|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#311
|
||||
|
||||
![]() ![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد الخامس الحلقة (311) صـ 95 إلى صـ 104 البدع عند السلف والأئمة، وجمهور العلماء يعلمون أن أصولهم بدعة في الشريعة. لكن كثيرا من الناس يظن أنها صحيحة في العقل، وأما الحذاق من الأئمة ومن اتبعهم فيعلمون أنها باطلة في العقل، مبتدعة في الشرع، وأنها تناقض ما جاء به الرسول. وحينئذ فإن كان الخطأ في المسائل العقلية التي يقال إنها أصول الدين، كفرا [1] ، فهؤلاء السالكون هذه الطرق الباطلة في العقل المبتدعة في الشرع هم الكفار لا من خالفهم، وإن لم يكن الخطأ فيها كفرا، فلا يكفر من خالفهم فيها فثبت أنه ليس كافرا في حكم الله ورسوله على التقديرين. ولكن من شأن أهل البدع أنهم يبتدعون أقوالا يجعلونها واجبة في الدين، بل يجعلونها من الإيمان الذي لا بد منه ويكفرون من خالفهم فيها، ويستحلون دمه كفعل الخوارج والجهمية والرافضة والمعتزلة وغيرهم. وأهل السنة لا يبتدعون قولا ولا يكفرون من اجتهد فأخطأ، وإن كان مخالفا لهم مكفرا لهم مستحلا لدمائهم، كما لم تكفر الصحابة الخوارج، مع تكفيرهم لعثمان وعلي ومن والاهما، واستحلالهم لدماء المسلمين المخالفين لهم. وكلام هؤلاء المتكلمين في هذه المسائل بالتصويب والتخطئة، والتأثيم ونفيه [2] ، والتكفير ونفيه، لكونهم بنوا على القولين المتقدمين: قول القدرية الذين يجعلون كل مستدل قادرا على معرفة الحق، فيعذب كل من (1) ن: أصول الذين كفروا، وهو تحريف. (2) ونفيه: ساقطة من (ن) ، (م) . لم يعرفه، وقول الجهمية الجبرية الذين يقولون: لا قدرة للعبد على شيء أصلا، بل الله يعذب بمحض المشيئة، فيعذب من لم يفعل ذنبا قط، وينعم من كفر وفسق، وقد وافقهم على ذلك كثير من المتأخرين، وهؤلاء يقولون: يجوز أن يعذب الأطفال والمجانين وإن لم يفعلوا ذنبا قط، ثم منهم من يجزم بعذاب أطفال الكفار في الآخرة، ومنهم من يجوزه ويقول: لا أدري ما يقع، وهؤلاء يجوزون أن يغفر لأفسق أهل القبلة بلا سبب أصلا، ويعذب الرجل الصالح على السيئة الصغيرة، وإن كانت له حسنات أمثال الجبال بلا سبب أصلا، بل بمحض المشيئة. وأصل الطائفتين أن القادر المختار يرجح أحد المتماثلين على الآخر بلا مرجح. لكن هؤلاء الجهمية يقولون: إنه في كل حادث يرجح بلا مرجح، وأولئك القدرية والمعتزلة والكرامية، وطوائف غيرهم من الفقهاء والصوفية وأهل الحديث وغيرهم يقولون: أصل الإحداث والإبداع كان ترجيحا بلا مرجح، وأما بعد ذلك فقد خلق أسبابا وحكما علق الحوادث بها. واختلفت القدرية والجهمية الجبرية في الظلم. فقالت القدرية: الظلم في حقه هو ما نعرفه من ظلم الناس بعضهم بعضا. فإذا قيل: إنه خالق أفعال العباد وإنه مريد لكل ما وقع، وقيل مع ذلك: إنه يعذب العاصي، كان هذا ظلما كظلمنا، وسموا أنفسهم العدلية. وقالت الجهمية: الظلم في حقه هو ما يمتنع وجوده، فأما كل ما يمكن وجوده فليس بظلم ; فإن الظلم إما مخالفة أمر من تجب طاعته، وإما التصرف في ملك الغير بغير إذنه؛ فالإنسان يوصف بالظلم لأنه مخالف لأمر ربه، ولأنه قد [1] يتصرف في ملك غيره بغير إذنه. والرب تعالى ليس فوقه آمر، ولا لغيره ملك، بل إنما يتصرف في ملكه، فكل ما يمكن فليس بظلم؛ بل إذا نعم فرعون وأبا جهل وأمثالهما ممن كفر به وعصاه، وعذب موسى ومحمدا ممن آمن به وأطاعه فهو مثل العكس، الجميع بالنسبة إليه سواء. ولكن لما أخبر أنه ينعم المطيعين وأنه يعذب العصاة صار ذلك معلوم الوقوع لخبره الصادق، لا لسبب اقتضى ذلك. والأعمال علامات على الثواب والعقاب، ليست أسبابا. فهذا قول جهم وأصحابه، ومن وافقه كالأشعري ومن وافقه من أتباع الفقهاء الأربعة والصوفية وغيرهم. ولهذا جوز هؤلاء أن يعذب العاجز عن معرفة الحق ولو اجتهد، فليس عندهم في نفس الأمر أسباب للحوادث ولا حكم، ولا في الأفعال صفات لأجلها كانت مأمورا بها ومنهيا عنها، بل عندهم يمتنع أن يكون في خلقه وأمره (لام كي) . وأما القدرية فيثبتون له شريعة فيما يجب عليه ويحرم عليه بالقياس على عباده. وقد تكلمنا على قول الفريقين في مواضع، وذكرنا فصلا في ذلك في هذا الكتاب فيما تقدم، لما تكلمنا على ما نسبه هذا الرافضي إلى جميع [2] أهل السنة من قول هؤلاء الجهمية الجبرية، وبينا أن هذه المسألة لا تتعلق بمسألة الإمامة والتفضيل، بل من الشيعة من يقول بالجبر والقدر، وفي أهل السنة من يقول بهذا وبهذا. (1) قد: ساقطة من (أ) ، (ب) . (2) جميع: ساقطة من (ن) ، (م) . والمقصود هنا أن نبين أن الكلام في تصويب المتنازعين: مصيبين أو مخطئين، مثابين أو معاقبين، مؤمنين أو كفارا - هو فرع عن هذا الأصل العام الشامل لهذه المسائل وغيرها. وبهذا يظهر القول الثالث في هذا الأصل، وهو أنه ليس كل من اجتهد واستدل يتمكن من معرفة الحق، ولا يستحق الوعيد إلا من ترك مأمورا به [1] أو فعل محظورا. وهذا هو قول [2] الفقهاء والأئمة، وهو القول المعروف عن سلف الأمة، وقول جمهور المسلمين. وهذا القول يجمع الصواب من القولين، فالصواب من القول الأول قول الجهمية الذين وافقوا فيه السلف والجمهور وهو أنه ليس كل من طلب واجتهد واستدل على الشيء يتمكن من معرفة الحق فيه، بل استطاعة الناس في ذلك متفاوتة. والقدرية يقولون [3] : إن الله تعالى سوى بين المكلفين في القدرة، ولم يخص المؤمنين بما فضلهم به على الكفار حتى آمنوا، ولا خص المطيعين بما فضلهم به على العصاة حتى أطاعوا. وهذا من أقوال [4] القدرية والمعتزلة وغيرهم التي خالفوا بها الكتاب والسنة وإجماع السلف، والعقل الصريح، كما بسط في موضعه. ولهذا قالوا: إن كل مستدل فمعه قدرة تامة يتوصل بها إلى معرفة الحق. (1) به: زيادة في (ن) ، (م) . (2) ن، م: وهذا من قول. (3) يقولون: كذا في (أ) ، (ب) ، وفي سائر النسخ: يجعلون. (4) ن، م: من قول ومعلوم أن الناس إذا اشتبهت عليهم القبلة في السفر [1] فكلهم مأمورون بالاجتهاد والاستدلال على جهة القبلة، ثم بعضهم يتمكن من معرفة جهتها، وبعضهم يعجز عن ذلك فيغلط، فيظن في بعض الجهات أنها جهتها، ولا يكون مصيبا في ذلك. لكن هو مطيع لله ولا إثم عليه في صلاته إليها، لأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها، فعجزه عن العلم بها كعجزه عن التوجه إليها [كالمقيد والخائف والمحبوس والمريض الذي لا يمكنه التوجه إليها] [2] . ولهذا كان الصواب في الأصل الثاني: قول من يقول: إن الله لا يعذب في الآخرة إلا من عصاه بترك المأمور أو فعل المحظور. والمعتزلة في هذا وافقوا الجماعة، بخلاف الجهمية ومن اتبعهم من الأشعرية وغيرهم ; فإنهم قالوا: بل يعذب من لا ذنب له، أو نحو ذلك. ثم هؤلاء يحتجون على المعتزلة في نفس الإيجاب والتحريم العقلي بقوله تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} [سورة الإسراء: 15] وهو حجة عليهم أيضا في نفي العذاب مطلقا إلا بعد إرسال الرسل، وهم يجوزون التعذيب قبل إرسال الرسل، فأولئك يقولون: يعذب من لم يبعث إليه رسولا لأنه فعل القبائح العقلية، وهؤلاء يقولون: بل يعذب من لم يفعل قبيحا قط كالأطفال. وهذا مخالف للكتاب والسنة والعقل أيضا. قال تعالى: (1) في السفر: ساقطة من (ن) ، (م) . (2) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) . {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} [سورة الإسراء 15] وقال تعالى عن النار: {كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير} قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير [سورة الملك 8 - 9] . فقد أخبر سبحانه وتعالى بصيغة العموم أنه كلما ألقي فيها فوج سألهم الخزنة: هل جاءهم [1] نذير فيعترفون بأنهم قد جاءهم نذير فلم يبق فوج يدخل النار إلا وقد جاءهم نذير، فمن لم يأته نذير لم يدخل النار. وقال تعالى لإبليس: {لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين} [سورة ص: 85] فقد أقسم سبحانه أنه يملؤها من إبليس وأتباعه، وإنما أتباعه من أطاعه، فمن لم يعمل ذنبا لم يطعه، فلا يكون ممن تملأ [2] به النار، وإذا ملئت بأتباعه لم يكن لغيرهم فيها موضع. وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة وأنس بن مالك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "«لا يزال يلقى في النار وتقول: هل من مزيد؟ حتى يضع رب العزة فيها قدمه وفي رواية فيضع قدمه عليها فتقول: قط قط، وينزوي بعضها إلى بعض" [3] أي تقول: حسبي (1) ن، م: جاءكم. (2) ن، ر، ح، و، ي: تمتلئ. (3) الحديث مع اختلاف في الألفاظ عن أبي هريرة وأنس بن مالك رضي الله عنهما في البخاري 6/138 كتاب التفسير (سورة ق، قوله تعالى: وتقول هل من مزيد) وعن أنس فيه 8/134 - 135 كتاب الأيمان والنذور، باب الحلف بعزة الله وصفاته وكماله، وعنه أيضا 9/116 كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: وهو العزيز الحكيم، وعن أبي هريرة فيه 9/134 كتاب التوحيد، باب ما جاء في قوله تعالى: (إن رحمة الله قريب من المحسنين) وجاء الحديث أيضا في مسلم عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري وأنس بن مالك رضي الله عنهم 4/2186 - 2188 كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب النار يدخلها الجبارون، وفي المسند عن أبي هريرة ط. المعارف 17/13 - 14 ط. الحلبي 2/507 حسبي. وأما الجنة فيبقى فيها فضل، فينشئ الله لها خلقا فيسكنهم فضول الجنة.» [1] . هكذا روي في الصحاح من غير وجه، ووقع في بعض طرق البخاري غلط قال فيه: "«وأما النار فيبقى فيها فضل»" [2] والبخاري رواه في سائر المواضع على الصواب ليبين غلط هذا الراوي، كما جرت عادته بمثل ذلك إذا وقع من بعض الرواة غلط في لفظ، ذكر ألفاظ سائر الرواة التي يعلم بها الصواب، وما علمت وقع فيه غلط إلا (1) هذا جزء من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ولفظه: (وأما الجنة فإن الله عز وجل ينشئ لها خلقا) في البخاري 6/138 - 139 الموضع السابق ; مسلم 4/2186 - 2187 الموضع السابق. وفي مسلم 6/2188 عن أنس رضي الله عنه: (يبقى من الجنة ما شاء الله أن يبقى، ثم ينشئ الله تعالى لها خلقا مما يشاء) وعن أنس رضي الله عنه رواية أخرى جاء فيها: (ولا تزال الجنة تفضل حتى ينشئ الله لها خلقا فيسكنهم فضل الجنة) وهي في البخاري 9/117 الموضع السابق وفي مسلم 4/2188 (الموضع السابق) . (2) لم أجد هذه الألفاظ في البخاري مع طول البحث ولكني وجدت حديثا فيه 9/134 كتاب التوحيد، باب ما جاء في قول الله تعالى: (إن رحمة الله قريب من المحسنين) . عن أبي هريرة رضي الله عنه وفيه: (وقال للنار: أنت عذابي أصيب بك من أشاء ولكل واحدة منكما ملؤها: قال: فأما الجنة فإن الله لا يظلم من خلقه أحدا وإنه ينشئ للنار من يشاء فيلقون فيها فتقول: هل من مزيد؟ ثلاثا، حتى يضع فيها قدمه فتمتلئ ويرد بعضها إلى بعض وتقول: قط قط قط) وذكر ابن حجر في شرحه للحديث فتح الباري 13/436 - 437: وقال أبو الحسن القابسي: المعروف في هذا الموضع أن الله ينشئ للجنة خلقا، وأما النار فيضع فيها قدمه، قال: ولا أعلم في شيء من الأحاديث أنه ينشئ للنار خلقا إلا هذا. انتهى، وقد قال جماعة من الأئمة: إن هذا الوضع مقلوب، وجزم ابن القيم بأنه غلط، واحتج بأن الله تعالى أخبر بأن جهنم تمتلئ من إبليس وأتباعه، وكذا أنكر الرواية شيخنا البلقيني واحتج بقوله: (ولا يظلم ربك أحدا) ثم قال: وحمله على أحجار تلقى في النار أقرب من حمله على ذي روح يعذب بغير ذنب. انتهى. وقال الشيخ عبد العزيز بن باز في تعليقه على الحديث 11/434: جزم ابن القيم بأن هذا غلط من الراوي، صوابه: (ينشئ للجنة) كما تقدم برقم 4850 حديث أبي هريرة في تفسير سورة ق: قوله تعالى: (وتقول هل من مزيد) وكما في رقم 7384 حديث أنس في كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: (وهو العزيز الحكيم) من طريق قتادة عن أنس، فتبين منهما أن الراوي هنا سبق لفظه من الجنة إلى النار، ويسمونه في مصطلح الحديث المنقلب. ووجدت كلام ابن القيم المشار إليه في كتابه حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح ص 385 ط. المدني 1398 وقد بين فيه [1] الصواب، بخلاف مسلم فإنه وقع في صحيحه عدة أحاديث غلط، أنكرها جماعة من الحفاظ على مسلم. والبخاري قد أنكر عليه بعض الناس تخريج أحاديث، لكن الصواب فيها مع البخاري، والذي أنكر على الشيخين أحاديث قليلة جدا، وأما سائر متونهما فمما اتفق علماء المحدثين على صحتها وتصديقها وتلقيها بالقبول لا يستريبون في ذلك. وقد قال تعالى: {يامعشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين - ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون} [سورة الأنعام 130 - 131] (1) ر، ح: فيها. فقد خاطب الجن والإنس، واعترف المخاطبون بأنهم جاءتهم رسل يقصون عليهم آياته وينذرونهم لقاء يوم القيامة. ثم قال: {ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون} أي هذا بهذا السبب؛ فعلم أنه لا يعذب من كان غافلا ما لم يأته نذير، فكيف الطفل الذي لا عقل له؟ . ودل أيضا على أن ذلك ظلم تنزه سبحانه عنه، وإلا فلو كان الظلم هو الممتنع لم يتصور أن يهلكهم بظلم، بل كيفما أهلكهم فإنه ليس بظلم عند الجهمية الجبرية. وقد قال تعالى: {وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون} [سورة القصص: 59] . وقال تعالى: {وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون} [سورة هود: 117] . وقال تعالى: {ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما} [سورة طه 112] قال المفسرون: الظلم أن يحمل عليه سيئات غيره، والهضم أن ينقص من حسناته، فجعل سبحانه عقوبته بذنب غيره ظلما ونزه نفسه عنه. ومثل هذا كثير كقوله: {لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} [سورة البقرة 286] وقوله: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} [سورة الأنعام: 164] ، وكذلك قوله: {لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد - ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد} [سورة ق 28 - 29] فبين سبحانه أنه قدم بالوعيد وأنه ليس بظلام للعبيد [1] ، كما قال في الآية الأخرى: {ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد - وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب} [سورة هود: 100 - 101] فهو سبحانه نزه نفسه عن ظلمهم وبين أنهم هم الذين ظلموا أنفسهم بشركهم فمن لم يكن ظالما لنفسه تكون عقوبته ظلما تنزه الله عنه. وقال في الآية الأخرى: {إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون - لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون - وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين} [سورة الزخرف 74 - 76] . وهذا الظلم الذي نزه نفسه عنه: إن كان هو الممتنع الذي لا يمكن فعله فأي فائدة في هذا؟ وهل أحد يخاف أن يفعل به ذلك؟ وأي تنزيه في هذا؟ وإذا قيل: هو لا يفعل إلا ما يقدر عليه. قيل: هذا معلوم لكل أحد، وكل أحد لا يفعل إلا ما يقدر عليه. فأي مدح في هذا مما يتميز به الرب سبحانه عن العالمين؟ [2] . (* فعلم أن من الأمور الممكنة ما هو ظلم تنزه الله سبحانه عنه مع قدرته عليه، وبذلك يحمد ويثنى عليه ; فإن الحمد والثناء يقع بالأمور الاختيارية من فعل وترك، كعامة ما في القرآن من الحمد، والشكر أخص (1) للعبيد كذا في (ن) ، (م) ، (ي) : وفي سائر النسخ: لهم. (2) ح، ر: عن العالمين الظالمين و، أ: عن الظالمين.
__________________
|
#312
|
||||
|
||||
![]() ![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد الخامس الحلقة (312) صـ 105 إلى صـ 114 من ذلك، يكون على النعم، والمدح أعم من ذلك؛ وكذلك التسبيح فإنه تنزيه وتعظيم، فإذا سبح بحمده جمع له [1] بين هذا وهذا كما قد بسطنا الكلام على حقيقة التسبيح والتحميد ومعنى التسبيح بحمده في غير هذا الموضع *) [2] . وقد قال سبحانه وتعالى: {وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون} [سورة الأنبياء: 26] فالاتخاذ فعل من الأفعال وقد نزه سبحانه نفسه عنه. فعلم أن من الأفعال ما نزه سبحانه نفسه عنه. والجبرية [3] عندهم لا ينزه عن فعل من الأفعال. وفي حديث البطاقة الذي رواه الترمذي وصححه وغيره [4] ، ورواه الحاكم في صحيحه. قال فيه: "«فينشر له تسعة وتسعون سجلا، كل سجل منها مد البصر. ثم يقال: لا ظلم عليك، إن لك عندنا بطاقة؛ فتوضع البطاقة في كفة والسجلات في كفة، فثقلت البطاقة وطاشت السجلات»" [5] فقوله: ( «لا ظلم عليك» ) دليل على أنه إن لم يجاز بتلك (1) له: ساقطة من (أ) ، (ب) ، (م) ، (ر) ، (ح) ، (ي) . (2) ما بين النجمتين جاء في (ر) ، (ح) ، (ي) في غير موضعه الصحيح. (3) ر، ح: والجبريين. (4) وغيره: زيادة في (و) . (5) الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، في: سنن الترمذي 4/133 - 134 كتاب الإيمان باب فيمن يموت وهو يشهد ألا إله إلا الله، من روايتين: رقم 2776، 2777 وقال الترمذي بعد الأولى: هذا حديث حسن غريب. والحديث في سنن ابن ماجه 2/1437 كتاب الزهد، باب ما يرجى من رحمة الله يوم القيامة، المسند ط. المعارف 11/197 - 200، 12/23 - 24 مختصرا، المستدرك للحاكم 1/529 وقال الحاكم: (هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه) ووافقه الذهبي، وأول الحديث في سنن الترمذي: (إن الله سيخلص رجلا من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلا. . الحديث.) الحسنات وتوزن حسناته مع سيئاته، كان ذلك ظلما يقدس [1] الله عنه ; فإنه القائم بالقسط. وقد قال تعالى: {ويقولون ياويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا} [سورة الكهف: 49] فهل يقال: هذا النفي أنه لا يفعل مع أحد ما لا يمكن ولا يقدر عليه؟ أو لا يظلمهم شيئا من حسناتهم، بل يحصيها كلها ويثيبهم [2] عليها؟ فدل على أن العبد يثاب على حسناته، ولا ينقص شيئا منها، ولا يعاقب إلا على سيئاته، وأن عقوبته بغير ذنب وبخس حسناته ظلم ينزه [3] الرب تبارك وتعالى عنه. وأيضا فقوله تعالى: {أفنجعل المسلمين كالمجرمين} [سورة القلم: 35] وقال تعالى: {أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار} [سورة ص: 28] . وقال: {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون} [سورة الجاثية: 21] إلى غير ذلك. فدل على أن التسوية بين هذين المختلفين من الحكم السيئ الذي ينزه عنه، وأن ذلك منكر لا يجوز نسبته إلى الله تعالى، وأن من جوز ذلك (1) ن، م: تقدس. (2) و: يحصرها كلها ويثيبه. (3) ن، م: تنزه. فقد جوز منكرا لا يصلح أن يضاف إلى الله تعالى ; فإن قوله: {أفنجعل المسلمين كالمجرمين} [سورة القلم: 35] استفهام إنكار، فعلم أن جعل هؤلاء مثل هؤلاء منكر لا يجوز أن يظن بالله أنه يفعله. فلو كان هذا وضده بالنسبة إليه سواء جاز أن يفعل هذا وهذا. وقوله: {ساء ما يحكمون} [سورة الأنعام: 136] دل على أن هذا حكم سيئ، والحكم السيئ هو الظلم الذي لا يجوز، فعلم أن الله تعالى منزه عن هذا. ومن قال إنه يسوي بين المختلفين، فقد نسب إليه الحكم السيئ، وكذلك تفضيل أحد المتماثلين، بل التسوية بين المتماثلين والتفضيل بين المختلفين هو من العدل والحكم الحسن الذي يوصف به الرب سبحانه وتعالى. والظلم وضع الشيء في غير موضعه ; فإذا جعل النور كالظلمة، [والمحسن كالمسيء] [1] ، والمسلم كالمجرم كان هذا ظلما وحكما سيئا يقدس وينزه عنه [2] سبحانه وتعالى. وقال تعالى: {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون} [سورة المائدة: 50] . وعند هؤلاء لو حكم بحكم الجاهلية لكان حسنا، وليس في نفس الأمر حكم حسن وحكم غير حسن؛ بل الجميع سواء. فكيف يقال مع هذا: ومن أحسن من الله حكما؟ فدل هذا النص على أن حكمه حسن لا أحسن منه؟ والحكم الذي يخالفه (1) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) . (2) ن، م: سيئا تنزه عنه. سيئ ليس بحسن. وذلك دليل على أن الحسن صفة لحكمه، فلو لم يكن الحسن إلا ما تعلق به [1] الأمر، أو ما لم ينه عنه؛ لم يكن في الكلام فائدة، ولم يقسم الحكم إلى حسن وأحسن ; لأن عندهم يجوز أن يحكم الرب بكل ما يمكن وجوده، وذلك كله حسن، فليس عندهم حكم ينزه الرب عنه. وقال تعالى: {وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله الله أعلم حيث يجعل رسالته} [سورة الأنعام: 124] [2] ، فدل على أنه أعلم بالمحل الذي يناسب الرسالة، ولو كان الناس مستوين، والتخصيص بلا سبب، لم يكن لهذا العلم معلوم يختص به محل الرسالة. وقال تعالى: {ولقد جاء آل فرعون النذر - كذبوا بآياتنا كلها فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر - أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر} [سورة القمر: 41 - 43] ، وقال: {أهم خير أم قوم تبع والذين من قبلهم أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين} [سورة الدخان: 37] . فهذا يبين أن أولئك إذا كانوا كفارا وقد عذبناهم، فالكفار الذين كذبوا محمدا ليسوا خيرا من أولئك، بل هم مثلهم [3] استحقوا من العقوبة ما استحقه أولئك، ولو كانوا خيرا منهم لم يستحقوا ذلك. فعلم أنه سبحانه يسوي بين المتماثلين ويفضل صاحب الخير فلا يسوي بينه وبين من هو دونه. (1) و: إلا ما يتعلق به. (2) ن، م، و: رسالاته. (3) و: بل هم منهم. وكذلك قوله تعالى: {هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا ياأولي الأبصار} [سورة الحشر: 2] إلى قوله تعالى: {ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب} [سورة الحشر: 4] ، والاعتبار أن يعبر منهم إلى أمثالهم، فيعرف أن من فعل كما فعلوا استحق كما استحقوا ولو كان تعالى قد يسوي بين المتماثلين وقد لا يسوي، لم يمكن الاعتبار حتى يعلم أن هذا المعين [1] مما يسوى بينه وبين نظيره، وحينئذ فلا يمكن الاعتبار إلا بعد معرفة حكم ذلك المعين [2] ، وحينئذ فلا يحتاج إلى الاعتبار. ومن العجب أن أكثر أهل الكلام احتجوا بهذه الآية على القياس، وإنما تدل عليه لكون الاعتبار [3] يتضمن التسوية بين المتماثلين، فعلم أن الرب يفعل هذا في حكمه، فإذا اعتبروا بها في أمره الشرعي لدلالة مطلق الاعتبار على ذلك، فهلا استدلوا بها على حكمه الخلقي الكوني في الثواب والعقاب، وهو الذي قصد بالآية فدلالتها عليه أولى؟ . فعلم أن المتماثلين في الذنب متماثلان في استحقاق العقاب، (1) و: المعنى. (2) و: المعنى. (3) ح: لأن الاعتبار، ر: يكون الاعتبار. بخلاف من لم يشركهما في ذلك. وإذا قيل: هذا قد علم بخبره. قيل: هو لم يخبر قبل بهذا، بل دل على أن هذا هو حكمه الذي لا يجوز أن يضاف إليه سواه، كما دل على ذلك ما تقدم من الآيات. وأيضا فالنصوص قد أخبرت بالميزان بالقسط، وأن الله لا يظلم مثقال ذرة، وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما؛ فدل هذا على أن مثقال ذرة إذا زيد في السيئات أو نقص من الحسنات كان ظلما ينزه الله عنه، ودل على أنه يزن الأعمال بالقسط الذي هو العدل فدل على أن خلاف ذلك ليس قسطا، بل ظلم [1] تنزه الله عنه، ولو لم يكن هنا [2] عدل لم يحتج إلى الموازنة ; فإنه إذا كان التعذيب والتنعيم بلا قانون عدلي، بل بمحض المشيئة، لم يحتج إلى الموازنة. وقال تعالى: {تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وما الله يريد ظلما للعالمين} [سورة آل عمران: 108] قال الزجاج وغيره: قد أعلمنا أنه يعذب من عذبه لاستحقاقه. وقال آخر: معناه أنه لا يعاقبهم بلا جرم، فسمى هذا ظلما. وأيضا فإن الله تعالى قد أخبر في غير موضع أنه لا يكلف نفسا إلا وسعها، كقوله تعالى: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسا إلا وسعها} [سورة الأعراف: 42] وقوله: {لا تكلف نفس إلا وسعها} [سورة البقرة 233] ، وقوله: {لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها} (1) بل ظلم: كذا في (ب) فقط، وفي سائر النسخ: بل ظلما. (2) ح: هذا. [سورة الطلاق: 7] ، وأمر بتقواه بقدر الاستطاعة فقال: {فاتقوا الله ما استطعتم} [سورة التغابن: 16] ، وقد دعاه المؤمنون بقولهم: {ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به} [سورة البقرة: 286] فقال: قد فعلت [1] . فدلت هذه النصوص على أنه لا يكلف نفسا ما تعجز عنه، خلافا للجهمية المجبرة [2] ودلت على أنه لا يؤاخذ المخطئ والناسي، خلافا للقدرية والمعتزلة، وهذا فصل الخطاب في هذا الباب. فالمجتهد المستدل من إمام وحاكم وعالم وناظر ومناظر ومفت وغير ذلك إذا اجتهد واستدل فاتقى الله ما استطاع، كان هذا هو الذي كلفه الله إياه، وهو مطيع لله مستحق للثواب إذا اتقاه ما استطاع، ولا يعاقبه الله البتة، خلافا للجهمية المجبرة [3] ، وهو مصيب بمعنى أنه مطيع لله، لكن قد يعلم الحق في نفس الأمر، وقد لا يعلمه، خلافا للقدرية والمعتزلة في قولهم: كل من استفرغ وسعه علم الحق، فإن هذا باطل كما تقدم؛ بل كل من استفرغ وسعه استحق الثواب. وكذلك الكفار من بلغته [4] دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - في دار الكفر، وعلم أنه رسول الله فآمن به، وآمن بما أنزل عليه، واتقى الله ما استطاع، كما فعل النجاشي وغيره، ولم يمكنه الهجرة إلى دار الإسلام. (1) سبق الحديث فيما مضى 4/320 (2) و: الجبرية. (3) و: الجبرية. (4) من بلغته: كذا في (ح) ، (ب) ، وفي سائر النسخ: من بلغه. ولا التزام جميع شرائع [1] الإسلام، لكونه ممنوعا من الهجرة، وممنوعا من إظهار دينه، وليس عنده من يعلمه جميع شرائع الإسلام؛ فهذا مؤمن من أهل الجنة، كما كان مؤمن آل فرعون مع قوم فرعون، وكما كانت امرأة فرعون، بل وكما كان يوسف الصديق عليه السلام مع أهل مصر ; فإنهم كانوا كفارا، ولم يكن يمكنه أن يفعل معهم كل ما يعرفه من دين الإسلام، فإنه دعاهم إلى التوحيد والإيمان فلم يجيبوه. قال تعالى عن مؤمن آل فرعون: {ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا} [سورة غافر: 34] . وكذلك النجاشي هو وإن كان ملك النصارى فلم يطعه قومه في الدخول في الإسلام، بل إنما دخل معه نفر منهم. ولهذا لما مات لم يكن هناك من [2] يصلي عليه فصلى عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة: خرج بالمسلمين إلى المصلى فصفهم صفوفا وصلى عليه، وأخبرهم بموته يوم مات، وقال: "«إن أخا لكم صالحا من أهل الحبشة مات»" [3] . (1) ن: شعائر. (2) ب فقط: أحد. (3) حديث نعي النبي صلى الله عليه وسلم النجاشي إلى المسلمين وصلاته عليه بعد أن صف المسلمين صفوفا روي من عدة من الصحابة، فرواه أبو هريرة وجابر بن عبد الله وعمران بن حصين رضي الله عنهم في: البخاري 5/51 كتاب مناقب الأنصار، باب موت النجاشي. وجاء الحديث في البخاري في عدة مواضع من كتاب الجنائز. وهو في مسلم 2/656 - 658 كتاب الجنائز، باب في التكبير على الجنازة، والحديث في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ومسند الإمام أحمد، وانظر: مفتاح كنوز السنة، (النجاشي) . وكثير من شرائع الإسلام أو أكثرها لم يكن دخل فيها لعجزه عن ذلك، فلم يهاجر ولم يجاهد ولا حج البيت، بل قد روي أنه لم يكن يصلي الصلوات الخمس، ولا يصوم شهر رمضان، ولا يؤدي الزكاة الشرعية ; لأن ذلك كان يظهر عند قومه فينكرونه عليه، وهو لا يمكنه مخالفتهم. ونحن نعلم قطعا أنه لم يكن يمكنه أن يحكم بينهم بحكم القرآن. والله قد فرض على نبيه بالمدينة أنه إذا جاءه أهل الكتاب لم يحكم بينهم إلا بما أنزل الله إليه، وحذره أن يفتنوه عن بعض ما أنزل الله إليه. وهذا مثل الحكم في الزنا للمحصن بحد الرجم، وفي الديات بالعدل والتسوية في الدماء بين الشريف والوضيع: النفس بالنفس، والعين بالعين، وغير ذلك. والنجاشي ما كان يمكنه أن يحكم بحكم القرآن ; فإن قومه لا يقرونه على ذلك. وكثيرا ما يتولى الرجل بين المسلمين والتتار قاضيا - بل وإماما - وفي نفسه أمور من العدل يريد أن يعمل بها، فلا يمكنه ذلك، بل هناك من يمنعه ذلك [1] ، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها. وعمر بن عبد العزيز عودي وأوذي على بعض ما أقامه من العدل، وقيل: إنه سم على ذلك. (1) ذلك: ساقطة من (ن) ، (م) ، وفي (و) عن ذلك. فالنجاشي وأمثاله سعداء في الجنة، وإن كانوا لم يلتزموا [1] مع شرائع الإسلام ما لا يقدرون على التزامه، بل كانوا يحكمون بالأحكام التي يمكنهم الحكم بها، ولهذا جعل الله هؤلاء من أهل الكتاب. قال تعالى: {وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب} [سورة آل عمران: 199] . وهذه الآية قد قال طائفة من السلف: إنها نزلت في النجاشي. ويروى هذا عن جابر وابن عباس وأنس. ومنهم من قال: فيه وفي أصحابه [2] ، كما قال الحسن وقتادة، وهذا مراد الصحابة، لكن [3] هو المطاع ; فإن لفظ الآية لفظ الجمع لم يرد بها واحد، وعن عطاء قال: نزلت في أربعين من أهل نجران وثلاثين من أهل [4] الحبشة، وثمانية من الروم كانوا [5] على دين عيسى فآمنوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم [6] . (1) و: لم يلزموا. (2) و: وفي الصحابة. (3) ب: ولكن. (4) أهل: زيادة في (ن) ، (م) . (5) ب: وكانوا. (6) انظر في تفسير هذه الآية: الدر المنثور للسيوطي 2/113؛ وذكر من وجوه تأويل الآية: وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة، قال: ذكر لنا أن هذه الآية نزلت في النجاشي وفي ناس من أصحابه آمنوا بنبي الله وصدقوا به. وانظر تفسير الطبري ط. المعارف 7/496 - 500، زاد المسير لابن الجوزي 1/532 - 533 وذكر الوجه الرابع من وجوه تأويل الآية: في أربعين من أهل نجران، وثلاثين من الحبشة، وثمانية من الروم كانوا على دين عيسى فآمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ قاله عطاء. وانظر: تفسير ابن عطية: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، للقاضي أبي محمد عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي المتوفى سنة 546 هـ، تحقيق المجلس العلمي، فاس المغرب، 1397 1977 ص 327 - 328 وانظر: تفسير ابن كثير ط. الشعب 2/168 - 169.
__________________
|
#313
|
||||
|
||||
![]() ![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد الخامس الحلقة (313) صـ 115 إلى صـ 124 ولم يذكر هؤلاء من آمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة، مثل عبد الله بن سلام وغيره ممن كان يهوديا، وسلمان الفارسي وغيره ممن كان نصرانيا ; لأن هؤلاء صاروا من المؤمنين، فلا يقال فيهم: {وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم} [سورة آل عمران: 199] ولا يقول أحد: إن اليهود والنصارى بعد إسلامهم وهجرتهم ودخولهم في جملة المسلمين المهاجرين المجاهدين، يقال: إنهم من أهل الكتاب، كما لا يقال عن الصحابة الذين كانوا مشركين: وإن من المشركين لمن يؤمن بالله ورسوله، فإنهم بعد الإيمان ما بقوا يسمون مشركين ; فدل على أن هؤلاء قوم من أهل الكتاب، أي من جملتهم، وقد آمنوا بالرسول. كما قال تعالى في المقتول خطأ: {فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة} [سورة النساء: 92] [1] فهو من العدو، ولكن هو كان قد آمن وما أمكنه الهجرة وإظهار الإيمان والتزام شرائعه؛ فسماه مؤمنا لأنه فعل من الإيمان ما يقدر عليه. وهذا كما أنه قد كان بمكة جماعة من المؤمنين يستخفون (1) في (ح) ، (ب) : وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق إلى قوله: عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة، وهو خطأ إذ أنه يخالف ترتيب كلمات الآية الكريمة. بإيمانهم، وهم عاجزون عن الهجرة. قال تعالى: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا - إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا - فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا} سورة النساء 97 - 99] فعذر سبحانه المستضعف العاجز عن الهجرة. وقال تعالى: {وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا} [سورة النساء: 75] فأولئك كانوا عاجزين عن إقامة دينهم، فقد سقط عنهم ما عجزوا عنه. فإذا كان هذا فيمن كان مشركا وآمن، فما الظن بمن كان من أهل الكتاب وآمن؟ . وقوله: {فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن} [سورة النساء: 92] قيل: هو الذي يكون عليه لباس أهل الحرب، مثل أن يكون [1] في صفهم [2] فيعذر القاتل لأنه مأمور بقتاله، فتسقط عنه الدية وتجب الكفارة. وهو قول الشافعي وأحمد في أحد القولين. (1) ر، ح، ي، و: مثل من يكون. (2) ن، م: في صفتهم. وقيل: بل هو من أسلم ولم يهاجر، كما يقوله أبو حنيفة. لكن هذا قد أوجب فيه الكفارة. وقيل: إذا كان من أهل الحرب لم يكن له وارث، فلا يعطى أهل الحرب ديته [1] ، بل تجب الكفارة فقط. وسواء عرف أنه مؤمن وقتل خطأ، أو ظن أنه كافر. وهذا ظاهر الآية. وقد قال بعض المفسرين: إن هذه الآية نزلت في عبد الله بن سلام وأصحابه، كما نقل عن ابن جريج ومقاتل وابن زيد؛ يعني قوله: وإن من أهل الكتاب وبعضهم قال: إنها في مؤمني أهل الكتاب من اليهود والنصارى [2] . فهذا إن أراد به من كان في الظاهر معدودا من أهل الكتاب، فهو كالقول الأول. وإن أراد العموم، فهو كالثاني. وهذا قول مجاهد، ورواه أبو صالح عن ابن عباس، وقول من أدخل فيها مثل ابن سلام وأمثاله ضعيف ; فإن هؤلاء من المؤمنين ظاهرا وباطنا من كل وجه، لا يجوز أن يقال فيهم: {وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب} [سورة آل عمران: 199] . أما أولا: فلأن ابن سلام أسلم في أول ما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة، وقال: "«فلما رأيت وجهه علمت [3] أن وجهه ليس بوجه كذاب»" [4] . (1) ح: دية، ي: الدية. (2) انظر ما ذكرته عن تفسير هذه الآية قبل صفحات ص 114 (3) أ، ب: عرفت. (4) الحديث عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه في: سنن الترمذي 4/65 كتاب صفة القيامة باب 15 ونصه: (لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني المدينة، انجفل الناس إليه، وقيل: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت في الناس لأنظر إليه فلما استبنت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، وكان أول شيء تكلم به أن قال: (يا أيها الناس، أفشوا السلام وأطعموا الطعام، وصلوا والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام) قال الترمذي: (هذا حديث صحيح) والحديث مع اختلاف في الألفاظ في: سنن ابن ماجه 1/423 كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء في قيام الليل، 2/1083 كتاب الأطعمة، باب إطعام الطعام، سنن الدارمي 1/340 - 341 كتاب الصلاة، باب فضل صلاة الليل، 2/275، كتاب الاستئذان باب في إفشاء السلام، المسند (ط. الحلبي 5/451) . وسورة آل عمران إنما نزل ذكر أهل الكتاب فيها لما قدم وفد نجران سنة تسع أو عشر. وثانيا: أن ابن سلام وأمثاله هو واحد من جملة الصحابة والمؤمنين، وهو من أفضلهم، وكذلك سلمان الفارسي. فلا يقال فيه: إنه [1] من أهل الكتاب. وهؤلاء لهم أجور مثل أجور سائر المؤمنين، بل يؤتون أجرهم مرتين، وهم ملتزمون جميع شرائع الإسلام؛ فأجرهم أعظم من أن يقال فيه: أولئك لهم أجرهم عند ربهم. وأيضا فإن أمر هؤلاء كان ظاهرا معروفا، ولم يكن أحد يشك فيهم، فأي فائدة في الإخبار بهم؟ . وما هذا إلا كما يقال: الإسلام دخل فيه من كان مشركا ومن كان كتابيا. وهذا معلوم لكل أحد بأنه دين لم يكن يعرف قبل محمد - صلى الله عليه وسلم - فكل من دخل فيه كان قبل ذلك إما مشركا وإما من أهل الكتاب، إما كتابيا وإما أميا، فأي فائدة في الإخبار بهذا؟ . (1) ب فقط: إن. بخلاف أمر النجاشي وأصحابه ممن كانوا متظاهرين بكثير مما عليه النصارى ; فإن أمرهم قد يشتبه، ولهذا ذكروا في سبب نزول هذه الآية أنه لما مات النجاشي [1] صلى عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال قائل: نصلي على هذا العلج النصراني وهو في أرضه؟ فنزلت هذه الآية. هذا منقول عن جابر وأنس بن مالك وابن عباس، وهم من الصحابة الذين باشروا الصلاة على النجاشي [2] . وهذا بخلاف ابن سلام وسلمان الفارسي ; فإنه إذا صلى على واحد من هؤلاء لم ينكر ذلك أحد. وهذا مما يبين أن المظهرين للإسلام فيهم منافق لا يصلى عليه كما نزل [3] في حق ابن أبي وأمثاله، وأن من هو في أرض الكفر قد يكون مؤمنا يصلى عليه كالنجاشي. ويشبه هذه الآية أنه لما ذكر تعالى أهل الكتاب فقال: {ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون - لن يضروكم إلا أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون - ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون - ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون - يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين} (1) النجاشي: زيادة في (ح) (2) ن، م: الصلاة عليه، وانظر الكلام على هذا الحديث قبل صفحات ص 112 (3) ر، ح، ي: كما نزلت. [سورة آل عمران: 110 - 114] . وهذه الآية [1] قيل: إنها نزلت في عبد الله بن سلام وأصحابه، وقيل: إن قوله: {منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون} هو عبد الله بن سلام وأصحابه [2] . وهذا والله أعلم من نمط الذي قبله ; فإن هؤلاء ما بقوا من أهل الكتاب. وإنما المقصود من هو منهم في الظاهر، وهو مؤمن لكن لا يقدر على ما يقدر عليه المؤمنون المهاجرون المجاهدون، كمؤمن آل فرعون: هو من آل فرعون وهو مؤمن. ولهذا قال تعالى: {وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم} [سورة غافر: 28] فهو من آل فرعون وهو مؤمن. (1) الآية: ليست في (م) ، (و) . (2) يقول الطبري في تفسيره: منهم المؤمنون، يعني: من أهل الكتاب من اليهود والنصارى، المؤمنون المصدقون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جاءهم به من عند الله، وهم عبد الله بن سلام وأخوه، وثعلبة بن سعيه وأخوه، وأشباههم ممن آمنوا بالله وصدقوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم، واتبعوا ما جاءهم به من عند الله، وأكثرهم الفاسقون: يعني الخارجون عن دينهم، وذلك أن من دين اليهود اتباع ما في التوراة والتصديق بمحمد صلى الله عليه وسلم، ومن دين النصارى اتباع ما في الإنجيل والتصديق به وبما في التوراة؛ وكلا الفرقتين أعني اليهود والنصارى مكذبة، فذلك فسقهم وخروجهم عن دينهم الذي يدعون أنهم يدينون به، الذي قال جل ثناؤه وأكثرهم الفاسقون. ويقول ابن الجوزي في زاد المسير: منهم المؤمنون: من أسلم كعبد الله بن سلام وأصحابه وأكثرهم الفاسقون، يعني: الكافرين وهم الذين لم يسلموا. وكذلك هؤلاء منهم المؤمنون، ولهذا قال تعالى: {وأكثرهم الفاسقون} [سورة آل عمران: 110] . وقد قال قبل هذا: {ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم} [سورة آل عمران: 110] ثم قال: {منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون} [سورة آل عمران: 110] ثم قال: {لن يضروكم إلا أذى} [سورة آل عمران: 111] وهذا عائد إليهم جميعهم لا إلى أكثرهم. ولهذا قال: {وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون} [سورة آل عمران: 111] . وقد يقاتلون وفيهم مؤمن يكتم إيمانه، يشهد القتال معهم ولا يمكنه الهجرة، وهو مكره على القتال، ويبعث يوم القيامة على نيته. كما في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "«يغزو جيش هذا البيت، فبينما هم ببيداء من الأرض إذ خسف بهم" . فقيل: يا رسول الله، وفيهم المكره؟ فقال: "يبعثون على نياتهم»" [1] . (1) جاء هذا الحديث مختصرا عن عائشة رضي الله عنها في: البخاري 2/149 كتاب الحج باب هدم الكعبة، وجاء مطولا عنها في: البخاري 3/65 - 66 كتاب البيوع، باب ما ذكر ما في الأسواق، ونصه: (يغزو جيش الكعبة؛ فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم) قالت: قلت: يا رسول الله، كيف يخسف بأولهم وآخرهم، وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم؟ قال: (يخسف بأولهم وآخرهم، ثم يبعثون على نياتهم) وروى النسائي الحديث في سننه 5/162 - 163 كتاب المناسك، باب حرمة الحرم عن أبي هريرة رضي الله عنه مختصرا من طريقين وعن حفصة رضي الله عنها مع اختلاف في الألفاظ من طريقين، وخصص ابن ماجه بابا في سننه لهذه الأحاديث 2/1350 - 1351 كتاب الفتن، باب جيش البيداء، ذكر فيه الحديث مع اختلاف في الألفاظ عن حفصة وصفية وأم سلمة رضي الله عنهن، وفي الحديث الأخير قالت أم سلمة: لعل فيهم المكره؟ قال: إنهم يبعثون على نياتهم. والحديث عنها رضي الله عنها في المسند (ط. الحلبي) . 6/318 وهذا في ظاهر الأمر وإن قتل [1] وحكم عليه بما يحكم على الكفار، فالله يبعثه على نيته. كما أن المنافقين منا يحكم لهم في الظاهر بحكم الإسلام [2] ويبعثون على نياتهم، فالجزاء يوم القيامة على ما في القلوب لا على مجرد الظواهر [3] . ولهذا روي «أن العباس قال: يا رسول الله، كنت مكرها. قال: "أما ظاهرك فكان علينا، وأما سريرتك فإلى الله»" [4] . وبالجملة لا خلاف بين المسلمين أن من كان في دار الكفر، وقد آمن وهو عاجز عن الهجرة، لا يجب عليه من الشرائع ما يعجز عنها، بل الوجوب بحسب الإمكان. وكذلك ما لم يعلم حكمه، فلو لم يعلم أن الصلاة واجبة عليه، وبقي مدة لم يصل، لم يجب عليه القضاء في أظهر قولي العلماء. وهذا مذهب أبي حنيفة وأهل الظاهر، وهو أحد الوجهين في مذهب أحمد. وكذلك سائر الواجبات من صوم شهر رمضان وأداء (1) ن، م، و، أ: قوتل. (2) ن: بالظاهر بحكم الإسلام، ح: في الظاهر بالإسلام. (3) ن، م: الظاهر. (4) لم أجد الحديث بهذا اللفظ، ولكن أورد أحمد في مسنده ط. المعارف 5/105 - 106 حديثا عن ابن عباس رضي الله عنهما جاء فيه أن أبا اليسر بن عمرو أسر العباس. الحديث، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا عباس افد نفسك وابن أخيك، وقال (العباس) : إني كنت مسلما قبل ذلك، وإنما استكرهوني، قال: الله أعلم بشأنك، إن يك ما تدعي حقا فالله يجزيك بذلك، وأما ظاهر أمرك فقد كان علينا،. . . الحديث، قال أحمد شاكر رحمه الله: "إسناده ضعيف" . الزكاة وغير ذلك، ولو لم يعلم تحريم الخمر فشربها لم يحد باتفاق المسلمين، وإنما اختلفوا في قضاء الصلاة [1] . وكذلك لو عامل بما يستحله من ربا أو ميسر ثم تبين له تحريم ذلك بعد القبض: هل يفسخ العقد أم لا؟ كما لا يفسخه [2] لو فعل ذلك قبل الإسلام. وكذلك لو تزوج نكاحا يعتقد صحته على عادتهم، ثم لما بلغه شرائع الإسلام رأى أنه قد أخل ببعض شروطه، كما لو تزوج في عدة وقد انقضت، فهل يكون هذا فاسدا أو يقر عليه، كما لو عقده قبل الإسلام ثم أسلم. وأصل هذا كله أن الشرائع هل تلزم من لم يعلمها؟ أم لا تلزم أحدا [3] إلا بعد العلم؟ أو يفرق بين الشرائع الناسخة والمبتدأة؟ هذا فيه ثلاثة أقوال، هي ثلاثة أوجه في مذهب أحمد؛ ذكر القاضي أبو يعلى الوجهين المطلقين في كتاب له، وذكر هو وغيره الوجه المفرق في أصول الفقه، وهو أن النسخ لا يثبت في حق المكلف حتى يبلغه الناسخ [4] ، وخرج أبو الخطاب وجها بثبوته. ومن هذا الباب من ترك الطهارة الواجبة ولم يكن علم بوجوبها، أو صلى [5] في الموضع المنهي عنه قبل علمه بالنهي، هل يعيد الصلاة؟ (1) ب فقط: الصلوات. (2) ب فقط: نفسخه. (3) أحدا: ساقطة من (ح) ، (ر) . (4) ح، ر: حتى يبلغه النسخ. (5) ن، م: وصلى. فيه روايتان منصوصتان عن أحمد. والصواب في هذا الباب كله أن الحكم لا يثبت إلا مع التمكن من العلم، وأنه لا يقضي ما لم يعلم وجوبه [1] . فقد ثبت في الصحيح أن من الصحابة من أكل بعد طلوع الفجر في رمضان حتى تبين له الحبل [2] الأبيض من الأسود [3] ، ولم يأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقضاء [4] . ومنهم من كان يمكث جنبا مدة لا يصلي، ولم يكن يعلم جواز الصلاة بالتيمم، كأبي ذر، وكعمر بن الخطاب وعمار (1) ن، م: ما لم يعلم بوجوبه. (2) أ، ب، م: الخيط. (3) أ، ب، م: من الخيط الأسود. (4) الحديث عن عدي بن حاتم وسهل بن سعد رضي الله عنهما في: البخاري 6/26 كتاب التفسير باب سورة البقرة: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض) مسلم 2/766 - 767 كتاب الصيام، باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر، ونص الحديث عن عدي في مسلم: قال: لما نزلت (حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) سورة البقرة: 187] قال له عدي بن حاتم: يا رسول الله، إني أجعل تحت وسادتي عقالين: عقالا أبيض وعقالا أسود، أعرف الليل من النهار؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن وسادتك لعريض، إنما هو سواد الليل وبياض النهار) والحديث في سنن أبي داود 2/408 كتاب الصوم، باب وقت السحور، سنن الدارمي 2/5 - 6 (كتاب الصوم باب متى يمسك المتسحر من الطعام والشراب) .
__________________
|
#314
|
||||
|
||||
![]() ![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد الخامس الحلقة (314) صـ 125 إلى صـ 134 لما أجنبا، ولم يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أحدا منهم بالقضاء [1] . ولا شك أن خلقا من المسلمين بمكة والبوادي صاروا يصلون إلى بيت المقدس حتى بلغهم النسخ ولم يؤمروا بالإعادة. ومثل هذا كثير. وهذا يطابق الأصل الذي عليه السلف والجمهور: أن الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها. فالوجوب مشروط بالقدرة؛ والعقوبة لا تكون إلا على ترك مأمور أو فعل محظور بعد قيام الحجة. (1) ذكر ابن الأثير في جامع الأصول 5/153 - 155 حديثا رواه أبو داود والترمذي والنسائي عن أبي ذر رضي الله عنه قال فيه: فكانت تصيبني الجنابة، فأمكث الخمس والست فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أبو ذر؟ فقال. . . الحديث وفيه: (الصعيد الطيب وضوء المسلم ولو إلى عشر سنين، فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك، فإن ذلك خير) كما ذكر حديثا آخر رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه أن رجلا أتى عمر فقال إني أجنبت ولم أجد ماء، فقال: لا تصل. فقال عمار: أما تذكر يا أمير المؤمنين، إذ أنا وأنت في سرية فأصابتنا جنابة، فلم نجد الماء، فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعكت في التراب وصليت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض وتنفخ، ثم تمسح بهما وجهك وكفيك) الحديث وهو في البخاري 1/71 كتاب التيمم، باب المتيمم هل ينفخ فيهما؟) [فصل كلام الذام للخلفاء ولغيرهم من الصحابة هو من باب الكلام في الأعراض وفيه حق لله تعالى] فصل وقد ذكرنا في غير هذا الموضوع حكم الناس في الوعد والوعيد والثواب والعقاب، وأن فاعل السيئات تسقط عنه عقوبة جهنم بنحو عشرة أسباب. فإذا كان هذا الحكم في المجتهدين وهذا الحكم في المذنبين حكما عاما في جميع الأمة، فكيف في أصحاب [1] رسول الله - صلى الله عليه وسلم؟ وإذا كان المتأخرون من المجتهدين ومن المذنبين [2] يندفع عنهم الذم والعقاب بما ذكر من الأسباب، فكيف بالسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار؟ . ونحن نبسط هذا وننبه بالأدنى على الأعلى؛ فنقول: كلام الذام للخلفاء ولغيرهم من الصحابة - من رافضي وغيره - هو من باب الكلام في الأعراض، وفيه حق لله تعالى، لما يتعلق به من الولاية والعداوة والحب والبغض، وفيه حق للآدميين أيضا [3] . ومعلوم أنا إذا تكلمنا فيمن هو دون الصحابة، مثل الملوك المختلفين على الملك، والعلماء والمشايخ المختلفين في [4] العلم والدين، وجب أن يكون الكلام بعلم وعدل لا بجهل وظلم ; فإن العدل واجب لكل أحد على كل أحد في كل حال. والظلم محرم مطلقا، لا يباح قط بحال. قال تعالى: {ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى} (1) ن، م: بأصحاب. (2) ن، ب: والمذنبين. (3) أيضا: ساقطة من (ن) ، (م) ، (و) . (4) ن، م: على. [سورة المائدة: 8] وهذه الآية نزلت بسبب بغضهم للكفار، وهو بغض مأمور به. فإذا كان البغض الذي أمر الله به قد نهي صاحبه أن يظلم من أبغضه [1] ، فكيف في بغض مسلم بتأويل وشبهة أو بهوى نفس؟ فهو أحق أن لا يظلم، بل يعدل عليه [2] . وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحق من عدل عليهم في القول والعمل. والعدل مما اتفق أهل الأرض على مدحه ومحبته، والثناء على أهله ومحبتهم. والظلم مما اتفقوا [3] على بغضه وذمه [4] وتقبيحه، وذم أهله وبغضهم، وليس المقصود الكلام في التحسين والتقبيح العقلي، فقد تكلمنا عليه في غير هذا الموضوع في مصنف مفرد [5] ، ولكن المقصود أن العدل محمود محبوب باتفاق أهل الأرض، وهو محبوب في النفوس، مركوز حبه في القلوب، تحبه القلوب وتحمده، وهو من المعروف الذي تعرفه القلوب، والظلم من المنكر الذي تنكره القلوب فتبغضه وتذمه. والله تعالى أرسل الرسل ليقوم الناس بالقسط. قال الله تعالى: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط} [سورة الحديد: 25] [6] . وقال تعالى: {الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان} (1) ح، ب: من يبغضه. (2) ن، م: يعذب عليه، وهو تحريف. (3) ح، ب: مما اتفق. (4) على بغضه وذمه، كذا في (ن) ، (م) ، وفي سائر النسخ: على ذمه. (5) لابن تيمية رسالة في مسألة تحسين العقل وتقبيحه، نشرت في مجموع فتاوى الرياض 8/428 - 436. (6) آية سورة الحديد ليست في ن، (م) . [سورة الشورى: 17] . وقال تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل} [سورة النساء: 58] . وقال: {فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين} [سورة المائدة: 42] . وقال: {فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق} [سورة المائدة: 48] فأمره أن يحكم بالقسط وأن يحكم بما أنزل الله، فدل ذلك على أن القسط هو ما أنزل الله، فما أنزل الله هو القسط، والقسط هو ما أنزل الله. ولهذا وجب على كل من حكم بين اثنين أن يحكم بالعدل لقوله تعالى: {وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل} [سورة النساء: 58] فليس لحاكم أن يحكم بظلم أبدا، والشرع الذي يجب على حكام المسلمين الحكم به عدل كله، ليس في الشرع ظلم أصلا، بل حكم الله أحسن الأحكام [1] . والشرع هو ما أنزل الله ; فكل من حكم بما أنزل الله فقد حكم بالعدل، لكن العدل قد يتنوع بتنوع الشرائع والمناهج، فيكون العدل في كل شرعة بحسبها. ولهذا قال تعالى: (1) ن، م، و، ر: الحكم. {وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين - وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين - إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} [سورة المائدة 42 - 44] . إلى قوله: {وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون - وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون - وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون - أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون} [سورة المائدة 47 - 50] . ذكر سبحانه حكم التوراة والإنجيل، ثم ذكر أنه أنزل القرآن، وأمر نبيه أن يحكم بينهم بالقرآن ولا يتبع أهواءهم عما جاءه من الكتاب، وأخبر أنه جعل لكل واحد من الأنبياء شرعة ومنهاجا فجعل لموسى وعيسى ما في التوراة والإنجيل من الشرعة والمنهاج [1] ، وجعل للنبي - صلى الله عليه (1) ح، ر: والمناهج. وسلم - ما في القرآن من الشرعة والمنهاج [1] ، وأمره أن يحكم بما أنزل الله، وحذره أن يفتنوه عن بعض ما أنزل الله، وأخبره أن ذلك هو حكم الله، ومن ابتغى غيره فقد ابتغى حكم الجاهلية، وقال: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} [سورة المائدة 44] . ولا ريب أن من لم يعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله على رسوله [2] فهو كافر، فمن استحل أن يحكم بين الناس بما يراه هو عدلا من غير اتباع لما أنزل [3] الله فهو كافر ; فإنه ما من أمة إلا وهي تأمر بالحكم بالعدل، وقد يكون العدل في دينها ما رآه أكابرهم، بل كثير من المنتسبين إلى الإسلام يحكمون بعاداتهم التي لم ينزلها الله سبحانه وتعالى، كسوالف البادية، وكأوامر المطاعين فيهم [4] ، ويرون أن هذا هو الذي ينبغي الحكم به دون الكتاب والسنة. وهذا هو الكفر، فإن كثيرا من الناس أسلموا، ولكن مع هذا لا يحكمون إلا بالعادات الجارية لهم التي يأمر بها المطاعون، فهؤلاء إذا عرفوا أنه لا يجوز الحكم إلا بما أنزل الله فلم يلتزموا ذلك، بل استحلوا أن يحكموا بخلاف ما أنزل الله فهم كفار، وإلا كانوا جهالا، كمن تقدم أمرهم [5] . وقد أمر الله المسلمين كلهم إذا تنازعوا في شيء أن يردوه إلى الله (1) ح، ر: والمناهج. (2) ر: على رسله. (3) و: لما أنزله. (4) فيهم: زيادة في (أ) ، (ب) . (5) أمرهم: كذا في (ن) ، (م) ، وفي سائر النسخ: أمره. والرسول، فقال تعالى: {ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا} [سورة النساء 59] . وقال تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} [سورة النساء 65] فمن لم يلتزم تحكيم [1] الله ورسوله فيما شجر بينهم فقد أقسم الله بنفسه أنه لا يؤمن، وأما من كان ملتزما لحكم الله ورسوله باطنا وظاهرا، لكن عصى واتبع هواه، فهذا بمنزلة أمثاله من العصاة. وهذه الآية مما يحتج بها الخوارج على تكفير ولاة الأمر الذين لا يحكمون بما أنزل الله، ثم يزعمون أن اعتقادهم هو حكم الله. وقد تكلم الناس بما يطول ذكره هنا، وما ذكرته يدل عليه سياق الآية. والمقصود أن الحكم بالعدل واجب مطلقا، في كل زمان ومكان على كل أحد ولكل أحد، والحكم بما أنزل الله على محمد - صلى الله عليه وسلم - هو عدل خاص، وهو أكمل أنواع العدل وأحسنها، والحكم به واجب على النبي - صلى الله عليه وسلم - وكل من اتبعه، ومن لم يلتزم حكم الله ورسوله فهو كافر. وهذا واجب على الأمة في كل ما تنازعت فيه من الأمور الاعتقادية والعملية. قال تعالى: {كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات} (1) و: بحكم. [سورة البقرة 213] . وقال تعالى: {وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله} [سورة الشورى 10] . وقال: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} [سورة النساء 59] فالأمور المشتركة بين الأمة لا يحكم فيها إلا الكتاب والسنة، ليس لأحد أن يلزم الناس [1] بقول عالم ولا أمير ولا شيخ ولا ملك. ومن اعتقد أنه يحكم بين الناس بشيء من ذلك، ولا يحكم بينهم بالكتاب والسنة فهو كافر، وحكام المسلمين يحكمون في الأمور المعينة، لا يحكمون في الأمور الكلية، وإذا حكموا في المعينات فعليهم أن يحكموا بما في كتاب الله، فإن لم يكن فبما في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن لم يجدوا اجتهد الحاكم برأيه. وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم: "«القضاة ثلاثة: قاضيان في النار، وقاض في الجنة ; فمن علم الحق وقضى به فهو في الجنة، ومن علم الحق وقضى بخلافه فهو في النار، ومن قضى للناس على جهل فهو في النار»" [2] . وإذا حكم بعلم وعدل ; فإذا اجتهد فأصاب [3] فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر كما ثبت ذلك في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجهين [4] . (1) ن، م، و: الإنسان. (2) سبق الحديث فيما مضى 4/312 (3) ح، ر، ي: فإن أصاب. (4) سبق الحديث فيما مضى 4/422. والمقصود هنا أنه إذا وجب فيما شجر بين عموم [1] المؤمنين أن لا يتكلم إلا بعلم وعدل، ويرد ذلك إلى الله والرسول، فذاك في أمر الصحابة أظهر. فلو طعن طاعن في بعض ولاة الأمور، من ملك وحاكم وأمير وشيخ ونحو ذلك، وجعله كافرا معتديا على غيره في ولاية أو غيرها، وجعل غيره هو العالم العادل المبرأ من كل خطأ وذنب، وجعل كل من أحب الأول وتولاه كافرا أو ظالما مستحقا للسب وأخذ يسبه، فإنه يجب الكلام في ذلك بعلم وعدل. والرافضة سلكوا في الصحابة مسلك التفرق، فوالوا بعضهم وغالوا فيه وعادوا بعضهم وغالوا في معاداته وقد يسلك كثير من الناس ما يشبه هذا في أمرائهم وملوكهم وعلمائهم وشيوخهم، فيحصل بينهم رفض في غير الصحابة: تجد أحد الحزبين يتولى فلانا ومحبيه، ويبغض فلانا ومحبيه، وقد يسب ذلك بغير حق. وهذا كله من التفرق والتشيع الذي نهى الله عنه ورسوله، فقال تعالى: {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء} [سورة الأنعام 159] . وقال تعالى: {ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون - واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا} [سورة آل عمران 102 - 103] . وقال تعالى: {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم - يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون - وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون} (1) ح، ر: والمقصود هنا إذا وجب فيما بين عموم. [سورة آل عمران 105 - 107] . قال ابن عباس: تبيض وجوه أهل السنة وتسود وجوه أهل البدعة [1] . ولهذا كان أبو أمامة الباهلي وغيره يتأولها في الخوارج. فالله تعالى قد أمر المؤمنين كلهم أن يعتصموا بحبله جميعا ولا يتفرقوا، وقد فسر حبله بكتابه، وبدينه، وبالإسلام، وبالإخلاص، وبأمره، وبعهده، وبطاعته، وبالجماعة. وهذه كلها منقولة عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وكلها صحيحة [2] ; فإن القرآن يأمر بدين الإسلام، وذلك هو عهده وأمره وطاعته، والاعتصام به جميعا إنما يكون في الجماعة، ودين الإسلام حقيقته الإخلاص لله. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "«إن الله يرضى لكم ثلاثا: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم» [3]" . (1) في الدر المنثور للسيوطي 2/63: وأخرج ابن أبي حاتم وأبو نصر في الإبانة والخطيب في تاريخه واللاكائي في السنة عن ابن عباس في هذه الآية قال: تبيض وجوه وتسود وجوه: قال تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، وتسود وجوه أهل البدع والضلالة. وأورد اللاكائي هذا الأثر في كتاب شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 1/71 - 72 تحقيق الدكتور أحمد سعد حمدان، دار طيبة للنشر، الرياض 1402. (2) انظر وجوه تفسير حبل الله في قوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) [سورة آل عمران: 103] في تفسير الطبري ط. المعارف 7/70 - 76 زاد المسير لابن الجوزي 1/432 - 433. (3) سبق هذا الحديث فيما مضى 3/161 - 162
__________________
|
#315
|
||||
|
||||
![]() ![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد الخامس الحلقة (315) صـ 135 إلى صـ 144 والله تعالى قد حرم ظلم المسلمين: أحيائهم وأمواتهم، وحرم دماءهم وأموالهم وأعراضهم. وقد ثبت في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في حجة الوداع: "«إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا، في بلدكم هذا. ألا هل بلغت، ألا ليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع» [1]" . وقد قال تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا} [سورة الأحزاب 58] فمن آذى مؤمنا حيا أو ميتا بغير ذنب يوجب ذلك، فقد دخل في هذه الآية، ومن كان مجتهدا لا إثم عليه، فإذا آذاه مؤذ [2] فقد آذاه بغير ما اكتسب، ومن كان مذنبا وقد تاب من ذنبه، أو غفر له بسبب آخر بحيث لم يبق عليه عقوبة فآذاه مؤذ، فقد آذاه بغير ما اكتسب، وإن حصل له بفعله مصيبة. ولما «حاج موسى آدم [3] ، وقال: لماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة؟ فقال آدم: بكم وجدت مكتوبا علي قبل أن أخلق: {وعصى آدم ربه فغوى} [سورة طه 121] قال: بأربعين سنة. قال: فحج آدم موسى» . وهذا الحديث ثابت في الصحيحين [4] ، لكن غلط كثير من الناس في معناه، فظنوا أن آدم احتج بالقدر على أن الذنب [5] لا يلام عليه، ثم تفرقوا بعد هذا: بين مكذب بلفظه ومتأول لمعناه تأويلات فاسدة. وهذا فهم (1) سبق الحديث فيما مضى 4/319 (2) و، ر، ي: فآذاه مؤذ. (3) آدم: كذا في (م) ، (ب) ، وفي سائر النسخ: لآدم. (4) سبق الحديث فيما مضى 3/78 - 79. (5) الذنب: كذا في (ن) ، (ي) ، (ب) وفي سائر النسخ: المذنب. فاسد وخطأ عظيم، لا يجوز أن يظن بأقل الناس علما وإيمانا ; أن يظن أن كل من أذنب فلا ملام عليه لكون الذنب مقدرا عليه، وهو يسمع ما أخبر الله به في القرآن من تعذيبه لقوم نوح وعاد وثمود، وقوم فرعون ومدين، وقوم لوط [1] وغيرهم. والقدر شامل لجميع الخلق، فلو كان المذنب معذورا لم يعذب هؤلاء على ذنوبهم، وهو يعلم ما أرسل الله به رسله محمدا وغيره من عقوبات المعتدين، كما في التوراة والقرآن [2] ، وما أمر الله به من إقامة الحدود على المفسدين، ومن قتال الكافرين، وما شرعه الله من إنصاف المظلومين من الظالمين، وما يقضي به يوم القيامة بين عباده من عقوبة الكفار [3] ، والاقتصاص للمظلوم من الظالم. وقد بسطنا الكلام على هذا في غير هذا الموضع. لكن مقصود الحديث أن ما يصيب العبد من المصائب فهي مقدرة عليه، ينبغي أن يسلم لقدر الله. كما قال تعالى: {ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه} [سورة التغابن 11] . قال علقمة: هو الرجل [4] تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم. وروى الوالبي عن ابن عباس: يهد قلبه لليقين، فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه. وقال ابن السائب وابن قتيبة: إنه إذا ابتلي، صبر وإذا أنعم عليه شكر، وإذا ظلم غفر. (1) ن، م، و، ي، أ: ومدين ولوط. (2) ن فقط: المعتدين والإنجيل والقرآن. (3) ح، ب: الكافرين. (4) ح، ر، ب، ي: هو العبد. وإن كانت المصيبة بسبب فعل الأب أو الجد، فإن آدم قد تاب من الأكل، فما بقي عليه ملام للتوبة، والمصيبة كانت مقدرة، فلا معنى للوم آدم عليها، فليس للإنسان أن يؤذي مؤمنا جرى له على يديه [1] ما هو مصيبة في حقه. والمؤمن إما معذور وإما مغفور له. ولا ريب أن كثيرا ممن حصل له مصيبة [2] أو فوات غرض ببعض الماضين يسرع بذمه، كما يظن [3] بعض الرافضة أن أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم كانوا هم السبب في منع حقهم ظلما، وهذا كذب عليهم. أو يقولون: بسببهم ظلمنا غيرهم، وهذا عدوان عليهم ; فإن القوم كانوا عادلين متبعين لأمر الله ورسوله. ومن أصابته مصيبة بسبب ما جاء به الرسول فبذنوبه أصيب، فليس لأحد أن يعيب الرسول وما جاء به، لكونه فيه [4] الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجهاد المنافقين، أو لكونه بسبب تقديمه أبا بكر وعمر قدمهما المسلمون بعده، كما يذكر عن بعض الرافضة أنه آذى الله ورسوله بسبب تقديم الله ورسوله [5] . لأبي بكر (* وعمر. وعن بعضهم أنهم «كانوا يقرءون شيئا من الحديث في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - فأتوا على فضائل أبي بكر، فلما سمعها قال (1) ن، أ: على يده. (2) ن، ر، م: معصية. (3) ح، و، ر: يطعن. (4) ن، م، ر، ح: لكون فيه. (5) ح، ب: والرسول لأصحابه: تعلمون والله بلاءكم من صاحب هذا القبر، يقول: مروا أبا بكر فليصل بالناس، لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر» . وهذا كما أنه ليس لأحد *) [1] أن يقول بسبب نزول القرآن بلسان العرب [2] اختلفت الأمة في التأويل واقتتلوا، إلى أمثال هذه الأمور التي يجعل الشر الواقع فيها بسبب ما جاء به الرسول ; فإن هذا كله باطل، وهو من كلام الكفار. قال تعالى عن الكفار الذين قالوا [3] لرسلهم: {قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم - قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون} [سورة يس 18 - 19] . وقال عن قوم فرعون: {فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه ألا إنما طائرهم عند الله} [سورة الأعراف 131] . وقال لما ذكر الأمر بالجهاد وأن من الناس من يبطئ عنه {أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا - ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك} [سورة النساء 78 - 79] . (1) ما بين النجمتين ساقط من (و) . (2) ن، م، ر، ي: بسبب نزول القرآن ونزوله بلسان العرب، ح: بسبب نزول القرآن ونزوله بلسان الأعراب. (3) و: أنهم قالوا. والمراد بالحسنات والسيئات هنا النعم والمصائب، كما قد سمى الله ذلك حسنات وسيئات في غير هذا الموضع من القرآن كقوله: {وبلوناهم بالحسنات والسيئات} [سورة الأعراف 168] وقوله: {إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولوا وهم فرحون} [سورة التوبة 50] . ولهذا قال: ما أصابك ولم يقل: ما أصبت. وهكذا قال السلف. ففي رواية أبي صالح [1] عن ابن عباس: أن الحسنة: الخصب [2] والمطر، والسيئة: الجدب والغلاء. وفي رواية الوالبي عنه: أن الحسنة: الفتح والغنيمة، والسيئة الهزيمة والجراح ونحو ذلك [3] . وقال في هذه الرواية: ما أصابك من حسنة: ما فتح الله عليه يوم بدر، والسيئة ما أصابه يوم أحد. وكذلك قال ابن قتيبة: الحسنة: الغنيمة والنعمة [4] ، والسيئة البلية. وروي ذلك عن أبي العالية، وروي عنه أن الحسنة: الطاعة، والسيئة: المعصية. وهذا يظنه طائفة من المتأخرين، ثم اختلف هؤلاء، فقال مثبتة القدر هذا حجة لنا، لقوله سبحانه: {قل كل من عند الله} [سورة النساء 78] . وقال نفاته: بل هو حجة لنا لقوله: {وما أصابك من سيئة فمن نفسك} [سورة النساء 79] . وحجة كل فريق تدل على فساد قول الآخر. والقولان (1) وهكذا. . . أبي صالح: كذا في (أ) ، (ب) وفي سائر النسخ: وهكذا قال في معنى رواية أبي صالح. (2) ر، ح، ي، ب: الحسنة هي الخصب. (3) ح، ب: والجراح والهزيمة، وسقطت نحو ذلك من (ب) فقط. (4) ن، م، و، أ: الحسنة النعمة. باطلان في هذه الآية ; فإن المراد: النعم والمصائب ولهذا قال: وإن تصبهم والضمير قد قيل: إنه يعود على المنافقين، وقيل: على اليهود، وقيل: على الطائفتين. والتحقيق أنه يعود على من قال هذا من أي صنف كان. ولهذا قيل: هذا لا يعين قائله ; لأنه دائما يقوله بعض الناس، فكل من قاله تناولته الآية ; فإن الطاعنين فيما جاء به الرسول [1] من كافر ومنافق، بل ومن في قلبه مرض أو عنده جهل يقول مثل ذلك، وكثير من الناس يقول ذلك في بعض ما جاء به الرسول، ولا يعلم أنه جاء به، لظنه خطأ صاحبه، ويكون هو المخطئ، فإذا أصابهم نصر ورزق، قالوا: هذا من عند الله، لا يضيفه إلى ما جاء به الرسول، وإن كان سببا له. وإن أصابهم نقص رزق وخوف من العدو وظهوره، قالوا: هذا من عندك، لأنه أمر بالجهاد فجرى ما جرى، وأنهم تطيروا بما جاء به، كما تطير قوم فرعون بما جاء به موسى. والسلف ذكروا المعنيين، فعن ابن عباس، قال: بشؤمك. وعن ابن زيد قال: بسوء تدبيرك. قال تعالى: {قل كل من عند الله} [سورة النساء 78] . وعن ابن عباس: الحسنة والسيئة، أما الحسنة فأنعم بها عليك، وأما السيئة فابتلاك بها. فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا! ؟ وقد قيل في مثل هذا: لم يفقهوه [2] ولم يكادوا، وأن النفي مقابل الإثبات. وقيل: بل معناه فقهوه [3] بعد أن كادوا لا يفقهونه [4] . كقوله (1) ح، ب: الرسل. (2) ح، ب: لم يفقهوا. (3) ح، ب: فقهوا. (4) ن، م: لا يفقهوه، ح: لا يفقهوه، ب: لا يفقهون. : {فذبحوها وما كادوا يفعلون} [سورة البقرة 71] ، فالمنفي بها مثبت، والمثبت بها منفي [1] ، وهذا هو المشهور وعليه عامة الاستعمال. وقد يقال [2] : يراد بها هذا تارة وهذا تارة ; فإذا صرحت بإثبات الفعل فقد وجد، فإذا لم يؤت إلا بالنفي المحض كقوله: {لم يكد يراها} و {لا يكادون يفقهون حديثا} فهذا نفي مطلق، ولا قرينة معه تدل على الإثبات فيفرق بين مطلقها ومقيدها. وهذه الأقوال الثلاثة للنحاة، وقال بكل قول طائفة. وقد وصف الله تعالى المنافقين بعدم الفقه في مثل قوله تعالى: {هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السماوات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون} [سورة المنافقون 7] . وفي مثل قوله: {ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم} [سورة محمد 16] . فدل على أنهم لم يكونوا يفقهون القرآن. لكن قوله حديثا نكرة في سياق النفي فتعم، كما قال في الكهف: {وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا} [سورة الكهف 93] . ومعلوم أنهم [3] لا بد أن يفقهوا بعض الأقوال، وإلا فلا يعيش الإنسان بدون ذلك، فعلم أن المراد أنهم يفقهون بعد أن كادوا لم يفقهوه [4] . (1) ن، م، و، ر، ي: منتف. (2) ن، م: وقد قيل. (3) ن، م، أ: أنه. (4) م، أ: كادوا لا يفقهون، ح: كادوا لم يفقهوا. وكذلك في الرواية [1] ، وهذا أظهر أقوال النحاة [2] وأشهرها. والمقصود أن هؤلاء لو فقهوا القرآن لعلموا أنك ما أمرتهم إلا بخير، وما نهيتهم إلا عن شر، وأنه لم تكن المصيبة الحاصلة لهم بسببك، بل بسبب ذنوبهم. ثم قال الله تعالى: {ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك} [سورة النساء 79] . قال ابن عباس: وأنا [3] كتبتها عليك. وقيل: إنها في حرف عند الله [4] وأنا قدرتها عليك. وهذا كقوله: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير} [سورة الشورى 30] ، وقوله: {أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم} [سورة آل عمران 165] وقوله: {وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فإن الإنسان كفور} [سورة الشورى 48] . وأما رواية كردم عن يعقوب: فمن نفسك، فمعناها يناقض القراءة المتواترة فلا يعتمد عليها. ومعنى هذه الآية كما في الحديث الصحيح الإلهي: "«يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه»" [5] . ومعنى هذه الآية متناول لكل من نسب ما أصابه من المصيبة إلى ما (1) م، و، أ، ر: الروية، ي: الرؤية. (2) ح، ر، ب: الأقوال للنحاة. (3) ن: فأنا. (4) عند الله، كذا في (ن) ، والكلمة غير منقوطة في (م) ، (ن) ، (ي) ، وفي سائر النسخ: عبد الله. (5) سبق هذا الحديث فيما مضى 1/139 أمر الله به ورسوله كائنا من كان [1] . فمن قال: إنه بسبب تقديمه لأبي بكر وعمر، واستخلافه في الصلاة، أو بسبب ولايتهما، حصل لهم [2] مصيبة. قيل: مصيبتكم بسبب ذنوبكم: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا - ويرزقه من حيث لا يحتسب} [سورة الطلاق 2 - 3] ، بل هذا كله من أذى المؤمنين بغير ما اكتسبوا وقد قال تعالى: {ولا يغتب بعضكم بعضا} [سورة الحجرات: 12] . وثبت في الصحيح [3] عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "«الغيبة ذكرك أخاك بما يكره" . قيل: أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: "إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته» [4]" . فمن رمى أحدا بما ليس فيه فقد بهته، فكيف إذا كان ذلك في الصحابة؟ . ومن قال عن مجتهد: إنه تعمد الظلم وتعمد [5] معصية الله ورسوله ومخالفة الكتاب والسنة، ولم يكن كذلك فقد بهته، وإذا كان فيه ذلك فقد اغتابه، لكن يباح من ذلك ما أباحه [6] الله ورسوله، وهو ما يكون [7] (1) ن: ما كان. (2) ن، م: له. (3) ن، م: وفي الصحيح. (4) الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه في: مسلم 4/2001 كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الغيبة، وأوله: أتدرون ما الغيبة، الحديث وهو مع اختلاف في اللفظ في: سنن أبي داود 4/370 - 371 كتاب الأدب، باب في الغيبة، سنن الترمذي 3/220 - 221 كتاب البر والصلة، باب ما جاء في الغيبة، سنن الدارمي 2/299 كتاب الرقاق، باب ما جاء في الغيبة، المسند ط. المعارف 12/132 - 133. 17/95، 105، 19/70. (5) ح، ب: أو تعمد. (6) ن: ما أباح. (7) ن: ما كان يكون. على وجه القصاص والعدل، وما يحتاج إليه لمصلحة الدين ونصيحة المسلمين. فالأول كقول المشتكي المظلوم: فلان ضربني وأخذ مالي ومنعني حقي ونحو ذلك. قال تعالى: {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم} [سورة النساء: 148] ، وقد نزلت فيمن ضاف قوما فلم يقروه، لأن قرى الضيف واجب، كما دلت عليه [1] الأحاديث الصحيحة، فلما منعوه حقه كان له ذكر ذلك، وقد أذن له النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعاقبهم [2] بمثل قراه في زرعهم ومالهم، وقال: "نصره واجب على كل مسلم" [3] لأنه قد ثبت عنه في الصحيح أنه قال: "«انصر أخاك ظالما أو مظلوما" قلت: يا رسول الله، أنصره مظلوما فكيف أنصره ظالما؟ قال: تمنعه [4] من الظلم فذلك نصرك إياه» "[5] ." وأما الحاجة فمثل استفتاء هند بنت عتبة، كما ثبت في الصحيح أنها (1) عليه: زيادة في (ح) ، (ب) . (2) يعاقبهم: كذا في (ح) ، (ر) ، (ب) وفي سائر النسخ: يعقبهم. (3) أورد ابن كثير في تفسيره 2/394 - 396 الأحاديث الواردة في تفسير آية 148 من سورة النساء، ومنها حديث تفرد أحمد به في مسنده ط. الحلبي 4/133 عن المقدام بن أبي كريمة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أيما مسلم أضاف قوما فأصبح الضيف محروما، فإن حقا على كل مسلم نصره حتى يأخذ بقرى الليلة ليلته، من زرعه وماله. والحديث بمعناه عن أبي هريرة في المسند وصحح الألباني حديث أبي هريرة في سلسلة الأحاديث الصحيحة 2/194 (4) ن، م: بمنعه. (5) الحديث مع اختلاف يسير في الألفاظ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه في: البخاري 3/128 - 129 كتاب المظالم والغصب، باب أعن أخاك ظالما أو مظلوما 9/22 كتاب الإكراه، باب يمين الرجل لصاحبه أنه أخوه، سنن الترمذي 3/326 - 357 كتاب الفتن، باب 59 حدثنا محمد بن حاتم المؤدب، المسند ط. الحلبي 3/99، 201
__________________
|
#316
|
||||
|
||||
![]() ![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد الخامس الحلقة (316) صـ 145 إلى صـ 154 «قالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني وبني ما يكفيني بالمعروف. فقال: النبي - صلى الله عليه وسلم: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف»" أخرجاه في الصحيحين من حديث عائشة [1] ، فلم ينكر عليها قولها، وهو من جنس قول المظلوم. وأما النصيحة فمثل «قوله - صلى الله عليه وسلم - لفاطمة بنت قيس لما استشارته فيمن خطبها فقالت: خطبني أبو جهم ومعاوية. فقال: "أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه" وفي لفظ: "يضرب النساء" ، "انكحي أسامة»" [2] فلما استشارته حتى تتزوج [3] ذكر ما تحتاج إليه. وكذلك من استشار رجلا فيمن [4] يعامله. والنصيحة مأمور بها ولو لم (1) الحديث عن عائشة رضي الله عنها في: البخاري 3/79 كتاب البيوع باب من أجرى الأمصار على ما يتعارفون بينهم. وجاء الحديث بمعناه في مواضع أخرى كثيرة في البخاري في ط. الدكتور مصطفى البغا: الأرقام: 2328، 3613، 5044، 5049، 5055، 6265، 6742، 6758، وأورد مسلم الحديث في صحيحه بألفاظ مختلفة عن عائشة 3/1338 - 1339 كتاب الأقضية، باب قضية هند، والحديث في سنن النسائي وابن ماجه والدارمي. (2) الحديث عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها في: مسلم 2/1114 كتاب الطلاق باب المطلقة ثلاثا لا نفقة لها، سنن أبي داود 2/383 كتاب الطلاق باب في نفقة المبتوتة، سنن الترمذي 2/301 - 302 كتاب النكاح، باب ما جاء أن لا يخطب الرجل على خطبة أخيه، المسند ط. الحلبي 6/411، 412 والحديث في سنن النسائي والموطأ. (3) ح، ر، ب: فيمن تتزوج. (4) ن، م، و، ي: ممن. يشاوره ; فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: "«الدين النصيحة، الدين النصيحة»" ثلاثا. قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم "[1] ." وكذلك بيان أهل العلم لمن غلط في رواية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أو تعمد الكذب عليه، أو على من ينقل عنه العلم. وكذلك بيان من غلط في رأي رآه في أمر الدين من المسائل العلمية والعملية ; فهذا إذا تكلم فيه الإنسان بعلم وعدل، وقصد النصيحة، فالله تعالى يثيبه على ذلك، لا سيما إذا كان المتكلم فيه داعيا إلى بدعة، فهذا يجب بيان أمره للناس، فإن دفع شره عنهم أعظم من دفع شر قاطع الطريق. وحكم المتكلم باجتهاده في العلم والدين حكم أمثاله من المجتهدين. ثم قد يكون مجتهدا مخطئا أو مصيبا، وقد يكون كل من الرجلين المختلفين باللسان أو اليد مجتهدا يعتقد الصواب معه، وقد يكونان جميعا مخطئين مغفورا لهما، كما ذكرنا نظير ذلك مما كان يجري بين الصحابة. ولهذا ينهى عما شجر بين هؤلاء سواء كانوا من الصحابة أو ممن بعدهم [2] ، فإذا تشاجر مسلمان في قضية، ومضت ولا تعلق للناس بها، ولا يعرفون حقيقتها، كان كلامهم فيها كلاما [3] بلا علم ولا عدل يتضمن أذاهما [4] بغير حق، ولو عرفوا أنهما مذنبان أو مخطئان، لكان ذكر ذلك (1) سبق الحديث فيما مضى 4/528 (2) أو ممن بعدهم: كذا في (ن) ، (م) ، (ر) ، وفي سائر النسخ: أو من بعدهم. (3) ن فقط: ذكر. (4) ح، ب: أذاهم. من غير مصلحة راجحة من باب الغيبة المذمومة. لكن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين [1] أعظم حرمة، وأجل قدرا، وأنزه أعراضا. وقد ثبت من فضائلهم خصوصا وعموما ما لم يثبت لغيرهم، فلهذا كان الكلام الذي فيه ذمهم على ما شجر بينهم أعظم إثما من الكلام في غيرهم. فإن قيل: فأنتم في هذا المقام [2] تسبون الرافضة وتذمونهم وتذكرون عيوبهم. قيل: ذكر الأنواع المذمومة غير ذكر الأشخاص المعينة ; فإنه قد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لعن أنواعا كثيرة، كقوله: "«لعن الله الخمر وشاربها، وعاصرها ومعتصرها، وحاملها والمحمولة إليه، وبائعها وآكل ثمنها» [3]" و "«لعن الله آكل الربا وموكله، وكاتبه وشاهديه»" [4] ، و "«لعن الله من غير منار الأرض»" [5] وقال: "«المدينة" (1) ن، م، أ: رضي الله عنهم، ي، ر: رضوان الله عليهم. (2) ن: فأنتم فيه في هذا المقام، و: فأنتم في هذا المكان. (3) سبق الحديث فيما مضى 4/568 - 569 (4) سبق الحديث فيما مضى 4/568 (5) الحديث عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه بروايات مختلفة في مسلم 3/1567 كتاب الأضاحي، باب تحريم الذبح لغير الله تعالى ولعن فاعله ونص الرواية الأولى حدثنا أبو الطفيل عمر بن واثلة، قال: كنت عند علي بن أبي طالب فأتاه رجل فقال: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسر إليك؟ قال: فغضب وقال: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسر إلي شيئا يكتمه الناس، غير أنه حدثني بكلمات أربع: قال: فقال: ما هن يا أمير المؤمنين؟ قال: قال: (لعن الله من لعن ولده، ولعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من آوى محدثا، ولعن الله من غير منار الأرض) . قال النووي في شرحه على مسلم 13/141: المراد بمنار الأرض بفتح الميم علامات حدودها، والحديث في سنن النسائي 7/204 - 205 كتاب الضحايا، باب من ذبح لغير الله عز وجل، المسند ط. المعارف 2/156 والحديث بمعناه عن ابن عباس رضي الله عنهما في: المسند ط. المعارف 3/266، 4/292 - 293، 326 - 327 حرم [1] ما بين عير إلى ثور، فمن أحدث فيها حدثا، أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا» "[2] ." وقال: "«لعن الله من عمل عمل قوم لوط»" [3] وقال: "«لعن الله المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء»" [4] وقال: "«من ادعى إلى غير [5] أبيه،" (1) ح، م، ب: حرام. (2) الحديث مع اختلاف في اللفظ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في البخاري 3/20 كتاب فضائل المدينة، باب حرم المدينة، وهو في مواضع أخرى من البخاري انظر ط. د. البغا الأرقام: 3001، 3008، 6374، 6870 والحديث في مسلم 2/994 - 999 كتاب الحج، باب فضل المدينة، وهو في مواضع أخرى في مسلم وفي سنن أبي داود والترمذي والنسائي ومسند أحمد. (3) جاء ذلك في حديث ابن عباس الذي أشرت إليه قبل قليل، ونصه في: المسند ط. المعارف 3/266: (ملعون من سب أباه، ملعون من سب أمه، ملعون من ذبح لغير الله، ملعون من غير تخوم الأرض، ملعون من كمه أعمى عن طريق، ملعون من وقع على بهيمة، ملعون من عمل بعمل قوم لوط) وصحح أحمد شاكر رحمه الله الحديث، وكذلك الأحاديث الأخرى رقم 2817، 2915، 2916، 2917 وأورد الترمذي في سننه 3/9 كتاب الحدود، باب ما جاء في حد اللوطي حديثا عن عمرو بن أبي عمرو ونصه: (ملعون من عمل عمل قوم لوط) (4) الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما في البخاري 7/159 كتاب اللباس، باب إخراج المتشبهين من الرجال بالنساء، ولفظه: لعن النبي صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء، وقال: أخرجوهم من بيوتكم، قال: فأخرج النبي صلى الله عليه وسلم فلانا وأخرج عمر فلانا، وجاء الحديث مختصرا في: سنن الترمذي 4/194 كتاب الاستئذان، باب ما جاء في المتشبهات بالرجال من النساء، وهو في سنن الدارمي 2/280 - 281 كتاب الاستئذان، باب لعن المخنثين والمترجلات، المسند ط. المعارف 3/305 - 314 وفي مواضع أخرى. (5) م، و: لغير، ن: من غير. أو تولى [1] غير مواليه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا» "[2] ." وقال الله تعالى في القرآن: {أن لعنة الله على الظالمين - الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا} [سورة الأعراف: 44 - 45] . فالقرآن والسنة مملوءان من ذم الأنواع المذمومة وذم أهلها ولعنهم، تحذيرا من ذلك الفعل، وإخبارا بما يلحق أهله من الوعيد. ثم المعاصي التي يعرف صاحبها أنه عاص [يتوب منها، والمبتدع الذي يظن أنه على حق كالخوارج والنواصب الذي نصبوا العداوة والحرب] [3] لجماعة المسلمين فابتدعوا بدعة، وكفروا من لم يوافقهم عليها، فصار بذلك ضررهم على المسلمين أعظم من ضرر الظلمة، الذين يعلمون أن الظلم محرم، وإن كانت عقوبة أحدهم في الآخرة لأجل التأويل قد تكون أخف، لكن أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - (1) ن: وتولى، و: ومن تولى. (2) ذكر أبو داود في سننه 4/449 - 450 كتاب الأدب، باب في الرجل ينتمي إلى غير مواليه ثلاث أحاديث: الأول عن سعد بن أبي وقاص (سعد بن مالك) رضي الله عنه ونصه: (من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام) ، والثاني عن أبي هريرة: (من تولى قوما بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه يوم القيامة عدل ولا صرف) والثالث عن أنس بن مالك: (من ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله المتتابعة إلى يوم القيامة) والظاهر أن ابن تيمية أدمج هذه الأحاديث الثلاثة، وانظر حديث سعد بن أبي وقاص في المسند ط. المعارف ج [0 - 9] الأرقام 1454، 1497، 1499، 1504، 1553 وانظر المسند ط. الحلبي 5/267 وقد صحح الألباني حديث أنس وسعد بن أبي وقاص في صحيح الجامع الصغير 5/233 - 234 (3) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) . بقتالهم، ونهى عن قتال الأمراء الظلمة، وتواترت عنه بذلك الأحاديث الصحيحة. فقال: في الخوارج: "«يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وقراءته مع قراءتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، أينما لقيتموهم فاقتلوهم»" [1] . وقال في بعضهم: "«يقتلون أهل الإيمان: ويدعون أهل الأوثان»" [2] . وقال للأنصار: "«إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض»" [3] أي تلقون من يستأثر عليكم بالمال ولا ينصفكم، فأمرهم بالصبر، ولم يأذن لهم في قتالهم. وقال أيضا: "«سيكون عليكم بعدي أمراء يطلبون منكم حقكم ويمنعونكم حقهم" . قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: "أدوا إليهم" (1) انظر ما سبق من الكلام عن أحاديث الخوارج في هذا الكتاب 1/66 (2) هذا جزء من حديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أوله - وهذه رواية البخاري - بعث علي رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذهبية فقسمها بين الأربعة. الحديث: وفيه إن من ضئضئ هذا أو في عقب هذا قوم يقرءون القرآن إلخ، والحديث في البخاري 4/137 كتاب الأنبياء، باب قول الله عز وجل: وأما عاد فأهلكوا الآية 9/127 كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: تعرج الملائكة والروح إليه، مسلم 2/741 - 742 كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم، سنن أبي داود 4/335 كتاب السنة، باب في قتال الخوارج، سنن النسائي بشرح السيوطي 5/65 - 66 كتاب الزكاة، باب المؤلفة قلوبهم، 7/108 - 109 كتاب تحريم الدماء، من شهر سيفه ثم وضعه في الناس المسند ط. المعارف 7/308 عن عبد الله بن عمر وهو جزء من الحديث مع اختلاف في اللفظ. (3) سبق الحديث فيما مضى 4/240 حقهم وسلوا الله حقكم» "[1] ." وقال: "«من رأى من أميره شيئا فليصبر عليه ; فإنه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه»" [2] . وقال: "«من خرج عن الطاعة وفارق الجماعة مات ميتة جاهلية»" [3] . وقال: "«خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم" . قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: "لا ما صلوا»" [4] . وهذه الأحاديث كلها في الصحيح، إلى أحاديث أمثالها. فهذا أمره بقتال الخوارج، وهذا نهيه عن قتال الولاة الظلمة. وهذا مما يستدل به على أنه ليس كل ظالم باغ يجوز قتاله. ومن أسباب ذلك أن الظالم الذي [5] يستأثر بالمال والولايات لا يقاتل في العادة إلا لأجل الدنيا [6] ، يقاتله [7] الناس حتى يعطيهم المال والولايات، وحتى لا يظلمهم، فلم يكن أصل قتالهم ليكون الدين كله لله، ولتكون كلمة الله هي العليا، ولا كان قتالهم من جنس قتال المحاربين قطاع الطريق، الذين قال فيهم [8] : "«من قتل دون ماله فهو" (1) سبق الحديث فيما مضى 1/118 (2) سبق الحديث فيما مضى 1/113 (3) سبق الحديث فيما مضى 1/112 - 113 (4) سبق الحديث فيما مضى 1/116 (5) الذي: ساقطة من (ن) ، (م) ، (و) . (6) الدنيا: ساقطة من (ن) ، (م) ، (و) . (7) ن، م: يقاتل، وهو خطأ. (8) ن، م: الذين قتل فيهم وهو تحريف. شهيد، ومن قتل دون [دينه فهو شهيد، ومن قتل دون] [1] حرمته فهو شهيد» "[2] لأن أولئك معادون لجميع الناس، وجميع الناس يعينون على قتالهم، ولو قدر أنه ليس كذلك العداوة والحرب، فليسوا ولاة أمر قادرين على الفعل والأخذ، بل هم بالقتال يريدون أن يأخذوا أموال الناس ودماءهم، فهم مبتدءون الناس بالقتال، بخلاف ولاة الأمور فإنهم لا يبتدءون بالقتال للرعية." وفرق بين [3] من تقاتله دفعا وبين من تقاتله ابتداء. ولهذا هل يجوز في حال الفتنة قتال الدفع؟ فيه عن أحمد روايتان لتعارض الآثار والمعاني. وبالجملة العادة المعروفة أن الخروج على ولاة الأمور يكون لطلب ما في أيديهم من المال والإمارة، وهذا قتال على الدنيا. (1) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) ، (ح) ، (ب) ، (أ) ، وفي (ر) : دون دمه. (2) لم أجد عبارة: ومن قتل دون حرمته فهو شهيد، ولكن وجدت حديثا في قوله صلى الله عليه وسلم: (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد) والحديث عن سعيد بن زيد رضي الله عنه في: سنن أبي داود 4/339 كتاب السنة باب في قتال اللصوص، سنن الترمذي 2/435، 436 كتاب الديات، باب ما جاء من قتل دون ماله فهو شهيد، زاد في بعض الأحاديث: ومن قتل دون دمه فهو شهيد، وجاء الحديث مختصرا عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه سنن النسائي 7/105 - 107 كتاب تحريم الدم، باب من قتل دون ماله عن عبد الله بن عمرو وعن سليمان بن بريدة، باب من قاتل دون أهله، باب من قاتل دون دينه، باب من قاتل دون مظلمته عن سويد بن مقرن، سنن ابن ماجه 2/861 كتاب الحدود، باب من قتل دون ماله فهو شهيد، وجاء حديث عبد الله بن عمرو من قتل دون ماله فهو شهيد، في البخاري 3/136 كتاب المظالم، باب من قاتل دون ماله، مسلم 1/124، 125 كتاب الإيمان، باب عن أن من قصد أخذ مال غيره بغير حق، المسند ط. المعارف 3/119، 10/43، 11/153، 154 (3) بين: ساقطة من (ن) . ولهذا قال أبو برزة الأسلمي عن فتنة ابن الزبير، وفتنة القراء مع الحجاج، وفتنة مروان بالشام: هؤلاء وهؤلاء وهؤلاء إنما يقاتلون على الدنيا، وأما أهل البدع كالخوارج فهم يريدون إفساد دين الناس، فقتالهم قتال على [1] الدين. والمقصود بقتالهم أن تكون كلمة الله هي العليا، ويكون الدين كله لله. فلهذا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا، ونهى عن ذلك. ولهذا كان قتال علي رضي الله عنه للخوارج [2] ثابتا بالنصوص الصريحة، وبإجماع الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وسائر علماء المسلمين. وأما قتال الجمل وصفين فكان قتال فتنة، كرهه فضلاء الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر العلماء، كما دلت عليه النصوص. حتى الذين حضروه كانوا كارهين له، فكان كارهه في الأمة أكثر وأفضل من حامده. وقد ثبت في الصحيحين من غير وجه «أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقسم مالا فجاء ذو الخويصرة التميمي، وهو محلوق الرأس، كث اللحية، ناتئ الجبين، بين عينيه أثر السجود، فقال: يا محمد اعدل فإنك لم تعدل. فقال: "ويحك ومن [3] يعدل إذا لم أعدل؟" ثم قال: أيأمنني [4] من في السماء ولا تأمنوني [5] ؟ "فقال له: بعض الصحابة: دعني" (1) على: ساقطة من (ن) ، (م) ، وفي (و) (ر) (ي) : عن. (2) م، ب: الخوارج. (3) ن، م: فمن. (4) ب فقط: ويحك أيأمنني. (5) م: ولا تأمنوني في الأرض. أضرب عنقه. فقال: "يخرج من ضئضئ هذا أقوام يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم»" الحديث [1] . فهذا كلامه في هؤلاء العباد لما كانوا مبتدعين. وثبت عنه في الصحيح «أن رجلا كان يشرب الخمر، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - كلما أتي به إليه جلده الحد، فأتي به إليه مرة فلعنه رجل، وقال: ما أكثر ما يؤتى به النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "لا تلعنه ; فإنه يحب الله ورسوله»" [2] فنهى عن لعن هذا المعين المدمن الذي يشرب الخمر، وشهد له بأنه يحب الله ورسوله، مع لعنة شارب الخمر عموما. فعلم الفرق بين العام المطلق والخاص المعين، وعلم أن أهل الذنوب الذين يعترفون بذنوبهم أخف ضررا على المسلمين من أمر أهل البدع الذين يبتدعون بدعة يستحلون بها عقوبة من يخالفهم. والرافضة أشد بدعة من الخوارج، وهم يكفرون من لم تكن الخوارج تكفره، كأبي بكر وعمر، ويكذبون على النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة كذبا ما كذب أحد مثله، والخوارج لا يكذبون، لكن الخوارج كانوا أصدق وأشجع منهم، وأوفى بالعهد منهم، فكانوا أكثر قتالا منهم، وهؤلاء أكذب وأجبن وأغدر وأذل. (1) الحديث عن أبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله رضي الله عنهما مع اختلاف في الألفاظ في البخاري 4/200 كتاب المناقب، باب علامات النبوة، مسلم 2/744 - 745 كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم المسند ط. الحلبي 3/65، 68، 73/353، 354 - 355 وانظر جامع الأصول لابن الأثير 10/436 - 440 سنن ابن ماجه 1/60 - 61 المقدمة باب في ذكر الخوارج. (2) سبق الحديث فيما مضى 4/457 - 458
__________________
|
#317
|
||||
|
||||
![]() ![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد الخامس الحلقة (317) صـ 155 إلى صـ 164 وهم يستعينون بالكفار على المسلمين، فقد رأينا ورأى المسلمون أنه إذا ابتلي المسلمون بعدو كافر كانوا معه على المسلمين، كما جرى لجنكزخان [1] ملك التتر [2] الكفار، فإن الرافضة أعانته على المسلمين [3] . وأما إعانتهم لهولاكو ابن ابنه لما جاء إلى خراسان والعراق والشام فهذا أظهر وأشهر من أن يخفى على أحد، فكانوا بالعراق وخراسان من أعظم أنصاره ظاهرا وباطنا [4] ، وكان وزير الخليفة ببغداد [5] الذي يقال له ابن العلقمي منهم [6] ، فلم يزل يمكر بالخليفة والمسلمين، ويسعى في قطع أرزاق عسكر المسلمين وضعفهم، وينهى العامة عن قتالهم، ويكيد أنواعا من الكيد، حتى دخلوا فقتلوا من المسلمين ما يقال: إنه بضعة عشر ألف ألف إنسان، أو أكثر أو أقل، ولم ير في الإسلام ملحمة مثل ملحمة الترك الكفار المسمين بالتتر، وقتلوا الهاشميين وسبوا نساءهم من العباسيين وغير العباسيين [7] ، فهل يكون مواليا لآل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من يسلط الكفار على قتلهم وسبيهم وعلى سائر المسلمين؟ . (1) ن: لجنكشخان، ي، ر، أ، م: لجنكسخان. (2) ملك التتر: كذا في (ن) ، (م) وفي سائر النسخ: ملك الترك. (3) انظر عن غزو جنكزخان لمناطق من العالم الإسلامي أحداث سنة 617 هـ في تاريخ ابن الأثير 12/137 - 153 البداية والنهاية 13/86 - 91 وقد توفي جنكزخان سنة 624 وانظر عنه: البداية والنهاية 13/117 - 121 ; دائرة المعارف الإسلامية مقالة بارتولد. (4) ح، ب: باطنا وظاهرا. (5) ببغداد: ساقطة من (ن) ، (م) ، (أ) . (6) الذي يقال له ابن العلقمي منهم: كذا في (أ) ، (ب) وفي سائر النسخ: منهم يقال له ابن العلقمي. (7) ن، م: وغيرهم، وانظر ما سبق أن ذكرته عن ذلك في المقدمة، ص 21 (م) وانظر ما ذكره الأستاذ محب الدين الخطيب رحمه الله في تعليقه على المنتقى من منهاج الاعتدال ص [0 - 9] 25 - 326 حيث نقل عن الخوانساري في كتابه روضات الجنات ص 578 عند ترجمة نصير الدين الطوسي قوله عنه: ومجيئه في موكب السلطان المؤيد هولاكو مع كمال الاستعداد إلى دار السلام بغداد، لإرشاد العباد وإصلاح العباد، وقطع دابر سلسلة البغي والفساد، وإخماد ثائرة الجور والإلباس، بإبادة دائرة ملك بني العباس، وإيقاع القتل العام، من أتباع أولئك الطغام، إلى أن أسال دماءهم الأقذار، كأمثال الأنهار، فانهار بها في ماء دجلة، ومنها إلى نار جهنم دار البوار، ومحل الأشقياء والأشرار. وانظر تعليق الأستاذ محب الدين في هذا الموضع وفي ص 20 من الكتاب، وانظر تعليقه في هامش ص 326 - 327 على ابن العلقمي وكلامه على دوره في تحريض هولاكو على الزحف على بغداد وخداعه للخليفة المستعصم. . . إلخ. وهم يكذبون على الحجاج وغيره أنه قتل الأشراف، ولم يقتل الحجاج هاشميا قط، مع ظلمه وغشمه ; فإن عبد الملك نهاه عن ذلك، وإنما قتل ناسا من أشراف العرب غير بني هاشم، وقد تزوج هاشمية، وهي بنت عبد الله بن جعفر، فما مكنه بنو أمية من ذلك، وفرقوا بينه وبينها وقالوا: ليس الحجاج كفوا لشريفة هاشمية. وكذلك من كان [1] بالشام من الرافضة الذين لهم كلمة أو سلاح يعينون الكفار من المشركين ومن النصارى [2] أهل الكتاب على المسلمين، على قتلهم وسبيهم وأخذ أموالهم. والخوارج ما عملت من هذا شيئا، بل كانوا هم [3] يقاتلون الناس، لكن ما كانوا يسلطون الكفار من المشركين وأهل الكتاب على المسلمين. (1) ن: وكان كذلك من كان. (2) ن: والنصارى. (3) هم: في (ن) ، (م) ، (أ) فقط. ودخل في الرافضة من الزنادقة المنافقين [1] : الإسماعيلية والنصيرية وغيرهم ممن [2] لم يكن يجترئ أن يدخل عسكر الخوارج، لأن الخوارج كانوا عبادا متورعين، كما قال فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم: "«يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم [وصيامه مع صيامهم] »" [3] الحديث [4] ، فأين هؤلاء الرافضة من الخوارج؟ . والرافضة فيهم من هو متعبد متورع زاهد، لكن ليسوا في ذلك مثل غيرهم من أهل الأهواء، فالمعتزلة أعقل منهم وأعلم وأدين، والكذب والفجور فيهم أقل منه في الرافضة. والزيدية من الشيعة خير منهم: أقرب إلى الصدق والعدل والعلم [5] ، وليس في أهل الأهواء أصدق ولا أعبد من الخوارج، ومع هذا فأهل السنة يستعملون معهم العدل والإنصاف ولا يظلمونهم ; فإن الظلم حرام مطلقا كما تقدم، بل أهل السنة لكل طائفة من هؤلاء خير من بعضهم لبعض، بل هم للرافضة خير وأعدل من بعض الرافضة لبعض. وهذا مما يعترفون هم به، ويقولون: أنتم تنصفوننا [6] ما لا ينصف (1) المنافقين: ساقطة من (ن) ، (م) ، (أ) . (2) أ، ب: من. (3) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) ، (أ) ، (و) وسبق الكلام على أحاديث الخوارج في الصفحات السابقة. (4) مضى هذا الحديث من قبل في هذا الجزء ص 150، 154 (5) ن، م، أ: والعلم والعدل. (6) أنتم تنصفوننا: كذا في (ح) ، وفي (أ) ، (ي) ، (و) ، (ر) أنتم تنصفونا، وفي (ن) (م) : أنهم ينصفونا. بعضنا بعضا. وهذا لأن الأصل الذي اشتركوا فيه أصل فاسد مبني على جهل وظلم، وهم مشتركون في ظلم سائر المسلمين، فصاروا بمنزلة قطاع الطريق المشتركين في ظلم الناس. ولا ريب أن المسلم العالم العادل أعدل عليهم وعلى بعضهم من بعض. والخوارج تكفر أهل الجماعة، وكذلك أكثر المعتزلة يكفرون من خالفهم وكذلك أكثر الرافضة ومن لم يكفر فسق. وكذلك أكثر أهل الأهواء يبتدعون رأيا، ويكفرون [1] من خالفهم فيه، وأهل السنة يتبعون الحق من ربهم الذي جاء به الرسول، ولا يكفرون من خالفهم فيه، بل هم أعلم بالحق وأرحم بالخلق، كما وصف الله به المسلمين بقوله: {كنتم خير أمة أخرجت للناس} [آل عمران 110] . قال أبو هريرة: كنتم خير الناس للناس [2] . وأهل السنة نقاوة المسلمين، فهم خير الناس للناس. وقد علم أنه كان بساحل الشام جبل كبير، فيه ألوف من الرافضة يسفكون دماء الناس، ويأخذون أموالهم، وقتلوا خلقا عظيما وأخذوا أموالهم، ولما انكسر المسلمون سنة غازان [3] ، أخذوا الخيل والسلاح (1) ويكفرون: كذا في (ح) ، (ب) وفي سائر النسخ فيكفرون. (2) ورد هذا الأثر في: البخاري 6/37 - 38 كتاب التفسير، سورة آل عمران، باب {كنتم خير أمة أخرجت للناس} ونصه فيه: عن أبي هريرة رضي الله عنه: كنتم خير أمة أخرجت للناس قال: خير الناس للناس تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام، وانظر تفسير ابن كثير للآية 2/77 ط. دار الشعب. (3) ن، م: في غازان، و: سنة قازان، أ: سنة عازاب، وهو تحريف وذكر الأستاذ محب الدين الخطيب رحمه الله في تعليقه على المنتقى من منهاج الاعتدال ص 329 ت [0 - 9] ما يلي: سنة غازان هي سنة 699 وغازان 670 - 703 هو أخو خدابنداه 680 - 716 الذي ألف له الرافضي الكتاب المردود عليه، وقد تقدم التعريف به وبأسلافه في التعليق على خطبة هذا الكتاب ص 18 والواقعة التي أشار إليها شيخ الإسلام هي أن دمشق كانت في ذلك الحين تابعة للملكة المصرية، وكان ملك مصر الناصر محمد بن قلاوون الذي عاد من منفاه بالكرك بعد قتل المنصور لاجين في السنة الماضية 698 وكان نائب السلطان المصري في دمشق وبلاد الشام آقوش الأفرم بعد أن فر سلفه سيف الدين قبجق المنصوري إلى إيران والتحق بملكها غازان المذكور، فوردت الأخبار في أواخر سنة 698 بزحف غازان من إيران نحو حلب، وعلم بذلك الناصر محمد بن قلاوون فخرج من مصر إلى غزة في محرم 699 ولبث فيها شهرين يستعد ويراقب حركات غازان، وفي ربيع الأول 699 وصل الناصر إلى دمشق، وكان الوقت شتاء ديسمبر 1219 م فتمون من دمشق بالرجال والأموال والعتاد حتى اقترضوا أموال الأيتام، وزحف إلى الشمال، فالتقى بالتتار في وادي سلمية يوم 27 ربيع الأول 699 وكانت ملحمة انكسرت فيها جيوش الناصر محمد بن قلاوون، وواصل غازان زحفه فاستولى على بعلبك والبقاع، فنزح أعيان دمشق إلى مصر يتبعون الملك الناصر في انسحابه، وبقيت دمشق بلا رعاة، والتف الشاميون حول شيخ الإسلام ابن تيمية يطلبون منه الخروج لمقابلة غازان وطلب الأمان للشعب، وذكر الأستاذ محب الدين بعد ذلك ما جرى بين ابن تيمية وغازان في لقاء بينهما، ثم ذكر ما جرى من التتار بعد ذلك حتى أواسط شعبان سنة 699 انظر هامش ص 330 - 332 وانظر عن سنة غازان أو وقعة غازان: البداية والنهاية 14/6 - 11. والأسرى [1] وباعوهم للكفار النصارى [2] بقبرص، وأخذوا من مر بهم من الجند، وكانوا أضر على المسلمين من جميع الأعداء، وحمل بعض أمرائهم راية النصارى، وقالوا له: أيما [3] خير: المسلمون أو النصارى؟ فقال: بل النصارى. فقالوا له: مع من تحشر يوم القيامة؟ فقال: مع النصارى. وسلموا إليهم [4] بعض بلاد المسلمين. (1) ح، ب: والأسارى. (2) ح، ب: للكفار والنصارى. (3) ن، م: من. (4) ح: لهم. ومع هذا فلما استشار بعض [1] ولاة الأمر في غزوهم، وكتبت جوابا مبسوطا في غزوهم، وذهبنا إلى ناحيتهم وحضر عندي جماعة منهم، وجرت بيني وبينهم مناظرات ومفاوضات يطول وصفها، فلما فتح المسلمون بلدهم [2] ، وتمكن المسلمون منهم، نهيتهم عن قتلهم وعن سبيهم [3] ، وأنزلناهم في بلاد المسلمين متفرقين لئلا يجتمعوا. فما أذكره في هذا الكتاب من [4] ذم الرافضة وبيان كذبهم وجهلهم قليل من كثير مما أعرفه منهم، ولهم شر كثير لا أعرف تفصيله. ومصنف هذا الكتاب وأمثاله من الرافضة، إنما نقابلهم ببعض ما فعلوه بأمة محمد - صلى الله عليه وسلم: سلفها وخلفها ; فإنهم عمدوا إلى خيار أهل الأرض من الأولين والآخرين بعد النبيين والمرسلين، وإلى خيار أمة أخرجت للناس، فجعلوهم شرار الناس، وافتروا عليهم العظائم، وجعلوا حسناتهم سيئات [5] ، وجاءوا إلى شر من انتسب إلى الإسلام من أهل الأهواء وهم الرافضة بأصنافها: غاليها وإماميها وزيديها والله يعلم، وكفى بالله عليما [6] ، ليس في جميع الطوائف المنتسبة إلى الإسلام مع بدعة وضلالة شر منهم: لا أجهل ولا أكذب، ولا أظلم، ولا أقرب إلى الكفر والفسوق والعصيان، وأبعد عن حقائق (1) بعض: ساقطة من (ن) ، (م) ، (و) . (2) و: فلما فتح الله بلدهم. (3) ح: وسبيهم. (4) ح، ب: في. (5) ح، ب: سيئاتهم. (6) ن، م، أ، و: وكفى به عليما. الإيمان منهم، فزعموا أن هؤلاء هم صفوة الله من عباده ; فإن ما سوى أمة محمد كفار، وهؤلاء كفروا الأمة كلها أو ضللوها، سوى طائفتهم التي [1] يزعمون أنها الطائفة المحقة، وأنها لا تجتمع على ضلالة، فجعلوهم صفوة بني آدم. فكان مثلهم كمن جاء إلى غنم كثيرة، فقيل له: أعطنا خير هذه الغنم لنضحي بها، فعمد إلى شر تلك الغنم: إلى شاة عوراء عجفاء عرجاء مهزولة لا نقى لها [2] ، فقال: هذه خيار هذه الغنم لا تجوز الأضحية إلا بها، وسائر هذه الغنم ليست غنما، وإنما هي خنازير يجب قتلها، ولا تجوز الأضحية [3] بها. وقد ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "«من حمى مؤمنا من منافق حمى الله لحمه من نار جهنم يوم القيامة»" [4] . وهؤلاء الرافضة: إما منافق وإما جاهل، فلا يكون رافضي ولا جهمي إلا منافقا أو جاهلا بما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يكون فيهم أحد عالما بما جاء به الرسول مع الإيمان به، فإن مخالفتهم لما جاء (1) أ، ح، ر، و: الذين. (2) في اللسان: النقاوة أفضل ما انتقيت من الشيء، قال اللحياني: وجمع النقاوة نقا ونقاء. (3) ن، م: التضحية. (4) الحديث عن معاذ بن أنس الجهني رضي الله عنه في: سنن أبي داود 4/373 كتاب الأدب، باب من رد عن مسلم غيبته، ولفظه: من حمى مؤمنا من منافق. أراه قال: بعث الله ملكا يحمى لحمه يوم القيامة من نار جهنم، ومن رمى مسلما بشيء يريد شينه به حبسه الله على جسر جهنم حتى يخرج مما قال. والحديث في: المسند ط. الحلبي 3/441 وضعف الألباني الحديث في ضعيف الجامع الصغير 6/193. به الرسول وكذبهم عليه لا يخفى قط إلا على مفرط في الجهل والهوى. وشيوخهم المصنفون فيهم طوائف يعلمون أن كثيرا مما يقولونه كذب، ولكن يصنفون لهم لرياستهم عليهم. وهذا المصنف يتهمه الناس بهذا، ولكن صنف لأجل أتباعه ; فإن كان أحدهم يعلم أن ما يقوله باطل ويظهره ويقول: إنه حق من عند الله، فهو من جنس علماء اليهود الذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا، فويل لهم مما كتبت أيديهم، وويل لهم مما يكسبون. وإن كان يعتقد أنه حق، دل ذلك على نهاية جهله وضلاله. فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة ... وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم وهم في دينهم لهم عقليات وشرعيات، فالعقليات متأخروهم فيها أتباع المعتزلة، إلا من تفلسف منهم [1] ، فيكون إما فيلسوفا، وإما ممتزجا من فلسفة واعتزال، ويضم إلى ذلك الرفض، مثل مصنف هذا الكتاب وأمثاله، فيصيرون بذلك من أبعد الناس عن الله ورسوله، وعن دين المسلمين [2] المحض. وأما شرعياتهم فعمدتهم فيها على ما ينقل عن بعض أهل البيت [3] ، مثل أبي جعفر الباقر، وجعفر بن محمد الصادق وغيرهما. (1) ن، م: فيهم. (2) ح، ب: الإسلام. (3) ن، م: أهل العلم. ولا ريب أن هؤلاء من سادات المسلمين، وأئمة الدين، ولأقوالهم من الحرمة والقدر ما يستحقه أمثالهم، لكن كثير مما ينقل عنهم كذب، والرافضة لا خبرة لها بالأسانيد، والتمييز بين الثقات وغيرهم، بل هم في ذلك من أشباه أهل الكتاب، كل ما [1] يجدونه في الكتب منقولا عن أسلافهم قبلوه، بخلاف أهل السنة ; فإن لهم من الخبرة بالأسانيد ما يميزون به بين الصدق والكذب. وإذا صح النقل عن علي بن الحسين [2] فله أسوة نظراؤه كالقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله وغيرهما، كما كان علي بن أبي طالب مع سائر الصحابة. وقد قال تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} [سورة النساء: 59] . فأمر برد ما تنازع فيه المسلمون إلى الله والرسول. والرافضة لا تعتني بحفظ القرآن، ومعرفة معانيه وتفسيره، وطلب الأدلة الدالة على معانيه. ولا تعتني أيضا بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعرفة صحيحه من سقيمه، والبحث عن معانيه، ولا تعتني بآثار الصحابة والتابعين، حتى تعرف مآخذهم ومسالكهم، ويرد [3] ما (1) ب فقط: فكل. (2) ن: علي بن الحسن، وهو خطأ. (3) ح، ب: وترد. تنازعوا فيه إلى الله والرسول، بل عمدتها آثار تنقل عن بعض أهل البيت فيها صدق وكذب. وقد أصلت لها ثلاثة أصول: أحدها: أن كل واحد من هؤلاء إمام معصوم بمنزلة النبي، لا يقول إلا حقا ولا يجوز لأحد أن يخالفه، ولا يرد ما ينازعه فيه غيره إلى الله والرسول، فيقولون عنه ما كان هو وأهل بيته يتبرءون منه. والثاني: أن كل ما يقوله واحد من هؤلاء فإنه قد علم منه أنه قال: أنا أنقل كل ما أقوله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ويا ليتهم قنعوا بمراسيل التابعين كعلي بن الحسين، بل يأتون إلى من تأخر زمانه كالعسكريين فيقولون: كل ما قاله واحد من أولئك فالنبي قد قاله. وكل من له عقل يعلم أن العسكريين بمنزلة أمثالهما ممن كان في زمانهما من الهاشميين، ليس عندهم من العلم ما يمتازون به عن غيرهم، ويحتاج إليهم فيه أهل العلم، ولا كان أهل العلم يأخذون عنهم، كما يأخذون عن علماء زمانهم، وكما كان أهل العلم في زمن علي بن الحسين، وابنه أبي جعفر، وابن ابنه جعفر بن محمد ; فإن هؤلاء الثلاثة رضي الله عنهم قد أخذ أهل العلم عنهم، كما كانوا يأخذون
__________________
|
#318
|
||||
|
||||
![]() ![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد الخامس الحلقة (318) صـ 165 إلى صـ 174 عن أمثالهم، بخلاف العسكريين ونحوهما [1] ; فإنه لم يأخذ أهل العلم المعروفون بالعلم عنهم شيئا، فيريدون أن يجعلوا ما قاله الواحد من هؤلاء هو قول الرسول الذي بعثه الله إلى جميع العالمين، بمنزلة القرآن والمتواتر من السنن. وهذا مما لا يبني عليه دينه إلا من كان من أبعد الناس عن طريقة أهل العلم والإيمان. [زعم الرافضة أن إجماعهم هو إجماع العترة وأن إجماع العترة معصوم] وأصلوا أصلا ثالثا: وهو أن إجماع الرافضة هو إجماع العترة، وإجماع العترة معصوم. والمقدمة الأولى كاذبة بيقين. والثانية فيها نزاع، فصارت الأقوال التي فيها صدق وكذب على أولئك بمنزلة القرآن لهم، وبمنزلة السنة المسموعة من الرسول، وبمنزلة إجماع الأمة وحدها. وكل عاقل يعرف دين الإسلام وتصور هذا، فإنه يمجه أعظم مما يمج الملح الأجاج والعلقم، لا سيما من كان له خبرة بطرق أهل العلم، لا سيما مذاهب أهل الحديث وما عندهم من الروايات الصادقة التي لا ريب فيها عن المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى ; فإن هؤلاء جعلوا الرسول الذي بعثه الله إلى الخلق هو إمامهم المعصوم، عنه يأخذون دينهم، فالحلال ما حلله، والحرام ما حرمه، والدين ما شرعه، وكل قول يخالف قوله فهو مردود عندهم، وإن كان الذي قاله من خيار المسلمين وأعلمهم، وهو مأجور فيه على اجتهاده، لكنهم لا يعارضون قول الله وقول رسوله بشيء أصلا: لا نقل نقل عن غيره، ولا رأي رآه غيره. ومن سواه من أهل العلم فإنما هم وسائط في التبليغ عنه: إما للفظ حديثه، وإما لمعناه. فقوم بلغوا ما سمعوا منه من قرآن وحديث، وقوم (1) ر، ي: وأمثالهما. تفقهوا في ذلك عرفوا معناه، وما تنازعوا فيه ردوه إلى الله والرسول. [الحق لا يخرج عن أهل السنة] فلهذا لم يجتمع قط أهل الحديث على خلاف قوله في كلمة واحدة، والحق لا يخرج عنهم قط، وكل ما اجتمعوا عليه فهو مما جاء به الرسول، وكل من خالفهم من خارجي ورافضي ومعتزلي وجهمي وغيرهم من أهل البدع، فإنما يخالف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بل من خالف مذاهبهم في الشرائع العملية كان مخالفا للسنة الثابتة، وكل من هؤلاء يوافقهم فيما خالف فيه الآخر، فأهل الأهواء معهم بمنزلة أهل الملل مع المسلمين ; فإن أهل السنة في الإسلام كأهل الإسلام في الملل، كما قد بسط في موضعه. [إجماع الصحابة يغني عن دعوى أي إجماع آخر] فإن قيل: فإذا كان الحق يخرج عن أهل الحديث، فلم لم يذكر في أصول الفقه أن إجماعهم حجة، وذكر الخلاف في ذلك، كما تكلم على إجماع أهل المدينة وإجماع العترة؟ . قيل: لأن أهل الحديث لا يتفقون إلا على ما جاء عن الله ورسوله [1] وما هو منقول عن الصحابة، فيكون الاستدلال بالكتاب والسنة وبإجماع الصحابة مغنيا [2] عن دعوى إجماع ينازع في كونه حجة بعض الناس، وهذا بخلاف من يدعي إجماع المتأخرين من أهل المدينة إجماعا ; فإنهم يذكرون ذلك في مسائل لا نص فيها، بل النص على خلافها. [وكذلك المدعون إجماع العترة يدعون ذلك في مسائل لا نص معهم (1) ح، ب: ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما جاء به الرسول. (2) ن، م، أ: معينا، وهو تحريف. فيها، بل النص على خلافها] [1] ، فاحتاج هؤلاء إلى دعوى ما يدعونه من الإجماع الذي يزعمون أنه حجة. وأما أهل الحديث فالنصوص الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هي عمدتهم، وعليها يجمعون إذا أجمعوا، لا سيما وأئمتهم يقولون: لا يكون قط إجماع صحيح على خلاف نص إلا ومع الإجماع نص ظاهر معلوم، يعرف أنه معارض لذلك النص الآخر. فإذا كانوا لا يسوغون أن تعارض النصوص بما يدعى من إجماع الأمة، لبطلان تعارض النص والإجماع عندهم، فكيف إذا عورضت النصوص بما يدعى من إجماع العترة أو أهل المدينة؟ . وكل من سوى أهل السنة والحديث من الفرق فلا ينفرد عن أئمة الحديث بقول صحيح، بل لا بد أن يكون معه من دين الإسلام ما هو حق. وبسبب ذلك وقعت الشبهة، وإلا فالباطل المحض لا يشتبه على أحد، ولهذا سمي أهل البدع أهل الشبهات، وقيل فيهم: إنهم يلبسون الحق بالباطل. [أهل الكتاب معهم حق وباطل] وهكذا أهل الكتاب معهم حق وباطل، ولهذا قال تعالى لهم: {ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون} [سورة البقرة: 42] ، وقال: {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض} [سورة البقرة: 8] ، وقال عنهم: {ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا} [سورة النساء: 150] ، وقال عنهم: (1) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) . {وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم} [سورة البقرة: 91] . وذلك لأنهم ابتدعوا بدعا خلطوها بما جاءت به الرسل، وفرقوا دينهم وكانوا [1] شيعا، فصار [2] في كل فريق منهم حق وباطل، وهم يكذبون بالحق الذي مع الفريق الآخر، ويصدقون بالباطل الذي معهم. [وهذا حال أهل البدع كلهم ; فإن معهم] [3] حقا وباطلا [4] ، فهم فرقوا دينهم وكانوا شيعا، كل فريق يكذب بما مع الآخر من الحق ويصدق بما معه من الباطل، كالخوارج والشيعة ; فهؤلاء يكذبون بما ثبت من فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ويصدقون بما روي في فضائل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ويصدقون بما ابتدعوه من تكفيره وتكفير من يتولاه ويحبه. وهؤلاء يصدقون بما روي في فضائل علي بن أبي طالب، ويكذبون بما روي في فضائل أبي بكر وعمر، ويصدقون بما ابتدعوه من التكفير والطعن في أبي بكر وعمر وعثمان. ودين الإسلام وسط بين الأطراف المتجاذبة. فالمسلمون وسط في التوحيد بين اليهود والنصارى، فاليهود [5] تصف الرب بصفات النقص التي يختص بها المخلوق، ويشبهون الخالق بالمخلوق. كما قالوا: إنه بخيل، وإنه فقير، وإنه لما خلق السماوات والأرض تعب. وهو سبحانه (1) أ، ي، ر، و: وصاروا. (2) ح، ب: فكان. (3) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) . (4) حقا وباطلا: كذا في (ب) ، فقط وهو الصواب، وفي سائر النسخ: حق وباطل. (5) ن فقط: فالنصارى، وهو خطأ. الجواد الذي لا يبخل والغني الذي لا يحتاج إلى غيره، والقادر الذي لا يمسه لغوب. والقدرة والإرادة والغنى عما [1] سواه هي صفات الكمال التي تستلزم سائرها. والنصارى يصفون المخلوق بصفات الخالق التي يختص بها، ويشبهون المخلوق بالخالق، حيث قالوا: إن الله هو المسيح ابن مريم، وإن الله ثالث ثلاثة، وقالوا: المسيح ابن الله، واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم، {وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} . فالمسلمون وحدوا الله ووصفوه بصفات الكمال، ونزهوه عن جميع صفات النقص، ونزهوه عن أن يماثله شيء من المخلوقات في شيء من الصفات، فهو موصوف بصفات الكمال لا بصفات النقص، وليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله. وكذلك في النبوات ; فاليهود تقتل بعض الأنبياء، وتستكبر عن اتباعهم، وتكذبهم [2] وتتهمهم بالكبائر. والنصارى يجعلون من ليس بنبي ولا رسول نبيا ورسولا، كما يقولون في الحواريين: إنهم رسل، بل يطيعون أحبارهم ورهبانهم كما تطاع الأنبياء. فالنصارى تصدق بالباطل، واليهود تكذب بالحق. ولهذا كان في مبتدعة أهل الكلام شبه [3] من اليهود، وفي مبتدعة أهل (1) ب فقط: عمن. (2) وتكذبهم: كذا في (ن) ، (ب) ، وفي سائر النسخ: وتكذب بهم. (3) ن، م: شبهة. التعبد شبه [1] من النصارى ; فآخر أولئك الشك والريب، وآخر هؤلاء الشطح والدعاوى الكاذبة، لأن أولئك كذبوا بالحق فصاروا إلى الشك، وهؤلاء صدقوا بالباطل فصاروا إلى الشطح، فأولئك كظلمات في بحر لجي، [يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب، ظلمات بعضها فوق بعض] [2] ، وهؤلاء كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا. فمبتدعة أهل العلم والكلام طلبوا العلم بما ابتدعوه، ولم يتبعوا العلم المشروع ويعملوا به، فانتهوا إلى الشك المنافي للعلم، بعد أن كان لهم علم بالمشروع، لكن زاغوا فأزاغ الله قلوبهم، وكانوا مغضوبا عليهم. ومبتدعة العباد [3] طلبوا القرب من الله بما ابتدعوه في العبادة، فلم يحصل لهم إلا البعد منه ; فإنه ما ازداد مبتدع اجتهادا إلا ازداد من الله تعالى بعدا. والبعد عن رحمته [4] ، هو اللعنة وهو غاية النصارى. وأما الشرائع فاليهود منعوا الخالق أن يبعث رسولا بغير شريعة الرسول الأول، وقالوا: لا يجوز أن ينسخ ما شرعه. والنصارى جوزوا لأحبارهم أن يغيروا من الشرائع ما أرسل الله بهم رسوله [5] ، فأولئك عجزوا الخالق، ومنعوه ما (1) ن، م: شبهة. (2) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) ، (و) ، (أ) ، (ي) وفي (ر) : لجي إلى قوله: بعضها فوق بعض. (3) ن، أ، ر: العبادة. (4) ن، م: عن رحمة الله. (5) ن، م: رسله. تقتضيه قدرته وحكمته في النبوات والشرائع. وهؤلاء جوزوا للمخلوق أن يغير ما شرعه الخالق، فضاهوا المخلوق بالخالق [1] . وكذلك في العبادات ; فالنصارى يعبدونه ببدع ابتدعوها ما أنزل الله بها من سلطان. واليهود معرضون عن العبادات، حتى في يوم السبت الذي أمرهم الله أن يتفرغوا فيه لعبادته، إنما يشتغلون فيه بالشهوات. فالنصارى مشركون به واليهود مستكبرون عن عبادته. والمسلمون عبدوا الله وحده بما شرع، ولم يعبدوه بالبدع. وهذا هو دين الإسلام الذي بعث الله به جميع النبيين، وهو أن يستسلم العبد لله لا لغيره، وهو الحنيفية دين إبراهيم. فمن استسلم له ولغيره كان مشركا، ومن لم يستسلم له فهو مستكبر. وقد قال تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [سورة النساء: 48] . وقال: {إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} [سورة غافر: 60] . وكذلك في أمر الحلال والحرام: في الطعام واللباس وما يدخل في ذلك من النجاسات ; فالنصارى لا تحرم ما حرمه الله ورسوله، ويستحلون الخبائث المحرمة كالميتة والدم ولحم الخنزير، حتى أنهم يتعبدون بالنجاسات كالبول والغائط، ولا يغتسلون من جنابة، ولا يتطهرون للصلاة، وكلما كان الراهب عندهم أبعد عن الطهارة، وأكثر ملابسة للنجاسة كان معظما عندهم. (1) ح: المخلوقات بالخالق، و: الخالق بالمخلوق. واليهود [1] حرمت عليهم طيبات أحلت لهم، فهم يحرمون من الطيبات ما هو منفعة للعباد، ويجتنبون الأمور الطاهرات [2] مع النجاسات، فالمرأة الحائض لا يأكلون معها ولا يجالسونها، فهم في آصار وأغلال عذبوا بها. فأولئك [3] يتناولون الخبائث المضرة، مع أن الرهبان يحرمون على أنفسهم طيبات أحلت لهم، فيحرمون الطيبات ويباشرون النجاسات، وهؤلاء يحرمون الطيبات النافعة، مع أنهم من أخبث الناس قلوبا، وأفسدهم بواطن. وطهارة الظاهر إنما يقصد بها طهارة القلب، فهم يطهرون ظواهرهم وينجسون قلوبهم. وكذلك أهل السنة في الإسلام متوسطون في جميع الأمور. فهم في علي وسط بين الخوارج والروافض. وكذلك في عثمان وسط بين المروانية وبين الزيدية. وكذلك في سائر الصحابة وسط بين الغلاة فيهم والطاعنين عليهم. وهم في الوعيد وسط بين الخوارج والمعتزلة وبين المرجئة. وهم في القدر وسط بين القدرية من المعتزلة ونحوهم. وبين القدرية المجبرة من الجهمية ونحوهم. وهم في الصفات وسط بين المعطلة وبين الممثلة. والمقصود أن كل طائفة سوى أهل السنة والحديث المتبعين آثار (1) ح، ر، ي، ب: فاليهود. (2) ح، ب: الطاهرة. (3) ب فقط: وأولئك. رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا ينفردون عن سائر طوائف الأمة [1] إلا بقول فاسد، لا ينفردون قط بقول صحيح. وكل من كان عن السنة أبعد، كان انفراده بالأقوال والأفعال الباطلة أكثر. وليس في الطوائف المنتسبين إلى السنة أبعد عن آثار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الرافضة. [أقوال الرافضة التي انفردوا بها عن الجماعة في غاية الفساد] فلهذا تجد فيما انفردوا به عن الجماعة أقوالا في غاية الفساد، مثل تأخيرهم صلاة المغرب حتى يطلع الكوكب مضاهاة لليهود، وقد تواترت النصوص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بتعجيل المغرب [2] . ومثل صومهم قبل الناس بيومين، وفطرهم قبل الناس بيومين مضاهاة لمبتدعة [3] أهل الكتاب الذين عدلوا عن الصوم بالهلال إلى الاجتماع، وجعلوا الصوم بالحساب. وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "«إنا أمة أمية لا تحسب ولا تكتب، إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا ; فإن غم عليكم فاقدروا له»" . وفي رواية: "«فأكملوا العدة»" [4] . (1) ن، م: عن طوائف أهل السنة. (2) انظر ما ذكره الشيخ السيد سابق في كتابه "فقه السنة" ط 1365 في الجزء الأول، باب وقت صلاة المغرب ص 174 - 176 عن تعجيل صلاة المغرب والأحاديث الواردة في ذلك وانظر ما أورده الألباني في إرواء الغليل 1/277 - 278 في ذلك. (3) ب فقط: للمبتدعة. (4) الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما في: البخاري 3/27 - 28 كتاب الصوم، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا نكتب ولا نحسب، ولفظه فيه: (إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا) يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين، والحديث في: مسلم 2/761 كتاب الصيام، باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال، سنن أبي داود 2/398 كتاب الصوم، باب الشهر يكون تسعا وعشرين، المسند ط. المعارف الأرقام: 5017، 5137، 5536، 6041، وجمع ابن تيمية في كلامه بين هذا الحديث وحديث آخر عن ابن عمر نصه في: مسلم 2/759 - 760 مع اختلاف في الألفاظ والروايات، الشهر تسع وعشرون، فإذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فاقدروا له. وهو في البخاري عن ابن عمر 3/26 - 27 كتاب الصوم، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم الهلال فصوموا، ولفظه: الشهر تسع وعشرون ليلة، فلا تصوموا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين، وجاء الحديث بألفاظ مقاربة عن إبراهيم في نفس الصفحة. ومثل تحريمهم بعض أنواع السمك، مضاهاة لليهود في تحريم [1] الطيبات ومثل معاونة الكفار على قتال المسلمين، وترغيب الكفار في قتال المسلمين. وهذا لا يعرف لأحد من فرق الأمة. ومثل تنجيس المائعات التي يباشرها أهل السنة، وهذا من جنس دين السامرة وهم رافضة اليهود، هم في اليهود كالرافضة في المسلمين، والرافضة تشابههم من وجوه كثيرة ; فإن السامرة لا تؤمن بنبي بعد موسى وهارون غير يوشع، وكذلك الرافضة لا تقر لأحد من الخلفاء والصحابة بفضل ولا إمامة إلا لعلي. والسامرة تنجس وتحرم ما باشره غيرهم من المائعات، وكذلك الرافضة. والسامرة لا يأكلون إلا ذبائح أنفسهم، وكذلك الرافضة فإنهم يحرمون ذبائح أهل الكتاب، ويحرم أكثرهم ذبائح الجمهور لأنهم مرتدون عندهم، وذبيحة [2] المرتد لا تباح. والسامرة فيهم كبر ورعونة وحمق ودعاو كاذبة، مع القلة والذلة، وكذلك الرافضة. (1) ن: تحريمهم. (2) ح، ب: لأنهم مرتدون وعندهم ذبيحة. . . إلخ.
__________________
|
#319
|
||||
|
||||
![]() ![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد الخامس الحلقة (319) صـ 175 إلى صـ 184 والرافضة تجعل الصلوات الخمس ثلاث صلوات، فيصلون دائما الظهر والعصر جميعا، والمغرب والعشاء جميعا، وهذا لم يذهب إليه غيرهم من فرق الأمة، وهو يشبه دين اليهود ; فإن الصلوات عندهم ثلاث [1] . وغلاة العباد يوجبون على أصحابهم صلاة الضحى والوتر وقيام الليل، فتصير الصلاة عندهم سبعا، وهو دين النصارى. والرافضة لا تصلي جمعة ولا جماعة لا خلف أصحابهم ولا غير أصحابهم ولا يصلون إلا خلف المعصوم، ولا معصوم عندهم. وهذا لا يوجد في سائر الفرق أكثر مما يوجد في الرافضة. فسائر أهل البدع [2] سواهم، لا يصلون الجمعة والجماعة إلا خلف أصحابهم، كما هو دين الخوارج والمعتزلة وغيرهم. وأما أنهم لا يصلون ذلك بحال، فهذا ليس إلا للرافضة. ومن ذلك أنهم لا يؤمنون في الصلاة هم [3] أو بعضهم وهذا ليس لأحد من فرق الأمة، بل هو دين اليهود ; فإن اليهود حسدوا المؤمنين على التأمين. وقد حكى طائفة عن بعضهم أنه يحرم لحم الإبل، وكان ذلك [4] لركوب عائشة على الجمل. وهذا من أظهر الكفر ; وهو [5] من جنس دين اليهود. (1) انظر عن السامرة: الملل والنحل 1/199 - 200، الفصل في الملل والنحل 1/177 - 178، 202 (2) ن، م، و، ي: أكثر مما يوجد في سائر أهل البدع، أ: أكثر مما يوجد في أهل البدع. (3) هم: ساقطة من (ح) ، (أ) ، (ب) . (4) ح، ب: وذلك. (5) ح، ب: فهو. وكثير من عوامهم يقول [1] : إن الطلاق لا يكون إلا برضا المرأة، وعلماؤهم ينكرون هذا. وهذا لم يقله أحد غيرهم [2] . وهم يقولون بإمام منتظر موجود غائب لا يعرف له عين ولا أثر، ولا يعلم [3] بحس ولا خبر، لا يتم الإيمان إلا به. ويقولون: أصول الدين أربعة: التوحيد، والعدل، والنبوة، والإمامة. وهذا منتهى الإمام عندهم: الإيمان بأنه معصوم غائب عن الأبصار كائن [4] في الأمصار، سيخرج [5] الدينار من قعر البحار، يطبع الحصى، ويورق العصا. دخل سرداب سامرا سنة ستين، ومائتين وله من العمر [6] إما سنتان، وإما ثلاث وإما خمس، أو نحو ذلك ; فإنهم مختلفون في قدر عمره، ثم إلى الآن لم يعرف له خبر. ودين الخلق مسلم إليه ; فالحلال ما حلله، والحرام ما حرمه، والدين ما شرعه، ولم ينتفع به أحد من عباد الله. وكذلك كراهتهم لأسماء نظير أسماء من يبغضونه [7] ، ومحبتهم لأسماء نظير أسماء من يحبونه، من غير نظر إلى المسمى، وكراهتهم لأن يتكلم أو يعمل بشيء [8] عدده عشرة لكراهتهم نفرا عشرة، واشتفاؤهم [9] ممن (1) ح، ب: يقولون. (2) ح، أ، ب، ي، ر، و: أحد من غيرهم. (3) و: ولا يعرف. (4) أ، ب: حاضر. (5) و: يستخرج.، (6) من العمر: ساقطة من (ن) ، (م) ، (و) (أ) . (7) أ: يبغضونهم. (8) ن، ر، و، ي: شيء، ح، أ: شيئا. (9) واشتفاؤهم: كذا في (ب) وهو الصواب، وفي سائر النسخ: واشتفائهم. يبغضونه كعمر وعائشة وغيرهما، بأن [1] يقدروا جمادا كالحيس [2] ، أو حيوانا كالشاة الحمراء، أنه هو الذي يعادونه، ويعذبون تلك الشاة تشفيا من العدو، من الجهل البليغ الذي لم يعرف عن غيرهم. وكذلك إقامة المآتم والنوائح، ولطم الخدود، وشق الجيوب، وفرش الرماد، وتعليق المسوح، وأكل المالح حتى يعطش، ولا يشرب ماء، تشبها بمن ظلم وقتل، وإقامة مأتم [3] بعد خمسمائة أو ستمائة سنة من قتله، لا يعرف لغيرهم من طوائف الأمة. ومفاريد الرافضة التي تدل على غاية الجهل والضلال كثيرة لم نقصد ذكرها هنا. لكن المقصود أن كل طائفة سوى أهل السنة والحديث المتبعين لآثار النبي - صلى الله عليه وسلم - لا ينفردون عن سائر الطوائف بحق، والرافضة أبلغ في ذلك من غيرهم. وأما الخوارج والمعتزلة والجهمية فإنهم أيضا لم ينفردوا [4] عن أهل السنة والجماعة (* بحق، بل كل ما معهم من الحق ففي أهل السنة [5] من يقول به، لكن لم يبلغ [6] هؤلاء من قلة العقل وكثرة الجهل ما بلغت الرافضة. (1) أ: بل، وهو تحريف. (2) ب فقط: كالجبس، وفي اللسان: هو الطعام المتخذ من التمر والأقط والسمن. (3) و: مأتمه. (4) ح، ب: لا ينفردون. (5) ب فقط: أهل السنة والجماعة. (6) ح، ر: لكن ما يبلغ، ب: ولكن ما يبلغ. [الأقوال التي انفردت بها الطوائف المنتسبة إلى السنة من أهل الكلام والرأي] وكذلك الطوائف المنتسبون إلى السنة من أهل الكلام والرأي، مثل الكلابية والأشعرية والكرامية والسالمية، ومثل طوائف الفقه من الحنفية والمالكية والسفيانية والأوزاعية والشافعية والحنبلية والداودية وغيرهم، مع تعظيم الأقوال المشهورة عن أهل السنة والجماعة *) [1] ، لا يوجد لطائفة منهم قول انفردوا به عن سائر الأمة وهو صواب، بل ما مع كل طائفة منهم من الصواب يوجد عند غيرهم [2] من الطوائف، وقد ينفردون بخطأ لا يوجد عند غيرهم، لكن قد تنفرد طائفة بالصواب عمن يناظرها من الطوائف، كأهل المذاهب الأربعة: قد يوجد لكل واحد [3] منهم أقوال انفرد بها، وكان الصواب الموافق للسنة معه دون الثلاثة، لكن يكون قوله قد قاله غيره من الصحابة والتابعين وسائر علماء الأمة، بخلاف ما انفردوا به ولم ينقل عن غيرهم، فهذا لا يكون إلا خطأ. وكذلك أهل الظاهر كل قول انفردوا به عن سائر الأمة فهو خطأ، وأما ما انفردوا به عن الأربعة وهو صواب فقد قاله غيرهم من السلف. وأما الصواب الذي ينفرد به كل طائفة من الثلاثة فكثير [4] ، لكن الغالب أنه يوافقه عليه بعض أتباع الثلاثة. وذلك كقول أبي حنيفة بأن المحرم يجوز له أن يلبس الخف المقطوع وما أشبهه كالجمجم والمداس. وهو وجه في مذهب أحمد [5] وغيره، وقوله: بأن [6] الجد يسقط الإخوة، وقد وافقه عليه بعض أصحاب الشافعي وأحمد، وكقوله بأن طهارة المسح (1) ما بين النجمتين ساقط من (م) . (2) ح، ب، ر، ي، و: غيرها. (3) واحد، في (ن) ، (م) فقط. (4) ح، ب: فهو كثير. (5) ح، ب: الشافعي. (6) بأن: ساقطة من (ن) ، (م) ، وفي (ح) ، (ب) : إن. يشترط لها دوام الطهارة دون ابتدائها، وقوله: إن النجاسة تزول بكل ما يزيلها، وهذا أحد الأقوال الثلاثة في مذهب أحمد ومذهب مالك، وكذلك قوله بأنها تطهر بالاستحالة. ومثل قول مالك بأن الخمس مصرفه مصرف الفيء، وهو قول في مذهب أحمد، فإنه عنه روايتان في خمس الركاز [1] : هل يصرف مصرف الفيء أو مصرف الزكاة [2] ؟ وإذا صرف مصرف الفيء فإنما هو تابع لخمس الغنيمة. ومثل قوله بجواز أخذ الجزية من كل كافر جازت معاهدته، لا فرق بين العرب والعجم، ولا بين أهل الكتاب وغيرهم، فلا يعتبر قط أمر النسب، بل الدين [3] في الذمة والاسترقاق وحل الذبائح والمناكح، وهذا أصح الأقوال في هذا الباب، وهو أحد القولين في مذهب أحمد ; فإنه لا يخالفه إلا في أخذ الجزية من مشركي العرب، ولم يبق من مشركي العرب أحد بعد نزول [4] آية الجزية، بل كان جميع مشركي العرب قد أسلموا. ومثل قول مالك: إن أهل مكة يقصرون الصلاة بمنى وعرفة، وهو قول في مذهب أحمد وغيره. ومثل مذهبه في الحكم بالدلائل [5] والشواهد، وفي إقامة الحدود (1) أ: الزكاة. (2) ن، م: الفيء والزكاة. (3) أ، ر، ح، ي: الذين. (4) بعد عبارة "بعد نزول" توجد ورقة ناقصة من مصورة (م) . (5) ن: ومثل حكمه بالدلائل. ورعاية مقاصد الشريعة، وهذا من محاسن مذهبه، ومذهب أحمد قريب من مذهبه في أكثر ذلك. ومثل قول الشافعي بأن الصبي إذا صلى في أول الوقت ثم بلغ لم يعد الصلاة. وكثير من الناس يعيب هذا على الشافعي، وغلطوا في ذلك، بل الصواب قوله، كما بسط في موضعه، وهو وجه [1] في مذهب أحمد. وقوله بفعل [2] ذوات الأسباب في وقت النهي وهو إحدى الروايتين عن أحمد. وكذلك قوله بطهارة المني، كقول أحمد في أظهر الروايتين. ومثل قول أحمد في نكاح البغي: لا يجوز حتى تتوب. وقوله بأن الصيد إذا جرح ثم غاب أنه يؤكل ما لم يوجد فيه أثر آخر، وهو قول في مذهب الشافعي. وقوله بأن صوم النذر يصام عن الميت، بل وكل المنذورات تفعل عن الميت، ورمضان يطعم عنه. وبعض الناس يضعف هذا القول، وهو قول الصحابة [3] ابن عباس وغيره، ولم يفهموا غوره [4] . وقوله: إن المحرم إذا لم يجد النعلين والإزار لبس الخفين والسراويل بلا قطع ولا فتق ; فإن هذا كان [5] آخر الأمرين من النبي - صلى الله عليه وسلم. (1) ن: وهذا وجه. (2) أ، ر، ي، ح، ب: تفعل. (3) الصحابة: ساقطة من (ن) . (4) أ: غيره. (5) كان: ساقطة من (ن) ، (و) . وقوله بأن مرور المرأة والكلب الأسود والحمار يقطع الصلاة. وقوله بأن الجدة ترث وابنها حي. وقوله بصحة المساقاة والمزارعة وما أشبه ذلك، وإن كان البذر من العامل، على إحدى الروايتين عنه، وكذلك طائفة من أصحاب الشافعي. وقوله في إحدى الروايتين: إن طلاق السكران لا يقع، وهو قول بعض أصحاب أبي حنيفة والشافعي. وقوله بأن الوقف إذا تعطل نفعه بيع واشتري به ما يقوم مقامه. وفي مذهب أبي حنيفة ما هو أقرب إلى قول [1] أحمد من غيره، وكذلك في [2] مذهب مالك. وكذلك قوله في إبدال الوقف، كإبدال مسجد بغيره، ويجعل الأول غير مسجد، كما فعل [3] عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وفي مذهب أبي حنيفة ومالك جواز [4] الإبدال للحاجة في مواضع. وقوله بقبول شهادة العبد، وقوله بأن صلاة المنفرد خلف الصف يجب عليه فيها الإعادة، وقوله: إن فسخ الحج إلى العمرة جائز مشروع، بل هو أفضل، وقوله بأن القارن إذا ساق الهدي فقرانه أفضل [5] من التمتع والإفراد، كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ومثل قوله: إن صلاة الجماعة فرض على الأعيان. (1) ح، ب: مذهب. (2) في: ساقطة من (ن) . (3) و: كما أمر بذلك. (4) ح، ب، ر: يجوز. (5) و: الهدي فهو أفضل. [الحق دائما مع السنة والآثار الصحيحة] وبالجملة فما اختص به كل إمام من المحاسن والفضائل كثير ليس هذا موضع استقصائه ; فإن المقصود أن الحق دائما مع سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآثاره الصحيحة، وإن كان كل [1] طائفة تضاف إلى غيره إذا انفردت بقول عن سائر الأمة، لم يكن القول الذي انفردوا به [2] إلا خطأ، بخلاف المضافين إليه أهل السنة والحديث ; فإن الصواب معهم دائما، ومن وافقهم كان الصواب معه دائما لموافقته إياهم، ومن خالفهم فإن الصواب معهم دونه في جميع أمور الدين ; فإن الحق مع الرسول، فمن كان أعلم بسنته وأتبع لها كان الصواب معه. وهؤلاء هم الذين لا ينتصرون إلا لقوله، ولا يضافون إلا إليه، وهم أعلم الناس بسنته وأتبع لها. وأكثر سلف الأمة كذلك، لكن التفرق والاختلاف كثير في المتأخرين. والذين رفع الله قدرهم في الأمة هو بما أحيوه من سنته ونصرته. وهكذا سائر طوائف الأمة،، بل سائر طوائف الخلق، كل حير معهم فيما جاءت به الرسل عن الله، وما كان معهم من خطأ أو ذنب فليس من جهة الرسل. ولهذا كان الصحابة إذا تكلموا في مسألة باجتهادهم، قال أحدهم: أقول فيها برأيي ; فإن يكن صوابا فمن الله، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان منه. كما قال أبو بكر رضي الله عنه في الكلالة، وكما قال ابن مسعود في المفوضة إذا مات عنها زوجها، وكلاهما [3] أصاب فيما قاله برأيه، لكن قال الحق ; فإن القول إذا كان (1) أ، ب، ح، ر، ي: وأن كل. (2) ح، ب: الذي انفردت به. (3) و: وكل منهما. صوابا فهو مما جاء به الرسول عن الله، فهو من الله، وإن كان خطأ فالله لم يبعث الرسول بخطأ، فهو من نفسه ومن الشيطان، لا من الله ورسوله. والمقصود بالإضافة إليه [1] الإضافة إليه من جهة إلاهيته، من جهة الأمر والشرع والدين، وأنه يحبه ويرضاه، ويثيب فاعله عليه. وأما من جهة الخلق، فكل الأشياء منه. والناس لم يسألوا الصحابة عما من الله خلقا وتقديرا، فقد علموا أن كل ما وقع فمنه. والعرب كانت في جاهليتها تقر بالقضاء والقدر. قال ابن قتيبة وغيره: ما زالت العرب في جاهليتها وإسلامها مقرة بالقدر [2] . وقد [3] قال عنترة: يا عبل أين من المنية مهرب ... إن كان ربي في السماء قضاها وإنما كان سؤال الناس عما من الله من جهة أمره ودينه وشرعه الذي يرضاه ويحبه ويثيب أهله. وقد علم الصحابة أن ما خالف الشرع والدين فإنه يكون من النفس والشيطان، وإن كان بقضاء الله وقدره، وإن كان يعفي عن صاحبه، كما يعفي عن النسيان والخطأ. ونسيان الخير يكون من الشيطان كما قال تعالى: {وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين} [سورة الأنعام: 68] . وقال فتى موسى - صلى الله عليه وسلم: {وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره} [سورة الكهف: 63] وقال: {فأنساه الشيطان ذكر ربه} [سورة يوسف: 42] . (1) ر، ح، ي، ب: والمقصود هنا بالإضافة إليه. (2) ب فقط: مقرة بالقضاء والقدر. (3) وقد: ساقطة من (ن) . ولما نام النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه في الوادي عن الصلاة قال: "«هذا واد حضرنا فيه الشيطان»" [1] . وقال: "«إن الشيطان أتى بلالا فجعل يهديه [2] كما يهدى الصبي حتى نام»" [3] فإنه كان وكل بلالا أن يكلأ لهم الصبح [4] ، مع قوله: "«ليس في النوم تفريط»" [5] وقال: "«إن الله قبض" (1) و: شيطان، والحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه في مسلم: 1/471 - 472 كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها، ولفظه: (عرسنا مع نبي الله صلى الله عليه وسلم فلم نستيقظ حتى طلعت الشمس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليأخذ كل رجل برأس راحلته، فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان) قال: ففعلنا، ثم دعا بالماء فتوضأ، ثم سجد سجدتين) التعريس: نزول المسافرين آخر الليل للنوم والاستراحة، والحديث في سنن النسائي 1/240 كتاب المواقيت باب كيف يقضي الفائت من الصلاة، المسند ط. المعارف 18/152 وأما لفظ هذا واد حضرنا فيه الشيطان، فانظر عنه التعليق التالي. (2) ح: يهده. (3) الحديث عن زيد بن أسلم رضي الله عنه في: الموطأ 1/14 - 15 كتاب وقوت الصلاة، باب النوم عن الصلاة، ونصه: عرس رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة بطريق مكة، ووكل بلالا أن يوقظهم للصلاة، فرقد بلال ورقدوا، حتى استيقظوا وقد طلعت عليهم الشمس، فاستيقظ القوم وقد فزعوا، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يركبوا حتى يخرجوا من ذلك الوادي، وقال: (إن هذا واد به شيطان) فركبوا حتى خرجوا من ذلك الوادي، الحديث وفيه: ثم التفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر فقال: (إن الشيطان أتى بلالا وهو قائم يصلي، فأضجعه، فلم يزل يهدئه كما يهدأ الصبي حتى نام) إلخ، وفي التعليق (هذا مرسل باتفاق رواة الموطأ) . (4) يكلأ لهم الصبح: أي يرقبه ويحفظه ويحرسه، ومصدره الكلاء. (5) هذه عبارة جاءت في حديث رواه أبو قتادة رضي الله عنه في: مسلم 1/472 كتاب المساجد، باب قضاء صلاة الفائتة ولفظه: أما إنه ليس في النوم تفريط، وأول الحديث: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنكم تسيرون عشيتكم وليلتكم) الحديث.
__________________
|
#320
|
||||
|
||||
![]() ![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد الخامس الحلقة (320) صـ 185 إلى صـ 194 أرواحنا» "[1] . [وقال له بلال:" أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك "] [2] وقال:" «من نام عن صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك» "." ومع قوله تعالى عن المؤمنين: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} [سورة البقرة: 286] قال تعالى "قد فعلت" [3] . وكذلك الخطأ في الاجتهاد من النفس والشيطان وإن كان مغفورا لصاحبه. وكذلك الاحتلام في المنام من الشيطان. وفي الصحيحين عنه أنه قال: "«الرؤيا ثلاثة: رؤيا من الله، ورؤيا من الشيطان، ورؤيا مما يحدث به المرء نفسه في اليقظة فيراه في المنام»" [4] . فالنائم يرى في منامه ما يكون من الشيطان، وهو كما قال - صلى الله عليه وسلم: "«رفع" (1) جاءت هذه العبارة في حديث الموطأ المشار إليه قبل قليل، وجاءت عبارة مماثلة في حديث ذي مخمر الحبشي في المسند ط. الحلبي 4/90 - 91. (2) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (أ) وفي (و) : أخذ بنفسك يا رسول الله، وهذه العبارة والعبارة التالية: (من نام عن صلاة) إلخ جاءت في حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه في مسلم في الموضع السابق 1/471 وانظر ما يلي بعد صفحات ص 211. (3) سبق الحديث فيما مضى 4/458 (4) هذا جزء من حديث عن أبي هريرة، وفي رواية عن عوف بن مالك رضي الله عنهما في مسلم 4/1773 كتاب الرؤيا أول الكتاب، سنن الترمذي 3/363 كتاب الرؤيا باب أن رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة، سنن أبي داود 4/416 - 417 كتاب الأدب باب ما جاء في الرؤيا، سنن ابن ماجه 2/1285 كتاب تعبير الرؤيا، باب الرؤيا ثلاث، المسند ط. المعارف 14/60، 61 واختلفت ألفاظ هذا الحديث، والرواية عن أبي هريرة في مسلم أولها: (إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب) الحديث، وفيه: الرؤيا ثلاثة: فرؤيا الصالحة (في سنن أبي داود: فالرؤيا الصالحة) ، ورؤيا تخزين من الشيطان، ورؤيا مما يحدث المرء به نفسه. القلم عن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن الصبي حتى يحتلم» "[1] . وأعذرهم النائم، ولهذا لم يكن لشيء من أقواله التي تسمع منه [2] في المنام حكم باتفاق العلماء، فلو طلق أو أعتق أو تبرع أو غير ذلك في منامه كان لغوا، بخلاف الصبي المميز، فإن أقواله قد تعتبر، إما بإذن الولي، وإما بغير إذنه، في مواضع بالنص، وفي مواضع بالإجماع." وكذلك الوسواس في النفس يكون من الشيطان تارة ومن النفس تارة. قال تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه} [سورة ق: 16] . وقال: {فوسوس إليه الشيطان} [سورة طه: 120] [3] ، وقال: {فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما} [سورة الأعراف: 20] . والوسوسة من جنس الوشوشة بالشين المعجمة [4] ، ومنه وسوسة [5] الحلى، وهو الكلام الخفي والصوت الخفي. (1) الحديث عن عائشة وعلي رضي الله عنهما في: سنن أبي داود 4/197 - 199 كتاب الحدود، باب في المجنون يسرق أو يصيب حدا، في أكثر من موضع، سنن الترمذي 2/438 كتاب الحدود باب ما جاء فيمن لا يجب عليه الحد، سنن ابن ماجه 1/658 كتاب الطلاق باب طلاق المعتوه والصغير والنائم، سنن الدارمي 2/171 كتاب الحدود باب رفع القلم عن ثلاثة، المسند ط. الحلبي 6/100 101 144 وجاء الحديث موقوفا عن علي رضي الله عنه، في البخاري 7/46 كتاب الطلاق باب الطلاق في الإغلاق والكره والسكران والمجنون وأمرهما. 8/165 كتاب الحدود، باب لا يرجم المجنون والمجنونة. (2) عند عبارة التي تسمع منه تعود نسخة (م) . (3) آية سورة طه في (أ) ، (ب) فقط. (4) المعجمة: ساقطة من (و) . (5) ن، ر: وشوشة. وقد قال تعالى: {قل أعوذ برب الناس - ملك الناس - إله الناس - من شر الوسواس الخناس - الذي يوسوس في صدور الناس - من الجنة والناس} [سورة الناس: 1 - 6] . وقد قيل إن المعنى: من الذي يوسوس في صدور الناس: من الجنة ومن الناس، وأنه جعل الناس أولا تتناول الجنة والناس، فسماهم ناسا، كما سماهم رجالا. قاله الفراء. وقيل: المعنى: من شر الموسوس في صدور الناس من الجن، ومن شر الناس مطلقا. قاله الزجاج. ومن المفسرين كأبي الفرج بن الجوزي من لم يذكر غيرهما، وكلاهما ضعيف. والصحيح أن المراد القول الثالث، وهو أن [1] الاستعاذة من شر الموسوس من الجنة ومن الناس في صدور الناس، فأمر بالاستعاذة من شر شياطين الإنس والجن [2] . كما قال تعالى: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون} [سورة الأنعام: 112] . وفي حديث أبي ذر الطويل الذي رواه أبو حاتم بن حبان في صحيحه (1) أن: زيادة في (أ) ، (ب) . (2) انظر القولين الأول والثاني في تفسير ابن الجوزي زاد المسير 9/279 وذهب إلى القول الثالث الذي ذكره ابن تيمية ابن كثير في تفسيره فذكر آية 112 من سورة الأنعام ثم ذكر حديث أبي ذر رضي الله عنه، وذهب إلى هذا التفسير القرطبي قبل ابن تيمية فقال: (أخبر أن الموسوس قد يكون من الناس قال الحسن: هما شيطانان، أما شيطان الجن فيوسوس في صدور الناس، وأما شيطان الإنس فيأتي علانية، وقال قتادة، إن من الجن شياطين وإن من الإنس شياطين، فتعوذوا بالله من شياطين الإنس والجن، ثم ذكر القرطبي حديث أبي ذر، رواية مخالفة للحديث هنا، وأورد آية 112 من [سورة الأنعام] . بطوله قال: "«يا أبا ذر تعوذ بالله من شياطين الإنس والجن" . فقال: يا رسول الله، أو للإنس شياطين؟ قال: "نعم، شر من شياطين الجن»" [1] . وقد قال تعالى: {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون} [سورة البقرة: 14] . والمنقول عن عامة المفسرين أن المراد شياطين الإنس، وما علمت أحدا قال: إنهم شياطين الجن [2] . فعن ابن مسعود وابن عباس والحسن والسدي: أنهم رءوسهم [3] في الكفر. وعن أبي العالية ومجاهد: إخوانهم من المشركين. وعن الضحاك وابن السائب: كهنتهم [4] . والآية تتناول هذا كله وغيره، ولفظها يدل على أن المراد شياطين الإنس، لأنه قال: {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم} [سورة البقرة: 14] . ومعلوم أن شيطان [5] الجن معهم لما لقوا الذين آمنوا لا يحتاج أن يخلوا به [6] ، وشيطان الجن هو (1) الحديث عن أبي ذر رضي الله عنه في سنن النسائي 8/242 كتاب الاستعاذة، باب الاستعاذة من شر شياطين الإنس وهو عنه في: المسند ط. الحلبي 5/178، 179، 265 وأوله: يا أبا ذر، هل صليت؟ قلت: لا، قال: قم فصل. قال: فقمت فصليت ثم جلست، فقال: يا أبا ذر، تعوذ بالله من شر شياطين الإنس. . . الحديث. (2) إنهم شياطين الجن: كذا في (أ) ، (ب) . وفي سائر النسخ: إنهم من الجن (3) ح، ب: رؤساؤهم. (4) انظر تفسير ابن كثير ط. الشعب للآية 1/76 - 77 زاد المسير لابن الجوزي 1/34 - 35. (5) شيطان، كذا في (و) فقط، وفي سائر النسخ: شياطين. (6) ن، م، ح، ب: أن يخلو به، و: أن يخلونه. الذي أمرهم بالنفاق ولم يكن ظاهرا حتى يخلو [1] معهم، ويقول: إنا معكم، لا سيما إذا كانوا يظنون أنهم على حق. كما قال تعالى: {وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون} [سورة البقرة: 13] ، ولو علموا أن الذي يأمرهم [2] بذلك شيطان لم يرضوه. وقد قال الخليل بن أحمد: كل متمرد عند العرب شيطان. وفي اشتقاقه قولان أصحهما أنه من شطن يشطن إذا بعد عن الخير، والنون أصلية. قال أمية بن أبي الصلت في صفة سليمان عليه السلام: أيما شاطن [3] عصاه عكاه ثم يلقى في السجن والأغلال [4] عكاه: أوثقه. وقال النابغة: نأت بسعاد عنك نوى شطون ... فبانت والفؤاد بها رهين [5] ولهذا قرنت به [6] اللعنة ; فإن اللعنة هي البعد من الخير، والشيطان بعيد من الخير، فيكون وزنه: فيعالا، وفيعال [7] نظير فعال، وهو من صفات المبالغة، مثل القيام والقوام، فالقيام فيعال، والقوام فعال، ومثل العياذ والعواذ [8] . وفي قراءة عمر: الحي القيام. (1) أ، ر: حتى يخلو. (2) ن: أمرهم. (3) و، أ: شيطان. (4) البيت في تفسير الطبري ط. المعارف 1/112 وهو في ديوانه تحقيق د. عبد الحفيظ السطلي ص 445 (5) في ديوان النابغة تحقيق الدكتور شكري فيصل ص 256 (6) ح: قارنته، ر: قرنته. (7) وفيعال: ساقطة من (أ) ، (ب) . (8) و: العياد والعواد، أ: العباد والقواد. فالشيطان المتصف بصفة ثابتة قوية في كثرة البعد عن الخير، بخلاف من بعد عنه مرة وقرب منه أخرى ; فإنه لا يكون شيطانا. ومما يدل على ذلك قولهم: تشيطن يتشيطن شيطنة، ولو كان من شاط يشيط لقيل: تشيط يتشيط. والذي قال: هو من شاط يشيط إذا احترق والتهب، جعل النون زائدة وقال: وزنه فعلان. كما قال الشاعر: وقد يشيط على أرماحنا البطل [1] . وهذا يصح في الاشتقاق الأكبر الذي يعتبر فيه الاتفاق في جنس الحروف، كما يروى عن أبي جعفر أنه قال: العامة مشتق من العمى، ما رضي الله أن يشبههم [2] بالأنعام حتى قال: {بل هم أضل سبيلا} وهذا كما يقال السرية مأخوذة من السر، وهو النكاح. ولو جرت على القياس لقيل: سريرة [3] فإنها على وزن فعيلة [4] . ولكن العرب تعاقب بين الحرف المضاعف والمعتل، كما يقولون: تقضى البازي وتقضض. قال الشاعر: تقضي البازي إذا [5] البازي كسر [6] ومنه قوله تعالى: {فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه} [سورة البقرة: 259] ، وهذه الهاء تحتمل أن تكون أصلية فجزمت بلم، ويكون من سانهت، وتحتمل أن تكون هاء السكت، كالهاء من كتابيه (1) البيت للأعشى في ديوانه ط. جابر ص 40 وصدره: قد نطعن العير في مكنون فائله. (2) أ، و: أن شبههم. (3) أ: سرية. (4) ن، أ، ر: فعلية. (5) ن، و، ح: إن. (6) البيت للعجاج في ديوانه ط. د. عزة حسن ص [0 - 9] 8 و "حسابيه" و "اقتده" و "ماليه" و "سلطانيه" . وأكثر القراء يثبتون الهاء وصلا ووقفا، وحمزة والكسائي يحذفانها من الوصل هنا ومن "اقتده" فعلى قراءتهما يجب أن تكون هاء السكت، فإن الأصلية لا تحذف، فتكون لفظة: "لم يتسن" ، كما تقول: لم يتغن، وتكون مأخوذة من قولهم: تسنى يتسنى. وعلى الاحتمال الآخر تكون من: تسنه يتسنه، والمعنى واحد. قال ابن قتيبة: أي لم يتغير بمر السنين عليه. قال: واللفظ مأخوذ من السنه، يقال [1] : سانهت النخلة إذا حملت عاما. وحالت عاما فذكر ابن قتيبة لغة من جعل الهاء أصلية، وفيها لغتان: يقال: عاملته مسانهة ومساناة. ومن الشواهد لما ذكره ابن قتيبة قول الشاعر: فليست بسنهاء ولا رجبية [2] ولكن عرايا [3] في السنين الجوائح [4] يمدح النخلة، والمقصود مدح صاحبها بالجود، فقال: إنه [5] يعريها لمن يأكل ثمرها، لا يرجبها [6] لتخلية [7] ثمرها [8] ولا هي بسنهاء [9] . والمفسرون من أهل اللغة يقولون في الآية: معناه: لم يتغير. وأما لغة من قال: إن أصله سنوة فهي مشهورة، ولهذا يقال في جمعها: سنوات، (1) م، ر، ي: يقول، ح، ب: تقول. (2) و: ولا رحبيه، ب، ر: ولا رحيية، وفي سائر النسخ: ولا عربية. (3) ن، م، و، أ: عرابا. (4) أ: الحوايج، وذكر ابن منظور البيت في اللسان كما أثبته هنا، وقال إن لبعض الأنصار وهو سويد بن الصامت. (5) أ: بالجود وأنه. (6) أ، ر، ي، ح: لا يرجيها. (7) أ، ر: لتحلية، و: لنحليته. (8) و: الثمرة. (9) أ: ولا هي منها. ويشابهه في الاشتقاق الأكبر الماء الآسن، وهو المتغير المنتن، ويشابهه في الاشتقاق الأصغر الحمأ المسنون، فإنه من سن، يقال: سننت الحجر على الحجر إذا حككته، والذي يسيل بينهما [1] سنن [2] ، ولا يكون إلا منتنا [3] . وهذا أصح من قول من يقول: المسنون المصبوب على سنة الوجه، أو المصبوب [4] المفرغ، أي أبدع صورة الإنسان ; فإن هذا إنما كان بعد أن خلق من الحمأ [5] المسنون، ونفس الحمأ لم يكن على صورة الإنسان ولا صورة وجه، ولكن المراد المنتن. فقوله: {لم يتسنه} بخلاف قوله: {ماء غير آسن} [سورة محمد: 15] ، فإنه من قولهم: أسن يأسن ; فهذا من جنس الاشتقاق الأكبر، لاشتراكهما في السين والنون والنون [6] الأخرى، والهمزة والهاء متقاربتان فإنهما حرفا حلق، وهذا باب واسع. والمقصود أن اللفظين إذا اشتركا في أكثر الحروف وتفاوتا في بعضها، قيل: أحدهما مشتق من الآخر، وهو الاشتقاق الأكبر، والأوسط أن يشتركا في الحروف لا في ترتيبها، كقول الكوفيين: الاسم مشتق من السمة والاشتقاق الأصغر الخاص الاشتراك في الحروف وترتيبها وهو المشهور كقولك: علم يعلم فهو عالم. (1) و: منهما. (2) ب فقط: سنين. (3) أ: مبنيا ر: سننا و: مسننا. (4) ن: والمصبوب، و: أي المصبوب. (5) أ، ب، ن: الحماء. (6) والنون: ساقطة من (ن) ، (م) ، (أ) . وعلى هذا فالشيطان مشتق من شطن، وعلى الاشتقاق الأكبر هو من باب [1] شاط يشيط، لأنهما اشتركا في الشين والطاء. والنون والياء متقاربتان. فهو سبحانه [2] أمر في سورة الناس بالاستعاذة من: شر الوسواس من الجنة والناس، الذي يوسوس في صدور الناس. ويدخل في ذلك وسوسة نفس الإنسان له، ووسوسة غيره له. والقول في معنى الآية مبسوط في مصنف مفرد [3] . والمقصود هنا أنه قد ثبت [4] في الصحاح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبي هريرة وابن عباس: "«أن العبد إذا هم بخطيئة لم تكتب عليه، فإن تركها لله كتبت له حسنة كاملة، فإن عملها كتبت عليه سيئة واحدة، وأنه إذا [5] هم بحسنة كتبت له حسنة كاملة، فإن عملها كتبت له عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة»" [6] . (1) باب: زيادة في (ن) ، (م) . (2) ح، ب: فالله سبحانه. (3) و: في غير هذا الموضع، وقول ابن تيمية: والقول في معنى الآية. . . إلخ، يفهم منه أن له مصنفا مفردا عن آية 259 من سورة البقرة، ولم أجد فيما بين يدي من مراجع ومخطوطات ما يدل على ذلك، ولعل الصواب: والقول في معنى السورة مبسوط في مصنف مفرد، ويكون مقصود ابن تيمية سورة الناس، فإن له رسالة خاصة في تفسيرها نشرت في مجموع فتاوى الرياض 17/509 - 536 (4) ن: فإن قيل: إنه قد ثبت. (5) ن، م: وإذا. (6) الحديث مع اختلاف في الألفاظ عن ابن عباس رضي الله عنهما في البخاري 8/103 (كتاب الرقاق، باب من هم بحسنة أو بسيئة) مسلم 1/117 - 118 كتاب الإيمان باب إذا هم العبد بحسنة كتبت، سنن الترمذي 4/330 (كتاب التفسير، [سورة الأنعام] والحديث في سنن الدارمي وسنن أحمد في مواضع كثيرة. وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال [1] : "«إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل به»" [2] . وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "«إذا أذن المؤذن أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين، فإذا قضي التأذين أقبل، فإذا ثوب بالصلاة أدبر - يعني الإقامة - فإذا قضي التثويب أقبل حتى يخطر [3] بين المرء ونفسه، يقول: اذكر كذا، اذكر كذا، لما لم يكن يذكر، حتى يضل [4] الرجل إن يدري كم صلى فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين»" [5] . (1) ن، م، و: وفي الصحيحين عنه أنه قال. (2) الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه في: البخاري 7/46 كتاب الطلاق، باب الطلاق في الإغلاق والكره والسكران، وأوله: (إن الله تجاوز عن أمتي) الحديث وفي رواية مسلم: لأمتي، وهو في مسلم 1/116 كتاب الإيمان، باب تجاوز الله عن حديث النفس. سنن أبي داود 2/355 كتاب الطلاق، باب في الوسوسة بالطلاق، سنن النسائي 6/127 - 128 في موضعين كتاب الطلاق باب من طلق في نفسه، سنن ابن ماجه كتاب الطلاق، باب من طلق في نفسه ولم يتكلم، المسند ط. الحلبي 2/425) (3) ن: حتى يحضر. (4) ح، ي، ب، و: يظل. (5) الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه في: البخاري 1/121 كتاب الأذان، باب فضل التأذين، وأوله: إذا نودي للصلاة، مسلم 1/291 - 292 كتاب الصلاة، باب فضل الأذان وهرب الشيطان عند سماعه، سنن النسائي 2/19 كتاب الأذان، باب فضل التأذين، المسند ط. المعارف 16/42 - 43 ط. الحلبي 2/460، 522.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |