|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() ![]() كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي المجلد السابع الحلقة (314) صــــــــــ 234 الى صـــــــــــ 241 والبغل وإن لم يؤكل لحمهما للمنفعة فيهما ويقولون: لو زعمنا أن ثمنه لا يحل زعمنا أنه لا شيء على من قتله ويقولون أشباها لهذا كثيرة فيزعمون أن ماشية لرجل لو ماتت كان له أن يسلخ جلودها فيدبغها فإذا دبغت حل بيعها ولو استهلكها رجل قبل الدباغ لم يضمن لصاحبها شيئا لأنه لا يحل ثمنها حتى تدبغ ويقولون في المسلم يرث الخمر أو توهب له لا تحل إلا بأن يفسدها فيجعلها خلا فإذا صارت خلا حل ثمنها ولو استهلكها مستهلك وهي خمر أو بعد ما أفسدت وقبل أن تصير خلا لم يضمن ثمنها في تلك الحال لأن أصلها محرم ولم تصر خلا لأنهم يعقلون ما يقولون: وإنما صاروا محجوجين بخلاف الحديث الذي ثبتناه نحن وأنتم من أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ثمن الكلب وهم لا يثبتونه وأنتم محجوجون بأنكم لم تتبعوه وأنتم تثبتونه ولا تجعلون للكلب ثمنا إذا كان حيا وتجعلون فيه ثمنا إذا كان ميتا أو رأيتم لو قال لكم قائل: لا أجعل له ثمنا إذا قتل لأنه قد ذهبت منفعته وأجيز أن يباع حيا ما كانت المنفعة فيه وكان حلالا أن يتخذ هل الحجة عليه إلا أن يقال ما كان له مالك وكان له ثمن في حياته كان له ثمن وما لم يكن له ثمن في إحدى الحالين لم يكن له ثمن في الأخرى. . [باب الزكاة] (قال الشافعي) : - رحمه الله - أخبرنا مالك بن أنس عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد الخدري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة» قال: وبهذا نقول وتقولون في الجملة ثم خالفتموه في معان وقد زعمتم وزعمنا أن لا يضم صنف طعام إلى غيره لأنا إذا ضممناها فقد أخذنا فيما دون خمسة أوسق فإن في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يبين أنه لا يكون في خمسة أوسق صدقة حتى تكون من صنف واحد ثم زعمتم أنكم تضمون الحنطة والسلت والشعير معا لأن سعدا لم يجز الحنطة بالشعير إلا مثلا بمثل. (قال الشافعي) : وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم: «بيعوا الحنطة بالشعير كيف شئتم يدا بيد» ولم يقل في السلت شيئا علمته والسلت غير الحنطة والتمر من الزبيب أقرب من السلت من الحنطة وأنتم لا تضمون أحدهما إلى الآخر وزعمتم أنكم تضمون القطنية كلها بعضها إلى بعض وتزعمون أن حجتكم فيها أن عمر أخذ من القطنية العشر ونحن وأنتم نأخذ من القطنية والحنطة والتمر والعشور أفيضم بعض ذلك إلى بعض وأخذ عمر من الحنطة والزبيب نصف العشر أفيضم الزبيب إلى الحنطة؟ إن هذا لإحالة عما جاء عن عمر وخلافه هذا قول متناقض أنتم تحلون التفاضل إذا اختلف الصنفان فكيف حل لكم أن تضموها وهي عندكم مختلفة؟ وكيف جاز لكم أن يحل فيها التفاضل وهي عندكم طعام من صنف واحد؟ ما أعلم قولكم في القطنية والسلت والشعير إلا خلافا للسنة والآثار والقياس. . [باب النكاح بولي] سألت الشافعي عن النكاح فقال: كل نكاح بغير ولي فهو باطل فقلت: وما الحجة في ذلك؟ قال: أحاديث ثابتة فأما من حديث مالك فإن مالكا أخبرنا عن عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها» (قال الشافعي) : أخبرنا مالك أنه بلغه أن ابن المسيب كان يقول: قال عمر بن الخطاب: لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها أو ذي الرأي من أهلها أو السلطان. (قال الشافعي) : وثبتم هذا وقلتم: لا يجوز نكاح إلا بولي ونحن نقول فيه بأحاديث من أحاديث الناس أثبت من أحاديثه وأبين (قال الشافعي) : أخبرنا مسلم بن خالد وعبد المجيد عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل» ثلاثا (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا مسلم وسعيد عن ابن جريج عن عكرمة قال: جمع الطريق ركبا فيهم امرأة ثيب فجعلت أمرها بيد رجل فزوجها رجلا فجلد عمر الناكح والمنكح وفرق بينهما (قال الشافعي) : أخبرنا مسلم عن ابن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لا نكاح إلا بولي مرشد وشاهدي عدل (قال الشافعي) : وهذا قول العامة بالمدينة ومكة. قلت للشافعي: نحن نقول في الدنية لا بأس بأن تنكح بغير ولي، ونفسخه في الشريفة فقال: الشافعي عدتم لما سددتم من أمر الأولياء فنقضتموه قلتم لا بأس أن تنكح الدنية بغير ولي فأما الشريفة فلا (قال الشافعي) : السنة والآثار على كل امرأة فمن أمركم أن تخصوا الشريفة بالحياطة لها واتباع الحديث فيها، وتخالفون الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعمن بعده في الدنية؟ أرأيتم لو قال لكم قائل: بل لا أجيز نكاح الدنية إلا بولي لأنها أقرب من أن تدلس بالنكاح وتصير إلى المكروه من الشريفة التي تستحيي على شرفها وتخاف من يمنعها أما كان أقرب إلى أن يكون أصاب منكم؟ فإن الخطأ في هذا القول لأبين من أن يحتاج إلى تبينه بأكثر من حكايته (قال الشافعي) : النساء محرمات الفروج إلا بما أبيحت به الفروج من النكاح بالأولياء والشهود والرضا ولا فرق بين ما يحرم منهن وعليهن في شريفة ولا وضيعة، وحق الله عليهن، وفيهن كلهن واحد لا يحل لواحد منهن ولا يحرم منها إلا بما حل للأخرى وحرم منها. [باب ما جاء في الصداق] سألت الشافعي عن أقل ما يجوز من الصداق فقال: الصداق ثمن من الأثمان فما تراضى به الأهلون في الصداق مما له قيمة فهو جائز كما ما تراضى به المتبايعان مما له قيمة جاز قلت: وما الحجة في ذلك؟ قال: السنة الثابتة والقياس والمعقول والآثار فأما من حديث مالك فأخبرنا مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد «أن رجلا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يزوجه امرأة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - التمس ولو خاتما من حديد فقال لا أجد فزوجه إياها بما معه من القرآن» قلت للشافعي: فإنا نقول لا يكون صداق أقل من ربع دينار ونحتج فيه أن الله تبارك وتعالى يقول {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم} [البقرة: 237] وقال {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة} [النساء: 4] فأي شيء يعطيها لو أصدقها درهما؟ قلنا: نصف درهم وكذلك لو أصدقها أقل من درهم كان لها نصفه قلت: فهذا قليل. (قال الشافعي) : هذا شيء خالفتم به السنة والعمل والآثار بالمدينة، ولم يقله أحد قبلكم بالمدينة علمناه وعمر بن الخطاب يقول: ثلاث قبضات زبيب مهر وسعيد بن المسيب يقول: لو أصدقها سوطا فما فوقه جاز وربيعة بن أبي عبد الرحمن يجيز النكاح على نصف درهم وأقل وإنما تعلمتم هذا فيما نرى من أبي حنيفة ثم أخطأتم قوله لأن أبا حنيفة قال: لا يكون الصداق أقل مما نقطع فيه اليد، وذلك عشرة دراهم فقيل لبعض من يذهب مذهب أبي حنيفة: أو خالفتم ما روينا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بعده فإلى قول من ذهبتم؟ فروى عن علي فيه شيئا لا يثبت مثله لو لم يخالفه غيره لا يكون مهر أقل من عشرة دراهم فأنتم خالفتموه فقلتم: يكون الصداق ربع دينار قال: وقال بعض أصحاب أبي حنيفة: إنا استقبحنا أن يباح الفرج بشيء يسير قلنا: أفرأيت إن اشترى رجل جارية بدرهم يحل له فرجها؟ قالوا: نعم قلنا: فقد أبحتم فرجا وزيادة رقبة بشيء يسير فجعلتموها تملك رقبتها ويباح فرجها بدرهم وأقل وزعمتم أنه لا يباح فرجها منكوحة إلا بعشرة دراهم أو رأيت عشرة دراهم لسوداء فقيرة ينكحها شريف أليست بأكثر لقدرها من عشرة دراهم لشريفة غنية نكحها دنيء فقير؟ أو رأيتم وحين ذهبتم إلى ما تقطع فيه اليد فجعلتم الصداق قياسا عليه أليس الصداق بالصداق أشبه منه بالقطع؟ فقالوا: الصداق خبر والقطع خبر لا أن أحدهما قياس على الآخر ولكنهما اتفقا على العدد هذا تقطع فيه اليد وهذا يجوز مهرا فلو قال رجل: لا يجوز صداق أقل من خمسمائة درهم؛ لأن ذلك صداق النبي - صلى الله عليه وسلم - وصداق بناته ألا يكون أقرب منكم؟ أو قال رجل: لا يحل أن يكون الصداق أقل من مائتي درهم؛ لأن الزكاة لا تجب في أقل من مائتي درهم ألا يكون أقرب إلى الصواب منكم وإن كان كل واحد منكما غير مصيب وإذا كان لا ينبغي هذا وما قلتم فلا ينبغي فيه إلا اتباع السنة والقياس أرأيتم إن كان الرجل يصدق المرأة صداق مثلها عشرة دراهم ألف درهم فيجوز ولا يكون له رده. ويصدق المرأة عشرة وصداق مثلها آلاف فيجوز ولا يكون لها رد ذلك كما تكون البيوع يجوز فيها التغابن برضا المتبايعين فلم يكون هكذا فيما فوق عشرة دراهم ولا يكون هكذا فيما دون عشرة دراهم (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قضى في المرأة يتزوجها الرجل أنه إذا أرخيت الستور فقد وجب الصداق. (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن ابن شهاب أن زيد بن ثابت قال: إذا دخل الرجل بامرأته فأرخيت عليهما الستور فقد وجب الصداق. (قال الشافعي) : ليس إرخاء الستور يوجب الصداق عندي لقول الله جل ثناؤه {إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن} [الأحزاب: 49] ولا نوجب الصداق إلا بالمسيس قال: وكذا روي عن ابن عباس وشريح وهو معنى القرآن. . [باب في الرضاع] (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر سهلة ابنة سهيل أن ترضع سالما خمس رضعات فيحرم بهن» (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة أنها: قالت كان فيما أنزل الله في القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن "ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهن مما يقرأ من القرآن (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع أن سالم بن عبد الله أخبره أن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أرسلت به وهو يرضع إلى أختها أم كلثوم فأرضعته ثلاث رضعات ثم مرضت فلم ترضعه غير ثلاث رضعات فلم يكن يدخل على عائشة من أجل أن أم كلثوم لم تكمل له عشر رضعات." (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا مالك عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد أنها أخبرته أن حفصة أم المؤمنين أرسلت بعاصم بن عبد الله بن سعد إلى أختها فاطمة بنت عمر ترضعه عشر رضعات ليدخل عليها وهو صغير يرضع ففعلت فكان يدخل عليها. (قال الشافعي) : فرويتم عن عائشة أن الله أنزل كتابا أن "يحرم من الرضاع بعشر رضعات ثم نسخن بخمس رضعات، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - توفي وهي مما يقرأ من القرآن، وروي «عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر بأن يرضع سالم خمس رضعات يحرم بهن» ورويتم عن عائشة وحفصة أمي المؤمنين مثل ما روت عائشة وخالفتموه ورويتم عن ابن المسيب أن المصة الواحدة تحرم فتركتم رواية عائشة ورأيها ورأي حفصة بقول ابن المسيب وأنتم تتركون على سعيد بن المسيب رأيه برأي أنفسكم مع أنه روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل ما روت عائشة وابن الزبير ووافق ذلك رأي أبي هريرة وهكذا ينبغي لكم أن يكون عندكم العمل (قال الشافعي) : أخبرنا أنس بن عياض عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تحرم المصة ولا المصتان» فقلت للشافعي: أسمع ابن الزبير من النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: نعم وحفظه عنه وكان يوم توفي النبي ابن تسع سنين. ." [باب ما جاء في الولاء] (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنما الولاء لمن أعتق» (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الولاء وعن هبته» (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وبهذا أقول فقلت للشافعي: إنا نقول في السائبة ولاؤه للمسلمين، وفي النصراني يعتق المسلم ولاؤه للمسلمين (قال الشافعي) : وتقولون في الرجل يسلم على يدي الرجل أو يلتقطه أو يواليه لا يكون لواحد من هؤلاء ولاء؛ لأن واحدا من هؤلاء لم يعتق، والعتق يقوم مقام النسب ثم تعودون فتخرجون من الحديثين وأصل قولكم فتقولون إذا أعتق الرجل عبده سائبة لم يكن له ولاؤه، وإذا أعتق الذمي عبده المسلم لم يكن له ولاؤه (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : ولا يعدو المعتق عبده سائبة، والنصراني يعتق عبده مسلما أن يكونا مالكين يجوز عتقهما فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «الولاء لمن أعتق» فمن قال: لا ولاء لهذين فقد خالف ما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخرج الولاء من المعتق الذي جعله له رسول الله أو يكون كل واحد منهما في حكم من لا يجوز له العتق إذا كانا لا يثبت لهما الولاء فإذا أعتق الرجل عبده سائبة أو النصراني عبده مسلما لم يكن واحد منهما حرا لأنه لا يثبت لهما الولاء وأنتم والله يعافينا وإياكم لا تعرفون ما تتركون، ولا ما تأخذون فقد تركتم على عمر أنه قال للذي التقط المنبوذ: ولاؤه لك وتركتم على ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - وابن عباس أنها وهبته ولاء سليمان بن يسار وتركتم حديث عبد العزيز بن عمر «عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الرجل يسلم على يدي الرجل له ولاؤه» وقلتم: الولاء لا يكون إلا لمعتق ولا يزول بهبة ولا شرط عن معتق ثم زعمتم في السائبة وله معتق وفي النصراني يعتق المسلم وهو معتق أن لا ولاء لهما فلو أخذتم ما أصبتم فيه بتبصر كان السائبة والنصراني أولى أن تقولوا: ولاء السائبة لمن أعتقه، والمسلم للنصراني إذا أعتقه وقد فرقتم بينهما كان ما خالفتموه لما خالف حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - «الولاء لمن أعتق» أولى أن تتبعوه؛ لأن فيه آثارا مما لا أثر فيه. . [باب الإفطار في شهر رمضان] (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة «أن رجلا أفطر في رمضان فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يكفر بعتق رقبة أو صيام شهرين أو إطعام ستين مسكينا فقال: إني لا أجد فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بعرق فقال: له خذ هذا فتصدق به فقال يا رسول الله ما أجد أحوج مني فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت أنيابه ثم قال: كله» (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن عطاء الخراساني عن سعيد بن المسيب «أن أعرابيا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أصبت أهلي في رمضان وأنا صائم فقال رسول الله هل تستطيع أن تعتق رقبة؟ قال: لا قال: فهل تستطيع أن تهدي بدنة قال: لا قال فاجلس فأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بعرق فأعطاه إياه» (قال الشافعي) : - رحمه الله - بهذا نقول يعتق رقبة لا يجزيه غيرها إذا وجدها وكفارته كفارة الظهار وزعمتم أن أحب إليكم أن لا تكفروا إلا بإطعام يا سبحان الله العظيم كيف تروون عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا تخالفونه، ولا تخالفون إلى قول أحد من خلق الله ما رأينا أحدا قط في شرق ولا غرب قبلكم ولا بلغنا عنه أنه قال مثل هذا، وما لأحد خلاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. . [باب في اللقطة] سألت الشافعي عمن وجد لقطة فقال: يعرفها سنة ثم يأكلها إن شاء موسرا كان أو معسرا فإذا جاء صاحبها ضمنها له فقلت له وما الحجة في ذلك؟ قال: السنة الثابتة وروى هذا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبي بن كعب وأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بأكلها، وأبي من مياسير الناس يومئذ وقبل وبعد (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا مالك بن أنس عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالد الجهني أنه قال: «جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن اللقطة فقال: اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة، فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها» (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن أيوب بن موسى عن معاوية بن عبد الله بن بدر الجهني أن أباه أخبره أنه نزل منزل قوم بطريق الشام فوجد صرة فيها ثمانون دينارا فذكر ذلك لعمر بن الخطاب فقال له عمر عرفها على أبواب المساجد واذكرها لمن يقدم من الشام سنة فإذا مضت السنة فشأنك بها. (قال الشافعي) : فرويتم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم عن عمر أنه أباح بعد سنة أكل اللقطة ثم خالفتم ذلك، وقلتم نكره أكل اللقطة للغني والمسكين (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع أن رجلا وجد لقطة فجاء إلى عبد الله بن عمر فقال: إني وجدت لقطة فماذا ترى؟ فقال له ابن عمر: عرفها قال: قد فعلت قال زد قال: قد فعلت قال: لا آمرك أن تأكلها ولو شئت لم تأخذها. (قال الشافعي) : فابن عمر لم يوقت في التعريف وقتا وأنتم توقتون في التعريف سنة وابن عمر كره للذي وجد اللقطة أكلها غنيا كان أو فقيرا، وأنتم ليس هكذا تقولون وابن عمر كره له أخذها وابن عمر كره له أن يتصدق بها وأنتم لا تكرهون له أخذها بل تستحبونه وتقولون: لو تركها ضاعت. [باب المسح على الخفين] سألت الشافعي عن المسح على الخفين فقال: يمسح المسافر والمقيم إذا لبسا على كمال الطهارة فقلت: وما الحجة؟ قال: السنة الثابتة وقد أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عباد بن زياد وهو من ولد المغيرة بن شعبة عن المغيرة بن شعبة «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذهب لحاجته في غزوة تبوك ثم توضأ ومسح على الخفين وصلى» (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا مالك عن نافع وعبد الله بن دينار أنهما أخبراه أن عبد الله بن عمر قدم الكوفة على سعد بن أبي وقاص وهو أميرها فرآه يمسح على الخفين فأنكر ذلك عليه عبد الله بن عمر فقال له سعد: خل أباك فسأله فقال له عمر: إذا أدخلت رجليك في الخفين وهما طاهرتان فامسح عليهما قال ابن عمر: وإن جاء أحدنا من الغائط؟ قال: وإن جاء أحدكم من الغائط، أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر بال في السوق ثم توضأ ومسح على خفيه ثم صلى. (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن سعيد بن عبد الرحمن بن رقيش قال: رأيت أنس بن مالك أتى قباء فبال وتوضأ ومسح على الخفين ثم صلى. (قال الشافعي) : فخالفتم ما روى صاحبكم عن عمر بن الخطاب وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر وأنس بن مالك وعروة بن الزبير وابن شهاب فقلتم لا يمسح المقيم وقد أخبرنا مالك عن هشام أنه رأى أباه يمسح على الخفين (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن ابن شهاب قال: يضع الذي يمسح على الخفين يدا من فوق الخفين ويدا من تحت الخفين ثم يمسح، فقلت للشافعي: فإنا نكره المسح في الحضر والسفر قال: هذا خلاف ما رويتم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلاف العمل من أصحابه والتابعين بعدهم فكيف تزعمون أنكم تذهبون إلى العمل والسنة جميعا (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن ابن المسيب «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لليهود حين افتتح خيبر: أقركم ما أقركم الله على أن الثمر بيننا وبينكم فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبعث ابن رواحة فيخرص بينه وبينهم ثم يقول: إن شئتم فلكم، وإن شئتم فلي» . . [مسائل في أبواب متفرقة] [باب ما جاء في الجهاد] (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن عمر بن كثير بن أفلح عن أبي محمد مولى أبي قتادة الأنصاري «عن أبي قتادة الأنصاري قال خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام حنين فلما التقينا كانت للمسلمين جولة فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين قال فاستدرت له حتى أتيته من ورائه فضربته على حبل عاتقه ضربة فأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت ثم أدركه الموت فأرسلني فلحقت عمر بن الخطاب فقلت له: ما بال الناس؟ فقال: أمر الله ثم إن الناس رجعوا فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه فقمت فقلت من يشهد لي ثم جلست ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم - من قتل قتيلا له عليه بينة في الثالثة فقمت فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لك يا أبا قتادة؟ فاقتصصت عليه القصة فقال رجل: صدق يا رسول الله وسلب ذلك القتيل عندي فأرضه منه فقال أبو بكر لاها الله إذا لا يعمد إلى أسد من أسد يقاتل عن الله فيعطيك سلبه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صدق فأعطه إياه قال أبو قتادة: فأعطانيه فبعت الدرع فابتعت به مخرفا في بني سلمة فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام قال مالك المخرف النخيل» (قال الشافعي) : وبهذا نقول السلب للقاتل في الإقبال وليس للإمام أن يمنعه بحال؛ لأن إعطاء النبي - صلى الله عليه وسلم - السلب حكم منه وقد أعطى رسول الله السلب يوم حنين وأعطاه ببدر وأعطاه في غير موطن. فقلت للشافعي: فإنا نقول: إنما ذلك على الاجتهاد من الإمام فقال: تدعون ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يدل على أن هذا حكم من النبي - صلى الله عليه وسلم - للقاتل فكيف ذهبتم إلى أنه ليس بحكم؟ أو رأيتم ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من أنه أعطى من حضر أربعة أخماس الغنيمة فلو قال قائل: هذا من الإمام على الاجتهاد هل كانت الحجة عليه إلا أن يقال: إعطاء النبي - صلى الله عليه وسلم - على العام والحكم حتى تأتي دلالة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن قوله خاص فيتبع قول النبي - صلى الله عليه وسلم - فأما أن يتحكم متحكم فيدعي أن قولي النبي - صلى الله عليه وسلم - أحدهما حكم، والآخر اجتهاد بلا دلالة فإن جاز هذا خرجت السنن من أيدي الناس، فإن قلتم: لم يبلغنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال هذا إلا يوم حنين (قال الشافعي) : ولو لم يقله إلا يوم حنين أو آخر غزوة غزاها أو أولى لكان أولى ما آخذ به، والقول الواحد منه يلزم لزوم الأقاويل مع أنه قد قال وأعطاه ببدر وحنين وغيرهما، وقولكم ذلك من الإمام على الاجتهاد فإن لم يكن للقاتل وكان لمن حضر فكيف كان له أن يجتهد مرة فيعطيه ويجتهد أخرى فيعطيه غيره؟ وأي شيء يجتهد إذا ترك السنة إنما الاجتهاد قياس على السنة فإذا لزم الاجتهاد له صار تبعا للسنة وكانت السنة ألزم له أو كان يجوز له في هذا شيء إلا ما سن رسول الله أو أجمع المسلمون عليه أو كان قياسا عليه فقلت: فهل خالفك في هذا غيرنا؟ فقال: نعم بعض الناس قلت: فما احتج به (قال الشافعي) : قال إذا قال الإمام - قبل لقاء العدو: من قتل قتيلا فله سلبه فهو له وإن لم يقله فالسلب من الغنيمة بين من حضر الوقعة إذا أخذ خمسة فقلت للشافعي: فما كانت حجتك؟ قال: الحديث الذي روينا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاله بعد تقضي حرب حنين لا قبل الوقعة فقلت: قد خالف الحديث (قال الشافعي) : وأنتم قد خالفتموه فإن كان له عذر بخلافه فهو أقرب للعذر منكم فإن قلتم تأوله فكيف جاز له أن يتأول فيقول فلعل النبي إنما أعطاه إياه من قبل أنه قال ذلك قبل الوقعة فإن قلت: هذا تأويل قيل: والذي قلت تأويل أبعد منه وقلت للشافعي: ما رأيت ما وصفت لك أنا أخذنا به من الحديث المروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهو أصح رجالا وأثبت عند أهل الحديث أو ما سألناك عنه مما كنا نتركه من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل نلقاك (قال الشافعي) : عقل فيما زعمتم أنكم تتركون من حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ما هو أثبت من الأكثر مما كنتم تأخذون به وأولى ففي ما تركتم مثل ما أخذتم به والذي أخذتم به ما لا يثبته أهل الحديث فقلت: مثل ماذا؟ فقال: مثل أحاديث أرسلها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث عمرو بن شعيب وغيره ومثل أحاديث منقطعة فقلت: فكيف أخذت بها؟ قال: ما أخذت بها إلا لثبوتها من غير وجه من روايتكم ورواية أهل الصدق فقلت للشافعي: أرجو أن أكون قد فهمت ما ذكرت من الحديث وصرت إلى ما أمرت به، ورأيت الرشد فيما دعيت إليه وعلمت أن بالعباد - كما قلت - الحاجة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورأيت في مذاهبنا ما وصفت من تناقضها، والله أسأله التوفيق، وأنا أسألك عما روينا في كتابنا الذي قدمنا على الكتب عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (قال الشافعي) : فسل منه عما حضرك وفقنا الله وإياك لما يرضى وعصمنا وإياك بالتقوى وجعلنا نريده بما نقول ونصمت عنه إنه على ذلك قادر. (قال الشافعي) : - رحمه الله: أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن أبا بكر صلى الصبح فقرأ فيها بسورة البقرة في الركعتين كلتاهما. فقلت للشافعي: فإنا نكره للإمام أن يقرأ بقريب من هذا لأن هذا يثقل قال: أفرأيت إن قال لكم قائل: أبو بكر يقرأ بسورة البقرة في الصبح في روايتكم في الركعتين معا وأقل أمره أنه قسمها في الركعتين وأنك تكره هذا فكيف رغبت عن قراءة أبي بكر، وأصحابه متوافرون - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر من الإسلام وأهله بالوضع الذي هو به وقد أخبرنا ابن عيينة عن ابن شهاب عن أنس أن أبا بكر صلى بالناس الصبح فقرأ بسورة البقرة فقال له عمر: كربت الشمس أن تطلع فقال: لو طلعت لم تجدنا غافلين ورويت عن عمر وعثمان تطويل القراءة وكرهتها كلها (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن أبي عبيد مولى سليمان بن عبد الملك أن عبادة بن نسي أخبره أنه سمع قيسا يقول: أخبرني أبو عبد الله الصنابحي أنه قدم المدينة في خلافة أبي بكر فصلى وراء أبي بكر المغرب فقرأ في الركعتين الأوليين بأم القرآن وسورة، سورة من قصار المفصل ثم قام في الركعة الثالثة فدنوت منه حتى إن ثيابي لتكاد أن تمس ثيابه فسمعته قرأ بأم القرآن وهذه الآية {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا} [آل عمران: 8] الآية قلت للشافعي: فإنا نكره القراءة في الركعتين الأخيرتين والركعة الأخرى بشيء غير أم القرآن فهل تستحبه أنت؟ فقال: نعم وقال لي الشافعي: فكيف تكرهونه وقد رويتموه عن أبي بكر وروى ابن عيينة عن عمر بن عبد العزيز أنه حين بلغه عن أبي بكر أخذ به (قال الشافعي) : - رحمه الله: وقد أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقرأ في الركعتين الأخيرتين بأم القرآن وسورة ويجمع الأحيان السور في الركعة الواحدة فقلت للشافعي: فهذا أيضا مما نكرهه فقال: أرويتم عن ابن عمر عن عمر أنه قرأ بالنجم فسجد فيها ثم قام فقرأ سورة أخرى فكيف كرهتم هذا وخالفتموهما معا؟ فقلت للشافعي: أتستحب أنت هذا؟ قال: نعم وأفعله. [باب ما جاء في الرقية] سألت الشافعي عن الرقية فقال: لا بأس أن يرقي الرجل بكتاب الله وما يعرف من ذكر الله قلت: أيرقي أهل الكتاب المسلمين؟ فقال: نعم إذا رقوا بما يعرف من كتاب الله أو ذكر الله فقلت: وما الحجة في ذلك؟ قال: غير حجة، فأما رواية صاحبنا وصاحبك فإن مالكا أخبرنا عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن أن أبا بكر دخل على عائشة وهي تشتكي ويهودية ترقيها فقال أبو بكر: ارقيها بكتاب الله فقلت للشافعي: فإنا نكره رقية أهل الكتاب فقال: ولم وأنتم تروون هذا عن أبي بكر ولا أعلمكم تروون عن غيره من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - خلافه وقد أحل الله جل ذكره طعام أهل الكتاب ونساءهم وأحسب الرقية إذا رقوا بكتاب الله مثل هذا أو أخف. [باب في الجهاد] سألت الشافعي عن القوم يدخلون بلاد الحرب أيخربون العامر ويقطعون الشجر المثمر؟ ويحرقونه والنخل والبهائم أو يكره ذلك كله؟ (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أما كل ما لا روح فيه من شجر مثمر وبناء عامر وغيره فيخربونه ويهدمونه ويقطعونه وأما ذوات الأرواح فلا يقتل منها شيء إلا ما كان يحل بالذبح ليؤكل فقلت: له وما الحجة في ذلك وقد كره أبو بكر الصديق أن يخرب عامرا أو يقطع مثمرا أو يحرق نخلا أو يعقر شاة أو بعيرا إلا لمأكلة وأنت أخبرتنا بذلك عن مالك عن يحيى بن سعيد أن ![]()
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() ![]() كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي المجلد السابع الحلقة (315) صــــــــــ 242 الى صـــــــــــ 249 أبا بكر الصديق أوصى يزيد بن أبي سفيان حين بعثه إلى الشام فقال الشافعي: هذا من حديث مالك منقطع وقد يعرفه أهل الشام بإسناد أحسن من هذا فقلت للشافعي: وقد روى أصحابنا سوى هذا عن أبي بكر فبأي شيء تخالفه أنت؟ فقال: بالثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه حرق أموال بني النضير وقطع وهدم لهم وحرق وقطع بخيبر ثم قطع بالطائف وهي آخر غزاة غزاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقاتل بها، فقلت للشافعي: فكيف كرهت عقر ذوات الأرواح وتحريقها إلا لتؤكل؟ فقال: بالسنة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من قتل عصفورا بغير حقها حوسب بها قيل: وما حقها قال: يذبحها فيأكلها ولا يقطع رأسها فيلقيه» فرأيت إباحة قتل البهائم المأكولة غير العدو منها في الكتاب والسنة إنما هو أن تصاد فتؤكل أو تذبح فتؤكل وقد نهى عن تعذيب ذوات الأرواح (قال الشافعي) : - رحمه الله - فقال: فإنا نقول شبيها بما قلت، قلت: قد خالفتم ما رويتم عن أبي بكر فقد خالفتموه بما وصفت فما أعرف ما ذهب إليه الذي اتبعناه فقلت: إن كان خالفه لما وصفت مما روي عن أبي بكر لأنه رأى أنه ليس لأحد أن يخالف ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فهكذا ينبغي أن يقول أبدا يترك مرة حديث رسول الله بقول الواحد من أصحاب رسول الله ثم يترك قول ذلك الواحد لرأي نفسه فالعمل إذا إليه يفعل فيه ما شاء وليس ذلك لأحد من أهل دهرنا. سألت الشافعي عن الرجل يقر بوطء أمته فتأتي بولد فينكره فيقول: قد كنت أعزل عنها ولم أكن أحبسها في بيتي فقال: يلحق به الولد إذا أقر بالوطء ولم يدع استبراء بعد الوطء ولا ألتفت إلى قوله كنت أعزل عنها لأنها قد تحبل وهو يعزل ولا إلى تضييعه إياها بترك التحصين لها وإن من أصحابنا لمن يريه القافة مع قوله فقلت: فما الحجة فيما ذكرت؟ قال: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن عمر بن الخطاب قال: ما بال رجال يطئون ولائدهم ثم يعزلون لا تأتيني وليدة يعترف سيدها أن قد ألم بها إلا ألحقت به ولدها فاعزلوا بعد أو اتركوا، فقلت للشافعي: صاحبنا يقول: لا نلحق ولد الأمة وإن أقر بالوطء بحال حتى يدعي الولد (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا مالك عن نافع عن صفية عن عمر في إرسال الولائد يوطأن بمثل معنى حديث ابن شهاب عن سالم. (قال الشافعي) : فهذه رواية صاحبنا وصاحبكم عن عمر من وجهين ورواه غيره عنه ولم ترووا أن أحدا خالفه من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا التابعين فكيف جاز أن يترك ما روي عن عمر لا إلى قول أحد من أصحابه؟ فقلت للشافعي: فهل خالفك في هذا غيرنا؟ قال: نعم بعض المشرقيين قلت: فما كانت حجتهم؟ قال: كانت حجتهم أن قالوا: انتفى عمر من ولد جارية له وانتفى زيد بن ثابت من ولد جاريته وانتفى ابن عباس من ولد جارية له فقلت: فما حجتك عليهم؟ فقال: أما عمر فروي عنه أنه أنكر حمل جارية له فأقرت بالمكروه وأما زيد وابن عباس فإنما أنكرا إن كانا فعلا أن ولد جاريتين عرفا أن ليس منهما فحلال لهما فكذلك ينبغي لهما في الأمة وكذلك ينبغي لزوج الحرة إذا علم أنها حبلت من زنا أن يدفع ولدها ولا يلحق بنفسه من ليس منه وإنما قلت هذا فيما بينه وبين الله كما تعلم المرأة أن زوجها قد طلقها ثلاثا فلا ينبغي لها إلا الامتناع منه بجهدها وعلى الإمام أن يحلفها ثم يردها فالحكم غير ما بين العبد وبين الله. (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : فكانت حجتنا عليهم من قولهم أنهم زعموا أن ولد الأمة لا يلحق إلا بدعوة حادثة وأن للرجل بعدما يحصن الأمة وتلد منه أولادا يقر بهم أن ينفي بعدهم ولدا أو يقر بآخر بعده وإنما جعلوا له النفي أنهم زعموا أنه لا يلحق ولد الأمة بحال إلا بدعوة حادثة ثم قالوا: إن أقر بولد جارية ثم حدث بعد أولاد ثم مات ولم يدعهم ولم ينفهم لحقوا به وكان الذي اعتدوا في هذا أن قالوا: القياس أن لا يلحق ولكنا استحسنا (قال الشافعي) : إذا تركوا القياس فجاز لهم فقد كان لغيرهم ترك القياس حيث قاسوا والقياس حيث تركوا وترك القياس عندنا لا يجوز وما يجوز في ولد الأمة إلا واحد من قولين إما قولنا وإما لا يلحق به إلا بدعوة فيكون لو حصن سرية وأقر بولدها ثم ولدت بعد عشرة عنده ثم مات ولم تقم بينة باعتراف بهم نفوا معا عنه. [باب فيمن أحيا أرضا مواتا] سألت الشافعي عمن أحيا أرضا مواتا فقال: إذا لم يكن للموات مالك فمن أحيا من أهل الإسلام فهو له دون غيره ولا أبالي أعطاه إياه السلطان أو لم يعطه لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطاه وإعطاء النبي - صلى الله عليه وسلم - أحق أن يتم لمن أعطاه من عطاء السلطان فقلت: فما الحجة فيما قلت؟ قال: ما رواه مالك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن بعض أصحابه (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن هشام عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من أحيا أرضا ميتة فهي له وليس لعرق ظالم حق» (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه أن عمر بن الخطاب قال: من أحيا أرضا ميتة فهي له. (قال الشافعي) : وأخبرنا سفيان وغيره بإسناد غير هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل معناه (قال الشافعي) : وبهذا نأخذ وعطية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أحيا أرضا مواتا أنها له أكثر له من عطية الوالي، فقلت للشافعي: فإنا نكره أن يحيي الرجل أرضا ميتة إلا بإذن الوالي (قال الشافعي) : - رحمه الله - فكيف خالفتم ما رويتم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعمر وهذا عندكم سنة وعمل بعدهما وأثبتم للوالي أن يعطي وليس للوالي أن يعطي أحدا ما ليس له ولا يمنعه ماله ولا على أحد حرج أن يأخذ ماله وإذا أحيا أرضا ميتة فقد أخذ ماله ولا دافع عنها فيقال للرجل فيما لا دافع عنه وله أخذه: لا تأخذ إلا بإذن سلطان فإن قال قائل للرجل فيما لا بد للسلطان أن يكشف أمره فهو لا يكشف إلا وهو معه خصم والظاهر عنده أنه لا مالك لها فإذا أعطاها رجلا، ثم جاءه من يستحقها دونه ردها إلى مستحقها وكذلك لو أخذها وأحياها بغير إذنه فلا أثبتم للسلطان فيها معنى إنما كان له معنى لو كان إذا أعطاه لم يكن لأحد استحقها أخذها من يديه فأما ما كان لأحد لو استحقها بعد إعطاء السلطان إياها أخذها من يديه فلا معنى له إلا بمعنى أخذ الرجل إياها لنفسه (قال الشافعي) : وهذا التحكم في العلم تدعون ما تروون عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعمر لا يخالفهما أحد علمناه من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لرأيكم وتضيقون على غيركم أوسع من هذا، فقلت للشافعي: فهل خالفك في هذا غيرنا؟ فقال: ما علمت أحدا من الناس خالف في هذا غيركم وغير من رويتم هذا عنه إلا أبا حنيفة فإني أراكم سمعتم قوله فقلتم به ولقد خالفه أبو يوسف فقال فيه مثل قولنا وعاب قول أبي حنيفة بخلاف السنة (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : ومما في معنى ما خالفتم فيه ما رويتم فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعمن بعده لا مخالف له أن مالكا أخبرنا عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا ضرر ولا ضرار» قال: ثم أتبعه في كتابه حديثا كأنه يرى أنه تفسيره (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يمنع أحدكم جاره أن يغرز خشبة في جداره» قال: ثم يقول أبو هريرة: مالي أراكم عنها معرضين؟ والله لأرمين بها بين أكتافكم (قال الشافعي) : ثم أتبعهما حديثين لعمر كأنه يراهما من صنفه (قال الشافعي) - رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أن الضحاك بن خليفة ساق خليجا له من العريض فأراد أن يمر به في أرض لمحمد بن مسلمة فأبى محمد فكلم فيه الضحاك عمر بن الخطاب فدعا بمحمد بن مسلمة وأمره أن يخلي سبيله فقال ابن مسلمة: لا فقال عمر: لم تمنع أخاك ما ينفعه وهو لك نافع؟ تشرب به أولا وآخرا ولا يضرك فقال محمد: لا فقال: عمر والله ليمرن به ولو على بطنك. (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أنه كان في حائط جده ربيع لعبد الرحمن بن عوف فأراد عبد الرحمن أن يحوله إلى ناحية من الحائط هي أقرب إلى أرضه فمنعه صاحب الحائط فكلم عبد الرحمن عمر فقضى عمر أن يمر به فمر به (قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى - فرويتم في هذا الكتاب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثا صحيحا ثابتا وحديثين عن عمر بن الخطاب ثم خالفتموها كلها فقلتم في كل واحد منها لا يقضى بها على الناس وليس عليها العمل ولم ترووا عن أحد من الناس علمته خلافها ولا خلاف واحد منها فعمل من تعني تخالف به سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فينبغي أن يكون ذلك العمل مردودا عندنا وتخالف عمر مع السنة لأنه يضيق خلاف عمر وحده فإذا كانت معه السنة كان خلافه أضيق مع أنك أحلت على العمل وما عرفنا ما تريد بالعمل إلى يومنا هذا وما أرانا نعرفه ما بقينا. والله أعلم. [باب في الأقضية] (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب أن رقيقا لحاطب سرقوا ناقة لرجل من مزينة فانتحروها فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب فأمر كثير بن الصلت أن يقطع أيديهم ثم قال عمر: إني أراك تجيعهم والله لأغرمنك غرما يشق عليك ثم قال للمزني: كم ثمن ناقتك قال: أربعمائة درهم قال عمر: أعطه ثمانمائة قال مالك في كتابه: ليس عليه العمل ولا تضعف عليهم الغرامة ولا يقضى بها على مولاهم وهي في رقابهم ولا يقبل قول صاحب الناقة فقلت للشافعي بما قال مالك نقول ولا نأخذ بهذا الحديث (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : فهذا حديث ثابت عن عمر يقضي به بالمدينة بين المهاجرين والأنصار فإن خالفه غيره لازم لنا فتدعون لقول عمر السنة والآثار لأن حكمه عندكم حكم مشهور ظاهر لا يكون إلا عن مشورة من أصحاب رسول الله فإذا حكم كان حكمه عندكم قولهم أو قول الأكثر منهم فإن كان كما تقولون فقد حكم بين أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله في ناقة المزني وأنتم تقولون حكمه بالمدينة كالإجماع من عامتهم فإن كان قضاء عمر - رحمه الله - عندكم كما تقولون فقد خالفتموه في هذا وغيره وإن لم يكن كما تقولون فلا ينبغي أن يظهر منكم خلاف ما تقولون أنتم وأنتم لا تروون عن أحد أنه خالفه فتخالفون بغير شيء رويتموه عن غيره ولا أسمعكم إلا وضعتم أنفسكم موضعا تردون وتقبلون ما شئتم على غير معنى ولا حجة فإن كان يجوز أن يعمل بخلاف قضاء عمر فكيف لم تجيزوا لغيركم ما أجزتم لأنفسكم وكيف أنكرنا وأنكرتم على من خالف قول عمر والواحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غير هذا؟ [باب في الأمة تغر بنفسها] (قال الشافعي) : أخبرنا مالك أنه بلغه أن عمر أو عثمان قضى أحدهما في أمة غرت بنفسها رجلا فذكرت أنها حرة فولدت أولادا فقضى أن يفدي ولده بمثلهم قال مالك وذلك يرجع إلى القيمة قلت للشافعي: فنحن نقول بقول مالك (قال الشافعي) : فرويتم هذا عن عمر أو عثمان ثم خالفتم أيهما قاله ولم نعلمكم رويتم عن أحد من الناس خلافه ولا تركه بعمل ولا إجماع ادعاه فلم تركتم هذا ولم ترووا عن أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - خلافه؟ أرأيتم إذ اتبعتم عمر في أن في الضبع كبشا وفي الغزال عنزا وقيمتهما تخالف قيمة الضبع والغزال فقلتم: البدن قريب من البدن فكيف لم تتبعوا قول عمر أو عثمان في مثلهم في البدن كما جعلتم المثل في هذين الموضعين بالبدن؟ . [باب القضاء في المنبوذ] (قال الشافعي) : - رحمه الله - أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سنين أبي جميلة رجل من بني سليم أنه وجد منبوذا في زمان عمر بن الخطاب فجاء به إلى عمر فقال: ما حملك على أخذ هذه النسمة؟ قال: وجدتها ضائعة فأخذتها فقال له عريفه: يا أمير المؤمنين إنه رجل صالح فقال: أكذلك؟ قال: نعم فقال عمر: اذهب فهو حر ولك ولاؤه وعلينا نفقته قال مالك: الأمر المجتمع عليه عندنا في المنبوذ أنه حر وأن ولاءه للمسلمين فقلت للشافعي: فبقول مالك نأخذ (قال الشافعي) : تركتم ما روي عن عمر في المنبوذ فإن كنتم تركتموه لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الولاء لمن أعتق» فزعمتم أن في ذلك دليلا على أن لا يكون الولاء إلا لمن أعتق ولا يزول عن معتق فقد خالفتم عمر استدلالا بالسنة ثم خالفتم السنة فزعمتم أن السائبة لا يكون ولاؤه للذي أعتقه وهو معتق فخالفتموهما جميعا وخالفتم السنة في النصراني يعتق العبد المسلم فزعمتم أن لا ولاء له وهو معتق وخالفتم السنة في المنبوذ إذ كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنما الولاء لمن أعتق» وهذا نفي أن يكون الولاء إلا لمعتق والمنبوذ غير معتق فلا ولاء له فمن أجمع على ترك السنة والخلاف لعمر فيا ليت شعري من هؤلاء المجتمعون الذين لا يسمعون فإنا لا نعرفهم والله المستعان ولم يكلف الله أحدا أن يأخذ دينه عمن لا يعرفه ولو كلفه أفيجوز له أن يقبل عمن لا يعرف؟ إن هذه لغفلة طويلة ولا أعرف أحدا يؤخذ عنه العلم يؤخذ عليه مثل هذا في قوله وأجده يترك ما يروى في اللقيط عن عمر للسنة ويدع السنة فيه وفي موضع آخر في السائبة والنصراني يعتق المسلم (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وقد خالفنا بعض الناس في هذا فكان قوله أسد توجيها من قولكم قالوا: نتبع ما جاء عن عمر في اللقيط لأنه قد يحتمل أن لا يكون خلافا للسنة وأن تكون السنة في المعتق من لا ولاء له ويجعل ولاء الرجل المسلم على يدي الرجل المسلم بحديث عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال في السائبة والنصراني يعتق المسلم قولنا فزعمنا أن عليهم حجة بأن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - «فإنما الولاء لمن أعتق» أن لا يكون الولاء إلا لمعتق ولا يزول عن معتق فإن كانت لنا عليهم بذلك حجة فهي عليكم أبين لأنكم خالفتموه حيث ينبغي لكم أن توافقوه ووافقتموه حيث كانت لكم شبهة لو خالفتموه. [باب القضاء في الهبات] (قال الشافعي) : أخبرنا مالك بن أنس عن داود بن الحصين عن أبي غطفان بن طريف المري عن مروان بن الحكم أن عمر بن الخطاب قال: من وهب هبة لصلة رحم أو على وجه صدقة فإنه لا يرجع فيها ومن وهب هبة يرى أنه إنما أراد الثواب فهو على هبته يرجع فيها إن لم يرض منها وقال مالك: إن الهبة إذا تغيرت عند الموهوب له للثواب بزيادة أو نقصان فإن على الموهوب له أن يعطي الواهب قيمتها يوم قبضها فقلت للشافعي: فإنا نقول بقول صاحبنا. (قال الشافعي) : فقد ذهب عمر في الهبة يراد ثوابها إن الواهب على هبته إن لم يرض منها أن للواهب الخيار حتى يرضى من هبته، ولو أعطى أضعافها في مذهبه - والله أعلم - كان له أن يرجع فيها ولو تغيرت عند الموهوب له بزيادة كان له أخذها وكان كالرجل يبيع الشيء وله فيه الخيار عبدا أو أمة فيزيد عند المشتري فيختار البائع نقض البيع فيكون له نقضه وإن زاد العبد المبيع أو الأمة المبيعة وكثرت زيادته ومذهبكم خلاف ما رويتم عن عمر (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع أن عبدا كان يقوم على رقيق الخمس وأنه استكره جارية من ذلك الرقيق فوقع بها فجلده عمر ونفاه ولم يجلد الوليدة لأنه استكرهها قال مالك: لا تنفى العبيد فقلت للشافعي: نحن لا ننفي العبيد قال: ولم؟ ولم ترووا عن أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا التابعين علمته خلاف ما رويتم عن عمر؟ أفيجوز لأحد يعقل شيئا من الفقه أن يترك قول عمر ولا يعلم له مخالفا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لرأي نفسه أو مثله ويجعله مرة أخرى حجة على السنة وحجة فيما ليست فيه سنة وهو إذا كان مرة حجة كان كذلك أخرى فإن جاز أن يكون الخيار إلى من سمع قوله يقبل منه مرة ويترك أخرى جاز لغيركم تركه حيث أخذتم به وأخذه حيث تركتموه فلم يقم الناس من العلم على شيء تعرفونه وهذا لا يسع أحدا عندنا والله أعلم. (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أن عبد الله بن عمرو الحضرمي جاء بغلام له إلى عمر بن الخطاب فقال له: اقطع يد هذا فإنه سرق فقال له عمر: وماذا سرق؟ قال: سرق مرآة لامرأتي ثمنها ستون درهما فقال عمر: أرسله فليس عليه قطع خادمكم سرق متاعكم (قال الشافعي) : بهذا نأخذ لأن العبد ملك لسيده أخذ من ملكه فلا يقطع مالك من سرق من ملك من كان معه في بيته يأمنه أو كان خارجا فكذلك لا يقطع من سرق من ملك امرأته بحال بخلطة امرأته زوجها وهذا معنى قول عمر لأنه لم يسأله أتأمنونه أو لا تأمنونه قال: وهذا مما خالفتم فيه عمر لا مخالف له علمناه فقلتم بقطع العبد فيما سرق لامرأة سيده إن كان لا يكون معهم في منزل يأمنونه. [باب في إرخاء الستور] (قال الشافعي) - رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب أن عمر بن الخطاب قضى في المرأة يتزوجها الرجل أنها إذا أرخيت الستور فقد وجب الصداق (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن ابن شهاب أن زيد بن ثابت قال: إذا دخل بامرأته فأرخيت الستور فقد وجب الصداق (قال الشافعي) : وروي عن ابن عباس وشريح أن لا صداق إلا بالمسيس واحتجا أو أحدهما بقول الله تعالى {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن} [البقرة: 237] قال بهذا ناس من أهل الفقه فقالوا: لا يلتفت إلى الإغلاق وإنما يجب المهر كاملا بالمسيس والقول في المسيس قول الزوج وقال غيرهم: يجب المهر بإغلاق الباب وإرخاء الستور وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وأن عمر قال: ما ذنبهن؟ إن جاء العجز من قبلكم فخالفتم ما قال ابن عباس وشريح وما ذهبا إليه من تأويل الآيتين وهما قول الله تبارك وتعالى {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن} [البقرة: 237] وقوله {ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها} [الأحزاب: 49] وخالفتم ما رويتم عن عمر وزيد وذلك أن نصف المهر يجب بالعقد ونصفه الثاني بالدخول ووجه قولهما الذي لا وجه له غيره أنها إذا خلت بينه وبين نفسها واختلى بها فهو كالقبض في البيوع فقد وجب نصف المهر الآخر ولم يذهبا إلى مسيس وعمر يدين ثم يقضي بالمهر وإن لم يدع المسيس لقوله ما ذنبهن إن كان العجز من قبلكم ثم زعمتم أنه لا يجب المهر بالغلق والإرخاء إذا لم تدع المرأة جماعا وإنما يجب بالجماع ثم عدتم فأبطلتم الجماع ودعوى الجماع فقلتم إذا كان استمتع بها سنة حتى تبلى ثيابها وجب المهر ومن حد لكم سنة؟ ومن حد لكم إبلاء الثياب؟ وإن بليت الثياب قبل السنة فكيف لم يجب المهر؟ أرأيت إن قال إنسان إذا استمتع بها يوما وقال آخر يومين وقال آخر شهرا وقال آخر عشر سنين أو ثلاثين سنة ما الحجة فيه إلا أن يقال هذا توقيت لم يوقته عمر ولا زيد وهما اللذان انتهينا إلى قولهما ولا يوقت إلا بخبر يلزم فهكذا أنتم فما أعرف لما تقولون من هذا إلا أنه خروج من جميع أقاويل أهل العلم في القديم والحديث وما علمت أحدا سبقكم به فالله المستعان فإن قلتم إنما يؤجل العنين سنة فهذا ليس بعنين والعنين عندكم إنما يؤجل سنة من يوم ترافعه امرأته إلى السلطان ولو أقام معها قبل ذلك دهرا. [باب في القسامة والعقل] (قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى - أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار وعراك بن مالك أن رجلا من بني سعد بن ليث أجرى فرسا فوطئ على أصبع رجل من جهينة فنزا منها فمات فقال عمر بن الخطاب للذين ادعى عليهم: أتحلفون بالله خمسين يمينا ما مات منها؟ فأبوا وتحرجوا من الأيمان فقال للآخرين: احلفوا أنتم فأبوا فقضى عمر بن الخطاب بشطر الدية على السعديين (قال الشافعي) : فخالفتم في هذا الحكم كله عمر بن الخطاب فقلتم يبدأ المدعون بل زعمتم أنه إذا لم يحلف واحد من الفريقين فليس فيه شطر دية ولا أقل ولا أكثر (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : فإن كنتم ذهبتم إلى ما ذهبنا إليه من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بدأ المدعين فلما لم يحلفوا رد الأيمان على المدعى عليهم فلما لم يقبل المدعون أيمانهم لم يجعل لهم عليهم شيئا فإلى هذا ذهبنا وهكذا يجب عليكم في كل أمر وجدتم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه سنة أن تصيروا إلى سنة رسول الله دون ما خالفها من الأشياء كلها وما كان شيء من الأشياء أولى أن تأخذوا فيه بحكم عمر من هذا لأن الحكم في هذا أشهر من غيره وأنه قد كان يمكنكم أن تقولوا هذا دم خطأ والذي حكم فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دم عمد فنتبع ما حكم به النبي - صلى الله عليه وسلم - كما حكم في العمد وما حكم به عمر كما حكم في الخطأ وليس واحد منهما خلاف الآخر فإن صرتم إلى أن تقولوا: إنهما يجتمعان إنهما قسامة فنصير إلى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ونجعل الخطأ قياسا على العمد فما كان لا يتوجه من حديث يخالف ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا على خلافه أولى أن تصيروا فيه إلى حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا ينبغي أن تختلف أقاويلكم. [باب القضاء في الضرس والترقوة والضلع] (قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى - أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن مسلم بن جندب عن أسلم مولى عمر بن الخطاب أن عمر قضى في الضرس بجمل وفي الترقوة بجمل وفي الضلع بجمل. (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: قضى عمر في الأضراس ببعير بعير وقضى معاوية في الأضراس بخمسة أبعرة خمسة أبعرة قال سعيد بن المسيب: فالدية تنقص في قضاء عمر وتزيد في قضاء معاوية فلو كنت أنا لجعلت في الأضراس بعيرين بعيرين فتلك الدية سواء فقلت: للشافعي: فإنا نقول في الأضراس خمس خمس ونزعم أنه ليس في الترقوة وفي الضلع حكم معروف وإنما فيها حكومة باجتهاد قال: فقد خالفتم حديث زيد بن أسلم عن عمر كله فقلتم في الأضراس خمس خمس وهكذا نقول لما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في السن خمس كانت الضرس سنا قال: فهذا كما قلنا في المسألة قبلها وقد يحتمل أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: في السن خمس مما أقبل من الفم مما اسمه سن فإذا كانت لنا ولكم حجة بأن نقول: الضرس سن ونذهب إلى حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها ونخالف غيره لظاهر حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - وإن توجه لغيره أن لا يكون خلاف قول النبي - صلى الله عليه وسلم - فهكذا ينبغي لنا أن لا نترك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا أبدا لقول غيره فأما أن تتركوا قول عمر لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - مرة وتتركوا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لقول عمر مرة فهذا ما لا يجهل عالم أنه ليس لأحد إن شاء الله. قال: وخالفتم عمر في الترقوة والضلع فقلتم: ليس فيهما شيء موقت. (قال الشافعي) : وأنا أقول بقول عمر فيهما معا لأنه لم يخالفه واحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما علمت فلم أر أن أذهب إلى رأيي وأخالفه (قال الشافعي) : وروى مالك عن سعيد أنه روى عن عمر في الأضراس بعير بعير وعن معاوية خمسة أبعرة وقال: فيهما بعيرين بعيرين فإذا كان سعيد يعرف عن عمر شيئا ثم يخالفه ولم يذهب أيضا إلى ما ذهبنا إليه من الحديث وكنتم تخالفون عمر ثم تخالفون سعيدا فأين ما تدعون أن سعيدا إذا قال قولا لم يقل به إلا عن علم وتحتجون بقوله في شيء وها أنتم تخالفونه في هذا وغيره فأين ما زعمتم من أن العلم بالمدينة كالوراثة لا يختلفون فيه وحكايتهم إذا حكوا وحكيتم عنهم اختلافا فكذلك حكاية غيركم في أكثر الأشياء إنما الإجماع عندهم فيما يوجد الإجماع فيه عند غيرهم وأن أولى علم الناس بعد الصلاة أن يكون عليه إجماع بالمدينة الديات لأن ابن طاوس قال: عن أبيه ما قضى به النبي - صلى الله عليه وسلم - من عقل وصدقات فإنما نزل به الوحي وعمر من الإسلام بموضعه الذي هو به من الناس فقد خالفتموه في الديات وخالفتم ابن المسيب بعده فيها ولا أرى دعواكم الموروث كما ادعيتم وما أراكم قبلتم عن عمر هذا وما أجدكم تقبلون العلم إلا عن أنفسكم. . [باب في النكاح] (قال الشافعي) - رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن أبي الزبير أن عمر بن الخطاب أتي بنكاح لم يشهد عليه إلا رجل وامرأة فقال: هذا نكاح السر ولا أجيزه ولو كنت تقدمت فيه لرجمت. (قال الشافعي) : وقد خالفتم هذا وقلتم: النكاح مفسوخ ولا حد عليه فخالفتم عمر وعمر لو تقدم فيه لرجم يعني لو أعلمت الناس أنه لا يجوز النكاح بشاهد وامرأة حتى يعرفوا ذلك لرجمت فيه من فعله بعد تقدمي. . [باب ما جاء في المتعة] (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عروة أن خولة بنت حكيم دخلت على عمر بن الخطاب فقالت: إن ربيعة بن أمية استمتع بامرأة مولدة فحملت منه فخرج عمر يجر رداءه فزعا وقال: هذه المتعة ولو كنت تقدمت فيها لرجمت (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : يشبه قوله في الأول ومذهب عمر في هذا أن المتعة إذا كانت محرمة عنده وكان الناس يفعلونها مستحلين أو جاهلين وهو اسم نكاح فيدرأ عنهم بالاستحلال أنه لو كان تقدم فيها حتى يعلمهم أن حكمه أنها محرمة ففعلوها رجمهم وحملهم على حكمه وإن كانوا يستحلون منها ما حرم كما قال: يستحل قوم الدينار بالدينارين يدا بيد فيفسخه عليهم من يراه حراما فخالفتم عمر في المسألتين معا وقلتم: لا حد على من نكح بشاهد وامرأة ولا من نكح نكاح متعة كما زعمت فيهما (قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى - أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال: قال: عمر بن الخطاب أيما رجل تزوج امرأة وبها جنون أو جذام أو برص فمسها فلها صداقها كاملا وذلك لزوجها غرم على وليها قال مالك: وإنما يكون ذلك لزوجها غرما على وليها إذا كان الذي أنكحها هو أبوها أو أخوها أو من يرى أنه يعلم ذلك منها وإلا فليس عليه غرم وترد المرأة ما أخذت من صداق نفسها ويترك لها قدر ما استحلها به إذا مسها، فقلت للشافعي: فإنا نقول بقول مالك وسألت عن قوله في ذلك فقال: إنما حكم عمر أن لها المهر بالمسيس وأن المهر على وليها لأنه غار والغار - علم أو لم يعلم - يغرم أرأيت رجلا باع عبدا ولم يعلم أنه حر أليس يرجع عليه بقيمته أو باع متاعا لنفسه أو لغيره فاستحق أو فسد البيع أو كان لمشتريه الخيار فاختار رده ألا يرجع بقيمة ما غرم على من غره علم أو لم يعلم؟ قال: ورويتم الحديث عن عمر وخالفتموه فيه بما وصفته فلو ذهبتم فيه إلى أمر يعقل فقلتم: إذا كان الصداق ثمنا للمسيس لم يرجع به الزوج عليها ولا على ولي لأنه قد أخذ المسيس كما ذهب بعض المشرقيين إلى هذا كان مذهبا فأما ما ذهبتم إليه فليس بمذهب وهو خلاف عمر (قال الشافعي) :: أخبرنا مالك أن كتب إلى عمر بن الخطاب من العراق في رجل قال لامرأته: حبلك على غاربك فكتب عمر إلى عامله أن مره يوافيني في الموسم فبينا عمر يطوف بالبيت إذ لقيه الرجل فسلم عليه فقال: من أنت؟ فقال: أنا الذي أمرت أن أجلب عليك فقال عمر: أنشدك برب هذه البنية هل أردت بقولك حبلك على غاربك الطلاق؟ فقال الرجل: لو استحلفتني في غير هذا المكان ما صدقتك أردت الفراق فقال عمر: هو ما أردت (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : فبهذا نقول وفيه دلالة على أن كل كلام أشبه الطلاق لم نحكم به طلاقا حتى يسأل قائله فإن كان أراد طلاقا فهو طلاق وإن لم يرد طلاقا لم يكن طلاقا ولم نستعمل الأغلب من الكلام على رجل احتمل غير الأغلب فخالفتم عمر في هذا فزعمتم أنه طلاق وأنه لا يسأل عما أراد. . ![]()
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() ![]() كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي المجلد السابع الحلقة (316) صــــــــــ 250 الى صـــــــــــ 257 [باب في المفقود] (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قال: أيما امرأة فقدت زوجها فلم تدر أين هو فإنها تنتظر أربع سنين ثم تنتظر أربعة أشهر وعشرا قال: والحديث الثابت عن عمر وعثمان في امرأة المفقود مثل ما روى مالك عن ابن المسيب عن عمر وزيادة فإذا تزوجت فقدم زوجها قبل أن يدخل بها زوجها الآخر كان أحق بها فإن دخل بها زوجها الآخر فالأول المفقود بالخيار بين امرأته والمهر ومن قال بقوله في المفقود قال بهذا كله اتباعا لقول عمر وعثمان وأنتم تخالفون ما روي عن عمر وعثمان معا فتزعمون أنها إذا نكحت لم يكن لزوجها الأول فيها خيار هي من الآخر، فقلت للشافعي فإن صاحبنا قال: أدركت من ينكر ما قال بعض الناس عن عمر فقال الشافعي: قد رأينا من ينكر قضية عمر كلها في المفقود ويقول هذا لا يشبه أن يكون من قضاء عمر فهل كانت الحجة عليه إلا أن الثقات إذا حملوا ذلك عن عمر لم يتهموا فكذلك الحجة عليك وكيف جاز أن يروي الثقات عن عمر حديثا واحدا فتأخذ ببعضه وتدع بعضا أرأيت إن قال لك قائل: آخذ بالذي تركت منه وأترك الذي أخذت به هل الحجة عليه إلا أن يقال من جعل قوله غاية ينتهي إليها أخذ بقوله كما قال: فأما قولك فإنما جعلت الغاية في نفسك لا فيمن روى عنه الثقات فهكذا الحجة عليك لأنك تركت بعض قضية عمر وأخذت ببعضها (قال الربيع) : لا تتزوج امرأة المفقود حتى يأتي يقين موته لأن الله قال: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا} [البقرة: 234] فجعل على المتوفى عدة، وكذلك جعل على المطلقة عدة لم يبحها إلا بموت أو طلاق وهي معنى حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ قال: «إن الشيطان ينقر عند عجز أحدكم حتى يخيل إليه أنه قد أحدث فلا ينصرف أحدكم حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا» فأخبر أنه إذا كان على يقين من الطهارة فلا تزول الطهارة إلا بيقين الحدث وكذلك هذه المرأة لها زوج بيقين فلا يزول قيد نكاحها بالشك ولا يزول إلا بيقين وهذا قول علي بن أبي طالب. [باب في الزكاة] (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار أن أهل الشام قالوا لأبي عبيدة بن الجراح: خذ منا من خيلنا ومن رقيقنا صدقة فأبى ثم كتب إلى عمر فأبى ثم كلموه أيضا فكتب إلى عمر فكتب إليه إن أحبوا فخذها منهم وارددها عليهم قال مالك: يعني ردها إلى فقرائهم (قال الشافعي) : وقد أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن السائب بن يزيد أن عمر أمر أن يؤخذ في الفرس شاتان أو عشرة أو عشرون درهما، فقلت للشافعي فإنا نقول لا تؤخذ في الخيل صدقة لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة» (قال الشافعي) : فقد رويتم وروى غيركم عن عمر هذا فإن كنتم تركتموه لشيء رويتموه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - جملة فهكذا فاصنعوا في كل من روى عن أحد شيئا يخالف ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه وإنكم لتخالفون ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما هو أبين من هذا وتعملون فيه بأن الرجل من أصحابه لا يقول قولا يخالفه وتقولون لا يخفى على الرجل من أصحابه قوله ثم يأتي موضع آخر فيختلف كلامكم ولو شاء رجل قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - «ليس على مسلم في عبده وفرسه صدقة» إذا كان فرسه مربوطا له مطية فأما خيل تتناتج فنأخذ منها كما أخذ عمر بن الخطاب فقد ذهب هذا المذهب بعض المفتين ولو ذهبتم هذا المذهب لكان له وجه يحتمل فإن لم تقولوا وصرتم إلى اتباع ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - جملة وجملة كل شيء عليه فهكذا فاصنعوا في كل شيء ولا تختلف أقاويلكم إن شاء الله. [باب في الصلاة] (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن عمر بن الخطاب صلى بالناس المغرب فلم يقرأ فيها فلما انصرف قيل له: ما قرأت قال: فكيف كان الركوع والسجود؟ قالوا: حسنا قال: فلا بأس، قلت للشافعي: فإنا نقول من نسي القراءة في الصلاة أعاد الصلاة ولا تجزئ صلاة إلا بقراءة قال: فقد رويتم هذا عن عمر وصلاته بالمهاجرين والأنصار فزعمتم أنه لم ير إذا كان الركوع والسجود حسنا بأسا ولا تجدون عنه شيئا أحرى أن يكون إجماعا منه ومن المهاجرين والأنصار عليه عادة من هذا إذا كان علم الصلاة ظاهرا فكيف خالفتموه فإن كنتم إنما ذهبتم إلى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا صلاة إلا بقراءة» فينبغي أن تذهبوا في كل شيء هذا المذهب فإذا جاء شيء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم تدعوه لشيء إن خالفه غيره كما قلتم ههنا وهذا موضع لكم فيه شهود لأنه شبهة لو ذهبتم إليه بأن تقولوا: لا صلاة إلا بقراءة لمن كان ذاكرا والنسيان موضوع كما أن نسيان الكلام عندكم موضوع في الصلاة فإذا أمكنكم أن تقولوا هذا في الصلاة فلم تقولوه وصرتم إلى جملة ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وتركتم ما رويتم عن عمر ومن خلفه من المهاجرين والأنصار لجملة حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فكيف لم تصنعوا هذا فيما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منصوصا بينا لا يحتمل ما خالفه مثل ما احتمل هذا من التأويل بالنسيان؟ [باب في قتل الدواب التي لا جزاء فيها في الحج] سألت الشافعي عن قتل القراد والحلمة في الإحرام فقال: لا بأس بقتله ولا فدية فيه وإنما يفدي المحرم ما قتل مما يؤكل لحمه فقلت له: ما الحجة فيه؟ فقال: أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن ربيعة بن عبد الله أنه «رأى عمر يقرد بعيرا له في طين بالسقيا» فقلت للشافعي: فإن صاحبنا يقول: لا ينزع الحرام قرادا ولا حلمة ويحتج بأن ابن عمر كره أن ينزع المحرم قرادا أو حلمة من بعير قال: وكيف تركتم قول عمر وهو يوافق السنة بقول ابن عمر ومع عمر ابن عباس وغيره؟ فإن كنتم ذهبتم إلى التقليد فلعمر بمكانه من الإسلام وفضل علمه ومعه ابن عباس وموافقة السنة أولى أن تقلدوه (قال) : وقد تتركون قول ابن عمر لرأي أنفسكم ولرأي غير ابن عمر فإذا تركتم ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من طيب المحرم لقول عمر وتركتم على عمر تقريد البعير لقول ابن عمر وعلى ابن عمر فيما لا يحصى لرأي أنفسكم فالعلم إليكم عند أنفسكم صار فلا تتبعون منه إلا ما شئتم ولا تقبلون إلا ما هويتم وهذا لا يجوز عند أحد من أهل العلم فإذا زعمتم أن ابن عمر يخالف عمر في هذا وغيره فكيف زعمتم أن الفقهاء بالمدينة لا يختلفون وأنتم تروون عنهم الاختلاف وغيركم يرويه عنهم في أكثر خاص الفقه. (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر قال: لا يصدرن أحد من الحاج حتى يطوف بالبيت فإن آخر النسك الطواف بالبيت قال مالك: وذلك فيما نرى - والله أعلم - لقول الله جل ثناؤه {ثم محلها إلى البيت العتيق} [الحج: 33] فمحل الشعائر وانقضاؤها إلى البيت العتيق (قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى - أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب رد رجلا من مر الظهران لم يكن ودع البيت (قال) : وقال مالك: من جهل أن يكون آخر عهده الطواف بالبيت لم يكن عليه شيء إلا أن يكون قريبا فيرجع فلا أنتم عذرتموه بالجهالة فلا تردونه من قريب ولا بعيد ولا أنتم اتبعتم قول عمر وما تأول صاحبكم من القرآن أن الوداع من نسكه فيجعل عليه دما وهو قول ابن عباس "من نسي من نسكه شيئا فليهرق دما" وهو يقول في مواضع كثيرة بقول ابن عباس وحده "من نسي من نسكه شيئا فليهرق دما" ثم تتركونه حيث شئتم وتدعونه ومعه عمر وما تأولتم من القرآن. [باب ما جاء في الصيد] سألت الشافعي عمن قتل من الصيد شيئا وهو محرم فقال: من قتل من دواب الصيد شيئا جزاه بمثله من النعم لأن الله تبارك وتعالى يقول {فجزاء مثل ما قتل من النعم} [المائدة: 95] والمثل لا يكون إلا لدواب الصيد فأما الطير فلا مثل له ومثله قيمته إلا أن في حمام مكة اتباعا للآثار شاة. (قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى - أخبرنا مالك أن أبا الزبير حدثه عن جابر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب قضى في الضبع بكبش وفي الغزال بعنز وفي الأرنب بعناق وفي اليربوع بجفرة فقلت للشافعي: فإنا نخالف ما روينا عن عمر في الأرنب واليربوع فيقول: لا يفديان بجفرة ولا بعناق (قال الشافعي) : هذا الجهل البين وخلاف كتاب الله عندنا وأمر عمر وأمر عثمان بن عفان وابن مسعود وهم أعلم بمعاني كتاب الله منكم مع أنه ليس في تنزيل الكتاب شيء يحتاج إلى تأويل لأن الله جل ثناؤه إذ حكم في الصيد بمثله من النعم فليس يعدم المثل أبدا فما له مثل من النعم أن ينظر إلى الصيد إذا قتل بأي النعم كان أقرب بها شبها في البدن فدى به وهذا إذا كان كذا فدى الكبير بالكبير والصغير بالصغير أو يكون المثل القيمة كما قال بعض المشرقيين وقولكم لا القيمة ولا المثل من البدن بل هو خارج منهما مع خروجه مما وصفنا من الآثار وتزعمون في كل ما كان فيه ثنية فصاعدا أنه مثل النعم فترفعون وتخفضون فإذا جاء ما دون ثنية قلتم مثل من القيمة وهذا قول لا يقبل من أحد لو لم يخالف الآثار فكيف وقد خالفها وكل ما فدى فإنما القدر قيمته والقيمة تكون قليلة وكثيرة وأقاويلكم فيها متناقضة فكيف تجاوز الثنية التي تجوز ضحية في البقرة فتفديها ويكون يصيد صيدا صغيرا دون الثنية فلا تفديه بصغير دون الثنية. (قال الشافعي) : فتصيرون إلى قول عمر في النهي عن الطيب قبل الإحرام وتتركون فيه ما روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وتصيرون إلى ترك قوله في كثير وتدعون لقوله ما وصفت من سنن تروونها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم تخالفون عمر ولا مخالف له من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا التابعين بل معه من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - عثمان وابن مسعود ومن التابعين عطاء وأصحابه (قال الشافعي) : وقد جهدت أن أجد أحدا يخبرني إلى أي شيء ذهبتم في ترككم ما رويتم عن عمر في اليربوع والأرنب فما وجدت أحدا يزيدني على أن ابن عمر قال: الضحايا والبدن والثني فما فوقه (قال الشافعي) : وأنتم أيضا تخالفون في هذا لأن قول ابن عمر لا يعدو أن يكون لا يجيز من الضحايا والبدن إلا الثني فما فوقه فإن كان هذا فأنتم تجيزون الجذعة من الضأن ضحية وإن كان قول ابن عمر أن الثني فما فوقه وفاء ولا يسع ذلك ما دونه أن يكون ضحية فقد تأولتم قول ابن عمر على غير وجهه وضيقتم على غيركم ما دخلتم في مثله. (قال الشافعي) : وقد أخطأ من جعل الصيد من معنى الضحايا والبدن بسبيل ما نجد أحدا منكم يعرف عنه في هذا شيء يجوز لأحد أن يحكيه لضعف مذهبكم به وخروجه من معنى القرآن والأثر عن عمر وعثمان وابن مسعود والقياس والمعقول ثم تناقضه فإن قال قائل: فجزاء الصيد ضحايا قلنا: معاذ الله أن يكون ضحايا جزاء الصيد بدل من الصيد والبدل يكون منه ما يكون بقرة مثله فأرفع وأخفض منها تمرة والتمرتين وذلك أن من جزاء الصيد ما يكون بتمرة ومنه ما يكون ببدنة ومنه ما يكون بين ذلك فإن قال قائل: فما فرق بين جزاء الصيد والضحايا والبدن قيل: أرأيت الضحايا أيكون على أحد فيها أكثر من شاة؟ فإن قال: لا قيل أفرأيت البدن أليست تطوعا أو نذرا أو شيئا وجب بإفساد حج؟ فإن قال: بلى قيل: أفرأيت جزاء الصيد أليس إنما هو غرم وغرمه من قتله بأنه محرم القتل في تلك الحال وحكم الله به عليه هديا بالغ الكعبة للمساكين الحاضري الكعبة؟ فإن قال: بلى قيل: فكما تحكم لمالك الصيد على رجل لو قتله بالبدن منه؟ فإن قال: نعم قيل: فإذا قتل نعامة كانت فيها بدنة أو بقرة وحش كانت فيها شاة فإن قال: نعم قيل: أفترى هذا كالأضاحي أو كالهدي التطوع أو البدن أو إفساد الحج فإن قال: قد يفترقان قيل: أليس إذا أصيبت نعامة كانت فيها بدنة لأنها أقرب الأشياء من المثل وكذلك البقر والغزال؟ فإن قال: نعم قيل: فإذا كان هذا بدلا لشيء أتلف فكان علي أن أغرم أكثر من الضحية فيه لم لا يكون لي أن أعطي دون الضحية فيه وأنت قد تجعل ذلك لي فتجعل في الجرادة تمرة؟ . (قال الشافعي) : فإن قال: فإنما أجعل عليك القيمة إذا كانت القيمة دون ما يكون ضحية قيل: فمن قال لك: إن شيئا يكون بدلا من شيء فتجعل على من قتله المثل ما كان ضحية فأعلى ولا تجعل الضحية تجزي فيما قتل منه مما هو أعلى منها وإذا كان شيء دون الضحية لم تطرحه عني بل تجعله علي بمثل من الثمن لأنه لا يجوز ضحية فهو في قولك ليس من معاني الضحايا فإن قال: أفيجوز أن يكون هذا ناقصا وضحية؟ قيل: نعم فكما يجوز أن يكون تمرة وقبضة من طعام ودرهم ودرهمان هديا ولو لم يجز كنت قد أخطأت إذ زعمت أنه إذا أصبت صيدا مريضا أو أعور أو منقوصا قوم علي في مثل تلك الحال ناقصا ولم تقل يقوم علي وافيا فمثلت الصيد الصغير مرة بالإنسان الحي يقتل منقوصا فيكون فيه دية تامة وزعمت أخرى أنه إذا قوم الصيد المقتول قومه منقوصا وهذا قول يختلف إن كان قياسا على الإنسان الحر فلا يفرق بين قيمته منقوصا وصغيرا وكبيرا لأن الإنسان يقتل مريضا ومنقوصا كهيئته صحيحا وافرا وإن كان قياسا على المال يتلف فيقومه بالحال التي أتلف فيها لا بغيرها. (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : فإن قال: ما معنى قول الله هديا قلت الهدي شيء فصلته من مالك إلى من أمرت بفصله إليه كالهدية تخرجها من مالك إلى غيرك فيقع اسم الهدي على تمرة وبعير وما بينهما من كل ثمرة ومأكول يقع عليه اسم الهدية على ما قل وكثر فإن قال أفيجوز أن تذبح صغيرة من الغنم فتتصدق بها قلت: نعم كما يجوز أن تتصدق بتمرة والهدي غير الضحية والضحية غير الهدي الهدي بدل والبدل يقوم مقام ما أتلف والضحية ليست بدلا من شيء (قال الشافعي) : وقد قال هذا مع عمر بن الخطاب عثمان بن عفان وابن مسعود وغيرهما فخالفتم إلى غير قول آخر مثلهم ولا من سلف من الأئمة علمته (قال الشافعي) : أخبرنا سفيان عن عبد الكريم الجزري عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود أن محرما ألقى جوالقا فأصاب يربوعا فقتله فقضى فيه ابن مسعود بجفرة مجفرة. (قال الشافعي) : أخبرنا ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أن ابن مسعود حكم في اليربوع بجفرة أو جفرة. (قال الشافعي) : أخبرنا سفيان عن مطرف عن أبي السفر أن عثمان قضى في أم حيين بحلان من الغنم (قال الشافعي) : أخبرنا سفيان عن مخارق عن طارق قال: خرجنا حجيجا فأوطأ رجل منا يقال له أربد ضبا ففزر ظهره فقدمنا على عمر فسأله أربد فقال عمر: احكم فيه فقال: أنت خير مني يا أمير المؤمنين وأعلم فقال له عمر: إنما أمرتك أن تحكم فيه ولم آمرك أن تزكيني فقال أربد: أرى فيه جديا قد جمع الماء والشجر فقال عمر: فذاك فيه. (قال الشافعي) : لا أعلم مذهبا أضعف من مذهبكم رويتم عن عمر تؤجل امرأة المفقود ثم تعتد عدة الوفاة وتنكح وروى المشرقيون عن علي لتصبر حتى يأتيها يقين موته وجعل الله عدة الوفاة على المرأة يتوفى عنها زوجها فقال المشرقيون: لا يجوز أن تعتد عدة الوفاة إلا من جعل الله ذلك عليها ولم يجعل الله ذلك إلا على التي توفي عنها زوجها يقينا فقلتم: عمر أعلم بمعنى كتاب الله فإذا قيل لكم وعلي عالم بكتاب الله وأنتم لا تقسمون مال المفقود على ورثته ولا تحكمون عليه بحكم الوفاة حتى تعلموا أنه مات ببينة تقوم على موته فكيف حكمتم عليه حكم الوفاة في امرأته فقط؟ قلتم: لا يقال لما روي عن عمر لم؟ ولا كيف؟ ولا يتأول معه القرآن ثم وجدتم عمر يقول في الصيد بمعنى كتاب الله ومع عمر عثمان وابن مسعود وعطاء وغيرهم فخالفتموهم لا مخالف لهم من الناس إلا أنفسكم لقول متناقض ضعيف والله المستعان. (قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى - أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء أنه قال: من أصاب ولد ظبي صغيرا فداه بولد شاة مثله وإن أصاب صيدا أعور فداه بأعور مثله أو منقوصا فداه بمنقوص مثله أو مريضا فداه بمريض وأحب إلي لو فداه بواف. (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن عبد الملك بن قرير عن محمد بن سيرين أن رجلا جاء إلى عمر بن الخطاب فقال: إني أجريت أنا وصاحبي فرسين نستبق إلى ثغرة ثنية فأصبنا ظبيا ونحن محرمان فماذا ترى؟ فقال عمر لرجل إلى جنبه: تعالى نحكم أنا وأنت فحكما عليه بعنز وذكر في الحديث أن عمر قال: هذا عبد الرحمن بن عوف (قال الشافعي) : أخبرنا الثقفي عن أيوب عن ابن سيرين عن شريح أنه قال: لو كان معي حاكم لحكمت في الثعلب بجدي قلت للشافعي: فإن صاحبنا يقول: إن الرجلين إذا أصابا ظبيا حكم عليهما بعنزين وبهذا نقول. (قال الشافعي) : وهذا خلاف قول عمر وعبد الرحمن بن عوف في روايتكم وابن عمر في رواية غيركم إلى قول غير أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا جاز لكم أن تخالفوهم فكيف تجعلون قول الواحد منهم حجة على السنة ولا تجعلونه حجة على أنفسكم؟ قال: ثم أردتم أن تقيسوا فأخطأتم القياس فلو لم تكونوا خالفتم أحدا كنتم قد أخطأتم القياس قستم بالرجلين يقتلان النفس فيكون على كل واحد منهما كفارة عتق رقبة وفي النفس شيئان: أحدهما بدل والبدل كالثمن وهو الدية في الحر والثمن في العبد والأبدال لا يزاد فيها عندنا وعندكم لو أن مائة رجل قتلوا رجلا حرا أو عبدا لم يغرموا إلا دية أو قيمة فإن قال قائل: فالظبي يقتل بالقيمة والدية أشبه أم الكفارة قيل بالقيمة والدية فإن قال: ومن أين؟ قيل: تفدى النعامة ببدنة والجرادة بتمرة وهذا مثل قيمة العبد المرتفع والمنخفض والكفارة شيء لا يزاد فيها ولا ينقص منها إن كان طعاما أو كسوة أو عتقا وقول عمر وعبد الرحمن معنى القرآن لأن الله جل ثناؤه يقول {فجزاء مثل ما قتل من النعم} [المائدة: 95] فجعل فيه المثل فمن جعل فيه مثلين فقد خالف قول الله والله أعلم - ثم لا تمتنعون من رد قول عمر لرأي أنفسكم ومعه عبد الرحمن بن عوف. (قال الشافعي) : أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء في نفر أصابوا صيدا قال: عليهم كلهم جزاء واحد (قال الشافعي) : أخبرنا الثقة عن حماد بن سلمة عن عمار مولى بني هاشم قال: سئل ابن عباس عن نفر أصابوا صيدا قال: عليهم جزاء قيل: على كل واحد منهم جزاء؟ قال: إنه لمغرر بكم بل عليكم كلكم جزاء واحد. والله أعلم. [باب الأمان لأهل دار الحرب] (قال الشافعي) : - رحمه الله - أخبرنا مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب كتب إلى عامل جيش كان بعثه أنه بلغني أن الرجل منكم يطلب العلج حتى إذا أسند في الجبل وامتنع قال له الرجل مترس يقول لا تخف فإذا أدركه قتله وإني والذي نفسي بيده لا يبلغني أن أحدا فعل ذلك إلا ضربت عنقه قال مالك: وليس هذا بالأمر المجتمع عليه ولا يقتل به فقلت للشافعي فإنا نقول بقول مالك (قال الشافعي) : قد خالفتم ما رويتم عن عمر ولم ترووا عن أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - خلافه علمناه وأما قوله ليس هذا بالأمر المجتمع عليه فليس في مثل هذا اجتماع وهو لا يروي شيئا يخالفه ولا يوافقه فأين الإجماع فيما لا رواية فيه؟ فإن كان ذهب إلى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يقتل مسلم بكافر» وهذا كافر لزمه إذا جاء شيء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يترك كل ما خالفه أما أن يترك ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرة ويلزمه أخرى فهذا لا يجوز لأحد. . [باب ما روى في تخمير المحرم وجهه] باب ما روى مالك عن عثمان بن عفان وخالفه في تخمير المحرم وجهه سألت الشافعي: أيخمر المحرم وجهه؟ فقال: نعم ولا يخمر رأسه وسألته عن المحرم يصطاد من أجله الصيد قال: لا يأكله فإن أكله فقد أساء ولا فدية عليه فقلت: وما الحجة؟ فقال: أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: رأيت عثمان بن عفان بالعرج في يوم صائف وهو محرم وقد غطى وجهه بقطيفة أرجوان ثم أتي بلحم صيد فقال لأصحابه: كلوا فقالوا: ألا تأكل أنت؟ قال: إني لست كهيئتكم إنما صيد من أجلي فقلت: إنا نكره تخمير الوجه للمحرم ويكرهه صاحبنا ويروي فيه عن ابن عمر أنه قال: ما فوق الذقن من الرأس فلا يخمره المحرم. (قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى - أخبرنا سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن عثمان بن عفان وزيد بن ثابت ومروان كانوا يخمرون وجوههم وهم محرمون فإن كنت ذهبت إلى أن عثمان وابن عمر اختلفا في تخمير الوجه فكيف أخذت بقول ابن عمر دون قول عثمان ومع عثمان زيد بن ثابت ومروان وما هو أقوى من هذا كله؟ قلت وما هو؟ قال: «أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بميت مات محرما أن يكشف عن رأسه دون وجهه ولا يقرب طيبا ويكفن في ثوبيه اللذين مات فيهما» فدلت السنة على أن للمحرم تخمير وجهه وعثمان وزيد رجلان وابن عمر واحد ومعهما مروان فكان ينبغي عندك أن يكون هذا أشبه بالعمل وبدلالة السنة وعثمان الخليفة وزيد ثم مروان بعدهما وقد اختلف عثمان وابن عمر في العبد يباع ويتبرأ صاحبه من العيب فقضى عثمان على ابن عمر أن يحلف ما كان به داء علمه وقد رأى ابن عمر أن التبرؤ يبرئه مما علم لم يعلم فاخترت قول ابن عمر وسمعت من أصحابك من يقول عثمان الخليفة عن قضاه بين المهاجرين والأنصار كأنه قول عامتهم وقوله بهذا كله أولى أن يتبع من ابن عمر فعثمان إذ كان معه ما وصفت في تخمير المحرم وجهه من دلالة السنة ومن قول زيد ومروان أولى أن يصار إلى قوله مع أنه قول عامة المفتين بالبلدان فقلت: للشافعي: فإنا نقول ما فوق الذقن من الرأس. قال الشافعي: ينبغي أن يكون من شأنك الصمت حين تسمع كلام الناس حتى تعرف منه فإني أراك تكثر أن تكلم بغير روية فقلت: وما ذلك؟ فقال: وما تعني بقولك وما فوق الذقن من الرأس؟ أتعني أن حكمه حكم الرأس في الإحرام؟ فقلت: نعم فقال: أفتخمر المرأة المحرمة ما فوق ذقنها فإن للمحرمة أن تخمر رأسها فقلت: لا قال: أفيجب على الرجل إذا لبد رأسه حلقه أو تقصيره؟ فقلت: نعم قال: أفيجب عليه أن يأخذ من شعر ما فوق الذقن من وجهه؟ فقلت: لا فقال لي الشافعي: وفرق الله بين حكم الوجه والرأس فقال: اغسلوا وجوهكم فعلمنا أن الوجه ما دون الرأس وأن الذقن من الوجه وقال امسحوا برءوسكم فكان الرأس غير الوجه فقلت: نعم قال: وقولك لا كراهة لتخمير الوجه بكماله ولا إباحة تخميره بكماله أنه يجب على من وضع نفسه معلما أن يبدأ فيعرف ما يقول قبل أن يقوله ولا ينطق بما لا يعلم وهذه سبيل لا أراك تعرفها فاتق الله وامسك عن أن تقول بغير علم ولم أر من أدب من ذهب مذهبك إلا أن يقول القول ثم يصمت وذلك أنه "قال: فيما نرى" يعلم أنه لا يصنع شيئا بمناظرة غيره إلا بما أن صمت أمثل به. قلت للشافعي: فمن أين قلت أي صيد صيد من أجل محرم فأكل منه لم يغرم فيه؟ فقال: لأن الله جل ثناؤه إنما أوجب غرمه على من قتله فقال عز وجل {ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم} [المائدة: 95] فلما كان القتل غير محرم لم يكن على المحرم فيما جنى غيره فدية كما لو قتل من أجله مسلما لم يكن على المقتول من أجله عقل ولا كفارة ولا قود فإن الله قضى أن لا تزر وازرة وزر أخرى قال: ولما كان الصيد مقتولا فأمسك المحرم عن أكله ومن أجله صيد لم يكن عليه فيه فدية بأن صيد من أجله لم يجز أن يكون صيدا مقتولا لا فدية فيه حين قتل ويأكله بشر لا فدية عليهم فإذا أكله واحد فداه وإنما نقطع الفدية فيه بالقتل فإذا كان القتل ولا فدية لم يجز أن تكون فدية لأنه لم يحدث بعدها قتلا يوجب فدية قلت: إن الأكل غير جائز للمحرم وإنما أمرته بالفدية لذلك قال: وكذلك لا يجوز للمحرم أكل ميتة ولا شرب خمر ولا محرم ولا فدية عليه في شيء من هذا وهو آثم بالأكل والفدية في الصيد إنما تكون بالقتل فقلت: للشافعي: فهل خالفك في هذا غيرنا؟ فقال: ما علمت أحدا غيركم زعم أن من أكل لحم صيد صيد من أجله فداه بل علمت أن من المشرقيين من قال له أن يأكله لأنه مال لغيره أطعمه إياه ولولا اتباع الحديث فيه لكان القول عندنا قوله ولكنه خالف الحديث فخالفناه فإن كانت لنا عليه حجة بخلاف بعض الحديث فهي لنا عليك بخلافك بعضه وهو يعرف ما يقول وإن زل عندنا ولستم والله يعافينا وإياكم تعرفون كثيرا مما تقولون أرأيت لو أن رجلا أعطى رجلا سلاحا ليقويه على قتل حر أو عبد فقتله المعطى كان على المعطي عقل أو قود؟ قال: لا ولكنه مسيء آثم بتقوية القاتل قلت: وكذلك لو قتله ولا علم له بجناية على قتله ورضيه قال: نعم. (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أفلا ترى هذا أولى أن يكون عليه عقل أو قود أو كفارة ممن قتل من أجله صيد لا يعلمه فأكله؟ فإذا قلت إنما جعل العقل والقود بالقتل فهذا غير قاتل (قال الشافعي) : أخبرنا مالك أن أبا أيوب الأنصاري قال: كان الرجل يضحي بالشاة الواحدة عنه وعن أهله ثم تباهى الناس فصارت مباهاة. . [باب ما جاء في خلاف عائشة في لغو اليمين] فقلت للشافعي: ما لغو اليمين؟ قال: الله أعلم أما الذي نذهب إليه فهو ما قالت عائشة. (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت: لغو اليمين قول الأنسان لا والله وبلى والله فقلت للشافعي: وما الحجة فيما قلت؟ قال: الله أعلم اللغو في لسان العرب الكلام غير المعقود عليه وجماع اللغو يكون الخطأ (قال الشافعي) : فخالفتموه وزعمتم أن اللغو حلف الإنسان على الشيء يستيقن أنه كما حلف عليه ثم يوجد على خلافه (قال الشافعي) : وهذا ضد اللغو هذا هو الإثبات في اليمين يقصدها يحلف لا يفعله يمنعه السبب لقول الله تبارك وتعالى {ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان} [المائدة: 89] ما عقدتم ما عقدتم به عقد الأيمان عليه ولو احتمل اللسان ما ذهبتم إليه ما منع احتماله ما ذهبت إليه عائشة وكانت أولى أن تتبع منكم لأنها أعلم باللسان منكم مع علمها بالفقه (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عن عائشة التشهد قال: فخالفتموها فيه إلى قول عمر. [باب في بيع المدبر] (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن عن أمه عمرة أن عائشة دبرت جارية لها فسحرتها فاعترفت بالسحر فأمرت بها عائشة أن تباع من الأعراب ممن يسيء ملكتها فبيعت قال: فخالفتموها فقلتم لا يباع مدبر ولا مدبرة ونحن نقول بقول عائشة وغيرها. [باب ما جاء في لبس الخز] [باب خلاف ابن عباس في البيوع] (قال الشافعي) : أخبرنا مالك بن أنس عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد قال: سمعت ابن عباس ورجل يسأله عن رجل سلف في سبائب فأراد أن يبيعها فقال ابن عباس: تلك الورق بالورق وكره ذلك قال مالك: وذلك فيما نرى لأنه أراد بيعها من صاحبه الذي اشتراها منه بأكثر من الثمن الذي ابتاعها به ولو باعها من غير الذي اشتراها منه لم يكن ببيعه بأس وقلتم به وليس هذا قول ابن عباس ولا ![]()
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]() ![]() كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي المجلد السابع الحلقة (317) صــــــــــ 258 الى صـــــــــــ 265 تأويل حديث (قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى - أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس قال: أما «الذي نهى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو الطعام أن يباع حتى يقبض» قال: ابن عباس برأيه ولا أحسب كل شيء إلا مثله (قال الشافعي) : وبقول ابن عباس نأخذ لأنه إذا باع شيئا اشتراه قبل أن يقبضه فقد باع مضمونا له على غيره وأصل البيع لم يبرأ إليه منه وأكل ربح ما لم يضمن وخالفتموه فأجزتم بيع ما لم يقبض سوى الطعام من غير صاحبه الذي اتبع به (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : ولا أعلم بين صاحبه الذي ابتيع منه وغيره فرقا لئن لم يكن ذلك فهل الحجة عليه إلا أن يقال: مخرج قول النبي - صلى الله عليه وسلم - عام فلا يصلح أن يكون خاصا فكيف نهى عنه ابن عباس وأنتم لا تروون خلاف هذا عن أحد علمته وعن ابن عباس أن امرأة جعلت على نفسها مشيا إلى مسجد قباء فماتت قبل أن تقضي فأمر ابنتها أن تمشي عنها. فقلت للشافعي: فإنا نقول: لا يمشي أحد عن أحد (قال الشافعي) : أحسب ابن عباس إنما ذهب إلى أن المشي إلى قباء نسك فأمرها أن تنسك عنها وكيف خالفتموه ولا أعلمكم رويتم عن أحد أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - خلافه. باب (قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى - أخبرنا مالك عن أبي الزبير عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس أنه سئل عن رجل وقع على أهله وهو محرم وهو بمنى قبل أن يفيض فأمره أن ينحر بدنة (قال الشافعي) : وبهذا نأخذ قال مالك: عليه عمرة وبدنة وحجة تامة ورواه عن ربيعة فترك قول ابن عباس بخبر ربيعة ورواه عن ثور بن يزيد عن عكرمة يظنه عن ابن عباس (قال الشافعي) : وهو سيئ القول في عكرمة لا يرى لأحد أن يقبل حديثه وهو يروي سفيان عن عطاء عن ابن عباس خلافه وعطاء ثقة عنده وعند الناس قال: والعجب له أن يقول في عكرمة ما يقول ثم يحتاج إلى شيء من علمه يوافق قوله ويسميه مرة ويروي عنه ظنا ويسكت عنه مرة فيروي عن ثور بن يزيد عن ابن عباس في الرضاع وذبائح نصارى العرب وغيره وسكت عن عكرمة وإنما حدث به ثور عن عكرمة وهذا من الأمور التي ينبغي لأهل العلم أن يتحفظوا منها فيأخذ بقول ابن عباس من نسي من نسكه شيئا أو تركه فليهرق دما فيقيس عليه ما شاء الله من الكثرة ويترك قوله في غير هذا منصوصا لغير معنى هل رأى أحدا قط تم حجه يعمل في الحج بشيء ما لا ينبغي له فقضاه بعمرة فكيف يعتمر عنده وهو في بقية من حجه؟ فإن قلتم نعمره بعد الحج فكيف يكون حج قد خرج منه كله وقضى عنه حجة الإسلام وقد خرج من إحرامه في الحج ثم نقول: أحرم بعمرة عن حج ما علمت أحدا من مفتي الأمصار قال هذا قبل ربيعة إلا ما روي عن عكرمة. وهذا من قول ربيعة عفا الله عنا وعنه ومن ضرب من أفطر يوما من رمضان قضى باثني عشر يوما ومن قبل امرأته وهو صائم اعتكف ثلاثة أيام وما أشبه هذا من أقاويل كان يقولها قال: والعجب لكم وأنتم لا تستوحشون من الترك على ربيعة ما هو أحسن من هذا فكيف تتبعونه فيه. [باب خلاف زيد بن ثابت في الطلاق] سألت الشافعي عن الرجل يملك امرأته أمرها فتطلق نفسها ثلاثا فقال: القول قول الزوج فإن قال إنما ملكتها أمرها في واحدة لا في ثلاث كان القول قوله وهي واحدة وهو أحق بها فقلت له ما الحجة في ذلك؟ قال أخبرنا مالك عن سعيد بن سليمان بن زيد بن ثابت عن خارجة بن زيد بن ثابت أنه أخبره أنه كان جالسا عند زيد بن ثابت فأتاه محمد بن أبي عتيق وعيناه تدمعان فقال له زيد: ما شأنك؟ فقال: ملكت امرأتي أمرها ففارقتني فقال: له زيد ارتجعها إن شئت فإنما هي واحدة وأنت أحق بها فقلت للشافعي: فإنا نقول هي ثلاث إلا أن يناكرها وروي شبيها بذلك عن ابن عمر ومروان بن الحكم (قال الشافعي) : ما أراكم تبالون من خالفتم فإن ذهبتم إلى قول ابن عمر ومروان دون قول زيد فبأي وجه ذهبتم إليه فهل يعدو المملك امرأته أمرها إذا طلقت نفسها ثلاثا أن يكون أصل التمليك إخراج جميع ما في يده من طلاقها إليها فإذا طلقت نفسها لزمه ولم تنفعه مناكرتها أو لا يكون إخراج جميعه فيكون محتملا لإخراج الجميع والبعض فيكون القول قوله فيه وإذا كان القول قول الزوج فلو ملكها واحدة فطلقت نفسها ثلاثا لم يكن لها أن تطلق إلا واحدة وأسمعكم إذا اخترتم - والله يغفر لنا ولكم - لا تعرفون كيف موضع الاختيار وما موضع المناكرة فيه إلا ما وصفت. والله أعلم. [باب في عين الأعور] (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن بكير بن الأشج عن سليمان بن يسار أن زيد بن ثابت قضى في العين القائمة إذا أطفئت أو قال: بخقت بمائة دينار قال مالك: ليس بهذا العمل إنما فيها الاجتهاد لا شيء مؤقت. (قال الشافعي) : أخبرنا مالك أن أنس بن مالك كبر حتى لا يقدر على الصيام فكان يفتدي وخالفه مالك فقال: ليس عليه بواجب. (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ربيعة عن أبي بكر بن حزم أنه كان يصلي في قميص فقلت: إنا نكره هذا فقال: كيف كرهتم ما استحب أبو بكر. (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها كانت تبيع ثمارها وتستثني منها (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أن رجلا كانت عنده وليدة قوم فقال لأهلها: شأنكم بها فرأى الناس أنها تطليقة قال مالك: الأمر المجتمع عليه عندنا أن الرجل إذا باع ثمر حائط فلا بأس أن يستثني منه ما بينه وبين ثلث الثمر لا يجاوزه (قال الشافعي) : أيضا يروى عن القاسم وعمرة الاستثناء ولم يرو عنهما حد الاستثناء ولو جاز أن يستثني منه سهما من ألف سهم ليجوز تسعة أعشاره وأكثر ولا أدري من اجتمع لكم على هذا والذي يروى خلاف ما يقول (قال الشافعي) : ولا يجوز الاستثناء إلا أن يكون البيع واقعا على شيء والمستثنى خارج من البيع وذلك أن يقول: أبيعك ثمر حائطي إلا كذا وكذا نخلة فيكون النصف خارجا من البيع أو أبيعك ثمره إلا نصفه أو إلا ثلثه فيكون ما استثنى خارجا من البيع. (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن ربيعة أن رجلا أتى القاسم فقال: إني أفضت وأفضت معي بأهلي فعدلت إلى شعب فذهبت لأدنو منها فقالت امرأتي: لم أقصر من شعر رأسي بعد فأخذت من شعر رأسها بأسناني ثم وقعت بها قال: فضحك القاسم ثم قال: فمرها فلتأخذ من رأسها بالجلمين (قال الشافعي) : وهذا كما قال القاسم: إذا قصر من رأسها بأسنانه أجزأ عنها من الجلمين قال مالك: يهريق دما وخالف القاسم لقول نفسه. (قال الشافعي) : أخبرنا مالك أنه سأل عبد الرحمن بن القاسم من أين القاسم يرمي جمرة العقبة؟ قال: من حيث تيسر قال مالك: لا أحب أن يرميها إلا من بطن المسيل ولم يرو فيها خلافا عن أحد. . [باب خلاف عمر بن عبد العزيز في عشور أهل الذمة] (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن زريق بن حيان وكان زريق على جواز مصر في زمان الوليد وسليمان وعمر بن عبد العزيز فذكر أن عمر بن عبد العزيز كتب إليه أن انظر من مر بك من المسلمين فخذ مما ظهر من أموالهم مما يديرون للتجارات من كل أربعين دينارا دينارا فما نقص فبحساب ذلك حتى يبلغ عشرين دينارا فإن نقص من عشرين دينارا ثلث دينار فدعها ولا تأخذ منها شيئا ومن مر بك من أهل الذمة فخذ مما يديرون من التجارات من أموالهم من كل عشرين دينارا دينارا فما نقص فبحساب ذلك حتى يبلغ عشرة دنانير فإن نقصت ثلث دينار فدعها ولا تأخذ منها شيئا واكتب لهم بما تأخذ منهم كتابا إلى مثله من الحول (قال الشافعي) : وبقول عمر نأخذ لا يؤخذ منهم إلا مرة في الحول وخالفتموه إن اختلفوا في السنة مرارا وخالفتم عمر بن عبد العزيز في عشرين دينارا إن نقص ثلث دينار فأخبرت عنه أنه قال: إن جازت جواز الوازنة أخذت منه الزكاة ولو نقصت أكثر وإن لم تجز جواز الوازنة وهي تنقص ثلث دينار أو أكثر أو أقل لم يؤخذ منها زكاة وزعمتم أن الدراهم إن نقصت عن مائتي درهم وهي تجوز جواز الوازنة أخذت منها الزكاة. (قال الشافعي) : لسنا نقول بهذا إذا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ليس فيما دون خمس أواق صدقة» فهو كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلو نقصت حبة لم يكن فيها صدقة لأن ذلك دون خمس أواق وأنتم لم تقولوا بحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي روي ليس فيما دون خمس أواق صدقة وهو سنة ولا بقول عمر بن عبد العزيز. (قال الشافعي) : أخبرنا مالك أنه سأل ابن شهاب عن الزيتون فقال: فيه العشر وخالفه مالك فقال: لا يؤخذ العشر إلا من زيته وجواب ابن شهاب على حبه. (قال الشافعي) : أخبرنا مالك أن عمر بن عبد العزيز كتب إنما الصدقة في العين والحرث والماشية قال: مالك: لا صدقة إلا في عين أو حرث أو ماشية وقال مالك في العرض الذي يدار صدقة. (قال الشافعي) : أخبرنا مالك أنه بلغه أن سعيدا يعني ابن المسيب وسليمان بن يسار سئلا هل في الشفعة سنة؟ فقالا جميعا نعم: الشفعة في الدور والأرضين ولا تكون الشفعة إلا بين القوم الشركاء (قال الشافعي) : وبهذا نأخذ وتأخذون في الجملة وفي هذا يعني أن تكون الشفعة إلا فيما كانت له أرض فإنه يقسم وقد روى مالك عن عثمان أنه قال: لا شفعة في بئر ولا فحل نخل وقال مالك: لا شفعة في طريق ولا عرصة دار، وإن صلح فيها القسم وقال فيمن اشترى شقصا من دار أو حيوان، أو عرض: الشفعة في الشقص بقدر ما يصيبه من الثمن، ثم خالفتم معنى هذا في المكاتب، فجعلتم نجومه تباع وجعلتموه أحق بما يباع منه بالشفعة. [باب خلاف سعيد وأبي بكر في الإيلاء] (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سعيد يعني ابن المسيب وأبي بكر بن عبد الرحمن أنهما كانا يقولان في الرجل يولي من امرأته إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة ولزوجها عليها الرجعة ما كانت في العدة وقال مالك: إن مروان كان يقضي في الرجل إذا آلى من امرأته أنها إذا مضت الأربعة الأشهر فهي تطليقة وله عليها الرجعة ما كانت في العدة قال مالك وعلى ذلك رأي ابن شهاب. (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه سئل عن المرأة يطلقها زوجها في بيت بكراء على من الكراء؟ فقال: سعيد على زوجها قال: فإن لم يكن عند زوجها؟ قال: فعلى الأمير. [باب في سجود القرآن] سألت الشافعي عن السجود في سورة الحج فقال: فيها سجدتان فقلت: وما الحجة في ذلك؟ فقال: أخبرنا مالك عن نافع أن رجلا من أهل مصر أخبره أن عمر بن الخطاب سجد في سورة الحج سجدتين ثم قال إن هذه السورة فضلت بسجدتين (قال الشافعي) : أخبرنا إبراهيم بن سعد عن الزهري عن عبد الله بن ثعلبة بن صغير أن عمر بن الخطاب صلى بهم بالجابية بسورة الحج فسجد فيها سجدتين، فقلت للشافعي: فإنا لا نسجد فيها إلا سجدة واحدة. (قال الشافعي) : فقد خالفتم ما رويتم عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمر معا إلى غير قول أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فكيف تتخذون قول عمر وحده حجة وابن عمر وحده حجة حتى تردوا بكل واحد منهما السنة وتبنون عليهما عددا من الفقه ثم تخرجون من قولهما لرأي أنفسكم هل تعلمون يستدرك على أحد قول العورة فيه أبين منها فيما وصفت من أقاويلكم، وسألت الشافعي عما روى صاحبنا وحده في المحصب فقال: أخبرنا مالك عن ابن عمر قال: كان يصلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمحصب ثم يدخل مكة من الليل فيطوف بالبيت، قلت للشافعي: نحن نقول لا ينبغي لعالم أن يفعله (قال الشافعي) : ما على العالم من النسك ما ليس على غيره قلت: هو العالم والجاهل (قال الشافعي) : فإن تركاه؟ قلت: لا فدية على واحد منهما، قال: ولكنكم من أصل مذهبكم أن من ترك من نسكه شيئا أهراق دما فإن كان نسكا فقد تركتم أصل قولكم وإن كان منزل سفر لا منزل نسك فلا تأمر عالما ولا جاهلا أن ينزله. . [باب غسل الجنابة] (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا اغتسل من الجنابة نضح في عينيه الماء قال مالك: ليس عليه العمل (قال الشافعي) : هذا ما تركتم على ابن عمر ولم ترووا عن أحد خلافه فإذا وسعكم الترك على ابن عمر لغير قول مثله لم يجز لكم أن تقولوا قوله حجة على مثله وأنتم تدعون عليه لأنفسكم وإن جاز لكم أن تحتجوا به على مثله لم يجز تركه لأنفسكم. [باب في الرعاف] (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا رعف انصرف فتوضأ ثم رجع ولم يتكلم (قال الشافعي) فمالك روى عن ابن المسيب وابن عباس مثله (قال الشافعي) : أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج عن الزهري عن سالم عن أبيه أنه كان يقول من أصابه رعاف أو من وجد رعافا أو مذيا أو قيئا انصرف فتوضأ ثم رجع فبنى وقال المسور بن مخرمة يستأنف ثم زعمتم أنه إنما يغسل الدم وعبيد الله بن عمر يروي عن نافع أنه كان ينصرف فيغسل الدم ويتوضأ للصلاة والوضوء في الظاهر في روايتكم إنما هو وضوء الصلاة وهذا يشبه الترك، لما رويتم عن ابن عمر وابن عباس وابن المسيب في رواية غيركم أنه يبني في المذي وزعمتم أنكم لا تبنون في المذي. . [باب الغسل بفضل الجنب والحائض] (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول: لا بأس بفضل المرأة ما لم تكن حائضا أو جنبا قال مالك: لا بأس أن يغتسل بفضل الجنب والحائض، قلت للشافعي أنت تقول بقول مالك؟ قال: نعم ولست أرى قول أحد مع قول النبي - صلى الله عليه وسلم - حجة إنما تركته لأن «النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يغتسل وعائشة فإذا اغتسلا معا كان كل واحد منهما يغتسل بفضل صاحبه» وأنتم تجعلون قول ابن عمر حجة على السنة وتجعلون سنة أخرى حجة عليه إن كنتم تركتموه على ابن عمر فلعلكم لا تكونون تركتموه عليه إلا بشيء عرفتموه. [باب التيمم] (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع أنه أقبل هو وابن عمر من الجرف حتى إذا كانوا بالمربد نزل فتيمم صعيدا فمسح بوجهه ويديه إلى المرفقين ثم صلى (قال الشافعي) : أخبرنا سفيان عن ابن عجلان عن نافع عن ابن عمر أنه تيمم بمربد الغنم وصلى العصر ثم دخل المدينة والشمس مرتفعة فلم يعد العصر، قلت للشافعي: فإنا نقول: إذا كان المسافر يطمع بالماء فلا يتيمم إلا في آخر الوقت فإن تيمم قبل آخر الوقت وصلى ثم وجد الماء قبل ذهاب الوقت توضأ وأعاد (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : هذا خلاف قول ابن عمر المربد بطرف المدينة وقد تيمم به ابن عمر ودخل وعليه من الوقت شيء صالح فلم يعد الصلاة فكيف خالفتموه في الأمرين معا ولا أعلم أحدا مثله قال بخلافه فلو قلتم بقوله ثم خالفه غيركم كنتم شبيها أن تقولوا: تخالف ابن عمر لغير قول مثله ثم تخالفه أيضا في الصلاة وابن عمر إلى أن يصلي ما ليس عليه أقرب منه إلى أن يدع صلاة عليه [باب الوتر] (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع قال: كنت مع ابن عمر بمكة والسماء متغيمة فخشي ابن عمر الصبح فأوتر بواحدة ثم انكشف الغيم فرأى عليه ليلا فشفع بواحدة (قال الشافعي) : وأنتم تخالفون ابن عمر من هذا في موضعين فتقولون: لا يوتر بواحدة ومن أوتر لا يشفع وتره ولا أعلمكم تحفظون عن أحد أنه قال: لا يشفع وتره فقلت للشافعي: ما تقول أنت في هذا؟ قال: بقول ابن عمر أنه يوتر بركعة، قلت: أفتقول يشفع وتره؟ فقال: لا فقلت: وما حجتك فيه؟ قال: روينا عن ابن عباس أنه كره لابن عمر أن يشفع وتره وقال: إذا أوترت فاشفع من آخره ولا تعد وترا ولا تشفعه وأنتم زعمتم أنكم لا تقبلون إلا حديث صاحبكم وليس من حديث صاحبكم خلاف ابن عمر. . [باب الصلاة بمنى والنافلة في السفر] (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يصلي وراء الإمام بمنى أربعا فإذا صلى لنفسه صلى ركعتين (قال الشافعي) : هذا يدل على أن الإمام إذ كان من أهل مكة صلى بمنى أربعا لأنه لا يحتمل إلا هذا أو يكون الإمام من غير أهل مكة يتم بمنى لأن الإمام في زمان ابن عمر من بني أمية وقد أتموا بإتمام عثمان قال: وهذا يدل على أن المسافر لو أتم بقوم لم تفسد صلاتهم عند ابن عمر لأن صلاته لو كانت تفسد لم يصل معه (قال الشافعي) : وبهذا نقول وأنتم تخالفون ما رويتم عن ابن عمر لغير رأي أحد رويتموه يخالف ابن عمر بل مع ابن عمر فيه غيره من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يوافقه وتخالفونه ابن مسعود عاب إتمام الصلاة بمنى ثم قام فأتمها فقيل له في ذلك فقال: الخلاف شر ولو كان ذلك يفسد صلاته لم يتم وخالف فيه ولكنه رآه واسعا فأتم، وإن كان الفضل عنده في القصر (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه لم يكن يصلي مع الفريضة في السفر شيئا قبلها ولا بعدها إلا من جوف الليل (قال الشافعي) : ومعروف عن ابن عمر عيب النافلة في النهار في السفر قال مالك لا بأس بالنافلة في السفر نهارا، قال: فقلت للشافعي فإنا نقول بقول صاحبنا فقال الشافعي: كيف خالفتم ابن عمر واستحببتم ما كره ولم أعلمكم تحفظون فيه شيئا يخالف هذا يدل على أن احتجاجكم بقول ابن عمر استتار من الناس لأنه لا ينبغي لأحد أن يخالف الحجة عنده. [باب القنوت] (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر كان لا يقنت في شيء من الصلوات (قال الشافعي) : وأنتم ترون القنوت في الصبح (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن هشام بن عروة أظنه عن أبيه (الشك من الربيع) أنه كان لا يقنت في شيء من الصلاة ولا في الوتر إلا أنه كان يقنت في صلاة الفجر قبل أن يركع الركعة الآخرة إذا قضى قراءته (قال الشافعي) : وأنتم تخالفون عروة فتقولون: يقنت بعد الركوع فقلت: للشافعي فأنت تيقنت في الصبح بعد الركوع؟ فقال: نعم: لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قنت ثم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان قلت: فقد وافقناك قال: أجل من حيث لا تعلمون وموافقتكم في هذا حجة عليكم في غيره فقلت من أين؟ قال: أنتم تتركون الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحج عن الرجل بقياس على قول ابن عمر وتقولون: لا يجهل ابن عمر قول النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: للشافعي: قد يذهب على ابن عمر بعض السنن ويذهب عليه حفظ ما شاهد منها فقال الشافعي: أويخفى عليه القنوت والنبي - صلى الله عليه وسلم - وسلم يقنت عمره وأبو بكر أو يذهب عليه حفظه؟ فقلت: نعم (قال الشافعي) : أقاويلكم مختلفة كيف نجدكم تروون عنه إنكار القنوت ويروي غيركم من المدنيين القنوت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه فهذا يبطل أن العمل كما تقول في كل أمر ويبطل قولكم لا يخفى على ابن عمر سنة وإذا جاز عليه أن ينسى أو يذهب عليه ما شاهد كان «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر امرأة أن تحج عن أبيها» من العلم من هذا أولى أن يذهب عليه ولا يجعل قوله حجة على السنة وأنها عليك في رد الحديث زعمت أن يكون لا يذهب على ابن عمر. (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر في التشهد (قال الشافعي) : وخالفته إلى قول عمر فإذا كان التشهد وهو من الصلاة وعلم العامة مختلف فيه بالمدينة تخالف فيه ابن عمر وعمر وعائشة فأين الاجتماع والعمل ما كان ينبغي لشيء أن يكون أولى أن يكون مجتمعا عليه من التشهد وما روى فيه مالك صاحبك إلا ثلاثة أحاديث مختلفة كلها حديثان منها يخالفان (3) : فيها عمر وعمر يعلمهم التشهد على المنبر ثم تخالف فيها ابنه وعائشة فكيف إذا ادعى أن يكون الحاكم إذا حكم ثم قال: أو عمل أجمع عليه بالمدينة وما يجوز ادعاء الإجماع إلا بخبر ولو ذهب ذاهب يجيزه كانت الأحاديث ردا لإجازته. [باب الصلاة قبل الفطر وبعده] (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر لم يكن يصلي يوم الفطر قبل الصلاة ولا بعدها (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يصلي يوم الفطر قبل الصلاة وبعدها (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم أن أباه كان يصلي قبل أن يغدو إلى المصلى أربع ركعات (قال الشافعي) : والذي يروى الاختلاف فأين الإجماع إذا كانوا يختلفون في مثل هذا من الصلاة وما تقولون أنتم، قالوا: لا نرى بأسا أن يصلي قبل الصلاة وبعدها (قال الشافعي) : فإذا خالفتم ابن عمر وإذا جاز خلاف ابن عمر في هذا لقول الرجل من التابعين: أيجوز لغيركم خلافه لقول رجل من التابعين أو تضيقون على غيركم ما توسعون على أنفسكم فتكونون غير منصفين ويكون هذا غير مقبول من أحد ويجوز أن تدع على ابن عمر لرجل من التابعين ولرأي صاحبك وتجعل قول ابن عمر حجة على السنة في موضع آخر. (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر في صلاة الخوف بشيء خالفتموه فيه ومالك يقول: لا أراه حكى إلا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وابن أبي ذئب يرويه عن الزهري عن سالم عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يشك فيه (قال الشافعي) : فإذا تركتم على ابن عمر رأيه وروايته في صلاة الخوف بحديث يزيد بن رومان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فكيف تتركون حديثا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أثبت من حديث يزيد بن رومان لرأي ابن عمر ثم تدعون حديث يزيد بن رومان لقول سهل بن أبي حثمة فتدعون السنة لقول سهل فما أعرف لكم في العلم مذهبا يصح والله المستعان. [باب نوم الجالس والمضطجع] (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر كان ينام وهو قاعد ثم يصلي ولا يتوضأ (قال الشافعي) : وهكذا نقول وإن طال ذلك لا فرق بين طويله وقصيره إذا كان جالسا مستويا على الأرض ونقول: إذا كان مضطجعا أعاد الوضوء (قال الشافعي) : أخبرنا الثقة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه قال: من نام مضطجعا وجب عليه الوضوء ومن نام جالسا فلا وضوء عليه. فقلت للشافعي: فإنا نقول إن نام قليلا قاعدا لم ينتقض وضوءه وإن تطاول ذلك توضأ (قال الشافعي) : ولا يجوز في النوم قاعدا إلا أن يكون حكمه حكم المضطجع قليله وكثيره سواء أو خارجا من ذلك الحكم فلا ينقض الوضوء قليله ولا كثيره. فقلت للشافعي: فإنا نقول إن نام قليلا قاعدا لم ينتقض وضوءه وإن تطاول ذلك توضأ (قال الشافعي) : فهذا خلاف ابن عمر وخلاف غيره والخروج من أقاويل الناس قول ابن عمر كما حكى مالك وهو لا يرى في النوم قاعدا وضوءا وقول الحسن من خالط النوم قلبه جالسا وغير جالس فعليه الوضوء وقولكم خارج منهما (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه بال في السوق فتوضأ فغسل وجهه ويديه ومسح برأسه ثم دخل المسجد فدعا للجنازة فمسح على خفيه ثم صلى قلت للشافعي فإنا نقول لا يجوز هذا إنما يسمح بحضرة ذلك ومن صنع مثل هذا استأنف فقال الشافعي: إني لأرى خلاف ابن عمر عليكم خفيفا لرأي أنفسكم لا بل لا نعلمكم تروون في هذا عن أحد شيئا يخالف قول ابن عمر وإن جاز زلل ابن عمر عندكم وإنما زعمتم أن الحجة في قول أنفسكم فلم تكلفتم الرواية عن غيركم وقد جعلتم أنفسكم بالخيار تقبلون ما شئتم بلا حجة. [باب إسراع المشي إلى الصلاة] (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه سمع الإقامة وهو بالبقيع فأسرع المشي إلى المسجد (قال الشافعي) : وكرهتم زعمتم إسراع المشي إلى المسجد فقلت للشافعي: نحن نكره الإسراع إلى المسجد إذا أقيمت الصلاة (قال الشافعي) : فإن كنتم كرهتموه لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - «إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وائتوها تمشون وعليكم السكينة» فقد أصبتم وهكذا ينبغي لكم في كل أمر لرسول الله فيه سنة فأما أن قياس قول ابن عمر ويخطئ القياس عليه حجة على «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر امرأة تحج عن أبيها ورجلا يحج عن أبيه» فقال: لا يحج أحد عن أحد لأن ابن عمر قال: لا يصلي أحد عن أحد "فكيف يجوز لمسلم أن يدع ما يروى عن رسول الله إلى ما يروى عن غيره ثم يدعه لقياس يخطئ فيه وهو هنا يصيب في ترك ما روي عن ابن عمر إذ روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خلافه ثم يزيد فيخرج إلى خلاف ابن عمر معه سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غير هذا الموضع." [باب رفع الأيدي في التكبير] سألت الشافعي عن رفع الأيدي في الصلاة فقال: يرفع المصلي يديه إذا افتتح الصلاة حذو منكبيه وإذا أراد أن يركع وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك ولا يفعل ذلك في السجود فقلت للشافعي فما الحجة في ذلك؟ فقال: أخبرنا هذا ابن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل قولنا فقلت: فإنا نقول يرفع في الابتداء ثم لا يعود (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر كان إذا ابتدأ الصلاة يرفع يديه حذو منكبيه وإذا رفع عن الركوع رفعهما كذلك وهو يرى «عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك» ثم خالفتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وابن عمر فقلتم: لا يرفع يديه إلا في ابتداء الصلاة وقد رويتم عنهما أنهما رفعا في الابتداء وعند الرفع من الركوع (قال الشافعي) : أفيجوز لعالم أن يترك على النبي - صلى الله عليه وسلم - وابن عمر لرأي نفسه أو على النبي - صلى الله عليه وسلم - لرأي ابن عمر ثم القياس على قول ابن عمر ثم يأتي موضع آخر ويصيب فيه يترك على ابن عمر لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فكيف لم ينهه بعض هذا عن بعض؟ أرأيت إن جاز له أن يروي «عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه رفع يديه في الصلاة مرتين أو ثلاثا» وعن ابن عمر فيه اثنتين ويأخذ بواحدة ويترك واحدة أيجوز لغيره ترك الذي أخذ به وأخذ الذي ترك أو يجوز لغيره تركه عليه؟ (قال الشافعي) : لا يجوز له ولا لغيره ترك ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت للشافعي فإن صاحبنا قال: ما معنى رفع الأيدي (قال ![]()
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
![]() ![]() كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي المجلد السابع الحلقة (318) صــــــــــ 266 الى صـــــــــــ 273 الشافعي) : هذه الحجة غاية من الجهل معناه تعظيم الله واتباع السنة معنى الرفع في الأول معنى الرفع الذي خالف فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - عند الركوع وبعد رفع الرأس من الركوع ثم خالفتم فيه روايتكم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وابن عمر معا لغير قول واحد روي عنه رفع الأيدي في الصلاة تثبت روايته يروي ذلك عن رسول الله ثلاثة عشر أو أربعة عشر رجلا ويروى عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير وجه فقد ترك السنة. . [باب وضع الأيدي في السجود] (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا سجد يضع كفيه على الذي يضع عليه وجهه قال: ولقد رأيته في يوم شديد البرد يخرج يديه من تحت برنس له (قال الشافعي) : وبهذا نأخذ وهذا يشبه سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - (قال الشافعي) : أخبرنا سفيان عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال: «أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يسجد على سبع فذكر منها كفيه وركبتيه» (قال الشافعي) : ففعل في هذا بما أمر به ففعل النبي - صلى الله عليه وسلم - فأفضى بيده إلى الأرض وإن كان البرد شديدا كما يفضي بجبهته إلى الأرض فإن كان فبهذا كله نقول وخالفتم هذا عن ابن عمر حيث وافق سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلتم: لا يفضي بيديه إلى الأرض في حر ولا برد إن شاء الله. [باب من الصيام] (قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى - أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر سئل عن المرأة الحامل إذا خافت على ولدها فقال: تفطر وتطعم مكان كل يوم مسكينا مدا من حنطة قال مالك: وأهل العلم يرون عليها من ذلك القضاء قال مالك: عليها القضاء لأن الله عز وجل يقول {فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر} [البقرة: 184] (قال الشافعي) : وإذا كان له أن يخالف ابن عمر لقول القاسم ويتأول في خلاف ابن عمر القرآن ولا يقلده فيقول هذا أعلم بالقرآن منا ومذهب ابن عمر يتوجه لأن الحامل ليست بمريضة المريض يخاف على نفسه والحامل خافت على غيرها لا على نفسها فكيف ينبغي أن يجعل قول ابن عمر في موضع حجة ثم القياس على قوله حجة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويخطئ القياس فيقول حين قال ابن عمر: لا يصلي أحد عن أحد لا يحج أحد عن أحد قياسا على قول ابن عمر وترك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - له وكيف جاز أن يترك من استقاء في رمضان؟ فقال: عليه القضاء ولا كفارة عليه ومن ذرعه القيء فلا قضاء عليه ولا كفارة فقلت: وما الحجة في ذلك؟ فقال: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال: من استقاء وهو صائم فعليه القضاء ومن ذرعه القيء فليس عليه القضاء. فقلت: للشافعي: فإنا نقول ذلك من استقاء فعليه القضاء ولا كفارة عليه. (قال الشافعي) : فما رويتم من هذا عن عمر أنه أفطر وهو يرى الشمس غربت ثم طلعت فقال: الخطب يسير وقد اجتهدنا - يعني قضاء يوم مكان يوم - الحجة لنا عليكم وأنتم إن وافقتموهما في هذا الموضوع تخالفونهما فيما هو مثل معناه قال: فقلت للشافعي وما هذا الموضع الذي نخالفهما في مثل معناه؟ فقال: روينا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه «أمر رجلا جامع امرأته نهارا في رمضان أن يعتق أو يصوم أو يتصدق» لا يجزيه إلا بعد أن لا يجد عتقا ولا يستطيع الصوم فقلتم لا يعتق ولا يصوم ويتصدق فخالفتموه في اثنتين ووافقتموه في واحدة ثم زعمتم أن من أفطر بغير جماع فعليه كفارة ومن استقاء أو أفطر وهو يرى أن الليل قد جاء فلم كانا عندكم مفطرين؟ ثم زعمتم أن ليس عليهما كفارة بالإجماع فلم تحسنوا الاتباع ولا القياس والله يغفر لنا ولكم. فقلت للشافعي: فكيف كان يكون القياس على ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في المجامع نهارا فقال: ما قلنا أن لا يقاس عليه شيء غيره وذلك أنا لا نعلم أحدا خالف في أن لا كفارة على من تقيأ ولا من أكل بعد الفجر وهو يرى الفجر لم يطلع ولا قبل تغيب الشمس وهو يرى أن الشمس غربت ولم يجز أن يجمع الناس على خلاف قول النبي - صلى الله عليه وسلم - وليس يجوز فيه إلا ما قلنا من أن لا كفارة إلا في الجماع استدلالا بما وصفت من الأمر الذي لا أعلم فيه مخالفا وأن أنظر فأي حال جعلت فيها الصائم مفطرا يجب عليه القضاء جعلت عليه الكفارة فأقول ذلك في المحتقن والمستعط والمزدرد الحصى والمفطر قبل تغيب الشمس والمتسحر بعد الفجر وهو يرى أن الفجر لم يطلع والمستقيء وغيره ويلزمك في الآكل الناسي أن يكون عليه كفارة لأنك تجعل ذلك فطرا له وأنت تترك الحديث نفسه ثم تدعي فيه القياس ثم لا تقوم من القياس على شيء تعرفه. [باب في الحج] قال: سألت الشافعي هل يغسل المحرم رأسه من غير جنابة؟ فقال: نعم والماء يزيده شعثا وقال: الحجة فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - غسل رأسه ثم غسله عمر قلت: كيف ذكر مالك عن ابن عمر؟ قال: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان لا يغسل رأسه وهو محرم إلا من الاحتلام قال: ونحن ومالك لا نرى بأسا أن يغسل المحرم رأسه في غير احتلام ويروى عن «النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه اغتسل وهو محرم» قلت فهكذا نقول (قال الشافعي) : وإذا ترك قول ابن عمر لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعمر فهكذا ينبغي أن تتركوا عليه لكل ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خلافه وإذا وجد في الرواية عن ابن عمر ما يخالف ما يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعمر فينبغي في مرة أخرى أن لا تنكروا أن يذهب على ابن عمر للنبي - صلى الله عليه وسلم - سنة وقد يذهب عليه وعلى غيره السنن ولو علمها ما خالفها ولا رغب عنها إن شاء الله فلا تغفل في العلم وتختلف أقاويلك فيه بلا حجة. (قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى - أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر كان يكره لبس المنطقة للمحرم فقلت: للشافعي: فإنه يخالف ابن عمر ويقول بقول ابن المسيب فقال الشافعي: إن من استجاز خلاف ابن عمر ولم يرو خلافه إلا عن ابن المسيب حقيق أن لا يخالف سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقول ابن عمر. (قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى - أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول: {فما استيسر من الهدي} [البقرة: 196] بعير أو بقرة (قال الشافعي) : ونحن وأنت نقول: {فما استيسر من الهدي} [البقرة: 196] شاة ويرويه عن ابن عباس وإذا جاز لنا أن نترك على ابن عمر لابن عباس كان الترك عليه للنبي - صلى الله عليه وسلم - واجبا. (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر كان إذا أفطر من رمضان وهو يريد الحج لم يأخذ من رأسه ولا من لحيته شيئا حتى يحج قال مالك: ليس يضيق أن يأخذ الرجل من رأسه قبل أن يحج (قال الشافعي) : وأخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر كان إذا حلق في حج أو عمرة أخذ من لحيته وشاربه قلت: فإنا نقول ليس على أحد الأخذ من لحيته وشاربه إنما النسك في الرأس (قال الشافعي) : وهذا مما تركتم عليه بغير رواية عن غيره عندكم علمتها. (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر كان إذا خرج حاجا أو معتمرا قصر الصلاة بذي الحليفة قلت: فإنا نقول يقصر الصلاة إذا جاوز البيوت (قال الشافعي) : فهذا مما تركتم على ابن عمر (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن محمد بن أبي بكر الثقفي أنه سأل أنس بن مالك وهما غاديان من منى إلى عرفة كيف كنتم تصنعون في هذا اليوم مع رسول الله؟ قال: كان يهل المهل منا فلا ينكر عليه ويكبر المكبر منا فلا ينكر عليه (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن ابن شهاب أن ابن عمر قال: كل ذلك قد رأيت الناس يفعلونه وأما نحن فنكبر. قلت للشافعي: فإنا نقول: يلبي حتى تزول الشمس ويلبي وهو غاد من منى إلى عرفة ولا يكبر إذا زالت الشمس من يوم عرفة. (قال الشافعي) : فهذا خلاف ما روى صاحبكم عن ابن عمر من اختيار التكبير وكراهتكم التكبير مع خلاف ابن عمر خلاف ما زعمتم أنه كان يصنع مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا ينكر عليه فقد كانوا يختلفون في النسك وبعده فكيف ادعيت الإجماع في كل أمر وأنت تروي الاختلاف في النسك زمان النبي وبعد النبي - صلى الله عليه وسلم - وتروي الاختلاف في الصوم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعده فتقول عن أنس «سافرنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يعب الصيام على المفطرين ولا المفطرون على الصائمين» وقد اختلف بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بعده في غير شيء. قلت للشافعي: فما تقول أنت فيه؟ فقال: أقول إن هذا خير وأمر يتقرب به إلى الله جل وعز الأمر فيه والاختلاف واسع وليس الإجماع كما ادعيتم إذا كان بالمدينة إجماع فهو بالبلدان وإذا كان بها اختلاف اختلف البلدان فأما حيث تدعون الإجماع فليس بموجود. قال: وسألت الشافعي عن العمرة في أشهر الحج فقال: حسنة أستحسنها وهي أحب منها بعد الحج لقول الله عز وجل {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج} [البقرة: 196] ولقول رسول الله «دخلت العمرة في الحج» ولأن «النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أصحابه من لم يكن معه هدي أن يجعل إحرامه عمرة» . (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن صدقة بن يسار عن ابن عمر أنه قال: والله لأن أعتمر قبل أن أحج وأهدي أحب إلي من أن أعتمر بعد الحج في ذي الحجة فقلت للشافعي: فإنا نكره العمرة قبل الحج (قال الشافعي) : فقد كرهتم ما رويتم عن ابن عمر أنه أحبه منها وما رويتم عن «عائشة أنها قالت: خرجنا مع رسول الله فمنا من أهل بعمرة ومنا من جمع الحج والعمرة ومنا من أهل بحج» فلم كرهتم ما روي أنه فعل مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وما ابن عمر استحسنه وما أذن الله فيه من التمتع إن هذا لسوء الاختيار والله المستعان. [باب الإهلال من دون الميقات] قال: سألت الشافعي عن الإهلال من دون الميقات فقال: حسن قلت له: وما الحجة فيه؟ قال: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه أهل من إيلياء وإذا كان ابن عمر روى «عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه وقت المواقيت وأهل من إيلياء» وإنما روى عطاء «عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لما وقت المواقيت قال: يستمتع الرجل من أهله وثيابه حتى يأتي ميقاته» فدل هذا على أنه لم يحظر أن يحرم من ورائه ولكنه أمر أن لا يجاوزه حاج ولا معتمر إلا بإحرام. (قال الشافعي) : أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: قلت للشافعي: فإنا نكره أن يهل أحد من وراء الميقات (قال الشافعي) : وكيف كرهتم ما اختار ابن عمر لنفسه وقاله معه علي بن أبي طالب وعمر بن الخطاب في رجل من أهل العراق إتمام العمرة أن تحرم من دويرة أهلك ما أعلمه يؤخذ على أحد أكثر مما يؤخذ عليكم من خلاف ما رويت وروى غيرك عن السلف. [باب في الغدو من منى إلى عرفة] قال: سألت الشافعي عن الغدو من منى إلى عرفة يوم عرفة فقال: ليس فيه ضيق والذي أختار أن يغدو إذا طلعت الشمس. (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يغدو من منى إلى عرفة إذا طلعت الشمس قال: فقلت للشافعي: فإنا نكره هذا ونقول: يغدو من منى إذا صلى الصبح قبل أن تطلع الشمس (قال الشافعي) : فكيف لم تتبعوا ابن عمر وقد حج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه وكان الحج خاصة مما ينسب ابن عمر عندهم إلى العلم به وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجه آخر «أنه غدا من منى حين طلعت الشمس» وقال محمد بن علي: السنة أن يغدو الإمام من منى إذا طلعت الشمس فعمن رويتم كراهية هذا [باب قطع التلبية] (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقطع التلبية في الحج إذا انتهى إلى الحرم (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر حج في الفتنة فأهل ثم نظر فقال: ما أمرهما إلا واحد أشهدكم أني قد أوجبت الحج مع العمرة ونحن لا نرى بهذا بأسا فقلت للشافعي: فإنا نكره أن يقرن الحج مع العمرة فقال الشافعي: فكيف كرهتم غير مكروه وخالفتم من لا ينبغي لكم خلافه؟ وما نراكم تبالون من خالفتم إذا شئتم. [باب النكاح] (قال الشافعي) : أخبرنا مالك أنه بلغه أن ابن عباس وابن عمر سئلا عن رجل كانت تحته امرأة حرة فأراد أن ينكح عليها أمة فكرها أن يجمع بينهما (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب أنه كان يقول: لا تنكح الأمة على الحرة فإن أطاعت فلها الثلثان (قال الشافعي) : وهذا مما تركتم بغير رواية عن غيره عندكم علمتها فقلت للشافعي: فإنا نكره أن ينكح أحد أمة وهو يجد طولا لحرة (قال الشافعي) : فقد خالفتم ما رويتم عن ابن عباس وابن عمر لأنهما لم يكرها في روايتكم إلا الجمع بين الحرة والأمة لا أنهما كرها ما كرهتم وهكذا خالفتم ما رويتم عن ابن المسيب وهل رويتم في قولكم شيئا عن أحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخلافه فقلت: ما علمت فقال: فكيف استجزتم خلاف من شئتم لقول أنفسكم؟ . [باب التمليك] (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر كان يقول: إذا ملك الرجل امرأته فالقضاء ما قضت إلا أن يناكرها الرجل فيقول لها: لم أرد إلا تطليقة واحدة فيحلف على ذلك ويكون أملك بها ما كانت في عدتها (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن سعيد بن سليمان بن زيد بن ثابت عن خارجة بن زيد أنه أخبره أنه كان جالسا عند زيد بن ثابت فأتاه محمد بن أبي عتيق وعيناه تدمعان. فقال له زيد: ما شأنك؟ قال: ملكت امرأتي أمرها ففارقتني فقال له زيد: ما حملك على ذلك؟ فقال له: القدر فقال له زيد: ارتجعها إن شئت وإنما هي واحدة وأنت أملك بها (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه القاسم بن محمد أن رجلا من ثقيف ملك امرأته أمرها فقالت: أنت الطلاق فسكت ثم قالت: أنت الطلاق فقال: بفيك الحجر فقالت: أنت الطلاق فقال: بفيك الحجر فاختصما إلى مروان بن الحكم فاستحلفه ما ملكها إلا واحدة وردها إليه قال عبد الرحمن: فكان القاسم يعجبه هذا القضاء ويراه أحسن ما سمع في ذلك قلت للشافعي: إنا نقول في المخيرة إذا اختارت نفسها هي ثلاث وفي التي يجعل أمرها بيدها أو تملك أمرها أيما تملك القضاء ما قضت إلا أن يناكرها زوجها (قال الشافعي) : هذا خلاف ما رويتم عن زيد بن ثابت وخلاف ما روى غيركم عن علي بن أبي طالب وابن مسعود وغيرهما فأجعلك اخترت قول ابن عمر على قول من خالفه في المملكة فإلى قول من ذهبت في المخيرة؟ وعمن تقول أن اختاري وأمرك بيدك سواء وأنت لا نعلمك رويت في المخيرة عن واحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قولا يوافق قولك فإن رويت في هذا اختلافا عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكيف ادعيت الإجماع؟ وإذا حكيت فأكثر ما تحكي الاختلاف. [باب المتعة] (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول: لكل مطلقة متعة إلا التي تطلق وقد فرض لها الصداق ولم تمس فحسبها ما فرض لها (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن القاسم بن محمد مثله (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن ابن شهاب أنه كان يقول: لكل مطلقة متعة فقلت للشافعي: فإنا نقول خلاف قول ابن شهاب لقول ابن عمر (قال الشافعي) : فبقول ابن عمر قلتم وأنتم تخالفونه قال: فقلت للشافعي وأين؟ قال: زعمتم أن ابن عمر قال: لكل مطلقة متعة إلا التي فرض لها ولم تمس فحسبها نصف الصداق وهذا يوافق القرآن فيه وقوله فيمن سواها من المطلقات أن لها متعة يوافق القرآن لقول الله جل ثناؤه {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن} [البقرة: 236] وقال الله جل ذكره {وللمطلقات متاع بالمعروف} [البقرة: 241] قلت: فإنما ذهبنا إلى أن هذا إنما هو لمن ابتدأ الزوج طلاقه فيها أرأيت المختلعة والمملكة فإن هاتين طلقتا أنفسهما قال: أليس الزوج ملكها ذلك وملكه التي حلف أن لا تخرج فخرجت وملكه رجلا يطلق امرأته ثم فرقت بينهن وبين المطلقات في المتعة ثم فرقت بين أنفسهن وكلهن طلقها غير الزوج إلا أن ابتداء الطلاق الذي به كان من الزوج؟ فإن قلت: لأن الله إنما ذكر المطلقات والمطلقات المرأة يطلقها زوجها فإن اختلعت عندك فليس الزوج هو المطلق لأنه أدخل قبل الطلاق شيئا لزمك أن تخالف معنى القرآن لأن الله عز وجل يقول {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} [البقرة: 228] فإن زعمت أن المملكة والمختلعة ومن سمينا من النساء يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء مطلقات لأن الطلاق جاء من الزوج إذا قبل الخلع وجعل إليهن الطلاق وإلى غيرهن فطلقهن فهو المطلق وعليه يحرمن فكذلك المختلعات ومن سمينا منهن مطلقات لهن المتعة في كتاب الله ثم قول ابن عمر، والله أعلم. [باب الخلية والبرية] (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال في الخلية والبرية ثلاثا ثلاثا (قال الشافعي) : مذهب ابن عمر فيه ومن ذهب مذهبه أن الخلية والبرية تقوم مقام قوله لامرأته أنت طالق ثلاثا ولا ينويه شيئا من ذلك ومن قال لمدخول بها وغير مدخول بها: أنت طالق ثلاثا وقعت عليه عندنا وعند عامة المفتين وعندكم (قال الشافعي) : لنا: قد خالفتم ابن عمر في بعض هذا القول ووافقتموه في بعض فقلتم الخلية والبرية ثلاث في المدخول بها فلا يدين ويدين في التي لم يدخل بها ثلاثا أراد أو واحدة فلا أنتم قلتم كما قال ابن عمر ومن قال قوله فيقول: لا ألتفت أن يدين المطلق وأستعمل عليها الأغلب ولا أنتم ذهبتم إذ كان الكلام منه يحتمل معنيين إلى أن يجعل القول قوله مع يمينه ولكنكم خالفتم هذا معا في معنى ووافقتموه معا في معنى وما للناس فيها قول إلا قد خرجتم منه إنما قال الناس قولين: أحدهما إن قال بعضهم قول ابن عمر أولئك استعملوا الأغلب فجعلوا الخلية والبرية والبتة ثلاثا كقوله أنت طالق ثلاثا وآخرون قالوا بقول عمر في البتة يدين فإن أراد ثلاثا فثلاث وإن أراد واحدة فواحدة وآخرون ذهبوا إلى أن الكلمة احتملت معنيين فجعلوا عليه الأقل فجعلوا الخلية والبرية واحدة إذا أراد بها الطلاق وقولكم خارج من هذا مخالف لما رويتم وجميع الآثار في بعضه وزدتم قولا ثالثا هو داخل في أحد القولين وهو أن يملك الرجل امرأته أمرها فرويتم عن ابن عمر القضاء ما قضت إلا أن يناكرها ثم زعمتم أنه إن ملك امرأته أمرها وهي مدخول بها فهكذا وإن كانت غير مدخول بها نويتموه والبتة ليست مذهبكم إنما البتة مذهب من لا يوقع عليها الطلاق إذا احتمل الكلام الطلاق وغيره إلا بإرادة الطلاق كما روينا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم عمر وغيرهما. [باب في بيع الحيوان] قد سألت الشافعي عن بيع الحيوان فقال: لا ربا في الحيوان يدا بيد ونسيئة ولا يعدو الربا في زيادة الذهب والورق والمأكول والمشروب فقلت: وما الحجة فيه؟ فقال: فيه حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثابت وعن ابن عباس وغيره من رواية أهل البصرة ومن حديث مالك أحاديث (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه اشترى راحلة بأربعة أبعرة مضمونة عليه بالربذة (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن صالح بن كيسان عن الحسن بن محمد بن علي أن عليا باع جملا له يقال له عصيفير بعشرين بعيرا إلى أجل (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن ابن المسيب كان يقول: لا ربا في الحيوان وإنما نهي من الحيوان عن ثلاث المضامين والملاقيح وحبل الحبلة (قال الشافعي) : أخبرنا مالك أنه سأل ابن شهاب عن بيع الحيوان اثنين بواحد إلى أجل قال: لا بأس به (قال الشافعي) : وبهذا كله نقول وخالفتم هذا كله ومثل هذا يكون عندكم العمل لأنكم رويتم عن رجلين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ورجلين من التابعين أحدهما أسن من الآخر وقلتم لا يجوز البعير بالبعيرين إلا أن تختلف رحلتهما ونجابتهما فيجوز فإن أردتم بها قياسا على التمر بالتمر فذلك لا يصلح إلا كيلا بكيل ولو كان أحد التمرين خيرا من الآخر ولا يصلح شيء من الطعام بشيء من الطعام نسيئة وأنتم تجيزون بعض الحيوان ببعض نسيئة فلم تتبعوا فيه من رويتم عنه إجازته ممن سميت ولم تجعلوه قياسا على غيره وقلتم فيه قولا متناقضا خارجا من السنة والآثار والقياس والمعقول لعمري إن حرم البعير بالبعيرين مثله في الرحلة والنجابة ما يعدو أن يحرم خبرا والخبر يدل على إحلاله وقد خالفتموه ولو حرمتموه قياسا على ما الزيادة في بعضه على بعض الربا لقد خالفتم القياس وأجزتم البعير بالبعيرين مثله وزيادة دراهم وليس يجوز التمر بالتمر وزيادة دراهم ولا شيء من الأشياء وما علمت أحدا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال قولكم وإن عامة المفتين بمكة والأمصار لعلى خلاف قولكم وإن قولكم لخارج من الآثار يخالفها كلها ما رويتم منها وروى غيركم خارج من القياس والمعقول فكيف جاز لأحد قول يستدرك فيه ما وصفت ثم لا يستدرك في قليل من قوله بل في كثير والله المستعان. (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عروة بن أذينة قال: خرجت مع جدة لي عليها مشي إلى بيت الله حتى إذا كانت ببعض الطريق عجزت فسألت عبد الله بن عمر فقال عبد الله: مرها فلتركب ثم لتمش من حيث عجزت قال مالك: وعليها الهدي (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال: كان علي مشي فأصابتني خاصرة فركبت حتى أتيت مكة فسألت عطاء بن أبي رباح وغيره فقالوا: عليك هدي فلما قدمت المدينة سألت فأمروني أن أمشي من حيث عجزت فمشيت مرة أخرى (قال الشافعي) : فرويتم عن ابن عمر أنه أمرها أن تمشي ورويتم ذلك عمن سأل بالمدينة ولم ترووا عنهم أنهم أمروها بهدي فخالفتم في أمرها بهدي وهذا عندكم إجماع بالمدينة ورويتم أن عطاء وغيره أمروه بهدي ولم يأمروه بمشي فخالف في رواية نفسه عطاء وابن عمر والمدنيين ولا أدري أين العمل الذي تدعون من قولكم ولا أين الإجماع منه هذا خلافهما فيما رويتم وخلاف رواية غيركم عن ابن عمر وغيره وما يجوز من هذا إلا واحد من قولين إما قول ابن عمر يمشي ما ركب حتى يكون بالمشي كله وإما أن لا يكون عليه عودة لأنه قد جاء بحج أو عمرة وعليه هدي مكان ركوبه وإما أن يمشي ويهدي فقد كلفه الأمرين معا وإنما ينبغي أن يكون عليه أحدهما والله أعلم. [باب الكفارات] (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر قال: من حلف على يمين فوكدها فعليه عتق رقبة (قال الشافعي) : فخالفتم ابن عمر فقلتم: التوكيد وغيره سواء يجزيه فيه إطعام عشرة مساكين نراكم تستوحشون من خلاف ابن عمر بحال وما نعرف لكم مذهبا غير أنا رأيناكم إذا وافقتم قول ابن عمر أو غيره من الصحابة أو من بعدهم من التابعين قلتم: هم أشد تقدما في العلم وأحدث برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه عهدا فأحرى أن لا نقول إلا بما يعملون وأئمتنا المقتدى بهم فكيف تخالفونهم وعظمتم خلافهم غاية التعظيم ولعل من خالفهم ممن عبتم عليه خلاف من وافقكم منه أن يكون خلافه لأن من رواه عن مثلهم لم تعرفوه لضيق عليكم ثم تخالفونهم لغير قول أحد من الناس مثلهم ولا يسمع روايتكم وتتركون ما شئتم لغير حجة فيما أخذتم ولا ما تركتم وما صنعتم من هذا غير جائز لغيركم عندكم وكذلك هو غير جائز لكم عند أحد من المسلمين لأنه إذا لم يجز من يخالف بعض الأثر فيحسن الاحتجاج والقياس كان أن يكون لكم إذا كنتم لا تحسنون عند الناس حجة ولا قياسا أبعد قلتم إن زكاة الفطر وصدقة الطعام وجميع الكفارات بمد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا كفارة الظهار فإنها بمد هشام. (قال الشافعي) : وما علمته قال هذا القول قبلكم أحد من الناس وما أدري إلى أي شيء ذهبتم إلى عظم ذنب المتظاهر فالقاتل أعظم من المتظاهر ذنبا فكيف رأيتم أن كفارة القاتل بمد النبي - صلى الله عليه وسلم - وكفارة المتظاهر بمد هشام ومن شرع لكم مد هشام وقد أنزل الله الكفارات على رسوله قبل أن يولد أبو هشام فكيف ترى المسلمين كفروا في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يكون مد هشام فإن زعمت أنهم كفروا بمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخذوا به الصدقات وأخرجوا به الزكاة لأن الله عز وجل: أنزل الكفارات فقد أبان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كم قدر كيلها كما أبان ذلك في زكاة الفطر وفي الصدقات فكيف أخذتم مد هشام وهو غير ما أبان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للناس وكفر به السلف إلى أن كان لهشام مد وإن زعمت أن ذلك غير معروف فمن عرفهم أن الكفارة بمد هشام ومن زعم أن الكفارات مختلفة أرأيت لو قال قائل: كل كفارة بمد هشام إلا كفارة الظهار فإنما بمد النبي - صلى الله عليه وسلم - هل الحجة عليه إلا أن نقول: لا يفرق بينهما إلا كتاب أو سنة أو إجماع أو خبر لازم. فقال للشافعي: فهل خالفك في أن الكفارات بمد النبي - صلى الله عليه وسلم - أحد؟ فقال: معاذ الله أن يكون زعمنا أن مسلما قط غيركم قال إن شيئا من الكفارات بمد غير النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: فما شيء يقوله بعض المشرقيين؟ . قلت: قول متوجه وإن خالفناه قال: وما هو؟ قلت: قالوا الكفارات بمد النبي - صلى الله عليه وسلم - يطعم المسكين مدين مدين قياسا على «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر كعب بن عجرة أن يطعم في فدية الأذى كل مسكين مدين مدين» ولم تبلغ جهالتهم ولا جهالة أحد أن يقول: إن كفارة بغير مد النبي - صلى الله عليه وسلم -. فقلت للشافعي: فلعل مد هشام مدان بمد النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال الشافعي: لا هو مد وثلث أو مد ونصف، فقلت للشافعي: أفتعرف لقولنا وجها؟ فقال: لا وجه لكم يعذر أحد من العالمين بأن يقول مثله ولا يفرق مسلم غيركم بين مكيلة الكفارات إلا أنا نقول هي مد مد بمد النبي - صلى الله عليه وسلم - لكل مسكين وقال بعض المشرقيين: مدان مدان فأما أن يفرق أحد بين مكيلة شيء من الكفارات فلا. [باب زكاة الفطر] (قال الشافعي) : - رحمه الله - أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاثة (قال الشافعي) : هذا حسن وأستحسنه لمن فعله والحجة بأن «النبي - صلى الله عليه وسلم - تسلف صدقة العباس قبل أن تحل» ويقول ابن عمر وغيره، فقلت للشافعي: فإنا نكره لأحد أن يؤدي زكاة الفطر إلا مع الغدو يوم الفطر وذلك حين يحل بعد الفجر (قال الشافعي) : قد خالفتم ابن عمر في روايتكم وما روى غيركم «عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه تسلف صدقة العباس بن عبد المطلب قبل محلها» لغير قول واحد علمتكم رويتموه عنه من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا التابعين فلست أدري لأي معنى تحملون ما حملتم من الحديث إن كنتم حملتموه لتعلموا الناس أنكم قد عرفتموه فخالفتموه بعد المعرفة فقد وقعتم بالذي أردتم وأظهرتم للناس خلاف السلف وإن كنتم حملتموه ![]()
__________________
|
#6
|
||||
|
||||
![]() ![]() كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي المجلد السابع الحلقة (319) صــــــــــ 274 الى صـــــــــــ 281 لتأخذوا به فقد أخطأتم ما تركتم منه وما تركتم منه كثير في قليل ما رويتم وإن كانت الحجة عندكم ليست في الحديث فلم تكلفتم روايته واحتججتم بما وافقتم منه على من خالفه؟ ما تخرجون من قلة النصفة والخطأ فيما صح إذ تركتم مثله وأخذتم بمثله ولا يجوز أن يكون شيء مرة حجة ومرة غير حجة. . [باب في قطع العبد] (قال الشافعي) : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن عبدا له سرق وهو آبق فأبى سعيد بن العاص أن يقطعه فأمر به ابن عمر فقطعت يده، فقلت للشافعي: فإنا نقول: لا يقطع السيد يد عبده إذا أبى السلطان يقطعه فقال الشافعي: قد كان سعيد بن العاص من صالحي ولاة أهل المدينة فلما لم ير أن يقطع الآبق أمر ابن عمر بقطعه وفي هذا دليل على أن ولاة أهل المدينة كانوا يقضون بآرائهم ويخالفون فقهاءهم وأن فقهاء أهل المدينة كانوا يختلفون فيأخذ أمراؤهم برأي بعضهم دون بعض وهذا أيضا العمل لأنكم كنتم توهمون أن قضاء من هو أسوأ حالا من سعيد ومثله لا يقضي إلا بقول الفقهاء وأن فقهاءهم زعمتم لا يختلفون وليس هو كما توهمتم في قول فقهائهم ولا قضاء أمرائهم وقد خالفتم رأي سعيد وهو الوالي وابن عمر وهو المفتي فأين العمل؟ إن كان العمل فيما عمل به الوالي فسعيد لم يكن يرى قطع الآبق وأنتم ترون قطعه وإن كان العمل في قول ابن عمر فقد قطعه وأنتم ترون أن ليس لنا أن نقطعه وما درينا ما معنى قولكم العمل ولا تدرون فيما خبرنا وما وجدنا لكم منه مخرجا إلا أن تكونوا سميتم أقاويلكم العمل والإجماع فتقولون على هذا العمل وعلى هذا الإجماع تعنون أقاويلكم وأما غير هذا فلا مخرج لقولكم فيه عمل ولا إجماع لأن ما نجد عندكم من روايتكم ورواية غيركم اختلاف لا إجماع الناس معكم فيه لا يخالفونكم قلت للشافعي قد فهمت ما ذكرت أنا لم نصر إلى الأخذ به من الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والآثار عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وما تركنا من الآثار عن التابعين بالمدينة من رواية صاحبنا نفسه وتركنا مما روى وخالفنا فيه فهل تجد فيما روى غيرنا شيئا تركناه؟ قال: نعم أكثر من هذا في رواية صاحبكم لغير قليل فقلت له: قلنا علم ندخله مع علم المدنيين قال: أي علم هو؟ قلت علم المصريين وعلم غير صاحبنا من المدنيين. (قال الشافعي) : ولم أدخلتم علم المصريين دون علم غيرهم مع علم أهل المدينة؟ فقلت: أدخلت منه ما أخذوا عن أهل المدينة قال: ومن ذلك علم خالد بن أبي عمران؟ قلت: نعم (قال الشافعي) : فقد وجدتك تروي عن خالد بن أبي عمران أنه سأل سالم بن عبد الله والقاسم بن محمد وسليمان بن يسار فنظرت فيما ثبت أنت عن هؤلاء النفر فرأيت فيه أقاويل تخالفها ووجدتك تروي عن ابن شهاب وربيعة ويحيى بن سعيد فوجدتك تخالفهم ولست أدري من تبعتم إذا كنت تروي أنت وغيرك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أشياء تخالفها ثم عمن رويت عنه هذا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم عن التابعين ثم عمن بعدهم فقد أوسعت القرون الخالية والباقية خلافا ووضعت نفسك بموضع أن لا تقبل إلا إذا شئت وأنت تعيب على غيرك ما هو أقل من هذا وعند من عبت عليه عقل صحيح ومعرفة يحتج بها عما يقول ولم نر ذلك عندك والله يغفر لنا ولك قال: ويدخل عليك من هذا خصلتان فإن كان علم أهل المدينة إجماعا كله أو الأكثر منه فقد خالفته لا بل قد خالفت أعلام أهل المدينة من كل قرن في بعض أقاويلهم وإن كان في علمهم افتراق فلم ادعيت لهم الإجماع. (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وما حفظت لك مذهبا واحدا في شيء من العلم استقام لك فيه قول ولا حفظت أنك ادعيت الحجة في شيء إلا تركتها في مثل الذي ادعيتها فيه وزعمت أنك تثبت السنة من وجهين: أحدهما أن تجد الأئمة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا بما يوافقها والآخر أن لا تجد الناس اختلفوا فيها وتردها إن لم تجد للأئمة فيها قولا وتجد الناس اختلفوا فيها ثم تثبت تحريم كل ذي ناب من السباع واليمين مع الشاهد والقسامة وغير ذلك مما ذكرنا هذا كله لا تروي فيه عن أحد من الأئمة شيئا يوافقه بل أنت تروي في القسامة عن عمر خلاف حديثك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وتروي فيها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خلاف حديثك الذي أخذت به ويخالفك فيها سعيد بن المسيب برأيه وروايته ويخالفك فيها كثير من أهل المدينة ويردها عليك أهل البلدان ردا عنيفا وكذلك أكثر أهل البلدان ردوا عليك اليمين مع الشاهد ويدعون فيها أنها تخالف القرآن ويردها عليك بالمدينة عروة والزهري وغيرهما وبمكة عطاء وغيره ويرد كل ذي ناب من السباع عائشة وابن عباس وغيرهما ثم رددت «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تطيب للإحرام وبمنى قبل الطواف ابن أبي وقاص وابن عباس كما تطيب النبي - صلى الله عليه وسلم -» وعلى هذا أكثر المفتين بالبلدان فتترك هذا لأن رويت أن عمر كره ذلك ولا يجوز لعالم أن يدع قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لقول أحد سواه فإن قلت قد يمكن الغلط فيمن روى هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فهكذا يمكن الغلط فيمن روى ما رويت عن عمر. فإن جعلت الروايتين ثابتتين معا فما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أولى أن يقال به وإن أدخلت التهمة على الراويين معا فلا تدع الرواية عن أحد أخذت عنه وأنت تتهمه، قلت للشافعي: أفيجوز أن تتهم الرواية؟ قال: لا إلا أن يروى حديثان عن رجل واحد مختلفان فذهب إلى أحدهما فأما رواية عن واحد لا معارض لها فلا يجوز أن تتهم ولو جاز أن تتهم لم يجز أن نحتج بحديث المتهمين بغير معارض روايته فأما أن يروي رجل عن رجل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئا ويروي آخر عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئا يخالفه فليس هذه معارضة هذه رواية عن رجل وهذه عن آخر وكل واحد منهما غير صاحبه ثم لم تثبت على ما وصفت من مذهبك حتى تركت قول عمر في المنبوذ هو حر ولك ولاؤه وعلينا نفقته فقلت: لا يكون للذي التقطه ولاؤه ولا أحسب حجة لك في هذا إلا أن تقول قال النبي - صلى الله عليه وسلم: «الولاء لمن أعتق» وهذا غير معتق ورويت عن عمر أنه بدأ في القسامة المدعى عليهم فأبوا فردها على المدعين فأبوا الأيمان فأغرم المدعى عليهم نصف الدية فخالفته أنت فقلت يبدأ المدعون ولا نغرم المدعى عليهم إذا لم يحلف من أنه بدأ المدعين ولم يجعل على المدعى عليهم غرامة حين لم يقبل المدعون أيمانهم ورويت عن عمر أنه قال في المؤمن يؤمن العلج ثم يقتله لا يبلغني أن أحدا فعل ذلك إلا قتلته فخالفته وقلت: لا يقتل مؤمن بكافر مع ما وصفنا مما تركت على عمر والرجل من الصحابة ثم تتخلص إلى أن تترك عليه لرأي نفسك ولا يجوز إذا كانت السنة حجة على قول من تركها أن لا يوافقها إلا أن تكون كذلك أبدا ولا يجوز هذا القول المختلط المتناقض ورويت عن عمر في الضرس جمل وعن ابن المسيب في الضرس جملان ثم تركت عليهما معا قولهما ولا أعلم لك حجة في هذا أقوى من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «في السن خمس» وأن الضرس قد يسمى سنا ثم صرت إلى أن رويت «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر امرأة أن تحج عن أبيها» وهذا قول علي بن أبي طالب وابن عباس وابن المسيب وربيعة وكل من عرفت قوله من كل أهل بلد غير أصحابك لا أعلمهم يختلفون فيه فتركته لقياس زعمت على قول ابن عمر لا يصلي أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد فقلت: والحج يشبههما (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : ورويت عن ابن عمر أنه سمع الإقامة فأسرع المشي إلى المسجد فتركته عليه لا أعلم لك حجة في تركه عليه إلا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تأتوها تسعون وائتوها تمشون وعليكم السكينة» ورويت عن ابن عمر أنه كان ينضح في عينيه الماء إذا اغتسل من الجنابة وخالفته ولم ترو عن أحد من الناس خلافه ورويت عن ابن عمر أنه كان يرفع يديه إذا رفع رأسه من الركوع ورويت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله ثم خالفته وهو يوافق سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لغير قول أحد من الناس رويته عنه ورويت عن ابن عمر أنه كان إذا سجد يضع كفيه على الذي يضع عليه وجهه حتى يخرجهما في شدة البرد وتروي «عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر أن يسجد على سبع فيها الكفان» فخالفت ابن عمر فيما يوافق فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا كنت تخالف ما رويت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الطيب للمحرم لقول عمر وما رويت عن عمر في تقريد البعير وهو محرم لقول ابن عمر وما رويت عن ابن عمر فيما وصفنا وغيره لقول نفسك فلا أسمع العلم إذا إلا علمك ولا أعلمك تدري لأي شيء تحمل الحديث إذا كنت تأخذ منه ما شئت وتترك منه ما شئت ورويت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم تعتمدوا على أمر تعرفونه. فقلت للشافعي: إنما ذهبنا إلى أن نثبت ما اجتمع عليه أهل المدينة دون البلدان كلها فقال الشافعي: هذه طريق الذين أبطلوا الأحاديث كلها وقالوا نأخذ بالإجماع إلا أنهم ادعوا إجماع الناس وادعيتم أنتم إجماع بلد هم يختلفون على لسانكم والذي يدخل عليهم يدخل عليك معهم للصمت كان أولى بكم من هذا القول قلت ولم؟ قال: لأنه كلام ترسلونه لا بمعرفة فإذا سئلتم عنه لم تقفوا منه على شيء ينبغي لأحد أن يقبله أرأيتم إذا سئلتم من الذين اجتمعوا بالمدينة؟ أهم الذين ثبت لهم الحديث وثبت لهم ما اجتمعوا عليه وإن لم يكن فيه حديث من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فإن قلتم: نعم قلت يدخل عليكم في هذا أمران أحدهما أنه لو كان لهم إجماع لم تكونوا وصلتم إلى الخبر عنهم إلا من جهة خبر الانفراد الذي رددتم مثله في الخبر عن رسول الله فإن ثبت خبر الانفراد فما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحق أن يؤخذ به والآخر أنكم لا تحفظون في قول واحد غيركم شيئا متفقا فكيف تسمون إجماعا لا تجدون فيه عن غيركم قولا واحدا؟ وكيف تقولون: أجمع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم مختلفون على لسانكم وعند أهل العلم؟ فإن قلتم إنا ذهبنا إلى أن إجماعهم أن يحكم أحد الأئمة أبو بكر أو عمر أو عثمان - رضي الله عنهم - بالمدينة بحكم أو يقول القول فقال الشافعي: إنه قد احتج لكم بعض المشرقيين بأن قال: ما قلتم وكان حكم الحاكم وقول القائل من الأئمة لا يكون بالمدينة إلا علما ظاهرا غير مستتر وهم يجمعون أنهم أعلم الناس بسنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأطلب الناس لما ذهب علمه عنهم منها يسألون عنها على المنبر وعلى المواسم وفي المساجد وفي عرام الناس ويبتدئون فيخبرون بما لم يسألوا عنه فيقبلون ممن أخبرهم ما أخبرهم إذا ثبت لهم فإذا حكم أحدهم الحكم لم تجوز أن يكون حكم به إلا وهو موافق سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وغير مخالف لها فإن جاء حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فخالفه من وجهة الانفراد اتهم لما وصفت فقلت للشافعي هذا المعنى الذي ذهبنا إليه بأي شيء احتججت عليه (قال الشافعي) : أول ما نحتج به عليكم من هذا أنكم لا تعرفون حكم الحاكم منهم ولا قول القائل إلا بخبر الانفراد الذي رددتم مثله إذا روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الفرض من الله وما روي عمن دونه لا يحل محل قول النبي - صلى الله عليه وسلم - أبدا فكيف أجزتم خبر الانفراد عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ورددتموه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فقلت للشافعي: فما رد عليك، فقال: ما كان عنده في هذا شيء أكثر من الخروج منه وأنا أعلم - إن شاء الله - أنه يعلم أنه يلزمه فهل عندكم في هذا حجة؟ فقلت: ما يحضرني قال: فقلت للشافعي: وما حجتك عليه سوى هذا؟ فقال الشافعي: قد أوجدتكم أن عمر - مع فضل علمه وصحبته وطول عمره وكثرة مسألته وتقواه - قد حكم أحكاما بلغه بعضها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء فرجع عن حكمه إلى ما بلغه عن رسول الله ورجع الناس عن بعض حكمه بعده إلى ما بلغهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه قد يعزب عن الكثير الصحبة الشيء من العلم يحفظه الأقل علما وصحبة منه فلا يمنعه ذلك من قبوله واكتفيت من ترديد هذا بما وصفت في كتاب هذا وكتاب جماع العلم (قال الشافعي) : ولو لم يكن هذا هكذا ما كان على الأرض أحد أعلمه أترك لما زعم أن الصواب فيه منكم قلت: فكيف؟ قال: قد تركتم على عمر بن الخطاب من روايتكم منها ما تركتموه وزعمتم لأن الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - جاء يخالفه ومنها ما تركتموه لأن ابن عمر خالفه ومنها ما تركتموه لرأي أنفسكم لا يخالف عمر فيه أحد يحفظ عنه فلو كان حكم الحاكم وقوله يقوم المقام الذي قلت كنت خارجا منه فيما وصفنا وفيما روى الثقات عن عمر أنكم لتخالفون عنه أكثر من مائة قول منها ما هو لرأي أنفسكم ومثلكم وحفظت أنك تروي عن أبي بكر ستة أقاويل تركتم عليه منها خمسة اثنين في القراءة في الصلاة وأخرى في نهيه عن عقر الشجر وتخريب العامر وعقر ذوات الأرواح إلا لمأكلة وحفظت أنك تركت على عثمان أنه كان يخمر وجهه وهو محرم من روايتكم وغير ذلك وما تركت عليهم من رواية الثقات من أهل المدينة أضعاف ما تركتم عليهم من روايتكم لغفلة ولقلة روايتكم وكثرة روايتهم فإن ذهبتم إلى غيرهم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم ترووا عن أحد قط شيئا علمته إلا تركتم بعض ما رويتم وإن ذهبتم إلى التابعين فقد خالفتم كثيرا من أقاويلهم وإن ذهبتم إلى تابعي التابعين فقد خالفتم أقاويلهم مما رويتم وروى غيركم ما كتبنا منه في هذا الكتاب شيئا يدل على ما رويتم وما تركنا من رواية غيركم أضعاف ما كتبنا فإن أنصفتم بأقاويلكم فلا تشكوا في أنكم لم تذهبوا مذهبا علمناه إلا فارقتموه كأن كانت حجتكم لازمة فحالكم بفراقها غير محمودة وإن كانت غير لازمة دخل عليكم فراقها والضعف في الحجة بما لا يلزم قال: فقلت للشافعي: فقد سمعتك تحكي أن بعض المشرقيين قام بحجتنا فيما ذكرنا من الإجماع فأحب أن تحكي لي ما قلت وقال: لك فقال لي الشافعي: فيما حكيت الكفاية مما لم أحك وما تصنع بما لم تقله أنت في حجتك؟ فقلت للشافعي: قد ذكرت الذي قام بالعذر في بعض ترك الحديث ووصفت أنه منسوب إلى البصرة فقال لي الشافعي: هو كما ذكرت وقد جاء منه على ما لم تأت عليه لنفسك ولو لم أر في مذهبه شيئا تقوم به حجة فقلت: فاذكر منه ما حضرك (قال الشافعي) : قلت له: أرأيت الفرض علينا وعلى من قبلنا في اتباع سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أليس واحدا؟ قال: بلى فقلت: إذا كان أبو بكر خليفة النبي - صلى الله عليه وسلم - والعامل بعده فورد عليه خبر واحد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر لا مدة بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - يمكنه فيها أن يعمل بالخبر فلا يترك ما تقول فيه؟ قال: أقول إنه يقبله ويعمل به فقلت: قد ثبت إذا بالخبر ولم يتقدمه عمل من أحد بعد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يثبته لأنه لم يكن بينهما إمام فيعمل بالخبر ولا يدعه وهو مخالف في هذا حال من بعده (قال الشافعي) : فقلت: أرأيت إذا جاء الخبر في آخر عمره ولا يعمل به ولا بما يخالفه في أول عمره وقد عاش أكثر من سنة يعمل فما تقول فيه؟ قال: يقبله فقلت: فقد قبل خبرا لم يتقدمه عمل (قال الشافعي) : لو أجبت إلى النصفة على أصل قولك يلزمك أن لا يكون على الناس العمل بما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا بأن يعمل به من بعده أو يترك العمل لأنه إذا كان للإمام الأول أن يدعه لم يعمل به كان جميع من بعده من الأئمة في مثل حاله لأنه لا بد أن يبتدئ العمل به الإمام الأول أو الثاني أو من بعده قال: فلا أقول هذا (قال الشافعي) : فما تقول في عمر وأبو بكر إمام قبله إذا ورد خبر الواحد لم يعمل به أبو بكر ولم يخالفه؟ قال: يقبله قلت: أيقبله ولم يعمل به أبو بكر قال: نعم ولم يخالفه قلت: أفيثبت ولم يتقدمه عمل؟ قال: نعم: قلت وهكذا عمر في آخر خلافته وأولها؟ قال: نعم قلت: وهكذا عثمان؟ قال: نعم قلت: زعمت أن الخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يلزم ولم يتقدمه عمل قبله وقد ولي الأئمة ولم يعملوا به ولم يدعوه قال: فلا يمكن أن تكون للنبي - صلى الله عليه وسلم - سنة إلا عمل بها الأئمة بعده (قال الشافعي) : فقلت له وقد حفظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أشياء لا يحفظ عن أحد من خلفائه فيها شيء؟ فقال: نعم سنن كثيرة ولكن من أين ترى ذلك (قال الشافعي) : فقلت: استغنى فيها فالخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمن بعده وذلك أن بالخلق الحاجة إلى الخبر عنه وأن عليهم اتباعه ولعل منها ما لم يرد على من بعده قال: فمثل لي ما علمت أنه ورد على من بعده من خلفائه فلم يحك عنه فيه شيء قلت: قول النبي - صلى الله عليه وسلم - «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة» لا أشك أن قد ورد على جميع خلفائه لأنهم كانوا القائمين بأخذ العشر من الناس ولم يحفظ عن واحد منهم فيها شيء قال: صدقت هذا بين قلت: وله أمثال كثيرة قد كتبناها في غير هذا الموضع فقلت: إذا كان يرد علينا الخبر عن بعض خلفائه ويرد علينا الخبر عنه يخالفه فنصير إلى الخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن لكل غاية وغاية العلم كتاب الله عز وجل وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - أتعلم أن السنة ما كانت موجودة مستغنى بها عن غيرها؟ قال: نعم وقد سمعتك ذكرت ما لا أجهل من أنه قد يرد عن غير واحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - القول يقوله توجد السنة بخلافه فإن وجدها من بعده صار إليها فهذا يدل على ما ذكرت من استغناء السنة عما سواها وبالمدينة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - نحو من ثلاثين ألف رجل إن لم يزيدوا لعلك لا تروي عنهم قولا واحدا عن ستة: نعم إنما تروي القول عن الواحد والاثنين والثلاثة والأربعة متفرقين فيه أو مجتمعين والأكثر التفرق فأين الإجماع (قال الشافعي) : - رحمه الله - قلت له: ضع لقولك إذا كان الأكثر مثالا قال: نعم كأن خمسة نفر من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا قولا متفقين عليه وقال ثلاثة قولا مخالفا لقولهم فالأكثر أولى أن يتبع فقلت: هذا قلما يوجد وإن وجد أيجوز أن تعده إجماعا وقد تفرقوا موافقة؟ قال: نعم على معنى أن الأكثر مجتمعون قلت فإذا كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من العدد على ما وصفت فهل فيمن لم ترووا عنه من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - دلالة موافقة الأكثر فيكونون أكثر بعددهم من موافقتهم أو موافقة الثلاثة الأقلين فيكون الأقلون الأكثرين بمن وافقهم لا تدري لعلهم متفرقون ولا تدري أين الأقل وأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كلهم ممن له أن يقول في العلم قال: ما أدري كيف قولهم لو قالوا؟ وإن لهم أن يقولوا قلت: والصدق فيه أبدا أن لا يقول أحد شيئا لم يقله أحد أنه قاله ولو قلت وافقوا بعضهم قال غيرك: بل خالفوه قال: ولا ليس الصدق أن تقول وافقوا ولا خالفوا بالصمت قلت: هذا الصدق قلت: فترى ادعاء الإجماع يصح لمن ادعاه في شيء من خاص العلم (قال الشافعي) : وقلت له فهكذا التابعون بعدهم وتابعو التابعين وقال: وكيف تقول أنت؟ قلت: ما علمت بالمدينة ولا بأفق من آفاق الدنيا أحدا من أهل العلم ادعى طريق الإجماع إلا بالفرض وخاص من العلم إلا حدثنا ذلك الذي فيه إجماع يوجد فيه الإجماع بكل بلد ولقد ادعاه بعض أصحاب المشرقيين فأنكر عليه جميع من سمع قوله من أهل العلم دعواه الإجماع حيث ادعاه وقالوا: أومن قال ذلك منهم لو أن شيئا روي عن نفر من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم عن نفر من التابعين فلم يرو عن مثلهم خلافهم ولا موافقتهم ما دل على إجماع من لم يرو عنه منهم لأنه لا يدري مجتمعون أم مفترقون لو قالوا: وسمعت بعضهم يقول لو كان بيننا من السلف مائة رجل وأجمع منهم عشرة على قول أيجوز أن ندعي أن التسعين مجتمعون معهم وقد نجدهم يختلفون في بعض الأمور ولو جاز لنا إذا قال لنا قائل شيئا أخذنا به لم نحفظ عن غيره قولا يخالفه ولا يوافقه أن ندعي موافقته جاز لغيرنا ممن خالفنا أن يدعي موافقته له ومخالفته لنا ولكن لا يجوز أن يدعى على أحد فيما لم يقل فيه شيء (قال الشافعي) : - رحمه الله - فقال لي: فكيف يصح أن تقول إجماعا؟ قلت: يصح في الفرض الذي لا يسع جهله من الصلوات والزكاة وتحريم الحرام وأما علم الخاصة في الأحكام الذي لا يضير جهله على العوام والذي إنما علمه عند الخواص من سبيل خبر الخواص وقليل ما يوجد من هذا فنقول فيه واحدا من قولين نقول: لا نعلمهم اختلفوا فيما لا نعلمهم اختلفوا فيه ونقول فيما اختلفوا فيه اختلفوا واجتهدوا فأخذنا أشبه أقاويلهم بالكتاب والسنة وإن لم يوجد عليه دلالة من واحد منهما وقلما يكون إلا أن يوجد أو أحسنها عند أهل العلم في ابتداء التصرف والمعقب ويصح إذا اختلفوا كما وصفت أن نقول روي هذا القول عن نفر اختلفوا فيه فذهبنا إلى قول ثلاثة دون اثنين وأربعة دون ثلاثة ولا نقول هذا إجماع فإن الإجماع قضاء على من لم يقل ممن لا ندري ما يقول لو قال: وادعاء رواية الإجماع وقد يوجد مخالف فيما ادعى فيه الإجماع (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : فقال: قد علمت أنهم اختلفوا في الرأي الذي لا متقدم فيه من كتاب ولا سنة أفيوجد فيما اختلفوا فيه كتاب وسنة؟ قلت: نعم قال: وأين؟ قلت: قال الله عز وجل {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} [البقرة: 228] وقال عمر بن الخطاب وعلي وابن مسعود وأبو موسى الأشعري: لا تحل المرأة حتى تغتسل من الحيضة الثالثة وذهبوا إلى أن الأقراء الحيض وقال: هذا ابن المسيب وعطاء وجماعة من التابعين والمفتين بعدهم إلى اليوم وقالت عائشة وزيد بن ثابت وابن عمر: الأقراء الأطهار فإذا طعنت في الدم من الحيضة الثالثة فقد حلت وقال هذا القول بعض التابعين وبعض المفتين إلي اليوم وقال الله تعالى {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} [الطلاق: 4] فقال علي بن أبي طالب تعتد آخر الأجلين وروي عن ابن عباس مثل قوله. وقال عمر بن الخطاب: إذا وضعت ذا بطنها فقد حلت وفي هذا كتاب وسنة وفي الأقراء قبله كتاب ودلالة من سنة وقال الله جل ثناؤه {للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر} [البقرة: 226] فهي تطليقة وروي عن عثمان وزيد بن ثابت خلافه وقال علي بن أبي طالب وابن عمر ونفر من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأنصار: لا يقع عليها طلاق ويوقف فإما أن يفيء وإما أن يطلق ومسح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الخفين فأنكر المسح علي بن أبي طالب وعائشة وابن عباس وأبو هريرة وهؤلاء أهل علم بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ومسح عمر وسعد وابن عمر وأنس بن مالك وهؤلاء أهل علم به والناس مختلفون في هذه الأشياء وفي كل واحد منها كتاب أو كتاب وسنة قال: ومن أين ترى ذلك؟ فقلت: تحتمل الآية المعنيين فيقول أهل اللسان بأحدهما ويقول غيرهم منهم بالمعنى الآخر الذي يخالفه والآية محتملة لقولهما معا لاتساع لسان العرب وأما السنة فتذهب على بعضهم وكل من ثبتت عنده السنة قال بها إن شاء الله ولم يخالفها لأن كثيرا منها يأتي واضحا ليس فيه تأويل. (قال الشافعي) : وذكرت له مس الذكر فإن عليا وابن عباس وعمار بن ياسر وحذيفة وابن مسعود لا يرون فيه الوضوء وابن المسيب وغيره بالمدينة لا يرون منه الوضوء وسعدا وابن عمر يريان فيه الوضوء وبعض التابعين بالمدينة وفيه للنبي - صلى الله عليه وسلم - سنة بأن يتوضأ منه أخذنا بها وقد يروى عن سعيد أنه لا يرى منه الوضوء (قال الشافعي) : - رحمه الله - وقلت: الإجماع من أقوام مما يقدر عليه فكيف تكلف من ادعى الإجماع من المشرقيين حكاية خبر الواحد الذي لا يقوم به حجة فنظمه فقال: حدثني فلان عن فلان وترك أن يتكلف هذا في الإجماع فيقول: حدثني فلان عن فلان لنص الإجماع الذي يلزم أولى به من نص الحديث الذي لا يلزم عنده قال: إنه يقول يكثر هذا عن أن ينص فقلت له: فينص منه أربعة وجوه أو خمسة فقد طلبنا أن نجد ما يقول فما وجدنا أكثر من دعواه بل وجدنا بعض ما يقول الإجماع متفرقا فيه. (قال الشافعي) : فقال: فإن قلت: إذا وجدت قرنا من أهل العلم ببلد علم يقولون القول يكون أكثرهم متفقين عليه سميت ذلك إجماعا وافقه من قبله أو خالفه فأما من قبلهم فلا يكون الأكثر منهم يتفقون على شيء بجهالة ما كان قبلهم ولا يتركون ما قبلهم أبدا إلا بأنه منسوخ أو عندهم ما هو أثبت منه وإن لم يذكروه قلت أفرأيت إذا أجزت لهم خلاف من فوقهم وهم لم يحكوا لك أنهم تركوا على من قبلهم قولهم لشيء علموه أتجيز ذلك بتوهمك عليهم أنهم لا يدعونه إلا بحجة ثابتة وإن لم يذكروها وقد يمكن أن لا يكونوا علموا قول من قبلهم فقالوا بآرائهم أتجيز لمن بعدهم أن يدعوا عليهم أقاويلهم التي قبلتها منهم ثم يقولون لمن بعدهم ما قلت لهم هم لا يدعونها إلا بحجة وإن لم يذكروها قال: فإن قلت: نعم؟ قلت إذا تجعل العلم أبدا للآخرين كما قلت أولا قال: فإن قلت لا؟ قلت: فلا تجعل لهم أن يخالفوا من قبلهم قال: فإن قلت: أجيز بعض ذلك دون بعض ذلك دون بعض قلت: فإنما زعمت أنك أنت العلم فما أجزت جاز وما رددت رد أفتجعل هذا لغيرك في البلدان فما من بلاد المسلمين بلد إلا وفيه علم قد صار أهله إلى اتباع قول رجل من أهله في أكثر أقاويله أفترى لأهل مكة حجة إن قلدوا عطاء فما وافقه من الحديث وافقوه وما خالفه خالفوه في الأكثر من قوله؟ أو ترى لأهل البصرة حجة بمثل هذا في الحسن أو ابن سيرين أو لأهل الكوفة في الشعبي وإبراهيم ولأهل الشام وكل من وصفنا أهل علم وإمامة في دهره وفوق من بعدهم وإنما العلم اللازم الكتاب والسنة وعلى كل مسلم اتباعهما قال: فتقول أنت ماذا؟ . قلت: أقول ما كان الكتاب والسنة موجودين فالعذر عمن سمعهما مقطوع إلا باتباعهما فإذا لم يكن ذلك صرنا إلى أقاويل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو واحد منهم ثم كان قول الأئمة أبي بكر أو عمر أو عثمان إذا صرنا فيه إلى التقليد أحب إلينا وذلك إذا لم نجد دلالة في الاختلاف تدل على أقرب الاختلاف من الكتاب والسنة فيتبع القول الذي معه الدلالة لأن قول الإمام مشهور بأنه يلزمه الناس ومن لزم قوله الناس كان أشهر ممن يفتي الرجل أو النفر وقد يأخذ بفتياه أو يدعها وأكثر المفتين يفتون للخاصة في بيوتهم ومجالسهم ولا تعنى العامة بما قالوا عنايتهم بما قال الإمام وقد وجدنا الأئمة يبتدئون فيسألون عن العلم من الكتاب والسنة فيما أرادوا أن يقولوا فيه ويقولون فيخبرون بخلاف قولهم فيقبلون من المخبر ولا يستنكفون على أن يرجعوا لتقواهم الله وفضلهم في حالاتهم فإذا لم يوجد عن الأئمة فأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الدين في موضع أخذنا بقولهم وكان اتباعهم أولى بنا من اتباع من بعدهم والعلم طبقات شتى الأولى الكتاب والسنة إذا ثبتت السنة ثم الثانية الإجماع فيما ليس فيه كتاب ولا سنة والثالثة أن يقول بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا نعلم له مخالفا منهم والرابعة اختلاف أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، الخامسة القياس على بعض الطبقات ولا يصار إلى شيء غير الكتاب والسنة وهما موجودان وإنما يؤخذ العلم من أعلى وبعض ما ذهبتم إليه خلاف هذا ذهبت إلى أخذ العلم من أسفل قال فتوجدني بالمدينة قول نفر من التابعين متابعا الأغلب الأكثر من قول من قال فيه نتابعهم وإن خالفهم أحد منهم كان أقل عددا منهم فنترك قول الأغلب الأكثر لمتقدم قبله أو لأحد في دهرهم أو بعدهم؟ قلت: نعم قال: فاذكر منه واحدا قلت: إن لبن الفحل لا يحرم. قال: فمن قاله من التابعين أو السابقين؟ (قال الشافعي) : أخبرنا عبد الوهاب الثقفي عن يحيى بن سعيد قال: أخبرني مروان بن عثمان بن أبي سعيد بن المعلى الأنصاري أن رجلا أرضعته أم ولد رجل من مزينة وللمزني امرأة أخرى سوى المرأة التي أرضعت الرجل وأنها ولدت من المزني جارية فلما بلغ ابن الرجل وبلغت بنت الرجل خطبها فقال له الناس: ويلك إنها أختك فرفع ذلك إلى هشام بن إسماعيل فكتب فيه إلى عبد الملك فكتب إليه عبد الملك أنه ليس ذلك برضاع، أخبرنا الشافعي أخبرنا الدراوردي عن محمد بن عمرو عن عبد الرحمن بن القاسم أنه كان يقول كان يدخل على عائشة من أرضعه بنات أبي بكر ولا يدخل عليها من أرضعه نساء بني أبي بكر. (قال) : أخبرنا عبد العزيز بن محمد بن عبيد عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة أن أمه زينب بنت أبي سلمة أرضعتها أسماء بنت أبي بكر امرأة الزبير فقالت زينب بنت أبي سلمة: فكان الزبير يدخل علي وأنا أمتشط فيأخذ بقرن من قرون رأسي فيقول: أقبلي علي فحدثيني أراه أنه أبى وما ولد فهم إخوتي ثم إن عبد الله بن الزبير قبل الحرة أرسل إلي فخطب أم كلثوم بنتي على حمزة بن الزبير وكان حمزة للكلبية فقلت لرسوله وهل تحل له إنما هي بنت أخته؟ فأرسل إلي عبد الله إنما أردت بهذا المنع لما قبلك ليس لك بأخ أنا وما ولدت أسماء فهم إخوتك وما كان من ولد الزبير من غير أسماء فليسوا لك بإخوة فأرسلي فسلي عن هذا فأرسلت فسألت وأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - متوافرون وأمهات المؤمنين فقالوا لها: إن الرضاعة من قبل الرجال لا تحرم شيئا فأنكحتها إياه فلم تزل عنده حتى هلك. (قال الشافعي) : - رحمه الله - أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو بن علقمة عن بعض آل رافع بن خديج أن رافع بن خديج كان يقول: الرضاعة من قبل الرجال لا تحرم شيئا. (قال الشافعي) : وأخبرنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو بن علقمة عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن ابن المسيب وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن وعن سليمان بن يسار وعن عطاء بن يسار أن الرضاعة من قبل الرجال لا تحرم شيئا (قال الشافعي) : وأخبرنا عبد العزيز بن محمد عن مروان بن عثمان بن أبي المعلى أن عبد الملك كان يرى الرضاعة من قبل الرجال لا تحرم شيئا قلت لعبد العزيز بن عبد الملك؟ قال ابن مروان (قال الشافعي) : أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن سليمان بن بلال عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن ابن عباس كان لا يرى الرضاعة من قبل الرجال تحرم شيئا قال عبد العزيز وذلك كان رأي ربيعة ورأي فقهائنا وأبو بكر حدث عمرو بن الشريد عن ابن عباس في اللقاح واحد وقال: حديث رجل من أهل الطائف وما رأيت من فقهاء أهل المدينة أحدا يشك في هذا إلا أنه روي عن الزهري خلافهم فما التفتم إليه وهؤلاء أكثر وأعلم. (قال الشافعي) : أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة «عن عائشة قالت: جاء عمي من الرضاعة أفلح بن أبي القعيس يستأذن علي بعد ما ضرب الحجاب فلم آذن له فلما جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبرته فقال: إنه عمك، فأذنوا له» فقال: وما في هذا حديثها أم أبي بكر أرضعته فليس هذا برضاع من قبل الرجل ولو كان من قبل الرجل لكانت عائشة أعلم بمعنى ما تركت وكان أصحاب رسول الله والتابعون ومن أدركنا متفقين أو أكثرهم على ما قلنا ولا يتفق هؤلاء على خلاف سنة ولا يدعون شيئا إلا لما هو أقوى منه قال: قد كان القاسم بن محمد ينكر حديث أبي القعيس ويدفعه دفعا شديدا ويحتج فيه أن رأي عائشة خلافه. (قال الشافعي) : فقلت له: أتجد بالمدينة من علم الخاصة أولى أن يكون علما ظاهرا عند أكثرهم من ترك تحريم لبن الفحل فقد تركناه وتركتموه ومن يحتج بقوله إذا كنا نجد في الخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كالدلالة على ما نقول أفيجوز لأحد ترك هذا العام المتصل ممن سمينا من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه والتابعين من بعدهم بالمدينة أن يقبل أبدا عمل أكثر من روي عنه بالمدينة إذا خالف حديثا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نصا ليس من هذا الحديث لعلمهم بحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: لا قلت: فقد ترك من تحتج بقوله هذا ولا أعلم له حجة في تركه إلا ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه «يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولاد» فقال لي: فلذلك تركته؟ فقلت: نعم فأنا لم يختلف بنعمة الله قولي في أنه لا أذهب إذا ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء إلى أن أدعه لأكثر أو أقل مما خالفنا في لبن الفحل وقد يمكن أن يتأول حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كان من النساء دون الرجال فأخذت بأظهر معانيه وإن أمكن فيه باطن وتركتم قول الأكثر ممن روي عنه بالمدينة ولو ذهبت إلى الأكثر وتركت خبر الواحد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما عدوت ما قال: الأكثر من المدنيين أن لا يحرم لبن الفحل. (قال الشافعي) : وقد وصفت حديث الليث بن سعد عن الزهري عن ابن المسيب أنه قال: عقل العبد في ثمنه كجراح الحر في ديته وقال الزهري وإن ناسا ليقولون يقوم سلعة فالزهري قد جمع قول أهل المدينة ابن المسيب ومن خالفه فخرج صاحبكم من جميع ذلك وهذا عندكم كالإجماع ما هو دونه عندكم إجماع بالمدينة وقلتم قولا خارجا من قول أهل العلم بالمدينة وأقاويل بني آدم وذلك أنكم قلتم مرة كما قال ابن المسيب: جراحه في ثمنه كجراح الحر في ديته في الموضحة والمأمومة والمنقلة ثم ![]()
__________________
|
#7
|
||||
|
||||
![]() ![]() كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي المجلد السابع الحلقة (320) صــــــــــ 282 الى صـــــــــــ 289 خالفتم ما قال ابن المسيب أخرى فقلتم: يقوم سلعة فيكون فيها نقصه فلم تمحضوا قول واحد منهم. (قال الشافعي) : وقد أخبرنا مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد الساعدي «أن رجلا خطب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - امرأة فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - في صداقها: التمس ولو خاتما من حديد» وحفظنا عن عمر قال: في ثلاث قبضات من زبيب فهو مهر (قال الشافعي) : وأخبرنا سفيان بن عيينة عن أيوب بن موسى عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن ابن المسيب أنه قال: لم تحل الموهوبة لأحد بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولو أصدقها سوطا حلت له، أخبرنا ابن أبي يحيى قال: سألت ربيعة كم أقل الصداق؟ قال: ما تراضى به الأهلون فقلت: وإن كان درهما؟ قال: وإن كان نصف درهم قلت: وإن كان أقل قال: لو كان قبضة حنطة أو حبة حنطة قال: فهذا حديث ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وخبر عن عمر وعن ابن المسيب وعن ربيعة وهذا عندكم كالإجماع، وقد سألت الدراوردي هل قال أحد بالمدينة لا يكون الصداق أقل من ربع دينار؟ فقال: لا والله ما علمت أحدا قاله قبل مالك وقال الدراوردي: أراه أخذه عن أبي حنيفة، قلت للشافعي: فقد فهمت ما ذكرت وما كنت أذهب في العلم إلا إلى قول أهل المدينة فقال الشافعي ما علمت أحدا انتحل قول أهل العلم من أهل المدينة أشد خلافا لأهل المدينة منكم ولو شئت أن أعد عليكم ما أملأ به ورقا كثيرا مما خالفتم فيه كثيرا من أهل المدينة عددتها عليكم وفيما ذكرت لك ما دلك على ما وراءه إن شاء الله، فقلت للشافعي: إن لنا كتابا قد صرنا إلى اتباعه وفيه ذكر أن الناس اجتمعوا وفيه الأمر المجتمع عليه عندنا وفيه الأمر عندنا. (قال الشافعي) : فقد أوضحنا لكم ما يدلكم على أن ادعاء الإجماع بالمدينة وفي غيرها لا يجوز أن يكون وفي القول الذي ادعيتم فيه الإجماع اختلاف وأكثر ما قلتم الأمر المجتمع عليه مختلف فيه وإن شئتم مثلت لكم شيئا أجمع وأقصر وأحرى أن تحفظه مما فرغت منه قلت: فاذكر ذلك قال: تعرفون أنكم قلتم اجتمع الناس أن سجود القرآن أحد عشر ليس في المفصل منها شيء؟ قلت: نعم. (قال الشافعي) : وقد رويتم عن أبي هريرة أنه سجد في {إذا السماء انشقت} [الانشقاق: 1] وأخبرهم أن النبي سجد فيها وأن عمر بن عبد العزيز أمر محمد بن مسلمة مر القراء أن يسجدوا في {إذا السماء انشقت} [الانشقاق: 1] وأن عمر سجد في النجم قلت: نعم وإن عمر وابن عمر سجدا في سورة الحج سجدتين؟ قلت: نعم قال: فقد رويتم السجود في المفصل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعمر وأبي هريرة وعمر بن عبد العزيز فمن الناس الذين أجمعوا على السجود دون المفصل وهؤلاء الأئمة الذين ينتهى إلى أقاويلهم ما حفظنا نحن وأنتم في كتابكم عن أحد إلا سجودا في المفصل ولو رواه عن رجل أو اثنين أو ثلاثة ما جاز أن يقول أجمع الناس وهم مختلفون قلت: فتقول أنت أجمع الناس أن المفصل فيه سجود؟ قال: لا أقول اجتمعوا ولكن أعزي ذلك إلى من قاله وذلك الصدق ولا أدعي الإجماع إلا حيث لا يدفع أحد أنه إجماع أفترى قولكم اجتمع الناس أن سجود القرآن إحدى عشرة ليس في المفصل منها شيء يصح لكم أبدا قلت: فعلى أي شيء أكثر الفقهاء؟ قال: على أن في المفصل سجودا وأكثر أصحابنا على أن في سورة الحج سجدتين وهم يروون ذلك عن عمر وابن عمر وهذا مما أدخل في قوله اجتمع الناس لأنكم لا تعدون في الحج إلا سجدة وتزعمون أن الناس اجتمعوا على ذلك فأي الناس يجتمعون وهو يروي عن عمر وابن عمر أنهما سجدا في الحج سجدتين أوتعرفون أنكم احتججتم في اليمين مع الشاهد على من خالفه وقد احتجوا عليكم بالقرآن فقلتم: أرأيتم الرجل يدعي على الرجل الحق أليس يحلف له، فإن لم يحلف رد اليمين على المدعي فحلف وأخذ حقه وقلتم: هذا ما لا شك فيه عند أحد من الناس ولا في بلد من البلدان فإذا أقر بهذا فليقر باليمين مع الشاهد، وأنه ليكتفي من هذا بثبوت السنة ولكن الإنسان يجب أن يعرف وجه الصواب. فهذا تبيان ما أشكل من ذلك إن شاء الله تعالى قال: بلى وهكذا نقول (قال الشافعي) : أفتعرفون الذين خالفوكم في اليمن مع الشاهد يقولون بما قلتم؟ قلت: ماذا؟ قال: أتعرفونهم يحلفون المدعى عليه، فإن نكل رد اليمين على المدعي فإن حلف أخذ حقه؟ قلت لا: (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وأنتم تعلمون أنهم لا يردون اليمين أبدا وأنهم يزعمون أن رد اليمين خطأ وأن المدعى عليه إذا نكل عن اليمين أخذ منه الحق؟ قلت: بلى قال: فقد رويتم عليهم ما لا يقولون قلت: نعم ولكن لعله زلل. (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أو يجوز لزلل في الرواية عن الناس ثم عن الناس كافة وإن جاز الزلل في الأكثر جاز في الأقل وفيما قلتم المجتمع عليه وقولكم المجتمع عليه أكثر من هذا الزلل لأنكم إذا زللتم في أن ترووا عن الناس عامة فعلى أهل المدينة لأنهم أقل من الناس كلهم. (قال الشافعي) : وقولكم في اليمين مع الشاهد نكتفي منها بثبوت السنة حجة عليكم وأنتم لا تروون فيها إلا حديث جعفر عن أبيه منقطعا ولا تروون فيها حديثا يصح عن أحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والزهري وعروة ينكرانها بالمدينة وعطاء ينكرها بمكة فإن كانت تثبت السنة فلن يعمل بهذا أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنتم لا تحفظون أن أحدا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - عمل باليمين مع الشاهد فإن كنتم ثبتموها بإجماع التابعين بالمدينة فقد اختلفوا فيها وإن كنتم ثبتموها بخبر منقطع كان الخبر المتصل أولى أن نثبتها به قلت فأنت تثبتها قال: من غير الطريق الذي ثبتموها بحديث متصل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يعمل به ولا إجماع ولو لم تثبت إلا بعمل وإجماع كان بعيدا من أن تثبت وهم يحتجون عليها بقرآن وسنة. (قال الشافعي) : وزعمت أن ما أشكل فيما احتججتم به مما رويتم على الناس أنهم في البلدان لا يخالفون فيه والذين يخالفونكم في اليمين مع الشاهد يقولون: نحن أعطينا بالنكول عن اليمين فبالسنة أعطينا ليس في القرآن ذكر يمين ولا نكول عنها وهذا سنة غير القرآن وغير الشهادات زعمنا أن القرآن يدل على أن لا يعطى أحد من جهة الشهادات إلا بشاهدين أو شاهد وامرأتين والنكول ليس في معنى الشهادات والذي احتججتم به عليهم ليست عليهم فيه حجة والله المستعان إنما الحجة عليهم في غير ما احتججتم به وإذا احتججتم بغير حجة فهو إشكال ما بان من الحجة لا يبان ما أشكل منها (قال الشافعي) : أخبرنا الثقة عن عبد الله بن الحارث إن لم أكن سمعته من عبد الله عن مالك بن أنس عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان قضيا في الملطاة بنصف دية الموضحة. (قال الشافعي) : أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن الثوري عن يزيد بن قسيط عن ابن المسيب عن عمر وعثمان مثله أو مثل معناه (قال الشافعي) وأخبرني من سمع ابن نافع يذكر عن مالك بهذا الإسناد مثله (قال الشافعي) : وقرأنا على مالك أنا لم نعلم أحدا من الأئمة في القديم ولا في الحديث أفتى فيما دون الموضحة بشيء (قال الشافعي) : فنفيتم أن يكون أحد من الأئمة في قديم أو حديث قضى دون الموضحة بشيء وأنتم والله يغفر لنا ولكم تروون عن إمامين عظيمين من المسلمين عمر وعثمان أنهما قضيا فيما دون الموضحة بشيء موقت ولست أعرف لمن قال: هذا مع روايته وجها ذهب إليه والله المستعان وما عليه أن يسكت عن رواية ما روى من هذا أو إذا رواه فلم يكن عنده كما رواه أن يتركه وذلك كثير في كتابه ولا ينبغي أن يكون علم ما قد أخبر أنه علمه أرأيت لو وجد كل وال من الدنيا شيئا ترك يقضي فيما دون الموضحة بشيء كان جائزا له أن يقول لم نعلم أحدا من الأئمة قضى فيها بشيء وقد روي عن إمامين عظيمين من أئمة المسلمين أنهما قضيا مع أنه لم يرو عن أحد من الناس إمام ولا أمير ترك أن قضى فيما دون الموضحة بشيء ولا نجد وقد روينا أن زيد بن ثابت قد قضى فيما دون الموضحة حتى في الدامية فإن قال: رويت فيه حديثا واحدا أفرأيت جميع ما ثبت مما أخذ به إنما روى فيه حديثا واحدا هل يستقيم أن يكون يثبت بحديث واحد فلم يكن له أن يقول ما علمنا أو لا يثبت بحديث واحد فينبغي أن تدع عامة ما رويت وثبت من حديث واحد قال سألت الشافعي من أي شيء يجب الوضوء؟ قال: من أن ينام الرجل مضطجعا أو يحدث من ذكر أو دبر أو يقبل امرأته أو يلمسها أو يمس ذكره قلت فهل قال: قائل ذلك (قال الشافعي) : نعم قد قرأنا ذلك على صاحبنا والله يغفر لنا وله قلت ونحن نقوله (قال الشافعي) : إنكم مجمعون أنكم توضئون من مس الذكر والمس والجس للمرأة فقلت: نعم قال: فتعلم من أهل الدنيا خلقا ينفي عن نفسه أن يوجب الوضوء إلا من ثلاث؟ فأنت توجب الوضوء من اثنين أو ثلاث سواء من اضطركم إلى أن تقولوا هذا الذي لا يوجد في قول أحد من بني آدم غيركم والله المستعان ثم تؤكدونه بأن تقولوا الأمر عندنا قال: فإن كان الأمر عندكم إجماع أهل المدينة فقد خالفتموهم وإن كانت كلمة لا معنى لها فلم تكلفتموها؟ فما علمت قبلك أحدا تكلم بها وما كلمت منكم أحدا قط فرأيته يعرف معناها وما ينبغي لكم أن تجهلوا إذا كان يوجد فيه ما ترون، والله أعلم. . [كتاب جماع العلم] أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي قال: لم أسمع أحدا نسبه الناس أو نسب نفسه إلى علم يخالف في أن فرض الله عز وجل اتباع أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتسليم لحكمه بأن الله عز وجل لم يجعل لأحد بعده إلا اتباعه وأنه لا يلزم قول بكل حال إلا بكتاب الله أو سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأن ما سواهما تبع لهما وأن فرض الله تعالى علينا وعلى من بعدنا وقبلنا في قبول الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واحد لا يختلف في أن الفرض والواجب قبول الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا فرقة سأصف قولها إن شاء الله تعالى (قال: الشافعي - رحمه الله تعالى -) : ثم تفرق أهل الكلام في تثبيت الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تفرقا متباينا وتفرق غيرهم ممن نسبته العامة إلى الفقه فيه تفرقا. أما بعضهم فقد أكثر من التقليد والتخفيف من النظر والغفلة والاستعجال بالرياسة وسأمثل لك من قول كل فرقة عرفتها مثالا يدل على ما وراءه إن شاء الله تعالى. باب حكاية قول الطائفة التي ردت الأخبار كلها. (قال: الشافعي - رحمه الله تعالى -) : قال: لي قائل ينسب إلى العلم بمذهب أصحابه أنت عربي والقرآن نزل بلسان من أنت منهم وأنت أدرى بحفظه وفيه لله فرائض أنزلها لو شك شاك قد تلبس عليه القرآن بحرف منها استتبته فإن تاب وإلا قتلته وقد قال: عز وجل في القرآن {تبيانا لكل شيء} [النحل: 89] فكيف جاز عند نفسك أو لأحد في شيء فرضه الله أن يقول مرة الفرض فيه عام ومرة الفرض فيه خاص ومرة الأمر فيه فرض ومرة الأمر فيه دلالة؟ وإن شاء ذو إباحة وأكثر ما فرقت بينه من هذا عندك حديث ترويه عن رجل عن آخر أو حديثان أو ثلاثة حتى يبلغ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد وجدتك ومن ذهب مذهبك لا تبرئون أحدا لقيتموه وقدمتموه في الصدق والحفظ ولا أحدا لقيت ممن لقيتم من أن يغلط وينسى ويخطئ في حديثه بل وجدتكم تقولون لغير واحد منهم أخطأ فلان في حديث كذا وفلان في حديث كذا ووجدتكم تقولون لو قال رجل لحديث أحللتم به وحرمتم من علم الخاصة لم يقل هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما أخطأتم أو من حدثكم وكذبتم أو من حدثكم لم تستتيبوه ولم تزيدوه على أن تقولوا له بئسما قلت: أفيجوز أن يفرق بين شيء من أحكام القرآن وظاهره واحد عند من سمعه بخبر من هو كما وصفتم فيه وتقيمون أخبارهم مقام كتاب الله وأنتم تعطون بها وتمنعون بها؟ قال: فقلت: إنما نعطي من وجه الإحاطة أو من جهة الخبر الصادق وجهة القياس وأسبابها عندنا مختلفة وإن أعطينا بها كلها فبعضها أثبت من بعض قال: ومثل ماذا؟ قلت: إعطائي من الرجل بإقراره وبالبينة وإبائه اليمين وحلف صاحبه والإقرار أقوى من البينة والبينة أقوى من إباء اليمين ويمين صاحبه ونحن وإن أعطينا بها عطاء واحدا فأسبابها مختلفة. قال: وإذا قمتم على أن تقبلوا أخبارهم وفيهم ما ذكرت من أمركم بقبول أخبارهم وما حجتكم فيه على من ردها قال: لا أقبل منها شيئا إذا كان يمكن فيهم الوهم ولا أقبل إلا ما أشهد به على الله كما أشهد بكتابه الذي لا يسع أحدا الشك في حرف منه أو يجوز أن يقوم شيء مقام الإحاطة وليس بها؟ فقلت: له من علم اللسان الذي به كتاب الله وأحكام الله دله علمه بهما على قبول أخبار الصادقين عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والفرق بين ما دل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الفرق بينه من أحكام الله وعلم بذلك مكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ كنت لم تشاهده خبر الخاصة وخبر العامة قال: نعم قلت: فقد رددتها إذ كنت تدين بما تقول قال: أفتوجدني مثل هذا مما تقوم بذلك الحجة في قبول الخبر؟ فإن أوجدته كان أزيد في إيضاح حجتك وأثبت للحجة على من خالفك وأطيب لنفس من رجع عن قوله لقولك فقلت: إن سلكت سبيل النصفة كان في بعض ما قلت دليل على أنك مقيم من قولك على ما يجب عليك الانتقال عنه وأنت تعلم أن قد طالت غفلتك فيه عما لا ينبغي أن تغفل من أمر دينك قال: فاذكر شيئا إن حضرك قلت: قال الله عز وجل {هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة} [الجمعة: 2] قال: فقد علمنا أن الكتاب كتاب الله فما الحكمة؟ . قلت: سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أفيحتمل أن يكون يعلمهم الكتاب جملة والحكمة خاصة وهي أحكامه؟ قلت: تعني بأن يبين لهم عن الله عز وجل مثل ما بين لهم في جملة الفرائض من الصلاة والزكاة والحج وغيرها فيكون الله قد أحكم فرائض من فرائضه بكتابه وبين كيف هي على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - قال: إنه ليحتمل ذلك قلت: فإن ذهبت هذا المذهب فهي في معنى الأول قبله الذي لا تصل إليه إلا بخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فإن ذهبت مذهب تكرير الكلام؟ قلت: وأيهم أولى به إذا ذكر الكتاب والحكمة أن يكونا شيئين أو شيئا واحدا قال: يحتمل أن يكونا كما وصفت كتابا وسنة فيكونا شيئين ويحتمل أن يكونا شيئا واحدا قلت: فأظهرهما أولاهما وفي القرآن دلالة على ما قلنا وخلاف ما ذهبت إليه قال: وأين هي؟ قلت: قول الله عز وجل {واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا} [الأحزاب: 34] فأخبر أنه يتلى في بيوتهن شيئان قبل فهذا القرآن يتلى فكيف تتلى الحكمة؟ . قلت إنما معنى التلاوة أن ينطق بالقرآن والسنة كما ينطق بها قال: فهذه أبين في أن الحكمة غير القرآن من الأولى وقلت: افترض الله علينا اتباع نبيه - صلى الله عليه وسلم - قال: وأين؟ . قلت: قال الله عز وجل {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} [النساء: 65] وقال الله عز وجل {من يطع الرسول فقد أطاع الله} [النساء: 80] وقال {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} [النور: 63] قال: ما من شيء أولى بنا أن نقوله في الحكمة من أنها سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولو كان بعض أصحابنا قال: إن الله أمر بالتسليم لحكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحكمته إنما هو مما أنزله لكان من لم يسلم له أن ينسب إلى التسليم لحكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت: لقد فرض الله جل وعز علينا اتباع أمره فقال: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} [الحشر: 7] قال: إنه لبين في التنزيل أن علينا فرضا أن نأخذ الذي أمرنا به وننتهي عما نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: قلت: والفرض علينا وعلى من هو قبلنا ومن بعدنا واحد؟ قال: نعم فقلت: فإن كان ذلك علينا فرضا في اتباع أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنحيط أنه إذا فرض الله علينا شيئا فقد دلنا على الأمر الذي يؤخذ به فرضه؟ . قال: نعم قلت: فهل تجد السبيل إلى تأدية فرض الله عز وجل في اتباع أوامر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو أحد قبلك أو بعدك ممن لم يشاهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا بالخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن في أن لا آخذ ذلك إلا بالخبر لما دلني على أن الله أوجب علي أن أقبل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: وقلت له أيضا: يلزمك هذا في ناسخ القرآن ومنسوخه قال: فاذكر منه شيئا قلت: قال الله تعالى {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين} [البقرة: 180] وقال في الفرائض {ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس} [النساء: 11] فزعمنا بالخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن آية الفرائض نسخت الوصية للوالدين والأقربين فلو كنا ممن لا يقبل الخبر فقال قائل: الوصية نسخت الفرائض هل نجد الحجة عليه إلا بخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ . قال: هذا شبيه بالكتاب والحكمة والحجة لك ثابتة بأن علينا قبول الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد صرت إلى أن قبول الخبر لازم للمسلمين لما ذكرت وما في مثل معانيه من كتاب الله وليست تدخلني أنفة من إظهار الانتقال عما كنت أرى إلى غيره إذا بانت الحجة فيه بل أتدين بأن علي الرجوع عما كنت أرى إلى ما رأيته الحق ولكن أرأيت العام في القرآن كيف جعلته عاما مرة وخاصا أخرى، قلت له: لسان العرب واسع وقد تنطق بالشيء عاما تريد به الخاص فيبين في لفظها ولست أصير في ذلك بخبر إلا بخبر لازم، وكذلك أنزل في القرآن فبين في القرآن مرة وفي السنة أخرى قال: فاذكر منها شيئا قلت: قال الله عز وجل {الله خالق كل شيء} [الزمر: 62] فكان مخرجا بالقول عاما يراد به العام وقال: {إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم} [الحجرات: 13] فكل نفس مخلوقة من ذكر وأنثى فهذا عام يراد به العام وفيه الخصوص وقال {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} [الحجرات: 13] فالتقوى وخلافها لا تكون إلا للبالغين غير المغلوبين على عقولهم وقال: {يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له} [الحج: 73] وقد أحاط العلم أن كل الناس في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكونوا يدعون من دونه شيئا لأن فيهم المؤمن ومخرج الكلام عاما فإنما أريد من كان هكذا وقال: {واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت} [الأعراف: 163] دل على أن العادين فيه أهلها دونها وذكرت له أشياء مما كتبت في كتابي فقال: هو كما قلت كله ولكن بين لي العام الذي لا يوجد في كتاب الله أنه أريد به خاص قلت: فرض الله الصلاة ألست تجدها على الناس عامة؟ . قال: بلى: قلت: وتجد الحيض مخرجات منه؟ قال: نعم وقلت: وتجد الزكاة على الأموال عامة وتجد بعض الأموال مخرجا منها؟ قال: بلى: قلت: وتجد الوصية للوالدين منسوخة بالفرائض؟ قال: نعم قلت: وفرض المواريث للآباء والأمهات والولد عاما ولم يورث المسلمون كافرا من مسلم ولا عبدا من حر ولا قاتلا ممن قتل بالسنة قال: نعم ونحن نقول ببعض هذا فقلت: فما دلك على هذا؟ قال: السنة لأنه ليس فيه نص قرآن قلت: فقد بان لك في أحكام الله تعالى في كتابه فرض الله طاعة رسوله والموضع الذي وضعه الله عز وجل به من الإبانة عنه ما أنزل خاصا وعاما وناسخا ومنسوخا؟ قال: نعم وما زلت أقول بخلاف هذا حتى بان لي خطأ من ذهب هذا المذهب ولقد ذهب فيه أناس مذهبين: أحد الفريقين لا يقبل خبرا وفي كتاب الله البيان قلت فما لزمه؟ قال: أفضى به عظيم إلى عظيم من الأمر فقال من جاء بما يقع عليه اسم صلاة وأقل ما يقع عليه اسم زكاة فقد أدى ما عليه لا وقت في ذلك ولو صلى ركعتين في كل يوم أو قال في كل أيام. وقال: ما لم يكن فيه كتاب الله فليس على أحد فيه فرض وقال غيره: ما كان فيه قرآن يقبل فيه الخبر فقال: بقريب من قوله فيما ليس فيه قرآن فدخل عليه ما دخل على الأول أو قريب منه ودخل عليه أن صار إلى قبول الخبر بعد رده وصار إلى أن لا يعرف ناسخا ولا منسوخا ولا خاصا ولا عاما والخطأ قال: ومذهب الضلال في هذين المذهبين واضح لست أقول بواحد منهما ولكن هل من حجة في أن ![]()
__________________
|
#8
|
||||
|
||||
![]() ![]() كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي المجلد السابع الحلقة (321) صــــــــــ 290 الى صـــــــــــ 297 تبيح المحرم بإحاطة بغير إحاطة؟ قلت نعم قال: ما هو؟ . قلت ما تقول في هذا لرجل أجنبي أمحرم الدم والمال؟ قال: نعم قلت: فإن شهد عليه شاهدان بأنه قتل رجلا وأخذ ماله فهو هذا الذي في يديه قال: أقتله قودا وأدفع ماله الذي في يديه إلى ورثة المشهود له قال: قلت أويمكن في الشاهدين أن يشهدا بالكذب والغلط؟ قال: نعم قلت: فكيف أبحت الدم والمال المحرمين بإحاطة بشاهدين وليسا بإحاطة قال: أمرت بقبول الشهادة قلت أفتجد في كتاب الله تعالى نصا أن تقبل الشهادة على القتل؟ . قال: لا ولكن استدلالا أني لا أؤمر بها إلا بمعنى قلت: أفيحتمل ذلك المعنى أن يكون لحكم غير القتل ما كان القتل يحتمل القود والدية؟ قال: فإن الحجة في هذا أن المسلمين إذا اجتمعوا أن القتل بشاهدين قلنا: الكتاب محتمل لمعنى ما أجمعوا عليه وأن لا تخطئ عامتهم معنى كتاب الله وإن أخطأ بعضهم فقلت له أراك قد رجعت إلى قبول الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والإجماع دونه قال: ذلك الواجب علي وقلت له: نجدك إذا أبحت الدم والمال المحرمين بإحاطة بشهادة وهي غير إحاطة؟ قال كذلك أمرت: قلت: فإن كنت أمرت بذلك على صدق الشاهدين في الظاهر فقبلتهما على الظاهر ولا يعلم الغيب إلا الله وإنا لنطلب في المحدث أكثر مما نطلب في الشاهد فنجيز شهادة البشر لا نقبل حديث واحد منهم ونجد الدلالة على صدق المحدث وغلطه ممن شركه من الحفاظ وبالكتاب والسنة ففي هذا دلالات ولا يمكن هذا في الشهادات قال: فأقام على ما وصفت من التفريق في رد الخبر وقبول بعضه مرة ورد مثله أخرى مع ما وصفت من بيان الخطأ فيه وما يلزمهم من اختلاف أقاويلهم وفيما وصفنا ههنا وفي الكتاب قبل هذا دليل على الحجة عليهم وعلى غيرهم فقال لي: قد قبلت منك أن أقبل الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلمت أن الدلالة على معنى ما أراد بما وصفت من فرض الله طاعته فأنا إذا قبلت خبره فعن الله قبلت ما أجمع عليه المسلمون فلم يختلفوا فيه وعلمت ما ذكرت من أنهم لا يجتمعون ولا يختلفون إلا على حق إن شاء الله تعالى أفرأيت ما لم نجده نصا في كتاب الله عز وجل ولا خبرا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما أسمعك تسأل عنه فتجيب بإيجاب شيء وإبطاله من أين وسعك القول بما قلت منه؟ وأتى لك بمعرفة الصواب والخطأ فيه؟ . وهل تقول فيه اجتهادا على عين مطلوبة غائبة عنك أو تقول فيه متعسفا؟ فمن أباح لك أن تحل وتحرم وتفرق بلا مثال موجود تحتذي عليه؟ فإن أجزت ذلك لنفسك جاز لغيرك أن يقول بما خطر على قلبه بلا مثال يصير إليه ولا عبرة توجد عليه يعرف بها خطؤه من صوابه فأين من هذا إن قدرت ما تقوم لك به الحجة وإلا كان قولك بما لا حجة لك فيه مردودا عليك فقلت له: ليس لي ولا لعالم أن يقول في إباحة شيء ولا حظره ولا أخذ شيء من أحد ولا إعطائه إلا أن يجد ذلك نصا في كتاب الله أو سنة أو إجماع أو خبر يلزم فما لم يكن داخلا في واحد من هذه الأخبار فلا يجوز لنا أن نقوله بما استحسنا ولا بما خطر على قلوبنا ولا نقوله إلا قياسا على اجتهاد به على طلب الأخبار اللازمة ولو جاز لنا أن نقوله على غير مثال من قياس يعرف به الصواب من الخطأ جاز لكل أحد أن يقول معنا بما خطر على باله ولكن علينا وعلى أهل زماننا أن لا نقول إلا من حيث وصفت فقال الذي أعرف أن القول عليك ضيق إلا بأن يتسع قياسا كما وصفت ولي عليك مسألتان: إحداهما أن تذكر الحجة في أن لك أن تقيس والقياس بإحاطة كالخبر إنما هو اجتهاد فكيف ضاق أن تقول على غير قياس؟ واجعل جوابك فيه أخصر ما يحضرك قلت إن الله أنزل الكتاب تبيانا لكل شيء والتبيين من وجوه منها ما بين فرضه فيه ومنها ما أنزله جملة وأمر بالاجتهاد في طلبه ودل على ما يطلب به بعلامات خلقها في عباده دلهم بها على وجه طلب ما افترض عليهم فإذا أمرهم بطلب ما افترض ذلك - ذلك والله أعلم - على دلالتين: إحداهما أن الطلب لا يكون إلا مقصودا بشيء أن يتوجه له لا أن يطلبه الطالب متعسفا والأخرى أنه كلفه بالاجتهاد في التأخي لما أمره بطلبه قال: فاذكر الدلالة على ما وصفت قلت: قال الله عز وجل {قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام} [البقرة: 144] وشطره قصده وذلك تلقاؤه قال: أجل. قلت: وقال: {وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر} [الأنعام: 97] وقال: وسخر لكم النجوم والليل والنهار والشمس والقمر وخلق الجبال والأرض وجعل المسجد الحرام حيث وضعه من أرضه فكلف خلقه التوجه إليه فمنهم من يرى البيت فلا يسعه إلا الصواب بالقصد إليه ومنهم من يغيب عنه وتنأى داره عن موضعه فيتوجه إليه بالاستدلال بالنجوم والشمس والقمر والرياح والجبال والمهاب كل هذا قد يستعمل في بعض الحالات ويدل فيها ويستغني بعضها عن بعض قال: هذا كما وصفت ولكن على إحاطة أنت من أن تكون إذا توجهت أصبت قلت: أما على إحاطة من أني إذا توجهت أصبت ما أكلف وإن لم أكلف أكثر من هذا فنعم قال: أفعلى إحاطة أنت من صواب البيت بتوجهك؟ قلت: أفهذا شيء كلفت الإحاطة في أصله البيت وإنما كلفت الاجتهاد قال: فما كلفت؟ قلت: التوجه شطر المسجد الحرام فقد جئت بالتكليف وليس يعلم الإحاطة بصواب موضع البيت آدمي إلا بعيان فأما ما غاب عنه من عينه فلا يحيط به آدمي قال: فنقول أصبت قلت: نعم على معنى ما قلت أصبت على ما أمرت به فقال: ما يصح في هذا جواب أبدا غير ما أجبت به وإن من قال: كلفت الإحاطة بأن أصيب لزعم أنه لا يصلي إلا أن يحيط بأن يصيب أبدا وإن القرآن ليدل كما وصفت على أنه إنما أمر بالتوجه إلى المسجد الحرام والتوجه هو التأخي والاجتهاد لا الإحاطة فقال: اذكر غير هذا إن كان عندك. (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وقلت له قال الله عز وجل {ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل} [المائدة: 95] على المثل يجتهدان فيه لأن الصفة تختلف فتصغر وتكبر فما أمر العدلين أن يحكما بالمثل إلا على الاجتهاد ولم يجعل الحكم عليهما حتى أمرهما بالمثل وهذا يدل ما دلت عليه الآية قبله من أنه محظور عليه إذا كان في المثل اجتهاد أن يحكم بالاجتهاد إلا على المثل ولم يؤمر فيه ولا في القبلة إذا كانت مغيبة عنه فكان على غير إحاطة من أن يصيبها بالتوجه أن يكون يصلي حيث شاء من غير اجتهاد بطلب الدلائل فيها وفي الصيد معا ويدل على أنه لا يجوز لأحد أن يقول في شيء من العلم إلا بالاجتهاد والاجتهاد فيه كالاجتهاد في طلب البيت في القبلة والمثل في الصيد ولا يكون الاجتهاد إلا لمن عرف الدلائل عليه من خبر لازم كتاب أو سنة أو إجماع ثم يطلب ذلك بالقياس عليه بالاستدلال ببعض ما وصفت كما يطلب ما غاب عنه من البيت واشتبه عليه من مثل الصيد فأما من لا آلة فيه فلا يحل له أن يقول في العلم شيئا ومثل هذا أن الله شرط العدل بالشهود والعدل العمل بالطاعة والعقل للشهادة فإذا ظهر لنا هذه قبلنا شهادة الشاهد على الظاهر وقد يمكن أن يكون يستبطن خلافه ولكن لم نكلف المغيب فلم يرخص لنا إذا كنا على غير إحاطة من أن باطنه كظاهره أن نجيز شهادة من جاءنا إذا لم يكن فيه علامات العدل هذا يدل على ما دل عليه ما قبله وبين أن لا يجوز لأحد أن يقول في العلم بغير ما وصفنا قال: أفتوجد نية بدلالة مما يعرف الناس؟ . فقلت: نعم قال: وما هي؟ قلت أرأيت الثوب يختلف في عيبه والرقيق وغيره من السلع من يريه الحاكم ليقومه قال: لا يريه إلا أهل العلم به قلت: لأن حالهم مخالفة حال أهل الجهالة بأن يعرفوا أسواقه يوم يرونه وما يكون فيه عيبا ينقصه وما لا ينقصه؟ قال: نعم قلت ولا يعرف ذلك غيرهم؟ قال: نعم قلت ومعرفتهم فيه الاجتهاد بأن يقيسوا الشيء بعضه ببعض على سوق سومها؟ قال: نعم قلت وقياسهم اجتهاد لا إحاطة؟ قال: نعم قلت فإن قال. غيرهم من أهل العقول نحن نجتهد إذ كنت على غير إحاطة من أن هؤلاء أصابوا أليس تقول لهم إن هؤلاء يجتهدون عالمين وأنت تجتهد جاهلا فأنت متعسف فقال: ما لهم جواب غيره وكفى بهذا جوابا تقوم به الحجة قلت ولو قال: أهل العلم به إذا كنا على غير إحاطة فنحن نقول فيه على غير قياس ونكتفي في الظن بسعر اليوم والتأمل لم يكن ذلك لهم؟ قال: نعم قلت فهذا من ليس بعالم بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وبما قال العلماء وعاقل ليس له أن يقول من جهة القياس والوقف في النظر ولو جاز لعالم أن يدع الاستدلال بالقياس والاجتهاد فيه جاز للجاهلين أن يقولوا ثم لعلهم أعذر بالقول فيه لأنه يأتي الخطأ عامدا بغير اجتهاد ويأتونه جاهلين قال: أفتوجدني حجة في غير ما وصفت أن للعالمين أن يقولوا؟ . قلت: نعم قال: فاذكرها، قلت لم أعلم مخالفا في أن من مضى من سلفنا والقرون بعدهم إلى يوم كنا قد حكم حاكمهم وأفتى مفتيهم في أمور ليس فيها نص كتاب ولا سنة وفي هذا دليل على أنهم إنما حكموا اجتهادا إن شاء الله تعالى قال: أفتوجدني هذا من سنة؟ قلت: نعم أخبرنا عبد العزيز بن محمد بن أبي عبيد الدراوردي عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن بسر بن سعيد عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر» وقال يزيد بن الهاد فحدثت بهذا الحديث أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم فقال: هكذا حدثني أبو سلمة عن أبي هريرة (قال الشافعي) : فقال: فأسمعك تروي «فإذا اجتهد فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر.» [باب حكاية قول من رد خبر الخاصة] (أخبرنا الربيع) قال قال محمد بن إدريس الشافعي فوافقنا طائفة في أن تثبيت الأخبار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لازم للأمة ورأوا ما حكيت مما احتججت به على من رد الخبر حجة يثبتونها ويضيقون على كل أحد أن يخالفها ثم كلمني جماعة منهم مجتمعين ومتفرقين بما لا أحفظ أن أحكي كلام المنفرد عنهم منهم وكلام الجماعة ولا ما أجبت به كلا ولا أنه قيل لي وقد جهدت على تقصي كل ما احتجوا به فأثبت أشياء قد قلتها ولمن قلتها منهم وذكرت بعض ما أراه منه يلزمهم وأسأل الله تعالى العصمة والتوفيق قال فكانت جملة قولهم أن قالوا لا يسع أحدا من الحكام ولا من المفتين أن يفتي ولا يحكم إلا من جهة الإحاطة، والإحاطة كل ما علم أنه حق في الظاهر والباطن يشهد به على الله، وذلك الكتاب والسنة المجتمع عليها وكل ما اجتمع الناس ولم يفترقوا فيه فالحكم كله واحد يلزمنا أن لا نقبل منهم إلا ما قلنا مثل أن الظهر أربع لأن ذلك الذي لا منازع فيه ولا دافع له من المسلمين ولا يسع أحدا يشك فيه قلت له لست أحسبه يخفى عليك ولا على أحد حضرك أنه لا يوجد في علم الخاصة ما يوجد في علم العامة قال وكيف؟ قلت علم العامة على ما وصفت لا تلقى أحدا من المسلمين إلا وجدت علمه عنده ولا يرد منها أحد شيئا على أحد فيه كما وصفت في جمل الفرائض وعدد الصلوات وما أشبهها، وعلم الخاصة علم السابقين والتابعين من بعدهم إلى من لقيت تختلف أقاويلهم وتتباين تباينا بينا فيما ليس فيه نص كتاب يتأولون فيه ولم يذهبوا إلى القياس فيحتمل القياس الاختلاف فإذا اختلفوا فأقل ما عند المخالف لمن أقام عليه خلافه أنه مخطئ عنده، وكذلك هو عند من خالفه وليست هكذا المنزلة الأولى وما قيل قياسا فأمكن في القياس أن يخطئ القياس لم يجز عندك أن يكون القياس إحاطة ولا يشهد به كله على الله كما زعمت فذكرت أشياء تلزمه عندي سوى هذا فقال بعض من حضره دع المسألة في هذا وعندنا أنه قد يدخل عليه كثير مما أدخلت عليه ولا يدخل عليه كله قال فأنا أحدث لك غير ما قال قلت فاذكره قال العلم من وجوه منها ما نقلته عامة عن عامة أشهد به على الله وعلى رسوله مثل جمل الفرائض قلت هذا العلم المقدم الذي لا ينازعك فيه أحد. ومنها كتاب يحتمل التأويل فيختلف فيه فإذا اختلف فيه فهو على ظاهره وعامه لا يصرف إلى باطن أبدا وإن احتمله إلا بإجماع من الناس عليه فإذا تفرقوا فهو على الظاهر قال ومنها ما اجتمع المسلمون عليه وحكوا عمن قبلهم الاجتماع عليه وإن لم يقولوا هذا بكتاب ولا سنة فقد يقوم عندي مقام السنة المجتمع عليها وذلك أن إجماعهم لا يكون عن رأي لأن الرأي إذا كان تفرق فيه قلت فصف لي ما بعده قال ومنها علم الخاصة ولا تقوم الحجة بعلم الخاصة حتى يكون نقله من الوجه الذي يؤمن فيه الغلط ، ثم آخر هذا القياس، ولا يقاس منه الشيء بالشيء حتى يكون مبتدؤه ومصدره ومصرفه فيما بين أن يبتدئ إلى أن ينقضي سواء، فيكون في معنى الأصل. ولا يسع التفرق في شيء مما وصفت من سبيل العلم والأشياء على أصولها حتى تجتمع العامة على إزالتها عن أصولها والإجماع حجة على كل شيء لأنه لا يمكن فيه الخطأ قال فقلت أما ما ذكرت من العلم الأول من نقل العوام عن العوام فكما قلت أفرأيت الثاني الذي قلت لا تختلف فيه العوام بل تجتمع عليه وتحكي عمن قبلها الاجتماع عليه أتعرفه فتصفه أو تعرف العوام الذين ينقلون عن العوام أهم كمن قلت في جمل الفرائض فأولئك العلماء ومن لا ينسب إلى العلم ولا نجد أحدا بالغا في الإسلام غير مغلوب على عقله يشك أن فرض الله أن الظهر أربع أم هو وجه غير هذا؟ قال بل هو وجه غير هذا قلت فصفه قال هذا إجماع العلماء دون من لا علم له يجب اتباعهم فيه لأنهم منفردون بالعلم دونهم مجتمعون عليه فإذا اجتمعوا قامت بهم الحجة على من لا علم له وإذا افترقوا لم تقم بهم على أحد حجة وكان الحق فيما تفرقوا فيه أن يرد إلى القياس على ما اجتمعوا عليه فأي حال وجدتهم بها؟ دلتني على حال من قبلهم إن كانوا مجتمعين من جهة علمت أن من كان قبلهم من أهل العلم مجتمعون من كل قرن لأنهم لا يجتمعون من جهة. فإن كانوا متفرقين علمت أن من كان قبلهم كانوا متفرقين من كل قرن وسواء كان اجتماعهم من خبر يحكونه أو غير خبر للاستدلال أنهم لا يجتمعون إلا بخبر لازم وسواء إذا تفرقوا حكوا خبرا بما وافق بعضهم أو لم يحكوه لأني لا أقبل من أخبارهم إلا ما أجمعوا على قبوله فأما ما تفرقوا في قبوله فإن الغلط يمكن فيه فلم تقم حجة بأمر يمكن فيه الغلط قال فقلت له هذا تجويز إبطال الأخبار وإثبات الإجماع لأنك زعمت أن إجماعهم حجة كان فيه خبر أو لم يكن فيه وأن افتراقهم غير حجة كان فيه خبر أو لم يكن فيه وقلت له: ومن أهل العلم الذي إذا أجمعوا قامت بإجماعهم حجة؟ قال هم من نصبه أهل بلد من البلدان فقيها رضوا قوله وقبلوا حكمه قلت فمثل الفقهاء الذين إذا أجمعوا كانوا حجة أرأيت إن كانوا عشرة فغاب واحد أو حضر ولم يتكلم أتجعل التسعة إذا اجتمعوا أن يكون قولهم حجة؟ قال، فإن قلت لا؟ قلت أفرأيت إن مات أحدهم أو غلب على عقله أيكون للتسعة أن يقولوا؟ قال، فإن قلت نعم؟ ، وكذا لو مات خمسة أو تسعة للواحد أن يقول؟ قال، فإن قلت لا قلت فأي شيء قلت فيه كان متناقضا قال فدع هذا قلت فقد وجدت أهل الكلام منتشرين في أكثر البلدان فوجدت كل فرقة منهم تنصب منها من تنتهي إلى قوله وتضعه الموضع الذي وصفت أيدخلون في الفقهاء الذين لا يقبل من الفقهاء حتى يجتمعوا معهم أم خارجون منهم قال، فإن قلت إنهم داخلون فيهم؟ قلت، فإن شئت فقله قال فقد قلته قلت فما تقول في المسح على الخفين؟ . قال، فإن قلت لا يمسح أحد لأني إذا اختلفوا في شيء رددته إلى الأصل والأصل الوضوء قلت، وكذلك تقول في كل شيء؟ قال نعم قلت فما تقول في الزاني الثيب أترجمه قال: نعم. قلت: كيف ترجمه ومما نص بعض الناس على أن لا رجم على زان لقول الله تعالى {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} [النور: 2] فكيف ترجمه ولم ترده إلى الأصل من أن دمه محرم حتى يجتمعوا على تحليله ومن قال هذا القول يحتج بأنه زان داخل في معنى الآية وأن يجلد مائة قال إن أعطيتك هذا دخل علي فيه شيء يجاوز القدر كثرة قلت: أجل، فقال: فلا أعطيك هذا وأجيبك فيه غير الجواب الأول قلت فقل قال لا أنظر إلى قليل من المفتين وأنظر إلى الأكثر قلت أفتصف القليل الذين لا تنظر إليهم أهم إن كانوا أقل من نصف الناس أو ثلثهم أو ربعهم قال ما أستطيع أن أحدهم ولكن الأكثر قلت أفعشرة أكثر من تسعة قال هؤلاء متقاربون قلت فحدهم بما شئت قال ما أقدر أن أحدهم قلت فكأنك أردت أن تجعل هذا القول مطلقا غير محدود فإذا أخذت بقول اختلف فيه قلت عليه الأكثر وإذا أردت رد قول قلت: هؤلاء الأقل أفترضى من غيرك بمثل هذا الجواب رأيت حين صرت إلى أن دخلت فيما عبت من التفرق أرأيت لو كان الفقهاء كلهم عشرة فزعمت أنك لا تقبل إلا من الأكثر فقال ستة فاتفقوا وخالفهم أربعة أليس قد شهدت للستة بالصواب وعلى الأربعة بالخطأ؟ قال، فإن قلت بلى؟ . قلت فقال الأربعة في قول غيره فاتفق اثنان من الستة معهم وخالفهم أربعة قال فآخذ بقول الستة قلت فتدع قول المصيبين بالاثنين وتأخذ بقول المخطئين بالاثنين وقد أمكن عليهم مرة وأنت تنكر قول ما أمكن فيه الخطأ فهذا قول متناقض وقلت له أرأيت قولك لا تقوم الحجة إلا بما أجمع عليه الفقهاء في جميع البلدان أتجد السبيل إلى إجماعهم كلهم ولا تقوم الحجة على أحد حتى تلقاهم كلهم أو تنقل عامة عن عامة عن كل واحد منهم؟ قال ما يوجد هذا قلت، فإن قبلت عنهم بنقل الخاصة فقد قبلت فيما عبت وإن لم تقبل عن كل واحد إلا بنقل العامة لم نجد في أصل قولك ما اجتمع عليه البلدان إذا لم تقبل نقل الخاصة لأنه لا سبيل إليه ابتداء لأنهم لا يجتمعون لك في موضع ولا تجد الخبر عنهم بنقل عامة عن عامة قلت فأسمعك قلدت أهل الحديث وهم عندك يخطئون فيما يدينون به من قبول الحديث فكيف تأمنهم على الخطأ فيما قلدوه الفقه ونسبوه إليه فأسمعك قلدت من لا ترضاه وأفقه الناس عندنا وعند أكثرهم أتبعهم للحديث وذلك أجهلهم لأن الجهل عندك قبول خبر الانفراد، وكذلك أكثر ما يحتاجون فيه إلى الفقهاء ويفضلونهم به مع أن الذي ينصف غير موجود في الدنيا قال فكيف لا يوجد؟ قال هو أو بعض من حضر معه فإني أقول إنما أنظر في هذا إلى من يشهد له أهل الحديث بالفقه قلت ليس من بلد إلا وفيه من أهله الذين هم بمثل صفته يدفعونه عن الفقه وتنسبه إلى الجهل أو إلى أنه لا يحل له أن يفتي ولا يحل لأحد أن يقبل قوله وعلمت تفرق أهل كل بلد بينهم ، ثم علمت تفرق كل بلد في غيرهم فعلمنا أن من أهل مكة من كان لا يكاد يخالف قول عطاء ومنهم من كان يختار عليه ، ثم أفتى بها الزنجي بن خالد فكان منهم من يقدمه في الفقه ومنهم من يميل إلى قول سعيد بن سالم وأصحاب كل واحد من هذين يضعفون الآخر ويتجاوزون القصد وعلمت أن أهل المدينة كانوا يقدمون سعيد بن المسيب ، ثم يتركون بعض قوله ، ثم حدث في زماننا منهم مالك كان كثير منهم من يقدمه وغيره يسرف عليه في تضعيف مذاهبهم وقد رأيت ابن أبي الزناد يجاوز القصد في ذم مذاهبه ورأيت المغيرة وابن أبي حازم والدراوردي يذهبون من مذاهبه ورأيت من يذمهم ورأيت بالكوفة قوما يميلون إلى قول ابن أبي ليلى يذمون مذاهب أبي يوسف وآخرين يميلون إلى قول أبي يوسف يذمون مذاهب ابن أبي ليلى وما خالف أبا يوسف وآخرين يميلون إلى قول الثوري وآخرين إلى قول الحسن بن صالح وبلغني غير ما وصفت من البلدان شبيه بما رأيت مما وصفت من تفرق أهل البلدان ورأيت المكيين يذهبون إلى تقديم عطاء في العلم على التابعين وفي بعض العراقيين من يذهبون إلى تقديم إبراهيم النخعي ، ثم لعل كل صنف من هؤلاء قدم صاحبه أن يسرف في المباينة بينه وبين من قدموا عليه من أهل البلدان. وهكذا رأيناهم فيمن نصبوا من العلماء الذين أدركنا فإذا كان أهل الأمصار يختلفون هذا الاختلاف فسمعت بعض من يفتي منهم يحلف بالله ما كان لفلان أن يفتي لنقص عقله وجهالته وما كان يحل لفلان أن يسكت يعني آخر من أهل العلم ورأيت من أهل البلدان من يقول ما كان يحل له أن يفتي بجهالته يعني الذي زعم غيره أنه لا يحل له أن يسكت لفضل علمه وعقله ثم وجدت أهل كل بلد كما وصفت فيما بينهم من أهل زمانهم فأين اجتمع لك هؤلاء على تفقه واحد أو تفقه عام؟ وكما وصفت رأيهم أو رأي أكثرهم وبلغني عمن غاب عني منهم شبيه بهذا، فإن أجمعوا لك على نفر منهم فتجعل أولئك النفر علماء إذا اجتمعوا على شيء قبلته قال وإنهم إن تفرقوا كما زعمت باختلاف مذاهبهم أو تأويل أو غفلة أو نفاسة من بعضهم على بعض فإنما أقبل منهم ما اجتمعوا عليه معا فقيل له، فإن لم يجمعوا لك على واحد منهم أنه في غاية فكيف جعلته عالما؟ قال لا ولكن يجتمعون على أنه يعلم من العلم قلت نعم ويجتمعون لك على أن من لم تدخله في جملة العلماء من أهل الكلام يعلمون من العلم فلم قدمت هؤلاء وتركتهم في أكثر هؤلاء أهل الكلام وما اسمك وطريقك إلا بطريق التفرق. إلا أنك تجمع إلى ذلك أن تدعي الإجماع وإن في دعواك الإجماع لخصالا يجب عليك في أصل مذاهبك أن تنتقل عن دعوى الإجماع في علم الخاصة قال فهل من إجماع؟ قلت نعم نحمد الله كثيرا في جملة الفرائض التي لا يسع جهلها، فذلك الإجماع هو الذي لو قلت: أجمع الناس؛ لم تجد حولك أحدا يعرف شيئا يقول لك ليس هذا بإجماع فهذه الطريق التي يصدق بها من ادعى الإجماع فيها وفي أشياء من أصول العلم دون فروعه ودون الأصول غيرها فأما ما ادعيت من الإجماع حيث قد أدركت التفرق في دهرك وتحكي عن أهل كل قرن فانظره أيجوز أن يكون هذا إجماعا؟ قال فقال قد ادعى بعض أصحابك الإجماع فيما ادعى من ذلك فما سمعت منهم أحدا ذكر قوله إلا عائبا لذلك وإن ذلك عندي لمعيب قلت من أين عبته وعابوه؟ وإنما ادعاء إجماع فرقة أحرى أن يدرك من ادعائك الإجماع على الأمة في الدنيا قال إنما عبناه أنا نجد في المدينة اختلافا في كل قرن فيما يدعي فيه الإجماع ولا يجوز الإجماع إلا على ما وصفت من أن لا يكون مخالف فلعل الإجماع عنده الأكثر وإن خالفهم الأقل فليس ينبغي أن يقول إجماعا ويقول الأكثر إذا كان لا يروي عنهم شيئا ومن لم يرو عنه شيء في شيء لم يجز أن ينسب إلى أن يكون مجمعا على قوله كما لا يجوز أن يكون منسوبا إلى خلافه فقلت له إن كان ما قلت من هذا كما قلت فالذي يلزمك فيه أكثر. لأن الإجماع في علم الخاصة إذا لم يوجد في فرقة كان أن يوجد في الدنيا أبعد قال وقلت قولك وقول من قال الإجماع خلاف الإجماع قال فأوجدني ما قلت. قلت إن كان الإجماع قبلك إجماع الصحابة أو التابعين أو القرن الذين يلونهم وأهل زمانك فأنت تثبت عليهم أمرا تسميه إجماعا قال ما هو؟ اجعل له مثالا لأعرفه قلت كأنك ذهبت إلى أن جعلت ابن المسيب عالم أهل المدينة وعطاء عالم أهل مكة والحسن عالم أهل البصرة والشعبي عالم أهل الكوفة من التابعين فجعلت الإجماع ما أجمع عليه هؤلاء قال نعم قلت زعمت أنهم لم يجتمعوا قط في مجلس علمته وإنما استدللت على إجماعهم بنقل الخبر عنهم وأنك لما وجدتهم يقولون في الأشياء ولا تجد فيها كتابا ولا سنة استدللت على أنهم قالوا بها من جهة القياس فقلت القياس العلم الثابت الذي أجمع عليه أهل العلم أنه حق قال هكذا قلت وقلت له قد يمكن أن يكونوا قالوا ما لم تجده أنت في كتاب ولا سنة وإن لم يذكروه وما يرون لم يذكروه وقالوا بالرأي دون القياس قال إن هذا وإن أمكن عليهم فلا أظن بهم أنهم علموا شيئا فتركوا ذكره ولا أنهم قالوا إلا من جهة القياس فقلت له لأنك وجدت أقاويلهم تدل على أنهم ذهبوا إلى أن القياس لازم لهم أو إنما هذا شيء ظننته لأنه الذي يجب عليهم وقلت له فلعل القياس لا يحل عندهم محله عندك قال ما أرى إلا ما وصفت لك فقلت له هذا الذي رويته عنهم من أنهم قالوا من جهة القياس توهم، ثم جعلت التوهم حجة قال فمن أين أخذت القياس أنت ومنعت أن لا يقال إلا به؟ قلت من غير الطريق التي أخذته منها وقد كتبته في غير هذا الموضع. وقلت أرأيت الذين نقلوا لك عنهم أنهم قالوا فيما تجد أنت فيه خيرا فتوهمت أنهم قالوه قياسا وقلت إذا وجدت أفعالهم مجتمعة على شيء فهو دليل على إجماعهم أنقلوا إليك عنهم أنهم قالوا من جهة الخبر المنفرد فروى أبو المسيب عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئا وأخذ به وله فيه مخالفون من الأمة وعن أبي سعيد الخدري في الصرف شيئا فأخذ به وله فيه مخالفون من الأمة وروى عطاء عن جابر بن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في المخابرة شيئا وأخذ به وله فيه مخالفون وروى الشعبي عن علقمة عن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أشياء أخذ بها وله فيها مخالفون من الناس اليوم وقبل اليوم وروى الحسن عن رجل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أشياء أخذ بها وله فيها مخالفون من الناس اليوم وقبل اليوم ورووا لك عنهم أنهم عاشوا يقولون بأقاويل يخالف كل واحد منهم فيها قضاء صاحبه وكانوا على ذلك حتى ماتوا قال نعم قد رووا هذا عنهم فقلت له فهؤلاء جعلتهم أئمة في الدين وزعمت أن ما وجد من فعلهم مجمعا عليه لزم العامة الأخذ به ورويت عنهم سننا شتى وذلك قبول كل واحد منهم الخبر على الانفراد وتوسعهم في الاختلاف ، ثم عبت ما أجمعوا عليه لا شك فيه وخالفتهم فيه فقلت لا ينبغي قبول الخبر على الانفراد ولا ينبغي الاختلاف وتوهمت عليهم أنهم قاسوا فزعمت أنه لا يحل لأحد أن يدع القياس ولا يقول إلا بما يعرف أن قولك الإجماع خلاف الإجماع بهذا وبأنك زعمت أنهم لا يسكتون على شيء علموه وقد ماتوا لم يقل أحد منهم قط الإجماع علمناه والإجماع أكثر العلم لو كان حيث ادعيته أو ما كفاك عيب الإجماع أنه لم يرو عن أحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعوى الإجماع إلا فيما لا يختلف فيه أحد إلا عن أهل زمانك هذا فقال فقد ادعاه بعضهم قلت أفحمدت ما ادعى منه قال لا قلت فكيف صرت إلى أن تدخل فيما ذممت في أكثر مما عبت ألا تستدل من طريقك أن الإجماع هو ترك ادعاء الإجماع ولا تحسن النظر لنفسك إذا قلت هذا إجماع فيوجد سواك من أهل العلم من يقول لك معاذ الله أن يكون هذا إجماعا بل فيما ادعيت أنه إجماع اختلاف من كل وجه في بلد أو أكثر من يحكي لنا عنه من أهل البلدان قال وقلت لبعض من حضر هذا الكلام منهم نصير بك إلى المسألة عما لزم لنا ولك من هذا قال وما هو؟ قلت: أفرأيت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأي شيء تثبت. قال أقول القول الأول الذي قاله لك صاحبنا. فقلت: ما هو؟ قال زعم أنها تثبت من أحد ثلاثة وجوه. قلت فاذكر الأول منها قال خبر العامة عن العامة قلت أكقولكم الأول مثل أن الظهر أربع؟ قال نعم. فقلت هذا مما لا يخالفك فيه أحد علمته فما الوجه الثاني؟ قال تواتر الأخبار؟ فقلت له حدد لي تواتر الأخبار بأقل مما يثبت الخبر واجعل له مثالا لعلم ما يقول وتقول قال نعم إذا وجدت هؤلاء النفر للأربعة الذين جعلتهم مثالا يروون واحدا فتتفق روايتهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرم شيئا أو أحل شيئا استدللت على أنهم بتباين بلدانهم وأن كلا منهم قبل العلم عن غير الذي قبله عنه صاحبه وقبله عنه من أداه إلينا ممن لم يقبل عن صاحبه أن روايتهم إذا كانت هذا تتفق عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فالغلط لا يمكن فيها قال فقلت له لا يكون تواتر الأخبار عندك عن أربعة في بلد ولا إن قبل عنهم أهل بلد حتى يكون المدني يروي عن المدني والمكي يروي عن المكي والبصري عن البصري والكوفي عن الكوفي حتى ينتهي كل واحد منهم بحديثه إلى رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - غير الذي روى عنه صاحبه ويجمعوا جميعا على الرواية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - للعلة التي وصفت قال نعم لأنهم إذا كانوا في بلد واحد أمكن فيهم التواطؤ على الخبر ولا يمكن فيهم إذا كانوا في بلدان مختلفة فقلت له لبئسما نبثت به على من جعلته إماما في دينك إذا ابتدأت وتعقبت قال فاذكر ما يدخل علي فيه فقلت له أرأيت لو لقيت رجلا من أهل بدر وهم المقدمون ومن أثنى الله تعالى عليهم في كتابه فأخبرك خبرا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم تلفه حجة ولا يكون عليك خبره حجة لما وصفت أليس من بعدهم أولى أن لا يكون خبر الواحد منهم مقبولا لنقصهم عنهم في كل فضل وأنه يمكن فيهم ما أمكن فيمن هو خير منهم وأكثر منه؟ قال بلى فقلت أفتحكم فيما تثبت من صحة الرواية فاجعل أبا سلمة بالمدينة يروي لك أنه سمع جابر بن عبد الله يروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في فضل أبي سلمة وفضل جابر واجعل الزهري يروي لك أنه سمع ابن المسيب يقول سمعت عمر أو أبا سعيد الخدري يقول سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - واجعل أبا إسحاق الشيباني يقول سمعت الشعبي أو سمعت إبراهيم التيمي يقول أحدهما سمعت البراء بن عازب أو سمعت رجلا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يسميه واجعل أيوب يروي عن الحسن البصري يقول سمعت أبا هريرة أو رجلا غيره من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - بتحليل الشيء أو تحريم له أتقوم بهذا حجة؟ قال نعم فقلت له أيمكن في الزهري عندك أن يغلط على ابن المسيب وابن المسيب على من فوقه وفي أيوب أن يغلط على الحسن والحسن على من فوقه؟ فقال، فإن قلت نعم قلت يلزمك أن تثبت خبر الواحد على ما يمكن فيه الغلط ممن لقيت وممن هو دون من فوقه ومن فوقه دون أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وترد خبر الواحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - خير ممن بعدهم فترد الخبر بأن يمكن فيه الغلط عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم خير الناس وتقبله عمن لا يعدلهم في الفضل لأن كل واحد من هؤلاء ثبت عمن فوقه ومن فوقه ثبت عمن فوقه حتى ينتهي الخبر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهذه الطريق التي عبت قال هذا هكذا إن قلته ولكن أرأيت إن لم أعطك هذا هكذا؟ قلت لا يدفع هذا إلا بالرجوع عنه أو ترك الجواب بالروغان والانقطاع والروغان أقبح قال، فإن قلت لا أقبل من واحد نثبت عليه خبرا إلا من أربعة وجوه متفرق كما لم أقبل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا عن أربعة وجوه متفرقة قال فقلت له فهذا يلزمك أفتقول به؟ قال: إذا نقول به. لا يوجد هذا أبدا قال فقلت أجل وتعلم أنت أنه لا يوجد أربعة عن الزهري ولا ثلاثة الزهري رابعهم عن الرجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال أجل ولكن دع هذا قال وقلت له من قال أقبل من أربعة دون ثلاثة؟ أرأيت إن قال لك رجل لا أقبل إلا من خمسة أو قال آخر من سبعين ما حجتك عليه ومن وقت لك الأربعة؟ قال إنما مثلتهم قلت أفتجد من يقبل منه؟ قال لا قلت أوتعرفه فلا تظهره لما ![]()
__________________
|
#9
|
||||
|
||||
![]() ![]() كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي المجلد السابع الحلقة (331) صــــــــــ 372 الى صـــــــــــ 379 نسائه والغزو بالنساء أولا لو كان فيه مكروه بأن يخاف على المسلمات أن يؤتى بهن بلاد الحرب فيسبين أولى أن يمنع من رجل أصار جارية في ملكه في بلاد الحرب يغلبون عليها فيسترق ولد إن كان في بطنها وليس هذا كما قال أبو يوسف وهو كما قال الأوزاعي قد أصاب المسلمون نساءهم المسلمات ومن كان من سبائهم وما نساؤهم إلا كهم فإذا غزوا أهل قوة بجيش فلا بأس أن يغزوا بالنساء وإن كانت الغارة التي إنما يغير فيها القليل على الكثير فيغنمون من بلادهم إنما ينالون غرة وينحبون ركضا كرهت الغزو بالنساء في هذا الحال وأما ما ذكر أبو يوسف من النفل فإن الخمس في كل ما أوجف عليه المسلمون من صغيره وكبيره بحكم الله إلا السلب للقاتل في الإقبال الذي جعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمن قتل. وأما ما ذكر من أمر بدر فإنما كانت الأنفال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال الله عز وجل {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول} [الأنفال: 1] فردها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين ثم نزل عليه منصرفه من بدر {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول} [الأنفال: 41] فجعل الله له ولمن سمي معه الخمس وجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمن أوجف الأربعة الأخماس بالحضور للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهم. [بيع السبي في دار الحرب] قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - أكره أن يبيعها حتى يخرجها إلى دار الإسلام قال الأوزاعي لم يزل المسلمون يتبايعون السبايا في أرض الحرب ولم يختلف في ذلك اثنان حتى قتل الوليد قال أبو يوسف ليس يؤخذ في الحكم في الحلال والحرام بمثل هذا أن يقول لم يزل الناس على هذا فأكثر ما لم يزل الناس عليه مما لا يحل ولا ينبغي مما لو فسرته لك لعرفته وأبصرته عليه العامة مما قد نهى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما يؤخذ في هذا بالسنة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعن السلف من أصحابه ومن قوم فقهاء، وإذا كان وطؤها مكروها فكذلك بيعها لأنه لم يحرزها بعد. (قال الشافعي) : «قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أموال خيبر بخيبر وجميع مالها دار شرك وهم غطفان ودفعها إلى يهود، وهم له صلح معاملة بالنصف لأنهم يمنعونها بعده - صلى الله عليه وسلم - وأنفسهم به وقسم سبي بني المصطلق وما حوله دار كفر ووطئ المسلمون» ولسنا نعلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قفل من غزاة حتى يقسم السبي فإذا قسم السبي فلا بأس بابتياعه وإصابته والابتياع أخف من القسم ولا يحرم في بلاد الحرب بيع رقيق ولا طعام ولا شيء غيره. [الرجل يغنم وحده] قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - إذا خرج الرجل والرجلان من المدينة أو من المصر فأغارا في أرض الحرب فما أصابا بها فهو لهما ولا يخمس قال الأوزاعي إذا خرجا بغير إذن الإمام فإن شاء عاقبهما وحرمهما وإن شاء خمس ما أصابا ثم قسمه بينهما وقد كان هرب نفر من أهل المدينة كانوا أسارى في أرض الحرب بطائفة من أموالهم فنفلهم عمر بن عبد العزيز ما خرجوا به بعد الخمس وقال أبو يوسف قول الأوزاعي يناقض بعضه بعضا ذكر في أول هذا الكتاب أن من قتل قتيلا فله سلبه وأن السنة جاءت بذلك وهو مع الجند والجيش إنما قوي على قتله بهم، وهذا الواحد الذي ليس معه جند ولا جيش إنما هو لص أغار يخمس ما أصاب فالأول أحرى أن يخمس وكيف يخمس فيئا مع هذا ولم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب وقد قال الله عز وجل في كتابه {وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب} [الحشر: 6] وقال {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول} [الحشر: 7] فجعل الفيء في هذه الآية لهؤلاء دون المسلمين وكذلك هذا الذي ذهب وحده حتى أصاب فهو له ليس معه فيه شريك ولا خمس وقد خالف قوله عمر بن عبد العزيز هؤلاء أسرى أرأيت قوما من المسلمين خرجوا بغير أمر الإمام فأغاروا في دار الحرب ثم انفلتوا من أيديهم وخرجوا بغنيمة فهل يسلم ذلك لهم؟ أرأيت إن خرج قوم من المسلمين يحتطبون أو يتصيدون أو لعلف أو لحاجة فأسرهم أهل الحرب ثم انفلتوا من أيديهم بغنيمة هل تسلم لهم؟ وإن ظفروا بتلك الغنيمة قبل أن يأسرهم أهل الحرب هل تسلم لهم؟ فإن قال به فقد نقض قوله وإن قال لا فقد خالف عمر بن عبد العزيز. (قال الشافعي) - رحمه الله تعالى - «بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمرو بن أمية الضمري ورجلا من الأنصار سرية وحدهما» وبعث عبد الله بن أنيس سرية وحده فإذا سن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الواحد يتسرى وحده وأكثر منه من العدد ليصيب من العدو غرة بالحيلة أو يعطب فيعطب في سبيل الله، وحكم الله بأن ما أوجف عليه المسلمون فيه الخمس وسن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أربعة أخماسه للموجفين فسواء قليل الموجفين وكثيرهم لهم أربعة أخماس ما أوجفوا عليه والسلب لمن قتل منهم والخمس بعده حيث وضعه الله ولكنا نكره أن يخرج القليل إلى الكثير بغير إذن الإمام وسبيل ما أوجفوا عليه بغير إذن الإمام كسبيل ما أوجفوا عليه بإذن الإمام، ولو زعمنا أن من خرج بغير إذن الإمام كان في معنى السارق زعمنا أن جيوشا لو خرجت بغير إذن الإمام كانت سراقا وأن أهل حصن من المسلمين لو جاءهم العدو فحاربوهم بغير إذن الإمام كانوا سراقا وليس هؤلاء بسراق بل هؤلاء المطيعون لله المجاهدون في سبيل الله المؤدون ما افترض عليهم من النفير والجهاد، والمتناولون نافلة الخير والفضل فأما ما احتج به من قول الله عز وجل {فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب} [الحشر: 6] وحكم الله في أن ما لا يوجفون عليه بخيل ولا ركاب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن سمي معه فإنما أولئك قوم قاتلوا بالمدينة بني النضير فقاتلوهم بين بيوتهم لا يوجفون بخيل ولا ركاب ولم يكلفوا مؤنة ولم يفتتحوا عنوة وإنما صالحوا وكان الخمس لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن ذكر معهم والأربعة الأخماس التي تكون لجماعة المسلمين لو أوجفوا الخيل والركاب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خالصا يضمها حيث يضع ماله ثم أجمع أئمة المسلمين على أن ما كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ذلك فهو لجماعة المسلمين لأن أحدا لا يقوم بعده مقامه - صلى الله عليه وسلم - ولو كانت حجة أبي يوسف في اللذين دخلا سارقين أنهما لم يوجفا بخيل ولا ركاب كان ينبغي أن يقول يخمس ما أصابا وتكون الأربعة الأخماس لهما لأنهما موجفان فإن زعم أنهما غير موجفين انبغى أن يقول هذا لجماعة المسلمين أو الذين زعم أنهم ذكروا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سورة الحشر فما قال بما تأول ولا بكتاب في الخمس فإن الله عز وجل أثبته في كل غنيمة تصير من مشرك أوجف عليها أو لم يوجف. [في الرجلين يخرجان من العسكر فيصيبان جارية فيتبايعانها] قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - إذا خرج رجلان متطوعان من عسكر فأصابا جارية والعسكر في دار الحرب فاشترى أحدهما حصة الآخر منه أنه لا يجوز ولا يطؤها المشتري وقال الأوزاعي ليس لأحد أن يحرم ما أحل الله فإن وطأه إياها مما أحل الله له كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبعده «وإن المسلمين غدوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصفية إلى جانبه فقالوا يا رسول الله هل في بنت حيي من بيع؟ فقال إنها قد أصبحت كنتكم فاستدار المسلمون حتى ولوا ظهورهم» وقال أبو يوسف إن خيبر كانت دار إسلام فظهر عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجرى عليها حكمه وعاملهم على الأموال فليس بشبيه خيبر ما يذكر الأوزاعي وما يعني به وقد نقض قوله في هذين الرجلين قوله الأول حيث زعم في الأول أنهم يعاقبون ويؤخذ ما معهم ثم زعم ههنا أنه جائز في الرجلين. (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وقد وصفنا أمر خيبر وغيرها في الوطء في المسائل قبل هذا وليس هذا كما قالا وهو أن اللذين أصابا الجارية ليست لهما الخمس فيها لمن جعله الله له في سورة الأنفال وسورة الحشر ولهما أربعة أخماسها فيقاسمهما الإمام بالقيمة والبيع كما يفعل الشركاء ثم يكون وطؤها لمن اشتراها بعد استبرائها في بلاد الحرب كان أو غيرها. [إقامة الحدود في دار الحرب] قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - إذا غزا الجند أرض الحرب وعليهم أمير فإنه لا يقيم الحدود في عسكره إلا أن يكون إمام مصر والشام والعراق أو ما أشبهه فيقيم الحدود في عسكره وقال الأوزاعي من أمر على جيش وإن لم يكن أمير مصر من الأمصار أقام الحدود في عسكره غير القطع حتى يقفل من الدرب فإذا قفل قطع وقال أبو يوسف ولم يقم الحدود غير القطع وما للقطع من بين الحدود إذا خرج من الدرب فقد انقطعت ولايته عنهم لأنه ليس بأمير مصر ولا مدينة إنما كان أمير الجند في غزوهم فلما خرجوا إلى دار الإسلام انقطعت العصمة عنهم. أخبرنا بعض أشياخنا عن مكحول عن زيد بن ثابت أنه قال لا تقام الحدود في دار الحرب مخافة أن يلحق أهلها بالعدو والحدود في هذا كله سواء. حدثنا بعض أشياخنا عن ثور بن يزيد عن حكيم بن عمير أن عمر كتب إلى عمير بن سعد الأنصاري وإلى عماله أن لا يقيموا حدا على أحد من المسلمين في أرض الحرب حتى يخرجوا إلى أرض المصالحة وكيف يقيم أمير سرية حدا وليس هو بقاض ولا أمير يجوز حكمه أورأيت القواد الذين على الخيول أو أمراء الأجناد يقيمون الحدود في دار الإسلام فكذلك هم إذا دخلوا دار الحرب. (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : يقيم أمير الجيش الحدود حيث كان من الأرض إذا ولي ذلك فإن لم يول فعلى الشهود الذين يشهدون على الحد أن يأتوا بالمشهود عليه إلى الإمام وإلى ذلك ببلاد الحرب أو ببلاد الإسلام ولا فرق بين دار الحرب ودار الإسلام فيما أوجب الله على خلقه من الحدود لأن الله عز وجل يقول {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} [المائدة: 38] {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} [النور: 2] وسن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الزاني الثيب الرجم وحد الله القاذف ثمانين جلدة لم يستثن من كان في بلاد الإسلام ولا في بلاد الكفر ولم يضع عن أهله شيئا من فرائضه ولم يبح لهم شيئا مما حرم عليهم ببلاد الكفر ما هو إلا ما قلنا فهو موافق للتنزيل والسنة وهو مما يعقله المسلمون ويجتمعون عليه أن الحلال في دار الإسلام حلال في بلاد الكفر والحرام في بلاد الإسلام حرام في بلاد الكفر فمن أصاب حراما فقد حده الله على ما شاء منه ولا تضع عنه بلاد الكفر شيئا أو أن يقول قائل إن الحدود بالأمصار وإلى عمال الأمصار فمن أصاب حدا ببادية من بلاد الإسلام فالحد ساقط عنه وهذا مما لم أعلم مسلما يقوله ومن أصاب حدا في المصر ولا والي للمصر يوم يصيب الحد كان للوالي الذي يلي بعدما أصاب أن يقيم الحد فكذلك عامل الجيش إن ولي الحد أقامه وإن لم يول الحد فأول من يليه يقيمه عليه وكذلك هو في الحكم والقطع ببلاد الحرب وغير القطع سواء فأما قوله يلحق بالمشركين فإن لحق بهم فهو أشقى له ومن ترك الحد خوف أن يلحق المحدود ببلاد المشركين تركه في سواحل المسلمين ومسالحهم التي اتصلت ببلاد الحرب مثل طرسوس والحرب وما أشبههما وما روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - منكر غير ثابت وهو يعيب أن يحتج بحديث غير ثابت ويقول حدثنا شيخ ومن هذا الشيخ؟ يقول مكحول عن زيد بن ثابت. [ما عجز الجيش عن حمله من الغنائم] قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - وإذا أصاب المسلمون غنائم من متاع أو غنم فعجزوا عن حمله ذبحوا الغنم وحرقوا المتاع وحرقوا لحوم الغنم كراهية أن ينتفع بذلك أهل الشرك وقال الأوزاعي نهى أبو بكر أن تعقر بهيمة إلا لمأكلة وأخذ بذلك أئمة المسلمين وجماعتهم حتى إن كان علماؤهم ليكرهون للرجل ذبح الشاة والبقرة ليأكل طائفة منها ويدع سائرها. وبلغنا أنه من قتل نحلا ذهب ربع أجره ومن عقر جوادا ذهب ربع أجره وقال أبو يوسف قول الله في كتابه أحق أن يتبع قال الله {ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين} [الحشر: 5] واللينة فيما بلغنا النخلة وكل ما قطع من شجرهم وحرق من نخلهم ومتاعهم فهو من العون عليهم والقوة وقال الله عز وجل {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} [الأنفال: 60] وإنما كره المسلمون أن يحرقوا النخل والشجر لأن الصائفة كانت تغزو كل عام فيتقوون بذلك على عدوهم ولو حرقوا ذلك خافوا أن لا تحملهم البلاد والذي في تخريب ذلك من خزي العدو ونكايتهم أنفع للمسلمين وأبلغ ما يتقوى به الجند في القتال حدثنا بعض مشايخنا «عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه حين حاصر الطائف أمر بكرم لبني الأسود ابن مسعود أن يقطع حتى طلب بنو الأسود إلى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يطلبوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يأخذها لنفسه ولا يقلعها فكف عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -» . (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أما كل ما لا روح فيه للعدو فلا بأس أن يحرقه المسلمون ويخربوه بكل وجه لأنه لا يكون معذبا إنما المعذب ما يألم بالعذاب من ذوات الأرواح قد قطع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أموال بني النضير وحرقها وقطع من أعناب الطائف وهي آخر غزاة غزاها النبي - صلى الله عليه وسلم - لقي فيها حربا وأما ذوات الأرواح فإن زعم أنها قياس على ما لا روح فيه فليقل للمسلمين أن يحرقوها كما لهم أن يحرقوا النخل والبيوت فإن زعم أن المسلمين ذبحوا ما يذبح منها فإنه إنما أحل ذبحها للمنفعة أن تكون مأكولة. (قال الشافعي) : وقد أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن صهيب مولى عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «من قتل عصفورا بغير حقها حوسب بها قيل وما حقها؟ قال أن يذبحها فيأكلها ولا يقطع رأسها فيرمي به» . (قال الشافعي) : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المصبورة عن أكلها فقد أحل إماتة ذوات الأرواح لمعنيين أحدهما أن يقتل ما كان فيه ضرر لضرره وما كان فيه المنفعة للأكل منه وحرم أن تعذب التي لا تضر لغير منفعة الأكل فإذا ذبحنا غنم المشركين في غير الموضع الذي نصل فيه إلى أكل لحومها فيه فهو قتل لغير منفعة وهم يتقوون بلحومها وجلودها فلم نشك في أن يتقوى بها المشركون حين ذبحناها وإنما أراد أن يذبحها قطعا لقوتهم فإن قال ففي ذبحها قطع للمنفعة لهم فيها في الحياة قيل قد تنقطع المنفعة عنهم بأبنائهم لو ذبحناهم وشيوخهم والرهبان لو ذبحناهم فليس كل ما قطع المنفعة وبلغ غيظهم حل لنا فما حل لنا منه فعلناه وما حرم علينا تركناه وما شككنا فيه أنه يحل أو يحرم تركناه وإذا كان يحل لنا لو أطعمناهم من طعامنا فليس يحرم علينا لو تركنا أشياء لهم إذا لم نقدر على حملها كما ليس بمحرم علينا أن نترك مساكنهم أو نخيلهم لا نحرقها فإذا كان مباحا أن نترك هذا لهم وكنا ممنوعين أن نقتل ذا الروح المأكول إلا للمنفعة بالأكل كان الأولى بنا أن نتركه إذا كان ذبحه لغير منفعة. [قطع أشجار العدو] قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى: لا بأس بقطع شجر المشركين ونخيلهم وتحريق ذلك لأن الله عز وجل يقول {ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله} [الحشر: 5] وقال الأوزاعي أبو بكر يتأول هذه الآية وقد نهى عن ذلك وعمل به أئمة المسلمين وقال أبو يوسف أخبرنا الثقة من أصحابنا عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنهم كانوا وهم محاصرو بني قريظة إذا غلبوا على دار من دورهم أحرقوها فكان بنو قريظة يخرجون فينقضونها ويأخذون حجارتها ليرموا بها المسلمين وقطع المسلمون نخلا من نخلهم فأنزل الله عز وجل {يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين} [الحشر: 2] وأنزل الله عز وجل {ما قطعتم من لينة أو تركتموها} [الحشر: 5] قال وأخبرنا محمد بن إسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط قال لما بعث أبو بكر خالد بن الوليد إلى طليحة وبني تميم قال أي واد أو دار غشيتها فأمسك عنها إن سمعت أذانا حتى تسألهم ما يريدون وما ينقمون وأي دار غشيتها فلم تسمع منها أذانا فشن عليهم الغارة واقتل وحرق ولا نرى أن أبا بكر نهى عن ذلك بالشام إلا لعلمه بأن المسلمين سيظهرون عليها ويبقى ذلك لهم فنهى عنه لذلك فيما نرى لا أن تخريب ذلك وتحريقه لا يحل ولكن من مثل هذا توجيه. حدثنا بعض أشياخنا عن عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم أنه قيل لمعاذ بن جبل إن الروم يأخذون ما حسر من خيلنا فيستلقحونها ويقاتلون عليها أفنعقر ما حسر من خيلنا؟ قال ليسوا بأهل أن ينقصوا منكم إنما هم غدا رقكم وأهل ذمتكم. قال أبو يوسف - رحمه الله تعالى - إنما الكراهية عندنا لأنهم كانوا لا يشكون في الظفر عليهم وأن الأمر في أيديهم لما رأوا من الفتح فأما إذا اشتدت شوكتهم وامتنعوا فإنا نأمر بحسير الخيل أن يذبح ثم يحرق لحمه بالنار حتى لا ينتفعون به ولا يتقوون منه بشيء وأكره أن نعذبه أو نعقره لأن ذلك مثلة. (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : يقطع النخل ويحرق وكل ما لا روح فيه كالمسألة قبلها ولعل أمر أبي بكر بأن يكفوا عن أن يقطعوا شجرا مثمرا إنما هو لأنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخبر أن بلاد الشام تفتح على المسلمين فلما كان مباحا له أن يقطع ويترك اختار الترك نظرا للمسلمين وقد «قطع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بني النضير فلما أسرع في النخل قيل له قد وعدكها الله فلو استبقيتها لنفسك فكف القطع» استبقاء لا أن القطع محرم فإن قال قائل: قد ترك في بني النضير قيل ثم قطع بالطائف وهي بعد هذا كله وآخر غزاة لقي فيها قتالا. [باب ما جاء في صلاة الحرس] قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى: إذا كان الحرس يحرسون دار الإسلام أن يدخلها العدو فكان في الحرس من يكتفي به فالصلاة أحب إلي قال الأوزاعي بلغنا أن حارس الحرس يصبح وقد أوجب في ما لم يمض في هذا المصلى مثل هذا الفضل قال أبو يوسف - رحمه الله تعالى - إذا احتاج المسلمون إلى حرس فالحرس أفضل من الصلاة فإذا كان في الحرس من يكفيه ويستغنى به فالصلاة لأنه قد يحرس أيضا وهو في الصلاة حتى لا يغفل عن كثير مما يجب عليه من ذلك فيجمع أجرهما أفضل. أخبرنا محمد بن إسحاق والكلبي «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نزل واديا فقال من يحرسنا في هذا الوادي الليلة؟ فقال رجلان نحن فأتيا رأس الوادي وهما مهاجري وأنصاري فقال أحدهما لصاحبه أي الليل أحب إليك؟ فاختار أحدهما أوله والآخر آخره فنام أحدهما وقام الحارس يصلي» . (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : إن كان المصلي وجاه الناحية التي لا يأتي العدو إلا منها وكانت الصلاة لا تشغل طرفه ولا سمعه عن رؤية الشخص وسماع الحس فالصلاة أولى لأنه مصل حارس وزائد أن يمتنع بالصلاة من النعاس وإن كانت الصلاة تشغل سمعه وبصره حتى يخاف تضييعه فالحراسة أحب إلا أن يكون الحرس جماعة فيصلي بعضهم دون بعض فالصلاة أعجب إلى إذا بقي من الحرس من يكفي وإذا كان العدو في غير جهة القبلة فكذلك إذا كانوا جماعة أن يصلي بعضهم أحب إلي لأن ثم من يكفيه وإن كان وحده والعدو في غير جهة القبلة فالحراسة أحب إلي من الصلاة تمنعه من الحراسة. [خراج الأرض] وسئل أبو حنيفة - رحمه الله تعالى: أيكره أن يؤدي الرجل الجزية على خراج الأرض؟ فقال لا إنما الصغار خراج الأعناق وقال الأوزاعي بلغنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «من يدل طائعا فليس منا» وقال عبد الله بن عمر وهو المرتد على عقبيه وأجمعت العامة من أهل العلم على الكراهية لها وقال أبو يوسف - رحمه الله تعالى - القول ما قال أبو حنيفة لأنه كان لعبد الله بن مسعود ولخباب بن الأرت وللحسين بن علي ولشريح أرض خراج. حدثنا مجالد عن عامر الشعبي عن عتبة بن فرقد السلمي أنه قال لعمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - إني اشتريت أرضا من أرض السواد فقال عمر أكل أصحابها أرضيت؟ قال لا قال فأنت فيها مثل صاحبها حدثنا ابن أبي ليلى عن الحكم بن عتبة أن دهاقين السواد من عظمائهم أسلموا في زمان عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - وعلي بن أبي طالب ففرض عمر على الذين أسلموا في زمانه ألفين ألفين وقال أبو يوسف - رحمه الله تعالى: ولم يبلغنا عن أحد منهم أنه أخرج هؤلاء من أرضهم وكيف الحكم في أرض هؤلاء؟ أيكون الحكم لهم أم لغيرهم؟ . (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أما الصغار الذي لا شك فيه فجزية الرقبة التي يحقن بها الدم وهذه لا تكون على مسلم وأما خراج الأرض فلا يبين أنه صغار من قبل أن لا يحقن به الدم، الدم محقون بالإسلام وهو يشبه أن يكون ككراء الأرض بالذهب والورق وقد اتخذ أرض الخراج قوم من أهل الورع والدين وكرهه قوم احتياطا. [شراء أرض الجزية] وسئل أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - عن الرجل المسلم يشتري أرضا من أرض الجزية فقال هو جائز وقال الأوزاعي - رحمه الله تعالى - لم تزل أئمة المسلمين ينهون عن ذلك ويكتبون فيه ويكرهه علماؤهم وقال أبو يوسف - رحمه الله تعالى: القول ما قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى -. (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وقد أجبتك في هذا. [المستأمن في دار الإسلام] وسئل أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - عن قوم من أهل الحرب خرجوا مستأمنين للتجارة فزنى بعضهم في دار الإسلام أو سرق هل يحد؟ قال لا حد عليه ويضمن السرقة لأنه لم يصالح ولم تكن له ذمة قال الأوزاعي - رحمه الله تعالى - تقام عليه الحدود وقال أبو يوسف - رحمه الله تعالى: القول ما قال أبو حنيفة ليس تقام عليه الحدود لأنهم ليسوا بأهل ذمة لأن الحكم لا يجري عليهم أرأيت إن كان رسولا لملكهم فزنى أترجمه؟ أرأيت إن زنى رجل بامرأة منهم مستأمنة أترجمها؟ أرأيت إن لم أرجمهما حتى عادا إلى دار الحرب ثم خرجا بأمان ثانية أمضي عليهما ذلك الحد أرأيت إن سبيا أيمضي عليهما حد الحر أم حد العبد وهما رقيق لرجل من المسلمين؟ أرأيت إن لم يخرجا ثانية فأسلم أهل تلك الدار وأسلماهما أو صارا ذمة أيؤخذان؟ وإن أخذوا بذلك في دار الحرب ثم خرجوا إلينا أنقيم عليهم الحد. (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : إذا خرج أهل دار الحرب إلى بلاد الإسلام بأمان فأصابوا حدودا فالحدود عليهم وجهان فما كان منها لله لا حق فيه للآدميين فيكون لهم عفوه وإكذاب شهود شهدوا لهم به فهو معطل لأنه لا حق فيه لمسلم إنما هو لله ولكن يقال لهم لم تؤمنوا. على هذا فإن كففتم وإلا رددنا عليكم الأمان وألحقناكم بمأمنكم فإن فعلوا ألحقوهم بمأمنهم ونقضوا الأمان بينهم وبينهم وكان ينبغي للإمام إذا أمنهم أن لا يؤمنهم حتى يعلمهم أنهم إن أصابوا حدا أقامه عليهم وما كان من حد للآدميين أقيم عليهم ألا ترى أنهم لو قتلوا قتلناهم؟ فإذا كنا مجتمعين على أن نقيد منهم حد القتل لأنه للآدميين كان علينا أن نأخذ منهم كل ما كان دونه من حقوق الآدميين مثل القصاص في الشجة وأرشها ومثل الحد في القذف. والقول في السرقة قولان أحدهما أن يقطعوا ويغرموا من قبل أن الله عز وجل منع مال المسلم بالقطع وأن المسلمين غرموا من استهلك مالا غير السرقة وهذا مال مستهلك فغرمناه قياسا عليه والقول الثاني أن يغرم المال ولا يقطع لأن المال للآدميين والقطع لله فإن قال قائل فما فرق بين حدود الله وحقوق الآدميين؟ قيل أرأيت الله عز وجل ذكر المحارب وذكر حده ثم قال {إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم} [المائدة: 34] ولم يختلف أكثر المسلمين في أن رجلا لو أصاب لرجل دما أو مالا ثم تاب أقيم عليه ذلك فقد فرقنا بين حدود الله عز وجل وحقوق الآدميين بهذا وبغيره. [بيع الدرهم بالدرهمين في أرض الحرب] قال أبو حنيفة - رضي الله تعالى عنه - لو أن مسلما دخل أرض الحرب بأمان فباعهم الدرهم بالدرهمين لم يكن بذلك بأس لأن أحكام المسلمين لا تجري عليهم فبأي وجه أخذ أموالهم برضا منهم فهو جائز قال الأوزاعي الربا عليه حرام في أرض الحرب وغيرها لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد وضع من ربا أهل الجاهلية ما أدركه الإسلام من ذلك وكان أول ربا وضعه ربا العباس بن عبد المطلب فكيف يستحل المسلم أكل الربا في قوم قد حرم الله تعالى عليه دماءهم وأموالهم؟ وقد كان المسلم يبايع الكافر في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا يستحل ذلك وقال أبو يوسف القول ما قال الأوزاعي لا يحل هذا ولا يجوز وقد بلغتنا الآثار التي ذكر الأوزاعي في الربا وإنما أحل أبو حنيفة هذا لأن بعض المشيخة حدثنا عن مكحول عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «لا ربا بين أهل الحرب» وقال أبو يوسف وأهل الإسلام في قولهم أنهم لم يتقابضوا ذلك حتى يخرجوا إلى دار الإسلام أبطله ولكنه كان يقول إذا تقابضوا في دار الحرب قبل أن يخرجوا إلى دار الإسلام فهو مستقيم. (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : القول كما قال الأوزاعي وأبو يوسف والحجة كما احتج الأوزاعي وما احتج به أبو يوسف لأبي حنيفة ليس بثابت فلا حجة فيه. [في أم ولد الحربي تسلم وتخرج إلى دار الإسلام] قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - في أم ولد أسلمت في دار الحرب ثم خرجت إلى دار الإسلام ليس بها حمل أنها تزوج إن شاءت ولا عدة عليها وقال الأوزاعي أي امرأة هاجرت إلى الله بدينها فحالها كحال المهاجرات لا تزوج حتى تنقضي عدتها (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : مثلها تستبرأ بحيضة لا ثلاث حيض. [المرأة تسلم في أرض الحرب] قال أبو حنيفة - رضي الله تعالى عنه - في امرأة أسلمت من أهل الحرب وخرجت إلى دار الإسلام وليست بحبلى أنه لا عدة عليها ولو أن زوجها طلقها لم يقع عليها طلاقه قال الأوزاعي بلغنا أن المهاجرات قدمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأزواجهن بمكة مشركون فمن أسلم منهم فأدرك امرأته في عدتها ردها عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال أبو يوسف - رحمه الله تعالى - على أم الولد العدة وعلى المرأة الحرة العدة كل واحدة منهن ثلاث حيض لا يتزوجن حتى تنقضي عددهن ولا سبيل لأزواجهن ولا للموالي عليهن آخر الأبد أخبرنا الحجاج بن أرطاة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو «عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه رد زينب إلى زوجها بنكاح جديد» وإنما قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - ولا عدة عليهن «لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السبايا يوطأن إذا استبرئن بحيضة» فقال السباء والإسلام سواء قال أبو يوسف - رحمه الله تعالى -. حدثنا الحجاج عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس - رضي الله عنهما - «أن عبدين خرجا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الطائف فأعتقهما» . وحدثنا بعض أشياخنا «أن أهل الطائف خاصموا في عبيد خرجوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعتقهم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولئك عتقاء الله» . (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : إذا خرجت امرأة الرجل من دار الحرب مسلمة وزوجها كافر مقيم بدار الحرب لم تزوج حتى تنقضي ![]()
__________________
|
#10
|
||||
|
||||
![]() ![]() كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي المجلد السابع الحلقة (332) صــــــــــ 380 الى صـــــــــــ 385 عدتها كعدة الطلاق فإن قدم زوجها مهاجرا مسلما قبل انقضاء عدتها فهما على النكاح الأول وكذلك لو خرج زوجها قبلها ثم خرجت قبل أن تنقضي عدتها مسلمة كانا على النكاح الأول ولو أسلم أحد الزوجين وهما في دار الحرب فكذلك لا فرق بين دار الحرب ودار الإسلام في هذا، ألا ترى أنهما لو كانا في دار الحرب وقد أسلم أحدهما لم يحل واحد منهما لصاحبه حتى يسلم الآخر إلا أن تكون المرأة كتابية والزوج المسلم فيكونا على النكاح لأنه يصلح للمسلم أن يبتدئ بالنكاح كتابية، فإن قال قائل ما دل على أن الدار في هذا وغير الدار سواء؟ قيل «أسلم أبو سفيان بن حرب بمر وهي دار خزاعة وهي دار إسلام وامرأته هند بنت عتبة كافرة مقيمة بمكة وهي دار كفر ثم أسلمت هند في العدة فأقرهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على النكاح» وأسلم أهل مكة وصارت مكة دار إسلام «وأسلمت امرأة صفوان بن أمية وامرأة عكرمة بن أبي جهل وهما مقيمان في دار الإسلام وهرب زوجاهما إلى ناحية البحرين باليمن يجوز وهي دار كفر ثم رجعا فأسلما وأزواجهما في العدة فأقرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على النكاح الأول» ولا أن يكون يروي حديثا يخالف بعضه وإذا خرجت أم ولد الحربي مسلمة لم تنكح حتى ينقضي استبراؤها وهي حيضة لا ثلاث حيض وأم الولد مخالفة للزوجة أم الولد مملوكة فإذا خرجت إلى دار الإسلام من دار الكفر فقد عتقت «أعتق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمسة عشر عبدا من عبيد الطائف خرجوا مسلمين وسأل ساداتهم بعدما أسلموا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال أولئك عتقاء الله» ولم يردهم ولم يعوضهم منهم. غير أن من أصحابنا من زعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «من خرج إلينا من عبد فهو حر» فقال إذا قال ذلك الإمام أعتقهم وإذا لم يقل أجعلهم على الرق ومنهم من قال يعتقون قاله الإمام أو لم يقله وبهذا القول نقول إذا خرجت أم الولد فهي حرة ولو سبقت سيدها الحرة لأنها تخرج من رق حال المسبية استؤميت واسترقاقها بعد الحرية أكثر من انفساخ ما بينها وبين زوجها وتستبرأ بحيضة ولا سبيل لزوجها الأول عليها. وكذلك أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سبي هوازن ولم يسأل عن ذات زوج ولا غيرها أو لا ترى أن الأمة تخرج مملوكة فتصير حرة فكيف يجوز أن يجمع بين اثنين مختلفين هذه تسترق بعد الحرية وتلك تعتق بعد الرق. [الحربية تسلم فتزوج وهي حامل] قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - إذا كانت المرأة المسلمة التي جاءت من دار الحرب حاملا فتزوجت فنكاحها فاسد وقال الأوزاعي ذلك في السبايا فأما المسلمات فقد مضت السنة أن أزواجهن أحق بهن إذا أسلموا في العدة وقال أبو يوسف - رحمه الله تعالى - إن تزوجهن فاسد وإنما قاس أبو حنيفة هذا على السبايا على قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «لا توطأ الحبالى من الفيء حتى يضعن» قال فكذلك المسلمات. (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : إذا سبيت المرأة حاملا لم توطأ بالملك حتى تضع وإن خرجت مسلمة فنكحت قبل أن تضع فالنكاح مفسوخ وإذا خرج زوجها قبل أن تضع فهو أحق بها ما كانت العدة وهذه معتدة وهذه مثل المسألة الأولى. [في الحربي يسلم وعنده خمس نسوة] قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - في رجل من أهل دار الحرب تزوج خمس نسوة في عقدة ثم أسلم هو وهن جميعا وخرجوا إلى دار الإسلام: إنه يفرق بينه وبينهن وقال الأوزاعي بلغنا أنه قال أيتهن شاء وقال أبو يوسف - رحمه الله - ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو كما قال وقد بلغنا من هذا ما قال الأوزاعي وهو عندنا شاذ والشاذ من الحديث لا يؤخذ به لأن الله تبارك وتعالى لم يحل إلا نكاح الأربع فما كان من فوق ذلك كله فحرام من الله في كتابه فالخامسة ونكاح الأم والأخت سواء في ذلك كله حرام فلو أن حربيا تزوج أما وابنتها أكنت أدعهما على النكاح أو تزوج أختين في عقدة النكاح ثم أسلموا أكنت أدعهما على النكاح وقد دخل بالأم والبنت أو بالأختين فكذلك الخمس في عقدة ولو كن في عقد متفرقات جاز نكاح الأربع وفارق الآخرة أخبرنا الحسن بن عمارة عن الحكم بن عتيبة عن إبراهيم أنه قال في ذلك نثبت الأربع الأول ونفرق بينه وبين الخامسة. (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا الثقة أحسبه ابن علية فإن لا يكن ابن علية فالثقة عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه «أن غيلان بن سلمة أسلم وتحته عشر نسوة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمسك أربعا وفارق سائرهن» أخبرنا الثقة عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن عبد المجيد بن عوف عن «نوفل بن معاوية الديلمي قال أسلمت وعندي خمس نسوة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اختر منهن أربعا وفارق واحدة فعمدت إلى عجوز أقدمهن عاقر عندي منذ خمسين أو ستين سنة فطلقتها» . (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : فقال لي قائل كلمنا على حديث الزهري وأعفنا من حديث نوفل بن معاوية الديلي قلت ما ذاك فأفعل؟ قال فقد يحتمل أن يكون قال له أمسك الأوائل وفارق الأواخر قلت وتجده في الحديث أو تجد عليه دلالة منه؟ قال لا ولكن يحتمله قلت ويحتمل أن يكون قال له أمسك أربعا إن كن شبابا وفارق العجائز أو أمسك العجائز وفارق الشباب قال قل كل كلام إلا وهو يحتمل ولكن الحديث على ظاهره قلنا فظاهر الحديث بخلاف ما قلتم ولو لم يكن فيه حديث كنت قد أخطأت أصل قولك قال وأين؟ قلت في النكاح شيئان عقدة وتمام فإن زعمت أنك تنظر في العقدة وتنظر في التمام فتقول أنظر كل نكاح مضى في الشرك فإن كان في الإسلام أجزته فأجيزه وإن كان له كان في الإسلام لم أجزه فأرده تركت أصل قولك قال فأنا أقوله ولا أدع أصل قولي قلت أفرأيت غيلان أليس بوثني ونساؤه وثنيات وشهوده وثنيون؟ قال أجل قلت فلو كان في الإسلام فتزوج بشهود وثنيين أو ولي وثني أيجوز نكاحه؟ قال لا قلت فأحسن حاله في النكاح حال لو ابتدأ فيها النكاح في الإسلام رددته مع أنا نروى أنهم قد ينكحون بغير شهود وفي العدة وما جاز في أهل الشرك إلا واحد من قولين أما ما قلت إن خالف السنة فنفسخه كله ونكلفه بأن يبتدئ النكاح في الإسلام وإما أن لا تنظر إلى العقدة وتجعله معفوا لهم كما عفي لهم ما هو أعظم منه من الشرك والدماء والتباعات وتنظر إلى ما أدركه الإسلام من الأزواج فإن كن عددا أكثر من أربع أمرته بفراق الأكثر لأنه لا يحل الجمع بين أكثر من أربع وإن كن أختين أمرته بفراق إحداهما لأنه لا يحل الجمع بينهما وإن كن ذوات محارم فرقت بينه وبينهن فتكون قد عفوت العقدة ونظرت إلى ما أدركه الإسلام منهن فإن كان يصلح أن يبتدئ نكاحه في الإسلام أقررته معه وإن كان لا يصلح رددته كما حكم الله ورسوله فيما أدرك من المحرم قال الله عز وجل {اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين} [البقرة: 278] الآية إلى قوله {وهم لا يظلمون} [البقرة: 281] ووضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحكم الله كل ربا أدركه الإسلام ولم يقبض ولم يأمر أحدا قبض ربا في الجاهلية أن يرده وهكذا حكم في الأزواج عفا العقدة ونظر فيما أدركه مملوكا بالعقدة فما أحل فيه من العدد أقره وما حرم من العدد نهى عنه. [في المسلم يدخل دار الحرب بأمان فيشتري دارا أو غيرها] سئل أبو حنيفة - رضي الله تعالى عنه - عن رجل مسلم دخل دار الحرب بأمان فاشترى دارا أو أرضا أو رقيقا ثيابا فظهر عليه المسلمون قال أما الدور والأرضون فهي فيء للمسلمين وأما الرقيق والمتاع فهو للرجل الذي اشتراه وقال الأوزاعي «فتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة عنوة فخلى بين المهاجرين وأرضهم ودورهم بمكة ولم يجعلها فيئا» قال أبو يوسف - رحمه الله تعالى - «إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عفا عن مكة وأهلها وقال من أغلق عليه بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن» ونهى عن القتل إلا نفرا قد سماهم إلا أن يقاتل أحدا فيقتل وقال لهم حين اجتمعوا في المسجد «ما ترون أني صانع بكم؟ قالوا خيرا أخ كريم وابن أخ كريم قال اذهبوا فأنتم الطلقاء» ولم يجعل شيئا قليلا ولا كثيرا من متاعهم فيئا وقد أخبرتك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس في هذا كغيره فهذا من ذلك وتفهم فيما أتاك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن لذلك وجوها ومعاني فأما الرجل الذي دخل دار الحرب فالقول فيه كما قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - المتاع والثياب والرقيق للذي اشترى والدور والأرضون فيء لأن الدور والأرضين لا تحول ولا يحوزها المسلم والمتاع والثياب تحرز وتحول. (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : القول ما قال الأوزاعي ولكنه لم يصنع في الحجة بمكة ولا أبو يوسف شيئا لم يدخلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنوة وإنما دخلها سلما وقد سبق لهم أمان والذين قاتلوا وأذن في قتلهم هم أبعاض قتلة خزاعة وليس لهم بمكة دور ولا مال إنما هم قوم هربوا إليها فأي شيء يغنم ممن لا مال له؟ وأما غيرهم ممن خالد بن الوليد بدأهم بالقتال فلم يعقد لهم الأمان وادعى خالد أنهم بدءوه ثم أسلموا قبل أن يظهروا لهم حمى شيء ومن لم يسلم صار إلى قبول الأمان بإلقاء السلاح ودخول داره وقد تقدم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «من أغلق داره فهو آمن ومن ألقى السلاح فهو آمن» فمال من يغنم مال من له أمان ولا غنيمة على مال هذا وما يقتدي فيما صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا بما صنع أرأيت حين قلنا نحن وهو في رجال أهل الحرب المأمور به إن الإمام مخير بين أن يقتلهم أو يفادي بهم أو يمن عليهم أو يسترقهم أليس إنما قلنا ذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سار فيهم بهذه السيرة كلها أفرأيت إن عارضنا أحد بمثل ما عارض به أبو يوسف فقال ليس لإمام بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هذا شيء ولرسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هذا ما ليس للناس أو قال في كل ما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إعطاء السلب وقسم الأربعة الأخماس ليس هذا للإمام هل الحجة عليه إلا أن يقال إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المعلم بين الحق والباطل فما فعل فهو الحق وعلينا أن نفعله فكذلك هي على أبي يوسف ولو دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة عنوة فترك لهم أموالهم قلنا فيما ظهر عليه عنوة لنا أن نترك له ماله كما لنا في الأسارى أن نحكم فيهم أحكاما مختلفة كما حكم فيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن قال قائل قد خص الله رسوله بأشياء قيل كلها مبينة في كتاب الله عز وجل أو سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو فيهما معا ولو جاز إذ كان مخصوصا بشيء فيبينه الله ثم رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يقال في شيء لم يبينه الله عز وجل ثم رسوله - صلى الله عليه وسلم - إنه خاص برسول الله - صلى الله عليه وسلم - دون الناس لعل هذا من الخاص برسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاز ذلك في كل حكمه فخرجت أحكامه من أيدينا ولكن لم يجعل الله هذا لأحد حتى يبين الله ثم رسوله - صلى الله عليه وسلم - أنه خاص وقد أسلم ابنا سعية القرظيان من بني قريظة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - حائم عليهم قد حصرهم فترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهما دورهما وأموالهما من النخل والأرض وغيرها والذي قال أبو حنيفة من هذا خلاف السنة والقياس وكيف يجوز أن يغنم مال المسلم وقد منعه الله بدينه؟ وكيف ولو جاز أن يغنم ماله بكينونته في بلاد الحرب جاز أن يغنم كل ما عليه من ثيابه وفي يديه من ماله ورقيقه أرأيت لو قال رجل لا تغنم دوره ولا أرضوه من قبل أنه لا يقدر على تحويلهما بحال فتركه إياها ليس برضا بأن يقرها بين المشركين إلا بالضرورة ويغنم كل مال استطاع أن يحوله من ذهب أو ورق أو عرض من العروض لأن تركه ذلك في بلاد العدو الذين هو بين أظهرهم رضا منه بأن يكون مباحا ما الحجة عليه؟ هل هي إلا أن الله عز وجل منع بالإسلام دماءهم وأموالهم إلا بحقها فحيث كانوا فحرمة الإسلام لهم ثابتة في تحريم دمائهم وأموالهم ولو جاز هذا عندنا جاز أن يسترق المسلم بين ظهراني المشركين فيكون حكمه حكم من حوله ولكن الله عز وجل فرق بالإسلام بين أهله وغيرهم. [اكتساب المرتد المال في ردته] (قال الشافعي) - رحمه الله تعالى - سئل أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - عن المرتد عن الإسلام إذا اكتسب مالا في ردته ثم قتل على الردة فقال ما اكتسب في بيت المال لأن دمه حلال فحل ماله وقال أبو يوسف - رحمه الله تعالى - مال المرتد الذي كان في دار الإسلام والذي اكتسب في الردة ميراث بين ورثته المسلمين وبلغنا عن علي بن أبي طالب وابن مسعود وزيد بن ثابت - رضي الله تعالى عنهم - أنهم قالوا ميراث المرتد لورثته المسلمين وقال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - إنما هذا فيما كان له قبل الردة وقال أبو يوسف هما سواء ما اكتسب المرتد في الردة وقبل ذلك لا يكون فيئا. (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : كل ما اكتسب المرتد في ردته أو كان له قبل الردة سواء وهو فيء لأن الله تبارك وتعالى منع الدماء بالإسلام ومنع الأموال بالذي منع به الدماء فإذا خرج الرجل من الإسلام إلى أن يباح دمه بالكفر كما كان يكون مباحا قبل أن يسلم يباح معه ماله وكان أهون من دمه لأنه كان ممنوعا تبعا لدمه فلما هتكت حرمة الدم كانت حرمة المال أهتك وأيسر من الدم وليس قتلنا إياه على الردة كقتلنا إياه على الزنا ولا القتل ولا المحاربة تلك حدود لسنا نخرجه بها من أحكام الإسلام وهو فيها وارث موروث كما كان قبل أن يحدثها وليس هكذا المرتد: المرتد يعود دمه مباحا بالقول بالشرك وقال أبو حنيفة يكون ميراث المرتد لورثته من المسلمين فقيل لبعض من يذهب مذهبه ما الحجة لكم في هذا؟ فقالوا روينا عن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - أنه قتل رجلا وورث ميراثه ورثته من المسلمين قلنا أما الحفاظ منكم فلا يروون إلا قتله ولا يروون في ميراثه شيئا ولو كان ثابتا عن علي - رضي الله تعالى عنه - لم يكن فيه حجة عندنا وعندكم لأنا وإياكم نروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلافه. (قال الشافعي) : أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن علي بن الحسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم» . (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أفيعدو المرتد أن يكون كافرا أو مسلما؟ قال بل كافر قلنا فحكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا يرث مسلم كافرا ولا يرث كافر مسلما قال فإن قلت لا يذهب مثل هذا عن علي بن أبي طالب وأقول بهذا الحديث وأقول إنما عنى به بعض الكافرين دون بعض قلنا فيعارضك غيرك بما هو أقوى عليك في الحجة من هذا فيقول إن عليا قد أخبر بحديث الأشجعيين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث بروع بنت واشق فاتهمه ورده وقال بخلافه وقال معه ابن عباس وابن عمر وزيد بن ثابت فزعمت أن لا حجة في أحد مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو كما قلت لو ثبت وزعمت أن عمارا حدث عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر الجنب أن يتيمم» فرده عليه عمر وأقام على أن لا يتيمم الجنب هو وابن مسعود وتأول ابن مسعود فيه القرآن فزعمت أن قول من قال كان أولى من قول من رده وهو كما قلت فكيف لم تقل بمثل هذا في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - «لا يرث المسلم الكافر» وأنت لا تروي عن علي أنه سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أخبر به عنه، وقد روي عن معاذ بن جبل أنه ورث مسلما من ذمي فقال نرثهم ولا يرثونا كما تحل لنا نساؤهم ولا يحل لهم نساؤنا، أفرأيت إن قال قائل بهذا وقال لا يذهب على معاذ شيء حفظه أسامة ولعل النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أراد بهذا مشركي أهل الأوثان دون أهل الكتاب ألا يكون هذا أولى أن يكون له شبهة منك؟ أو رأيت إذ زعمت أن حكم المرتد مخالف في الميراث حكم المشرك غيره لم لم تورثه هو من ورثته من المسلمين كما تورثهم منه فتكون قد قلت قولا واحدا أخرجته فيه من جملة المشركين بما ثبت له من حرمة الإسلام؟ فما قلت فيه بما رويت عن علي - رضي الله تعالى عنه - لأنه لم يقل لا يرث المسلم وإذا ورث عقلنا أنه يورثه ولا بما روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا بالقياس لأن المسلمين الذين أدركنا نحن وأنت لا يختلفون في أن الكافر لا يرث المسلم والمسلم لا يرث الكافر غير ما ادعيت في المرتد وكذلك قالوا في المملوكين وإنما ورثوا في هذين الوجهين من يورثون منه ولم يتحكموا فيورثون من رجل ولا يورثونه. [ذبيحة المرتد] قال أبو حنيفة - رضي الله تعالى عنه - لا تؤكل ذبيحة المرتد وإن كان يهوديا أو نصرانيا لأنه ليس بمنزلته لا يترك المرتد حتى يقتل أو يسلم وقال الأوزاعي معنى قول الفقهاء أن من تولى قوما فهو منهم وكان المسلمون إذا دخلوا أرض الحرب أكلوا ما وجدوا في بيوتهم من اللحم وغيره ودماؤهم حلال وقال أبو يوسف طعام أهل الكتاب وأهل الذمة سواء لا بأس بذبائحهم وطعامهم كله فأما المرتد فليس يشبه أهل الكتاب في هذا وإن والاهم ألا ترى أني أقبل من أهل الكتاب جميعا ومن أهل الشرك الجزية ولا أقبل من المرتد الجزية والسنة في المرتد مخالفة للسنة في المشركين والحكم فيه مخالف للحكم فيهم ألا ترى أن امرأة لو ارتدت عن الإسلام إلى النصرانية فتزوجها مسلم لم يجز ذلك وكذلك لو تزوجها نصراني لم يجز ذلك أيضا ولو تزوج مسلم نصرانية جاز ذلك. أخبرنا الحسن بن عمارة عن الحكم بن عتيبة عن ابن عباس عن علي - رضي الله تعالى عنه - أنه سئل عن ذبائح أهل الكتاب ومناكحتهم فكره نكاح نسائهم وقال لا بأس بأكل ذبائحهم وقال أبو يوسف فالمرتد أشد من ذلك. (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : ولا تؤكل ذبيحة المرتد. [العبد يسرق من الغنيمة] سئل أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - عن العبد يسرق من الغنيمة وسيده في ذلك الجيش أيقطع؟ قال: لا وقال الأوزاعي يقطع لأن العبد ليس له من الغنيمة شيء ولأن سيده لو أعتق شيئا من ذلك السبي وله فيهم نصيب كان عتقه باطلا وقد بلغنا عن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - أنه قطع رقيقا سرقوا من دار الإمارة وقال أبو يوسف لا يقطع في ذلك حدثنا بعض أشياخنا عن ميمون بن مهران «عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن عبدا من الجيش سرق من الخمس فلم يقطعه وقال مال الله بعضه في بعض» . حدثنا بعض أشياخنا عن سماك بن حرب عن النابغة عن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - أن رجلا سرق مغفرا من المغنم فلم يقطعه وقال أبو يوسف وعلى هذا جماعة فقهائنا لا يختلفون فيه. أما قوله لا حق له في المغنم، فقد حدثنا بعض أشياخنا عن الزهري «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رضخ للعبيد في المغنم ولم يضرب لهم بسهم» . حدثنا بعض أشياخنا عن عمير مولى آبي اللحم «عن العبد الذي أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر يسأله قال فقال لي تقلد هذا السيف فتقلدته فأعطاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من خرثي المتاع» . (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : القول ما قال أبو حنيفة ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للأحرار بالسهمان ورضخ للعبيد فإذا سرق أحد حضر المغنم شيئا لم أر عليه قطعا لأن الشركة بالقليل والكثير سواء. [الرجل يسرق من الغنيمة لأبيه فيها سهم] سئل أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - عن الرجل يسرق من الغنيمة وقد كان أبوه في ذلك الجند أو أخوه أو ذو رحم محرم أو امرأة سرقت من ذلك وزوجها في الجند فقال لا يقطع واحد من هؤلاء وقال الأوزاعي يقطعون ولا يبطل الحد عنهم وقال أبو يوسف لا يقطعون وهؤلاء والعبيد في ذلك سواء أرأيت رجلا يسرق من أبيه أو أخيه أو امرأته والمرأة من زوجها هل يقطع واحد من هؤلاء؟ ليس يقطع واحد من هؤلاء وقد جاء الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «أنت ومالك لأبيك» فكيف يقطع هذا. (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : إن كان السارق من هؤلاء شهد المغنم لم يقطع لأنه شريك ولا يقطع الرجل ولا أبوه فيما سرق من مال ابنه أو أبيه لأنه شريك فيه فأما المرأة يحضر زوجها الغنيمة أو الأخ وغيره فكل هؤلاء سراق لأن كل واحد من هؤلاء لو سرق من صاحبه شيئا لم يأتمنه عليه قطعته. [الصبي يسبى ثم يموت] سئل أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - عن الصبي يسبى وأبوه كافر وقعا في سهم رجل ثم مات أبوه وهو كافر ثم مات الغلام قبل أن يتكلم بالإسلام فقال لا يصلى عليه وهو على دين أبيه لأنه لم يقر بالإسلام وقال الأوزاعي مولاه أولى من أبيه يصلى عليه وقال لو لم يكن معه أبوه وخرج أبوه مستأمنا لكان لمولاه أن يبيعه من أبيه وقال أبو يوسف إذا لم يسب معه أبوه كان مسلما ليس لمولاه أن يبيعه من أبيه إذا دخل بأمان وهو ينقض قول الأوزاعي أنه لا بأس أن يباع السبي ويرد إلى دار الحرب في مسألة قبل هذا
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |