|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() الفقه على المذاهب الأربعة المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري الجزء الرابع [كتاب النكاح] صـــــ 29 الى صــــــــ 38 الحلقة (167) ولا يشترط في البكر أن تصرح بالقبول بل يكفي أن يصدر منها ما يدل على الرضا كأن تسكت أو تبتسم أو تضحك غير مستهزئة أو تبكي بكاء الفرح، أما إذا ظهر منها ما يدل على عدم الرضا كأن تضرب وجهها أو نحو ذلك فإنه لا يكون رضا، هذا إذا زوجها الولي أو وكيله أو رسوله أو زوجها الولي ثم أخبرها رسوله أو أخبرها شخص أجنبي فضولي بشرط أن يكون عدلا فصدر منها ما يدل على الرضا على الوجه المتقدم فإنه يعتبر إجازة للعقد، أما إذا زوجها غير الولي من غير إذنها ورضاها - وهو نكاح الفضولي - ثم بلغها الخبر بالصورة المتقدمة فإن إجازة العقد لا يكفي فيها سكوتها بل لابد أن يصدر منها ما يدل على الرضا دلالة صريحة من قول أو فعل، ودلالة الفعل هي أن تطلب مهرها أو تقبل التهنئة بالسكوت أو الرد عليها، أو تمكن الزوج من الدخول والوطء أو نحو ذلك. ومثل البكر التي زوجها غير الولي الثيب التي زوجها الولي أو غيره فإنه لابد فيها من التصريح بالقول أو ما في معناه. والبكر اسم لامرأة لم تجامع أصلا، ويقال لها: بكر حقيقة فمن زالت بكارتها بوثبة أو حيض قوي أو جراحة أو كبر فإنها بكر حقيقة، ومثلها من تزوجت بعقد صحيح أو فاسد ولكن طلقت أو مات عنها زوجها قبل الدخول والخلوة أو فرق بينهما القاضي بسبب كون زوجها عنينا أو مجبوبا فإنها بكر حقيقة، أما من زالت بكارتها بزنا فإنها بكر حكما بمعنى أنها تعتبر بكرا وإن زالت بكارتها ومحل ذلك ما إذا لم يتكرر الزنا ولم تحد به وإلا كانت ثيبا، فالثيب هي الموطوءة بنكاح صحيح أو نكاح فاسد أو بشبهة أو زنا حدت به ولو مرة أو زنا تكرر منها وإن لم تحد به. المالكية - قالوا: يختص الولي المجبر بجبر الصغيرة، والمجنونة بالغة كانت أو لا. إذا كان جنونها مطبقا بكرا كانت أو ثيبا، أما إذا كانت ثيبا وكان جنونها متقطعا فلا تزوج إلا في حال إفاقتها بعد استئذانها، يختص أيضا بجبر الكبيرة البالغة العاقلة إذا كانت بكرا. وحد البكر هي التي لم تزل بكارتها بوطء في عقد صحيح أو فاسد أو يدرأ عنها الحد، أما إذا زالت بكارتها بزنا ولو تكرر منها على الأرجح، أو عارض آخر كتقدم في السن أو صدمة أو غير ذلك فإنها بكر له عليها الجبر. ويستثنى من ذلك البكر التي رشدها أبها أو وصيه بأن يعلن لها أنها رشيدة مرفوع عنها الحجر بقوله: رشدتك أو أطلقت يدك أو رفعت الحجر عنك أو نحو ذلك، ويثبت رشدها بإقراره أو ببينة وفي هذه الحالة لا يكون له عليها جبر فهي بمنزلة الثيب التي زالت بكارتها بالنكاح المتقدم. فلا يصح زواجها إلا بإذنها ورضاها، فللأب ومن قام مقامه أن يزوج الصغيرة ثيبا كانت أو بكرا فلو ثيبت الصغيرة قبل البلوغ بنكاح صحيح ثم طلقت وزوجت قبل البلوغ أيضا كان له عليها الجبر، أما إذا بلغت عنده وهي ثيب، فقيل: له عليها الجبر وقيل: لا وكذلك له أن يجبر المجنونة مطلقا إذا كانت لا تفيق، ويجبر البكر البالغة العاقلة فيزوجهن لمن يحب سواء كان كفأ أو لا وسواء كان بمهر المثل أو لا إلا أنه يشترط ألا يزوجهن لخصي أو عنين أو مجبوب أو أبرص أو رقيق أو عبد فليس له جبر في هذه الحالة فإن فعل كان للمجبور خيار الفسخ. وقد عرفت أن الوصي بالتزويج وإن كان له الجبر إلا أنه يزيد على هذا الشرط لا يزوجها لرجل فاسق، وأن لا يكون مهرها دون مهر المثل. وللولي المجبر من أب ووصي أن يجبر ولده المجنون جنونا مطبقا إذا خاف عليه الزنا أو الضرر الشديد أو الهلاك وكان الزواج ضروريا متعينا لإنقاذه، فإن لم يكن له أب ولا وصي أب وكان جنونه قبل البلوغ زوجه الحاكم. وكذلك لهم جبر الذكر الصغير لمصلحة كتزوجه من شريفة أو غنية أو بنت عم وهل لهؤلاء جبر السفيه أو لا؟ الجواب: أنه إذا خيف عليه الزنا لهم الجبر قطعا، وإن ترتب على تزويجه مفسدة لم يصح قطعا، أما إذا لم يترتب عليه مفسدة ولم يخف عليه الزنا فخلاف. والأظهر عدم الجبر فإن لم يكن عندهم صداق كان صداقهم على الأب، ولو مات يؤخذ من تركته أما إذا كان عندهم أخذ منهم، ومثل الأب الوصي والحاكم. أما الولي غير المجبر فليس له تزويج هؤلاء على أي حال على المشهور، فإن فعل يفسخ النكاح مطلقا ولو دخل وطال الزمن، وقيل: لا يفسخ بعد الدخول وطول الزمن. يختص الولي غير المجبر بتزويج من له عليها الولاية بإذنها ورضاها إذا كانت كبيرة عاقلة، فليس له أيضا أن يزوج الصغيرة ومن في حكمها مطلقا لأنه ليس له حق التزويج إلا إذا استأذن ورضيت، والصغيرة يعتبر إذنها فتبقى بلا زوج حتى تبلغ، على أنهم استثنوا من ذلك اليتيمة الصغيرة التي يخشى عليها الفساد في مالها أو نفسها إذا بلغت المرغوب في نكاحها، وقدره بعضهم بعشر سنين، ولكن الراجح عدم تعيين مدة بل المذار على خوف الفساد وعند ذلك يجبرها وليها على التزويج سواء رضيت أو لم ترض. ولكن يجب عليه أن يشاور القاضي قبل مباشرة العقد فإن لم يشاور القاضي فسخ قبل الدخول أما بعد الدخول فإنه يصح وإن لم يطل الزمن، فإذا زوجها الولي غير المجبر بدون أن يخاف عليها الفساد فإنه يصح إن دخل بها ومكث معها زمنا طويلا، قدر بثلاث سنين، أما قبل ذلك فإنه يفسخ. وله أن يزوج الكبيرة العاقلة بكرا كانت أو ثيبا بإذنها ورضاها كما تقدم، إن كانت بكرا فصمتها رضا، ويندب أن يقول الوالي لها: إن سكوتك عن الإجابة رضا منك بالزوج والصداق وإن نفرت أو منعت فإنه لا يصح أن يزوجها، أما إذا ضحكت أو بكت فإنه علامة الرضا إلا إذا قامت قرينة على أن البكاء علامة الرفض. أما الثيب فإنها تبين اللفظ عما في نفسها فلا بد من التصريح بأنها رضيت وأنها تأمر الولي بعقد زواجها على من ذكره لها. ويلحق بالثيب البكر التي رشدها الأب أو الوصي فإنه لا بد من لفظها صراحة. والبكر التي منعها أبوها من الزواج فرفعت أمرها إلى الحاكم ليزوجها فإنها في هذه الحالة تعرب عما في نفسها بصريح اللفظ فإن أمر الحاكم أباها بتزويجها فزوجها أبوها فإنه لا يحتاج إلى اذنها لأنه مجبر ولم يضع حقه في ذلك، وكذلك التي زوجها ولي غير مجبر بصداق من عروض التجارة وهي من قوم لا يزوجون به فإنه لا بد من رضاها بالصداق صريحا سواء كانت عروض التجارة بعض الصداق أو كله، أما الزوج فيكفي صمتها في الرضا به. وكذا إذا زوجت برجل به عيب يجعل لها فيه الخيار، فإنه لا بد في رضائها به من نطقها حتى ولو زوجها الولي المجبر كما تقدم. وكذلك البكر التي زوجها ولي غير مجبر بغير إذنها ثم بلغها الخبر فرضيت فإنه لا بد من لفظها بأنها رضيت. وهذا هو نكاح الفضولي وإنما يصح بشروط: أحدها: أن يقع العقد بالبلد التي تقطن بها الزوجة. ثانيها: أن يبلغها الخبر عقب العقد. أو قريبا منه فترضى بدون تسويف، وقدر لقرب الزمن ثلاثة أيام على الأكثر فإذا علمت بعد ثلاثة أيام فإنه لا يصح، وكذا إذا بلغها في حينه ولكن لم تعلن رضاها به حتى مضت الثلاثة الأيام ثالثها: أن لا يصرح الولي عند مباشرة العقد بأنه غير مأذون منها، فإن صرح يفسخ اتفاقا. رابعها: أن لا ترده عند علمها فإن ردته ثم أجازته فإنه لا يصح. وإذا منع الولي المجبر أو غيره من له عليها الولاية من الكفء الذي رضيت به لا تنتقل الولاية إلى الأبعد بل لها أن ترفع أمرها إلى الحاكم ليسأله عن سبب امتناعه فإن أظهر سببا معقولا ردها إليه وإلا أمره بتزويجها، فإن امتنع عن تزويجها بعد أمر الحاكم وإذا دعت إلى كفء ودعا وليها إلى كفء آخر تعين الكفء الذي دعت إليه هي. ولكن الولي المجبر يعتبر عاضلا برد أول كفء سواء كان أبا بالنسبة لبنته الثيب والبكر المرشدة أو كان غير أب بالنسبة للجميع. أما الولي المجبر سواء كان أبا أو وصيا فإنه لا يعتبر عاضلا ولو رد الكفء ردا متكررا، وإنما يعتبر عاضلا إذا ثبت عليه أنه فعل ذلك قصدا للمنع لأن مجرد رد الخاطب لا يدل على العضل بل قد يكون لمصلحة يعلمها الولي وهو أشفق الناس على بنته فإن تحقق قصد الضرر ولو مرة أمره الحاكم بالتزويج. الشافعية - قالوا: يختص الولي المجبر بتزويج الصغيرة، والمجنون صغيرا أو كبيرا، والبكر البالغة العاقلة بدون استئذان ورضا بشروط سبعة: الشرط الأول: أن لا يكون بينه وبينها عداوة ظاهرة، أما إذا كانت العداوة غير ظاهرة فإنها لا تسقط حقه. الشرط الثاني: أن لا يكون بينها وبين الزوج عداوة أبدا ظاهرة معروفة لأهل الحي ولا باطنة فلو زوجها لمن يكرهها أو يريد بها السوء فإنه لا يصح. الشرط الثالث: أن يكون الزوج كفأ الشرط الرابع: أن يكون موسرا قادرا على الصداق. وهذه الشروط الأربعة لا بد منها في صحة العقد، فإن وقع مع فقد شرط منها كان باطلا إن لم تأذن به الزوجة وترضى به. الشرط الخامس: أن يزوجها بمهر مثلها. الشرط السادس: أن يكون المهر من نقد البلد. الشرط السابع: أن يكون حالا. وهذه الشروط الثلاثة شروط لجواز مباشرة الولي للعقد، قلا يجوز له أن يباشر العقد أصلا إلا إذا تحققت هذه الشروط، فإذا فعل كان آثما وصح العقد، على أن اشتراط كون الصداق حالا وكونه من نقد البلد مقيد بما إذا لم تكن العادة جارية بتأجيل الصداق أو بالتزويج بغير نقد البلد كالتزوج بعروض التجارة، فإذا كانت العادة جارية به فإنه يجوز. ومتى تحققت هذه الشروط كان للأب أو الجد إجبار البكر صغيرة كانت أو كبيرة عاقلة أو مجنونة، ولكن يسن استئذانها تطيبا لخاطرها إذا كانت بالغة - ولو كانت سكرى - لأن السكر لا يخرجها عن التكليف فهذا اختصاص الولي المجبر. أما الولي غير المجبر - وهو غير الأب والجد ممن تقدم ذكره من العصبات وذوي الولاء والسلطان - فليس له أن يزوج من له عليها الولاية إلا بإذنها ورضاها فإن كانت بكرا بالغا فرضاها يعرف بسكوتها عند الاستئذان ما لم تقم قرنية على عدم رضاها كصياح ولطم ونحوه، وهذا بالنسبة للمهر إذا كان مهر المثل أو من غير نقد البلد فلا بد من رضا به صريحا، وهذا هو الراجح. وبعضه يقول: إذا كان الولي غير مجبر فإنه لا يكفي سكوت البكر بل لا بد من التصريح برضاها بالزوج والمهر. أما الثيب فإنه لا بد من تصريحها بالرضا سواء كان المزوج أبا مجبرا أو غيره بلا خلاف. والثيب هي التي زالت بكارتها بوطء حلالا كان أو حراما ولو وطئها قرد، أما من زالت بكارتها بعارض آخر كمرض أو جراحة فإنها تكون بكرا، ومثلها من زالت بكارتها بوطء في الدبر، هذا إذا كانت كبيرة عاقلة، أما الصغيرة العاقلة فإنه لا يصح لغير الأب والجد أن يزوجها بحال من الأحوال لأن زواجها يتوقف على إذنها ورضاها. والصغيرة لا يعتبر لها إذن فلا تزوج إلا إذا بلغت، فإن كانت الصغيرة يتيمة لا أب لها وكانت مجنونة انتقلت الولاية عليها في المال والنكاح للحاكم، ولكن لا يصح له أن يزوجها إلا بشرطين: الشرط الأول: أن تبلغ لأنها لا تحتاج للزواج قبل البلوغ. الثاني: أن تكون محتاجة بعد البلوغ إلى النفقة أو الخدمة بحيث لا تندفع حاجتها بغير الزواج. الحنابلة - قالوا: يختص الولي المجبر بإجبار غير المكلف - وهو الصغير - بكرا كانت أو ثيبا وهي من كانت دون تسع سنين، أما التي لها تسع سنين وكانت ثيبا فليس عليها جبر لأن إذنها معتبر فلا بد من إذنها. ويختص أيضا بإجبار البكر البالغة عاقلة كانت أو مجنونة، فللأب أن يزوجهن بدون إذنهن ورضاهن لمن يشاء إلا لمن به عيب يجعل لها حق خيار الفسخ، كأن يكون مجبوبا أو عنينا لا يقدر على الوطء أو به شلل كما سيأتي في العيوب. أما الثيب البالغة التي لها تسع سنين فإنه لا يصح تزويجها بدون إذنها ورضاها. والثيب هي التي زالت بكارتها بالوطء في قبلها سواء كان بعقد صحيح أو فاسد أو بزنا. أما من زالت بكارتها بغير ذلك كوطء في الدبر أو عارض آخر من مرض أو كبر أو نحو ذلك فإنها بكر. وعلامة رضاء البكر سكوتها الدال على الرضاء. أما رضا الثيب فلا يتحقق إلا بكلام. ويسن للولي المجبر أن يستأذن من يعتبر إذنها كأن كانت بكرا عاقلة بالغة، أو سنها تسع سنين. أما الولي غير المجبر فليس له أن يزوج من له عليها الولاية إلا بإذنها ورضاها إن كانت كبيرة عاقلة، أو صغيرة لها تسع سنين، أما الصغيرة التي دون تسع والمجنونة المطبقة فليس له زواجهما لأنه موقوف على الإذن وليس لهما إذن معتبر، على أنهم قالوا: إن الحاكم ولي مجبر فله أن يزوجها إذا دعت الحاجة إلى زواجهما. وعلى الولي غير المجبر أن يذكر عند الاستئذان اسم الزوج بالتعيين بأن يذكر اسمه ولقبه ومنصبه ونسبه لتكون على بصيرة في أمرها، فإذا ذكره لها مبهما لا يصح العقد، ولا يشترط ذكر المهر) .
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() الفقه على المذاهب الأربعة المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري الجزء الرابع [كتاب النكاح] صـــــ 46 الى صــــــــ 52 الحلقة (169) [دليل الولي من الكتاب والسنة] -قد عرفت مما ذكرناه أن الشافعية، والمالكية اصطلحوا على عد الولي ركنا من أركان النكاح لا يتحقق عقد النكاح بدونه، واصطلح الحنابلة والحنفية على عده شرطا لا ركنا، وقصروا الركن على الإيجاب والقبول، إلا أن الحنفية قالوا: أنه شرط لصحة زواج الصغير والصغيرة، والمجنون والمجنونة ولو كبارا، أما البالغة العاقلة سواء كانت بكرا أو ثيبا فليس لأحد عليها ولاية النكاح، بل لها أن تباشر عقد زواجها ممن تحب بشرط أن يكون كفأ، وإلا كان للولي حق الاعتراض وفسخ العقد.وقد استدل الجمهور بأحاديث وبآيات قرآنية، فأما الأحاديث فمنها ما رواه الزهري عن عائشة وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل" ومنها ما رواه ابن ماجة، والدارقطني عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها". وهذان الحديثان أقوى ما استدل به الجمهور على ضرورة الولي، فليس للمرأة حق مباشرة العقد دونه، وقد أجاب الحنفية عن الحديث الأول بأنه مطعون فيه، وذلك لآن الزهري نفسه قد سئل عنه فلم يعرفه، وقد أجيب عن هذا بأن معرفة الزهري لا تضر ما دام راويه - وهو سليمان بن موسى - وهو ثقة، ولا يخفى ضعف هذا الجواب، لأنه ما دام مصدر الحديث المروي عنه لم يعرفه وأنكره، فإن ذلك يضعف الثقة جزما، على أن الحنفية قالوا: إن كل الأحاديث التي يفيد ظاهرها اشتراط الولي في التزويج فهي خاصة بالصغيرة التي لا يصح لها أن تتصرف، وذلك مؤيد بقواعد الدين العامة، فإن النكاح عقد من العقود كالبيع والشراء، ومعلوم أن للمرأة الحرية المطلقة في بيعها وشرائها متى كانت رشيدة، فكيف يحجر عليها في عقد زواجها وهو أهم العقود التي تتطلب حرية لما يترتب عليه من مهام الأمور، فينبغي أن يقاس عقد النكاح على عقد البيع، وإن ورد ما يخالف هذا القياس وجب تخصيصه به، وهذه قاعدة أصولية. فقوله: "لا تزوج المرأة المرأة" معناه لا تزوج المرأة الكبيرة البنت الصغيرة عند وجود الولي للعصبة المقدم عليها، أو لا تزوج المرأة الصغيرة المرأة الصغيرة، وقوله: "ولا تزوج المرأة نفسها" معناه ولا تزوج الصغيرة نفسها بدون ولي، فالمراد من المرأة الأنثى الصغيرة، وهي وإن كانت عامة تشتمل الصغيرة والكبيرة إلا أنها خصت بالصغيرة لما هو معلوم من أن الكبيرة لها حق التصرف في العقود كالبيع، فيقاس النكاح على البيع، وذلك جائز في الأصول. أما الجمهور فقالوا بالفرق بين النكاح وبين البيع، وذلك لأن المرأة لا عهد لها بمخالطة الرجال فربما خدعها غير الكفء فتتزوج بمن تتعير به عشيرتها، ويكون شرا ووبالا على سعادتها الدنيوية، فلذا صح الحجر عليها في عقد النكاح دون غيره من العقود، لأن عقد البيع مثلا لا يترتب عليه مثلا هذا الشر مهما قيل فيه، وقد أجاب الحنفية عن هذا بجوابين: الأول: أنهم قد اشترطوا الكفاءة في الزوجية كما ستعرفه، فلو تزوجت المرأة غير كفء فللأولياء أن يعترضوا هذا الزواج ولا يقروه فيفسخ، فلا تصيبهم معرة الصهر الذي لا يناسبهم، فزمام المسألة بأيديهم. الثاني: أن المفروض كون المرأة عاقلة حسنة التصرف غير محجور عليها، ولذا كان من حقها أن تتصرف في بيعها وشرائها بدون حجر ما، فإذا قيل: إنها قد تغبن في اختيار الزوج الكفء فكذلك يقال إنها قد تغبن في بيع سلعة هامة غبنا ضارا بها أكثر من الضرر بعقد زواج على غير الكفء، لأنه إن ثبتت عدم كفاءته فرق القاضي بينهما وينتهي الأمر، أما إذا باعت شيئا ذا قيمة مالية وغبنت فيه غبنا فاحشا، وهلك في يد مفلس فإنه يضيع عليها، ولا يسعها أن تتلافى ما ترتب على هذا البيع من الضرر، فتخصيص الحنفية ما ورد في هذه الأحاديث بالصغيرة قياسا لتصرف الكبيرة في النكاح على تصرفها في البيع صحيح لا اعتراض عليه بمثل هذا الذي أورده الجمهور.أما القرآن الكريم، فمنه قوله تعالى: {فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف} ووجه الدلالة في الآية أن الله تعالى يخاطب أولياء النساء فينهاهم عن منعهن من الزواج بمن يرضينه لأنفسهن زوجا، فلو لم يكن لهؤلاء الأولياء حق المنع لما كان لخطابهم بمثل هذا وجه لأنه كان يكفي أن يقول للنساء: إذا منعتن من الزواج فزوجوا أنفسكن. وقد نقل عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال: إن هذه الآية أصرح آية في الدلالة على ضرورة الولي. ولكن الحنفية قد أجابوا عن هذا بجوابين، الجواب الأول منع كون الآية خطابا للأولياء، بل هي تحتمل أن تكون خطابا للأزواج الذين يطلقون أزواجهم، وتحتمل أن تكون خطابا للمؤمنين عامة.أما الأول فهو الظاهر المتبادل من لفظ الآية الكريمة، فهو سبحانه يقول لمن يطلقون نساءهم: إذا طلقتم النساء فلا تستعملوا معهن الوسائل الظالمة التي يترتب عليها منعهن من الزواج بغيركم كأن تهددوها هي أو من يريد تزوجها بقوتكم أو جاهكم وسلطانكم أو نفوذكم إن كان لكم ذلك، أو تحاولوا تنقيصها والحط من كرامتها فتنفروا منها خطيبها الذي سيكون زوجا لها أو تؤثروا عليه أو عليها من أي ناحية من النواحي، كأن تمنعوها من حقوقها المالية إن كان لها عندكم حق أو نحو ذلك.وأما الثاني فمعناه إذا طلقتم النساء أيها المؤمنون وأصبحن خاليات من الأزواج والعدة فلا يصح أن يقع بينكم عضلهن ومنعهن من الأزواج سواء كان ذلك المنع من قريب أو من ذي جاه ونفوذ عليها، فيفترض عليكم فرض كفاية أن تمنعوا وقوعه فيما بينكم بنهي فاعله والضرب على يده وإلا كنتم مشتركين معه في الإثم لأن عضل المرأة من الزواج منكر حرمه الله تعالى، والنهي عن المنكر فرض على المؤمنين، وإزالته لازمة على كل قادر حكما كان أو غيره.ولا تعارض بين هذا الذي ذكرناه وبين ما رواه البخاري من أن الآية نزلت في معقل بن يسار حيث كان قد زوج أخته لرجل فطلقها زوجها ثم أراد الرجوع إليها ثانيا فأبى أخوها معقل أن تعود إليه مع كونها راغبة فيه، فلما نزلت زوجها إياه لأنه يحتمل أن تكون حادثة معقل صادفت نزول الآية، ولكن الآية في ذاتها عامة على الوجه الذي بيناه. ونظير ذلك ما قاله المفسرون في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا} [سورة الحجرات] ، إذ قال الفخر الرازي - وهو شافعي -: إن الآية عامة ولكنها صادفت حادثة الوليد المشهورة، ومع ذلك فإذا سلم أن الآية نزلت في حادثة أخت معقل بخصوصها فإن الخطاب فيها يجب أن يكون عاما لكل من يعضل النساء سواء كان وليا أو غيره، فليست مقصورة على الأولياء بلا نزاع. الجواب الثاني: تسليم أن الآية خطاب لمعقل وغيره من أقارب المرأة بخصوصهم. ولكن ليس في الآية ما يدل على أن لهم حق الولاية على النساء مطلقا، وإنما تدل على أن من منع منه النساء من التزوج فهو آثم لا حق له في هذا، وهذا المنع لا يلزم أن يكون مترتبا على الولاية بل هو ظاهر في أنه مترتب على ضعف النساء وعدم قدرتهن على استعمال حقهن. وبيان ذلك أن المرأة تستكين عادة لمن يكفلها أو لعاصبها القريب من أب أو أخ فتفنى إرادتها في إرادته خصوصا في هذا الباب الذي يغلب فيه الحياء على معظم النسوة المتربيات، فلا ترى المرأة لها حقا مع كافلها أو عاصبها فتتنازل لهما عن استعمال حقها وهي مكرهة، فالآية الكريمة تفيد أنه لا يصلح للرجال أن يستغلوا هذا الضعف فيسلبوا النساء حقوقهن الطبيعية في التزوج بالكفء الذي يرغبن فيه، وهذا يتضمن أن للمرأة الحرية في اختيار الكفء الذي تريده زوجا لأن النهي عن منعها من الزواج يتضمن إباحة الحرية لها في الاختيار بلا نزاع، على أن قوله تعالى: {فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن} فيه دلالة على صحة عقد الزواج إذا باشرته المرأة، فإنه قال: {أن ينكحن} أي يتزوجن بعبارتهن، ولو كانت عبارة النساء لا تنفع فيعقد الزواج لقال: فلا تعضلوهن أن تنكحوهن أزواجهن.الحاصل أن الآية إذا كانت خطابا للأقرباء بخصوصهم يكون معناها لا تنتهزوا أيها الأقرباء فرصة كفالتكم للنساء وضعفهن فتسلبوا منهن حقهن الطبيعي في اختيار الزوج الكفء ومباشرتهن الزواج، فتتحكموا فيهن وتمنعوهن من استعمال ذلك الحق، وليس في هذا المعنى أية دلالة على أن لهم حق الولاية عليها. وقد يقال: إذا كان اختيار الزوج والعقد عليه حقا للمرأة فلماذا لم يقل لهن تعالى: زوجن أنفسكن واستعملن حقكن، فخطابه للأقرباء بقوله: {فلا تعضلوهن} دليل على أنهم أصحاب الحق في ذلك لا النساء؟ والجواب أن خطاب الأولياء بهذا يدل على معنى دقيق جليل، وهو ضرورة احترام الرابطة بين النساء وبين أهليهن الكافلين لهن، فإذا تنازلت الواحدة منهن عن حقها في هذا الموضوع احتراما لرغبة أبيها أو أخيها أو نحوهما خوفا من حدوث تصدع في رابطة القرابة، فإنه يكون حسنا يقره الله تعالى، وفي هذه الحالة لا يصلح أن يقال للنساء: استعملن حقكن واخرجن عن طاعة أوليائكن فتنقطع بذلك روابط المودة، وإنما كمال البلاغة وجمال الأسلوب أن يقال للأولياء: لا تستغلوا هذه الحالة فتتمادوا في سلب حقوقهن للنهاية، والنتيجة المترتبة على الخطابين واحدة، فإن الغرض أن لا تمنع المرأة من التزوج بمن ترغب فيه متى كان كفأ صالحا.ومما لا ريب فيه أن لهذين الرأيين علاقة شديدة بالحالة الاجتماعية في كل زمان ومكان، فالذين يحجرون على المرأة في عقد الزواج يرون أن النساء مهما قيل في تهذيبهن فإن فيهن جهة ضعف طبيعية بارزة، وهي خضوعهن للرجال وتأثرهن بهم، فقد تنسى المرأة عظمتها ومجدها وفضلها وتندفع في ميلها الشهوي وراء من لا يساوي شراك نعلها، وربما تجرها عاطفتها إلى التسليم لخادمها ومن دونه، وبديهي أن هذه الحالة ضررها لا يقتصر على المرأة فحسب، بل يتعداها إلى الأسرة بتمامها لأنهم يتعيرون بإدخال عنصر أجنبي فيهم لا يدانيهم في نسبهم ولا حسبهم، وربما جر ذلك إلى مأساة محزنة، فمن الواجب أن يوكل أمر اختيار الزوج للأولياء الذين يستطيعون أن يختاروا ما فيه خير المرأة وخير الأسرة مع صيانتها واحترامها، ومع هذا فإنه لا بد من رضاء المرأة في بعض الأحوال قبل أن يبرم الولي عقدها، وغير ذلك يكون اندفاعا مع عاطفة ضعيفة يمكن التأثير عليها بوسائل مختلفة، فيترتب على ذلك شقاء المرأة وتعاسة حظها وهدم الأسرة وانحطاط كرامتها. أما الحنفية الذين لا يرون الحجر على المرأة العاقلة البالغة فإنهم يقولون: إن قواعد الدين الإسلامي تقتضي أمرين:الأول إطلاق الحرية لكل عاقل رشيد من ذكر أو أنثى في تصرفه.رفع ما عساه أن يحدث من أضرار بسبب هذه التصرفات وكلا الأمرين لازم لا بد منه للحياة الاجتماعية، فالحجر على الرشيدة في أمر زواجها ينافي قواعد الإسلام العامة، فلو جعل أمر زواجها منوطا بالولي كان حجرا بدون موجب، خصوصا في حالة تزويجها بدون أخذ رأيها مطلقا وهي بكر رشيدة، فإن ذلك لا يلتقي مع قواعد الدين في شيء وربما كان ضارا في كثير من الأحيان إذ قد يكون الولي غير أب أو أخ شقيق، ولم تكن علاقته بالمرأة ودية فيتعمد معاكستها والوقوف في سبيلها بحرمانها من الكفء المناسب، وليس من السهل على المرأة إثبات العضل والشكوى للحاكم، بل ربما جر انحيازها للخاطب وشكواها للحاكم إلى عداء الأسرة، ويترتب عليه مأساة لا حد لها، وهذا كثير واقع لا يمكن الإغضاء عنه في التشريع الإسلامي المشهور بدقته وجلاله فيجب أن يناط أمر زواجها بها بشرط أن تتصرف تصرف العقلاء فلا تندفع في سبيل شهوة فاسدة فتقع على غير الكفء. فإنها إن فعلت ذلك كانت جديرة بالحجر عليها. وكان لوليها حق الاعتراض وفسخ العقد. ثم إن لها الحق في أن تكل أمر تزويجها لمن تشاء. فإذا كان لها أب أو أخ أو نحوهما من الأقربين الذين يشفقون عليها ويؤثرون راحتها ويتمنون لها السعادة كان من اللائق المقبول أن تفوض لهم وتترك لهم حقها ليتصرفوا في أمر زواجها كما يحبون. فلا تخرج عن إرادتهم ولا تحاول إحراجهم بما لا ينفعها، بل يضرها بفقد عطفهم عليها.عندي أن كلا الرأيين لازم للحياة الاجتماعية وأن اختلاف وجهة نظر الأئمة رضوان الله عليهم في فهم الشريعة الإسلامية وتطبيقها يدل على أنها شريعة خالدة حقا وأنها صالحة لكل زمان ومكان. فلا تقف في سبيلها مظلمة لفرد أو جماعة. ولا يتأذى بها أحد. فإذا ترتب على أحد الرأيين مشقة في وقت من الأوقات أو زمن من الأزمنة وجب المصير إلى الرأي الآخر. فكلا الرأيين حسن والعمل به مقبول معقول، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.وبعد فهذا نموذج من البحث في الأدلة الشرعية سنتبعه إن شاء الله ببحث في المسائل العامة. إذ لو جرينا على نمطه في كل مسألة لطال بنا المقال. ونخرج عن موضوعنا كما لا يخفى. [خلاصة مباحث الولي]- (1) اتفق المالكية، والشافعية، والحنابلة على ضرورة وجود الولي في النكاح فكل نكاح يقع بدون ولي أو من ينوب منابه يقع باطلا، فليس للمرأة أن تباشر عقد زواجها بحال من الأحوال سواء كانت كبيرة أو صغيرة عاقلة أو مجنونة إلا أنها كانت ثيبة لا يصلح زواجها بدون إذنها ورضاها. وخالف الحنفية في ذلك فقالوا: إن الولي ضروري للصغيرة والكبيرة المجنونة، أما البالغة العاقلة سواء كانت بكرا أو ثيبا فإنها صاحبة الحق في زواج نفسها ممن تشاء، ثم إن كان كفأ فذاك، وإلا فلوليها الاعتراض وفسخ النكاح. (2) اتفق القائلون بضرورة الولي على تقسيمه إلى قسمين: ولي مجبر، وولي غير مجبر. واتفق الشافعية، والحنابلة على أن الولي المجبر هو الأب والجد، وخالف المالكية فقالوا: الولي المجبر هو الأب فقط. واتفق المالكية والحنابلة على أن وصي الأب بالتزويج مجبر كالأب. بخلاف الشافعية فإنهم لم يذكروا وصي الأب، وزاد الحنابلة أن الحاكم يكون مجبرا عند الحاجة. (3) اتفق القائلون بالإجبار على أن الولي المجبر له جبر البكر البالغة بأن يزوجها بدون إذنها ورضاها، ولكن اختلفوا في الشروط التي يصح تزويج المجبرة بها بدون إذنها على الوجه المبين فيما مضى.اتفقوا أيضا على أن الثيب - وهي من زالت بكارتها بالنكاح - لا جبر عليها ولكن للولي حق مباشرة العقد، فإذا باشرته بدونه وقع باطلا، فالولي والمرأة الثيب شريكان في العقد، فحقها أن ترضى بالزواج صراحة، وحقه أن يباشر العقد، هذا إذا كانت كبيرة بالغة، أما إذا كانت ثيبا صغيرة فهي ملحقة بالبكر البالغ فيزوجها الولي المجبر بدون إذنها ورضاها ما لم تبلغ، وخالف الحنابلة فقالوا: إن الثيب الصغيرة التي تجبر هي ما كانت دون تسع سنين، فإن بلغت تسعا كانت كبيرة لا تجبر. (5) اتفق المالكية، والشافعية، والحنابلة على أن الولي غير المجبر وإن كان يتوقف عليه العقد ولكن ليس له أن يباشره بدون إذن من له عليها الولاية ورضاها صريحا إن كانت ثيبا أو ضمنا إن كانت بالغة، هذا في الكبيرة، أما الصغيرة فقد اتفقوا على أنها إذا كانت دون تسع سنين فإنه لا يجوز للولي غير المجبر زواجها بحال من الأحوال.ثم اختلفوا بعد ذلك، فقال الملكية: إن بلغت عشر سنين وخيف عليها الفساد إن لم تتزوج فللولي أن يزوجها بإذنها. وهل لا بد من رضاها صراحة أو يكفي صمتها؟ قولان أرجحهما الثاني، ولكن يجب على الولي أن يشاور القاضي. ورجح بعضهم أنه إذا خيف عليها الفساد فلا يشترط أن تبلغ عشر سنين بل تزوج جبرا وإن لم ترضى كما تقدم. وقال الشافعية: لا يصح للولي أن يزوج الصغيرة التي لم تبلغ إلا إذا كان أبا أو جدا، فإن فقدا أو تركاها صغيرة فلا يجوز لأحد أن يزوجها بحال من الأحول سواء كانت ثيبا أو بكرا مادامت عاقلة، لأن الولي غير المجبر إنما يزوج الصغيرة بالإذن ولا إذن للصغيرة، أما إذا كانت مجنونة فإنه يجوز للحاكم أن يزوجها إذا بلغت وكانت محتاجة. وقال الحنابلة: إذا بلغت الصغيرة تسع سنين كانت ملحقة بالكبيرة العاقلة، فللولي غير المجبر أن يزوجها بإذنها ورضاها، فإن كانت دون تسع فللحاكم أن يزوجها عند الحاجة. (6) اتفق الشافعية، والحنابلة على أن حق الأولياء غير المجبرين الأب، ثم الجد. وخالف المالكية فقالوا: إن أحقهم بالولاية الابن ولو من زنا، بمعنى أن المرأة إذا تزوجت بعقد صحيح صارت ثيبا، ثم زنت وجاءت بولد يكون مقدما على الأب والجد. أما إذا زني بها قبل أن تتزوج بعقد صحيح وجاءت من هذا الزنا فإنه لا يقدم على الأب في هذه الحالة لأن الزنا عندهم لا يرفع البكارة فيكون الأب وليا مجبرا، والكلام في غير المجبر، ووافقهم الحنفية على أن أحق الأولياء في النكاح الابن.وخالف الشافعية، والحنابلة فقالوا: إن أحق الأولياء الأب ثم الجد ولكن الحنابلة قالوا: إن الابن يلي الجد في الولاية. والشافعية قالوا: إنه لا ولاية للابن على أمه مطلقا. (7) اتفق الشافعية، والحنابلة والحنفية على أنه لا يصلح للولي الأبعد أو الحاكم أن يباشر عقد الزواج مع وجود الولي الأقرب المستكمل للشروط. خالف المالكية فقالوا: إن الترتيب بين الأولياء مندوب لا واجب. فإذا كان للمرأة أب وابن فزوجها أبوها صح وإن كانت مرتبته بعد مرتبة الابن. وكذا إذا كان لها أخ شقيق وأخ غير شقيق فزوجها غير الشقيق مع وجود الشقيق فإنه يصح. فإذا لم ترضى المرأة بحضور أحد من أقاربها فزوجها الحاكم فإنه يصح لأنه من الأولياء. وإذا وكلت واحدا من أفراد المسلمين بحكم الولاية العامة مع وجود ولي صح إن كانت دنيئة وإلا فلا، وهذا كله في الولي غير المجبر، أما الولي المجبر فوجوده ضروري عندهم. (8) اتفق الشافعية والمالكية والحنابلة على أن الولاية في النكاح يشترط لها الذكورة، فلا تصح ولاية المرأة على أي حال.
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() الفقه على المذاهب الأربعة المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري الجزء الرابع [كتاب النكاح] صـــــ 72 الى صــــــــ 80 الحلقة (173) [مبحث المحرمات لاختلاف الدين] -المخالفون للمسلمين في العقيدة ثلاثة أنواع: الأول: لا كتاب لهم سماوي ولا شبهة كتاب، وهؤلاء هم عباد الأوثان وهي التماثيل المنحوتة من خشب، أو حجر، أو فضة، أو جواهر، أو نحو ذلك. أما الأصنام فهي الصور التي لا جثة لها، كالصور المطبوعة في الورق ونحوه. وقيل لا فرق بين الصنم والوثن، فهما اسمان للآلهة التي يعبدونها من دون الله ويرمزون لها بالأشكال المختلفة من صور وتماثيل، ويدخل فيها الشمس، والقمر، والنجوم، والصور التي استحسنوها. ويلحق بهؤلاء المرتدون الذين ينكرون المعلوم من الدين الإسلامي بالضرورة. والرافضة الذين يعتقدون أن جبريل غلط في الوحي، فأوحى إلى محمد مع أن الله أمره بالإيحاء إلى علي. أو يعتقدون أن عليا إله أو يكذب بعض آيات القرآن فيقذف عائشة.ومن عبدة الأوثان الصابئة، وهم الذين يعبدون الكواكب، ومن فهم أن مناكحتهم حلال فهم أن لهم كتابا يؤمنون به. الثاني: قسم له شبهة كتاب، وهؤلاء هم المجوس الذين يعبدون النار، ومعنى كون لهم شبهة أنه قد أنزل على نبيهم - وهو زرادشت - كتاب، فحرفوه، وقتلوا نبيهم، فرفع الله هذا الكتاب من بينهم، وهؤلاء لا تحل مناكحتهم باتفاق الأئمة الأربعة، وخالف داود فقال بحلها لشبهة الكتاب. الثالث: قسم له كتاب محقق يؤمن به، كاليهود الذين يؤمنون بالتوراة. والنصارى الذين يؤمنون بالتوراة والإنجيل، فهؤلاء تصح مناكحتهم، بمعنى أنه يحل للمؤمن أن يتزوج الكتابية ولا يحل للمسلمة أن تتزوج الكتابي، كما لا يحل لها أن تتزوج غيره، فالشرط في صحة النكاح أن يكون الزوج مسلما. ودليل ذلك قوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} ، وقوله مخاطبا الرجال: {ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا} فهاتان الآيتان تدلان على أنه لا يحل للرجل أن ينكح المشركة على أي حال كما لا يحل للمرأة أن تنكح المشرك على أي حال إلا بعد إيمانهم ودخولهم في المسلمين. وقد خصص من هؤلاء الكتابية للرجل المسلم بقوله تعالى: {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} فهذه الآية تفيد حل الكتابية بالنص، ولو قالت إن المسيح إله، أو ثالث ثلاثة، وهو شرك ظاهر، فأباحهن الله لأن لهن كتابا سماويا.وهل إباحتهم مطلقة أو مقيدة بالكراهة؟ وفي ذلك تفصيل المذاهب (1) . ولا يشترط في الكتابية أن يكون أبواها كتابيين، بل نكاحها ولو كان أبوها، أو أمها وثنيا ما دامت هي كتابية (2) [مبحث المحرمة بالطلاق ثلاثة وحكم المحلل] -إذا طلق امرأته ثلاثا فإنها لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، ولا يلزم أن يكون الزوج الثاني ناويا معاشرتها دائما، بل تحل للأول إذا جامعها الثاني قاصدا (3) تحليلها للزوج الأول، ويقال له: المحلل، وإنما تحل للأول بشروط مفصلة في المذاهب (4) .(1) (الحنفية - قالوا: يحرم تزوج الكتابية إذا كانت في دار الحرب غير خاضعة لأحكام المسلمين لأن ذلك فتح لباب الفتنة، فقد ترغمه على التخلق بأخلاقها التي يأباها الإسلام ويعرض ابنه للتدين بدين غير دينه، ويزج نفسه فيما لا قبل له به من ضياع سلطته التي يحفظ بها عرضها، وغير ذلك من المفاسد فالعقد وإن كان يصح إلا أن الإقدام عليه مكروه تحريما لما يترتب عليه من المفاسد، إما إذا كانت ذمية ويمكن إخضاعها للقوانين الإسلامية، فإنه يكره نكاحها تنزيها. المالكية - لهم رأيان في ذلك، أحدهما: أن نكاح الكتابية مكروه مطلقا، سواء كانت ذمية، أو حربية. ولكن الكراهة في دار الحرب أشد. ثانيهما: أنه لا يكره مطلقا عملا بظاهر الآية لأنها قد أباحته مطلقا، وقد عللوا كراهتها في دار الإسلام بأن الكتابية لا يحرم عليها شرب الخمر ولا أكل الخنزير، ولا الذهاب إلى الكنيسة، وليس له من ذلك، وهي تغذي الأولاد به فيشبون على مخالفة الدين، أما في دار الحرب فالأمر أشد كما بينا عند الحنفية. وقد يقال: إن هذه المحظورات محرمة. ومذهب مالك مبني على سد الذرائع، فإذا ترتبت على نكاح الكتابية هذه المفاسد، أو خيف منها كان الإقدام على العقد محرما. وقد يجاب بأن محل هذا عند عدم وجود النص، أما وقد أباح الله نكاح الكتابية، فلا بد أن تكون المصلحة في إباحتها، إذ قد يترتب على مصاهرة الكتابي مصلحة للدين وإعزاز له أو دفع للمشاكل، والقضاء على الأحقاد والضغائن، فضلا عما في ذلك من إعلان سماحة الدين وتساهله مع المخالفين في العقيدة من أهل الكتاب، فإن الدين يبيح للرجل أن يقترن بالكتابية وهي على دينها لا يضمر عداء لهؤلاء المخالفين، ولا يبطن لهم حقدا وإنما لم يبح للمرأة أن تتزوج الكتابي لأن المرأة مهما قيل في شأنها لا يمكنها أن تقف في سبيل زوجها غالبا، فتكون مهددة بتغيير دينها، وأولادها لا محالة أن يتبعوا أباهم وهي لا تستطيع ردهم، والإسلام وإن تسامح فيما يجدد الروابط فإنه لا يمكنه التسامح فيما يخرج المسلم من دينه، أو يجعل ذريته من غير مسلمين، فهو قد أباح الكتابية للمسلم ونهاه عن إكراهها على الخروج من دينها، أما الأديان الأخرى فليس فيها هذا الضمان ولما كان الرجل قويا في الغالب جعل أمر ضمانه هو وأولاده موكولا لقوة إرادته، وحال بين المرأة ضعيفة الإرادة وبين تزوجها من الرجل الكتابي. الشافعية - قالوا: يكره تزوج الكتابية إذا كانت في دار الإسلام، وتشتد كراهة إذا كانت في دار الحرب كما هو رأي بعض المالكية، ولكنهم اشترطوا للكراهة شروطا:الأول: أن لا يرجو إسلام الكتابية. ثانيا: أن يجد مسلمة تصلح له. ثالثها: أنه إذا لم يتزوج الكتابية يخشى الزنا، فإن كان يرجو إسلامها فيسن له تزوجها، وإن لم يجد مسلمة تصلح له فكذلك يسن له التزوج بالكتابية التي تصلح له ليعيش معها عيشة مرضية، وإذا لم يتزوج الكتابية يخشى عليه الزنا يسن له دفعا لهذا. ومن هذا يتضح أن المسألة دائرة وراء المصلحة والمفسدة، فإذا ترتب على زواجها مصلحة كان الزواج ممدوحا، وإذا ترتب عليه مفسدة كان مكروها. الحنابلة - قالوا: يحل نكاح الكتابية بلا كراهة، لعموم قوله تعالى: {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} ، والمراد بالمحصنات الحرائر) . (2) (الشافعية والحنابلة - قالوا: يشترط في حل نكاح الكتابية أن يكون أبواها كتابيين فلو كان أبوها كتابيا وأمها وثنية لا تحل، حتى ولو كانت بالغة واختارت دين أبيها، وصارت كتابية على المعتمد عند الشافعية) . (3) (المالكية، والحنابلة - قالوا: إذا تزوجها بقصد التحليل فإنها لا تحل للأول مطلقا. وكان النكاح الثاني باطلا) (4) (الحنفية - قالوا: إذا تزوجها الثاني بقصد تحليلها للأول فإنه يصح بشروط: الأول: أن يعقد عليها الزوج الثاني عقدا صحيحا، فإذا كان العقد فاسدا لعدم استيفائه الشروط المتقدمة فإنها لا تحل، وكذا إذا كان العقد الثاني موقوفا على إجازة الغير، كما إذا عقد عليها عبد مملوك ووطئها قبل إجازة سيده فإنها لا تحل. الثاني: أن يدخل عليها الزوج الثاني ويجامعها. أما مجرد العقد بدون جماع فإنه لا يحلل بالإجماع. ونقل عن سعيد بن المسيب أنه قال: تحل بمجرد العقد، ولكن هذا القول لم يعمل به أحد من الأئمة مطلقا، ومن أفتى به فعليه لعنة الله والملائكة، ولو قضى به القاضي فلا ينفذ قضاؤه. ولا يشترط في الزوج الثاني أن يكون عاقلا، بل إذا وطئها مجنون فإنها تحل، وكذا إذا وطئها نائم لا يشعر أو مغمى عليه، وكذا إذا كانت هي نائمة، أو مغمى عليها، ولكن في ذلك خلافا. فبعضهم يشترط اللذة من الجانبين كما هو ظاهر الحديث، وعلى هذا فالمغمى عليه، والنائم الذي لا يلتذ لا يحلل، بخلاف المجنون فإنه يلتذ بلا كلام، أما من يقول: يكفي مجرد الإيلاج فإنه يقول: بالحل مطلقا، ولكن الظاهر هو الأول عملا بالحديث، إلا أن تحمل اللذة على مجرد الإيلاج، وكذا لا يشترط أن يكون بالغا، بل يكفي في تحليلها أن يكون مراهقا بحيث تتحرك آلته ويشتهي النساء، وكذا لا يشترط أن يكون الزوج الثاني مسلما إذا كان يحلل ذمية طلقها مسلم، فلو كان المسلم متزوجا ذمية ثم طلقها ثلاث مرات وتزوجت ذميا ثم طلقها حلت للأول، ويشترط أن يكون الوطء بلا حائل كثيف، فلو لف خرقة على ذكره وأولج فإنه لا يصح، إلا إذا كانت رقيقة لا تمنع الحرارة، كالكيس المعروف بالكبود، فإنه يصح. الشرط الثالث: أن يكون وطء الزوج موجبا للغسل بحيث تغيب الحشفة في داخل الفرج على المعتمد، ولا يشترط الإنزال، لما علمت أنه يكفي في التحليل أن يكون الزوج الثاني مراهقا، وكذا لا يشترط أن يكون الوطء جائزا، فإذا وطئها وهي حائض، أو نفساء، أو محرما بالنسك فإنها تحل للأول. الشرط الرابع: أن تنقضي عدتها من الزوج الثاني، فلا تحل للأول إلا إذا انقضت عدتها، كما أنه لا يصح للزوج الثاني أن يعقد عليها إلا إذا انقضت عدتها من الأول، كما تقدم في قولنا: أنه يشترط أن يكون العقد صحيحا، إذ لو كانت في العدة لم يكن العقد عليها صحيحا. الشرط الخامس: تيقن وقوع الوطء في المحل، فلو وطئ صغيرة لا يوطأ مثلها فإنها لا تحل، ومثل ذلك ما إذا وطئ مفضاة - وهي ما اختلط قبلها بدبرها - فإنها لا تحل للأول إلا إذا حملت من الثاني، إذ لا يمكن الجزم بأنها وطئها في القبل إلا بالحمل، ومثل ذلك ما إذا تزوجها مجبوب - وهو مقطوع الذكر - فإنها لا تحل للأول إلا إذا حملت من المجبوب، وذلك لأن المجبوب يمكن أن يساحقها، بأن يضع محل القطع على فرجها - كما تفعل المرأة مع المرأة - ثم ينزل، فإذا حملت من هذا الإنزال. فإنها تحل للأول، أما إذا تزوجها خصي - وهو مقطوع الأنثيين - ثم أولج فيها تحل، وكذا إذا تزوجها شيخ كبير يكون عنده نوع انتشار، فإنه يكفي، أما إذا كانت آلته كالخرقة لا انتشار لها، ولا يمكن إدخالها إلا بيده، فقيل: تحل به، لأن المدار إلى دخول الحشفة، وقيل: لا تحل، ولكن الظاهر أن ذلك الإدخال إذا تلذذ به وتلذذت به حلت، كما هو ظاهر حديث "حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك" وإلا فلا. وبعد، فهل يجوز لرجل أن يتزوج مطلقة الغير ويطأها بقصد تحليلها لمطلقها أو لا؟ والجواب: أنه يجوز ذلك، بل ويكون له عليه أجره، بشروط أحدها: أن يقصد الإصلاح بين الزوجين لا مجرد قضاء الشهوة. فإن قصد الشهوة فقط كره له ذلك. ولكنها تحل للأول. ثانيها: أن لا ينصب نفسه لذلك، بحيث يعرف بين الناس ويشتهر بأنه يحلل المطلقات، فمن كان كذلك كان عمله هذا مكروها تحريما. ثالثها: أن لا يشترط على ذلك العمل أجرا، فإن فعل كان عمله محرما، ويحمل على هذا حديث "لعن الله المحلل والمحلل له" لأنه باشتراطه الأجر كان عاصيا يستحق اللعن العام، وإنما كان عاصيا بذلك، لأنه أشبه آخذ الأجرة على عسب التيس، فمن كان عنده حمار، أو غيره من ذكور الحيوانات، وطلبه منه آخر لينزو على حمارة أو غيرها ليحبلها، فإنه يحرم عليه أن يأخذ على ذلك أجرا. فإذا أخذ الإنسان أجرا على وطء المرأة كان كالحمار الذي يطلب صاحبه أجرا على مائه. رابعها: أن لا يشترط التحليل. كأن يقول: تزوجتك على أن أحللك، فإذا قال ذلك بطل الشرط وصح العقد على المعتمد. فإذا وطئها حلت للأول، ولكن مع كراهة التحريم. ويظهر أن علة ذلك هي مخالفة ظاهر الحديث، لأن لعن المحلل، والمحلل هو الذي يثبت له هذا الوصف في العقد بأن يشترط التحليل. وقد علمت أنهم حملوه أيضا على ما إذا اشترط أجرا يأخذه في نظير القيام بهذا العمل، ولا مانع من حمل الحديث على الأمرين، فإن من يشترط أجرا على التحليل بمثابة التصريح بالتحليل، وكلاهما عليه أنه أتى هذا العمل لغرض دنيء تنبو عنه المروءة، فيستحق أن يكون من الملعونين. وقد نقل بعضهم عن أبي حنيفة أنه قال: إن شرط التحليل يصح، ويلزم به بحيث لو امتنع عن طلاقها يجبره القاضي، ولكن المحققون من الحنفية قالوا: إن هذا ضعيف لا ينبغي التعويل عليه، لأن قواعد المذهب تأباه، وذلك لأن النكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة، بل يبطل الشرط مع صحة العقد، ومما لا شك فيه أن شرط التحليل ليس من مقتضى العقد، فيجب بطلانه وصحة العقد، وهذا هو المعتمد من المذهب، وإذا أقت العقد بوقت بطل العقد، كما سيأتي في مبحث النكاح المؤقت. فإذا خافت المرأة أن لا يطلقها، فإنه يمكنها أن تقول له: زوجتك نفسي على أن يكون أمر طلاقي بيدي. فيقول لها: قبلت على ذلك. وفي هذه الحالة يصح العقد. ويكون لها الحق في تطليق نفسها متى أرادت، وهذا إنما يصح إذا قالت له المرأة هذا. أما إذا قال لها: تزوجتك على أن يكون أمرك بيدك. فإن النكاح يصح ويلغو الشرط. والحاصل أن التحليل إذا سلم من هذه المحظورات، وكان مقصودا به الصلح بين الرجل ومطلقته فإنه جائز. ولصاحبه أجر الذي يصلح بين الزوجين، أما إذا كان لغرض من الأغراض السابقة، فإنه يكون مكروها تحريما، ويكون إثمه على كل من اشترك فيه سواء كان الزوج الثاني أو المطلق أو المرأة، ولكن العقد يكون صحيحا متى كان مستوفيا لشروطه الأخرى، وتحل للأول بالوطء على الوجه المشروع. المالكية - قالوا: من تزوج امرأة طلقها غيره ثلاثا بنية إحلالها له كان العقد فاسدا لا يثبت بالدخول. بل يفرق بينهما قبل البناء وبعده، لكن إن تزوجها بشرط التحليل فإن العقد يفسخ بغير طلاق لعدم وجود عقد أصلا، وكذا إذا لم يشترط التحليل، ولكن أقر به بعد العقد فإنه يفسخ بطلاق، أما إذا أقر بشرط التحليل قبل العقد، ثم عقد عليها فإنه يفسخ بدون طلاق، كما إذا اشترط التحليل في العقد. وبعضهم يقول: إنه يفرق بينهما بطلقة بائنة مطلقا أما نية المطلق ونية المطلقة بأن نويا التزوج بالثاني لمجرد التحليل للأول فإنها لا قيمة لها وذلك لأن الزوج الثاني هو الذي بيده الطلاق، فإذا نوى التحليل فقد ترك شرطا أساسيا يبنى عليه الزواج. وهو دوام المعاشرة المقصودة من الزواج، فإذا تزوج امرأة بنية التحليل، ودخل بها، فإنها لا تحل للأول، ويلزم الزوج الثاني المهر الذي سماه لها بالدخول بها بلا خلاف، أما إذا اشترط التحليل في العقد فإنه يكون لها المهر المسمى بالدخول بها على الأصح، وكذا إذا تزوجها بنية التحليل وبنية إمساكها إن أعجبته، فإن النكاح يكون فاسدا كالأول، ولا تحل لمطلقها بالوطء، فلا تحل المبتوتة لمطلقها إلا إذا تزوجت رجلا آخر لم ينو إحلالها لمطلقها بشروط: أحدها: أن يكون الزوج الثاني بالغا. ثانيها أن يولج في قبلها حشفة ذكره أو قدرها ممن ليست له حشفة، فلا تحل بما دون ذلك، فإذا أولج في دبرها فإنها لا تحل، ويشترط أن يكون الذكر منتشرا سواء كان الانتشار قبل الإيلاج أو بعده، فلو أدخل بدون انتشار، ثم انتشر بعد الإدخال، فإنه يصح، ولا يلزم أن يكون الانتشار كاملا، ولا بد أن يكون الإيلاج في داخل الفرج لا في هوائه الخارج، وأن لا يلف على الذكر خرقة كثيفة، أما الخرقة الرقيقة التي لا تمنع الحرارة ففيها خلاف ولكن الظاهر أنها تكفي، وقد يمثل للخرقة الخفيفة في زماننا هذا بالكيس الرقيق الذي يستعمل حذرا من الحمل، ويسمى - الكبود - فلو لبسه تحل، ولا يشترط الإنزال، وما نقل في كتب الحنفية من أن المالكية يشترطون الإنزال غير صحيح. وتحل إذا أولج فيها الخصى - وهو المقطوع الانثيين دون الذكر - بشرط أن تعلم به حال الوطء لأنها إذا علمت ورضيت لزم النكاح، أما إذا لم تعلم كان النكاح معيبا قابلا للفسخ، فلا يترتب عليه التحليل. ثالثها: أن يكون مسلما، فلو طلق مسلم زوجته الكتابية ثلاثا، ثم تزوجها كتابي وفارقها فإنها لا تحل لزوجها المسلم، خلافا للحنفية. رابعها: أن لا يقوم بهما مانع شرعي يمنع الوطء، كأن تكون المرأة حائضا. أو نفساء. ولو بعد انقطاعهما مع عدم الغسل، أو يكونا صائمين، أو أحدهما صائما صيام رمضان، أو النذر المعين، أو يكونا محرمين بالنسك، أو أحدهما، فإن الوطء في هذه الأحوال لا يحلها، وبعضهم يقول: إن الوطء في هذه الأحوال يحلها لمطلقها الأول، أما الوطء حال صيام التطوع، وقضاء الفرض والنذر غير المعين فإنه يحلها اتفاقا. خامسها: أن لا ينكر الوطء، أو ينكره أحدهما، فإذا أنكر الزوج الوطء فإنها لا تحل وكذا إذا أنكرت هي. سادسها: أن لا تكون صغيرة غير مطيقة للوطء. سابعها: أن تعلم الزوجة بالوطء وتشعر به، فلو كانت نائمة، أو مغمى عليها، أو كانت مجنونة لا تدرك، فإنها لا تحل للأول، أما علم الزوج بالوطء فإنه ليس بشرط على المعتمد، فإذا وطئها نائم لا يشعر، أو مجنون. فإنه يحللها للأول. الشافعية - قالوا: إذا تزوج رجل مطلقة غيره ثلاثا بنية إحلالها له، فإنه يصح بشروط: الشرط الأول: أن يعقد عليها الثاني عقدا صحيحا، فإذا كان العقد فاسدا، أو جامعها بشبهة، أو زنا فإنها لا تحل لأن الله تعالى قال: {فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره} ولا يخفى أن المراد به النكاح الصحيح حتما. الشرط الثاني: أن لا يشترط التحليل لفظا في العقد، فإذا قال: تزوجت فلانة بشرط إحلالها لمطلقها، أو قال تزوجتها على أنني إذا وطئتها طلقت، أو بانت، بطل العقد، ولا تحل للأول بوطئها بناء على هذا العقد الفاسد، أما إذا تزوجها بدون شرط وفي نيته الطلاق لتعود إلى زوجها فإنه مكروه. الشرط الثالث: أن يكون الزوج الثاني من يتصور منه ذوق اللذة، بأن يشتهي الوقاع وإن كان صبيا، فلا يشترط أن يكون بالغا كما لا يشترط إنزال المني، وكذا لا يشترط أن يكون عاقلا فلو وطئها مجنون بعقد صحيح فإنها تحل للأول، ولا يشترط أيضا أن يكون مسلما إذا كانت الزوجة ذمية، فلو طلقها المسلم وتزوجت ذميا وفارقها بعد الوطء، فإنها تحل للأول، وكذا لا يشترط أن يكون حرا، فلو تزوجت عبدا وأجازه مولاه صح، ولا يشترط أيضا أن تكون الزوجة غير مطيقة للوطء. فلو كانت صغيرة لا يجامع مثلها فإنها تحل بإدخال الحشفة بالعقد الصحيح بخلاف الغلام الصغير الذي لا يعرف لذة الجماع ولا يمكن لمثله أن يجامع النساء. فإنه لا يحلل. والفرق بين الحالتين أن الغرض من وطء المطلقة ثلاثا من زوج آخر إنما هو التنفير من إيقاع الطلاق بهذه الصورة. وهذا التنفير يحصل بمس الصغيرة وإدخال الحشفة فيها. ولا يشترط أيضا ذوق العسيلة. بل المراد بها في حديث "حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك" نفس الوطء لأنه مظنة اللذة غالبا. الشرط الرابع: أن يكون الوطء في داخل الفرج. بحيث تغيب الحشفة فيما وراء البكارة. بحيث لو كانت بكرا وأولج بدون أن يفضها ويزيل بكارتها فإنه لا يكفي لأن المطلوب أن تغيب الحشفة فيما بعد البكارة وقيل: يكفي ذلك. فإذا وطئها في دبرها فإنها لا تحل طبعا وكذا إذا أدخلت منيه بواسطة غير الإيلاج فإنها لا تحل به فإذا وطئها مجبوب بأن ساحقها وأنزل منيه فيها فإنها لا تحل، أما إذا وطئها خصي - وهو مقطوع الانثيين - فإنها تحل. الشرط الخامس: أن يكون منتصبا، فإذا لم يكن كذلك وأولج ذكره بأصبعه فإنها لا تحل، ولا يشترط أن يكون الانتشار كاملا، كما لا يشترط أن يكون بدون حائل، فلو وضع خرقة على ذكره وأولج فإنه يصح، ومن باب أولى إذا وضع كيسا رقيقا - كبودا - فإنه يصح به التحليل وكذا لا يشترط أن يكون الوطء غير ممنوع بسبب حيض، أو نفاس، أو إحرام بالنسك. أو غير ذلك. خاتمة في سقوط التحليل بفساد العقد الأول: إذا تزوج الرجل امرأة بعقد فاسد في مذهب الشافعي، كأن تزوجها بحضرة شاهدين فاسقين، أو زوجها ولي فاسق ودخل بها وعاشرها معاشرة الأزواج ثم طلقها ثلاثا، فهل له أن يجد عليها العقد بدون محلل، لأن العقد الأول كان فاسدا لا يترتب عليه طلاق، أولا؟ إن المفتى به في مذهب الشافعية هو أنها لا تحل له بدون محلل، ولا يصح الإفتاء بفساد العقد الأول لأجل إسقاط التحليل، نعم إذا اختل شرط من شروط العقد الأول كأن تزوجها بحضرة فاسقين، أو بدون ولي. وثبت ذلك بإقرارهما، أو ببينة، فإنه يترتب على ذلك أن يحكم القاضي بما هو من حقهما لا من حق الله تعالى، كما إذا كان المسمى لها من المهر أقل من مهر المثل، وأرادت أن تأخذ مهر المثل بدعوى أن النكاح فاسد، وثبت ذلك فإن لها هذا الحق، وكذا إذا طلقها ثلاثا قبل الدخول. وأقام بينة على فساد العقد تخلصا من نصف المهر الذي تستحقه بالطلاق قبل الدخول، فإن القاضي يحكم له بذلك، ومتى ثبت ذلك وحكم به حاكم، فإنه يسقط به التحليل تبعا، فله أن يجدد عليها العقد بدون محلل في الصورتين. أما تحليلها بعد تطليقها ثلاثا فإنه حق الله تعالى. فإذا أقرا بفساد العقد أو أقاما بينة على فساده لتحل له بدون محلل فإنها لا تسمع نعم إذا قامت بينة من تلقاء نفسها حسبة، فإنها تسمع بشرط أن تكون هناك حاجة لسماعها، وصورة ذلك: يتزوج رجل امرأة بعقد فاسد، ثم يطلقها ثلاثا وهو يعاشرها ولم تعلم البينة بالطلاق ثلاثا، وظنت أنه يعاشرها بحكم الزوجية، فشهدت عند القاضي بأنه عقد باطلا، لا يصح له معاشرتها بناء عليه، فيفسخ القاضي العقد، وبذلك يصح له أن يجدد عقدا عليها بدون محلل، وقد يصور ذلك أيضا بأن يطلق امرأته المعقود عليها عقدا فاسدا ثلاثا قبل الدخول بها ثم يخالط أمها مخالطة المحارم فتشهد بينة الحسبة أنه لا يجوز له معاشرة هذه الأم معاشرة المحارم، لأنه عقد على بنتها عقدا فاسدا، فلم تكن محرما له، فيقضي القاضي بعدم صحة النكاح فيسقط التحليل. وحاصل ذلك أنه لا يصح قضاء الحكم بسقوط المحلل بناء على كون العقد فاسدا، ولكن يصح لهما بذلك باطنا، فإذا علم الحاكم بهما فرق بينهما، لا فرق في ذلك بين أن يقلد مذهبا آخر عند العقد أو لا. وبعض علماء الشافعية يرى أنه إذا عقد عقدا فاسدا في مذهب الشافعي، ولكن قلد فيه أبا حنيفة مثلا، كما إذا عقد بغير ولي، أو بحضرة فاسقين مقلدا في ذلك أبا حنيفة، أو لم يقلد أحدا ولكن حكم بصحة العقد حاكم حنفي، ثم طلقها ثلاثا فإنه لا يسقط المحلل بحال، أما إذا كان العقد واقعا بين العوام الذين لا يعرفون شرائط ولا أحكام، فلم يقلدوا، ولم يحكم حاكم بصحة العقد ثم طلقها ثلاثا، فله تجديد العقد بدون محلل ديانة لا قضاء. الحنابلة - قالوا: إذا تزوج شخص مطلقة الغير ثلاثا بقصد إحلالها لزوجها الأول، أو صرح بهذا الشرط في العقد، إن اتفق عليه مع الزوجة، أو مع وليها قبل العقد، ولم يرجعا عنه فقد بطل النكاح، ولا تحل للأول بحال. لما رواه ابن ماجة من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: هو المحلل. لعن الله المحلل والمحلل له" فلا تحل المطلقة ثلاثا إلا إذا تزوجت آخر بشروط: الأول: أن يكون العقد الثاني صحيحا خاليا من كل شرط، ومن نية الطلاق. الثاني: أن يطأها الزوج الثاني في قبلها. فلا يكفي العقد. ولا الخلوة. ولا المباشرة بل لا بد من إيلاج الحشفة كلها في داخل الفرج. ولا تحل بإدخالها في الدبر، كما لا تحل بوطء شبهة. أو وطء في ملك يمين، أو وطء في نكاح فاسد. الثالث: أن يكون منتشرا، فلا تحل بإيلاج ما ليس بمنتصب. الرابع: أن تكون خالية من موانع الوطء، فلا تحل إذا وطئها في حيض. أو نفاس. أو صوم فرض أو احرام، أما إذا وطئها في وقت لا يحل فيه وطؤها كما إذا وطئها في ضيق وقت صلاة، أو في مسجد، فإنها تحل وإن كان لا يجوز له ذلك. ولا يشترط أن يكون الزوج الثاني بالغا، بل يكفي أن يكون مراهقا. ولم يبلغ عشر سنين كما لا يشترط الإنزال طبعا، ويترتب على الوطء بهذا العقد الفاسد ثبوت النسب، والمهر المسمى ان سمى لها مهرا، وإلا فمهر المثل، وتجب به العدة، ولا يثبت به إحصان، ولا حل للزوج الأول) .
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]() الفقه على المذاهب الأربعة المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري |