تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد - الصفحة 21 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4969 - عددالزوار : 2081564 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4547 - عددالزوار : 1353487 )           »          معالم الأخوة في الله‎ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          رعاية الأسرة المسلمة للأبناء شواهد تطبيقية من تاريخ الأمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          الخطوات الثلاثون نحو السعادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          غير المسلمين في المجتمع الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          بين سجود الاقتراب وسجود الاغتراب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          كيف تجزع والله معك؟! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          خطوات التربية الإيجابية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          السلطان عبد الحميد الثاني آخر سلاطين الدولة العثمانية الفعليين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #201  
قديم 01-06-2022, 09:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,616
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثالث
سُورَةُ الانعام
الحلقة (201)
صــ41 إلى صــ 46


فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين


قوله تعالى: فقطع دابر القوم الذين ظلموا قال ابن السائب: دابرهم: [ ص: 41 ] الذي يتخلف في آخرهم . والمعنى: أنهم استؤصلوا . وقال أبو عبيدة: دابرهم: آخرهم الذي يدبرهم . قال ابن قتيبة: هو كما يقال: اجتث أصلهم .

قال المفسرون: وإنما حمد نفسه على قطع دابرهم ، لأن ذلك إنعام على رسلهم الذين كذبوهم ، وعلم الحمد على كفايته شر الظالمين .
قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون

قوله تعالى: قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم أي أذهبها ، وختم على قلوبكم حتى لا تعرفون شيئا من إله غير الله يأتيكم به في هاء "به" ثلاثة أقوال .

أحدها: أنها تعود على الفعل: والمعنى: يأتيكم بما أخذ الله منكم ، قاله الزجاج . وقال الفراء: إذا كنيت عن الأفاعيل ، وإن كثرت ، وحدت الكناية ، كقوله للرجل: إقبالك وإدبارك يؤذيني .

والثاني: أنها تعود إلى الهدى ، ذكره الفراء . فعلى هذا تكون الكناية عن غير مذكور ، ولكن المعنى يشتمل عليه ، لأن من أخذ سمعه وبصره وختم على قلبه لم يهتد .

والثالث: أنها تعود على السمع ، ويكون ما عطف عليه داخلا معه في القصة ، لأنه معطوف عليه ، ذكره الزجاج . والجمهور يقرؤون: من إله غير الله يأتيكم به انظر بكسر هاء "به" وروى المسيبي عن نافع: "به انظر" [ ص: 42 ] بالضم . قال أبو علي: من كسر ، حذف الياء التي تلحق الهاء في نحو: بهي عيب ، ومن ضم ، فعلى قول من قال: فخسفنا بهو وبدارهو الأرض ، فحذف الواو .

قوله تعالى: انظر كيف نصرف الآيات قال مقاتل: يعني تكون العلامات في أمور شتى فيخوفهم بأخذ الأسماع والأبصار والقلوب ، وبما صنع بالأمم الخالية ثم هم يصدفون أي يعرضون فلا يعتبرون .
قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة هل يهلك إلا القوم الظالمون

قوله تعالى: قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة قال الزجاج : البغتة: المفاجأة; والجهرة: أن يأتيهم وهم يرونه . هل يهلك إلا القوم الظالمون أي: هل يهلك إلا أنتم ومن أشبهكم لأنكم كفرتم معاندين فقد علمتم أنكم ظالمون .
وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون

قوله تعالى: وما نرسل المرسلين إلا مبشرين أي بالثواب; ومنذرين بالعقاب ، وليس إرسالهم ليأتوا بما يقترحونه من الآيات . ثم ذكر ثواب من صدق ، وعقاب من كذب في تمام الآية والتي بعدها . وقال ابن عباس : يفسقون: بمعنى يكفرون .
قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إلي قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون [ ص: 43 ] قوله تعالى: قل لا أقول لكم عندي خزائن الله سبب نزولها: أن أهل مكة قالوا: يا محمد ، لو أنزل الله عليك كنزا فتستغني به ، فإنك فقير محتاج ، أو تكون لك جنة تأكل منها ، فإنك تجوع ، فنزلت هذه الآية ، رواه أبو صالح عن ابن عباس .

قال الزجاج : وهذه الآية متصلة بقوله: ( لولا أنزل عليه آية من ربه ) ، فأعلمهم أنه لا يملك خزائن الله التي منها يرزق ويعطي ، ولا يعلم الغيب فيخبرهم به إلا بوحي ، ولا يقول: إنه ملك ، لأن الملك يشاهد من أمور الله تعالى ما لا يشاهده البشر . وقرأ ابن مسعود ، وابن جبير ، وعكرمة ، والجحدري: "إني ملك" بكسر اللام . وفي الأعمى والبصير قولان .

أحدهما: أن الأعمى: الكافر ، والبصير: المؤمن ، قاله ابن عباس ، وقتادة .

والثاني: الأعمى: الضال ، والبصير: المهتدي ، قاله سعيد بن جبير ، ومجاهد . وفي قوله تعالى: أفلا تتفكرون قولان .

أحدهما: فيما بين لكم من الآيات الدالة على وحدانيته ، وصدق رسوله .

والثاني: فيما ضرب لكم من مثل الأعمى والبصير ، وأنهما لا يستويان .
وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع لعلهم يتقون

قوله تعالى: وأنذر به قال الزجاج : يعني بالقرآن ، وإنما ذكر الذين يخافون الحشر دون غيرهم ، وإن كان منذرا لجميع الخلق ، لأن الحجة على الخائفين الحشر أظهر ، لاعترافهم بالمعاد ، فهم أحد رجلين: إما مسلم ، فينذر ليؤدي حق الله عليه في إسلامه ، وإما كتابي ، فأهل الكتاب . مجمعون على البعث .

[ ص: 44 ] وذكر الولي والشفيع ، لأن اليهود والنصارى ذكرت أنها أبناء الله وأحباؤه ، فأعلم عز وجل أن أهل الكفر ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع ، وقال غيره: ليس لهم من دونه ولي ، أي: ليس لهم غير الله ولي ولا شفيع ، لأن شفاعة الشافعين بأمره .

وقال أبو سليمان الدمشقي: هذه الآية متعلقة بقوله: وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به [ الأنعام:19 ] .
ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين .

قوله تعالى: ولا تطرد الذين يدعون ربهم روى سعد بن أبي وقاص قال: نزلت هذه الآية في ستة: في ، وفي ابن مسعود ، وصهيب ، وعمار ، والمقداد ، وبلال ، قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا لا نرضى أن نكون أتباعا لهؤلاء ، فاطردهم عنك . فدخل على رسول الله من ذلك ما شاء الله أن يدخل ، فنزلت هذه الآية

وقال خباب بن الأرت: نزلت فينا ، كنا ضعفاء عند النبي صلى الله عليه وسلم ، يعلمنا بالغداة والعشي ما ينفعنا ، فجاء الأقرع بن حابس ، وعيينة بن حصن ، فقالا: إنا من أشراف قومنا ، وإنا نكره أن يرونا معهم ، فاطردهم إذا جالسناك . قال: "نعم" .

[ ص: 45 ] فقالوا: لا نرضى حتى تكتب بيننا كتابا ، فأتى بأديم ودواة ، ودعا عليا ليكتب ، فلما أراد ذلك ، ونحن قعود في ناحية ، إذ نزل جبريل بقوله تعالى: ولا تطرد الذين يدعون ربهم إلى قوله: فتنا بعضهم ببعض ، فرمى بالصحيفة ودعانا ، فأتيناه وهو يقول: سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة . فدنونا منه يومئذ حتى وضعنا ركبنا على ركبته .
وقال ابن مسعود: مر الملأ من قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده خباب ، وصهيب ، وبلال ، وعمار ، فقالوا: يا محمد ، رضيت بهؤلاء ، أتريد أن نكون تبعا لهم؟ فنزلت: ولا تطرد الذين يدعون ربهم . وقال عكرمة: جاء عتبة ، وشيبة ابنا ربيعة ، ومطعم بن عدي ، والحارث بن نوفل ، في أشراف بني عبد مناف ، إلى أبي طالب فقالوا: لو أن ابن أخيك يطرد عنه موالينا وعبيدنا كان أعظم في صدورنا ، وأدنى لاتباعنا إياه ، فأتاه أبو طالب فحدثه بذلك ، فقال عمر بن الخطاب: لو فعلت ذلك حتى ننظر ما الذي يريدون ، فنزلت هذه الآيات ، فأقبل عمر يعتذر من مقالته . وروى أبو صالح عن ابن عباس: أن هذه الآيات نزلت في الموالي ، منهم بلال ، وصهيب ، وخباب ، وعمار ، ومهجع ، وسلمان ، وعامر بن فهيرة ، وسالم مولى أبي حذيفة; وأن قوله: وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم نزلت فيهم أيضا . وقد روى العوفي عن ابن عباس: أن ناسا من [ ص: 46 ] الأشراف قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: نؤمن لك ، وإذا صلينا فأخر هؤلاء الذين معك ، فليصلوا خلفنا . فعلى هذا ، إنما سألوه تأخيرهم عن الصف ، وعلى الأقوال التي قبله ، سألوه طردهم عن مجلسه .

قوله تعالى: يدعون ربهم في هذا الدعاء خمسة أقوال .

أحدها: أنه الصلاة ، المكتوبة قاله ابن عمر ، وابن عباس . وقال مجاهد: هي الصلوات الخمس; وفي رواية عن مجاهد ، وقتادة قالا: يعني صلاة الصبح والعصر . وزعم مقاتل أن الصلاة يومئذ كانت ركعتين بالغداة ، وركعتين بالعشي; ثم فرضت الصلوات الخمس بعد ذلك .

والثاني: أنه ذكر الله تعالى ، قاله إبراهيم النخعي ، وعنه كالقول الأول .

والثالث: أنه عبادة الله ، قاله الضحاك .

والرابع: أنه تعلم القرآن غدوة وعشية ، قاله أبو جعفر .

والخامس: أنه دعاء الله بالتوحيد ، والإخلاص له ، وعبادته ، قاله الزجاج . وقرأ الجمهور: "بالغداة" وقرأ ابن عامر هاهنا وفي [الكهف] أيضا: "بالغدوة" بضم الغين وإسكان الدال وبعدها واو .

قال الفراء: والعرب لا تدخل الألف واللام على "الغدوة" لأنها معرفة بغير ألف ولام ، ولا تضيفها العرب ، يقولون: أتيتك غداة الخميس ، ولا يقولون: غدوة الخميس ، فهذا دليل على أنها معرفة .

وقال أبو علي: الوجه: الغداة ، لأنها تستعمل نكرة ، وتتعرف باللام; وأما غدوة ، فمعرفة .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #202  
قديم 01-06-2022, 09:37 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,616
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد





تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثالث
سُورَةُ الانعام
الحلقة (202)
صــ47 إلى صــ 52



وقال الخليل: يجوز أن تقول: أتيتك اليوم غدوة وبكرة ، فجعلها بمنزلة ضحوة ، فهذا وجه قراءة ابن عامر . [ ص: 47 ] فإن قيل: دعاء القوم كان متصلا بالليل والنهار ، فلماذا خص الغداة والعشي؟ فالجواب: أنه نبه بالغداة على جميع النهار ، وبالعشي على الليل ، لأنه إذا كان عمل النهار خالصا له ، كان عمل الليل أصفى .

قوله تعالى: يريدون وجهه قال الزجاج : أي يريدون الله ، فيشهد الله لهم بصحة النيات ، وأنهم مخلصون في ذلك .

وأما الحساب المذكور في الآية ، ففيه ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه حساب الأعمال ، قاله الحسن .

والثاني: حساب الأرزاق . والثالث: أنه بمعنى الكفاية; والمعنى: ما عليك من كفايتهم ، ولا عليهم كفايتك .

قوله تعالى: فتكون من الظالمين قال ابن الأنباري: عظم هذا الأمر على النبي صلى الله عليه وسلم ، وخوف بالدخول في جملة الظالمين ، لأنه كان قد هم بتقديم الرؤساء على الضعفاء .
وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين

قوله تعالى: وكذلك فتنا بعضهم ببعض المعنى: وكما ابتلينا قبلك الغني بالفقير ، ابتلينا أيضا بعضهم ببعض . "وفتنا" بمعنى: ابتلينا واختبرنا; "ليقولوا" ، يعني الكبراء "أهؤلاء" يعنون الفقراء والضعفاء من الله عليهم بالهدى؟ وهذا استفهام معناه الإنكار ، كأنهم أنكروا أن يكونوا سبقوهم بفضيلة .

قال ابن السائب: ابتلى الله الرؤساء بالموالي ، فإذا نظر الشريف إلى الوضيع قد آمن قبله ، أنف أن يسلم ، ويقول: سبقني هذا؟ [ ص: 48 ] قوله تعالى: أليس الله بأعلم بالشاكرين أي: بالذين يشكرون نعمته إذا من عليهم بالهداية . والمعنى: إنما يهدي الله من يعلم أنه يشكر . والاستفهام في "أليس" ، معناه التقرير ، أي: إنه كذلك .
وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم

قوله تعالى: وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا اختلفوا فيمن نزلت على خمسة أقوال .

أحدها: أنها نزلت في رجال أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا أصبنا ذنوبا عظيمة ، فسكت عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه ، الآية قاله أنس بن مالك .

والثاني: أنها نزلت في الذين نهى عن طردهم ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رآهم بدأهم بالسلام ، وقال: الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرني أن أبدأهم بالسلام ، قاله الحسن وعكرمة .

والثالث: أنها نزلت في أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وحمزة ، وجعفر ، وعثمان بن مظعون ، وأبي عبيدة ، ومصعب بن عمير ، وسالم ، وأبي سلمة ، والأرقم ابن أبي الأرقم ، وعمار ، وبلال ، قاله عطاء .

والرابع: أن عمر بن الخطاب كان أشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بتأخير الفقراء ، [ ص: 49 ] استمال للرؤساء إلى الإسلام . فلما نزلت: ولا تطرد الذين يدعون ربهم ، جاء عمر يعتذر من مقالته ويستغفر منها ، فنزلت فيه هذه الآية ، قاله ابن السائب .

والخامس: أنها نزلت مبشرة بإسلام عمر بن الخطاب ، فلما جاء وأسلم ، تلاها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حكاه أبو سليمان الدمشقي .

فأما قوله تعالى: يؤمنون بآياتنا فمعناه: يصدقون بحججنا وبراهيننا .

قوله تعالى فقل سلام عليكم فيه قولان .

أحدهما: أنه أمر بالسلام عليهم تشريفا لهم; وقد ذكرناه عن الحسن ، وعكرمة .

والثاني: أنه أمر بإبلاغ السلام إليهم عن الله تعالى ، قاله ابن زيد . قال الزجاج : ومعنى السلام: دعاء للإنسان بأن يسلم من الآفات . وفي السوء قولان .

أحدهما: أنه الشرك . والثاني: المعاصي .

وقد ذكرنا في سورة [النساء] معنى "الجهالة" قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي: "أنه من عمل منكم سوءا" فإنه غفور بكسر الألف فيهما . وقرأ عاصم ، وابن عامر: بفتح الألف فيهما . وقرأ نافع: بنصب ألف "أنه" وكسر ألف "فإنه غفور" قال أبو علي: من كسر ألف "إنه" جعله تفسيرا للرحمة ، ومن كسر ألف "فإنه غفور" فلأن ما بعد الفاء حكمة الابتداء ، ومن فتح ألف "أنه من عمل" جعل "أن" بدلا من الرحمة ، والمعنى: كتب ربكم "أنه من عمل" ومن فتحها بعد الفاء ، أضمر خبرا تقديره: فله ( أنه غفور رحيم ) والمعنى: فله غفرانه . وكذلك قوله تعالى: فإن له نار جهنم [التوبة:63] ، معناه: فله أن له نار جهنم . وأما قراءة نافع ، فإنه أبدل من الرحمة ، واستأنف ما بعد الفاء .
[ ص: 50 ] وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين

قوله تعالى: وكذلك نفصل الآيات أي: وكما فصلنا لك في هذه السورة دلائلنا وأعلامنا على المشركين ، كذلك نبين لك حجتنا في كل حق ينكره أهل الباطل . قال ابن قتيبة: ومعنى تفصيلها: إتيانها متفرقة شيئا بعد شيء .

قوله تعالى "ولتستبين" وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن عامر: "ولتستبين" بالتاء ، "سبيل" بالرفع . وقرأ نافع ، وزيد عن يعقوب: بالتاء أيضا ، إلا أنهما نصبا السبيل . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم: "وليستبين" بالياء ، "سبيل" بالرفع . فمن قرأ "ولتستبين" بالياء أو التاء ، فلأن السبيل تذكر وتؤنث على ما بينا في (آل عمران) ومن نصب اللام ، فالمعنى: ولتستبين أنت يا محمد سبيل المجرمين . وفي سبيلهم التي بينت له ، قولان .

أحدهما: أنها طريقهم في الشرك ، ومصيرهم إلى الخزي ، قاله ابن عباس .

والثاني: أنها مقصودهم في طرد الفقراء عنه ، وذلك إنما هو الحسد ، لا إيثار مجالسته واتباعه ، قاله أبو سليمان .

فإن قيل: كيف انفردت لام "كي" في قوله: "ولتستبين" وسبيلها أن تكون شرطا لفعل يتقدمها أو يأتي بعدها؟ فقد أجاب عنه ابن الأنباري بجوابين .

أحدهما: أنها شرط لفعل مضمر ، يراد به: ونفعل ذلك لكي تستبين .

والثاني: أنها معطوفة على لام مضمرة ، تأويله: نفصل الآيات ليتكشف أمرهم ، ولتستبين سبيلهم .
قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله قل لا أتبع أهواءكم قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين [ ص: 51 ] قوله تعالى قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله يعني الأصنام . وفي معنى "تدعون" قولان . أحدهما: تدعونهم آلهة .

والثاني: تعبدون; قاله ابن عباس . وأهواءهم: دينهم . قال الزجاج : أراد إنما عبدتموها على طريق الهوى ، لا على طريق البينة والبرهان . ومعنى "إذا" معنى الشرط; والمعنى: قد ضللت إن عبدتها . وقرأ طلحة ، وابن أبي ليلى: "قد ضللت" بكسر اللام .
قل إني على بينة من ربي وكذبتم به ما عندي ما تستعجلون به إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين

قوله تعالى: قل إني على بينة من ربي سبب نزولها أن النضر بن الحارث وسائر قريش قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا محمد ائتنا بالعذاب الذي تعدنا به ، استهزاء; وقام النضر عند الكعبة وقال: اللهم إن كان ما يقول حقا ، فائتنا بالعذاب; فنزلت هذه الآية; رواه أبو صالح عن ابن عباس . فأما البينة ، فهي الدلالة التي تفصل بين الحق والباطل . قال الزجاج : أنا على أمر بين ، لا متبع لهوى .

قوله تعالى: وكذبتم به في هاء الكناية ، ثلاثة أقوال .

أحدها: أنها ترجع إلى الرب . والثاني: ترجع إلى البيان . والثالث: ترجع إلى العذاب الذي طلبوه استهزاء

قوله تعالى: ما عندي ما تستعجلون به أي: ما بيدي . وفي الذي استعجلوا به قولان .

أحدهما: أنه العذاب; قاله ابن عباس ، والحسن .

والثاني: أنه الآيات التي كانوا يقترحونها; ذكره الزجاج . [ ص: 52 ] قوله تعالى: إن الحكم إلا لله فيه قولان .

أحدهما: أنه الحكم الذي يفصل به بين المختلفين بإيجاب الثواب والعقاب .

والثاني: أنه القضاء بإنزال العذاب على المخالف .

قوله تعالى: يقص الحق قرأ ابن كثير ، وعاصم ، ونافع "يقص الحق" بالصاد المشددة ، من القصص; والمعنى: أن كل ما أخبر به فهو حق . وقرأ أبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة والكسائي: "يقضي الحق" من القضاء; والمعنى يقضي القضاء الحق .
قل لو أن عندي ما تستعجلون به لقضي الأمر بيني وبينكم والله أعلم بالظالمين

قوله تعالى: قل لو أن عندي ما تستعجلون به أي: من العذاب لقضي الأمر بيني وبينكم قال ابن عباس : يقول: لم أمهلكم ساعة ولأهلكتكم .

قوله تعالى: والله أعلم بالظالمين فيه قولان .

أحدهما: أن المعنى: إن شاء عاجلهم ، وإن شاء أخر عقوبتهم .

والثاني: أعلم بما يؤول إليه أمرهم ، وأنه قد يهتدي منهم قوم ، ولا يهتدي آخرون; فلذلك يؤخروهم .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #203  
قديم 01-06-2022, 09:38 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,616
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد





تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثالث
سُورَةُ الانعام
الحلقة (203)
صــ53 إلى صــ 58



وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين

قوله تعالى: وعنده مفاتح الغيب قال ابن جرير: المفاتح: جمع مفتح; [ ص: 53 ] يقال مفتح ومفتاح ، فمن قال مفتح ، جمعه: مفاتح . ومن قال: مفتاح ، جمعه: مفاتيح . وفي "مفاتح الغيب" سبعة أقوال .

أحدها: أنها خمس لا يعلمها إلا الله عز وجل . روى البخاري في أفراده من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مفاتح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله ، لا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله ، ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله ، ولا يعلم ما في غد إلا الله ، ولا تعلم نفس بأي أرض تموت إلا الله ، ولا يعلم متى ينزل الغيث إلا الله" قال ابن مسعود: أوتي نبيكم علم كل شيء إلا مفاتيح الغيب .

والثاني: أنها خزائن غيب السماوات من الأقدار والأرزاق ، قاله ابن عباس .

والثالث: ما غاب عن الخلق من الثواب والعقاب ، وما تصير إليه الأمور ، قاله عطاء .

والرابع خزائن غيب العذاب ، متى ينزل ، قاله مقاتل . [ ص: 54 ] والخامس الوصلة إلى علم الغيب إذا استعلم ، قاله الزجاج .

والسادس: عواقب الأعمار وخواتيم الأعمال .

والسابع: ما لم يكن ، هل يكون ، أم لا يكون؟ وما يكون كيف يكون وما لا يكون ، إن كان ، كيف يكون؟ فأما البر ، فهو القفر . وفي البحر قولان . أحدهما: أنه الماء ، قاله الجمهور . والثاني: أنه القرى ، قاله مجاهد .

قوله تعالى: وما تسقط من ورقة إلا يعلمها قال الزجاج : المعنى: أنه يعلمها ساقطة وثابتة ، كما تقول: ما يجيئك أحد إلا وأنا أعرفه ، ليس تأويله: اعرفه في حال مجيئه فقط . فأما ظلمات الأرض ، فالمراد بها بطن الأرض .

وفي الرطب واليابس ، خمسة أقوال .

أحدها: أن الرطب: الماء ، واليابس: البادية . والثاني: الرطب: ما ينبت ، واليابس: ما لا ينبت ، والثالث: الرطب: الحي ، واليابس: الميت . والرابع: الرطب: لسان المؤمن يذكر الله ، واليابس: لسان الكافر لا يتحرك بذكر الله . والخامس: أنهما الشيء ينتقل من إحدى الحالتين إلى الأخرى ، فهو يعلمه رطبا ، ويعلمه يابسا . وفي الكتاب المبين قولان .

أحدهما أنه اللوح المحفوظ; قاله مقاتل . والثاني: أنه علم الله المتقن; ذكره الزجاج . فإن قيل: ما الفائدة في إحصاء هذه الأشياء في كتاب؟ فعنه ثلاثة أجوبة ، ذكرهن ابن الأنباري .

أحدها: أنه أحصاها في كتاب ، لتقف الملائكة على نفاذ علمه .

والثاني: أنه نبه بذلك عباده على تعظيم الحساب ، وأعلمهم أنه لا يفوته ما يصنعون ، لأن من يثبت ما لا ثواب فيه ولا عقاب ، فهو إلى إثبات ما فيه ثواب وعقاب أسرع . [ ص: 55 ] والثالث: أن المراد بالكتاب: العلم; فالمعنى: أنها مثبتة في علمه .
وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون

قوله تعالى: وهو الذي يتوفاكم بالليل يريد به النوم لأنه يقبض الأرواح عن التصرف بالنوم ، كما يقبض بالموت . وقال ابن عباس : يقبض أرواحكم في منامكم . وجرحتم: بمعنى كسبتم . "ثم يبعثكم" أي يوقظكم فيه ، أي: في النهار ليقضى أجل مسمى أي: لتبلغوا الأجل المسمى لانقطاع حياتكم ، فدل باليقظة بعد النوم على البعث بعد الموت .
وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون

قوله تعالى: ويرسل عليكم حفظة الحفظة: الملائكة ، وأحدهما: حافظ ، والجمع: حفظة ، مثل كاتب وكتبة ، وفاعل وفعلة . وفيما يحفظونه قولان .

أحدهما: أعمال بني آدم; قاله ابن عباس . والثاني: أعمالهم وأجسادهم ، قاله السدي .

قوله تعالى: توفته رسلنا وقرأ حمزة: "توفاه رسلنا" وحجته أنه فعل مسند إلى مؤنث غير حقيقي ، وإنما التأنيث للجمع ، فهو مثل: وقال نسوة [يوسف:30] . وفي المراد بالرسل ثلاثة أقوال .

أحدها أنهم أعوان ملك الموت قاله ابن عباس وقال النخعي: أعوانه يتوفون النفوس ، وهو يأخذها منهم .

[ ص: 56 ] والثاني: أن المراد بالرسل: ملك الموت وحده ، قاله مقاتل .

والثالث: أنهم الحفظة ، قاله الزجاج .

قوله تعالى: وهم لا يفرطون قال ابن عباس : لا يضيعون . فإن قيل: كيف الجمع بين قوله: توفته رسلنا وبين قوله: قل يتوفاكم ملك الموت ، [السجدة:11 ] فعنه جوابان

أحدهما: أنه يجوز أن يريد بالرسل ملك الموت وحده ، وقد يقع الجمع على الواحد . والثاني: أن أعوان ملك الموت يفعلون بأمره ، فأضيف الكل إلى فعله .

وقيل: توفي أعوان ملك الموت بالنزع ، وتوفي ملك الموت بأن يأمر الأرواح فتجيب ، ويدعوها فتخرج ، وتوفي الله تعالى بأن يخلق الموت في الميت .
ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين

قوله تعالى: ثم ردوا إلى الله يعني العباد . وفي متولي الرد قولان .

أحدهما: أنهم الملائكة ، ردتهم بالموت إلى الله تعالى .

والثاني: أنه الله عز وجل ، ردهم بالبعث في الآخرة . وفي معنى ردهم إلى الله تعالى قولان .

أحدهما: أنهم ردوا إلى المكان الذي لا يملك الحكم فيه إلا الله وحده .

والثاني: أنهم ردوا إلى الله تدبيره وحده; لأنه لما أنشأهم كان منفردا بتدبيرهم ، فلما مكنهم من التصرف ، صاروا في تدبير أنفسهم ، ثم كفهم عنه بالموت ، فصاروا مردودين . إلى تدبيره [ ص: 57 ] قوله تعالى: ألا له الحكم يعني القضاء . وبيان سرعة الحساب ، في [البقرة] .
قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون

قوله تعالى: قل من ينجيكم قرأ عاصم ، وحمزة والكسائي ، وأبو جعفر: " قل من ينجيكم قل الله ينجيكم" مشددين . وقرأ يعقوب ، والقزاز عن عبد الوارث: بسكون النون وتخفيف الجيم . قال الزجاج : والمشددة أجود للكثرة . وظلمات البر والبحر: شدائدها; والعرب تقول لليوم الذي تلقى فيه شدة يوم مظلم ، حتى إنهم يقولون: يوم ذو كواكب ، أي: قد اشتدت ظلمته حتى صار كالليل . قال الشاعر:


فدى لبني ذهل بن شيبان ناقتي إذا كان يوما ذا كواكب أشنعا


[ ص: 58 ] قوله تعالى: تدعونه تضرعا أي مظهرين الضراعة ، وهي شدة الفقر إلى الشيء ، والحاجة .

قوله تعالى: وخفية قرأ عاصم إلا حفصا: "وخفية" بكسر الخاء; وكذلك في [الأعراف] . وقرأ الباقون بضم الخاء ، وهما لغتان . قال الفراء: وفيها لغة أخرى بالواو ، ولا تصلح في القراءة ، خفوة ، وخفوة . ومعنى الكلام ، أنكم تدعونه في أنفسكم ، كما تدعونه ظاهرا: "لئن أنجيتنا" كذلك قرأ ابن كثير ، ونافع ، وابن عامر ، وأبو عمرو: "لئن أنجيتنا" وقرأ عاصم ، وحمزة والكسائي: "لئن أنجانا" بألف ، لمكان الغيبة في قوله: "تدعونه" . وكان حمزة ، والكسائي: وخلف يميلون الجيم .

قوله تعالى: من هذه يعني: في أي شدة وقعتم ، قلتم: "لئن أنجيتنا من هذه" . قال ابن عباس : و"الشاكرون" هاهنا: المؤمنون . وكانت قريش تسافر في البر والبحر ، فإذا ضلوا الطريق وخافوا الهلاك ، دعوا الله مخلصين ، فأنجاهم . فأما "الكرب" فهو الغم الذي يأخذ بالنفس ، ومنه اشتقت الكربة .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #204  
قديم 01-06-2022, 09:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,616
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد





تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثالث
سُورَةُ الانعام
الحلقة (204)
صــ59 إلى صــ 64



قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون .

قوله تعالى: قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم فيه قولان .

[ ص: 59 ] أحدهما: أن الذي فوقهم: العذاب النازل من السماء ، كما حصب قوم لوط ، وأصحاب الفيل . والذي من تحت أرجلهم: كما خسف بقارون ، قاله ابن عباس ، والسدي ، ومقاتل . وقال غيرهم: ومنه الطوفان ، والريح ، والصيحة ، والرجفة .

والقول الثاني: أن الذي من فوقهم: من قبل أمرائهم . والذي من تحتهم: من سفلتهم ، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس . وقال في رواية أخرى: الذي من فوقهم: أئمة السوء; والذي من تحت أرجلهم: عبيد السوء .

قوله تعالى: أو يلبسكم شيعا قال ابن عباس : يبث فيكم الأهواء المختلفة ، فتصيرون فرقا . قال ابن قتيبة: يلبسكم: من الالتباس عليهم والمعنى: حتى تكونوا شيعا ، أي: فرقا مختلفين . ثم يذيق بعضكم بأس بعض بالقتال والحرب . وقال الزجاج : يلبسكم ، أي: يخلط أمركم خلط اضطراب ، لا خلط اتفاق . يقال: لبست عليهم الأمر ، ألبسه: إذا لم أبينه . ومعنى شيعا: أي يجعلكم فرقا ، فإذا كنتم مختلفين ، قاتل بعضكم بعضا .

قوله تعالى: ويذيق بعضكم بأس بعض أي يقتل بعضكم بيد بعض . وفيمن عني بهذه الآية ، ثلاثة أقوال .

أحدها: أنها في المسلمين أهل الصلاة ، هذا مذهب ابن عباس ، وأبي العالية ، وقتادة . وقال أبي بن كعب في هذه الآية: هن أربع خلال ، وكلهن عذاب ، وكلهن واقع قبل يوم القيامة ، فمضت اثنتان قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس وعشرين سنة ، ألبسوا شيعا ، وأذيق بعضهم بأس بعض . وثنتان واقعتان لا محالة: الخسف ، والرجم .

[ ص: 60 ] والثاني: أن العذاب للمشركين ، وباقي الآية للمسلمين ، قاله الحسن . وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: سألت ربي ثلاثا ، فأعطاني اثنتين ، ومنعني واحدة ، سألته أن لا يصيبكم بعذاب أصاب به من كان قبلكم فأعطانيها ، وسألته أن لا يسلط عليكم عدوا يستبيح بيضتكم فأعطانيها ، وسألته أن لا يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض ، فمنعنيها .

والثالث: أنها تهدد للمشركين ، قاله ابن جرير الطبري ، وأبو سليمان الدمشقي .
وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل

قوله تعالى: وكذب به قومك في هاء "به" ثلاثة أقوال .

أحدها: أنها كناية عن القرآن . والثاني: عن تصريف الآيات . والثالث: عن العذاب . [ ص: 61 ] قوله تعالى: قل لست عليكم بوكيل فيه قولان .

أحدهما: لست حفيظا على أعمالكم لأجازيكم بها ، إنما أنا منذر ، قاله الحسن .

والثاني: لست حفيظا عليكم أخذكم بالإيمان ، إنما أدعوكم إلى الله ، قاله الزجاج .

فصل

وفي هذا القدر من الآية قولان .

أحدهما: أنه اقتضى الاقتصار في حقهم على الإنذار من غير زيادة ، ثم نسخ ذلك بآية السيف .

والثاني: أن معناه: لست حفيظا عليكم ، إنما أطالبكم بالظواهر من الإقرار والعمل ، لا بالإسرار; فعلى هذا هو محكم .
لكل نبإ مستقر وسوف تعلمون

قوله تعالى: لكل نبإ مستقر أي: لكل خبر يخبر الله به وقت يقع فيه من غير خلف ولا تأخير . قال السدي: فاستقر نبأ القرآن بما كان يعدهم من العذاب يوم بدر . وقال مقاتل: منه في الدنيا يوم بدر ، وفي الآخرة جهنم .
وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين

قوله تعالى: وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فيمن أريد بهذه الآية ثلاثة أقوال . [ ص: 62 ] أحدها: المشركون . والثاني: اليهود: والثالث: أصحاب الأهواء . والآيات: القرآن . وخوض المشركين فيه: تكذيبهم به واستهزاؤهم ، ويقاربه خوض اليهود ، وخوض أهل الأهواء بالمراء والخصومات .

قوله تعالى: فأعرض عنهم أي: فاترك مجالستهم ، حتى يكون خوضهم في غير القرآن . وإما ينسينك وقرأ ابن عامر: "ينسينك" ، بفتح النون ، وتشديد السين ، والنون الثانية ، ومثل هذا: غرمته وأغرمته . وفي التنزيل: فمهل الكافرين أمهلهم والمعنى: إذا أنساك الشيطان ، فقعدت معهم ناسيا نهينا لك ، فلا تقعد بعد الذكرى . والذكر والذكرى: واحد . قال ابن عباس : قم إذا ذكرته; والظالمون: المشركون .
وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ولكن ذكرى لعلهم يتقون

قوله تعالى: وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء في سبب نزولها ثلاثة أقوال .

أحدها: أن المسلمين قالوا: لئن كنا كلما استهزأ المشركون بالقرآن ،

وخاضوا فيه ، فمنعناهم ، لم نستطع أن نجلس في المسجد الحرام ، ولا أن نطوف بالبيت ، فنزلت هذه الآية .

والثاني: أن المسلمين قالوا: إنا نخاف الإثم إن لم ننههم عن الخوض فنزلت هذه الآية .

والثالث: أن المسلمين قالوا: لو قمنا عنهم إذا خاضوا ، فانا نخشى الإثم في مجالستهم ، فنزلت هذه الآية . هذا عن مقاتل ، والأولان عن ابن عباس . [ ص: 63 ] قوله تعالى: وما على الذين يتقون فيه قولان .

أحدهما: يتقون الشرك . والثاني: يتقون الخوض .

قوله تعالى: من حسابهم يعني: حساب الخائضين . وفي حسابهم قولان .

أحدهما: أنه كفرهم وآثامهم . والثاني: عقوبة خوضهم .

قوله تعالى: ولكن ذكرى أي: ولكن عليكم أن تذكروهم . وفيما تذكرونهم به ، قولان .

أحدهما: المواعظ . والثاني: قيامكم عنهم . قال مقاتل: إذا قمتم عنهم ، منعهم من الخوض الحياء منكم ، والرغبة في مجالستكم .

قوله تعالى: لعلهم يتقون فيه قولان .

أحدهما: يتقون الاستهزاء . والثاني: يتقون الوعيد .

فصل

وقد ذهب قوم إلى أن هذه الآية منسوخة ، لأنها اقتضت جواز مجالسة الخائضين والاقتصار على تذكيرهم ، ثم نسخت بقوله: وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم [النساء:410] والصحيح أنها محكمة ، لأنها خبر ، وإنما دلت على أن كل عبد يختص بحساب نفسه ، ولا يلزمه حساب غيره .
وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون [ ص: 64 ] الله ولي ولا شفيع وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون

قوله تعالى: وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا فيهم قولان .

أحدهما: أنها الكفار . والثاني: اليهود والنصارى .

وفي اتخاذهم دينهم لعبا ولهوا ، ثلاثة أقوال . أحدها: أنه استهزاؤهم بآيات الله إذا سمعوها .

والثاني: أنهم دانوا بما اشتهوا كما يلهون بما يشتهون .

والثالث: أنهم يحافظون على دينهم إذا اشتهوا ، كما يلهون إذا اشتهوا . قال الفراء: ويقال: إنه ليس من قوم إلا ولهم عيد ، فهم يلهون في أعيادهم ، إلا أمة محمد صلى الله عليه وسلم فإن أعيادهم صلاة وتكبير وبر وخير .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #205  
قديم 01-06-2022, 09:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,616
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد





تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثالث
سُورَةُ الانعام
الحلقة (205)
صــ65 إلى صــ 70



فصل

ولعلماء الناسخ والمنسوخ في هذا القدر من الآية ، قولان .

أحدهما: أنه خرج مخرج التهديد ، كقوله: ذرني ومن خلقت وحيدا [المدثر:11] فعلى هذا ، هو محكم ، وإلى هذا المعنى ذهب مجاهد .

والثاني: أنه اقتضى المسامحة لهم والإعراض عنهم ، ثم نسخ بآية السيف; وإلى هذا ذهب قتادة ، والسدي .

قوله تعالى: وذكر به أي: عظ بالقرآن . وفي قوله: أن تبسل قولان . [ ص: 65 ] أحدهما: لئلا تبسل نفس كقوله: أن تضلوا [النساء:176] .

والثاني: ذكرهم إبسال المبسلين بجناياتهم لعلهم يخافون .

وفي معنى "تبسل" سبعة أقوال .

أحدها: تسلم ، رواه عكرمة عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، ومجاهد ، والسدي . وقال ابن قتيبة: تسلم إلى الهلكة . قال الشاعر:


وإبسالي بني بغير جرم بعوناه ولا بدم مراق


أي: بغير جرم أجرمناه; والبعو: الجناية . وقال الزجاج : تسلم بعملها غير قادرة على التخلص . والمستبسل: المستسلم الذي لا يعلم أنه يقدر على التخلص .

والثاني: تفضح ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس . والثالث: تدفع رواه الضحاك عن ابن عباس . والرابع: تهلك ، روي عن ابن عباس أيضا . والخامس: تحبس وتؤخذ ، قاله قتادة ، وابن زيد . والسادس: تجزى ، قاله ابن السائب ، والكسائي . والسابع: ترتهن ، قاله الفراء . وقال أبو عبيدة: ترتهن وتسلم; وأنشد:


هنالك لا أرجو حياة تسرني سمير الليالي مبسلا بالجرائر


[ ص: 66 ] سمير الليالي: أبد الليالي: فأما الولي: فهو الناصر الذي يمنعها من عذاب الله . والعدل: الفداء . قال ابن زيد: وإن تفتد كل فداء لا يقبل منها . فأما الحميم ، فهو الماء الحار . قال ابن قتيبة: ومنه سمي الحمام .
قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا قل إن هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب العالمين وأن أقيموا الصلاة واتقوه وهو الذي إليه تحشرون

قوله تعالى: قل أندعو من دون الله أي: أنعبد ما لا يضرنا إن لم نعبده ، ولا ينفعنا إن عبدناه ، وهي الأصنام . ونرد على أعقابنا أي: نرجع إلى الكفر بعد إذ هدانا الله إلى الإسلام ، فنكون كالذي استهوته الشياطين . وقرأ حمزة: "استهواه الشياطين" على قياس قراءته: ( توفاه رسلنا ) . وفي معنى "استهوائها" قولان .

أحدهما: أنها هوت به وذهبت ، قاله ابن قتيبة . وقال أبو عبيدة: تشبه له الشياطين ، فيتبعها حتى تهوي به في الأرض ، فتضله .

والثاني: زينت له هواه ، قاله الزجاج . قال: و"حيران" منصوب على الحال ، أي: استهوته في حال حيرته . قال السدي: قال المشركون للمسلمين: اتبعوا سبيلنا ، واتركوا دين محمد ، فقال تعالى: قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله فنكون كرجل كان مع قوم [ ص: 67 ] على طريق ، فضل ، فخيرته الشياطين ، وأصحابه على الطريق يدعونه: يا فلان هلم إلينا ، فإنا على الطريق ، فيأبى . وقال ابن عباس : نزلت هذه الآية في عبد الرحمن ابن أبي بكر الصديق ، دعاه أبوه وأمه إلى الإسلام فأبى . قال مقاتل: والمراد بأصحابه: أبواه .

قوله تعالى: قل إن هدى الله هو الهدى هذا رد على من دعا إلى عبادة الأصنام ، وزجر عن إجابته كأنه قيل له: لا تفعل ذلك ، لأن هدى الله هو الهدى ، لا هدى غيره .

قوله تعالى: وأمرنا لنسلم قال الزجاج : العرب تقول أمرتك أن تفعل: وأمرتك لتفعل ، وأمرتك بأن تفعل ، فمن قال: "بأن" فالباء; للإلصاق . والمعنى: وقع الأمر بهذا الفعل ، ومن قال: "أن تفعل" فعلى خذف الباء; ومن قال: "لتفعل" فقد أخبر بالعلة التي لها وقع الأمر . قال: وفي قوله: وأن أقيموا الصلاة وجهان .

أحدهما: أمرنا لأن نسلم ، ولأن نقيم الصلاة .

والثاني: أن يكون محمولا على المعنى ، لأن المعنى: أمرنا بالإسلام ، وبإقامة الصلاة .
وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق ويوم يقول كن فيكون قوله الحق وله الملك يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير

قوله تعالى: وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق فيه أربعة أقوال .

أحدها: خلقهما للحق . والثاني: خلقهما حقا . والثالث: خلقهما بكلامه وهو الحق . والرابع: خلقهما بالحكمة . [ ص: 68 ] قوله تعالى: ويوم يقول كن فيكون قال الزجاج : الأجود أن يكون منصوبا على معنى: واذكر يوم يقول كن فيكون ، لأن بعده وإذ قال إبراهيم فالمعنى: واذكر هذا وهذا . وفي الذي يقول له كن فيكون ، ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه يوم القيامة ، قاله مقاتل . والثاني: ما يكون في القيامة .

والثالث: أنه الصور ، وما ذكر من أمر الصور يدل عليه ، قالهما الزجاج . قال وخص ذلك اليوم بسرعة إيجاد الشيء ، ليدل على سرعة أمر البعث .

قوله تعالى: قوله الحق أي: الصدق الكائن لا محالة وله الملك يوم ينفخ في الصور وروى إسحاق بن يوسف الأزرق عن أبي عمرو: "ننفخ" بنونين . ومعنى الكلام: أن الملوك يومئذ لا ملك لهم ، فهو المنفرد بالملك وحده ، كما قال: والأمر يومئذ لله [الانفطار:19] . وفي "الصور" قولان .

أحدهما: أنه قرن ينفخ فيه; روى عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصور ، فقال: "هو قرن ينفخ فيه" . وقال مجاهد: الصور كهيأة البوق . وحكى ابن قتيبة: أن الصور: القرن ، في لغة قوم من أهل اليمن ، وأنشد:


نحن نطحناهم غداة الجمعين بالضابحات في غبار النقعين



نطحا شديدا لا كنطح الصورين


[ ص: 69 ] وأنشد الفراء:


لولا ابن جعدة لم يفتح قهندزكم ولا خراسان حتى ينفخ الصور


وهذا اختيار الجمهور .

والثاني: أن الصور جمع صورة; يقال: صورة وصور ، بمنزلة سورة وسور ، كسورة البناء; والمراد نفخ الأرواح في صورة الناس ، قاله قتادة ، وأبو عبيدة . وكذلك قرأ الحسن ، ومعاذ القارئ ، وأبو مجلز ، وأبو "المتوكل في الصور" بفتح الواو . قال ثعلب: الأجود أن يكون الصور: القرن ، لأنه قال عز وجل: ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض ;ثم قال: نفخ فيه أخرى ; ولو كان الصور ، كان: ثم نفخ فيها ، أو فيهن; وهذا يدل على أنه واحد; وظاهر القرآن يشهد أنه ينفخ في الصور مرتين . وقد روى أهل التفسير عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الصور قرن ينفخ فيه ثلاث نفخات; الأولى: نفخة الفزع ، والثانية: نفخة الصعق ، والثالثة: نفخة القيامة لرب العالمين" . قال ابن عباس : وهذه النفخة المذكورة في هذه الآية هي الأولى يعني: نفخة الصعق . [ ص: 70 ] قوله تعالى: عالم الغيب وهو ما غاب عن العباد مما لم يعاينوه ، "والشهادة" وهو ما شاهدوه ورأوه . وقال الحسن: يعني بذلك السر والعلانية .
وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين

قوله تعالى: وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر في آزر أربعة أقوال .

أحدها: أنه اسم أبيه ، روي عن ابن عباس ، والحسن ، والسدي ، وابن إسحاق .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #206  
قديم 01-06-2022, 09:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,616
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد





تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثالث
سُورَةُ الانعام
الحلقة (206)
صــ71 إلى صــ 76



[ ص: 71 ] والثاني: أنه اسم صنم ، فأما اسم أبي إبراهيم ، فتارح ، قاله مجاهد . فيكون المعنى: أتتخذ آزر أصناما؟ فكأنه جعل أصناما بدلا من آزر ، والاستفهام معناه الإنكار .

والثالث: أنه ليس باسم ، إنما هو سب بعيب ، وفي معناه قولان . أحدهما: أنه المعوج ، كأنه عابه نريغه وتعويجه عن الحق ، ذكره الفراء . والثاني: أنه المخطئ ، فكأنه قال: يا مخطئ أتتخذ أصناما؟ ذكره الزجاج .

والرابع: أنه لقب لأبيه ، وليس باسمه ، قاله مقاتل بن حيان . قال ابن الأنباري: قد يغلب على اسم الرجل لقبه ، حتى يكون به أشهر منه باسمه . والجمهور على قراءة "آزر" بالنصب . وقرأ الحسن ، ويعقوب بالرفع . قال الزجاج : من نصب فموضع "آزر" خفض بدلا من أبيه; ومن رفع فعلى النداء .
وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين

قوله تعالى: وكذلك نري إبراهيم أي: وكما أريناه البصيرة في دينه ، والحق في خلاف قومه ، نريه ملكوت السماوات والأرض . وقيل "نري" بمعنى أرينا . قال الزجاج : والملكوت بمنزلة الملك ، إلا أن الملكوت أبلغ في اللغة ، لأن الواو والتاء يزادان للمبالغة; ومثل الملكوت: الرغبوت والرهبوت . قال مجاهد: ملكوت السماوات والأرض: آياتها; تفرجت له السماوات السبع ، حتى العرش ، فنظر فيهن ، وتفرجت به الأرضون السبع ، فنظر فيهن وقال قتادة: ملكوت السماوات: الشمس والقمر والنجوم ، وملكوت الأرض:الجبال والشجر والبحار . وقال السدي: أقيم على صخرة ، وفتحت له السماوات والأرض ، فنظر إلى ملك الله عز وجل ، حتى نظر إلى العرش ، وإلى منزله من الجنة ، وفتحت له الأرضون السبع ، حتى نظر إلى الصخرة التي عليها الأرضون . [ ص: 72 ] قوله تعالى: وليكون من الموقنين هذا عطف على المعنى ، لأن معنى الآية: نريه ملكوت السماوات والأرض ليستدل به ، وليكون من الموقنين . وفي ما يوقن به ثلاثة أقوال .

أحدها: وحدانية الله وقدرته . والثاني: نبوته ورسالته . والثالث: ليكون موقنا بعلم كل شيء حسا لا خبرا .
فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين

قوله تعالى: فلما جن عليه الليل الله قال الزجاج : يقال جن عليه الليل ، وأجنه الليل: إذا أظلم ، حتى يستر بظلمته; ويقال لكل ما ستر: جن ، وأجن والاختيار أن يقال جن عليه الليل وأجنه الليل .

الإشارة إلى بدء قصة إبراهيم عليه السلام

روى أبو صالح عن ابن عباس قال: ولد إبراهيم في زمن نمروذ ، وكان ، لنمروذ كهان ، فقالوا له: يولد في هذه السنة مولود يفسد آلهة أهل الأرض ، ويدعوهم إلى غير دينهم ، ويكون هلاك أهل بيتك على يده ، فعزل النساء عن الرجال ، ودخل آزر إلى بيته ، فوقع على زوجته ، فحملت فقال الكهان لنمروذ: إن الغلام قد حمل به الليلة . فقال: كل من ولدت غلاما فاقتلوه . فلما أخذ أم إبراهيم المخاض ، خرجت هاربة ، فوضعته في نهر يابس ، ولفته في خرقة ، ثم وضعته في حلفاء ، وأخبرت به أباه ، فأتاه ، فحفر له سربا ، وسد عليه بصخرة ، [ ص: 73 ] وكانت أمه تختلف إليه فترضعه ، حتى شب وتكلم ، فقال لأمه: من ربي؟ فقالت: أنا . قال: فمن ربك؟ قالت: أبوك . قال: فمن رب أبي؟ قالت: اسكت . فسكت ، فرجعت إلى زوجها ، فقالت: إن الغلام الذي كنا نتحدث أنه يغير دين أهل الأرض ، ابنك . فأتاه ، فقال له مثل ذلك . فلما جن عليه الليل ، دنا من باب السرب ، فنظر فرأى كوكبا . قرأ ابن كثير ، وحفص عن عاصم "رأى" بفتح الراء والهمزة; وقرأ أبو عمرو: "رأى"; بفتح الراء وكسر الهمزة ، وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم . "رأى" ، بكسر الراء والهمزة ، واختلفوا فيها إذا لقيها ساكن ، وهو آت في ستة مواضع: رأى القمر فلما رأى الشمس وفي النحل وإذا رأى الذين ظلموا [النحل:85] وإذا رأى الذين أشركوا [النحل:86] وفي الكهف: ورأى المجرمون النار [الكهف:53] وفي الأحزاب: ولما رأى المؤمنون [الأحزاب:22] .

وقرأ أبو بكر عن عاصم ، وحمزة إلا العبسي ، وخلف في اختياره: بكسر الراء وفتح الهمزة في الكل ، وروى العبسي كسرة الهمزة ، أيضا وقرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو; وابن عامر ، والكسائي: بفتح الراء والهمزة .

فإن اتصل ذلك بمكنى ، نحو: رآك ، ورآه ورآها; فإن حمزة ، والكسائي ، وخلف ، والوليد عن ابن عامر ، والمفضل ، وأبان والقزاز عن عبد الوارث ، والكسائي عن أبي بكر: يكسرون الراء ، ويميلون الهمزة .

وفي الكوكب الذي رآه قولان .

أحدهما: أنه الزهرة ، قاله ابن عباس ، وقتادة . والثاني: المشترى ، قاله مجاهد ، والسدي .

قوله تعالى: قال هذا ربي فيه ثلاثة أقوال .

[ ص: 74 ] أحدها: أنه على ظاهره . روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ، قال: هذا ربي ، فعبده حتى غاب ، وعبد القمر حتى غاب ، وعبد الشمس حتى غابت; واحتج أرباب هذا القول بقوله: لئن لم يهدني ربي وهذا يدل على نوع تحيير ، قالوا: وإنما قال هذا في حال طفولته على ما سبق إلى وهمه ، قبل أن يثبت عنده دليل .

وهذا القول لا يرتضى ، والمتأهلون للنبوة محفوظون من مثل هذا على كل حال .

فأما قوله: لئن لم يهدني ربي فما زال الأنبياء يسألون الهدى ، ويتضرعون في دفع الضلال عنهم ، كقوله: واجنبني وبني أن نعبد الأصنام [إبراهيم:35] ولأنه قد آتاه رشده من قبل ، وأراه ملكوت السماوات والأرض ليكون موقنا ، فكيف لا يعصمه عن مثل هذا التخيير؟!

والثاني: أنه قال ذلك استدراجا للحجة ، ليعيب آلهتهم ويريهم بغضها عند أفولها ، ولا بد أن يضمر في نفسه: إما على زعمكم ، أو فيما تظنون ، فيكون كقوله: " أين شركائي " ، وإما أن يضمر: يقولون ، فيكون كقوله: ربنا تقبل منا [البقرة:127] أي: يقولان ذلك ، ذكر نحو هذا أبو بكر بن الأنباري ، ويكون مراده استدراج الحجة عليهم ، كما نقل عن بعض الحكماء أنه نزل بقوم يعبدون صنما ، فأظهر تعظيمه ، فأكرموه ، وصدروا عن رأيه ، فدهمهم عدو ، فشاورهم ملكهم ، فقال: ندعو إلهنا ليكشف ما بنا ، فاجتمعوا يدعونه ، فلم ينفع ، فقال هاهنا إله ندعوه ، فيستجيب ، فدعوا الله ، فصرف عنهم ما يحذرون ، وأسلموا .

والثالث: أنه قال مستفهما ، تقديره: أهذا ربي؟ فأضمرت ألف الاستفهام ، كقوله: أفإن مت فهم الخالدون [الأنبياء:34]؟ أي: أفهم الخالدون؟ قال الشاعر: [ ص: 75 ]


كذبتك عينك أم رأيت بواسط غلس الظلام من الرباب خيالا


أراد: أكذبتك؟ قال ابن الأنباري: وهذا القول شاذ ، لأن حرف الاستفهام لا يضمر إذ كان فارقا بين الإخبار والاستخبار; وظاهر قوله: هذا ربي أنه إشارة إلى الصانع . وقال الزجاج : كانوا أصحاب نجوم ، فقال: هذا ربي ، أي: هذا الذي يدبرني ، فاحتج عليهم أن هذا الذي تزعمون أنه مدبر ، لا نرى فيه إلا أثر مدبر و"أفل" بمعنى: غاب; يقال: أفل النجم يأفل ويأفل أفولا

قوله تعالى: لا أحب الآفلين أي: حب رب معبود ، لأن ما ظهر وأفل كان حادثا مدبرا .
فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون

قوله تعالى: فلما رأى القمر قال ابن قتيبة: سمي القمر قمرا لبياضه; والأقمر: الأبيض; وليلة قمراء ، أي: مضيئة . فأما البازغ ، فهو الطالع . ومعنى لئن لم يهدني : لئن لم يثبتني على الهدى . فإن قيل: لم قال في الشمس: هذا ، ولم يقل: هذه؟ فعنه أربعة أجوبة .

أحدها: أنه رأى ضوء الشمس ، لا عينها ، قاله محمد بن مقاتل . والثاني: [ ص: 76 ] أنه أراد: هذا الطالع ربي ، قاله الأخفش . والثالث: أن الشمس بمعنى الضياء والنور ، فحمل الكلام على المعنى . والرابع: أن الشمس ليس في لفظها علامة من علامات التأنيث ، وإنما يشبه لفظها لفظ المذكر ، فجاز تذكيرها . ذكره والذي قبله ابن الأنباري .

إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هداني ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما أفلا تتذكرون

قوله تعالى: إني وجهت وجهي قال الزجاج : جعلت قصدي بعبادتي وتوحيدي لله رب العالمين عز وجل . وباقي الآية قد تقدم .

و قوله تعالى: وحاجه قومه قال ابن عباس : جادلوه في آلهتهم ، وخوفوه بها ، فقال منكرا عليهم: أتحاجوني . قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي: " أتحاجوني " و " تأمروني " [الزمر:64] بتشديد النون . وقرأ نافع ، وابن عامر بتخفيفها ، فحذفا النون الثانية لالتقاء النونين . ومعنى أتحاجوني في الله أي: في توحيده . وقد هداني ، أي: بين لي ما به اهتديت . وقرأ الكسائي: "هداني" بإمالة الدال . والإمالة حسنة فيما كان أصله الياء ، وهذا من هدى يهدي .

قوله تعالى: ولا أخاف ما تشركون به أي: لا أرهب آلهتكم ، وذلك أنهم قالوا: نخاف أن تمسك آلهتنا بسوء ، فقال: لا أخافها لأنها لا تضر ولا تنفع إلا أن يشاء ربي شيئا فله أخاف وسع ربي كل شيء علما أي: علمه علما تاما .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #207  
قديم 01-06-2022, 09:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,616
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد





تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثالث
سُورَةُ الانعام
الحلقة (207)
صــ77 إلى صــ 82



وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون .

قوله تعالى: وكيف أخاف ما أشركتم أي: من هذه الأصنام التي لا تضر ولا تنفع ، ولا تخافون أنتم أنكم أشركتم بالله الذي خلقكم ورزقكم ، وهو قادر على ضركم ونفعكم ما لم ينزل به عليكم سلطانا أي: حجة فأي الفريقين أحق بالأمن أي: بأن يأمن العذاب ، الموحد الذي يعبد من بيده الضر والنفع؟ أم المشرك الذي يعبد ما لا يضر ولا ينفع؟ ثم بين الأحق من هو بقوله: الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أي: يخلطوه بشرك . روى البخاري ، ومسلم في "صحيحيهما" من حديث ابن مسعود قال: لما نزلت هذه الآية ، شق ذلك على المسلمين ، فقالوا: يا رسول الله ، وأينا ذلك؟ فقال إنما هو الشرك ، ألم تسمعوا ما قال لقمان لابنه: إن الشرك لظلم عظيم [لقمان:13]؟

وفيمن عني بهذه الآية ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه إبراهيم وأصحابه ، وليست في هذه الأمة ، قاله علي بن أبي طالب . وقال في رواية أخرى: هذه الآية لإبراهيم خاصة ، ليس لهذه الأمة منها شيء .

والثاني: أنه من هاجر إلى المدينة ، قاله عكرمة .

والثالث: أنها عامة ، ذكره بعض المفسرين . وهل هي من قول إبراهيم لقومه ، أم جواب من الله تعالى؟ فيه قولان .

[ ص: 78 ] وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم

قوله تعالى: وتلك حجتنا يعني ما جرى بينه وبين قومه من الاستدلال على حدوث الكوكب والقمر والشمس ، وعيبهم ، إذ سووا بين الصغير والكبير ، وعبدوا من لا ينطق ، وإلزامه إياهم الحجة . آتيناها إبراهيم أرشدناه إليها بالإلهام .

وقال مجاهد: الحجة قول إبراهيم فأي الفريقين أحق بالأمن

قوله تعالى: نرفع درجات من نشاء قرأ ابن كثير ، ونافع ، وابن عمرو وابن عامر: " درجات من نشاء " مضافا . وقرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائي "درجات" منونا ، وكذلك قرؤوا في "يوسف" [يوسف: 76] . ثم في المعنى قولان .

أحدهما: أن الرفع بالعلم والفهم والمعرفة . والثاني: بالاصطفاء للرسالة .

قوله تعالى: إن ربك حكيم قال ابن جرير: حكيم في سياسة خلقه ، وتلقينه أنبياءه الحج على أممهم المكذبة "عليم" بما يؤول إليه أمر الكل .
ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم

قوله تعالى: ووهبنا له إسحاق ولدا لصلبه "ويعقوب" ولدا لإسحاق "كلا" من هؤلاء المذكورين هدينا أي: أرشدنا .

[ ص: 79 ] قوله تعالى: ومن ذريته في "هاء الكناية" قولان .

أحدهما: أنها ترجع إلى نوح; رواه أبو صالح عن ابن عباس ، واختاره الفراء ، ومقاتل ، وابن جرير الطبري .

والثاني: إلى إبراهيم ، قاله عطاء . وقال الزجاج : كلا القولين جائز ، لأن ذكرهما جميعا قد جرى ، واحتج ابن جرير للقول الأول بأن الله تعالى: ذكر في سياق الآيات لوطا ، وليس من ذرية إبراهيم . وأجاب عنه أبو سليمان الدمشقي بأنه يحتمل أن يكون أراد: ووهبنا له لوطا في المعاضدة والنصرة ، ثم قوله: وكذلك نجزي المحسنين من أبين دليل على أنه إبراهيم ، لأن افتتاح الكلام إنما هو بذكر ما أثاب به إبراهيم . فأما "يوسف" فهو اسم أعجمي . قال الفراء: "يوسف" . بضم السين من غير همز ، لغة أهل الحجاز ، وبعض بني أسد يقول: "يؤسف" بالهمز ، وبعض العرب يقول: "يوسف" بكسر السين ، وبعض بني عقيل يقول: "يوسف" بفتح السين .

قوله تعالى: وكذلك نجزي المحسنين أي: كما جزينا إبراهيم على توحيده وثباته على دينه ، بأن رفعنا درجته ، ووهبنا له أولادا أنبياء أتقياء ، كذلك نجزي المحسنين . فأما عيسى ، وإلياس ، واليسع ، ولوطا ، فأسماء أعجمية ، وجمهور القراء يقرؤون "اليسع" بلام واحدة مخففا ، منهم ابن كثير ، ونافع ، وعاصم ، وأبو عمرو وابن عامر . وقرأ حمزة ، والكسائي هاهنا وفي "ص": "إلليسع" بلامين مع التشديد . قال الفراء: وهي أشبه بالصواب ، وبأسماء الأنبياء من بني إسرائيل ، ولأن العرب لا تدخل على "يفعل" ، إذا كان في معنى فلان ، ألفا ولاما ، يقولون: [ ص: 80 ] هذا يسع قد جاء ، وهذا يعمر ، وهذا يزيد ، فهكذا الفصيح من الكلام .

وأنشدني بعضهم .


وجدنا الوليد بن اليزيد مباركا شديدا بأحناء الخلافة كاهله


فلما ذكر الوليد بالألف واللام ، أتبعه يزيد بالألف واللام ، وكل صواب . وقال مكي: من قرأه بلام واحدة ، فالأصل عنده: يسع ، ومن قرأه بلامين ، فالأصل عنده: ليسع ، فأدخلوا عليه حرف التعريف . وباقي أسماء الأنبياء قد تقدم بيانها ، والمراد بالعالمين: عالمو زمانهم .

قوله تعالى: ومن آبائهم وذرياتهم "من" هاهنا للتبعيض . قال الزجاج : المعنى: هدينا هؤلاء ، وهدينا بعض آبائهم وذرياتهم . واجتبيناهم مثل اخترناهم واصطفيناهم ، وهو مأخوذ من جبيت الشيء: إذا أخلصته لنفسك . وجبيت الماء في الحوض: إذا جمعته فيه . فأما الصراط المستقيم ، فهو التوحيد .

ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون

قوله تعالى: ذلك هدى الله قال ابن عباس : ذلك دين الله الذي هم عليه يهدي به من يشاء من عباده . "ولو أشركوا" يعني الأنبياء المذكورين "لحبط" أي: لبطل وزال عملهم ، لأنه لا يقبل عمل مشرك .
[ ص: 81 ] أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين

قوله تعالى: أولئك الذين آتيناهم الكتاب يعني الكتب التي أنزلها عليهم .

والحكم: الفقه ، والعلم فإن يكفر بها يعني بآياتنا .

وفيمن أشير إليه بـ" هؤلاء" ثلاثة أقوال .

أحدها: أنهم أهل مكة ، قاله ابن عباس ، وسعيد بن المسيب ، وقتادة .

والثاني: أنهم قريش ، قاله السدي . والثالث: أمة النبي صلى الله عليه وسلم . قاله الحسن .

قوله تعالى: فقد وكلنا بها قال أبو عبيدة: فقد رزقناها قوما . وقال الزجاج : وكلنا بالإيمان بها قوما . وفي هؤلاء القوم أربعة أقوال .

أحدها: أنهم أهل المدينة من الأنصار ، قاله ابن عباس ، وابن المسيب ، وقتادة ، والسدي .

والثاني: الأنبياء والصالحون ، قاله الحسن . وقال قتادة: هم النبيون الثمانية عشر ، المذكورون في هذا المكان ، وهذا اختيار الزجاج ، وابن جرير .

والثالث: أنهم الملائكة ، قاله أبو رجاء . والرابع: أنهم المهاجرون والأنصار .
أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين

قوله تعالى: أولئك الذين هدى الله يعني النبيين المذكورين .

وفي قوله تعالى: فبهداهم اقتده قولان .

أحدهما: بشرائعهم وبسننهم فاعمل ، قاله ابن السائب .

[ ص: 82 ] والثاني: اقتد بهم في صبرهم ، قاله الزجاج . وكان ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وعاصم ، يثبتون الهاء من قوله: "اقتده" في الوصل ساكنة . وكان حمزة ، وخلف ، ويعقوب ، والكسائي عن أبي بكر ، واليزيدي في اختياره ، يحذفون الهاء في الوصل . ولا خلاف في إثباتها في الوقف ، وإسكانها فيه .

قوله تعالى: قل لا أسألكم عليه أجرا يعني على القرآن . والذكرى: العظة . والعالمون هاهنا: الجن والإنس .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #208  
قديم 01-06-2022, 09:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,616
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد





تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثالث
سُورَةُ الانعام
الحلقة (208)
صــ83 إلى صــ 88




وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنـزل الله على بشر من شيء قل من أنـزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون

قوله تعالى: وما قدروا الله حق قدره في سبب نزولها سبعة أقوال .

أحدها: أن مالك بن الصيف رأس اليهود ، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى ، أتجد فيها أن الله يبغض الحبر السمين؟" قال: نعم . قال: "فأنت الحبر السمين" . فغضب ، ثم قال: ما أنزل الله على بشر من شيء فنزلت هذه الآية ، رواه أبو صالح عن ابن عباس; وكذلك قال سعيد بن جبير ، وعكرمة: نزلت في مالك بن الصيف .

والثاني: أن اليهود قالوا: يا محمد ، أنزل الله عليك كتابا؟ قال: "نعم" قالوا: والله ما أنزل الله من السماء كتابا ، فنزلت هذه الآية ، رواه الوالبي عن ابن عباس .

والثالث: أن اليهود قالوا: يا محمد ، إن موسى جاء بألواح يحملها من عند الله ، فائتنا بآية كما جاء موسى ، فنزل: يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا [ ص: 83 ] من السماء إلى قوله: "عظيما"[النساء:153-156] . فلما حدثهم بأعمالهم الخبيثة ، قالوا: والله ما أنزل الله عليك ولا على موسى وعيسى ، ولا على بشر من شيء ، فنزلت هذه الآية ، قاله محمد بن كعب .

والرابع: أنها نزلت في اليهود والنصارى ، آتاهم الله علما ، فلم ينتفعوا به ، قاله قتادة .

والخامس: أنها نزلت في فنحاص اليهودي ، وهو الذي قال: ما أنزل الله على بشر من شيء قاله السدي .

والسادس: أنها نزلت في مشركي قريش ، قالوا: والله ما أنزل الله على بشر من شيء ، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد .

والسابع: أن أولها ، إلى قوله: من شيء في مشركي قريش . وقوله: من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى في اليهود ، رواه ابن كثير عن مجاهد . وفي معنى وما قدروا الله حق قدره ثلاثة أقوال .

أحدها: ما عظموا الله حق عظمته ، قاله ابن عباس ، والحسن ، والفراء; وثعلب ، والزجاج .

والثاني: ما وصفه حق صفته ، قاله أبو العالية ، واختاره الخليل .

والثالث: ما عرفوه حق معرفته ، قاله أبو عبيدة .

[ ص: 84 ] قوله تعالى: ( يجعلونه قراطيس ) معناه يكتبونه في قراطيس وقيل إنما قال قراطيس لأنهم كانوا يكتبونه في قراطيس مقطعة حتى لا تكون مجموهة ليخفوا منها ما شاؤوا .

قوله تعالى: ( يبدونها ) قرأ ابن كثير وأبو عمرو: " يجعلونه قراطيس يبدونها " ، "ويخفون" بالياء فيهن . وقرأ نافع ، وعاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي: بالتاء فيهن . فمن قرأ بالياء ، فلأن القوم غيب ، بدليل قوله: وما قدروا الله حق قدره . ومن قرأ بالتاء ، فعلى الخطاب; والمعنى: تبدون منها ما تحبون ، وتخفون كثيرا ، مثل صفة محمد صلى الله عليه وسلم وآية الرجم ، ونحو ذلك مما كتموه .

قوله تعالى: وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم في المخاطب بهذا قولان .

أحدهما: أنهم اليهود ، قاله الجمهور .

والثاني: أنه خطاب للمسلمين ، قاله مجاهد . فعلى الأول: علموا ما في التوراة; وعلى الثاني: علموا على لسان محمد صلى الله عليه وسلم .

قوله تعالى: قل الله هذا جواب لقوله: من أنزل الكتاب وتقديره: فإن أجابوك ، وإلا فقل: الله أنزله .

قوله تعالى: ثم ذرهم تهديد . وخوضهم: باطلهم . وقيل: إن هذا أمر بالإعراض عنهم ، ثم نسخ بآية السيف .

قوله تعالى: وهذا كتاب أنزلناه يعني القرآن . قال الزجاج : والمبارك: الذي يأتي من قبله الخير الكثير . والمعنى: أنزلناه للبركة والإنذار .
وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون [ ص: 85 ] قوله تعالى: مصدق الذي بين يديه من الكتب .

قوله تعالى: ولتنذر أم القرى قرأ عاصم إلا حفصا: "ولينذر" بالياء; فيكون الكتاب هو المنذر . وقرأ الباقون: بالتاء ، على الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم . فأما أم القرى ، فهي مكة . قال الزجاج : والمعنى: لتنذر أهل أم القرى .

وفي تسميتها بأم القرى أربعة أقوال .

أحدها: أنها سميت بذلك ، لأن الأرض دحيت من تحتها ، قاله ابن عباس .

والثاني: لأنها أقدمها ، قاله ابن قتيبة . والثالث لأنها قبلة جميع الناس ، يؤمونها ، والرابع: لأنها كانت أعظم القرى شأنا ، ذكرهما الزجاج .

قوله تعالى: ومن حولها قال ابن عباس : يريد الأرض كلها .

قوله تعالى: والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به في هاء الكناية قولان . أحدهما: أنها ترجع إلى القرآن .

والثاني: إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم . والمعنى: من آمن بالآخرة آمن به; ومن لم يؤمن به ، فليس إيمانه بالآخرة حقيقة ، ولا يعتد به ، ألا ترى إلى قوله: وهم على صلاتهم يحافظون فدل على أنه أراد المؤمنين الذين يحافظون على الصلوات .
ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون

قوله تعالى: ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال .

[ ص: 86 ] أحدها: أن أولها ، إلى قوله: ولم يوح إليه شيء نزل في مسيلمة الكذاب .

و قوله تعالى: ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله نزل في عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، كان قد تكلم بالإسلام ، وكان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الأحايين; فإذا أملي عليه: "عزيز حكيم" كتب: "غفور رحيم" فيقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا وذاك سواء . فلما نزلت: ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين أملاها عليه ، فلما انتهى إلى قوله: خلقا آخر عجب عبد الله بن سعد ، فقال: ( تبارك الله أحسن الخالقين ) [المؤمنون:12-14] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كذا أنزلت علي ، فاكتبها" فشك حينئذ ، وقال: لئن كان محمد صادقا: لقد أوحي إلي كما أوحي إليه ، ولئن كان كاذبا ، لقد قلت كما قال ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . قال عكرمة: ثم رجع إلى الإسلام قبل فتح مكة .

والقول الثاني: أن جميع الآية في عبد الله بن سعد ، قاله السدي .

والثالث: أنها نزلت في مسيلمة ، والأسود العنسي ، قاله قتادة . فإن قيل: كيف أفرد قوله: أو قال أوحي إلي من قوله: ومن أظلم ممن افترى وذاك مفتر أيضا؟ فعنه جوابان .

أحدهما: أن الوصفين لرجل واحد ، وصف بأمر بعد أمر ليدل على جرأته .

والثاني: أنه خص بقوله: أو قال أوحي إلي بعد أن عم بقوله: افترى على الله لأنه ليس كل مفتر على الله يدعي أنه يوحى إليه ، ذكرهما ابن الأنباري .

قوله تعالى: سأنزل مثل ما أنزل الله أي: سأقول . قال ابن عباس : يعنون الشعر ، وهم المستهزؤون . وقيل: هو قول عبد الله بن سعد بن أبي سرح . قال الزجاج : وهذا جواب لقولهم: "لو نشاء لقلنا مثل هذا" .

[ ص: 87 ] قوله تعالى: ولو ترى إذ الظالمون فيهم ثلاثة أقوال .

أحدها: أنهم قوم كانوا مسلمين بمكة ، فأخرجهم الكفار معهم إلى قتال بدر ، فلما أبصروا قلة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجعوا عن الإيمان ، فنزل فيهم هذا ، قاله أبو صالح عن ابن عباس .

والثاني: أنهم الذين قالوا: "ما أنزل على بشر من شيء" قاله أبو سليمان .

والثالث: الموصوفون في هذه الآية ، وهم المفترون والمدعون الوحي إليهم ، ومماثلة كلام الله . قال الزجاج : وجواب "لو" محذوف; والمعنى: لو تراهم في غمرات الموت لرأيت عذابا عظيما . ويقال لكل من كان في شيء كبير: قد غمر فلانا ذلك . قال ابن عباس : غمرات الموت: سكراته . قاله ابن الأنباري: قال اللغويون: سميت غمرات ، لأن أهوالها يغمرن من يقعن به .

قوله تعالى: والملائكة باسطو أيديهم فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: بالضرب ، قاله ابن عباس . والثاني: بالعذاب ، قاله الحسن ، والضحاك . والثالث: باسطوها لقبض الأرواح من الأجساد ، قاله الفراء . وفي الوقت الذي يكون هذا فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: عند الموت . قال ابن عباس : هذا عند الموت ، الملائكة يضربون وجوههم ، وأدبارهم وملك الموت يتوفاهم .

والثاني: يوم القيامة ، رواه أبو صالح عن ابن عباس .

والثالث: في النار ، قاله الحسن .

قوله تعالى: أخرجوا أنفسكم فيه إضمار "يقولون" وفي معناه قولان .

أحدهما: استسلموا لإخراج أنفسكم .

[ ص: 88 ] والثاني: أخرجوا أنفسكم من العذاب إن قدرتم .

قوله تعالى: تجزون عذاب الهون قال أبو عبيدة: الهون: مضمون ، وهو الهوان; وإذا فتحوا أوله ، فهو الرفق والدعة . قال الزجاج : والمعنى: تجزون العذاب; الذي يقعد به الهوان الشديد .
ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون

قوله تعالى: ولقد جئتمونا فرادى سبب نزولها: أن النضر بن الحارث قال: سوف تشفع لي اللات والعزى ، فنزلت هذه الآية ، قاله عكرمة . ومعنى فرادى: وحدانا . وهذا إخبار من الله تعالى بما يوبخ به المشركين يوم القيامة . قال أبو عبيدة: فرادى ، أي فرد فرد . وقال ابن قتيبة; فرادى: جمع فرد .

وللمفسرين في معنى "فرادى" خمسة أقوال متقاربة المعنى .

أحدها: فرادى من الأهل والمال والولد ، قاله ابن عباس . والثاني: كل واحد على حدة ، قاله الحسن . والثالث: ليس معكم من الدنيا شيء ، قاله مقاتل . والرابع: كل واحد منفرد عن شريكه في الغي ، وشقيقه ، قاله الزجاج . والخامس: فرادى من المعبودين ، قاله ابن كيسان .

قوله تعالى: كما خلقناكم أول مرة فيه ثلاثة أقوال .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #209  
قديم 01-06-2022, 09:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,616
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد





تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثالث
سُورَةُ الانعام
الحلقة (209)
صــ89 إلى صــ 94



أحدها: لا مال ولا أهل ولا ولد . والثاني: حفاة عراة غرلا . والغرل: القلف . والثالث: أحياء . وخولناكم: بمعنى ملكناكم . وراء ظهوركم أي: [ ص: 89 ] في الدنيا . والمعنى: أن ما دأبتم في تحصيله في الدنيا فني ، وبقي الندم على سوء الاختيار . وفي شفعائهم ، قولان .

أحدهما: أنها الأصنام . قال ابن عباس : شفعاؤكم ، أي: آلهتكم الذين زعمتم أنهم يشفعون لكم . و زعمتم أنهم فيكم أي: عندكم شركاء . وقال ابن قتيبة: زعمتم أنهم لي في خلقكم شركاء .

والثاني: أنها الملائكة; كانوا يعتقدون شفاعتها ، قاله مقاتل .

قوله تعالى: لقد تقطع بينكم قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة ، وأبو بكر عن عاصم: بالرفع . والكسائي ، وحفص عن عاصم: بنصب النون على الظرف . قال الزجاج : الرفع أجود ، ومعناه: لقد تقطع وصلكم ، والنصب جائز ، ومعناه: لقد تقطع ما كنتم فيه من الشركة بينكم . وقال ابن الأنباري: التقدير: لقد تقطع ما بينكم ، فحذف "ما" لوضوح معناها . قال أبو علي: الذين رفعوه ، جعلوه اسما ، فأسندوا الفعل الذي هو "تقطع" إليه; والمعنى: لقد تقطع وصلكم . والذين نصبوا ، أضمروا اسم الفاعل في الفعل ، والمضمر هو الوصل; فالتقدير: لقد تقطع وصلكم بينكم . وفي الذي كانوا يزعمون قولان .

أحدهما: شفاعة آلهتهم . والثاني: عدم البعث والجزاء .
إن الله فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي ذلكم الله فأنى تؤفكون

قوله تعالى: إن الله فالق الحب والنوى في معنى الفلق قولان .

أحدهما: أنه بمعنى الخلق ، فالمعنى: خالق الحب والنوى ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وبه قال الضحاك ، ومقاتل .

[ ص: 90 ] والثاني: أن الفلق بمعنى الشق . ثم في معنى الكلام قولان .

أحدهما: أنه فلق الحبة عن السنبلة ، والنواة عن النخلة ، روى هذا المعنى أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، والسدي ، وابن زيد .

والثاني: أنه الشقان اللذان في الحب والنوى ، قاله مجاهد ، وأبو مالك . قال ابن السائب: الحب: ما لم يكن له نوى ، كالبر والشعير; والنوى ، مثل نوى التمر .

قوله تعالى: يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي قد سبق تفسيره في [آل عمران] .

قوله تعالى: فأنى تؤفكون أي: كيف تصرفون عن الحق بعد هذا البيان .
فالق الإصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم

قوله تعالى: فالق الإصباح في معنى الفلق قولان قد سبقا . فأما الإصباح فقال الأخفش هو مصدر من أصبح وقال الزجاج : الإصباح والصبح واحد .

وللمفسرين في الإصباح ، ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه ضوء الشمس بالنهار ، وضوء القمر بالليل ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس .

والثاني: أنه إضاءة الفجر ، قاله مجاهد . وقال ابن زيد: فلق الإصباح من الليل .

والثالث: أنه نور النهار ، قاله الضحاك . وقرأ أنس بن مالك ، والحسن ، وأبو مجلز ، وأيوب ، والجحدري: "فالق الإصباح" بفتح الهمزة . قال أبو عبيد: ومعناه جمع صبح . [ ص: 91 ] قوله تعالى: ( وجاعل الليل سكنا ) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر: "جاعل" بألف . وقرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائي: "وجعل" بغير ألف . "الليل" نصبا . قال أبو علي: من قرأ: "جاعل" فلأجل "فالق" وهم يراعون المشاكلة . ومن قرأ: "جعل" فلأن "فاعلا" هاهنا ، بمعنى: "فعل" بدليل قوله: والشمس والقمر حسبانا . فأما السكن ، فهو ما سكنت إليه . والمعنى: أن الناس يسكنون فيه سكون راحة . وفي الحسبان قولان .

أحدهما: أنه الحساب ، قاله الجمهور . قال ابن قتيبة: يقال: خذ من كل شيء بحسبانه ، أي: بحسابه . وفي المراد بهذا الحساب ، ثلاثة أقوال . أحدها: أنهما يجريان إلى أجل جعل لهما ، رواه العوفي عن ابن عباس . والثاني: يجريان في منازلهما بحساب ، ويرجعان إلى زيادة ونقصان ، قاله السدي . والثالث: أن جريانهما سبب لمعرفة حساب الشهور والأعوام ، قاله مقاتل .

والقول الثاني: أن معنى الحسبان: الضياء ، قاله قتادة . قال الماوردي ، كأنه أخذه من قوله تعالى: ويرسل عليها حسبانا من السماء أي: نارا . قال ابن جرير: وليس هذا من ذاك في شيء .
وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون

قوله تعالى: وهو الذي جعل لكم النجوم جعل ، بمعنى خلق . وإنما امتن عليهم بالنجوم ، لأن سالكي القفاء وراكبي البحار ، إنما يهتدون في الليل لمقاصدهم بها .
وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون [ ص: 92 ] قوله تعالى: وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة يعني آدم "فمستقر" قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، ويعقوب ، إلا رويسا: بكسر القاف . وقرأ نافع ، وابن عامر ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي: بفتحها . قال الزجاج من كسر ، فالمعنى "فمنكم مستقر" ومن نصب ، فالمعنى: "فلكم مستقر" فأما مستودع فبالفتح ، لا غير ومعناه على فتح القاف: "ولكم مستودع" وعلى كسر القاف: "منكم مستودع" . وللمفسرين في هذا المستقر والمستودع تسعة أقوال .

أحدها: فمستقر في الأرحام ، ومستودع في الأصلاب ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وبه قال سعيد بن جبير ، ومجاهد ، وعطاء ، والضحاك ، والنخعي ، وقتادة ، والسدي ، وابن زيد .

والثاني: المستقر في الأرحام ، والمستودع في القبر ، قاله ابن مسعود .

والثالث: المستقر في الأرض ، والمستودع في الأصلاب ، رواه ابن جبير عن ابن عباس .

والرابع: المستقر والمستودع في الرحم ، رواه قابوس عن أبيه عن ابن عباس .

والخامس: المستقر حيث يأوي ، والمستودع حيث يموت ، رواه مقسم عن ابن عباس .

والسادس: المستقر في الدنيا ، والمستودع في القبر .

والسابع: المستقر في القبر ، والمستودع في الدنيا ، وهو عكس الذي قبله ، رويا عن الحسن .

والثامن: المستقر في الدنيا ، والمستودع عند الله تعالى ، قاله مجاهد .

والتاسع: المستقر في الأصلاب ، والمستودع في الأرحام ، قاله ابن بحر ، وهو عكس الأول .
[ ص: 93 ] وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون

قوله تعالى: وهو الذي أنزل من السماء ماء يعني المطر فأخرجنا به أي: بالمطر . وفي قوله تعالى: نبات كل شيء قولان .

أحدهما: نبات كل شيء من الثمار ، لأن كل ما ينبت ، فنباته بالماء .

والثاني: رزق كل شيء غذاؤه . وفي قوله تعالى: فأخرجنا منه قولان . أحدهما: من الماء ، أي: به .

والثاني: من النبات . قال الزجاج : الخضر; بمعنى الأخضر يقال: اخضر; فهو أخضر ، وخضر ، مثل أعور ، فهو أعور ، وعور .

قوله تعالى: نخرج منه أي: من الخضر حبا متراكبا كالسنبل والشعير .

والمتراكب: الذي بعضه فوق بعض .

قوله تعالى: ومن النخل من طلعها قنوان دانية وروى الخفاف عن أبي عمرو: "قنوان" بضم القاف; وروى هارون عنه بفتحها . قال الفراء: معناه: ومن النخل ما قنوانه دانية; وأهل الحجاز يقولون: "قنوان" بكسر القاف; وقيس يضمونها; وضبة ، وتميم يقولون "قنيان" . وأنشدني المفضل عنهم:


فأثت أعاليه وآدت أصوله ومال بقنيان من البسر أحمرا


[ ص: 94 ] ويجتمعون جميعا ، فيقولون: "قنو" و"قنو" ولا يقولون: "قني" ولا "قني" وكلب يقولون: "ومال بقنيان" قال المصنف: والبيت لامرئ القيس; ورواه أبو سعيد السكري: "ومال بقنوان" مكسورة القاف مع الواو ، ففيه أربع لغات: قنوان ، وقنوان ، وقنيان ، وقنيان; و"أثت": كثرت; ومنه: شعر أثيت . و"آدت": اشتدت . وقال ابن قتيبة: القنوان: عذوق النخل ، واحدها: قنو ، جمع على لفظ تثنية; ومثله: صنو وصنوان في التثنية ، وصنوان في الجمع . وقال الزجاج : قنوان: جمع قنو ، وإذا ثنيته فهما قنوان ، بكسر النون . ودانية ، أي: قريبة المتناول ، ولم يقل: "ومنها قنوان بعيدة" لأن في الكلام دليلا أن البعيدة السحيقة; قد كانت غير سحيقة ، فاجتزئ بذكر القريبة عن ذكر البعيدة; كقوله تعالى: سرابيل تقيكم الحر [النحل:81] . وقال ابن عباس : القنوان الدانية: قصار النخل اللاصقة عذوقها بالأرض .

قوله تعالى: وجنات من أعناب قال الزجاج : هو نسق على قوله: "خضرا" والزيتون والرمان المعنى . وأخرجنا منه شجر الزيتون والرمان: وقد روى أبو زيد عن المفضل: و"جنات" بالرفع .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #210  
قديم 01-06-2022, 09:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,616
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد






تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثالث
سُورَةُ الانعام
الحلقة (210)
صــ95 إلى صــ 100



قوله تعالى: مشتبها وغير متشابه فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: مشتبها في المنظر ، وغير متشابه في الطعم ، رواه أبو صالح عن ابن عباس .

والثاني مشتبها ورقه ، مختلفا ثمره ، قاله قتادة ، وهو في معنى الأول .

والثالث: منه ما يشبه بعضه بعضا ، ومنه ما يخالف . قال الزجاج : وإنما قرن الزيتون بالرمان ، لأنهما شجرتان تعرف العرب أن ورقهما يشتمل على الغصن من أوله إلى آخره . قال الشاعر: [ ص: 95 ]


بورك الميت الغريب كما بو رك نضح الرمان والزيتون


ومعناه: أن البركة في ورقه اشتماله على عوده كله .

قوله تعالى: ( انظروا إلى ثمرة ) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وعاصم: " انظروا إلى ثمره " ، " وكلوا من ثمره " [الأنعام:141] ، و " ليأكلوا من ثمره " [يس: 35]: بالفتح في ذلك . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وخلف: بالضم فيهن . قال الزجاج : يقال: ثمرة ، وثمر ، وثمار ، وثمر; فمن قرأ: "إلى ثمره" بالضم أراد جمع الجمع . وقال أبو علي: يحتمل وجهين . أحدهما هذا ، وهو أن يكون الثمر جمع ثمار .

والثاني: أن تكون الثمر جمع ثمرة ، وكذلك: أكمة ، وأكم ، وخشبة وخشب . قال الفراء: يقول: انظروا إليه أول ما يعقد ، وانظروا إلى ينعه ، وهو نضجه وبلوغه . وأهل الحجاز يقولون: ينع ، بفتح الياء ، وبعض أهل نجد يضمونها . قال ابن قتيبة: يقال ينعت الثمرة ، وأينعت: إذا أدركت ، وهو الينع والينع . وقرأ الحسن ، ومجاهد ، وقتادة ، والأعمش ، وابن محيصن: "وينعه" بضم الياء . قال الزجاج : الينع: النضج . قال الشاعر:


في قباب حول دسكرة حولها الزيتون قد ينعا


وبين الله تعالى لهم بتصريف ما خلق ، ونقله من حال إلى حال لا يقدر عليه الخلق ، أنه كذلك يبعثهم .

[ ص: 96 ] قوله تعالى: إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون قال ابن عباس : يصدقون أن الذي أخرج هذا النبات قادر على أن يحيي الموتى . وقال مقاتل: يصدقون بالتوحيد .
وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون

قوله تعالى: وجعلوا لله شركاء الجن جعلوا ، بمعنى وصفوا . قال الزجاج : نصب "الجن" من وجهين .

أحدهما: أن يكون مفعولا ، فيكون المعنى: وجعلوا لله الجن شركاء; ويكون الجن مفعولا ثانيا ، كقوله: وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا [الزخرف:19] .

والثاني: أن يكون الجن بدلا من شركاء ، ومفسرا للشركاء . وقرأ أبو المتوكل ، وأبو عمران ، وأبو حيوة ، والجحدري: "شركاء الجن" برفع النون; وقرأ ابن أبي عبلة ، ومعاذ القارئ "الجن" بخفض النون .

وفي معنى جعلهم الجن شركاء ثلاثة أقوال .

أحدها: أنهم أطاعوا الشياطين في عبادة الأوثان ، فجعلوهم شركاء لله ، قاله الحسن ، والزجاج .

والثاني: قالوا: إن الملائكة بنات الله فهم شركاؤه ، كقوله: وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا [الصافات:158] فسمى الملائكة جنا لاجتنانهم ، قاله قتادة ، والسدي ، وابن زيد .

والثالث: أن الزنادقة قالوا: الله خالق النور والماء والدواب والأنعام ، وإبليس خالق الظلمة والسباع والحيات والعقارب ، وفيهم نزلت هذه الآية . قاله ابن السائب .

[ ص: 97 ] قوله تعالى: وخلقهم في الكناية قولان .

أحدهما: أنها ترجع إلى الجاعلين له الشركاء ، فيكون المعنى: وجعلوا للذي خلقهم شركاء لا يخلقون .

والثاني: أنها ترجع إلى الجن ، فيكون المعنى والله خلق الجن ، فكيف يكون الشريك لله محدثا؟ ذكرهما الزجاج .

قوله تعالى: وخرقوا له بنين وبنات وقرأ نافع: وخرقوا بالتشديد ، للمبالغة والتكثير ، لأن المشركين ادعوا الملائكة بنات الله ، والنصارى المسيح ، واليهود عزيرا . وقرأ ابن عباس ، وأبو رجاء ، وأبو الجوزاء: وحرفوا بحاء غير معجمة وبتشديد الراء وبالفاء . وقرأ ابن السميفع ، والجحدري: "خارقوا" بألف وخاء معجمة . قال السدي: أما "البنون" فقول اليهود: عزير ابن الله ، وقول النصارى: المسيح ابن الله; وأما "البنات" فقول مشركي العرب: الملائكة بنات الله . قال الفراء: خرقوا ، واخترقوا ، وخلقوا ، واختلقوا ، بمعنى افتروا . وقال أبو عبيدة: خرقوا: جعلوا . قال الزجاج : ومعنى: "بغير علم": أنهم لم يذكروه من علم ، إنما ذكروه تكذبا .
بديع السماوات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل

قوله تعالى: أنى يكون له ولد قال الزجاج : أي: من أين يكون له ولد ، [ ص: 98 ] والولد لا يكون إلا من صاحبة؟! واحتج عليهم في نفي الولد بقوله: وخلق كل شيء فليس مثل خالق الأشياء ، فكيف يكون الولد لمن لا مثل له؟! فإذا نسب إليه الولد ، فقد جعل له مثل .
لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير

قوله تعالى: لا تدركه الأبصار في الإدراك قولان .

أحدهما: أنه بمعنى الإحاطة . والثاني: بمعنى الرؤية . وفي "الأبصار" قولان . أحدهما: أنها العيون ، قاله الجمهور . والثاني: أنها العقول ، رواه عبد الرحمن بن مهدي عن أبي حصين القارئ . ففي معنى الآية ثلاثة أقوال .

أحدها: لا تحيط به الأبصار ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وبه قال سعيد بن المسيب ، وعطاء . وقال الزجاج : معنى الآية: الإحاطة بحقيقته ، وليس فيها دفع للرؤية ، لما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرؤية ، وهذا مذهب أهل السنة والعلم والحديث .

والثاني: لا تدركه الأبصار إذا تجلى بنوره ، الذي هو نوره رواه عكرمة عن ابن عباس .

والثالث: لا تدركه الأبصار في الدنيا ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، ومقاتل . ويدل على أن الآية مخصوصة بالدنيا ، قوله: وجوه [ ص: 99 ] يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة [القيامة:23 ، 22] فقيد النظر إليه بالقيامة ، وأطلق في هذه الآية والمطلق يحمل على المقيد .

و قوله تعالى: وهو يدرك الأبصار فيه القولان . قال الزجاج : وفي هذا الإعلام دليل على أن خلقه لا يدركون الأبصار ، أي: لا يعرفون حقيقة البصر ، وما الشيء الذي صار به الإنسان يبصر من عينيه ، دون أن يبصر من غيرهما من أعضائه; فأعلم الله أن خلقا من خلقه لا يدرك المخلوقون كنهه ، ولا يحيطون بعلمه; فكيف به عز وجل؟! فأما "اللطيف" فقال أبو سليمان الخطابي: هو البر بعباده ، الذي يلطف بهم من حيث لا يعلمون ، ويسبب لهم مصالحهم من حيث لا يحتسبون . قال ابن الأعرابي: اللطيف: الذي يوصل إليك أربك في رفق; ومنه قولهم: لطف الله بك; ويقال: هو الذي لطف عن أن يدرك بالكيفية . وقد يكون اللطف بمعنى الدقة والغموض ، ويكون بمعنى الصغر في نعوت الأجسام ، وذلك مما لا يليق بصفات الباري سبحانه . وقال الأزهري: اللطيف من أسماء الله معناه: الرفيق بعباده; والخبير: العالم بكنه الشيء ، المطلع على حقيقته .
قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ

قوله تعالى: قد جاءكم بصائر من ربكم البصائر: جمع بصيرة وهي الدلالة التي توجب البصر بالشيء والعلم به . قال الزجاج : والمعنى: قد جاءكم القرآن الذي فيه البيان والبصائر فمن أبصر فلنفسه نفع ذلك "ومن عمي" فعلى نفسه ضرر ذلك ، لأن الله عز وجل غني عن خلقه . وما أنا عليكم بحفيظ أي: لست آخذكم بالإيمان أخذ الحفيظ والوكيل ، وهذا قبل الأمر بالقتال .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 374.59 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 368.79 كيلو بايت... تم توفير 5.81 كيلو بايت...بمعدل (1.55%)]