تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) - الصفحة 39 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 602 - عددالزوار : 339366 )           »          أبناؤنا وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 64 )           »          7خطوات تعلمكِ العفو والسماح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 53 )           »          تربية الزوجات على إسعاد الأزواج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          الغزو الفكري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          حدث في العاشر من صفر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 52 )           »          الإنسان القرآني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 56 )           »          الخطابة فنّ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          الرحمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          متاعب الحياة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #381  
قديم 16-12-2020, 05:00 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,926
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

قراءة في كتاب أيسر التفاسير

معنى الآيات
قال المؤلف غفر الله له ولكم، ورحمه وإياكم وسائر المؤمنين: [ معنى الآيتين:ما زال السياق ] أي: سياق الكلام الإلهي، [ في أحداث أحد ] أي: هذا الجبل الذي وراءنا، هذا الجبل الذي كان إذا لاح لرسول الله صلى الله عليه وسلم من بعيد خفَّ وأسرع، وقال: ( أحد جبل يحبنا ونحبه )، ومن تدبير الله أنه اشتق له اسم من اسمه، فقال: اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، فهل تعرفون ماذا فعل أحد؟ قد يقول قائل: يا شيخ! لا تقل: فعل أحد، فأحد ليس عاقلاً حتى يفعل! فنقول لك: ما الفرق بينك وبين هذه الصخرة؟ إنها تنطق وتتكلم وتعبد الله مثلك، وكونك نطقت بالنسبة إليه وباقي المخلوقات كلها تعبد الله وتسبحه، فهو سبحانه الذي جعل عينيك في وجهك، ولسانك في فيك من أجل أن تنطق وتتكلم، وكل المخلوقات تسبح الله وتعبده.ولما انتهت المعركة في آخر النهار زحف أبو القاسم مع بعض رجاله إلى الجبل وارتقوا فوقه، وليس في قمته وإنما في سفحه، ولما جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على أحد، ماد واضطرب الجبل من الفرح، فقال له الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( اسكن أحد، فإن عليك نبي )، وهو محمد صلى الله عليه وسلم، ( وصديق )، وهو أبو بكر الصديق، ( وشهيدان )، وهما: عمر وعثمان. لا إله إلا الله! أبو بكر الصديق استشهد أو قتل في معركة تخلى عنها مع رسول الله؟! والله ما تخلى عن معركة قط مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكفيه وسام الصديقية، وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن أبا بكر لن يُستشهد في القتال، ثم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف المؤمنون أبا بكر، وقاد الأمة سنتين ونصف، ثم توفي بمرض أصابه.وقوله: ( وشهيدان )، من أخبر رسول الله أن عمر وعثمان سيستشهدان؟ الله، فلا إله إلا الله! هل شهيدان في معارك فارس والروم؟ أم في معارك أفريقيا والأندلس؟ إنهما شهيدان في بيتهما، فلا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم! فهذا عمر رضي الله عنه كان يقول: اللهم إني أسألك شهادة في سبيلك وموتاً في بلد رسولك، فتعجب ابنته أمنا حفصة رضي الله عنها وتقول: أيا أبتاه! كيف تجمع بين هذين: الشهادة في بلاد فارس والروم، والموت في المدينة؟! فيقول لها: اسكتي يا حفصة! إن الله على كل شيء قدير، وفعلاً استشهد في مدينة رسول الله وهو يصلي في ذاك المحراب الطاهر، فقد كان أبو لؤلؤة المجوسي يتربص به الدوائر، إذ إنه مبعوث من الحزب الوطني الفارسي المجوسي لينتقم من عمر الذي حول تلك الظلمة إلى نور، وأطفأ تلك النار التي كانت تُعبد مع العزيز الجبار، فتكوَّن حزب وطني يعمل في الظلام للانتقام من العرب والمسلمين وعلى رأسهم عمر، وأبو لؤلؤة المجوسي هذا كان مملوكاً لأحد أصحاب رسول الله وهو المغيرة بن شعبة، فكان يتربص بـعمر يوماً بعد يوم حتى أتيحت له الفرصة، فصلى يوماً وراء عمر، ولما سجد أو ركع أخرج رمحه وضربه، فصاح عمر فالتفت المؤمنون وهرب القاتل فألقوا القبض عليه، فأدى مهمته ولم يكن خائفاً من الموت، إنما المهم أن يموت عمر وينطفئ نور الإسلام.هذا الحزب الوطني المجوسي إلى الآن ما زال يعمل على إطفاء نور الله عز وجل، وإقامة الدولة المجوسية الساسانية، فأيام كان الشاه على رأس الحكم أقام الشاه ذكرى مرور ألفين وخمسمائة سنة على سقوط دولة الساسانيين، واحتفل بالذكرى كل السفارات والقنصليات، وشارك في ذلك العرب والمسلمون، وهم كالأغبياء ما يشعرون، فهل يُعقل أو يُقبل أن المسلمين يحتفلون بذكرى دولة المجوس؟! أسألكم بالله، لو أن جماعة في مكة قالوا: نحيي ذكرى موت عمرو بن هشام بطل بني مخزوم! فإنك ستقول: هل هؤلاء مسلمون؟! فكيف بهؤلاء الذين يحتفلون بذكرى مجوسي كافر؟! آه! ما زلنا في غفلتنا سائرون.كتبت مرة كلمة في جريدة البلاغ الكويتية محذراً ومنبهاً ومذكراً ولكنا ميتون، وقلت: يا عرب الجزيرة! إنكم والله بين فكي مقراظ، اليهود من الغرب، والمجوس من الشرق، وما هي إلا سنوات توالت وإذا بحملة الشاه آية الله، أو الجمهورية الإسلامية الشرسة على المسلمين، ولولا أن الله أوقفها بالبعث العراقي لما اجتمعنا الليلة هنا، فهل هذه سياسة أو علم؟ ماذا تقولون؟ الغافلون يقولون: سياسة، فاتركنا من هذه السياسة.والشاهد عندنا في استشهاد عمر رضي الله عنه: أن الله تعالى حقق له طلبه ورجاءه، فجمع له بين الموت في المدينة والشهادة في سبيل الله عز وجل.وهذا عثمان رضي الله عنه وأرضاه شهيد، فقد أخبر بشهادته رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو علم من الله ليس بالهوى، وقد استشهد رضي الله عنه -وهو خليفة المسلمين- في بيته قريباً من مسجد رسول الله، والمصحف بين يديه حتى تلطخ بدمائه رضي الله عنه، والذي قتله هو الثالوث الأسود.
دور الثالوث الأسود في الكيد لأمة الإسلام
لعل أهل الحلقة قد ملوا من كلمة: الثالوث الأسود، لكن نسمعها من لا يعي هذا ولا يفهمه، وإن كانوا ساسة يقودون الناس، فنقول: إن الثالوث الأسود مركب من ثعابين سود: الأول: المجوس، والثاني: اليهود، والثالث: الصليبيون.وبداية التكوين لهذا الثالوث هم المجوس، وذلك لما سقط عرش كسرى وانهارت المجوسية وانطفأت نارها على أيدي عمر، إذ أخذ تاج كسرى ووضعه على رأس سراقة بن جعشم، وذلك في حادثة تاريخية مشهورة وهي: لما صدر حكم قريش بالإجماع على قتل محمد صلى الله عليه وسلم، ويسَّر الله الهرب لرسوله فهرب مع الصديق، فأعلنت قريش عن جائزة مقدارها مائة جمل لمن يأتي برأس محمد رسول الله، فأخذ سراقة بن جعشم رضي الله عنه البطل الفارس الخريت الذي يعرف الأرض في البحث، وقال: قد أتيحت لنا الفرصة، وأخذ يتتبع الآثار حتى عرف الطريق الذي سلكه خريت أبي بكر الصديق؛ إذ اتخذوا خريتاً خاصاً يمشي أمامهم ليتجنبوا طرق العرب، ولما وصل سراقة بن جعشم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه، إذا بالفرس تغوص رجلاه في الأرض، فيتعجب سراقة بن جعشم من ذلك، إذ إن الأرض صلبة فكيف يحصل هذا؟! ويقفز من على الفرس فيمشي على رجليه فيسقط، فلا إله إلا الله! فالتفت إليه رسول الله وهو يبتسم فقال له: يا سراقة! كيف بك إذا وضع على رأسك تاج كسرى؟! فأين كسرى؟ وأين تاج كسرى؟ والرسول هارب من مكة والإعدام قد صدر عليه، فكيف هذا؟! وأي حلم وأي منام هذا؟! فرجع سراقة وأسلم، ثم تمضي الأعوام ويفتح عمر برجاله ديار فارس، فيأخذ التاج ويضعه على رأس سراقة بن جعشم تحقيقاً لما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم.إذاً: الثالوث الأسود بدأ بالحزب الوطني الذي يعمل في الظلام إلى اليوم، وقد انضم إلى ذلك اليهود، هؤلاء اليهود الذين أجلاهم عمر تنفيذاً لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: ( لا يجتمع دينان في الجزيرة )، والنفي هنا في الحديث أبلغ من النهي، فلا يجتمع دينان في الجزيرة؛ لأن الجزيرة قبة الإسلام وبيضته، ووراءها الدنيا والعالم، لكن هذه القبة لا تُظلل رايتين، ولا يمكن أن يوجد فيها دينان، ولذلك أجلاهم عمر، فاغتاظوا وكربوا وحزنوا، ففكروا وبحثوا عمن يتعاونون معهم ضد الإسلام والمسلمين، فوجدوا الحزب الوطني المجوسي فتعانقوا.ولما انتشرت الفتوحات على يد عثمان وتجاوزت أفريقيا ووصلوا إلى غرب أوروبا في الأندلس، اضطربت نفوس النصارى وفزعوا، وقالوا: إن هذا النور سوف يقضي علينا، فبحثوا عمن يتعاونون معهم، ومن يعينهم ضد الإسلام والمسلمين، فعثروا على المجوس واليهود فتعانقوا، وإلى الآن والله هم متعاونون، فلا يريدون أبداً أن يسعد المسلمون ويشقون هم، إذ إنهم عرفوا أن الإسلام هو الحق، وأن أهله هم السعداء أهل دار السلام، فكيف نسمح لهم بهذا ونحرم نحن؟ فذهبوا إلى مصر وعلى رأسهم ذاك اليهودي الصنعاني اليمني عبد الله بن سبأ، فهيج المصريين، وشاع بأن هذا الخليفة الثالث ينفق الأموال على أقربائه، وأن الوظائف يوزعها على أهله وأقربائه من بني أمية، كما هو عادة الهابطين إلى الآن وإلى بعد الآن، ثم ذهب إلى الشرق ففعل مثل ذلك، فجاءت خيولهم للقضاء على خليفة المسلمين، وما كان من أصحاب رسول الله إلا أن بكوا، كيف يريقون ويسيلون الدماء في عاصمة الإسلام؟! فحاولوا دفع ذلك الشر وما استطاعوا، فهذا علي وضع أبناءه على باب عثمان لحمايته، لكن ينفذ أمر الله فيُقتل عثمان رضي الله عنه، ومن ثم أصابت العالم الإسلامي زلزلة عظيمة، واضطربت النفوس وبدأت الفتنة إلى الآن ولم تنته بعد.

محاولات أعداء الإسلام لصرف المسلمين عن القرآن الكريم

حاول الثالوث الأسود أن يدخل في حروب مع الخلافة الإسلامية، فما أثاروا حرباً إلا فشلوا وتمزقوا فيها، ففكروا في سبب قوة المسلمين، وبعد الدراسة والتأمل والتطلع وجدوا أن هذه القوة عائدة إلى القرآن الكريم، فإن استطعتم أن تبعدوهم عن القرآن فقد نجحتم، فعقدوا اجتماعات على أن يحذفوا كلمة: (قل) فقط من القرآن: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ [الأعراف:158]، قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1]، قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، فما استطاعوا، فوقفت هذه الكلمة حجر عثرة في الطريق، ولولاها لقالوا: هذا كلام محمد فاضت به روحه، أو صهرته الصحارى والحرارة ففاض بهذه العلوم والمعارف، وليس هذا بكتاب الله ولا بوحيه، إذ كيف يقول المؤلف: قل، من يخاطب حتى يقول: قل؟ إنه ليس معقولاً أبداً أن تتكلم وتقول: قل كذا.إذاً: فشلوا في هذا، وبالتالي فماذا يصنعون؟ قالوا: هناك حيلة واحدة وهي أن نصرفهم عن تلاوة القرآن ودراسته وتدبره فقط، ثم بعد ذلك يموتون، فوضعوا قاعدة للتفسير فقالوا -من أراد أن يقرأها فعليه بحاشية الحطاب على شرح خليل بن إسحاق-: تفسير القرآن خطأ، وخطؤه كفر، وبالتالي ألجموا المسلمين، فلا يوجد من يقول: قال الله، وإذا مروا بك تفسر آية فإنهم يغلقون آذانهم ويمشون مسرعين خشية أن تسقط عليهم صواعق، ويقولون: تفسير القرآن خطأ وإثم وذنب عظيم، وهذا صوابه، ففسره مصيباً غير مخطئ، وإن أخطأ فقد كفر، وبالتالي فصوابه خطأ وخطأه كفر، إذاً ماذا يصنع المسلمون بالقرآن؟ قالوا: يُقرأ على الموتى في المقابر، فتدخل المقبرة وتجلس وأنت طالب قرآن فتأتيك العجوز: هذا ولدي اقرأ عليه شيئاً من القرآن، وتضع في جيبك عشرة ريالات، وآخر يأتي ويقول: هذا قبر أبي فاقرأ عليه شيئاً من القرآن، ويعطيك مالاً مقابل ذلك، وهذا في المقابر، وإلا فالأصل في المنازل وفي البيوت، فإذا مات الميت فلا بد من عشاء يسمونه: عشاء الميت، فيجمعون عشرة أو خمسة عشر من أهل القرآن، حسب طاقتهم وقدرتهم غنىً وفقراً، ويقرءون القرآن وهم يضحكون والميت بين أيديهم! وأنا قد رأيت هذا بعيني، ويأكلون بعد ذلك الرز وغيره ثلاثة أيام إذا كانت حالته فقيرة، وإن كانت حالته واسعة فسبعة أيام أو واحداً وعشرين يوماً؛ وذلك ليدخلوه الجنة بقراءة القرآن!بل إذا ماتت البغية في دار البغاء، فيؤتى بطلبة القرآن وأهل القرآن فيقرءون القرآن على البغية الزانية في دار البغاء، فإن قلت: كيف هذا؟! جوابنا: هل حكمتنا بريطانيا وإيطاليا وأسبانيا وبلجيكا أو لا؟ هل استعمرونا أو لا؟ لقد أذلونا وأهانونا، ولو كنا أحياء فأنى لهم ذلك؟ بعدما متنا استُعمرت دياركم من إندونيسيا إلى بريطانيا، باستثناء هذه البقعة فقط؛ لأن الله أراد حمايتها كرامة لبلد رسوله وبلده.كما قد بلغنا في بلد كبير من بلاد المسلمين أن هناك نقابة عملها أنه إذا توفي لك شخص اتصلت بها، فقالوا لك: مرحباً فلان، هل توفي والدك أو توفي عمك؟ هل تريد من فئة مائة ليرة أو خمسين؟ فإن كان الميت غنياً يقول: من فئة المائة، فيبعث له عشرين طالباً يأخذون مائة ليرة في الليلة، وإن كان الميت فقيراً يقول: من فئة الخمسين فقط أو عشرين ليرة، فحوِّل القرآن إلى الموتى، وما بقي من يعي ويفهم ويتدبر ويتأمل، وماتت أمة القرآن. وأما السنة النبوية فمن أجل الحفاظ على المذاهب، يسأل أحدهم: أنت حنبلي؟ فيغضب، وأنت؟ أنا مالكي، وأنت؟ حنفي، وهذا شافعي، ونفخوا في هذه الفتنة فأصبح أهل السنة والجماعة -دعنا من الخوارج والروافض والهابطين-كأنهم أعداء إلى عهد قريب، وفي بداية وجودي هنا كان يأتيني الحاج فيقول لي: أنا شافعي، وقد غطيت رأسي أو فعلت كذا، فما يلزمني؟ فأقول له: لا تقل: أنا شافعي، بل قل: أنا مسلم، كذلك يأتيني أخ فيقول لي: أنا حنفي، فماذا أصنع وقد أحرمت من كذا وكذا؟ فأقول له: قل: أنا مسلم، وخص ذلك الأمر لأمور أرادها الله تعالى، وإلا أصبح المسلمون أعداء وخصوماً لبعضهم البعض، وتم هذا على يد الثالوث الأسود.كما أن السنة فيها الناسخ والمنسوخ، والضعيف والصحيح، وهؤلاء يقولون: دعنا من السنة، يكفينا كتب الفقه، هذه المصنفات قد مضى عليها أكثر من ثمانمائة سنة، فلو تقدم إليهم منهاج المسلم الذي تعرفونه والله ما يقرؤه أحد، وإنما يتصفحه أحدهم فيقول: أنا شافعي، وهذا ليس بمذهبي، ويتناوله المالكي فيقول: أنا مالكي، وهذا ليس بمذهبي، ويتناوله الحنبلي فيقول: هذا ليس بمذهبنا، وكذلك الحنفي فيحطه على الرف، ولا يستفيد منه شيئاً، لكن الحمد لله شاء الله أن تتقارب أمة الإسلام، وأصبحت القضية ليست قضية مذهب، وإنما قضية كيف يحبنا الله وينزلنا بجواره؟فنعبد الله بما شرع وبين في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا شافعية ولا حنبلية تمنعنا من أن نعبد الله عز وجل.وللأسف أن السنة في ديارنا الجزائرية يجتمعون لها في رمضان حول المحراب، ويحضر علماء يقرءون كتاب البخاري للبركة فقط، وقد مضت سنون عل ذلك، وهاجرنا ووجدنا هذا والله في المدينة في الروضة، إذ يجتمع جماعة من أعيان البلاد وأفاضلهم فيقرءون كتاب البخاري للبركة لا ليتعلموا حكماً بالحلال أو الحرام، وهذا كله من فعل الثالوث الأسود، إذ إنه يريد منا أن نبقى تحت أقدامهم، وأن نرضخ تحت أوامرهم، وكلما فررنا من جهة أصابونا بأخرى، فجاءوا لنا بالفيديو والتلفاز والدش والأغاني، فهبطوا ببيوت المسلمين وأظلموها، وطردوا الملائكة منها، وتركوا الشياطين تغني فيها، فقست القلوب وظهرت الفاحشة وما زالوا يوقدون نارها، فإذا تخلصنا منها يأتون بأخرى، فإما أن نكون يقظين ربانيين كلما كادوا كيداً دسناه بنعالنا حتى يفشلوا وينهزموا، وإما فسيظلون يطفئون نور الإيمان في قلوبنا ليسودوا ويحكموا ويقودوا، فاذكروا هذا ولا تنسوه معاشر المسلمين.وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #382  
قديم 16-12-2020, 05:01 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,926
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (63)
الحلقة (204)

تفسير سورة آل عمران (67)


ذكر الله عز وجل من حال الرماة يوم أحد أنهم لما رأوا غلبة المسلمين ورجحان كفتهم على أعدائهم من المشركين، أرادت طائفة منهم النزول إلى ميدان المعركة لجمع الغنائم مع إخوانهم، وهذه الطائفة التي ذكر الله عنها أنها تريد الدنيا وإدراك الغنيمة، أما الطائفة الأخرى فرأت أن من واجبها التزام أمر رسول الله بالمكث على الجبل حتى يأتيهم أمر من رسول الله بالنزول، وهذه الطائفة هي التي أخبر الله عنها أنها تريد الآخرة، فنزل من نزل وبقي من بقي حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً، من ابتلاء المسلمين وتسلط عدوهم عليهم.
حكم التدخين
إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والليلتين بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم حقق لنا رجاءنا، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.قبل أن نشرع في إكمال تفسير الآيتين اللتين أخذناهما يوم أمس، أقدم هذه المقدمة فأقول: معشر المستمعين! قد تكرر القول: بأن التدخين حرام ومن كبائر الذنوب والآثام، وأن التدخين عادة سيئة انتقلت إلينا من أوروبا الهابطة، وما كان المسلمون يعرفون التدخين بأي صورة من صوره، لكن لما حكمونا وسادونا ودخلوا ديارنا وقادونا تركوا فينا هذه الرذيلة الخبيثة؛ لجهلهم وعدم بصيرتهم، وقد ذكرنا والكل يذكر ولا ينسى: أن جميع الشرائع الإلهية السماوية جاءت بالمحافظة على خمس كليات: العقل والعرض والدين والمال والبدن، وبالتالي فكل ما يؤذي واحدة من هذه فهو حرام، ولا تبحث عن الدليل لا من الكتاب ولا من السنة، إذ كل ما يضر بعرض الآدمي أو ببدنه أو بماله أو بدينه أو بعقله فهو حرام، والتدخين بجميع صوره يضر بهذه الخمس كلها.فأولاً: ضرره بالبدن، فقد عقدت ندوات ومؤتمرات طبية في أوروبا بشأن التدخين، وتوصلوا إلى أن نسبة الذين يموتون متأثرين بالسرطان الرئوي نتيجة التدخين خمسة وسبعون بالمائة، فإذا كان خمسة وسبعون بالمائة يهلكون بسبب التدخين، فهل يبقى من يقول: يجوز التدخين؟! وقلنا: لو كانت هناك مائة رحلة بالطائرة من القاهرة إلى المدينة، وخمسة وسبعون رحلة تسقط، وخمسة عشرون تنجو، فهل ستجدون من يفتي بجواز ركوب الطائرة؟ والله لا يوجد أبداً، بينما خمسة وسبعون بالمائة يموتون بالسرطان الرئوي شيء عادي!.ثانياً: ضرره بالعقل، إذ هو الجوهرة التي يحافظ عليها الآدمي، فإذا فقدت أصبح حيواناً لا خير فيه، ولذلك يجب على الإنسان أن يحافظ عليه من كل ما يضر به، كالسحر والكذب والشعوذة والدجل والمسكرات والمخدرات؛ لأن العقل هو ميزة هذا الآدمي، فإذا مُسَّ بسوء هبط الإنسان، ومن الأمثلة على ذلك: أن الموظف المدمن على التدخين، تدخل عليه في نهار رمضان لحاجتك فتراه شبه نائم ويقول: دعني، انتظر قليلاً؛ لأنه صائم ولم يدخن.ثالثاً: ضرره بالدين، فالمسلم يرضى أن يقتل ويصلب ويحرق ولا يفسد دينه، إذ هو سُلم صعوده إلى السماء، وبالتالي فكل ما يمس بالدين ويضر به ليفسده فهو حرام. كما قد ذكرت لكم أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جاعوا في غزوة من الغزوات، فكبوا على بستان أو مزرعة فيها البصل والثوم، فأكلوا الثوم والبصل لسد الجوعة، فلما وصلوا إلى المدينة أعلن القائد صلى الله عليه وسلم فقال: ( من أكل ثوماً أو بصلاً فلا يقربن مسجدنا )، وعلل -وهو الحكيم- فقال: ( إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم )، والإنسان يتأذى من رائحة التدخين ويكرهها ولا يقبلها، وكذلك الملائكة وخاصة الكرام الكاتبين الذين وكلهم الله بتسجيل وكتابة حسناتك وسيئاتك، فهذا عن يمينك وهذا عن شمالك، والرسول يقول: ( من أراد أن يبصق فلا يبصق عن يمينه؛ فإن عن يمينه ملكاً، وليبصق بين يديه أو تحت قدمه )، لا عن شماله ولا عن يمينه، فانظر للذي يدخن يقول: أف في وجه ملك، فكيف تكون حال هذا الملك؟ لو يدعو الله عليه لاحترق.وكل هذا قد جهله المسلمون ولم يلتفتوا إليه، والحمد لله فقد أفاق المؤمنون والمؤمنات، ففي المدينة والله كان النساء يدخن والعياذ بالله، والآن هذه الإفاقة وهذه العودة نشاهدها، وقد كنا إذا جلسنا في مأدبة فإن صاحب المأدبة يضع علباً أو طفايات، فتنظر إلى الجالسين من إخوانك فتجد ثلاثة أرباع الحاضرين يدخنون، والذي لا يدخن ربعهم، والآن ما أصبحت توضع الطفايات، وما أصبح أحد يجرؤ أن يدخن، فإذا اضطر فإنه يدخل للمرحاض ويدخن.وهذه بشرى أزفها إليكم، وهي أن المسئولين -جزاهم الله خيراً- قد وضعوا في باب المجيدي أو باب السلام المصحات لعلاج التدخين، وذلك في خلال خمسة أيام فقط، فتنسى التدخين نهائياً، فمن استطاع أن يتخلى عن التدخين من الآن فليرمي بالسيجارة أو العلبة ويدوسها برجله، ومن عجز لما اعتاده فليأت هذه المصحات ليُعالج عندهم مجاناً، سواء كان مقيماً أو مهاجراً أو وطنياً، ويُشفى بإذن الله تعالى ويصبح يكره التدخين، وحتى في المستشفيات والمصحات توجد هذه العيادة.
تابع تفسير قوله تعالى: (ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه... )
والآن نعود إلى الآيتين الكريمتين لاستيفاء دراستهما؛ لأننا ما أكملنا دراستها يوم أمس، فهيا بنا نستمع إلى تلاوة الآيتين بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ * إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [آل عمران:152-153].قوله: مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ [آل عمران:152]، والمقصود بهم الرماة الذين كانوا على الجبل، أي: عبد الله بن جبير ومن معه، إذ لما شاهدوا هزيمة المشركين وفرارهم، وشاهدوا نساء المشركين مشمرات عن سوقهن هاربات قالوا: الآن ما بقي لنا حاجة أن نبقى على الجبل، فهبطوا من أجل أن يجمعوا الغنيمة، فأرادوا الدنيا ومتاعها، بينما الذين قالوا: لا نهبط من الجبل، فقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نلزم أماكننا، سواء كان النصر أو كانت الهزيمة، فهؤلاء أرادوا الدار الآخرة.قوله تعالى: وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ [آل عمران:152]، ولو آخذهم لسلط عليهم المشركين فأنهوهم ولم يبقوا منهم أحداً، ولكن الله ما آخذهم بذلك.قوله: غَمًّا بِغَمٍّ [آل عمران:153]، أي: أصابهم غم الحزن والهزيمة، وأعظم من ذلك لما سمعوا أن محمداً قد قتل، فكان أعظم الغم.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #383  
قديم 16-12-2020, 05:02 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,926
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

قراءة في تفسير قوله تعالى: (ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه ...) من كتاب أيسر التفاسير

معنى الآيات
قال المؤلف غفر الله له ولكم، ورحمه وإياكم وسائر المؤمنين أجمعين: [ ما زال السياق في أحداث أحد ] أي: معركة أحد[ فقد تقدم في السياق قريباً نهي الله تعالى المؤمنين عن طاعة الكافرين في كل ما يقترحون ويشيرون به عليهم ]، وهذا باق إلى اليوم وإلى يوم القيامة، إذ لا يحل أبداً أن نأخذ التوجيهات والنصائح من الكافرين، فإنهم يمكرون بنا ويخدعوننا، فهذا عمر لما قُدِّم له نصراني يجيد الحساب رده، وقال: كيف نأمنهم وقد خونهم الله عز وجل؟! نعم قد نضطر في بعض الظروف، لكن لا نعول على الكافرين والمشركين.قال: [ نهى الله تعالى المؤمنين عن طاعة الكافرين في كل ما يقترحون ويشيرون به عليهم، ووعدهم بأنه سيلقي الرعب في قلوب الكافرين، وقد فعل فله الحمد، حيث عزم أبو سفيان على أن يرجع إلى المدينة ليقتل من بها ويستأصل شأفتهم ] وذلك لما رحل أبو سفيان بجيشه وتجاوزوا الروحاء، فكروا وقالوا: ما حققنا شيئاً، ما زال محمد وأصحابه عمر وأبو بكر وفلان وفلان أحياء، فهيا نعود نستأصلهم نهائياً، فألقى الله الرعب في قلوبهم فرجعوا إلى مكة، وجاء بـمعبد وقال له الرسول: قل كذا وكذا، فعاد إلى أبي سفيان فهزمهم، ولكنه فعل الله عز وجل.قال: [ فأنزل الله تعالى في قلبه وقلوب أتباعه الرعب، فعدلوا عن غزو المدينة مرة ثانية وذهبوا إلى مكة، ورجع الرسول والمؤمنون من حمراء الأسد ولم يلقوا أبا سفيان وجيشه ] وتذكرون كيف خرجوا إلى حمراء الأسد، فقد كان الرجل الجريح يحمل رجلاً جريحاً، وذلك لأنه أخوه، وقبل ذلك ما إن وصل الرسول إلى المدينة مساء حتى أعلن الخروج غداً لمتابعة وملاحقة أبي سفيان، ونزل قول الله تعالى: يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ * الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا [آل عمران:171-174]، أي: من حمراء الأسد بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ [آل عمران:174]، إنها صور للكمال البشري، فلو هناك من يقتدي ويتأسى.قال: [ وفي هاتين الآيتين يخبرهم تعالى بمنته عليهم حيث أنجزهم ما وعدهم من النصر، فقال تعالى: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ [آل عمران:152] ]، والحس: قطع الحس بالقتل والتدمير.قال: [ وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما بوأ الرماة مقاعدهم وكانوا ثلاثين رامياً، وجعل عليهم عبد الله بن جبير، أمرهم بألا يبرحوا أماكنهم كيفما كانت الحال، وقال لهم: إنا لا نزال غالبين ما بقيتم في أماكنكم ترمون العدو، فتحمون ظهورنا بذلك، وفعلاً دارت المعركة وأنجز الله تعالى لهم وعده، ففر المشركون أمامهم تاركين كل شيء، هاربين بأنفسهم والمؤمنون يحسونهم حساً، أي: يقتلونهم قتلاً بإذن الله وتأييده لهم، ولما رأى الرماة هزيمة المشركين، والمؤمنون يجمعون الغنائم، قالوا: ما قيمة بقائنا هنا والناس يغنمون، فهيا بنا ننزل إلى ساحة المعركة لنغنم ] فتأولوا أمر الرسول فقالوا: أمرنا الرسول بالثبات من أجل الانتصار وقد انتصرنا، فلم يبق معنىً للبقاء في الجبل، وهذا هو التأويل الذي يتخبط فيه المسلمون دائماً وأبداً، فيصابون بالنكسات والانتكاسات، وهو والله باطل، إذ المفروض أن يبقوا على الجبل على أي حال، حتى يأذن لهم بالنزول، فليذكر طلبة العلم هذا، إذ ليس كل تأويل ينفع.قال: [ فذكرهم عبد الله بن جبير قائدهم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأولوه ونزلوا ] أي: أنهم قالوا: إنما حثنا الرسول على ألا ننزل من الجبل لأجل أن نحفظ سير المعركة، لكن لما انتصرنا وانهزم المشركون وهربوا فما هناك حاجة إلى البقاء على الجبل، وبالتالي تأولوا ما وصاهم به رسول الله.قال: [فذكرهم عبد الله بن جبير قائدهم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتأولوه ونزلوا إلى ساحة المعركة يطلبون الغنائم، وكان على خيل المشركين خالد بن الوليد ] رضي الله عنه، ويومها كان مشركاً كافراً. قال: [ فلما رأى الرماة أخلوا مراكزهم إلا قليلاً منهم كر بخيله عليهم فاحتل أماكنهم وقتل من بقي فيها، ورمى المسلمين من ظهورهم فتضعضعوا لذلك، فعاد المشركون إليهم، ووقعوا بين الرماة الناقمين والمقاتلين الهائجين، فوقعت الكارثة، فقتل سبعون من المؤمنين ومن بينهم حمزة عم الرسول صلى الله عليه وسلم، وجرح رسول الله في وجهه، وكسرت رباعيته، وصاح الشيطان قائلاً: إن محمداً قد مات، وفر المؤمنون من ميدان المعركة إلا قليلاً منهم، وفي هذا يقول تعالى: حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ [آل عمران:152]، يريد تنازع الرماة مع قائدهم عبد الله بن جبير، حيث نهاهم عن ترك مقاعدهم، وذكرهم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتنازعوا في فهمه وخالفوا الأمر ونزلوا، وكان ذلك بعد أن رأوا إخوانهم قد انتصروا وأعدائهم قد انهزموا، وهو معنى قوله تعالى: وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ [آل عمران:152]، أي: من النصر، مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا [آل عمران:152]، وهم الذين نزلوا إلى الميدان يجمعون الغنائم، وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ [آل عمران:152]، وهم عبد الله بن جبير والذين صبروا معه في مراكزهم حتى استشهدوا فيها.وقوله تعالى: ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ [آل عمران:152]، وذلك إخبار عن ترك القتال لما أصابهم من الضعف حينما رأوا أنفسهم محصورين بين رماة المشركين ومقاتليهم، فأصعدوا في الوادي هاربين بأنفسهم، وحصل هذا بعلم الله تعالى وتدبيره، والحكمة فيه أشار إليها تعالى بقوله: لِيَبْتَلِيَكُمْ [آل عمران:152]، أي: يختبركم فيرى المؤمن الصادق من المنافق الكاذب، والصابر من الجزع.وقوله تعالى: وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ [آل عمران:152]، يريد أنه لو شاء يؤاخذهم بمعصيتهم أمر رسولهم فسلط عليهم المشركين فقتلوهم أجمعين ولم يبقوا منهم أحداً، إذ تمكنوا منهم تماماً، ولكن الله سلم. هذا معنى قوله تعالى: وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:152] ] ونحن أيضاً معهم، وذاك الذي حققه الله لهم والله نلناه، إذ لولا انهزموا وماتوا فلن تقم للإسلام قائمة، بل مصيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم تعتبر مصيبة لكل المؤمنين إلى يوم القيامة، وما دفع الله عن رسوله يعتبر أيضاً نعمة لكل المؤمنين والمؤمنات.قال: [ هذا ما تضمنته الآية الأولى، أما الآية الثانية فهي تصور الحال التي كان عليها المؤمنون بعد حصول الانكسار والهزيمة، فيقول تعالى: إِذْ تُصْعِدُونَ [آل عمران:153]، أي: عفا عنكم في الوقت الذي فررتم مصعدين في الأودية هاربين من المعركة، والرسول يدعوكم من ورائكم: إليَّ عباد الله، ارجعوا، وأنتم فارون لا تلوون على أحد، أي: لا تلتفتوا إليه.وقوله تعالى: فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ [آل عمران:153]، يريد جزاكم على معصيتكم غماً، والغم: ألم النفس لضيق الصدر وصعوبة الحال.وقوله: بِغَمٍّ [آل عمران:153]، أي: على غم، وسبب الغم الأول: فوات النصر والغنيمة، والثاني: القتل والجراحات، وخاصة جراحات نبيهم ] صلى الله عليه وسلم.قال: [ وإذاعة قتله ] بينهم عليه الصلاة والسلام.قال: [ وقوله تعالى: لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا مَا أَصَابَكُمْ [آل عمران:153]، أي: ما أصابكم بالغم الثاني الذي هو خبر قتل الرسول صلى الله عليه وسلم، لكي لا تحزنوا على ما فاتكم من النصر والغنيمة، ولا على ما أصابكم من القتل والجراحات، فأنساكم الغم الثاني ما غمكم به الغم الأول الذي هو فوات النصر والغنيمة ] فقط؛ لأن غم المؤمن بقتل النبي وجراحاته أعظم من أن يفوته نصر أو غنيمة.قال: [ وقوله: وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [آل عمران:153]، يخبرهم تعالى أنه بكل ما حصل منهم من معصية وتنازع وفرار، وترك النبي صلى الله عليه وسلم في المعركة وحده، وانهزامهم وحزنهم، خبير مطلع عليه، عليم به، وسيجزي به المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته، أو يعفو عنه والله عفو كريم ].ومرة أخرى اسمعوا إلى هاتين الآيتين، يقول الله تعالى: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ * إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [آل عمران:152-153]، فإن شاء الله نكون قد فهمنا هاتين الآيتين فهماً صحيحاً سليماً، والحمد لله.
هداية الآيات
قال المؤلف: [ من هداية الآيتين:أولاً: مخالفة القيادة الرشيدة والتنازع في حال الحرب يسبب الهزيمة المنكرة ] وإلى يوم القيامة، ومعنى هذا أيها المؤمنون! أنكم إذا كنتم في الجهاد والقائد رشيد فإياكم أن تتنازعوا، بل ردوا الأمر إلى القائد الرشيد، فإن تنازعكم في حال الحرب والله سبب في حصول الهزيمة، وليس المقصود بالقيادة: الرئيس فقط ولجنته المكونة من المستشارين، بل أي مخالفة لأي قيادة تسبب الهزيمة دائماً وأبداً. [ ثانياً: معصية الله ورسوله والاختلافات بين أفراد الأمة تعقب آثاراً سيئة أخفها عقوبة الدنيا بالهزائم وذهاب الدولة والسلطان ] وهذا هو الذي حصل للعالم الإسلامي، إذ أمرنا الله فما فعلنا، ونهانا فلم ننته، وحصلت الاختلافات بين أفراد الأمة من مذهبية وطائفية وحزبية، وآثاراً سيئة أخفها عقوبة الدنيا بالهزائم وذهاب دولة المسلمين وسلطانهم، فاستعمرتهم بريطانيا وإيطاليا وفرنسا وهولندا، وكل ذلك بسبب معصية الله ورسوله والاختلافات، فكيف أمة تقاتل عدواً وهي مختلفة فيما بينها، هذا مذهبه كذا، وهذا طريقه كذا؟! أما عقوبة الآخرة فلا تسأل.[ ثالثاً: ما من مصيبة تصيب العبد ] أو الأمة، قال: [ إلا وعند الله ما هو أعظم منها؛ فلذا يجب حمد الله تعالى على أنها لم تكن أعظم ] أي: ما من مؤمن ولا مؤمنة يصاب بمصيبة بسبب ذنبه، ولا تفهم أن الله يصيبك بدون سبب؛ فليحمد الله ولا يحزن ولا يجزع ولا يتسخط، ولا يشكو الله إلى الناس، بل ليصبر وليعلم أن هناك مصيبة أعظم من هذه، إذ لو شاء الله لأصابك بمصيبة أعظم، فلو سمعت أن فلاناً قد احترقت سيارته، وبدأ يسخط ويضجر ويسب الله والعياذ بالله، فأنت تحمد الله، إذ لو شاء الله لاحترقت أنت وسيارتك، وهذا مثال فقط. إذاً: ما من مصيبة تصيب المؤمن أو المؤمنة بسبب بذنبه إلا وهناك ما هو أعظم من هذه المصيبة، فليحمد لله وليشكره وليستغفره، وليسأل الله العفو والعافية، ويحمده على أنه ما أصابه بأعظم من هذا، بينما الحمقى -كما تعرفون- بمجرد ما يصاب بمصيبة أو بلية فإنه يسب الله والعياذ بالله؛ لأنهم ما ربوا في حجور الصالحين،، ما جلسوا في مثل هذا المجلس قط، ولا سمعوا عن الله ورسوله، وبالتالي فلا يلاموا على ذلك، وهذا عامة العالم الإسلامي، واجلسوا في المقاهي واسمعوا ماذا يقولون؟. [ ما من مصيبة تصيب العبد إلا وعند الله ما هو أعظم منها؛ فلذا يجب حمد الله تعالى على أنها لم تكن أعظم ]، وأخذنا هذه الفائدة من قوله تعالى: ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ [آل عمران:152]، وقلنا: لو ما عفا عنهم المعصية لسلط عليهم المشركين فاكتسحوهم ولم يبقوا منهم أحداً.[ رابعاً: ظاهر هزيمة أحد النقمة، وباطنها النعمة ]، أي: أن هزيمة أصحاب رسول الله في أحد ظاهرها النقمة؛ لأنهم مالوا إلى الدنيا وتركوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن في باطن الهزيمة النعمة، فكيف ذلك؟ لعلكم تذكرون رؤيا الشيخ محمد عبده في تفسير المنار، إذ قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم عائداً من غزوة أحد على بغلته والأمة وراءه وهو يقول: لو خيرت بين النصر والهزيمة لاخترت الهزيمة؛ لأنهم لو انتصروا مع المعصية فإنهم سيصبحون لا يبالون بها، وهم مقبلون على قتال الأبيض والأسود، وسيقولون: عصينا وما أصابنا شيء، فيعصون الله لأنهم مسلمون، ولأنهم يقاتلون لأجل إعلاء كلمة الله، وبالتالي فكيف يهزمهم الله أو يسلط عليهم الكافرين؟! ومن ثم يصبحون مهزومين إلى يوم القيامة، فمن أجل هذا أصابهم الله ليكون هذا درساً لهم في المستقبل وإلى اليوم، فعلمهم أنهم يقاتلون في سبيل الله ومع رسول الله، ولما عصوا مضت فيهم سنة الله فانهزموا.وللأسف فقد انهزمت جيوشنا في كل مكان، وذلك لأنهم يعيشون على معصية الله والرسول، وبالتالي كيف ينصرهم الله؟! وقد بينت لكم فقلت: والله لو انتصرت الاشتراكية التي عمت العالم العربي والإسلامي إلا قليلاً، بأن عاش الاشتراكيون في نعيم ورخاء وكثرة أموال، لكفر المسلمون، ولأصبحوا كلهم اشتراكيين، لكن من حماية الله بالإسلام وأهله ما استفادوا منها إلا الذل والعار والفقر، وذلك لما كانوا يتبجحون ويقولون: اشتراكيتنا نوالي من يواليها ونعادي من يعاديها.إذاً: لو انتصر الاشتراكيون واستغنى مواطنيهم وترفهوا وكثرت أموالهم، لمال الناس كلهم عن الإسلام وتركوه، لكن لطف الله عز وجل ورحمته ما نالهم إلا الخزي والفقر.وأخرى: لو انتصر العرب -لا المسلمون- في قتالهم مع اليهود، لم يبق الإسلام فينا أبداً إلا عند بعض العجائز أو الضعفاء، لكن الله أبى ذلك حتى يبقى هذا النور، وتبقى هذه العقيدة وهذا الإسلام، وذلك ليوم ما ينتفعون به، فسلط عليهم حفنة من اليهود كلما قاتلوهم أذلوهم وهزموهم، مع أنهم كانوا يقولون: قوتنا الضاربة، ولا يذكرون الله أبداً، وبالتالي انهزم العرب في فلسطين، وكان هذا في الظاهر نقمة، وهو في الباطن نعمة.وليس معنى هذا أن الشيخ فرحان بهزيمة العرب، فأنا أقول: لو انتصر العرب الذين كانوا يتبجحون ولا يذكرون اسم الله، لم يبق مجال للإسلام بينهم، ولقالوا: اسكت يا رجعي، يا منتن، لكن أبى الله إلا الهزيمة، وكانت في الظاهر نقمة، وفي الباطن نعمة؛ ليبقى الإسلام ويبقى نوره.قال: [ رابعاً: ظاهر هزيمة أحد النقمة وباطنها النعمة، وبيان ذلك: أن عَلِمَ المؤمنون أن النصر والهزيمة يتمان حسب سنن إلهية، فما أصبحوا بعد هذه الحادثة المؤلمة يغفلون تلك السنن أو يهملونها ] أبداً، إذ قد عرفوا أن النصر والهزيمة يتمان حسب سنن إلهية، فما أصبحوا بعد هذه الحادثة المؤلمة يغفلون تلك السنن أو يهملونها، وهذه السنن هي الوحدة، وطاعة القيادة، والمشي في طاعة الله ورسوله، وكل ذلك يجلب النصر، والخروج عن هذا يسبب الهزيمة إلى يوم القيامة.قال: [ خامساً: بيان حقيقة كبرى -وعظمى- وهي: أن معصية الرسول صلى الله عليه وسلم مرة واحدة، وفي شيء واحد ترتب عليها آلام وجراحات وقتل وهزائم وفوات خير كبير وكثير، فكيف إذاً بالذين يعصون رسول الله طوال حياتهم وفي كل أوامره ونواهيه، وهم يضحكون ولا يبكون، وآمنون غير خائفين؟! ]، وهؤلاء هم العالم الإسلامي إلا من رحم الله.وصلى الله على نبينا محمد وآله.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #384  
قديم 16-12-2020, 05:03 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,926
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (64)
الحلقة (205)

تفسير سورة آل عمران (68)


امتن الله على عباده المؤمنين أنه بعد الغم الذي أصابهم يوم أحد أنزل عليهم النعاس مما في قلوبهم من اليقين، حتى إن أحدهم لينام فيسقط السيف من يده ثم يتناوله، أما أهل النفاق والشك فقد حرمهم الله هذه الأمنة، فما زال الخوف يقطع قلوبهم، والغم يسيطر على قلوبهم، وهم يظنون بالله غير الحق، وأن الإسلام سينهزم، وأن أهل الإسلام سينتهون، ولكن الله عز وجل يكبتهم وينصر عباده المؤمنين الصادقين.
تفسير قوله تعالى: (ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاساً يغشى طائفة منكم...)
إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذالكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، وقوله صلى الله عليه وسلم: ( من أتى هذا المسجد لا يأتيه إلا لخير يعلمه أو يتعلمه، كان كالمجاهد في سبيل الله )، وثالثة من إفضالات الله علينا وإنعامه: ( أن المؤمن إذا صلى المغرب وجلس ينتظر صلاة العشاء، فإن الملائكة تصلي عليه ما لم يحدث -أي: ينتقض وضوئه- تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، حتى ينصرف من المسجد )، وهذا الإنعام والإفضال قد رُزِقناه وحرمه الملايين، و ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الحديد:21].وها نحن ما زلنا مع سورة آل عمران عليهم السلام وخاصة مع أحداث أحد، وها نحن مع هاتين الآتين الكريمتين، فهيا نتلوا هاتين الآيتين ونتدبرهما ونتأملهما، ثم نأخذ في الشرح لزيادة البيان واليقين، وتلاوة الآيتين بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ [آل عمران:154-155].إنهما آيتان عظيمتان، فهيا نعد تلاوتهما، والأجر للجميع، والمستمع كالتالي، والحرف بعشر حسنات، يقول تعالى: ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ [آل عمران:154-155].إنه بيان إجمالي من الله عز وجل، فلنشارك سوياً في فهم هاتين الآيتين، يقول تعالى: ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا [آل عمران:154]، فالقائل هو الله، والمخاطبون هم أصحاب رسول الله من أهل وقعة أحد. ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ [آل عمران:154]، وقد تقدم أنه أصابهم غماً بغم، وعرفنا أن الغم كرب عظيم يصيب النفس.
معنى قوله تعالى: (من بعد الغم أمنة نعاساً..)
يقول تعالى: ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا [آل عمران:154]، والأمنة كالأمن، إلا أن الأمنة تكون حال الخوف، والأمن مطلق، أي: في حال الخوف وغيره، وقد فسر الأمنة بالنعاس، يقول طلحة والزبير رضي الله تعالى عنهما: لما أنزل الله علينا النعاس في المعركة كان السيف يسقط من يدي ثم أتناوله، ثم يأخذني النعاس فيسقط السيف من يدي مرة أخرى، والنعاس: مقدمة النوم، لكن يصاب الجسم بالفتور فيذهل العقل.قال: يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ [آل عمران:154]، وهم الصلحاء الصادقون الموحدون، لا المرتابون الشاكون والمنافقون.
معنى قوله تعالى: (وطائفة قد أهمتهم أنفسهم...)
قال تعالى: وَطَائِفَةٌ [آل عمران:154] أخرى، قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ [آل عمران:154]، أي: لا هم لهم إلا النجاة.قال: يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ [آل عمران:154]، وهؤلاء منهم ضعاف الإيمان، وأكثرهم منافقون.قال: يَقُولُونَ هَلْ لَنَا [آل عمران:154]، أي: ما لنا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ [آل عمران:154]، أي: قل لهم يا رسولنا: إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ [آل عمران:154]، ليس لغيره، إذ إنهم كانوا يقولون: لو كان الأمر لنا ما نأتي لنقاتل المشركين في هذا الوادي، بل سنبقى في المدينة ونقاتلهم فيها، وكان هذا رأي ابن أبي، وقد سبقه إليه الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن ابن أبي صرح به، ونفث هذه الروح في المنافقين، فالذين رجعوا معه رجعوا، والذي ما رجعوا فهذا النوع منهم.
معنى قوله تعالى: (قل إن الأمر كله لله ...)
قال تعالى: قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لا يُبْدُونَ لَكَ [آل عمران:154]، أي: ما لا يظهرون يا رسول الله، يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا [آل عمران:154]، فقال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: قل لهم: قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ [آل عمران:154]، أي: في داخل المدينة، لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ [آل عمران:154]، أي: ليصرعوا هناك؛ لأن هذا قد كتبه الله في كتاب المقادير أزلاً، فمن كُتب أنه سيموت في هذا اليوم فإنه سيموت في هذا اليوم، ومن كتب أنه سيصرع في هذا المكان فإنه سيصرع فيه، فالخروج وعدمه ليس بشيء أبداً، فالذين كتب الله مصارعهم في أحد سوف يخرجون، بل لو بقوا في منازلهم وما خرجوا للجهاد فإنهم سيصرعون، قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ [آل عمران:154]، ليلقوا مصيرهم هناك.قال: وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ [آل عمران:154]، أي: لو شاء الله لأخذ الأصحاب برأي رسول الله وما خرجوا لقتال المشركين، وتركهم يدخلون المدينة ويقاتلونهم بالنساء والأطفال والرجال، ولكن كيف يمحص ويبتلي؟قال: وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ [آل عمران:154]، وحسبنا أن ابن أبي عليه لعائن الله رجع بثلاثمائة من الطريق، إذ إن الرسول صلى الله عليه وسلم خرج بتسعمائة ألف إلا مائة، فلو ما أمر الله بالخروج وكتبه فكيف سيظهر هذا النفاق؟
تفسير قوله تعالى: (إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان...)
قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ [آل عمران:155]، وهذا يشمل طائفتين، وهما بنو حارثة وبنو سلمة، إذ هموا بالرجوع ولكن الله سلم.قال: اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ [آل عمران:155]، أي: أراد أن يوقعهم في هذه الزلة.قال: بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا [آل عمران:155]، ولنسكت عن هذا الذنب الخفي إن قلنا: إن المراد منه جماعة بنو حارثة وبنو سلمة، وإن قلنا: هم الرماة الذين نزلوا من فوق الجبل، فالذي كسبوا هو معصيتهم لرسول صلى الله عليه وسلم، ونزولهم لأخذ الغنيمة والمال.قال: إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ [آل عمران:155]، أي: جمع المؤمنين وجمع المشركين، والظاهر أنهم الرماة أصحاب الجبل.قال: إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ [آل عمران:155]، والحمد لله، إِنَّ اللَّهَ غَفُ ورٌ حَلِيمٌ [آل عمران:155]، وهذه بشرى لهم.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #385  
قديم 16-12-2020, 05:03 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,926
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

قراءة في كتاب أيسر التفاسير

معنى الآيات
قال المؤلف غفر الله له ولكم، ورحمه وإياكم وسائر المؤمنين: [ معنى الآيتين:ما زال السياق في الحديث عن أحداث غزوة أحد، فأخبر تعالى في الآية الأولى عن أمور عظام ] وهي خمسة [ الأول: أنه تعالى بعد الغم الذي أصاب به المؤمنين ]، وهو الهزيمة وفقد الغنيمة، ثم الجراحات التي أصابت رسول الله صلى الله عليه وسلم، والإعلان عن وفاته وموته عليه الصلاة والسلام، وهذا الغم أعظم من الأول.قال: [ الأول: أنه تعالى بعد الغم الذي أصاب به المؤمنين، أنزل على أهل اليقين ] لا أهل الشك والشرك [ أنزل على أهل اليقين خاصة أمناً كاملاً، فذهب الخوف عنهم، حتى أن أحدهم لينام والسيف في يده فيسقط من يده ]. فمن يقوى على أن ينزل هذا الأمن وهذا النعاس في المعركة والدماء تسيل، ومع هذا ينام أحدهم حتى يستريح؟! إنه الله تعالى. قال: [ حتى أن أحدهم لينام والسيف في يده فيسقط من يده ثم يتناوله ]، قال طلحة والزبير وأنس: غشينا النعاس حتى أن السيف ليسقط من يد أحدنا فيتناوله من الأرض.قال: [ قال تعالى -في بيان هذا-: ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ [آل عمران:154] ]، أي: ينزل عليهم ويغطيهم، كالملائكة التي تغشى حلقتنا هذه وتغطيها.قال: [ والثاني: أن أهل الشك والنفاق حرمهم الله تعالى من تلك الأمنة، فما زال الخوف يقطع قلوبهم، والغم يسيطر على نفوسهم، وهم لا يفكرون إلا في أنفسهم، كيف ينجون من الموت؟ وهم المعنيون بقوله تعالى: وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ [آل عمران:154].والثالث -من الأمور العظام-: أن الله تعالى قد كشف الغطاء عن سرائرهم، فقال: يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ [آل عمران:154] ]، فيجب أن يظن بالله ظن الحق كأهل اليقين، لا أن يظن به الباطل والسوء كأهل الجهل والشرك. قال: [ والمراد من ظنهم بالله غير الحق: ظن المشركين أنهم يعتقدون أن الإسلام باطل، وأن محمداً ليس رسولاً، وأن المؤمنين سيهزمون ويموتون، وينتهي الإسلام ومن يدعو إليه ]، فهذه هي الظنون الباطلة، وهذا هو ظن أبي سفيان والمشركين، بل هو ظن ابن أبي والمنافقين. [ والرابع: أن الله تعالى قد كشف سرهم فقال عنهم: يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ [آل عمران:154]، هذا القول قالوه سراً فيما بينهم، ومعناه: ليس لنا من الأمر من شيء، ولو كان لنا ما خرجنا ولا قاتلنا ولا أصابنا الذي أصابنا، فأطلعه الله تعالى على سرهم، وقال له: رد عليهم يا رسولنا بقولك: إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ [آل عمران:154]، ثم هتك تعالى مرة أخرى سترهم وكشف سرهم فقال: يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لا يُبْدُونَ لَكَ [آل عمران:154]، أي: يخفون في أنفسهم من الكفر والبغض والعداء لك ولأصحابك ما لا يظهرونه لك ]، وهذا شأن المنافقين وضعاف الإيمان في كل زمان ومكان. [ والخامس: لما تحدث المنافقون في سرهم وقالوا: لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا [آل عمران:154]، يريدون لو كان الأمر بأيديهم ما خرجوا لقتال المشركين؛ لأنهم إخوانهم في الشرك والكفر، ولقتلوا مع من قتل في أحد، فأمر الله تعالى رسوله أن يرد عليهم بقوله: قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ [آل عمران:154]، بالمدينة، لَبَرَزَ [آل عمران:154]، أي: ظهر، الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ [آل عمران:154]، وصرعوا فيها وماتوا؛ لأن ما قدره الله نافذ على كل حال، ولا حذر مع القدر ]، وليس معناه أننا نترك الحذر ونقول: القدر ماضٍ، إذ إن الله تعالى يقول: خُذُوا حِذْرَكُمْ [النساء:71]، لكن لنعلم أن الله إذا قدر شيئاً فلا ينفع الحذر، وبالتالي لا نفهم من قوله: لا حذر مع القدر، أنه لا حاجة لنا الآن إلى طلب الحذر، إذ القدر نافذ، لا، بل اطلب الحذر واحذر، والله قد أمرك بذلك، فاحذر من عدوك، لكن ما قدره الله لا ينفع فيه الحذر، بل لابد وأن يقع، ومن فوائد الحذر:أولاً: أن تكون نفسك مطمئنة، فلا تكن مرتاباً ولا خائفاً؛ لأنك قد قمت بالسبب.ثانياً: إذا أصابك شيء بعد أن حذرت وأطعت الله، فإنه سينشرح صدرك، وتطيب نفسك، وترضى بقضاء الله وقدره عليك، بخلاف إهمال الحذر أو الاستعداد أو الأخذ بالأسباب، ولهذا قررنا مرات أن ترك الأسباب التي وضعها الله للوصول إلى غاية من الغايات فسق وفجور، وردٌ لأمر الله ورسوله، والاعتماد على الأسباب وأنها هي الفاعلة، شرك وكفر بالله، فاعرف هذا يا عبد الله، ومعنى هذا: خذ بالأسباب التي أمر الله بها ورسوله، وهي طاعة تثاب عليها وتؤجر، أما أن تعتمد على الأسباب وتقول: قواتنا، إرادتنا، سنفعل كذا، بدون الاعتماد على الله، فهذا شرك وكفر بالله، فقول أهل العلم: لا حذر مع القدر، يعني: إذا حذرت وما نفع الحذر؛ لأن الله كاتب هذه البلية أو هذه المصيبة، فليس معناه: أن نترك الحذر.قال: [ ولا بد أن يتم خروجكم إلى أحد بتدبير الله تعالى ليبتلي الله، أي: يمتحن، ما في صدوركم ويميز ما في قلوبكم، فيظهر ما كان غيباً لا يعلمه إلا هو إلى عالم المشاهدة؛ ليعلمه ويراه على حقيقته رسوله والمؤمنون ]، أي: ما كان مكتوماً في المدينة فقد أظهره الله في أحد، فعلمه الرسول والمؤمنون.قال: [ وهذا لعلم الله تعالى بذات الصدور، هذا معنى قوله تعالى: قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ [آل عمران:154] -في أحد- وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [آل عمران:154] ]، فالعلم الذي كان غيباً قد أظهره الله لنا، فعرفنا المنافق من المؤمن الموقن.قال: [ هذا ما تضمنته الآية الأولى. أما الآية الثانية فقد تضمنت إخبار الله تعالى عن حقيقة واحدة ينبغي أن تعلم -حقيقة واحدة ينبغي أن يعلمها المؤمنون والمؤمنات- وهي أن الذين فروا -هربوا- من المعركة لما اشتد القتال وعظم الكرب، الشيطان هو الذي أوقعهم في هذه الزلة، وهي توليهم عن القتال -تقدم: إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ [آل عمران:153]-بسبب بعض الذنوب كانت لهم، ولذا عفا الله عنهم ولم يؤاخذهم بهذه الزلة، وذلك لأن الله غفور حليم، فلذا يمهل عبده حتى يتوب فيتوب عليه ويغفر له، ولو لم يكن حليماً لكان يؤاخذ لأول الذنب وأول الزلة، فلا يمكن أحداً من التوبة والنجاة ]، لكن لحلمه ورحمته يمكن عباده، فيمهلهم حتى يتوبوا ليتوب عليهم ويغفر لهم.قال: [ هذا معنى قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ [آل عمران:155]، أي: عن القتال، يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ [آل عمران:155]، أي: جمع المؤمنين وجمع الكافرين بأحد، إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ [آل عمران:155]، فلم يؤاخذهم، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ [آل عمران:155] ].هذا هو معنى هاتين الآيتين الكريمتين، وقد نقلنا لكم أحداث أحد مع رسول الله وأصحابه والمنافقين، وشهدنا هذه الأحداث وكأننا ننظر إليها رأي العين، وتم هذا بفضل الله في كتابه العزيز القرآن الكريم.وهناك سؤال يقول: ما الفرق بين الصدور والقلوب؟ والجواب: أن الصدر هو الجوف الذي فيه القلب، وفيه أشياء تكون في الصدر، كوسواس وهواجس، وأخرى تتركز في القلب، وما في القلب أصعب، وكتمانه سهل، أما في الصدر فيخرج على اللسان، إذ ليس مضبوطاً.
هداية الآيات
والآن مع هداية الآيتين، إذ لا توجد آية لا تحمل الهداية إلى الإسعاد والكمال، وإلى معرفة الطريق، فإذا سلك العارف الطريق نجا وكمل وسعد، فهذا هو معنى الهداية، وكل آية في كتاب الله لها هدايتها الخاصة، فهيا نتأمل في هدايات هاتين الآيتين. قال المؤلف: [ من هداية الآيتين:أولاً: إكرام الله تعالى لأوليائه بالأمان الذي أنزله في قلوبهم ]، وهذه كرامة من الله تعالى لأوليائه، وأنا قد قلت لكم: إنه في أثناء الحرب والمعركة دائرة، أنزل الله عليهم النعاس فهدأت نفوسهم وارتاحت أجسامهم، وكأنهم في المستشفى، بل أفضل من ذلك، فمن يقوى على هذا غير الله؟ والله ما يقدر عليها أحد إلا الله، وهذه طائفة أهل اليقين لا أهل الشك.فيا عباد الله! قد تبتلى في يوم من الأيام بما يزلزل أقدامك ويفزعك، فينزل الله تعالى عليك أمنة كهذه، فلا تبالي عند ذلك، وهذه الهداية مأخوذة من الآية الأولى: ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا [آل عمران:154]، وقرئ: (أمْنَة) بالسكون أيضاً، والنعاس: مقدمات النوم، وهذه الأمنة التي حصل لكم بها الأمن سببها النعاس.قال: [ ثانياً: إهانة الله تعالى لأعدائه بحرمانهم مما أكرم به أولياءه وهم في مكان واحد ]، وقد ظهر هذا واضحاً جلياً، إذ إنهم كانوا كلهم في أحد في ذلك الوادي والمعركة دائرة، فأولياء الله أكرمهم بإنزال النعاس والأمنة، بينما الآخرون حرموا من ذلك، فقلوب تتمزق من الخوف والكرب والهم، وأهل اليقين نائمون لا يزعجهم شيء. وبالتالي لابد وأن تحصل هذا الكرامات لأولياء الله، وثقوا في هذا، فلا يمضي عليك زمان إلا وتحصل لك، إذ إن الله عز وجل يحب أولياءه ويكرمهم.وهنا سؤال يقول: من هم أولياء الله؟ والجواب: يقول الله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا [يونس:63]، الإيمان الصحيح الحق، وَكَانُوا [يونس:63] طول حياتهم، يَتَّقُونَ [يونس:63] مساخط الله بفعل ما أمر، وبترك ما نهى وزجر.سؤال آخر: هل للثالوث الأسود في باب الولاية شيء؟ نعم، فقد حوَّلوا القرآن ليُقرأ على الموتى، وجعلوا السنة تُقرأ للبركة لا للتعلم وأخذ الهداية، وقصروا أولياء الله في الموتى، فلو أنك قبل ستة قرون دخلت القاهرة المعزية، أو دمشق الشامية، أو بغداد، أو كراتشي، أو إندونيسيا، أو مراكش، أو الخرطوم في السودان، ثم قابلت أول شخص لقيته، فقلت له: يا أخي! لقد جئت من بلاد بعيدة، وأريد منك أن تدلني على ولي من أولياء هذه البلاد، فوالله لا يأخذ بيدك إلا إلى قبر، ولا يفهم أن في الخرطوم أو في القاهرة ولياً في الصفوف الأولى في المسجد، وهذه قبل سبعين سنة تقريباً، وأقسم لكم بالله لقد عاشت هذه الأمة قروناً لا تعرف ولاية الله إلا في الموتى، والذي فعل بها هذا هو الثالوث الأسود المكون من اليهود والمجوس والنصارى، فقد تعانقوا جميعاً لإطفاء نور الله تعالى، إذ إنهم عجوزا في الحروب فاحتالوا بالحيل، وعرفوا أن القرآن روح لا حياة كاملة بدونه، فعملوا على تحويله ليقرأ على الموتى، سواء في العواصم أو في البادية، وكذلك السنة لا تُقرأ إلا للبركة، فيجتمعون يقرءون كتاب البخاري أو الموطأ للبركة، لا لاستنباط الأحكام ومعرفة الهداية.إذاً: الولاية حرموا منها الأحياء، وذلك من أجل أن يزنيَ بعضهم بنساء بعض، وأن يسب ويشتم بعضهم بعضاً، وأن يأكلوا أموال بعضهم بعضاً، ووالله العظيم لو كنت تعرف أن هذا السيد ولي لله فإنك لا تستطيع أن تسبه أو تشتمه، بل لا تستطيع أن تفكر بالزنا بامرأته، وقد عرفناهم، إذ إن أحدهم إذا مر بقبر ولي فإنه يرتعد، ولذلك فالعدو الثالوث لكي يبيح الزنا والجرائم، ولكي يفسد المسلمين قالوا: الولاية محصورة في أهل المقابر فقط، في سيدي عبد القادر الجيلاني، ومولاي إدريس، والعيدروس، والبدوي، والجيلاني، أما ولي يمشي على الأرض فلا.والبرهنة على ما أقول: إن الزنا موجود في العالم الإسلامي، إذ إن المسلمين يزنون بنساء وببنات بعضهم البعض! وكذلك وجود الإجرام والتلصص والسرقة والسلب بين المسلمين، ولو كانوا يعتقدون أنهم أولياء لله ما استطاعوا أن يؤذوهم، لكن الأعداء مسحوا هذه القضية نهائياً، وتركوا الأمة كلها أعداء لبعضها البعض، والحمد لله أن عرفنا ذلك، وقد ذكرت لكم حادثة من ملايين الحوادث وهي: أني عندما كنت صبياً وجالساً مع شيوخ كبار حول المسجد، حدث أحدهم فقال: إذا زنا فلان فلا يمر بالشارع الفلاني وهو جنباً؛ احتراماً لسيدي علي! وهو ولي في القرية، فانظر كيف يزني بامرأة مؤمن من إخوانه، ثم يخاف أن يمر على قبر سيدي فلان وهو جنباً؟! فهل عرفتم ما فعل الثالوث الأسود؟ إي عرفنا، فهيا نغير وضعنا، فمن منكم يقول: يا شيخ كيف نغير هذا الوضع؟ هل يقوم زعيم فيقول: بالخلافة! متى توجد الخلافة؟! وآخر قد يقول: بالمال؟! ما عندنا أموال، إذ إن هذا يحتاج إلى بنوك أمريكا كلها، إذاً نغير هذا الوضع بأن نقبل على الله في صدق، نساء ورجالاً وأطفالاً، فنجلس في بيوت الله كجلستنا هذه، أهل القرية وأهل الحي، وذلك أنه إذا دقت الساعة السادسة فنتوضأ ونتطهر، ونلبس أحسن الثياب، ونحمل أطفالنا ونسائنا إلى بيوت الله تعالى، فنصلي المغرب كما صلينا، ونجتمع هكذا، النساء وراءنا دونهن ستاراً، والأطفال بين الرجال والنساء صفوف كالملائكة، فنتلقى الكتاب والحكمة، ليلة آية من كتاب الله، وأخرى حديثاً من أحاديث رسول الله، على أن يكون المربي عليماً حكيماً، ويأخذون في هذا النمو والكمال العقلي والطهارة الروحية والآداب العالية، وفي خلال أربعين يوماً فقط أو سنة، لا يبق في القرية أو الحي من يسب أخاه المؤمن، ولا يبق من يمد يده لسلب مال أخيه المؤمن، ولا يبق من يفكر بأن يفجر ببنت أو بابن أو بامرأة أخيه المؤمن، ولا يبق من يتلوى من الجوع وإخوانه شباع، ولا يمشي عارياً وهم مكسوون، ولا يبق من يظلم ويسكت عن ظلمه، بل يؤدب ويهذب، وتصبح القرية أو الحي كأنها في عهد أبي القاسم صلى الله عليه وسلم.فما الذي يضير العالم الإسلامي لو أقبل على الله بهذه الطريقة؟ ما الذي يصيبهم؟ هل تتوقف الأعمال؟ لا والله ما تتوقف، إن اليهود والنصارى في العالم بأسره إذا دقت الساعة السادسة وقف دولاب العمل، سواء في فرنسا أو بريطانيا أو أمريكا أو اليابان، إذ إنهم اشتغلوا من طلوع الشمس إلى غروبها فيكفي، ثم يذهبون إلى دور السينما والمعازف ليروحوا على أنفسهم خمس أو أربع ساعات، ويعودون كالبهائم إلى بيوتهم، فهل نحن مثلهم؟ نحن إذا ذهبنا إلى بيوت ربنا نتلقى الكتاب والحكمة، تزكو قلوبنا وعقولنا وفهومنا وأرواحنا، ونعود في أسعد حال إلى بيوتنا. وأنا أعرف أن علماءنا لا يقبلون هذا في العالم الإسلامي، إذ إنهم سيستصعبون هذا الأمر! فأقول: هل نسلب الناس أموالهم ونطالبهم بأن يغتالوا ويقتلوا ويثيروا الفتن؟! ما الذي يكون؟ فقط أن نرجع إلى الله فنبكي بين يديه، ونطرح أمامه ليرفع ما بنا، وينزل الخير والرحمة علينا، ومع هذا كم سنة ونحن نبكي؟ إنه لا حل لنا إلا أن نتوب إلى الله. [ ثالثاً: تقرير مبدأ القضاء والقدر، وأن من كُتب موته في مكان لا بد وأن يموت فيه ]، فكم من إنسان في المدينة يريد أن يموت في المدينة فيموت في أمريكا، وكم من إنسان من إندونيسيا يموت في المدينة، ولذلك من كتب أن يموت في مكان ما فلن يموت إلا فيه، وهذا مظهر من مظاهر قدرة الله، وهو دليل ومنطق القضاء والقدر، وأخذنا هذه الهداية من قول الله تعالى: قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ [آل عمران:154]، ليموتوا هناك.[ رابعاً: أفعال الله تعالى لا تخلو أبداً من حكم عالية، فيجب التسليم لله تعالى والرضا بأفعاله في خلقه ]، سواء كانت نصراً أو هزيمة، غنى أو فقراً، ذلاً أو عزاً، إذ ما تم ذلك والله إلا لحكمة عالية؛ لأن الله حكيم عليم، وقد ضربت لكم مثلاً عل ذلك وهو استعمار الغرب لنا، إذ إنه تم بتدبير الله تعالى، وذنوبنا هي التي أوقعتنا في ذلك حتى نفيق ولا نرجع مرة ثانية إلى الذل والهوان. إذاً: فنحن ننتظر، فوالله إن لم يتدارك الله المسلمين في الشرق والغرب بتوبة صادقة لنزل بهم بلاء أعظم من بلاء الاستعمار، إذ إنهم يبيحون ما حرم الله، ويحرمون ما أحل الله، فهم معرضون عن الله تماماً، وكأن الله لا وجود له، وسوف ينزل البلاء على من لم يتب إلى الله ويرجع إليه، ولو عرفوا هذا لبكوا الليل وصرخوا.[ خامساً: الذنب يولد الذنب، والسيئة تتولد عنها سيئة، فلذا وجبت التوبة من الذنب على الفور ]، وهذه سنة الله تعالى، فإذا أذنبت ذنباً أو فعلت سيئة ولم تبادر إلى محوه فوالله لتذنب مرة أخرى، وهذه سنة الله تعالى، إذ إن السيئة تولد السيئة، وأخذنا هذا من قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا [آل عمران:155]، أي: ذنباً ولد ذنباً، وسيئة ولدت سيئة، فلهذا واجبنا أننا إذا أذنبنا نتوب على الفور، أما إذا لم نتب فسوف تتوالى السيئات حتى نغرق فيها والعياذ بالله.وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #386  
قديم 19-12-2020, 04:47 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,926
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (65)
الحلقة (206)

تفسير سورة آل عمران (69)


ينادي الله عز وجل في هذه الآيات عباده المؤمنين الصادقين في إيمانهم، فيناديهم لينهاهم عن الاتصاف بصفات الكافرين النفسية، الذين يقولون لإخوانهم في الكفر الذين يخرجون للتجارة أو الغزو ثم مات أحدهم أو قتل: لو أطاعونا ما ماتوا ولا قتلوا، وهذه النفسية يتولد عندهم من جرائها غم وحسرات، وما درى أولئك الجهال أن الله يحيي ويميت، ثم يبشر الله عباده المؤمنين بأن من قتل منهم في سبيل الله أو مات فإن مرجعه إلى الله الغفور الرحيم.
تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ...)
إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة. أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة من يوم الثلاثاء ندرس كتاب الله عز وجل؛ رغبة فيما بشرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).معاشر المستمعين والمستمعات! ما زلنا مع سورة آل عمران عليهم السلام، وقد انتهى بنا الدرس إلى هذه الآيات الثلاث، وتلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ * وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ [آل عمران:156-158].هيا نكرر تلاوة هذه الآيات الثلاث متأملين متدبرين: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ * وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ [آل عمران:156-158]، (مِتم)، و(مُتم) قراءتان سبعيتان، فبالكسرة حجازية، وبالضم كوفية.
نهي الله للمؤمنين أن يكونوا كالذين كفروا
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [آل عمران:156]، هذا النداء موجه من الله لعباده المؤمنين، فهذا كلامه وهذا كتابه، ونحن أولياؤه وعبيده، فإذا ناداهم ربهم عز وجل فإنما يناديهم لواحدة من أربعة، وهنا ناداهم لينهاهم عما يسيء إليهم ويضر بهم، عما يؤذيهم ويشقيهم، وقد ناداهم بعنوان الإيمان؛ لأن الإيمان بمثابة الطاقة، بل بمثابة الروح الذي لا حياة بدونه، أو لا حياة حق بدون إيمان حق. ثم نهانا بقوله فقال: لا تَكُونُوا [آل عمران:156]، وهنا اللام ناهية، كَالَّذِينَ كَفَرُوا [آل عمران:156]، من المنافقين واليهود والنصارى والمشركين والبوذيين والشيوعيين، لكن هنا لا زال السياق عن غزوة أحد وما ترتب عليها من تعاليم وهدايات، وبالتالي فالذين كفروا هنا هم المنافقون الذين يبطنون الكفر ويظهرون الإيمان، فكشف الله الغطاء عنهم، وأعلمهم أنهم كافرون، وقد نهى الله المؤمنين أن يكونوا كالذين كفروا، إذ إنه ينبغي أن نتباين مع الكافرين وألا نكون مثلهم، لا في الرأي ولا في التفكير ولا في الزي ولا في أي شيء آخر، وإنما الفصال الكامل؛ لأنهم أنجاس ونحن أطهار؛ لأنهم أموات ونحن أحياء، لأنهم يقادون ونحن قادة، لأنهم يهتدون ونحن مهتدون وهادون، ففرق كبير بين هذا وذاك، وبالتالي كيف تريد أن تكون مثل إنسان ميت؟!
لطيفة في النهي عن التشبه بالكافرين
لطيفة: أرى أطفالنا في المدينة النبوية يلبسون أزياء كلها كأزياء أولاد الكفار، ولا أدري ما هو السبب؟! فقد كان أولادنا كالملائكة يلبسون الثوب الإيماني الرباني الأبيض، فاستبدلوه بثياب النصارى والمشركين والمجوس، فهل سألوا وأفتوهم بالجواز؟! كذلك الزي العسكري، فقد بكينا وصرخنا وندبنا وقلنا: يجب أن يتميز الجندي الرباني عن الجندي الشيطاني، وقد رأيت في هذه القضية رؤيا نبوية، وذلك لما أمر الزعيم عبد الناصر بتوحيد الجيوش العربية من أجل أن يقاتلوا اليهود، ونحن الآن في المملكة قد اضطررنا، إذ كيف نبقى مخالفين لجيوش العرب؟ فهيا نلبس لباسها من أجل الانتصار! والله لا انتصار، وهذه الأحداث منذ أربعين سنة أو ثلاثة وأربعين سنة، وقد رأيتني أمام باب السلام الموجود الآن، وبيني وبين الباب حفرة طويلة عريضة عند نهاية عتبة الباب، والأخرى بين يدي، وفي وسطها نعشان أو جنازتان، فخطر ببالي أن أحد النعشين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والثاني لـأحمد الزهراني، وأحمد الزهراني كان شرطياً، فجلس على السرير فقلت: ما دام الشرطي حياً فالرسول من باب أولى، وفجأة انطمست الحفرة والرسول واقف، وأنا أقول: يا رسول الله! استغفر لي، يا رسول الله! استغفر لي، وأنا في حالة انفعالية لا أستطيع تصورها، فقال لي بصوت خافت: أرجو، أي: أنا، أو قال لي: اُرجُ هو، فإذا قال: اُرجُ هو، أي: أنه يرجو الاستغفار، وإذا قال لي: أنا أرجو، أي: أرجو أنا، ولحظة وإذا بالرسول صلى الله عليه وسلم جالساً على كرسي من حجر إلى باب السلام من الجهة الشرقية، وكأنه البدر، وبينما أنا واقف إذا بطفل كعبد الله يلبس بدلة كبدلة نجيب، ونجيب هو الذي قام بالثورة ضد الملك فاروق، وقد احتضنه عبد الناصر، ثم بعد ذلك أبعدوه، وبدلة نجيب عبارة عن بدلة عسكرية من يطنان فرنسي.والمهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما رأى ذلك الموقف أشار بيده الطاهرة هكذا وقال بالحرف الواحد: أبمثل هذا يبتغون العزة؟! وفعلاً ما أعزهم الله إلى الآن، إذ نحن أذلاء لليهود.وقد نفع الله بتلك الرؤيا -فقد كان الدرس بداخل المسجد- فقد حججنا ونزلنا المدينة في صفر، ثم جاء العيد ورجالات المدينة من الأعيان يلبسون أطفالهم تلك البدلة، ويأتون بهم إلى الحجرة الشريفة ليسلموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما إن رأيت هذا حتى كدت أن أتمزق؛ لأننا كنا في بلد مستعمرة نرى أن من يلبس لبسة الكفار كافر، وما كان يخطر ببالي أن مؤمناً يتزيا بزي الكافر، فكيف يتحدون رسول الله ويأتون بأطفالهم ليغضبوه؟! وهل يرضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا؟ والله ما يرضى، والحمد لله فقد كان هناك خياط مختص يخيط مثل هذه الملابس، ثم أغلق محله وانتهت بعد فترة وجيزة.وأنا قلت هذا لأننا نسمع نداء من السماء، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [آل عمران:156]، لبيك ربنا لبيك، لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا [آل عمران:156]، قال أهل العلم: في كل شيء إلا ما لابد منه، فلا نأكل أكلهم من الخنزير والميتة، ولا نشرب كشربهم، ولا نتناول الشراب بأيدينا كما يتناولون، ولا ندخل نعالنا في أرجلنا كما يفعلون، إنها مباينة كاملة ومفاصلة تامة؛ لأنهم أموات أنجاس، ونحن أطهار أحياء، فلا عجب ولا غرابة.إذاً: إن شاء الله من هذه الليلة على الآباء أن يلبسوا أولادهم اللباس الأبيض كلباس الملائكة، ولا يلبسونهم هذه البرنيطة وهذا السروال كسروال المجوس، فهل هذا حتى نعلمهم العبث والتمرغ في التراب؟ لا؛ لأنه لما يكون الثوب نظيفاً فلا تسمح له أمه ولا أبوه أن يتمرغ به في التراب، لكن ما دام أنه سروال أسود كاليهودي فيعبث به كيفما شاء.وقد قلت من قبل: على المسلمين أن يحتفظوا بزيهم الإسلامي، فإذا انعقد مؤتمر الأمم المتحدة أو مجلس الأمن، فإن المسلم يدخل بزيه الإسلامي، والبرانيط والأزياء الكافرة على الآخرين، فيراه البلجيكي أو البريطاني أو اليوناني فيقول: من هذا؟ فيردون عليه فيقولون: هذا مسلم، تريد أن تعرف اسأله، أو اذهب إلى الفندق واسأله، فتكون دعوة باللباس الإسلامي، لكن إن دخلوا كلهم بزي اليهود والنصارى، فمن يعرف هذا من هذا؟! بل لا تكون دعوة إلى الله تعالى، ولعلكم تذوقون هذه المرارة، وذلك لما يدخلوا هذه المؤتمرات أو غيرها فيجدون شخصيات متميزة، فيسألون عنهم فيعرفون أنهم مسلمون، فيضطرهم إلى أن يسألوا عن الإسلام، فيأتي فيتعلم الإسلام وتبين له الطريق الحق، ومن الجائز أن يهديه الله فيدخل في الإسلام، فكونك في زي إسلامي هذا أوجب عليك وألزم لك؛ لأنك لست مثلهم أبداً، إذ أنت حي وهم أموات، أنت طاهر وهم أنجاس، أنت صادق وهم كذبة، أنت شجاع وهم جبناء، وبوصفك المسلم الكامل الإسلام، وما هي دعاوى نقولها، بل المسلم الحق.وكذلك المؤمنات إذا تزيت إحداهن بزي كذا أو كذا، فأقول لهن: القاعدة عندنا: ( من تشبه بقوم فهو منهم )، ولن تنحل هذه القاعدة أبداً، فلو يأتي علماء النفس من أجل أن يحلوها، أو ليجدوا أن الرسول ما وفق فيها وما أصاب، ما استطاعوا أبداً، بل والله لو اجتمعوا كلهم ما نقضوها؛ لأن (تشبه) على وزن تفعل، أي: أراد أن يكون مثل هذا، فلن يكون إلا مثله، تشبه أن يكون كـعنترة بن شداد، سوف يعمل ما استطاع من التمرين على الشجاعة حتى يكون مثله، أو رأى هابطاً مخنثاً وأراد أن يكون مثله، فيأخذ يمشي كمشيته، ويلبس كلبسه، وينطق كمنطقه، وفترة وإذا هو مثله، وإذا رأت المرأة عاهرة في مجلة أو جريدة أو شاهدتها في تلفاز وأرادت أن تتزيا بزيها، فلا تلبث أن تكون مثلها، فتفسد عقيدتها، ويمرض قلبها، وتصبح هابطة مثلها، إذ لو كانت تريد أن تتتشبه بـفاطمة أو بـعائشة أو بأمهات المؤمنين فإنها ستكون مثلهن، لكن ما دامت أنها أرادت أن تكون كهذه العاهرة في لباسها أو زيها، فلا تزال تتشبه بها حتى يموت قلبها، وتصبح من الساقطات والعياذ بالله، فهل فيكم من يرد عليّ في هذا؟ إننا لن نقول هذا على غير علم أبداً.إذاً: فهيا نتشبه بالصالحين فنكون مثلهم، فلا نحلق لحية، ولا ندخن عند باب المسجد، ولا نكذب، ولا نفجر، ولا نخلف الوعود، وعند ذلك نصبح صالحين، إذ ما معنى قول الله تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [الأحزاب:21]؟

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #387  
قديم 19-12-2020, 04:47 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,926
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

معنى قوله تعالى: (إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزىً لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا)
قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا [آل عمران:156]، في كل شيء، وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ [آل عمران:156]، ليس من الأم والأب، ولا من الأسرة أو القبيلة، وإنما إخوانهم في الدين والعقيدة الكافرة، إِذَا ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ [آل عمران:156]، أي: خرجوا مسافرين للتجارة، أَوْ كَانُوا غُزًّى [آل عمران:156]، جمع غازٍ، أي: غزاة، ثم إذا مات المسافر في سفره، ومات الغازي في غزوه، فماذا يقول إخوانهم؟ آه! لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا [آل عمران:156]، أي: ما سافروا في سبيل الله ولا غزوا في سبل الله، مَا مَاتُوا [آل عمران:156]، وهذه عقيدة من لا يؤمن بالقضاء والقدر، عقيدة كافر بقضاء الله وقدره، عقيدة هابط لاصق بالأرض، وهذه العقيدة تورثهم الهم والحزن والكرب والبلاء الباطني النفسي، إذ إنهم يقولون: لو ما سافر ولدي ما مات! ما ونسوا قول الله تعالى: لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ [آل عمران:154]، أي: الذين كتب الله عليهم القتل في هذا اليوم، إذ إنهم سيأتون إلى هذا المكان ولو كانوا في بيوتهم، وذلك لينفذ حكم الله تعالى، ويمضي قضاؤه وقدره فيهم، إذ الحياة ليست فوضى كلٌ يدبر برأسه ونفسه، إن الحياة بيد الله عز وجل، فهو الذي يدبرها، فلا يعز من يعز، ولا يذل من يذل إلا بتدبير الله وقضائه وحكمه، ولا يفتقر من يفتقر، ولا يستغني من يستغني، ولا يصح ولا يمرض إلا بتدبير الله عز وجل، وقد مضى هذا في كتاب المقادير باللحظة؛ فلا يقع في الكون شيء إلا بعلم الله وقضائه وقدره. قوله تعالى: لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا [آل عمران:156]، والموت يكون في السفر، والضرب يكون في الأرض، والقتل يكون في الجهاد أو في الحرب والقتال.
معنى قوله تعالى: (ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم)
ثم علل تعالى لهذه النفسية فقال: لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ [آل عمران:156]، وهذا له وجهان -إذ القرآن حمال الوجوه- فالوجه الأول الظاهر من الآية: تأوههم وتململهم، إذ إنهم يقولون: لو كان كذا لكان كذا، فيكسبهم الهم والحزن والحسرة في أنفسهم، ووالله إنه لألم وحسرة وكرب عظيم في النفس، فلا يرتاح أبداً، فلهذا، قال: لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ [آل عمران:156]، والحسرة ألم نفسي تضيق به النفس.ثانياً: عندما لا نكون مثلهم في إيماننا وفي قدراتنا وفي طاقاتنا وفي صبرنا وفي جهادنا، فإنه لما نعلو ونسمو ونعز يكون ذلك هماً وكرباً وحزناً لهم، فهذان وجهان مشرقان في الآية يتحققان بها.
معنى قوله تعالى: (والله يحيي ويميت والله بما تعملون بصير)
ثم قال تعالى: وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ [آل عمران:156] لا سواه، وَاللَّهُ جل جلاله وعظم سلطانه، يُحْيِي من يحيي، وَيُمِيتُ من يميت، وبالتالي فلا محيي ولا مميت إلا الله عز وجل. ثم ختم الله الآية فقال: وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [آل عمران:156]، يا أيها المؤمنون! يا من دعيتم إلى ألا تكونوا كالذين كفروا في أزيائهم، في معتقداتهم، في آمالهم، في حياتهم كلها، اعلموا أن الله بما تعملون بصير، وهذا وعيد ووعد من الله تعالى، فإن استجبتم لما دعاكم إليه فأنتم في خير حال وأحسنه، وإن رفضتم فسوف ينزل بكم البلاء والشقاء؛ لأنه: بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ أي: مطلع عليكم، فهكذا يربينا الله عز وجل، وقد تربينا أيام كنا نقرأ القرآن ونتدبره، لكن لما حولناه ليُقرأ على الموتى متنا كالأموات، وما عاد أحد منا يتدبر كلام الله عز وجل.
تفسير قوله تعالى: (ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون)
قال تعالى: وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [آل عمران:157]. وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ [آل عمران:157]، وعزتنا وجلالنا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ [آل عمران:157]، أو (مِتم) بالكسر، وهما قراءتان سبعيتان ولغتان فصيحتان، لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا [آل عمران:157] (تجمعون) قراءة سبعية، خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [آل عمران:157]، أي: خير مما يجمع المشركون والكافرون، وفي هذا ترغيب في الجهاد في سبيل الله، فارتفعوا أيها المؤمنون إلى مستواكم اللائق بكم، وعزتنا وجلالنا لئن قتلتم في سبيل الله أو مِتم في الطريق -لأن القتل يكون بالسيف والرمح، وقد يموت بدون ذلك وهو في طريقه- لَمَغْفِرَةٌ جواب: لئن، أي: مغفرة من الله تزيل كل أثر من نفوسكم، وَرَحْمَةٌ تغمركم وتدخلكم دار السلام خير مما يجمع الكفار من المليارات، بل ومن البنوك كلها.فهيا نموت في سبيل الله أو نقتل، فأما الموت في سبيل الله فممكن، إذ الحجاج والعمار لبيت الله قد يموتون في الطريق، أما الغزو فليس بعد حتى يعلنها صريحة إمام المسلمين، وحينئذ نتسابق إلى الجهاد، أما بدون إذن إمام المسلمين فلا؛ لأن الظروف غير ملائمة للقتال، فهناك معاهدات واتفاقيات بين الدول، كما أنه ليس هناك إعداد كامل لغزو بريطانيا أو اليونان؛ لأن الجهاد لا يكون إلا في ديار الكفار، أما الذين يطالبون بالجهاد في داخل بلاد المسلمين، وينادون: اقتلوا الحكام وعسكرهم! فهذه نظرية فاسدة وباطلة وخاطئة ومنكرة لا تحل، بل لا يوجد لها أثر في الإسلام، إذ إن الجهاد إما أن يغزونا جيش كافر الصلبان في أعناقهم، أو يدخل العدو ديارنا، وعند ذلك يعلن إمام المسلمين التعبئة العامة للنفير، وذلك حتى نجليه ونبعده عن ديارنا، وإما أننا قد تهيأنا واستعدينا وأصبحنا قادرين على غزو تلك البلاد، وحينئذ ترسو سفننا في سواحلها أو يصل الإعلان منا إلى تلك الدولة المجاورة لنا، فنخاطبهم بما علمنا الله ورسوله: يا أهل هذه الديار ادخلوا في الإسلام، ادخلوا في رحمة الله فتسعدوا وتكملوا، وتطيبوا وتطهروا، وتنتهي عندكم مظاهر الفقر والشقاء والعذاب، والخبث والخسران؛ لأن هذا الذي نخوفكم به نحن تنزهنا عنه، وما أصبح بيننا خبث ولا ظلم ولا فقر ولا شقاء، إذ طبقنا الإسلام فرحمنا الله به، فإن قالوا: لن ندخل في دينكم، قلنا لهم: إذاً اسمحوا لنا أن ندخل بلادكم فنعلم أفرادكم ونوجههم ونرشدهم وابقوا أنتم على دينكم، فإن قالوا: لا بأس، فهيا نعقد معاهدة مع أهل الذمة يكون بموجبها أن نحميهم، وأن نموت دونهم، وأن نقيم العدل والرحمة فيهم، وأن يدخل إخواننا بلادهم كالملائكة، فلا خيانة، ولا كذب، ولا أي مظاهر من مظاهر الباطل، وإنما يكون منا الصدق والعدل والرحمة والطهر والصفاء، وما هي إلا ليالٍ أو أيام وانجذب الناس إلى الإسلام ودخلوا فيه؛ لما يشاهدوا من آثار الكمال، وإن قالوا: لا، قلنا لهم: إذاً الحرب بيننا، فيستنفر الإمام المسلمين، ويعلن خوض المعركة، وعند ذلك ينصرنا الله عليهم، ودليل هذا قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [التوبة:123]، بهذه الآية اتسعت رقعة الإسلام في خمسة وعشرين عاماً، فوصل الإسلام إلى الأندلس وإلى ما وراء نهر السند.فهل كان أصحاب رسول الله وأولادهم وأحفادهم من هذا النوع الذي نحن عليه؟ مستحيل، إذ كيف سينشرون الإسلام؟! والآن الكفار يضحكون ويتقززون من إسلامنا، ويلمزوننا بالأصوليين والمتطرفين، فقتلونا وذبحونا وحرقونا، وقد وجدوا فرصة في ذلك، وأنا خائف أن أوروبا تغضب غضبة ويزداد هذا التطرف بين بلاد المسلمين، فيقولون: يا إخواننا ما نريد أن نبقي هذا النوع عندنا، فيبعدون كل المؤمنين، وبعد ذلك هل أقمنا الدولة الإسلامية؟! لا والله، إذاً على الأقل الآن الإسلام ينتشر في أوروبا وأمريكا بواسطة الدعاة والكلمة الطيبة، وليس بالرصاصة والمسدس، فأين الوعي؟ وأين الإدراك؟ وأين الفهم؟ إن الجهاد في الإسلام يفتقر ضرورة إلى إمام المسلمين، فهو الذي يقود الحملات وينظم الجهاد والفيالق ليغزو الأعداء، لا أن يغزو ويقتل المسلمين، إذ إن هذا هو مذهب الخوارج والعياذ بالله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يكذبه ولا يخذله، كل المسلم على المسلم حرام، دمه وعرضه وماله )، فكيف تقتل كافراً ذمياً تحت رايتك؟ وهل يجيز الإسلام هذا؟ قال: لأنه خائن! أأنت الحاكم حتى تصدر حكمك بأنه خائن، لقد فهموا الإسلام بفهم باطل وفاتن.وبالتالي فلا تلمهم يا هذا؛ لأنهم ما جلسوا في حجور الصالحين ولا تربوا فيها، ولذلك لابد وأن نتربى في حجور الصالحين من صبانا أو صغرنا حتى نصبح أهلاً لقيادة البشر، ولإنقاذهم مما يزيغ. وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا [آل عمران:157] (تجمعون)، خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [آل عمران:157]، أي: هم، فيطهرك ويدخلك الجنة، إذ إن المغفرة معناها: محو الذنب، فإذا طهرت فسينزلك الجنة دار السلام، وقد تقدم قوله تعالى: سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ [الحديد:21]، فاغسل نفسك من الآن حتى تدخل الجنة بسلام، وتطهر من الآن فإنك إن مت طاهراً فلا يحول بينك وبين الجنة حائل أبداً، أما وأنت نجس فلا تدخل الجنة.
تفسير قوله تعالى: (ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون)
قال تعالى: وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ [آل عمران:158]، سواء مات في الصحراء أو في البحر أو انتهى أمره كيف ما كان، فلابد وأن يحشر ويجمع بين يدي الله لفصل القضاء ولإدخاله الجنة أو النار، لكن قوله: وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ [آل عمران:158] مطلقاً، أي: لا في سبيل الله ولا في غيره، إذ من مات أو قتل ليس معناه أنه ضاع وتلاشى في الحياة وما بقي له وجود، والله ليحشره الله حياً يسمع ويبصر ويتلقى الجزاء، فاطمئنوا إلى هذه، وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ [آل عمران:158]، وتُجمعون بين يديه ليحكم ويفصل، فيدخل المحسنين الجنة، ويدخل المسيئين النار، وهذا عالم الشقاء، وهذا عالم النعيم.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

معنى الآيات
قال المؤلف غفر الله لنا وله: [ معنى الآيات: ما زال السياق في أحداث غزوة أحد ونتائجها المختلفة، ففي هذه الآية ينادي الله المؤمنين الصادقين في إيمانهم بالله ورسوله، ووعد الله تعالى ووعيده، يناديهم لينهاهم عن الاتصاف بصفات الكافرين النفسية، ومن ذلك: قول الكافرين لإخوانهم في الكفر: إذا هم ضربوا في الأرض للتجارة أو لغزو فمات من مات منهم، أو قتل من قتل بقضاء الله وقدره، يقولون: لو كانوا عندنا، أي: ما فارقونا وبقوا في ديارنا ما ماتوا وما قتلوا، وهذا دال على نفسية الجهل ومرض الكفر، وحسب سنة الله تعالى فإن هذا القول منهم يتولد لهم عنه بإذنه تعالى غم نفسي وحسرات قلبية تمزقهم، وقد تؤدي بحياتهم، وما درى أولئك الكفرة الجهال أن الله يحيي ويميت، فلا السفر ولا القتال يميتان، ولا القعود في البيت جبناً وخوراً يحيي، هذا معنى قوله تعالى في هذه الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ [آل عمران:156]، وقوله تعالى في ختام هذه الآية: وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [آل عمران:156]، فيه وعد للمؤمنين إن انتهوا عما نهاهم عنه في الآية، وفيه وعيد إن لم ينتهوا فيجزيهم بالخير خيراً، وبالشر إلا أن يعفو شراً.أما الآية الثانية فإن الله تعالى يبشر عباده المؤمنين مخبراً إياهم بأنهم إن قتلوا في سبيل الله أو ماتوا فيه يغفر لهم ويرحمهم؛ وذلك خير مما يجمع الكفار من حطام الدنيا، ذلك الجمع للحطام الذي جعلهم يجبنون على القتال والخروج في سبيل الله، فقال تعالى: وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [آل عمران:157].وفي الآية الثالثة والأخيرة يؤكد تلك الخيرية التي تضمنتها الآية السابقة فيقول: وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ [آل عمران:158]، في سبيلنا لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ [آل عمران:158] حتماً، وثم يتم لكم جزاؤنا على استشهادكم وموتكم في سبيلنا، ولنعم ما تجزون به في جوار ربنا الكريم ].
هداية الآيات
قال: [ من هداية الآيات:أولاً: حرمة التشبه بالكفار ظاهراً وباطناً ]؛ لأن النص القرآني بدأ بقوله: لا تكونوا.[ ثانياً: الندم يولد الحسرات، والحسرة غم وكرب عظيمان، والمؤمن يدفع ذلك بذكره القضاء والقدر، فلا ييأس على ما فاته، ولا يفرح بما آتاه من حطام الدنيا ]، وهذا مبين في سورة الحديد، إذ قال تعالى: سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ [الحديد:21]، إلى أن يقول: لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ [الحديد:23]، فلا تحزن على ما فات، ولا تفرح وتبطر بما آتاك الله، وهذه ثمرة الإيمان بالقضاء والقدر.قال: [ ثالثاً: موتة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها ]. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #388  
قديم 19-12-2020, 04:49 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,926
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (66)
الحلقة (207)

تفسير سورة آل عمران (7)


وعد الله عباده المتقين بجنات النعيم، خالدين فيها أبداً، وأعد لهم فيها أزواجاً مطهرة، وقد بين الله صفات هؤلاء المتقين الذين استحقوا هذا الجزاء العظيم والنعيم المقيم، فذكر أنهم لا يفترون عن دعاء ربهم والتضرع إليه بصالح أعمالهم، ويلزمون الصبر والصدق، وينفقون في سبيل الله، ويلازمون الاستغفار بالأسحار.
تابع تفسير قوله تعالى: (قل أؤنبئكم بخير من ذلكم ...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل القرآن الكريم؛ رجاء أن نظفر بذلك الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، فالحمد لله الذي أهلنا لهذا الخير؛ إنه على كل شيء قدير.ما زلنا مع صفات الوارثين لدار السلام، وهنا أسأل الأبناء والإخوان والمؤمنات: هل للجنة ورثة؟ سبحان الله! إي والله للجنة ورثة. من هم ورثة الجنة؟ بنو هاشم؟! بنو تميم؟! بنو قينقاع؟! بنو من؟! البيض؟! السود؟! لا والله، فورثة الجنة هم المتقون. من مات حتى يرثوه؟ كل من دخل النار من الإنس والجن ترك مكانه في الجنة. ‏
الوارثون لدار السلام
إن المتقين هم الوارثون؛ لأن الجبار العزيز الغفار جل جلاله وعظم سلطانه أعد منازل الجنة ومنازل النار على قدر من يخلق من الإنس والجن، كل شيء عنده بمقدار، فأهل النار يرثون أهل الجنة في منازلهم في النار، وأهل الجنة يرثون أهل النار في منازلهم في الجنة دار الأبرار. ومن قال: من أين لك هذا يا شيخ، ما سمعنا بهذا الكلام، أقول له: هيا نقرأ جميعاً ونسمع إبراهيم وهو رافع كفيه ضارعاً بين يدي ربه يسأله قائلاً: وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ [الشعراء:85]، والله تعالى يقول في سورة مريم: تِلْكَ الْجَنَّةُ [مريم:63] بعدما وصفها الوصف اللائق بها قال: تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا [مريم:63]، تلك الجنة التي وصفت لكم، هذه نورثها من عبادنا مَنْ كَانَ تَقِيًّا لا شريفاً ثرياً ولا أبيض نقياً ولا ولا، بل من كان تقياً فقط وإن كان حبشياً أسوداً.
سر كون المتقين هم وحدهم ورثة دار السلام
ما السر؟ لم فقط التقي هو الوارث وغيره محروم؟ من يجيب يا معشر المؤمنين والمؤمنات؟ الجواب: وهو عند الأبناء على ظهر قلب؛ لأنهم أهل كتاب الله، وأما المحرومون من هذه المجالس فأنى لهم أن يعلموا ؟ المتقون هم أطهار النفوس، وأزكياء الأرواح؛ لأن التقي هو ذاك الذي يعمل بأوامر الله فتزكو نفسه وتطيب وتطهر، ويتقي مساخط الله ومحارم الله فيبتعد عما يدسي نفسه ويخبثها، فإذا مات على تلك الحال كان والله من الوارثين؛ لأن روحه زكية طاهرة شبيهة بأرواح الملائكة في صفائها وطهرها! هؤلاء الأطهار هم الذين ينزلهم الجبار بجواره في دار السلام، واسمعوا خبره: إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ [الانفطار:13-14]. لم يا رب؟ الأبرار لبرورهم والفجار لفجورهم. ما البرور؟ إنها طاعة الله ورسوله التي أنتجت زكاة الروح وطهارة النفس. وما الفجور؟ إنه فجور الفاجرين وخروجهم عن منهج الحق؛ فنفوسهم خبثت وتعفنت أصبحت أهلاً لأن تنزل الدركات السفلى! سبحان الله هذا في القرآن؟! إي نعم، كنا نعرف هذا أيام كنا نقرأ ونعمل به، أما عندما أصبح القرآن على الموتى أصبحنا لا نعرف هذا أبداً!
الفلاح والخسران مناط بتزكية النفس أو تدسيتها
هناك حكم إلهي صدر على البشرية (95%) من العالم الإسلامي ما عرف هذا الحكم و(1%) فقط هم الذين يعرفونه، إي ورب الكعبة، صدر حكم الله على البشرية جمعاء أن من زكى نفسه وطيبها وطهرها أفلح وفاز، ومن خبثها ودساها وعفنها خاب وخسر. وهذا الحكم ما رأينا الله عز وجل حلف أيمان متكررة بهذه السورة كما حلف على هذا الحكم، فلماذا يحلف الله؟ من أجلك يا ابن آدم؛ لتتلقى الخبر ونفسك مطمئنة، ومشاعرك وأحاسيسك هادئة، خبر عظيم يحتاج إلى أيمان عظيمة، يحلف من أجلنا؟ اسمعوا اليمين وتعلموا: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا [الشمس:1] هذه واحدة وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا [الشمس:2] الثانية وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا [الشمس:3] الثالثة وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:4-10]، انتهى الكلام. عرفتم أن الله يحلف أو لا؟ لم يحلف؟ من أجلنا؛ لأن طبعنا.. غرائزنا.. فطرنا إذا سمعنا الخبر وكان فوق قدرتنا لا نصدق، فيضطر من يخبرنا بأن يحلف ويؤكد الحلف حتى تهدأ النفوس. هل عرفتم هذه؟ والله إنها خير من خمسين ألف ريال، أقسم بالله لمن عرفها موقناً وفهمها خير له من أن يوضع في جيبه خمسون ألف ريال، ونحن ظفرنا بها مجاناً والحمد لله. وإن قلت: أفلح، ما معنى أفلح؟ صار فلاحاً أم كيف؟ الفلاح سمي فلاحاً لأنه يفلح الأرض، ويشقها ويدفن فيها البذور، هذا الفلاح، ومن أفلح هو ذاك الذي شق طريقه في صفوف أهل الموقف إلى دار السلام، فما عاقه عائق ولا وقف في وجهه واقف، وعلم حينئذ أنه فاز. هل فاز فلان ابن فلان بجائزة نوبل؟ لا لا. فاز بأن نجا من عالم الشقاء.. النار، وفاز وظفر بالجنة دار السلام.
حقيقة الفوز في الحياة الدنيا والآخرة
إليكم هذا البيان الإلهي من سورة آل عمران، قال تعالى واسمع: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [آل عمران:185]، حكم علينا بالموت وحكم الله لا يتخلف أبداً، كقوله: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10] لا يتخلف، لم؟ لكمال قدرته. كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:185]، ما معنى وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ أيتها الشغيلة يا معشر العاملين! واصلوا العمل ولا تطالبوا بالجزاء هنا، إذ هذه الدار دار عمل، وليست دار جزاء: وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ كاملة يَوْمَ الْقِيَامَةِ . يا فاسق يا فاجر يا كافر! واصل، وقد تعيش سعيداً آمناً شبع البطن مستور الجسم فلا تفهم أن هذا جزاء كفرك وفسقك وفجورك، فالجزاء ليس هنا، الجزاء يوم القيامة، وكم من بر تقي صالح رباني مريض طول عمره، فقير طول حياته، مكروب حزين دائماً وأبداً، فيقول القائل: أين آثار صيامه وصلاته ورباطه وجهاده؟ فنقول: الجزاء ليس هنا، الجزاء هناك، اسمع الحكم: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أجورنا مقابل أعمالنا. لطيفة أخرى يفوز بها المتأهلون: قد يوجد كافر فاجر شقي من تعاسة إلى تعاسة، السجون، الآلام، الكروب.. وهو كافر رقم واحد، أو فاسق ممتاز، فهل هذا العذاب الدنيوي.. عذاب المرض والسجن والجوع والخوف هو جزاؤه؟ لا والله، وإنما هذا من شؤم المعصية، يظهر هذا البلاء من شؤم المعصية، كما أنك تجد البر التقي شبعان ريان آمناً، سعيداً طاهراً، فهل هذا جزاء جهاده وصيامه؟ لا، بل هذا من يمن وبركة العمل الصالح، للحسنات بركتها ويمنها، وللسيئات شؤمها ونحاستها، أما الجزاء هنا والله ما كان. كيف وقد أخبر تعالى بنفسه فقال: وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ متى؟ يَوْمَ الْقِيَامَة واسمع بيان الفلاح فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ [آل عمران:185] فالفوز ليس ربحك شاة أو بعيراً، ولا امرأة جميلة وولداً صالحاً ولا وظيفة شريفة، ولا.. ولا ولا، ما هذا بالفوز؟ الفوز أن تبعد عن عالم الشقاء وتعلم عالم السعادة لتخلد أبداً، وهو كائن لا محالة، فهيا مع الوارثين لدار السلام الجنة.
نعيم أهل الجنة
قال تعالى: قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ [آل عمران:15]، خير من ذلكم الذي سمعتموه في الآيات قبل وهي: الأنعام والحرث والذهب والفضة والنساء والأولاد.. مظاهر الحياة الدنيا: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ [آل عمران:14] هل يوجد ما هو خير من هذا؟ نهم، الجنة دار السلام؛ لأنها خالدة باقية، وليس فيها منغصات، لا حزن ولا موت ولا مرض ولا كبر ولا هم ولا.. ولا ولا، بل سعادة دائمة، أما سعادتك في الدنيا فيعقبها الكرب والحزن، وآخرها الموت. إذاً: قال تعالى: قُل يا رسولنا والمبلغ عنا صلى الله عليه وسلم: أَؤُنَبِّئُكُمْ أؤنبئكم بنبأ عظيم بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ الذي سمعتم، وهو أن لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ [آل عمران:15]، هل بعد هذا النعيم من نعيم؟ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا . لماذا قال: خَالِدِينَ فِيهَا ؟ لأنهم إذا كانوا يعرفون أنهم سيرحلون ما يسعدون، أما هذه الحال فتساوي الدنيا وما فيها: جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ ، مطهرة من دماء الحيض والنفاس والبول والنخامة والنخاعة تمام الطهارة. هكذا خلقهم. قد عرفنا بالأمس أن أهل الجنة لا يبولون، أين يذهب الشراب ذو الألوان.. الخمر والعسل واللبن والماء العذب؟ يتحول إلى عرق فقط. قد يقول قائل: يا شيخ كيف يتحول إلى عرق؟ فأقول له: وأنت قل لي: كيف تعرق؟ عرقتك أمك؟ كيف يخرج العرق منك؟ أنت دلكته بيديك؟ يتحول الشراب كله إلى عرق، ورائحته أطيب من المسك الأذفر مليون مرة. وإذا كان الماء والشراب يتحول إلى عرق أمر معقول لأنه سائل، فما بال الزبدة واللحم ولحم الطير المشوي والفواكه، كيف تتحول هذه؟ هذه تتحول إلى جشاء يتجشاها - والعامة يقولون: يتقرع- كل الطعام يتحول إلى جشاء أبد الآبدين. هذه هي الجنة دار السلام، هذه دار الأبرار، هذه دار الأتقياء بنص هذا الحكم الإلهي: لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ ماذا؟ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ .
رضوان الله عن العبد نعيم لا يعدله نعيم
قال الله: وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّه بالأمس.. أبا جميل قلنا له: لو أنك تنزل قصراً من قصور الملوك والرؤساء والحكام ويخدمك النساء والرجال، وأنت في القصر، وكلما دخل صاحب القصر تراه غضبان، لا يكلمك، ولا ينظر إليك، دائماً بل كل ساعة تقول: الآن يقتلني أو يخرجني، فلا تسعد أبداً، فتجد رضاه خير من ذلك الطعام والشراب، لما يرضى عنك أنت آمن، لكنه إذا كان غاضباً فأنت خائف، وهذا هو معنى قول الله تعالى: وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:72] في آية التوبة، وهنا قال: وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ على الحقيقة، يعرف التقي البر والفاجر الفاسق، سواء كنا مجتمعين مع وفد نصارى نجران أو مع اليهود معنا والمشركين والمؤمنين فالله بصير بالعباد، وإذا كان بصيراً بالعباد فكيف يكون الحكم والجزاء؟ بحسب علمه، فلا تفهم أنك تدخل مع أهل الجنة وتختبئ وأنت مسيحي، والله لا تدخلها، أو تكون مشركاً فتقول: أنا أدخل مع الموحدين. هذا لا ينفع؛ لأن الله بصير بالعباد، كيف لا وهو يخلقهم ويرزقهم. إلى هنا انتهى بنا الدرس أمس، والآن مع بقية الصفات.قال: الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران:16].
صفات أهل التقوى
لو قلت يا سيد: من هم هؤلاء المتقون؟ نريد وصفاً لازماً لهم، أو صفات تكشف عن حقيقتهم؟ هل نحن منهم أم لا؟ فالله تعالى يجيبنا ولا يتركنا حيارى نتطلع للمعرفة، فلابد من وصف شافٍ وعرض سليم، فعدد صفاتهم في هذه الآية والتي بعدها فقال تعالى: الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ [آل عمران:16-17].

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #389  
قديم 19-12-2020, 04:49 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,926
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

الصفة الأولى: أنهم يدعون ربهم ويتضرعون إليه بإيمانهم وصالح أعمالهم
قوله: الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران:16] هذا وصف لازم لهم طول حياتهم. إذاً: أول صفة: الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أي: يا ربنا إِنَّنَا آمَنَّا بك وبرسولك وبكتابك ولقائك وبما أمرتنا أن نؤمن به فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا مقابل هذا الإيمان. وهنا عرفتم الوسيلة الشرعية التي تتوصلون بها إلى قضاء حوائجكم عند ربكم، وهي أن تكون إيماناً أو عملاً صالحاً، أما وسيلة بسيدي فلان وحق فلان وجاه فلان فوالله ما تصل بك إلى قضاء حاجتك لا بمغفرة ذنوبك ولا بوقايتك من عذاب ربك. ألا يوجد بين المستمعين -وهم وافدون على مسجد رسول الله- من يرد علينا هذه القضية؟ لا وسيلة تتوسل بها لتصل إلى غرضك وحاجتك عند الله إلا الإيمان الحق والعمل الصالح والتنزه عن الشرك والباطل من المعاصي والذنوب، أما قولك: اللهم إني أسألك بحق فلان.. بجاه فلان.. بـفاطمة الزهراء .. بـالحسن والحسين .. برسول الله.. كل هذا هراء وكلام باطل ودخان قاتل! فإن قلتم: بين لنا يا شيخ كيف هذا فكلنا لا نعرف إلا: (اللهم إني أسألك بحق فلان.. وجاه فلان)؟ الجواب وتأمل: لك على أخيك دين هو حقك، وتقول له: أعطني من حق فلان عليك؟ هل يرضى بهذا الكلام؟ إن لم تعطني فأعطني بحق فلان عليك! يقول الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان وهو ممن أدرك بعض الصحابة، يقول: هذا السؤال صاحبه يكفر؛ لأنه في موقف كأنما يقول: إن لم تعطني من فضلك يا رب فأعطني بحق فلان عليك. فمن هو هذا الذي له حق على الله بالقوة؟! هل يوجد عاقل يقول هذا الكلام؟ مخلوق مربوب بين يدي الله يصبح له حق يأخذه على الله بدون رضا الله؟!وهنا قد يقول قائل: الحقيقة أن هذا الكلام كفر يا شيخ، ولكن ما علمونا وما بينوا لنا، بل رموا بنا في ظلام هذه الحياة الدنيا، فلم تلومنا؟ فأقول له: الآن عرفنا، والله ما نسأل الله بحق فلان لو متنا جوعاً وعذبنا حتى الموت، فلا نكفر ونحن مؤمنون، أما أسألك بجاه نبيك.. بجاه فلان بجاه فلان، فهذه حيلة من حيل الشيطان إبليس! هذه الحيلة أرادها لنا أعداؤنا حتى لا يستجيب الله لنا فيعذبوننا ويستعمروننا ويفرقوننا ويعملون العجب ونحن ندعو وندعو فلا إجابة.قالوا: لنحرمهم من إجابة دعائهم بتقرير هذه الفكرة بينهم، فنحرمهم من أن يتوسلوا إلى الله بصيام أو صلاة أو صدقة أو جهاد أو رباط أو صلة رحم أو فعل خير، أو عكوف في مسجد، أو ذكر الله، أو تلاوة كتاب الله، كل هذا نحرمهم منه فلا يتوسلون به؛ لأنهم إذا توسلوا به نفع، واستجاب الله لهم. قال أعداؤنا: إذاً: نعطيهم فقط وسيلة لا تنفع: أسألك بجاه سيدي فلان، أعطني بجاه فلان. من فعل بنا هذا؟ إنه العدو، الثالوث الأسود المكون من ثلاث طوام: المجوس، اليهود، النصارى. لم تكون هذا الثالوث من هؤلاء؟ ما السبب؟ سلوا رجال السياسة عندكم، والله ما يعرفون كيف تكون هذا؟ والجواب: أما المجوس فما إن دخلت خيل الله ديارهم وسقط عرش كسرى وأخذ التاج ووضع على رأس سراقة بن جعشم وسراقة عفريت من عفاريت قريش قبل إسلامه، لما أعلنت قريش عن جائزة عظيمة لمن يرد لها محمداً حياً أو ميتاً بعد ما صدر الحكم عليه بالإعدام وفشلوا في تطبيقه وهاجر صلى الله عليه وسلم مع الصديق ، أعلنت قريش عن جائزة مائة بعير لمن يأتي برأس محمد أو يأتي به حي، فهذا البطل رضوان الله عليه قال: الآن أصبح أهل البلاد، فحمل سلاحه وركب فرسه وأخذ يركض ويتتبع الآثار حتى صار على بعد يومين أو ثلاثة -لأن المسافة عشرة أيام- فرأى رسول الله وأبا بكر والخريت -الدليل- الذي يقودهم في الطريق، فقال: الآن وصلت، فدفع بالفرس، فلما بقيت مسافة قريبة ساخت رجلا الفرس في الأرض وسقط، فقام وأخرج فرسه ومشى في الرمل أو في الحجارة فوقع -ثلاث مرات- فقال: الآن أتوب إلى الله، فقال له الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( فكيف بك يا سراقة إذا وضع على رأسك تاج كسرى؟ ) الله أكبر! الرسول هذا مطارد من قومه ويعلن عن هذا الإعلان! أعظم دولة يومئذ هي فارس والروم الدولتان العظميان، وسراقة يبشر بأنه سيلبس تاج كسرى! أحلام هذه أم ماذا؟ وأسلم سراقة ومات رسول الله ومات الصديق وتولى عمر وقاد جحافل الجيش، فدخل بلاد كسرى وجيء بتاج كسرى إلى عمر فدعا سراقة وألبسه التاج وفاء بوعد رسول الله له، ودخلت كسرى في الإسلام وعمها النور الإلهي وانطفأت نور المجوس؛ لأن المجوس يعبدون النار، لا يعبدونها لذاتها وإنما لتشفع لهم عند خالقها.. عند الله وكذلك الخرافيون عندنا يعبدون سيدي عبد القادر لا لذاته وإنما ليشفع لهم.. وهكذا، وأصحاب قريش كانوا يعبدون الأصنام ويقولون: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3].إذاً: يوم ما سقط عرش كسرى ولاحت أنوار الإسلام تكون حزب يعمل في الظلام، حزب وطني كأيام الاستعمار، حزب وطني لضرب هذا الإسلام والقضاء عليه، وعودة الدولة الساسانية، وتمضي ألف وثلاثمائة وحوالي خمسة وتسعين سنة والمجوس يحتفلون بذكرى مرور ألفين وخمسمائة عام على الدولة الساسانية، آمنا بالله! بعيني هاتين قرأت في جريدة المغرب أيام كنا ندعو هناك في الصيف، وإذا إعلان: أن الشاه سلطان إيران، يعلن عن قيام ذكرى مرور ألفين وخمسمائة عام على الدولة الساسانية في القناصل والسفارات في العالم، وحضر رجالكم أيها المسلمون للاحتفالات. الاحتفال بماذا؟ بذكر أبي جهل ؟! أعوذ بالله! لو يحتفل المؤمنون بذكرى أبي جهل كفروا، يحتفلون بذكرى مرور ألفين وخمسمائة عام على الدولة الساسانية!وأول رصاصة أطلقها ذلك الحزب المظلم كانت في محراب رسول الله، كانت في جسم عمر رضي الله عنه، عندما قتله أبو لؤلؤة المجوسي وقد أوعز إليه ودفعه وبعثه إليه هذا الحزب المظلم. هذا الحزب يعمل في خفاء؛ لأن النور غشي تلك البلاد وظهر فيها الصلاح والصالحون والصالحات، لكنه يعمل على إحياء هذه الدولة، وإلى الآن يعملون. واليهود ما إن صدر أمر الله بإجلائهم من الجزيرة: ( لا يجتمع دينان في جزيرة العرب ) وصية من أبي القاسم صلى الله عليه وسلم، حتى بدءوا يكيدون لهذا الدين، بنو قريظة ماتوا هنا في آخر المسجد ودفنوا في بئر وحفرة؛ لأنهم نقضوا العهد وتعاونوا مع الأحزاب، وبنو النير أجلوا وطردوا، بنو قينقاع من قبلهم التحقوا بأذرعان بالشام، ومن ثم بحث اليهود عمن يتعاونون معهم على ذبح الإسلام فوجدوا الحزب المجوسي، فتعانقوا مع بعضهم البعض، وكان همزة الوصل بينهم -وهم الآن ينفون هذا- كما قال أهل العلم: عبد الله بن سبأ الصنعاني اليماني اليهودي ، هو الذي ربط بين المجوس واليهود.وأما النصارى فما إن لاحت الأنوار ودخل الإسلام في الشام وتحول نحو الغرب واتجه نحو مصر وأفريقيا قالوا: هذه هي الطامة ولن نفلح بعد، ماذا نصنع؟ فبحثوا عمن يتعاونون معه فوجدوا المجوس واليهود، فكونوا شركة لضرب الإسلام، ومن ثم هم يعملون متعاونين إلى الآن في الخفاء.إذاً: فلما فشلوا في حروبهم وما استطاعوا وانهزموا، قالوا: لابد إذاً من العمل النافذ والمجدي، وهو أن نبحث عن سر صفاء أرواح هذه الأمة وطهارتها وقوتها وسلطانها وعدلها، ما هو؟ فقالوا: إنه القرآن، إي والله أصابوا القرآن؛ لأن القرآن بمثابة الروح للحياة، والله قرر ذلك في ثلاث آيات من كتابه؛ في التوبة وفي غافر، وفي الشورى فقال تعالى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا [الشورى:52]. ما هذا الروح الذي أوحاه؟ القرآن والله، فبه تصفو الحياة مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا [الشورى:52]، قالوا: العرب حيوا بالقرآن واهتدوا بالقرآن، فهيا نبعدهم، وحينئذ نركب على ظهورهم كالبغال والحمير، ونجحوا، فالقرآن حولوه إلى المقابر والمآتم وليالي الموت قروناً، وقد كانت أمي رحمة الله عليها تقول: يا رب اجعل ولدي -وأنا يتيم- إما حافظاً للقرآن وإما جزاراً، فالجزار يجيب لها اللحم؛ لأن اللحم كان عندنا من العام إلى العام، من الموسم إلى الموسم، وإذا كان يحفظ القرآن يقرأ على الميت ويجيب اللحمة ملفوفة في المنديل ويعطيها له؛ لأن اللحم يقسمونه قطعة قطعة، فالذي عنده زوجته وأمه تحب اللحم يجعلها في منديل ويأتي بها إلى أمه، ولكنها والحمد لله ماتت على التوحيد الخالص.والشاهد عندنا في هذا: أن القرآن روح لا حياة بدونه، ونور والله لا هداية بدونه، فالماشي في الظلام لا يهتدي إلى أغراضه وحاجاته، فكذلك الذي فقد الروح لا يحيا ولا يكمل ولا يسعد. وما زالت آثار هؤلاء الأعداء إلى الآن، ولكن خف الضغط، لكنهم الآن يحتالون ويبحثون من أين يدخلون، وهذا الدرس لو سمعه اليهود لو أمكنهم أن يشتروا بمليار دولار لاشتروه، ولا يسمع العرب والمسلمين هذا، لكن الله أبعدهم، اسمعوا ولا تبيعوه لليهود هاه، ولا تغركم الريالات!إذاً: قال تعالى: الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا [آل عمران:16]، متوسلين إلى الله بإيمانهم، فالإيمان ليس برخيص ولا هين، يدلك لذلك ملايين العلماء في أوروبا ما آمنوا، حللوا الذرة وعرفوا الكونيات كاملة وما آمنوا؛ لأن الإيمان هبة الله وعطيته. أغلى شيء في الحياة هو الإيمان -ومرة ثانية- ويدلك على ذلك: أن علماء فطاحلة في الكون.. في الحياة.. في كذا.. محرومون كفرة، لا يؤمنون بالله ولا بلقائه، وبرابرة جهال عوام يشهدون أن لا إله إلا الله ويموتون عليها، فالإيمان عطية الرحمن، هبة الله، فمن آمن فله الحق أن يتوسل بإيمانه، رب لقد آمنت بك وبرسولك، فاقض حاجتي هذه الليلة، ويفرح الجبار بكلامك، ولا تفهم أنه يغضب.واسمع إليهم يحكي عنهم: قالوا رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا وغيرنا ما آمن يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ واستجاب لهم الرحمن فهم في دار السلام. هذه صفة.
الصفة الثانية: ملازمة الصبر
قال أيضاً في بيان صفات المتقين الذين ورثوا دار السلام: الصَّابِرِينَ [آل عمران:17]. أهل الجنة جزعون أو صابرون؟ صابرون، وصفهم ربهم فقال: الصَّابِرِينَ وهذه الصيغة كلمة (أل) تدل على مكانة الوصف وعراقته، ففرق كبير بين (مؤمن) و(المؤمن) وبين (كافر) و(الكافر) بين (سارق) و(السارق) فرق كبير في لغة العرب، فـ(أل) تدل على عراقة الوصف ومكانته، فهم الصابرين بحق. والصبر: حبس النفس وهي كارهة في ثلاثة مواطن، هي: الأول: حبسها على طاعة الله ورسوله، لا تتخلف أبداً متى دريت.الموطن الثاني: حبس النفس بعيداً عن كل ما يلوثها من الشرك وضروب الذنوب والآثام والمعاصي، يحبسها بعيداً حتى لا تتلوث أبداً ولا تتلطخ.الموطن الثالث: حبسها عن المكاره، عند الابتلاء والامتحان بموت الولد والزوجة، بالمرض، بالرحلة والفراق، بأي شيء مما يختبر الله به أوليائه، فلا جزع ولا سخط، ولكن حمد الله والثناء عليه، والصبر الكامل، وكأنه لم يصب.وقد رأينا أحد الصالحين ولقبناه بأيوب الثاني، يدفن أولاده ونحن على القبر نبكي وهو يضحك يبتسم! صبر عجيب! لا جزع ولا سخط أبداً، رضي بقضاء الله وحكمه. إذاً: هذه الثلاثة المواطن حاول يا عبد الله أن تنجح فيها:الأول: أن تلتزم عبادة الله فلا تتخلى حتى عن ركعة الوتر، ولا تفارق العبادة. الثاني: أن تبتعد عن الزنا والربا والقمار والخيانة والغش والخداع وبغض المسلمين والكذب والنفاق، فهذه الأوساخ تبتعد عنها فقط. الموطن الثالث: إذا ابتلاك الله لا بأس أن تبذل دموعك وتريقها على وجهك، والرسول يضرب المثل وقد قدم له ولده إبراهيم وهو يموت في سكرات الموت، وحيده صلى الله عليه وسلم، فسالت الدموع من عينيه وقال: ( العين تدمع، والقلب يخشع، ولا نقول إلا ما يرضي الرب )، إذ ما ابتلاك الله به إما ليرفعك درجات ما كنت لتصل إليها بأعمالك الأخرى، أو ليكفر عنك ذنوباً ما كانت تكفر لك، أو ليرفعك أو يطهرك. اللهم ارزقنا الصبر، واجعلنا من الصابرين.
الصفة الثالثة: ملازمة الصدق
ثالثاً: الصادقين. من منا الصادق؟ هذا الصادق، كلنا صادق، لكن الصدق وصف لازم لهم لا ينفك عنهم في كافة الظروف والأحوال، وهو غني كما هو فقير، هو صحيح كما هو مريض، هو خائف كما هو آمن، دائماً يصدق لا يعرف الكذب أبداً، ولو يخرج ما في جيبه أو ما في بطنه لا يكذب. من يقوى على هذه الصفة؟ إنهم الصادقون. من يرغب فيكم أن يفوز بها؟ ألسنا في حاجة إليها؟! يا من يرغب أن يصبح من الصادقين اسمع رسول الله يقول: ( عليكم بالصدق -أي: الزموه- فإن الصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة -إي والله- ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً ). أبشر بالجائزة العظمى، ستصبح مع أبي بكر الصديق بالطلب.. بجهاد النفس، فاصدق إذا قلت، وإذا علمت، وإذا فكرت، لا يفارقك الصدق أبداً، واطلبه وتحراه واقصده، ولا تزال كذلك حتى تكتب في ديوان الصالحين صديقاً، فما فوق الصديقية درجة إلا النبوة، قال تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ [النساء:69] منهم؟ قال: مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ [النساء:69]، بعد النبيين مباشرة، والشهداء بعدهم، والصالحين بعد الكل ثم الصادقين.إذاً: الصادقين أقل درجة من الصديقين، فتلك تحتاج إلى الليالي الطوال، أما كونك صادقاً إذا قلت.. إذا علمت.. إذا أعطيت.. إذا سئلت.. إذا علمت. الصدق من السهولة بمكان لكن لازمه حتى يكون لك وصفاً فيقال: فلان من الصادقين.
الصفة الرابعة: القنوت والخضوع لله
رابعاً: وَالْقَانِتِينَ [آل عمران:17]. من هم القانتون؟ حتى النساء قانتات، فالقانت عبد يدعو الله عز وجل. والقنوت هو الدعاء، فالعبد إذا قام بين يدي الله في الصلاة يدعو ولا يذكر كلمة خارجة عن الصلاة، وقد كانوا يتكلمون في الصلاة فنزل منع ذلك في هذه الآية: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238]، فالقنوت هو: الخضوع والخشوع لله عز وجل، والدعاء والضراعة بين يديه، أصحاب هذه الصفة هم أهل الجنة القانتين.
الصفة الخامسة: الإنفاق في سبيل الله
خامساً: وَالْمُنْفِقِينَ [آل عمران:17]. ينفقون ماذا؟ أوقاتهم في مشاهدة التلفاز والفيديو وألعاب الكرة والأضاحيك ومجالس الباطل وقصائد المشايخ.. هكذا؟لا والله، بل المنفقون لأموالهم في سبيل الله، فابدأ بنفسك ثم بزوجتك، ثم بولدك، ثم بمن تعول، وما فاض فاحمله إلى غير ذلك، فالمنفقون الإنفاق وصف لازم لهم لا يبرحون في حدود طاقتهم وما يقدرون عليه.
الصفة السادسة: الاستغفار بالأسحار
أخيراً: وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ [آل عمران:17]، الأسحار جمع سحر، والسحور أكلة السحر تسمى السحور، والسحور ثلث الليل الآخر، في هذا الوقت بالذات هؤلاء يستغفرون الله عز وجل: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:10]، رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ [المؤمنون:118]، نستغفر الله ونتوب إليه.. نستغفر الله ونتوب إليه، رب اغفر لي وتب علينا إنك التواب الرحيم.. ثلث ليل وهم يستغفرون في الصلاة وخارجها، فهذا الوصف لا زم لهم، في هذا الوقت الذي ينام فيه أصحاب البطالة ويسهرون حتى الثانية عشر أمام التلفاز والحكايات وقراءة المجلات والصحف ثم يصرعون ولا يستيقظون إلا مع طلوع الشمس، في هذا الوقت هؤلاء يلهجون بالاستغفار.واسمعوا إلى هذه الجائزة العظيمة، يقول صلى الله عليه وسلم: ( إذا مضى ثلث الليل الأول نزل الرب جل جلاله وعظم سلطانه إلى سماء الدنيا ونادى: أنا الملك.. أنا الملك، هل من داع فأستجيب له؟ هل من سائل فأعطيه سؤله؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ وذلك حتى يطلع الفجر )، فيا ويح النائمين يومئذ، أو ساعئذ.والاستغفار من ألفاظه: سبحانك اللهم لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك. ومن الاستغفار: رب ظلمتُ نفسي وإن لم تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين. ومن الاستغفار: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. استغفروا الله يغفر لكم، وصلى الله على نبينا محمد.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #390  
قديم 19-12-2020, 04:50 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,926
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (67)
الحلقة (208)

تفسير سورة آل عمران (70)



لقد وهب الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم الكمال الأخلاقي الذي هو قوام الأمر، فأنعم على عباده من المهاجرين والأنصار بالرحمة التي جعلها في قلب نبيه لهم، وهذه الرحمة تحمله صلى الله عليه وسلم على العفو عن مسيئهم، والاستغفار لهم، ومشاورتهم في كل أمر ذي بال، فلا ينفرون من حوله، ولا يهجرون مجلسه صلى الله عليه وسلم.
تفسير قوله تعالى: (فبما رحمة من الله لنت لهم...)
إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والليالي الثلاث بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم حقق لنا هذا الرجاء، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.وها نحن مع سورة آل عمران عليهم السلام، وقد انتهى بنا الدرس إلى هاتين الآيتين الكريمتين، وتلاوتهما بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ * إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [آل عمران:159-160].معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! يقول الله تعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ [آل عمران:159]، فالقائل هو الله عز وجل، ووصلتنا كلماته من طريق وحيه إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، فأوحى إليه هذا القرآن من كلمة: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ [العلق:1]، إلى آخر آية نزولاً: وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [البقرة:281]، ودامت مدة الوحي ثلاثة وعشرين سنة، فختم الله هذا الكتاب وأكمل هذا الدين.وها نحن في بيت الله وفي مسجد رسول الله نتلو كتاب الله عز وجل، ونسمع كلام الله ونتدبره ونهتدي به إلى ما يكملنا ويسعدنا، وهذه نعمة في حد ذاتها، إذ إن بلايين البشر لا يؤمنون بالله ولا برسوله، ولا يعرفون كلام الله تعالى، ولا يسلكون مسالك أولياء الله وأنبيائه، فمن نحن وما نحن لولا فضل الله علينا؟! فالحمد لله على نعمة الإسلام.
لين النبي مع المؤمنين برحمة رب العالمين
فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ [آل عمران:159]، وأصل الكلام: فبرحمة من الله، وزيدت هذه الميم لتقوية الكلام والمعنى، تقول العرب: زيادة المبنى تدل على زيادة في المعنى، والتنكير هنا يدل على التعظيم، أي: رحمة عظيمة مصدرها من الله تعالى. لِنْتَ لَهُمْ [آل عمران:159]، أي: لنت لهم يا رسولنا ولم تتشدد، وعفوت ولم تؤاخذ، وأصفحت ولم تؤنب، وهذه رحمة الله رحم بها أولئك الأصحاب الذين فروا منهزمين يوم أحد، فلو كان الرسول صلى الله عليه وسلم شديداً قاسي القلب، لا عطف ولا لين عنده، لأنبهم ولقسا عليهم، فهربوا وشردوا وعادوا إلى الكفر والعياذ بالله، وبذلك يخسرون خسراناً أبدياً، لكنها الرحمة التي ألقاها في رسوله صلى الله عليه وسلم فغمره وغشاها بها، فلا شدة ولا غضاضة ولا غضب، ولا تألم ولا تحسر أمامهم، وكل هذا غرسه الله في نبيه محمد صلى الله عليه وسلم من أجل أوليائه وأصحاب رسوله صلى الله عليه وسلم، فكونهم زلت أقدامهم وهربوا خائفين شاردين من الموت، فإن هذا لا يسلبهم إيمانهم ولا حبهم لله تعالى، ولا جهادهم مع رسوله صلى الله عليه وسلم.
الغلظة والقسوة سبب لنفور المدعوين
وَلَوْ كُنْتَ [آل عمران:159]، يا رسولنا فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ [آل عمران:159]، والفظ هو: الخشن في معاملاته، السيئ في أخلاقه، وحاشى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون كذلك، بل كان رقيقاً في معاملته، فيعامل أصحابه بالرفق والعطف واللين. لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159]، أي: انصرفوا وتركوك وحدك، وهذا ممكن؛ لأن الذي أخبر بذلك هو الله عز وجل، إذ لو أعلن الرسول صلى الله عليه وسلم عن غضبه كما نغضب، وأخذ في الشتم كما هو حالنا، فإنه لن يبق واحد إلا من شاء الله، ويلتحقون بـأبي سفيان، لكن الله أضفى على رسوله هذا الكمال الخلقي فما استطاعوا أن يبعدوا من ساحته، وهذا تدبير من الله عز وجل، وهذا رحمة بأوليائه المؤمنين وأصحاب رسوله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار.
عفو النبي عن أصحابه واستغفاره لهم ومشاورتهم في المسائل الهامة
إذاً: فبناء على هذا: فَاعْفُ عَنْهُمْ [آل عمران:159]، أي: لا تؤاخذ أحداً منهم، فقد أكسبناك هذا اللين وهذا العطف وهذه الشفقة وهذه الرحمة من أجلهم. ثم قال تعالى: وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ [آل عمران:159]، أي: استغفر لهم الله عز وجل؛ ليغفر لهم زلة فرارهم وانهزامهم أيضاً. وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ [آل عمران:159]، أي: لا تستهن ولا تبال بهم، وتقول: هؤلاء فروا منهزمين، هؤلاء عصوني، لا، وإنما اتخذ من أعيانهم ورجالاتهم وأولي الحل والعقد من تستشيرهم في أمور دنياك، وذلك كالجهاد ومتطلباته وما إلى ذلك. وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ [آل عمران:159]، أي: أمر ذو أهمية كالجهاد، وخوض المعارك، والإعداد لها، والمشي إليها فيما هو مهم.
معنى قوله تعالى: (فإذا عزمت فتوكل على الله)
فَإِذَا عَزَمْتَ [آل عمران:159]، أي: بعد الشورى، وسماع آراء العقلاء، والعزم على أن تفعل فافعل، فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ [آل عمران:159]، وامض ولا تفكر لا في هزيمة ولا في نصر، ولا خوف ولا جبن ولا خور ولا ضعف، وإنما لاحت في الأفق أن السير في هذا الطريق هو الحق فامض. فَإِذَا عَزَمْتَ [آل عمران:159]، أي: على القيام بأمر من أمور هذه الدعوة، فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ [آل عمران:159]، أي: فوض أمرك إليه، فهو الذي يقضي بما يشاء ويحكم بما يريد، وما عليك إلا أن تعمل على تحقيق رضاه. ثم بين ذلك بقوله: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ [آل عمران:159]، وهذه عامة لنا أيضاً فنحن معهم، إذ إن من توكل على الله، فأمره الله بأمر ولاح في الأفق ما يخيف أو يرهب أو يكرب ويحزن، فمضى عبد متوكلاً عليه في حصول النتائج المرغوبة والمطلوبة، فإن الله يحبه، والذي أمره الله أو نهاه وأراد أن يفعل، فلاح له في الأفق ما يوعده وما يخوفه، فيقول: قد لا يقع هذا، قد ننكسر، قد ننهزم، ثم فشل، فهذا لا يحبه الله تعالى؛ لأنه ما توكل على الله تعالى، ولذلك فالمتوكل على الله هو ذاك الذي إذا أمره مولاه فإنه يمضي أمره وينفذه غير مبالٍ بما يترتب على ذلك من انكسار أو انتصار، وإنما همه أن يطيع ربه عز وجل، فيفوض أمره إلى الله، أي: أمر الانتصار أو الانكسار، ويفعل ما أمر به، وهذا العبد أو هذه الأمة يحبه الله عز وجل، وحبه ظاهر مادام أنه امتثل أمر الله، وذاك الامتثال أوجد له الطهر في النفس والزكاة في الروح، والله يحب الطيبين والطاهرين.
تفسير قوله تعالى: (إن ينصركم الله فلا غالب لكم...)
قال تعالى: إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [آل عمران:160]يقول تعالى: إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:160]، أي: إن ينصركم الله أيها المؤمنون وبينكم رسولكم، والخطاب عام، فَلا غَالِبَ لَكُمْ [آل عمران:160]، فإن قيل: قد غلبونا اليهود؟ فالجواب: ما نصرنا الله، إذ لو نصرنا الله فلا يغلبنا اليهود ولا الصرب ولا روسيا ولا أمريكا. إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ [آل عمران:160]، أي: لا يوجد غالب يغلبكم أبداً، وإنما يوجد الغالب الذي يغلب المؤمنين إذا تخلى الله عنهم ولم ينصرهم، وذلك عندما لا يأخذون ببيانه وهدايته، وما وضع لهم من منهج وطريق، فأعرضوا عنه والتفتوا إلى غيره، ورغبوا بشهواتهم ودنياهم، وعند ذلك لا يحبهم الله وينصرهم. إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:160]، في أي ميدان من ميادين الحياة، فَلا غَالِبَ لَكُمْ [آل عمران:160]، ومعنى هذا: عليكم بالله، فالتفوا حول كتابه، والتفوا حول بيانه وشرف هدايته، ولا تخافوا الأبيض ولا الأسود، ولا المشركين ولا الكافرين، فإن من يتوكل على الله ينصره، ومن نصره الله والله لا يغلبه غالب أبداً. وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ [آل عمران:160]، أي: الله، فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ [آل عمران:160]؟ لا عبد القادر ولا سيدي البدوي.وقد شكا إلي أحد الأبناء فقال: بين للناس الجهل الذي يقع حول الحجرة الشريفة، إذ إنهم لا يحسنون الزيارة ولا السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت له: ماذا نصنع؟ قد بينا وقلنا: من أراد أن يزور قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فليأت متطهراً ويصلي ركعتين في مسجده، ثم يقف على باب حجرته ويقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، صلى الله عليك وعلى آلك وأزواجك وذرياتك أجمعين، أو السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، ثم يسلم على الشيخين ويمشي. لكن الأمة جاهلة، فهل كلمتي هذه بلغتهم ونفذوها؟ إننا نحتاج إلى تربية وتعليم في بيوتنا وفي بيوت ربنا، في قرانا ومدارسنا وأحيائنا، وذلك العام والعامين والثلاثة والعشرة حتى نفقه ونفهم ونعلم، ولا تكفي كلمة واحدة أبداً، ثم لو كنا بصراء فهانحن نسلم على رسول الله والله في كل صلاة، ونحن في أمريكا أو في اليابان أو في أي مكان، فإذا جلسنا بين يدي الله في الصلاة نقول: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، فهل هناك سلام أعظم من هذا؟ هذا الذي علمنا رسول صلى الله عليه وسلم، وما كنا نعرف معرفة يقينية أنه يسمعنا إذا سلمنا عليه، لكن الآن نحن موقنون بذلك، فإذا كنت متطهراً بين يدي الله تصلي الفريضة أو النافلة، وقلت: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، والله لبلغته وسمعها عليه الصلاة والسلام.أما الذين يتمسحون ويتبركون ويقولون الباطل حول الحجرة الشريفة فكلهم جهال، ويزال جهلهم هذا بالعلم والتربية، وبالجلوس في مثل هذه المجالس النبوية.ولولا أن الله عز وجل أوجد هذه الحكومة الإسلامية -قد يغضب بعض الإخوان ويقول: الشيخ يمدح الحكومة-لرأيتم العجب حول هذه الحجرة من أنواع الشرك والباطل، ومع هذا يوجد عسكر وهيئة ويشكون من جهل الناس. إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ [آل عمران:160]، أيها المجاهدون، وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ [آل عمران:160] لمعصيته والخروج عن طاعته، وعدم الأخذ بأسباب النصر، فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ [آل عمران:160] من أهل الأرض؟ والله لا أحد، وَعَلَى اللَّهِ [آل عمران:160]، لا على غيره وحده فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [آل عمران:160]، ليعتمدوا على الله، وليفوضوا الأمر إليه، وليفعلوا ما أمر ويتركوا ما نهى، وليترتب على ذلك ما يترتب من ذل أو هون أو فقر أو نصر أو عزة أو سيادة أو غنى، إذ إن هذا يترك لله فقط، والمسلم يطبق أمره ويفوض أمر النجاح إليه سبحانه وتعالى. وَعَلَى اللَّهِ [آل عمران:160]، لا على غيره، لا على سواه، فَلْيَتَوَكَّلِ [آل عمران:160]، واللام للأمر، الْمُؤْمِنُونَ [آل عمران:160]، و(ال) في (المؤمنون) تدل على عراقة الوصف ومتانته، ولم يقل: (فليتوكل مؤمنون)، وإنما قال: الْمُؤْمِنُونَ [آل عمران:160]، أي: البالغون الكمال في إيمانهم، علماً ومعرفة واعتقاداً ويقيناً.فهيا أعيد عليكم قراءة هاتين الآيتين قبل أن نأخذ في الشرح من الكتاب، يقول تعالى واسمع: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ * إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:159-160]، وهذا بلاغ ثانٍ، إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [آل عمران:160].

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 244.88 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 239.08 كيلو بايت... تم توفير 5.80 كيلو بايت...بمعدل (2.37%)]