب من كل وتر منه, ولكن لثلاث بقين وسبع بقين وتسع بقين أشد استحباباَ.
والظاهر أنها إحدى هذه الثلاث الليالي, وذلك:
730 - لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «التمسوها في العشر الأواخر من رمضان: ليلة القدر في تاسعة تبقى, في سابعة تبقى, في خامسة تبقى». رواه احمد والبخاري وأبو داود.

وفي رواية للبخاري: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هي في العشر: هي في [تسع] يمضين, أو في سبع يبقين»؛ يعني: ليلة القدر.
قال البخاري: قال عبد الوهاب عن أيوب, وعن خالد عن عكرمة عن ابن عباس: «التمسوا في أربع وعشرين».
731 - وعن ابن عمر: أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر؛ فمن كان متحريها؛ فليتحرها في السبع الأواخر». متفق عليه.

وفي رواية في الصحيح عن ابن عمر؛ قال: كانوا لا يزالون يقصون على النبي صلى الله عليه وسلم الرؤيا أنها في الليلة السابعة من العشر الأواخر (يعني: ليلة القدر) , فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أرى رؤياكم قد تواطأت في العشر الأواخر؛ فمن كان متحريها؛ فليتحرها في العشر الأواخر.

وفي رواية لأحمد ومسلم؛ قال: أرى رجل أن ليلة القدر ليلة سبع وعشرين, فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: «أرى رؤياكم في العشر الأواخر؛ فاطلبوها في الوتر منها.
وفي رواية شعبة, عن حكيم بن سحيم, عن ابن عمر, عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: «من كان ملتمساً؛ فليلتمسها في العشر الأواخر».
وفي رواية معمر, عن الزهري, عن سالم, عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «التمسوا ليل
ة القدر في العشر الغوابر, في التسع الغوابر».
وفي رواية شعبة, عن عقبة بن حريث؛ قال: سمعت ابن عمر يقول:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان ملتمساً؛ فليلتمسها في العشر الأواخر, فإن عجز أو ضعف؛ فلا يغلب على السبع البواقي».
وفي رواية شعبة, عن عبد الله بن دينار, عن ابن عمر؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان متحريها؛ فليتحرها ليلة سبع وعشرين». وقال عروة: «ليلة سبع وعشرين».

رواهن أحمد.
وروى حنبل, عن عارم, عن حماد بن زيد, عن أيوب, عن نافع, عن ابن عمر؛ قال: كانوا لا يزالون يقصون على النبي صلى الله عليه وسلم الرؤيا أنها ليلة السابعة من العشر الأواخر؛ فمن كان متحريها؛ فليتحرها ليلة السابعة في العشر الأوا
خر».
ورواه معمر, عن أيوب, عن نافع, عن ابن عمر؛ قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم,
فقال: إني رأيت في المنام ليلة القدر, كأنها ليلة سابعة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إني أرى رؤياكم قد تواطأت (يعني: ليلة سابعة)؛ فمن كان منكم متحريها؛ فليتحرها ليلة سابعة». قال معمر: فكان أيوب يغتسل ليلة ثلاث وعشرين ويمس طيباً.
وفي رواية من هذا الوجه: إني رأيت رؤياكم قد تواطأت على ثلاث وعشرين؛ فمن كان منكم يريد أن يقوم الشهر؛ فليقم ليلة ثلاث وعشرين.
732 - وعن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في العشر الأواخر من رمضا
ن, ويقول: «تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان». متفق عليه.
وفي رواية للبخاري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان».
733 - وعن أبي سلمة, عن أبي سعيد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأواخر من رمضان, ثم اعتكف العشر الأوسط, في قبة تركية على سدتها حصير, فأخذ الحصير بيده, فنحاها في ناحية القبلة, ثم أطلع رأسه, فكلم الناس, فدنوا منه, فقال:


«إني اعتكفت العشر الأول ألتمس هذه الليلة, ثم إني اعتكفت العشر الأوسط, ثم أتيت فقيل: إنها في العشر الأواخر؛ فمن أحب منكم أن يعتكف؛ فليعتكف». فاعتكف الناس معه. قال: «وإني أريتها ليلة وتر, وأني أسجد في صبيحتها في طين وماء». فأصبح من ليلة إحدى وعشرين, وقد قام إلى الصبح, فمطرت السماء, فوكف المسجد, فأبصرت الطين والماء, فخرج حين فرغ من صلاة
الصبح وجبينه وروثة أنفه فيها الطين والماء, وإذا هي ليلة إحدى وعشرين من العشر الأواخر». رواه الجماعة إلا الترمذي, وهذا لفظ مسلم وغيره.
وفي رواية متفق عليها: «فابتغوها في العشر الأواخر, وابتغوها في كل وتر».
وعن أبي نضرة, عن أبي سعيد؛ قال: اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم العشر الأوسط من رمضان يلتمس ليلة القدر قبل أن تُبان له, فلما انقضين؛ أمر بالبناء فقوض, ثم أبينت له أنها في العشر الأواخر, فأمر بالبناء فأعيد, ثم خرج على الناس, فقال: «يا أيها الناس! إنها كانت أبينت لي ليلة القدر, وإني خرجت لأخبركم بها, فجاء رجلان يحتقَّان, معهما الشيطان, فنسيتها,
فالتمسوها في العشر الأواخر من رمضان, التمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة». قال: قلت: يا أبا سعيد! إنكم بالعدد أعلم منا. قال: أجل؛ نحن أحق بذلك منكم. قال: قلت: ما التاسعة والسابعة والخامسة؟ قال: إذا مضت واحدة وعشرون؛ فالتي تليها اثنتان وعشرون؛ فهي التاسعة, وإذا مضى ثلاث وعشرون؛ فالتي تليها السابعة, وإذا مضى خمس وعشرون؛ فالتي تليها الخامسة. رواه مسلم وأبو داوود والترمذي والنسائي.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 07-02-2023, 10:24 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,827
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان





شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
من صــ 656الى صــ 665
(42)
المجلد الثانى
كتاب الصيام
(12)




734 - وعن انس, عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه؛ ق
ال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ... ليخبرنا بليلة القدر, [فتلاحى رجلان من المسلمين, فقال: «إني خرجت لأخبركم بليلة القدر] , فتلاحى فلان وفلان, فرفعت, وعسى أن يكون خيراً لكم؛ فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة». رواه أحمد والبخاري والنسائي.
وفي رواية أحمد عن عبادة؛ قال: أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القد
ر, فقال: هي في شهر رمضان؛ فالتمسوها في العشر الأواخر؛ فإنها وتر؛ ليلة إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين أو خمس وعشرين أو سبع وعشرين أو تسع وعشرين أو آخر ليلة من رمضان, من قامها احتساباً؛ غفر له ما تقدم من ذنبه».

735 - وعن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أريت ليلة القدر, ثم أيقظني بعض أهلي, فنسيتها, فالتمسوها في العشر الغوابر». رواه النسائي من حديث يونس وشعيب عن الزهري عن أبي سلمة عنه.
736 - وعن الصنابجي في ليلة القدر؛ قال: «أخبرني مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم أنها في السبع في العشر الأواخر». رواه البخاري.
737 - وفي رواية عن الصنابجي, عن بلال؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليلة القدر ليلة السابع وعشرين». رواه علي بن حرب.
837 - وعن جابر بن سمرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «التمسوا ليلة القدر ف
ي العشر الأواخر». رواه أحمد.
739 - وعن ابن عباس؛ قال: قال عمر: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: «من كان منكم ملتمساً ليلة القدر؛ فليلتمسها في العشر الأواخر وتراً». رواه أحمد.
740 - وعن أبي بكرة؛ قال: ما أن بملتمسها لشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في العشر الأواخر؛ فإني سمعته يقول: «التمسوها في تسع بقين, أو سبع بقين, أو خمس بقين, أو ثلاث بقين, أو آخر ليلة». قال: فكان أبو بكرة يصلي من العشرين من رمضان كصلاته في سائر السنة, فإذا دخل العشر؛ اجتهد. رواه أحمد والنسائي والترمذي, وقال: حديث
حسن صحيح.
وأيضاً؛ فإنه صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر ويجتهد في العبادة فيه ما لا يجتهد في سائر الشهر, ويشد المئزر, ويعتزل أهله, ويوقظهم فيه, وهذا كله يقتضي اختصاصه بما لا يشركه فيه سائر ليالي الشهر, وأنه أفضل الأعشار؛ فلا يجوز أن تكون ليلة القدر في غيره؛ لأن عشرها أفضل الأعشار.

فهذه النصوص من النبي صلى الله عليه وسلم تبين أنها العشر الأواخر, وأن السبع الأواخر أرجى هذا العشر, وأن أرجاها ليالي الوتر.
ثم الوتر باعتبار ما بقي لا باعتبار ما مضى. وكذلك ذكره أحمد.
وفي بعضها: أنه باعتبار ما مضى.
فإذا كان باعتبار ما مضى؛ فليالي الوتر إحدى وعشرين, وليلة ثلاث وعشرين وخمس وعشرين وسبع وعشرين وتسع وعشرين.
وإن كان باعتبار ما بقي, وكان الشهر ثلاثين؛ فتاسعة تبقى ليلة اثنين وعشرين, وسابعة تبقى ليلة
أربع وعشرين, وخامسة تبقى ليلة ت وعشرين, وثالثة تبقى ليلة ثمان وعشرين, وواحدة تبقى آخر ليلة. وهكذا في حديث أبي بكرة المرفوع, وتفسير أبي سعيد.
وإن كان الشهر تسعاً وعشرين؛ فتاسعة تبقى ليلة إحدى وعشرين.
ويستوي على هذا التقدير الوتر باعتبار ما مضى وما بق
ي.
وقد يكون قوله: «لثلاث بقين أو خمس بقين أو سبع بقين»؛ يعني: من الليالي التزام الكوامل.
فإذا كان الشهر تامّاً أيضاً؛ كان الأوتار مما مضى هي الأوتار مما بقي؛ فليلة إحدى وعشرين قد بقي تسع كوامل.
741 - فإن قيل: قد روي عن ابن مسعود رضي الله عنه؛ قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اطلبوها ليلة سبع [عشرة] من رمضان, وليلة إحدى وعشرين, وليلة ثلاث وعشرين» , ثم سكت. رواه أبو داوود.
742 - وروى عبد الرزاق عن علي ونحوه.
743 - وروى سعيد عن [أبي] نحوه.

744 - وعن موسى بن عقبة, عن أبي إسحاق, عن سعيد بن جبير, عن عبد الله بن عمر؛ قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أسمع عن ليلة القدر؟ فقال: «هي في كل رمضان». رواه أبو داود وقال: رواه سفيان وشعبة عن أبي إسحاق موقوفاً على ابن عمر لم يرفعاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
745 - وعن أبي العالية: أن أعرابيّاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي, فقال له: متى ليلة ال
قدر؟ فقال: «اطلبوها في أول ليلة, وآخر ليلة, والوتر من الليالي».
رواه أبو داوود في «مراسيله».
قيل: أما حديث عبد الله وأبي العالية إن صح؛ فإنه - والله أعلم- كان قبل أن يعلم النبي صلى الله عليه وسلم أنها في العشر الأواخر؛ كما فسره أبو سعيد؛ فإنه أخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحراها في العشر الأوس
ط, ثم أعلم أنها في الأواخر, وأمر أصحابه بتحريها في العشر البواقي.
وكذلك [حديث] ابن عمر وغيره يدل على أن العلم بتعيينها في العشر الأواخر كان متجدداً, فإذا وقع التردد بين الأوسط والآخر؛ علم أن الشك قبل العلم.
وأما حديث ابن عمر؛ فمعناه - والله أعلم - أنها في جميع الرمضانات لا تختص ببعض الرمضانات الموجودة على عهد الأنبياء عليهم السلام؛ فإن ابن عمر قد صح عنه أنه أخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم بالتماسها في العشر الأواخر.

وذلك أن بعض الناس توهم أنها رفعت لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «فتلاحى فلان وفلان فرفعت» , وإنما رُفع علمها ومعرفتها في ذلك العام؛ لأنه خرج ليخبركم بها, فأنسيها.
ومن هذا الباب رفع القرآن ونحوه.
ويدل على ذلك قوله: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: رقم 216] , [وقوله: «وعسى أن يكون خيراً»].
وارتفاع بركة ليلة القدر لا خير فيه للأمة؛ بخلاف نسيانها؛ فإنه قد يكون فيه خير
للاجتهاد في العشر كله.
وقوله بعد ذلك: «فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة» , ولولا أ
نها موجودة بعد هذا الرفع؛ لم تلتمس.
746 - فقد روى عبد الرزاق, عن يزيد بن عبد الله بن الهاد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ليلة القدر, فقيل له: قد كانت [مع النبيين] ثم رفعت حين قبضوا أو في كل سنة؟ قال: «بل في كل سنة».
747 - وعن ابن عباس؛ قال: «ليلة القدر في كل رمضان تأتي».
وإجماع الصحابة على طلبها والتماسها بعد موت النبي صلى الله ع
ليه وسلم دليل قاطع على ذلك.
قال كثير من أصحابنا: تلتمس في جميع العشر, وآكده ليالي الوتر, وآكده ليلة سبع وعشري
ن؛ لأن أحمد رضي الله عنه قال: أصحها حديث ابن عمر, وفي حديث ابن عمر أنها ليلة سبع وعشرين. وهو قول القاضي في «الخلاف» , وعامة أصحابه.
وقال القاضي في «المجرد»: أوكد ليالي الوتر لثلاث بقين وسبع بقين وتسع بقين, والظاهر أنها إحدى هذه الليالي الثلاث.
748 - وعن قتادة: أنه سمع مطرفاً, عن معاوية بن أبي سفيان, عن النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر؛ قال: «ليلة سبع وعشرين». رواه أبو داود.

749 - وعن ابن عباس: أن رجلاً أتى نبي الله صلى الله عليه وسلم, فقال: يا رسول الله! إني شيخ كبير عليل, يشق عليَّ القيام, فأمرني بليلة, لعل الله يوفقني بها لليلة القدر. قال: «عليك بالسابعة». رواه أحمد.
750 - وعن أبي عقرب الأسدي؛ قال: أتيت عبد الله بن مسعود, فوجدته على إيجار له (يعني: سطحاً) , فسمعته يقول: صدق الله ورسوله, صدق الله ورسوله. فصعدت إليه, فقلت: يا أبا عبد الرحمن! ما لك قلت: صدق الله ورسوله صد
ق الله ورسوله؟ قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نبأنا أن ليلة القدر في النصف من السبع الأواخر؛ أن الشمس تطلع صبيحتها ليس لها شعاع. قال: فصعدت, فنظرت إليها, فقلت: صدق الله ورسوله, صدق الله ورسوله». رواه أحمد وسعيد.
751 - وعن ابن مسعود رضي الله عنه: أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم, فقال:
متى ليلة القدر؟ قال: «من يذكر منكم ليلة الصهباوات؟». قال عبد الله: أنا بأبي أنت وأمي. وإن في يدي لتمرات أتسحر بهن مستتراً بمؤخرة رحلي من الفجر, وذلك حين طلع القمر. رواه أحمد.


752 - وعن زر بن حُبيش؛ قال: «سمعت أبي بن كعب يقول: وقيل له: إن عبد الله بن مسعود يقول: من قام السنة؛ أصاب ليلة القدر. فقال أبي بن كعب: والله الذي لا إله إلا هو؛ إنها لفي رمضان (يحلف ما يستثني) , ووالله؛ إني لأعلم أي ليلة هي, هي الليلة التي أمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها ليلة سبع وعشرين, وأمارتها تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها».






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 12-02-2023, 05:22 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,827
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان






شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
من صــ 706الى صــ 715
(47)
المجلد الثانى
كتاب الصيام
(17)



فإن غلب على ظنه أن لا يصلي معه أحد؛ لم يصح الاعتكاف؛ لأن الاعتكاف لا يكون إلا بالعزم على المقام في المسجد, والعزم يتبع الاعتقاد, فإذا اعتقد حصول الصلاة فيه؛ عزم على العكوف فيه, وإلا؛ فلا.
فإن اختلت الجماعة فيه بعض الأوقات. . . .

794 - وذلك لما روي عن أبي وائل شقيق بن سلمة؛ قال: قال حذيفة لعبد الله بن مسعود: إن قوماً عكوفاً بين دارك ودار الشعري؛ فلا تغير! وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة (أو قال: في مسجد جماعة»). فقال عبد الله: فلعلهم أصابوا وأخطأت, وحفظوا ونسيت. رواه سعيد بإسناد جيد.
795 - وعن جويبر, عن الضحاك, عن حذيفة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله ص
لى الله عليه وسلم: «كل مسجد له مؤذن وإمام؛ فالاعتكاف فيه يصلح». رواه سعيد والنجاد والدارقطني وقال: الضحاك لم يسمع من حذيفة.

796 - وقد رواه حرب, عن الضحاك, عن النزال بن سبرة؛ قال: أقبل ابن مسعود وحذيفة من النجف, وأشرفوا على مسجد الكوفة؛ فإذا خيام مبنية, فقالوا: ما هذا؟ قالوا: أناس عكفوا. فقال ابن مسعود: لا اعتكاف إلا في المسجد الحرام. فقال حذيفة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كل مسجد له إمام مؤذن؛ فإنه يعتكف فيه».
فإن قيل: جويبر ضعيف متروك, ويدل على ضعف الحديث أن مذهب حذيفة أنه لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة؛ بدليل:

797 - ما روي عن إبراهيم؛ قال: «دخل حذيفة مسجد الكوفة, فإذا هو بأبنية مضروبة, فسأل عنها, فقيل: قوم يعتكفون, فانطلق إلى ابن مسعود, فقال: ألا تعجب من قوم يزعمون أنهم معتكفون بين دارك ودار الأشعري. فقال عبد الله: فلعلهم أصابوا وأخطأت, وحفظوا ونسيت. فقال حذيفة: لقد علمت [أنه لا اعتكاف] إلا في ثلاثة مساجد:
المسجد الحرام, ومسجد الأقصى, ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم».
قلنا: قد روى هذا الحديث عن جويبر رجال من كبار أهل العلم, مثل هشيم وإسحاق والأزرق, وقد تابعه على نحو من معناه أبو وائل عن حذيفة, وهو معضود بآثار الصحابة, والرواية الأخرى عن حذيفة مرسلة.
وأيضاً؛ فإنه إجماع الصحابة.

798 - روى النجاد عن علي رضي الله عنه؛ قال: «لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة».
799 - وعن ابن عباس؛ قال: «لا اعتكاف إلا في مسجد تقام فيه الصلاة».
800 - وعن عائشة رضي الله عنها: أنها قالت: «لا اعتكاف إلا في م
سجد جماعة».
801 - وروى حرب, عن جابر بن زيد, عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: «كل مسجد تقام فيه الصلاة فيه اعتكاف».
802 - وقد روى أبو داوود وغيره حديث عائشة؛ قالت: «من السنة لا اعتكاف إلا في مسجد جامع».

803 - وعن الزهري؛ قال: «مضت السنة أن لا يكون اعتكاف إلا في مسجد جماعة, مسجد يجمع فيه الجمعة». رواه النجاد.
804 - وفي لفظ للدارقطني: «من السنة لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة».

وقال غير عبد الرحمن بن إسحاق: لا يقول فيه: «قالت: السنة» , جعله قول عائشة.
وهذا قول عامة التابعين, ولم ينقل عن صحابي خلافه؛ إلا قول من خص الاعتكاف بالمساجد الثلاثة وبمسجد نبي.
فقد أجمعوا كلهم على أنه لا يكون في مسجد لا جماعة فيه.
وأيضاً؛ المسجد موضع السجود ومحله, وهذا الاسم إنما يتم له ويكمل إذا كان معموراً بالسجود وبالصلا
ة فيه, أما إذا كان خراباً معطلاً عن إقام الصلاة فيه؛ فلم يتم حقيقة المسجد له, وإنما يسمى مسجداً بمعنى أنه مهيأ للسجود معدٌّ له؛ كما قد تسمى الدار الخالية مسكناً ومنزلاً, ويُصان مما تُصان منه المساجد؛ لأنه مسجد, وإن لم يتم المقصود فيه.
وبهذا يعلم أن قوله: {عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}: إنما يفهم منه المواضع التي فيها الصلاة والسجود.

وأيضاً؛ فإن الصلوات الخمس في الجماعة واجبة كما تقدم بيانه؛ فلو جاز الاعتكاف في مسجد مهجور معطل؛ للزم: إما ترك الجماعة, وذلك غير جائز, وإما تكرار الخروج في اليوم والليلة لما عنه مندوحه, وذلك غير جائز؛ لأن الاعت
كاف هو لزوم المسجد, وأن لا يخرج منه إلا لما لا بد منه. . . .
وأيضاً؛ فلو لم تكن الجماعة واجبة؛ فإنها من أعظم العبادات, وهي أوكد من مجرد الاعتكاف الخالي عنها بلا ريب, والمداومة على تركها مكروهة كراهة شديدة؛ فلو كان العكوف الخالي عنها مشروعاً؛ لكان قد شرع التقرب إلى الله تعالى
بما ينهى فيه عن الجماعة, بل يحرم فعلها معه؛ إذ الخروج من المعتكف لا يجوز, وهذا غير جائز. . . .
فأما اعتكاف لا يتضمن وجوب جماعة, مثل أن يكون زمنه يسيراً, لا يحضر فيه صلاة مكتوبة:

فقال ابن عقيل وغيره: يصح في كل مسجد؛ إذ لا محذور فيه؛ فإنما اشترطنا مسجداً تقام فيه الجماعة لأجل وجوبها, وهذا إذا صححنا اعتكاف بعض يوم على المشهور من المذهب, وكذلك من لا يمكنه شهود الجماعة؛ لكونه في موضع لا تقام
فيه الجماعة.
وأما من يمكنه حضور الجماعة ولا يجب عليه كالمريض وغيره من المعذورين والعبد؛ ففيه وجهان:
أحدهما يصح اعتكافه في كل مسجد؛ لأن الجماعة لا تجب عليه.
والثاني: لا يصح إلا في مسجد الجماعة؛ لأنه من أهل الوجوب, فإذا تكلف الاعتكاف في مسجد؛ وجب أن يكون مسجد الجماعة.

وإذا تكلف حضور محلها؛ وجبت عليه كما تجب عليه الجمعة إذا حضر المسجد؛ لأن المسقط للحضور قد التزمه كما
يجب عليه إذا حضرها.
ولأن من التزم التطوعات لا يصح أن يفعلها إلا بشروطها؛ كالصوم والصلاة.
فعلى هذا: إن أقيمت فيه بعض الصلوات, فاعتكف في وقت تلك الصلاة. . . .

الفصل الرابع: أن المرأة لا يصح اعتكافها إلا في المسجد المتخذ للصلوات الذي يحرم مقام الجنب فيه وتناله أحكام المساجد.

فأما مسجد بيتها - وهو مكان من البيت يتخذه الرجل أو المرأة للصلاة فيه مع بقاء حكم الملك عليه-؛ فلا يصح الاعتكاف فيه عند أصحابنا.

قال أحمد في رواية أبي داود وقد سئل عن المرأة تعتكف في بيتها: فذكر النساء يعتكفن في المساجد, ويضرب لهن فيه الخيم, وقد ذهب هذا من الناس.
لأن هذا ليس مسجداً, ولا يسمى في الشرع مسجداً؛ بدليل جواز مكث الحائض فيه, والاعتكاف يكون في المساجد.
805 - ولأن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اعتكفن في المسجد بعده كما تق
دم.
806 - وعن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف؛ صلى الفجر, ثم دخل معتكفه, وأنه أمر بخبائه فضرب, ثم أراد الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان, فأمرت زينب بخبائها, وأمرت غيرها من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بخباء فضرب, فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر؛ نظر؛ فإذا الأخبية, فقال: «ألبر تردن؟». فأمر بخبائه فقُوِّض, وترك الاعتكاف في شهر رمضان حتى اعتكف في العش
ر [الأول] من شوال. رواه الجماعة.
وفي رواية للبخاري وغيره عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان, فاستأذنته عائشة فأذن لها, وسألت حفصة عائشة ـن تستأذن لها ففعلت, فلما رأت ذلك زينب؛ أمرت ببناء فبني لها؛ قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى؛ انصرف إلى بنائه, فبصر الأبنية, فقال: «ما
هذا؟». قالوا: بناء عائشة وحفصة وزينب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «آلبر أردن بهذا؟! ما أنا بمعتكف». فرجع, فلما أفطر؛ اعتكف عشراً من شوال.
فهذا نص مفسر في أنه أذن لعائشة وحفصة أن يعتكفا في المسجد, وذلك دليل على أنه مشروع حسن, ولو كان اعتكافهن في غير المسجد العام ممكناً؛ لاستغنين بذلك عن ضرب الأخبية في المسجد كما استغنين
بالصلاة في بيوتهن عن الجماعة في المساجد, ولأمرهن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.
807 - كما قال في الصلاة: «وبيوتهن خير لهن».

لا سيما وقد خاف أن يكون قد دخلهن في ذلك شيء من المنافسة والغيرة حين تشبه بعضهن ببعض, واعتكفن معه, حتى ترك الاعتكاف من أجل ذلك, وقد كان يمكنه أن يقول: الاعتكاف في البيت يغنيكن عن الاعتكاف في المسجد.
808 - كما قال لعائشة: «صلي في الحجر فإنه من البيت».
وكان مما يحصل به مقصوده ومقصود من أرادت الاعتكاف منهن, وتقوم به الحجة على من لم يرده.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 190.64 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 184.79 كيلو بايت... تم توفير 5.84 كيلو بايت...بمعدل (3.07%)]