تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد - الصفحة 137 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         ماحال الحيوانات في البرزخ ويوم القيامة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          مقتطفات من السيرة النبوية كيف حارب الكفار النبي ﷺ فى بداية الدعوة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          زهد عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) وخشونة عيشه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          مكانة الإمام البخاري العلمية وشهادة العلماء له (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          شيعة مهتدون (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          قصة الغلام والمؤمن مع الملك الظالم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          صالح عليه السلام وثمود والناقة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          من فضائل الإمام الليث بن سعد المصري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          من مائدة الصحابة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 5 - عددالزوار : 1551 )           »          مواقيت الصلوات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 105 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 27-07-2025, 03:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,935
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ المزمل
الحلقة (1361)
صــ 681 الى صــ690




القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلا (6) إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلا (7) }
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا) فقال بعضهم: عُنى به إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا العمل به.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا) قال: العمل به، قال: إن الرجل لَيَهُذُّ (1) السورة، ولكنّ العمل به ثقيل.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا) ثقيل والله فرائضه وحدوده.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله: (ثَقِيلا) قال: ثقيل والله فرائضه وحدوده.
وقال آخرون: بل عني بذلك أن القول عينه ثقيل محمله.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن هشام بن عروة، عن أبيه "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته وضعت جرانها، فما تستطيع أن تتحرّك حتى يسرَّى عنه" .
(1)
الهذ: سرعة القراءة. وهو يهذ القرآن هذًا: إذا أسرع فيع وتابعه. وهذا الحديث سرده (التاج)

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قول الله: (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا) قال: هو والله ثقيل مبارك القرآن، كما ثقل في الدنيا ثَقُل في الموازين يوم القيامة.
وأولى الأقوال بالصواب في ذلك أن يقال: إن الله وصفه بأنه قول ثقيل، فهو كما وصفه به ثقيل محمله ثقيل العمل بحدوده وفرائضه.
وقوله: (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا) يعني جلّ وعزّ بقوله: (إن ناشئة الليل) : إن ساعات الليل، وكلّ ساعة من ساعات الليل ناشئة من الليل.
وقد اختلف أهل التأويل في ذلك.
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا حاتم بن أبي صغيرة، قال: قلت لعبد الله بن أبي مليكة: ألا تحدثني أيّ الليل ناشئة؟ قال: على الثبت سقطت، سألت عنها ابن عباس، فزعم أن الليل كله ناشئة، وسألت عنها ابن الزبير، فأخبرني مثل ذلك.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، قال: ثنا عنبسة، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ) قال: بلسان الحبشة إذا قام الرجل من الليل، قالوا: نشأ.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ) نشأ: قام.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي مَيْسرة (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ) قال: نشأ: قام.
قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، قال: إذا قام الرجل من الليل، فهو ناشئة الليل.
حدثنا هناد بن السريّ، قال: ثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرِمة، في قوله: (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ) قال: هو الليل كله.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ) قال: إذا قمت الليل فهو ناشئة.
قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد، قال: كلّ شيء بعد العشاء
فهو ناشئة.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ) قال: قيام الليل؛ قال: وأيّ ساعة من الليل قام فقد نشأ.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: أيّ الليل قمت فهو ناشئة.
قال: ثنا مهران، عن خارجة، عن أبي يونس حاتم بن أبى صغيرة، عن ابن أبي مُلَيكة، قال: سألت ابن عباس وابن الزبير عن ناشئة الليل فقالا كلّ الليل ناشئة، فإذا نشأت قائما فتلك ناشئة.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ) قال: أيّ ساعة تَهَجَّدَ فيها متهجد من الليل.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ) يعني الليل كله.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن أبي عامر الخزاز، ونافع عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس في قوله: (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ) قال: الليل كله.
قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: الليل كله إذا قام يصلي فهو ناشئة.
وقال آخرون: بل ذلك ما كان بعد العشاء، فأما ما كان قبل العشاء فليس بناشئة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن سليمان التيميّ، عن أبي مِجْلَز، في قوله: (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ) قال: ما بعد العشاء ناشئة.
قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا أبو رجاء، في قوله: (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ) قال: ما بعد العشاء الآخرة.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ) قال: ناشئة الليل: ما كان بعد العشاء فهو ناشئة.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا سليمان، قال: ثنا أبو هلال، قال، قال قتادة في
قوله: (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ) قال: كلّ شيء بعد العشاء فهو ناشئة.
وقوله: (هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا) اختلفت قرّاء الأمصار في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء مكة والمدينة والكوفة (أَشَدُّ وَطْئًا) بفتح الواو وسكون الطاء. وقرأ ذلك بعض قرّاء البصرة ومكة والشام (وِطاء) بكسر الواو ومدّ الألف على أنه مصدر من قول القائل: واطأ اللسان القلب مواطأة ووِطاء.
والصواب من القول في ذلك عندنا انهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
ويعني بقوله: (هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا) ناشئة الليل أشد ثباتا من النهار وأثبت في القلب، وذلك أن العمل بالليل أثبت منه بالنهار. وحُكي عن العرب وَطِئنا الليل وطأ: إذا ساروا فيه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال من أهل التأويل من قرأه بفتح الواو وسكون الطاء، وإن اختلفت عباراتهم في ذلك.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: (هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا) أي أثبت في الخير، وأحفظ في الحفظ.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا) قال: القيام بالليل أشدّ وطئا: يقول: أثبت في الخير.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا) يقول: ناشئة الليل كانت صلاتهم أوّل الليل (هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا) يقول: هو أجدر أن تُحْصُوا ما فرض الله عليكم من القيام، وذلك أن الإنسان إذا نام لم يدر متى يستيقظ.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد في قوله: (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا) قال: إن مصلي الليل القائم بالليل أشدّ وطئا: طمأنينة أفرغ له قلبا، وذلك أنه لا يَعْرِضُ له حوائج ولا شيء.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا) يقول: قراءة القرآن بالليل أثبت منه بالنهار، وأشدّ مواطأة بالليل منه بالنهار.
وأما الذين قرءوا (وِطاءً) بكسر الواو ومدّ الألف، فقد ذكرت الذي عَنَوْا بقراءتهم ذلك كذلك.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور عن مجاهد (أَشَدُّ وَطْئًا) قال: أن تُوَاطئ قلبك وسمعك وبصرك.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا) قال: تواطئ سمعك وبصرك وقلبك.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (أَشَدُّ وَطْئًا) قال: مُوَاطأة للقول، وفراغا للقلب.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: سمعت ابن أبي نجيح يقول في قوله: (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلا) قال: أجدر أن تواطئ لك سمعك، أن تواطئ لك بصرك.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد (أَشَدُّ وَطْئًا) قال: أجدر أن تواطئ سمعك وقلبك.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد في قوله: (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلا) قال: يواطئ سَمْعُك وبصرك وقلبك بعضه بعضا.
وقوله: (وَأَقْوَمُ قِيلا) يقول: وأصوب قراءة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يحيى بن داود الواسطي، قال: ثنا أبو أُسامة، عن الأعمش، قال: قرأ أنس هذه الآية (إنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أشَدُّ وَطْئًا وأصْوَبُ قِيلا) ، فقال له بعض القوم: يا أبا حمزة إنما هي (وَأَقْوَمُ قِيلا) قال: أقوم وأصوب وأهيأ واحد.
حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: ثنا عبد الحميد الحماني، عن الأعمش قال: قرأ أنس (وَأَقْوَمُ قِيلا) وأصوب قيلا؛ قيل له: يا أبا حمزة إنما هي (وَأَقْوَمُ) قال أنس: أصوب وأقوم وأهيأ واحد.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، مثله.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، مثله.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وَأَقْوَمُ قِيلا) يقول: أدنى من أن تفقهوا القرآن.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (وَأَقْوَمُ قِيلا) : أحفظ للقراءة.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: (وَأَقْوَمُ قِيلا) قال: أقوم قراءة لفراغه من الدنيا.
قوله: (إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلا) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: إن لك يا محمد في النهار فراغا طويلا تتسع به، وتتقلَّب فيه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (سَبْحًا طَوِيلا) فراغا طويلا يعني النوم.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، قوله: (إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلا) قال: متاعا طويلا.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: (سَبْحًا طَوِيلا) قال: فراغا طويلا.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: (إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلا) قال: لحوائجك، فافُرغ لدينك الليل، قالوا: وهذا حين كانت صلاة الليل فريضة، ثم إن الله منّ على العباد فخفَّفها ووضعها، وقرأ: (قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا) ... إلى آخر الآية، ثم قال: (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ) حتى بلغ قوله: (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ) الليل نصفه أو ثلثه، ثم جاء أمر أوسع وأفسح، وضع الفريضة عنه وعن أمته، فقال: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا) .
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول في قوله: (إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلا) فراغا طويلا. وكان يحيى بن يعمر يقرأ ذلك بالخاء.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبد المؤمن، عن غالب الليثي، عن يحيى بن يعمر "من جذيلة قيس" أنه كان يقرأ (سَبْخًا طَوِيلا) قال: وهو النوم.
قال أبو جعفر: والتسبيخ: توسيع القطن والصوف وتنفيشه، يقال للمرأة: سبخي قطنك: أي نفشيه ووسعيه؛ ومنه قول الأخطل:
فأرْسَلُوهُنَّ يُذْرِينَ التَرَابَ كَمَا يُذْرِي سَبائخَ قُطْنٍ نَدْفُ أوْتارُ (1)
وإنما عني بقوله: (إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلا) : إن لك في النهار سعة لقضاء حوائجك وقومك. والسبح والسبخ قريبا المعنى في هذا الموضع.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلا (8) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلا (9) وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلا (10) }
يقول تعالى ذكره: (وَاذْكُرْ) يا محمد (اسْمُ رَبِّكَ) فادعه به: (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلا) يقول: وانقطع إليه انقطاعا لحوائجك وعبادتك دون سائر الأشياء غيره، وهو من قولهم: تبتَّلتُ هذا الأمر؛ ومنه قيل لأمّ عيسى ابن مريم البتول، لانقطاعها إلى الله، ويقال للعابد المنقطع عن الدنيا وأسبابها إلى عبادة الله: قد تبتل؛ ومنه الخبر الذي رُوي
(1)
البيت للأخطل يذكر الكلاب (اللسان: سبخ) قال: التسبيخ: التخفيف. ويقال: "اللهم سبخ عني الحمى" أي: خففها وسهلها، ولهذا قيل لقطع القطن إذا ندف: سبائخ، ومنه قول الأخطل يذكر الكلاب: "فأرسلوهن.." البيت. وقال الفراء في معاني القرآن (الورقة 346) وقوله: (إن لك في النهار سبحا طويلا) يقول: لك في النهار ما تقضي حوائجك. وقد قرأ بعضهم: سبخا، بالخاء، والتسبيخ: توسعة الصوف والقطن وما أشبهه، يقال: سبخي قطنك. قال أبو العباس (ثعلب) : سمعت أبا عبد الله (ابن الأعرابي) يقول: حضر أبو زياد الكلابي مجلس الفراء في هذا اليوم، فسأله الفراء عن هذا الحرف، فقال: أهل باديتنا يقولون: اللهم سبخ عنه للمريض والملسوع ونحوه.

عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه نهى عن التبتُّل" .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلا) قال: أخلص له إخلاصا.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا يحيى، عن ابن أبي نجيح، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس: (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلا) قال: أخلص له إخلاصا.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلا) قال: أخلص له إخلاصا.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، مثله.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن مجاهد، مثله، إلا أنه قال: أخْلِصْ إليه.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلا) قال: أخلص إليه إخلاصا.
حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي يحيى المكي، في قوله: (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلا) قال: أخلص إليه إخلاصا.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلا) قال: أخلص إليه المسألة والدعاء.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن أبي زائدة، عن أشعث، عن الحسن، في قوله: (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلا) قال: بَتِّل نفسك واجتهد.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلا) يقول: أخلص له العبادة والدعوة.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، بنحوه.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلا) قال: أخلص إليه إخلاصا.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلا) قال: أي تفرّغ لعبادته، قال: تبتل فحبذا التبتل إلى الله، وقرأ قول الله: (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ) قال: إذا فرغت من الجهاد فانصب في عبادة الله (وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ) .
وقوله: (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة بالرفع على الابتداء، إذ كان ابتداء آية بعد أخرى تامة. وقرا ذلك عامة قرّاء الكوفة بالخفض على وجه النعت، والردّ على الهاء التي في قوله: (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ) .
والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان معروفتان قد قرأ بكلّ واحدة منهما علماء من القرّاء، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. ومعنى الكلام: ربّ المشرق والمغرب وما بينهما من العالم.
وقوله: (لا إِلَهَ إِلا هُوَ) يقول: لا ينبغي أن يُعبد إله سوى الله الذي هو ربّ المشرق والمغرب.
وقوله: (فَاتَّخِذْهُ وَكِيلا) فيما يأمرك وفوّض إليه أسبابك.
وقوله: (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلا) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: اصبر يا محمد على ما يقول المشركون من قومك لك، وعلى أذاهم، واهجرهم في الله هجرا جميلا. والهجر الجميل: هو الهجر في ذات الله، كما قال عزّ وجلّ: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) ... الآية، وقيل: إن ذلك نُسخ.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلا) براءة نسخت ما ههنا؛ أمر بقتالهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، لا يقبل منهم غيرها.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلا (11) إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالا وَجَحِيمًا (12) وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا (13) }
يعني تعالى ذكره بقوله: (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ) فدعني يا محمد والمكذّبين بآياتي (أُولِي النَّعْمَةِ) يعني أهل التنعم في الدنيا (وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلا) يقول: وأخرهم بالعذاب الذي بسطته لهم قليلا حتى يبلغ الكتاب أجله.
وذُكر أن الذي كان بين نزول هذه الآية وبين بدر يسير.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن محمد بن إسحاق، عن ابن عباد، عن أبيه، عن عباد، عن عبد الله بن الزبير، عن عائشة قالت: لما نزلت هذه الآية: (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلا إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالا وَجَحِيمًا) ... الآية، قال: لم يكن إلا يسير حتى كانت وقعة بدر.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال الله: (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلا) يقول: إن لله فيهم طَلبة وحاجة.
وقوله: (إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالا وَجَحِيمًا) يقول تعالى ذكره: إن عندنا لهؤلاء المكذِّبين بآياتنا أنكالا يعني قيودا، واحدها: نِكْل.
وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه، عن أبي عمرو، عن عكرِمة، أن الآية التي قال: (إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالا وَجَحِيمًا) إنها قيود.
حدثني عبيد بن أسباط بن محمد، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن أبي عمرو، عن عكرِمة (إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالا) قال: قُيودا.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى وعبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، قال: ثنا أبو عمرو، عن عكرمة (أَنْكَالا) قال: قيودا.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي عمرو، عن عكرمة (إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالا) قال: قيودا.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، قال: وبلغني عن مجاهد قال: الأنكال: القيود.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا ابن المبارك، عن سفيان، عن حماد، قال:
الأنكال: القيود.
حدثني محمد بن عيسى الدامغاني، قال: ثنا ابن المبارك، عن سفيان، عن حماد، مثله.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، قال: سمعت حمادا يقول: الأنكال: القيود.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 27-07-2025, 03:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,935
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ المزمل
الحلقة (1362)
صــ 691 الى صــ700




حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالا) : أي قيودا.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن مبارك، عن الحسن، عن سفيان، عن أبي عمرو بن العاص، عن عكرمة (إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالا) قال: قيودا.
حدثنا أبو عبيد الوَصَّابي محمد بن حفص، قال: ثنا ابن حمير، قال: ثنا الثوريّ، عن حماد، في قوله: (إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالا وَجَحِيمًا) قال: الأنكال: القيود.
حدثنا سعيد بن عنبسة الرازي، قال: مررت بابن السماك، وهو يَقُصّ وهو يقول: سمعت الثوري يقول: سمعت حمادا يقول في قوله الله: (إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالا) قال: قيودا سوداء من نار جهنم.
وقوله: (وَجَحِيمًا) يقول: ونارا تسعر (وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ) يقول: وطعاما يَغَصّ به آكله، فلا هو نازل عن حلقه، ولا هو خارج منه.
كما حدثني إسحاق بن وهب وابن سنان القزّاز قالا ثنا أبو عاصم، قال: ثنا شبيب بن بشر، عن عكرِمة، عن ابن عباس، في قوله: (وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ) قال: شوك يأخذ بالحلق، فلا يدخل ولا يخرج.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ) قال: شجرة الزقوم.
وقوله: (وَعَذَابًا أَلِيمًا) يقول: وعذابا مؤلما موجعا.
حدثني أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن حمزة الزيات، عن حُمْران بن أعين "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ: (إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالا وَجَحِيمًا وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ) فصعق صلى الله عليه وسلم."
القول في تأويل قوله تعالى: {يَوْمَ تَرْجُفُ الأرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلا (14) }
يقول تعالى ذكره: إن لدينا لهؤلاء المشركين من قريش الذين يؤذونك يا محمد العقوبات التي وصفها في يوم ترجف الأرض والجبال؛ ورُجْفان ذلك: اضطرابه بمن عليه، وذلك يوم القيامة.
وقوله: (وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلا) يقول: وكانت الجبال رملا سائلا متناثرًا.
والمهيل: مفعول من قول القائل: هلت الرمل فأنا أهيله، وذلك إذا حُرِّك أسفله، فانهال عليه من أعلاه؛ وللعرب في ذلك لغتان، تقول: مهيل ومهيول، ومكيل ومكيول؛ ومنه قول الشاعر:
قدْ كانَ قَوْمُكَ يَحْسَبُونَكَ سَيِّدا وإخالُ أنَّكَ سَيِّدٌ مَغْيُونُ (1)
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلا) يقول: الرمل السائل.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلا) قال: الكثيب المهيل: اللين الذي إذا مسسته تتابع.
(1)
البيت لعباس بن مرداس السلمي (شرح شواهد شافية ابن الحاجب لعبد القادر البغدادي طبع القاهرة 389) . قال البغدادي: "مغيون، بالغين المعجمة: اسم مفعول من قولهم: غين على قلبه، أي غطى عليه، وفي الحديث:" إنه ليغان على قلبي "ولكن الناس ينشدونه بالباء، وهو تصحيف، وقد روى بالعين غير المعجمة أي: مصاب بالعين. والأول هو الوجه. وكلاهما مما جاء فيه التصحيح وإن كان الاعتلال فيه أكثر، كقولهم: طعام مزيوت، وبر مكيول، وثوب مخيوط؛ والقياس: مغين، ومزيت، ومكيل، ومخيط، حملا على غين، وزيت، وكيل، وخيط. قال أبو علي: ولو جاء التصحيح فيما كان من الواو لم ينكر، وقد صححوا أحرفا من ذوات الواو؛ قالوا: مسك مدوون، وثوب مصووف، وفرس مقوود. قال: وإنما صح اسم المفعول من هذا التركيب فخالف بذلك اسم الفاعل؛ لأن اسم المفعول غير جار على فعله في حركاته وسكونه، كما تجري أسماء الفاعلين على أفعالها؛ خالف اسم المفعول فعله فيما ذكرناه، خالفه في إعلاله. اهـ."

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (كَثِيبًا مَهِيلا) قال: ينهال.
القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولا (15) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلا (16) }
يقول تعالى ذكره: (إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ) أيها الناس (رَسُولا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ) بإجابة من أجاب منكم دعوتي، وامتناع من امتنع منكم من الإجابة، يوم تلقوني في القيامة (كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولا) يقول: مثل إرسالنا من قبلكم إلى فرعون مصر رسولا بدعائه إلى الحقّ، (فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ) الذي أرسلناه إليه (فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلا) يقول: فأخذناه أخذا شديدا، فأهلكناه ومن معه جميعا، وهو من قولهم: كلأ مستوبل، إذا كان لا يستمرأ، وكذلك الطعام.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (أَخْذًا وَبِيلا) قال: شديدا.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (أَخْذًا وَبِيلا) قال: شديدا.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: (فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلا) أي شديدًا.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (أَخْذًا وَبِيلا) قال: شديدا.
حدثني يونس، قال: اخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: (فَأَخَذْنَاهُ
أَخْذًا وَبِيلا) قال: الوبيل: الشرّ، والعرب تقول لمن تتابع عليه الشرّ: لقد أوبل عليه، وتقول: أوبلت على شرّك، قال: ولم يرض الله بأن غُرِّق وعُذّب حتى اقرّ في عذاب مستقرّ حتى يُبعث إلى النار يوم القيامة، يريد فرعون.
القول في تأويل قوله تعالى: {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا (17) السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولا (18) }
يقول تعالى ذكره للمشركين به: فكيف تخافون أيها الناس يوما يجعل الولدان شيبا إن كفرتم بالله، ولم تصدّقوا به. وذُكر أن ذلك كذلك في قراءة عبد الله بن مسعود.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: (فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا) يقول: كيف تتقون يوما، وأنتم قد كفرتم به ولا تصدّقون به.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة: (فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ) قال: والله لا يتقي من كفر بالله ذلك اليوم.
وقوله: (يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا) يعني يوم القيامة، وإنما تشيب الولدان من شدّة هوله وكربه.
كما حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا) كان ابن مسعود يقول: "إذا كان يومُ القيامة دعا رُّبنا المَلِكُ آدم، فيقول: يا آدم قم فابعث بعث النار، فيقول آدم: أي رب لا علم لي إلا ما علمتني، فيقول الله له: أخرج من كلّ ألف تسع مئة وتسعة وتسعين، فيُساقون إلى النار سُودا مقرّنين، زُرقا كالِحِين، فيشيب هنالك كلّ وليد" .
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: (يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا) قال: تشيب الصغار من كرب ذلك اليوم.
وقوله: (السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ) يقول تعالى ذكره: السماء مثقلة بذلك اليوم
متصدّعة متشققة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ) يعني: تشقَّق السماء حين ينزل الرحمن جلّ وعزّ.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (مُنْفَطِرٌ بِهِ) قال: مثقلة به.
حدثنا أبو حفص الحيري، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا أبو مودود، عن الحسن، في قوله: (السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ) قال: مثقلة محزونة يوم القيامة.
حدثني عليّ بن سهل، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا أبو مودود بحر بن موسى، قال: سمعت ابن أبي عليّ يقول في هذه الآية، ثم ذكر نحوه.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرِمة (السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ) قال: مثقلة به.
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا أبو رجاء، عن الحسن، في قوله: (السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ) قال: موقرة مثقلة.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ) يقول: مثقل به ذلك اليوم.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: (السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ) قال: هذا يوم القيامة، فجعل الولدان شيبا، ويوم تنفطر السماء، وقرأ: (إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ) وقال: هذا كله يوم القيامة.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن جابر، عن عبد الله بن يحيى، عن عكرمة، عن ابن عباس (السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ) قال: ممتلئة به، بلسان الحبشة.
حدثنا مهران، عن سفيان، عن جابر، عن عكرِمة، ولم يسمعه عن ابن عباس (السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ) قال: ممتلئة به.
وذُكرت السماء في هذا الموضع لأن العرب تذكرها وتؤنثها، فمن ذكرها وجهها إلى السقف، كما يقال: هذا سماء البيت: لسقفه. وقد يجوز أن يكون تذكيرهم إياها لأنها من الأسماء التي لا فصل فيها بين مؤنثها ومذكرها؛ ومن التذكير قول الشاعر:
فَلَوْ رَفَعَ السَّمَاء إلَيْهِ قَوْما لحَقْنا بالسَّماءِ مَعَ السَّحابِ (1)
وقوله: (كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولا) يقول تعالى ذكره: كان ما وعد الله من أمر أن يفعله مفعولا لأنه لا يخلف وعده، وما وعد أن يفعله تكوينه يوم تكون الولدان شيبا يقول: فاحذروا ذلك اليوم أيها الناس، فإنه كائن لا محالة.
(1)
البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن (الورقة 346) قال: وقوله: (السماء منفطر به) بذلك اليوم. والسماء تذكر وتؤنث، فهي هاهنا في وجه التذكير؛ قال الشاعر: "ولو رفع السماء.." البيت. وقال أبو عبيدة في مجاز القرآن (الورقة 181) : (السماء منفطر به) قال أبو عمرو: ألقى الهاء؛ لأن مجازها السقف، تقول: هذا سماء البيت. وقال قوم: قد تلقى العرب من المؤنث الهاءات استغناء عنها، يقال: مهرة ضامر، وامرأة طالق، والمعنى: منفطرة.

القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لأنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20) }
يعني تعالى ذكره بقوله: إن هذه الآيات التي ذكر فيها أمر القيامة وأهوالها،
وما هو فاعل فيها بأهل الكفر تَذْكِرَةً يقول: عبرة وعظة لمن اعتبر بها واتعظ (فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا) يقول: فمن شاء من الخلق اتخذ إلى ربه طريقًا بالإيمان به، والعمل بطاعته.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ) يعني: القرآن (فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا) بطاعة الله.
وقوله: (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ) يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: إن ربك يا محمد يعلم أنك تقوم أقرب من ثلثي الليل مصليا، ونصفه وثلثه.
اختلفت القرّاء في قراءة ذلك: فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة بالخفض؛ ونصفه وثلثه بمعنى: وأدنى من نصفه وثلثه، إنكم لم تطيقوا العمل بما افترض عليكم من قيام الليل، فقوموا أدنى من ثلثي الليل ومن نصفه وثلثه. وقرأ ذلك بعض قرّاء مكة وعامة قرّاء الكوفة بالنصب، بمعنى: إنك تقوم أدنى من ثلثي الليل وتقوم نصفه وثلثه.
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب وقوله: (وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ) يعني: من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين كانوا مؤمنين بالله حين فرض عليهم قيام الليل.
وقوله: (وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ) بالساعات والأوقات.
وقوله: (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ) يقول: علم ربكم أيها القوم الذين فرض عليهم قيام الليل أن لن تطيقوا قيامه (فَتَابَ عَلَيْكُمْ) إذ عجزتم وضعفتم عنه، ورجع بكم إلى التخفيف عنكم.
وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: (أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ) قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا هشيم، عن عباد بن راشد، عن الحسن (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ) أن لن تطيقوه.
حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرني به عباد بن راشد، قال: سمعت الحسن يقول في قوله: (أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ) قال: لن تطيقوه.
حدثنا عن ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد (عَلِمَ أَنْ لَنْ
تُحْصُوهُ) يقول: أن لن تطيقوه.
قال ثنا مهران، عن سفيان (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ) قال: أن لن تطيقوه.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا عطاء بن السائب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خَلتانِ لا يُحْصِيهُما رَجلٌ مُسْلمٌ إلا أدْخَلَتاهُ الجَنةَ، وَهُما يَسِيرٌ، وَمَنْ يَعْمَلْ بِهما قَلِيلٌ، يُسَبِّحُ الله فِي دُبُرِ كُلّ صَلاةٍ عَشْرا، ويَحْمَدُهُ عَشرا، ويُكَبّرُهُ عَشْرا" قال: فأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقدها بيده، قال: "فَتِلكَ خَمْسُونَ وَمِئَةٍ باللِّسانِ، وألْفٌ وخَمْس مِئَةٍ فِي المِيزَانِ، وَإذَا أوَى إلى فِراشِهِ سَبحَ وحَمَد وكَبر مِئَة؛ قال: فَتِلكَ مِئَةٌ باللِّسانِ، وألْفٌ فِي المِيزَانِ، فأيُّكُمْ يَعْمَلُ فِي اليَوْمِ الوَاحِدِ أَلْفَينِ وخَمْسَ مِئَةِ سَيِّئَةٍ؟" قالوا: فكيف لا نحصيهما؟ قال: "يأتي أحَدَكُمُ الشيْطانُ وَهُوَ فِي صَلاتِهِ فَيَقُولُ: اذْكرْ كَذَا، اذْكُرْ كَذَا حتى يَنْفَتلَ، وَلَعَلهُ لا يَعْقِل، ويأْتِيهِ وَهُوَ فِي مَضْجَعِهِ فَلا يَزَالُ يُنَوّمهُ حتى يَنامَ" .
حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا أبو نعيم، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نحوه.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ) قيام الليل كتب عليكم (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) .
وقوله: (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) يقول: فاقرءوا من الليل ما تيسر لكم من القرآن في صلاتكم؛ وهذا تخفيف من الله عزّ وجلّ عن عباده فرضه الذي كان فرض عليهم بقوله: (قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا) .
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء محمد، قال. قلت للحسن: يا أبا سعيد ما تقول في رجل قد استظهر القرآن كله عن ظهر قلبه، فلا يقوم به، إنما يصلي المكتوبة، قال: يتوسد القرآن، لعن الله ذاك؛ قال الله للعبد الصالح: (وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ) (وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ) قلت: يا أبا سعيد قال الله: (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) قال: نعم، ولو خمسين آية.
حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا وكيع، عن عشمان الهمداني، عن السديّ، في قوله: (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) قال: مئة آية.
قال: ثنا وكيع، عن ربيع، عن الحسن، قال: من قرأ مئة آية في ليلة لم
يحاجه القرآن.
قال ثنا وكيع، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن كعب، قال: من قرأ في ليلة مئة آية كُتب من العابدين.
وقوله: (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ) يقول تعالى ذكره: علم ربكم أيها المؤمنون أن سيكون منكم أهل مرض قد أضعفه المرض عن قيام الليل (وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأرْضِ) في سفر (يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ) في تجارة قد سافروا لطلب المعاش فأعجزهم، فأضعفهم أيضا عن قيام الليل (وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) يقول: وآخرون أيضا منكم يجاهدون العدوّ فيقاتلونهم في نُصرة دين الله، فرحمكم الله فخفف عنكم، ووضع عنكم فرض قيام الليل (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ) يقول: فاقرءوا الآن إذ خفف ذلك عنكم من الليل في صلاتكم ما تيسَّر من القرآن. والهاء قي قوله "منه" من ذكر القرآن.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: ثم أنبأ بخصال المؤمنين، فقال: (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ) قال: افترض الله القيام في أوّل هذه السورة، فقام نبيّ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولا حتى انتفخت أقدامهم، وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهرا في السماء، ثم أنزل التخفيف في آخرها فصار قيام الليل تطوّعا بعد فريضة (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) يقول: وأقيموا المفروضة وهي الصلوات الخمس في اليوم والليلة (وَآتُوا الزَّكَاةَ) يقول: وأعطوا الزكاة المفروضة في أموالكم أهلها.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) فهما فريضتان واجبتان، لا رخصة لأحد فيهما، فأدّوهما إلى الله تعالى ذكره.
وقوله: (وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا) يقول: وأنفقوا في سبيل الله من أموالكم.
وكان ابن زيد يقول في ذلك ما حدثني به يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا) قال: القرض: النوافل سوى الزكاة.
وقوله: (وَمَا تُقَدِّمُوا لأنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا) يقول: وما تقدّموا أيها المؤمنون لأنفسكم في دار الدنيا من صدقة أو نفقة تنفقونها في سبيل الله، أو غير ذلك من نفقة في وجوه الخير، أو عمل بطاعة الله من صلاة أو صيام أو حجّ، أو غير ذلك من أعمال الخير في طلب ما عند الله، تجدوه عند الله يوم القيامة في معادكم، هو خيرا لكم مما قدمتم في الدنيا، وأعظم منه ثوابا: أي ثوابه أعظم من ذلك الذي قدّمتموه لو لم تكونوا قدّمتموه (وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ) يقول تعالى ذكره: وسلوا الله غفران ذنوبكم يصفح لكم عنها (إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) يقول: إن الله ذو مغفرة لذنوب من تاب من عباده من ذنوبه، وذو رحمة أن يعاقبهم عليها من بعد توبتهم منها.
آخر تفسير سورة المزمل.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 27-07-2025, 03:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,935
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد






تفسير سورة المدثر



بسم الله الرحمن الرحيم
القول في تأويل قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7) }
يقول جلّ ثناؤه: (يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) يأيها المتدثر بثيابه عند نومه.
وذُكر أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم قيل له ذلك، وهو متدثر بقطيفة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة، عن المغيرة، عن إبراهيم (يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) قال: كان متدثرا في قطيفة.
وذُكر أن هذه الآية أول شيء نزل من القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه قيل له: (يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) .
كما حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا يونس، عن ابن شهاب، قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، أن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدّث عن فترة الوحي: "بَيْنا أنا أمْشِي سَمِعْت صَوْتا مِنَ السَّماءِ، فَرَفَعْتُ رأسِي، فإذَا المَلَك الَّذِي جاءَنِي بحرَاءَ جالِسٌ عَلى كُرْسِي بَينَ السَّماءِ والأرْضِ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" فَجُثِثْتُ مِنْهُ فَرَقا (1) ، وجِئْتُ أهْلِي فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي، فدَثَّرُونِي "فأنزل الله (يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ..) إلى قوله: (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) قال: ثم تتابع الوحي."
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا الوليد بن مسلم، قال: ثنا الأوزاعي، قال: ثني
(1)
الحديث 195 - وهذا إسناد صحيح أيضًا. مري بن قطري الكوفي: ذكره ابن حبان في الثقات، وترجمه البخاري في الكبير 4 / 2 / 57، وقال: "سمع عدي بن حاتم، روى عنه سماك بن حرب، يعد في الكوفيين" . و "مري" : بضم الميم وتشديد الراء المكسورة مع تشديد الياء. و "قطري" بفتح القاف والطاء وبعد الراء ياء مشددة. وبعضه سيأتي أيضًا بالإسناد نفسه 209.

وهذا الحديث عن عدي بن حاتم: أصله قصة مطولة في إسلامه. فرواه -بطوله- أحمد في المسند 4: 378 - 379 عن محمد بن جعفر عن شعبة، بالإسناد السابق 194. . ورواه الترمذي 4: 67 من طريق عمرو بن أبي قيس عن سماك عن عباد بن حبيش عن عدي. وقال: "هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث سماك بن حرب. وروى شعبة عن سماك بن حرب عن عباد بن حبيش عن عدي بن حاتم عن النبي صلى الله عليه وسلم - الحديث بطوله" . وروى بعضه الطيالسي في مسنده: 1040 عن عمرو بن ثابت "عمن سمع عدي بن حاتم" . وقد تبين لنا من روايات الطبري هنا أن سماك بن حرب سمعه من عباد بن حبيش ومن مري بن قطري، كلاهما عن عدي، وأن سماك بن حرب لم ينفرد بروايته أيضًا، إذ رواه إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن عدي. وأن لم يعرفه الترمذي إلا من حديث سماك - لا ينفي أن يعرفه غيره من وجه آخر. وذكره ابن كثير 1: 54 من رواية أحمد في المسند، وأشار إلى رواية الترمذي، وإلى روايات الطبري هنا، ثم قال: "وقد روى حديث عدي هذا من طرق، وله ألفاظ كثيرة يطول ذكرها" . وذكره الحافظ في الإصابة، في ترجمة عدي 2: 229 من رواية أحمد والترمذي. وذكر السيوطي منه 1: 16 تفسير الحرفين، ونسبه أيضًا لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان في صحيحه. وكذلك صنع الشوكاني 1: 15.
يحيى بن أبي كثير، قال: سألت أبا سلمة: أيّ القرآن أُنزل أوّل، فقال: (يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) فقلت: يقولون (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) ، فقال أبو سلمة: سألت جابر بن عبد الله: أيّ القرآن أنزل أوّل؟ فقال: (يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) ، فقلت: يقولون: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) فقال: لا أخبرك إلا ما حدثنا النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: جاورت في حِراء؛ فلما قضيت جواري هبطت، فاستبطنت الوادي، فنوديت، فنظرت عن يميني وعن شمالي وخلفي وقدّامي، فلم أر شيئا، فنظرت فوق رأسي فإذا هو جالس على عرش بين السماء والأرض، فخشيت منه، هكذا قال عثمان بن عمرو، إنما هو: فجثثت منه، ولقيت خديجة، فقلت دثروني، فدثروني، وصبوا عليّ ماءً، فأنزل الله عليّ (يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ) .
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن عليّ بن مبارك، عن يحيى بن أبي كثير، قال سألت أبا سلمة عن أوّل ما نزل من القرآن، قال: نزلت (يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) أوّل؛ قال: قلت: إنهم يقولون (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) ، فقال: سألت جابر بن عبد الله، فقال: لا أحدّثك إلا ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "جاوَرْتُ بِحِراء؛ فلمَّا قَضَيْتُ جِوَارِي هَبَطْتُ، فَسَمِعْتُ صَوْتًا، فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي فَلمْ أرَ شَيْئا، وَنَظَرْتُ خَلْفِي فَلَمْ أرَ شَيْئا، فَرَفَعْتُ رأسي فرأيْتُ شَيْئا، فأتَيْتُ خَدِيجَةَ، فَقُلْتُ: دَثِّرُونِي وَصبُّوا عَليَّ ماء بارِدًا، فنزلت (يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) ."
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهريّ، قال: فتر الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فترة، فحزن حزنًا، فجعل يعدو إلى شواهق رءوس الجبال ليتردّى منها، فكلما أوفى بذروة جبل تبدّى له جبريل عليه السلام فيقول: إنك نبيّ الله، فيسكن جأشه، وتسكن نفسه، فكان النبيّ صلى الله عليه وسلم يحدث عن ذلك، قال: "بَيْنَما أنا أَمْشِي يَوْما إذ رأيْتُ المَلَكَ الَّذِي كان يأتِيني بِحرَاءَ على كُرْسِيّ بَينَ السَّماءِ والأرْضِ، فَجَثَثْتُ مِنْهُ رُعْبا، فَرَجَعْتُ إلى خَدِيجَةَ فَقُلْتُ:" زَمِّلُونِي "، فزملناه: أي فدثرناه، فأنزل الله: (يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّر) قال الزهري: فكان أوّل شيء أنزل عليه: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ... ) حتى بلغ (مَا لَمْ يَعْلَمْ) ."
واختلف أهل التأويل في معنى قوله: (يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) ، فقال بعضهم: معنى
ذلك: يأيُّها النائم في ثيابه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) قال: يأيها النائم.
حدثنا بشر، ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) يقول: المتدثر في ثيابه.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: يأيُّها المتدثر النبوّة وأثقالها.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الأعلى، قال: وسُئل داود عن هذه الآية (يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) فحدثنا عن عكرِمة أنه قال: دثِّرت هذا الأمر فقم به.
وقوله: (قُمْ فَأَنْذِرْ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قم من نومك فأنذر عذاب الله قومك الذين أشركوا بالله، وعبدوا غيره.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (قُمْ فَأَنْذِرْ) : أي أنذر عذاب الله ووقائعه في الأمم، وشدّة نقمته.
وقوله: (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) يقول تعالى ذكره: وربك يا محمد فعظم بعبادته، والرغبة إليه في حاجاتك دون غيره من الآلهة والأنداد.
وقوله: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: لا تلبس ثيابك على معصية، ولا على غدرة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) قال: أما سمعت قول غَيلان بن سَلَمة:
وإنّي بِحَمْدِ اللهِ لا ثَوْبَ فاجِرٍ
لَبِسْتُ وَلا مِنْ غَدْرَةٍ أتَقَنَّعُ (1)
(1)
الحديث 196 - حميد بن مسعدة السامي، شيخ الطبري: هو "السامي" بالسين المهملة، نص على ذلك الحافظ ابن حجر في التقريب. وهو نسبة إلى "سامة بن لؤي بن غالب" . ووقع في نسخ الطبري -هنا وفيما يأتي 210- "الشامي" بالمعجمة، وهو تصحيف. و "الجريري" ، بضم الجيم: هو سعيد بن إياس البصري. و "عبد الله بن شقيق العقيلي" ، بضم العين وفتح القاف: تابعي كبير ثقة. وهذا الإسناد مرسل، لقول عبد الله بن شقيق: "أن رجلا" . وسيأتي مرسلا أيضًا 197، 199 ولكنه سيأتي موصولا 198.

حدثنا أبو كُريب: قال: ثنا مُصْعَب بن سلام، عن الأجلح، عن عكرِمة، عن ابن عباس، قال: أتاه رجل وأنا جالس فقال: أرأيت قول الله: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) قال: لا تلبسها على معصية ولا على غدرة، ثم قال: أما سمعت قول غيلان بن سلمة الثقفيّ:
وإنّي بِحَمْدِ اللهِ لا ثَوْبَ فاجِرٍ
لَبِسْتُ وَلا مِنْ غَدْرَةٍ أتَقَنَّعُ
حدثنا سعيد بن يحيى، قال: ثنا حفص بن غياث، عن الأجلح، عن عكرِمة، قوله: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) قال: لا تلبسها على غدرة، ولا على فجرة ثم تمثَّل بشعر غيلان بن سلمة هذا.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، قال: ثنا سفيان، عن الأجلح بن عبد الله الكندي، عن عكرِمة (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) قال: لا تلبس ثيابك على معصية، ألم تسمع قول غيلان بن سَلَمَة الثقفيّ:
وإنّي بِحَمْدِ اللهِ لا ثَوْبَ فاجِرٍ
لَبِسْتُ وَلا مِنْ غَدْرَةٍ أتَقَنَّعُ
حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: ثنا حجاج، قال ابن جريج: أخبرني عطاء، أنه سمع ابن عباس يقول: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) قال: من الإثم، ثم قال: نقيّ الثياب في كلام العرب.
حدثنا سعيد بن يحيى، قال: ثنا حفص بن غياث القاضي، عن ابن جُرَيج، عن عطاء، عن ابن عباس، قوله: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) قال: في كلام العرب: نقيّ الثياب.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة، عن مغيرة، عن إبراهيم (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) قال: من الذنوب.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) قال: من الذنوب.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) قال: هي كلمة من العربية كانت العرب تقولها: طهر ثيابك: أي من الذنوب.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) يقول: طهرها من المعاصي، فكانت العرب تسمي الرجل إذا نكث ولم يف بعهد أنه دَنِسَ الثياب، وإذا وفى وأصلح قالوا: مطهَّر الثياب.
حدثنا ابن حميد، قال ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) قال: من الإثم.
قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) قال: من الإثم.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) يقول: لا تلبس ثيابك على معصية.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن جُريج، عن عطاء، عن ابن عباس (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) قال: من الإثم.
قال ثنا وكيع، عن سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: من الإثم.
قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن الأجلح، سمع عكرمة قال: لا تلبس ثيابك على معصية.
قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن جابر، عن عامر وعطاء قالا من الخطايا.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: لا تلبس ثيابك من مكسب غير طيب.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) قال: لا تكن ثيابك التي تلبس من مكسب غير طائب، ويقال: لا تلبس ثيابك على معصية.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أصلح عملك.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي، قال: ثنا فضيل بن عياض، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) قال: عملك فأصلح.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن أبي رَزِين في قوله: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) قال: عملك فأصلحه، وكان الرجل إذا كان خبيث العمل، قالوا: فلان خبيث الثياب، وإذا كان حسن العمل قالوا: فلان طاهر الثياب.
وقال آخرون في ذلك ما حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) قال: لست بكاهن ولا ساحر، فأعرض عما قالوا.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: اغسلها بالماء، وطهرها من النجاسة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عباس بن أبي طالب، قال: ثنا عليّ بن عبد الله بن جعفر، عن أحمد بن موسى بن أبى مريم صاحب اللؤلؤ، قال: أخبرنا ابن عون، عن محمد بن سيرين (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) قال: اغسلها بالماء.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) قال: كان المشركون لا يتطهرون، فأمره أن يتطهر، ويطهِّر ثيابه.
وهذا القول الذي قاله ابن سيرين وابن زيد في ذلك أظهر معانيه، والذي قاله ابن عباس، وعكرمة وابن زكريا قول عليه أكثر السلف من أنه عُنِيَ به: جسمك فطهر من الذنوب، والله أعلم بمراده من ذلك.
(وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأه بعض قرّاء المدينة وعامة قرّاء الكوفة: (والرِّجْزَ) بكسر الراء، وقرأه بعض المكيين والمدنيين (وَالرُّجْزَ) بضم الراء، فمن ضمّ الراء وجهه إلى الأوثان، وقال: معنى الكلام: والأوثان فاهجر عبادتها، واترك خدمتها، ومن كسر الراء وجَّهه إلى العذاب، وقال: معناه: والعذاب فاهجر، أي ما أوجب لك العذاب من الأعمال فاهجر.
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، والضمّ والكسر في ذلك لغتان بمعنى واحد، ولم نجد أحدًا من متقدّمي أهل التأويل فرّق بين تأويل ذلك، وإنما فرّق بين ذلك فيما بلغنا الكسائيّ.
واختلف أهل التأويل في معنى (الرُّجْزُ) في هذا الموضع، فقال بعضهم: هو الأصنام.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) يقول: السخط وهو الأصنام.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) قال: الأوثان.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل - قال أبو جعفر: أحسبه أنا - عن جابرٍ، عن مجاهد وعكرِمة (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) قال: الأوثان.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) : إساف ونائلة، وهما صنمان كانا عند البيت يمسح وجوههما من أتى عليهما، فأمر الله نبيَّهُ صلى الله عليه وسلم أن يجتنبهما ويعتزلهما.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهريّ (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) قال: هي الأوثان.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) قال: الرجز: آلهتهم التي كانوا يعبدون؛ أمره أن يهجرها، فلا يأتيها، ولا يقربها.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: والمعصية والإثم فاهجر.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) قال: الإثم.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) يقول: اهجر المعصية. وقد بيَّنا معنى الرجز فيما مضى بشواهده المغنية عن إعادتها في هذا الموضع.
وقوله: (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: ولا تعط يا محمد عطية لتعطى أكثر منها.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثنى أبي،
عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) قال: لا تُعط عطية تلتمس بها أفضل منها.
حدثنا أبو حميد الحمصي أحمد بن المُغيرة، قال: ثني أبو حيوة شريح بن يزيد الحضرميّ، قال: ثني أرطاة عن ضمرة بن حبيب وأبي الأحوص في قوله: (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) قال: لا تعط شيئا، لتُعْطَى أكثر منه.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن عكرِمة، في قوله: (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) قال: لا تعط شيئا لتُعْطَى أكثر منه.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، قال: أخبرني من سمع عكرِمة يقول: (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) قال: لا تعط العطية لتريد أن تأخذ أكثر منها.
حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي، قال: ثنا فضيل، عن منصور، عن إبراهيم (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) قال: لا تعط كيما تَزداد.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا سفيان، عن مُغيرة، عن إبراهيم، في قوله: (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) قال: لا تعط شيئا لتأخذ أكثر منه.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سلمة، عن الضحاك (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) قال: لا تعطِ لتُعْطَى أكثر منه.
قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم، في قوله: (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) قال: لا تعطِ لتُعْطَى أكثر منه.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، في قوله: (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) قال: لا تعط شيئا لتزداد.
حدثنا أبو كُرَيْبٍ قال: ثنا وكيع، عن ابن أبي روّاد، عن الضحاك، قال: هو الربا الحلال، كان للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة.
حدثنا أبو كُرَيْبٍ، قال: ثنا وكيع، عن أبي حجيرة، عن الضحاك، هما رِبَوان: حلال، وحرام؛ فأما الحلال: فالهدايا، والحرام: فالربا.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) يقول: لا تعطِ شيئا، إنما بك مجازاة الدنيا ومعارضها.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (وَلا تَمْنُنْ
تَسْتَكْثِرُ) قال: لا تعط شيئا لتثاب أفضل منه، وقاله أيضا طاوس.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) قال: تعطي مالا مصانعة رجاء أفضل منه من الثواب في الدنيا.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: لا تعط لتُعْطى أكثر منه.
قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) قال: لا تعط لتزداد.
قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن رجل، عن الضحاك بن مزاحم (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) قال: هي للنبيّ صلى الله عليه وسلم خاصّة، وللناس عامَّة مُوَسَّع عليهم.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولا تمنن عملك على ربك تستكثر.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا مجاهد بن موسى، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سفيان بن حسين، عن الحسن، في قوله: (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) قال: لا تمنن عملك تستكثره على ربك.
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا هوذة، قال: ثنا عوف، عن الحسن (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) قال: لا تمنن تستكثر عملك.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا يونس بن نافع أبو غانم، عن أبي سهل كثير بن زياد، عن الحسن (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) يقول: لا تمنن تستكثر عملك الصالح.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) قال: لا يكثر عملك في عينك، فإنه فيما أنعم الله عليك وأعطاك قليل.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: لا تضعف أن تستكثر من الخير. ووجَّهوا معنى قوله: (وَلا تَمْنُنْ) أي لا تضعف، من قولهم: حبل منين: إذا كان ضعيفا.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو حميد بن المغيرة الحمصي، قال: ثنا عبد الله بن عمرو، قال: ثنا
محمد بن سلمة، عن خَصِيف عن مجاهد، في قوله: (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) قال: لا تضعف أن تستكثر من الخير، قال: تمنن في كلام العرب: تضعف.
وقال آخرون في ذلك: لا تمنن بالنبوّة على الناس، تأخذ عليه منهم أجرًا.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) قال: لا تمنن بالنبوّة والقرآن الذي أرسلناك به تستكثرهم به، تأخذ عليه عوضا من الدنيا.
وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب في ذلك قول من قال: معنى ذلك: ولا تمنن على ربك من أن تستكثر عملك الصالح.
وإنما قلت ذلك أولى بالصواب، لأن ذلك في سياق آيات تقدم فيهنّ أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالجدّ في الدعاء إليه، والصبر على ما يَلْقَى من الأذى فيه، فهذه بأن تكون من أنواع تلك، أشبه منها بأن تكون من غيرها. وذُكر عن عبد الله بن مسعود أن ذلك في قراءته (ولا تمنن أن (1) تستكثر) .
وقوله: (وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) يقول تعالى ذكره: ولربك فاصبر على ما لقيت فيه من المكروه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل على اختلاف فيه بين أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) قال: على ما أوتيت.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) قال: حمل أمرًا عظيما محاربة العرب، ثم العجم من بعد العرب في الله.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولربك فاصبر على عطيتك.
(1)
الحديث 198 - بديل، بضم الباء الموحدة وفتح الدال المهملة: هو ابن ميسرة العقيلي، وهو تابعي ثقة. وهذه الرواية متصلة بإسناد صحيح. لأن عبد الله بن شقيق صرح فيها بانه أخبره "من سمع النبي صلى الله عليه وسلم" ، وجهالة الصحابي لا تضر، كما هو معروف. والوصل بذكر الصحابي المبهم - زيادة من الثقة، فهي مقبولة.

وقد ذكر ابن كثير 1: 54 - 55 هذه الرواية الموصولة، ثم أشار إلى الروايات الثلاث المرسلة، ثم قال: "ووقع في رواية عروة تسمية: عبد الله بن عمرو، فالله أعلم" . ولكنه لم يذكر من خرج رواية عروة التي يشير إليها. ثم قال ابن كثير: "وقد روى ابن مردويه من حديث إبراهيم بن طهمان عن بديل بن ميسرة عن عبد الله بن شقيق عن أبي ذر، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المغضوب عليهم، قال: اليهود، قلت: الضالين؟ قال: النصارى" . وأشار الحافظ في الفتح 8: 122 إلى رواية ابن مردويه هذه عن أبي ذر "بإسناد حسن" . وذكر أيضًا أن رواية عبد الله بن شقيق الموصولة "أنه أخبره من سمع النبي صلى الله عليه وسلم" - رواها أحمد. وهذه الروايات أيضًا عند السيوطي 1: 16، والشوكاني 1: 14 - 15. وسيأتي تفسير (الضالين) بهذه الأسانيد 210، 211، 212، 213. وسيأتي في 211 بيان من عروة الذي في الإسناد 197.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم (وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) قال: اصبر على عطيتك.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: اصبر على عطيتك لله.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم، في قوله: (وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) قال: عطيتك اصبر عليها.
القول في تأويل قوله تعالى: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8) فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10) ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالا مَمْدُودًا (12) } .
يعني جل ثناؤه بقوله: (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ) فذلك يومئذ يوم شديد.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن فضيل وأسباط، عن مطرِّف، عن عطية العوفيِّ، عن ابن عباس، في قوله: (فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كَيْفَ أنْعَمُ وَصَاحِبُ القَرْنِ قَدِ الْتَقَمَ القَرْنَ وَحَنَى جَبْهَتَهُ يَسْتَمعُ مَتَى يُؤْمَرُ يَنْفُخُ فِيهِ" ، فقال أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف نقول؟ فقال: تقولون: حَسْبُنا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ، عَلى اللهِ تَوَكَّلْنا "."
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا أبو رجاء، عن عكرِمة، في قوله: (فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ) قال: إذا نُفخ في الصور.
حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله، قال: ثنا شعبة، عن أبي رجاء، عن عكرِمة، في قوله: (فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ) مثله.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن شريك، عن جابر، عن مجاهد (فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ) قال: إذا نُفخ في الصور.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ) قال: في الصور، قال: هو شيء كهيئة البوق.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ) قال: هو يوم يُنفخ في الصور الذي ينفخ فيه، قال ابن عباس: إن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى أصحابه، فقال: "كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ القَرْنِ قَدِ الْتَقَمَ القَرْنَ، وَحَنَى جَبْهَتَهُ، ثُمَّ أقْبَلَ بأُذُنِهِ يَسْتَمِعُ مَتى يُؤْمَرُ بالصَّيْحَة؟ فاشتدّ ذلك على أصحابه، فأمرهم أن يقولوا: حَسْبُنا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ، على اللهِ تَوَكَّلْنا" .
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ) يقول: الصور.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، قال الحسن: (فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ) قال: إذا نُفخ في الصُّور.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ) والناقور: الصور، والصور: الخلق.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله:: (فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ) يعني: الصُّور.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن أبي جعفر، عن الربيع، قوله: (فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ) قال: الناقور: الصور.
حدثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع، مثله.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ) قال: الصور.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ) يقول: شديد.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 27-07-2025, 03:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,935
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ المدثر
الحلقة (1364)
صــ 19 الى صــ30







حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال الله تعالى ذكره (فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ) فبين الله على من يقع (عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ) .
وقوله: (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: كِلْ يا محمد أمر الذي خلقته في بطن أمه وحيدًا، لا شيء له من مال ولا ولد إليّ.
وذُكر أنه عُنِي بذلك: الوليد بن المغيرة المخزومي.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا سفيان، قال: ثنا وكيع، قال: ثنا يُونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، مولى زيد، عن سعيد بن جُبير أو عكرِمة، عن ابن عباس، قال: أنزل الله في الوليد بن المغيرة قوله: (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا) وقوله: (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ... ) إلى آخرها.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا) قال: خلقته وحده ليس معه مال ولا ولد.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن محمد بن شريك، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا) قال: نزلت في الوليد بن المغيرة، وكذلك الخلق كلهم.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا) وهو الوليد بن المغيرة، أخرجه الله من بطن أمه وحيدًا، لا مال له ولا ولد، فرزقه الله المال والولد، والثروة والنماء.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا ... ) إلى قوله: (إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ يُؤْثَرُ ... ) حتى بلغ (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ) قال: هذه الآية أُنزلت في الوليد بن المُغيرة.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا) يعني الوليد بن المغيرة (وَجَعَلْتُ لَهُ مَالا مَمْدُودًا) .
اختلف أهل التأويل في هذا المال الذي ذكره الله، وأخبر أنه جعله للوحيد ما
هو؟ وما مبلغه؟ فقال بعضهم: كان ذلك دنانير، ومبلغها ألف دينار.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن إسماعيل بن إبراهيم، عن أبيه، عن مجاهد (وَجَعَلْتُ لَهُ مَالا مَمْدُودًا) قال: كان ماله ألف دينار.
حدثنا صالح بن مسمار المروزي، قال: ثنا الحارث بن عمران الكوفيّ، قال: ثنا محمد بن سوقة، عن سعيد بن جُبير، في قوله: (وَجَعَلْتُ لَهُ مَالا مَمْدُودًا) قال: ألف دينار.
وقال آخرون: كان ماله أربعة آلاف دينار.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان (وَجَعَلْتُ لَهُ مَالا مَمْدُودًا) قال: بلغني أنه أربعة آلاف دينار.
وقال آخرون: كان ماله أرضًا.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن المثنى، قال: ثني وهب بن جرير، قال: ثنا شعبة، عن النعمان بن سالم، في قوله: (وَجَعَلْتُ لَهُ مَالا مَمْدُودًا) قال: الأرض.
حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: ثنا شعبة، عن النعمان بن سالم، مثله.
وقال آخرون: كان ذلك غلة شهر بشهر.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: ثنا حلبس، إمام مسجد ابن علية، عن ابن جريج، عن عطاء، عن عمر رضي الله عنه، في قوله: (وَجَعَلْتُ لَهُ مَالا مَمْدُودًا) قال: غلة شهر بشهر.
حدثني أبو حفص الحيري، قال: ثنا حلبس الضُّبَعي، عن ابن جريج، عن عطاء مثله، ولم يقل: عن عمر.
حدثنا أحمد بن الوليد الرملي، قال: ثنا غالب بن حلبس، قال: ثنا أبي، عن ابن جريج، عن عطاء مثله، ولم يقل: عن عمر.
حدثنا أحمد بن الوليد، قال: ثنا أبو بكر عياش، قال: ثنا حلبس بن محمد العجلي، عن ابن جريج عن عطاء، عن عمر، مثله.
والصواب من القول في ذلك أن يقال كما قال الله: (وَجَعَلْتُ لَهُ مَالا مَمْدُودًا) وهو الكثير الممدود، عدده أو مساحته.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَبَنِينَ شُهُودًا (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلا إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيدًا (16) سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (17) } .
يقول تعالى ذكره: وجعلت له بنين شهودا، ذُكر أنهم كانوا عشرة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن إسماعيل بن إبراهيم، عن أبيه، عن مجاهد (وَبَنِينَ شُهُودًا) قال: كان بنوه عشرة.
وقوله: (وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا) يقول تعالى ذكره: وبسطت له في العيش بسطًا.
كما حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان (وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا) قال: بسط له.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا) قال: من المال والولد.
وقوله: (ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ) يقول تعالى ذكره: ثم يأمل ويرجو أن أزيده من المال والولد على ما أعطيته (كَلا) يقول: ليس ذلك كما يأمل ويرجو من أن أزيده مالا وولدا، وتمهيدا في الدنيا (إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيدًا) يقول: إن هذا الذي خلقته وحيدا كان لآياتنا - وهي حجج الله على خلقه من الكتب والرسل - عنيدا، يعني معاندا للحقّ مجانبا له، كالبعير العنود؛ ومنه قول القائل:
إذَا نزلْتُ فاجْعَلانِي وَسَطا
إنّي كَبِيرٌ لا أُطِيقُ العُنَّدا (1)
(1)
الأثر 200 - أثر الضحاك عن ابن عباس لم يخرجوه. وسيأتي باقيه 215.


وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيدًا) قال: جحودا.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيدًا) قال محمد بن عمرو: معاندا لها. وقال الحارث: معاندا عنها، مجانبا لها.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن جابر، عن مجاهد، قوله: (عَنِيدًا) قال: معاندا للحقّ مجانبا.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيدًا) كفورا بآيات الله جحودا بها.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان (لآيَاتِنَا عَنِيدًا) قال: مشاقا، وقيل: عنيدا، وهو من عاند معاندة فهو معاند، كما قيل: عام قابل، وإنما هو مقبل.
وقوله: (سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا) يقول تعالى ذكره: سأكلفه مشقة من العذاب لا راحة له منها.
وقيل: إن الصعود جبل في النار يكلَّفُ أهل النار صعوده.
* ذكر الرواية بذلك:
حدثني محمد بن عمارة الأسدي، قال: ثنا محمد بن سعيد بن زائدة، قال: ثنا شريك، عن عمارة، عن عطية، عن أبي سعيد، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم (سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا) قال: هو جبل في النار من نار، يكلَّفون أن يصعدوه، فإذا وضع
يده ذابت، فإذا رفعها عادت، فإذا وضع رجله كذلك.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني عمرو بن الحارث، عن درّاج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدريّ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الصَّعُودُ جَبَلٌ مِنْ نَارٍ يُصْعَدُ فِيهِ سَبْعِينَ خَرِيفًا ثُمَّ يَهْوِي كَذلكَ مِنْهُ أبَدًا" .
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا) قال: مشقة من العذاب.
حدثني الحارث، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا) أي عذابا لا راحة منه.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا سليمان قال: ثنا أبو هلال، عن قتادة (سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا) قال: مشقة من العذاب.
حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا) قال: تعبا من العذاب.
القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) } .
يقول تعالى ذكره: إن هذا الذي خلقته وحيدا، فكَّر فيما أنزل على عبده محمد صلى الله عليه وسلم من القرآن، وقدّر فيما يقول فيه (فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ) يقول: ثم لعن كيف قدّر النازل فيه (ثُمَّ نَظَرَ) يقول: ثم روّى في ذلك (ثُمَّ عَبَسَ) يقول: ثم قبض ما بين عينيه (وَبَسَرَ) يقول: كلح وجهه؛ ومنه قول توبة بن الحُمَيِّر:
وَقَدْ رَابَنِي مِنْها صُدُودٌ رأيتُهُ ... وإعْراضُها عَنْ حاجَتِي وبُسُورُها (1)
(1)
تقدم إليه بشيء: أمره بفعله أو إتيانه.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، وجاءت الأخبار عن الوحيد أنه فعل.
ذكر الرواية بذلك:
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر عن عباد بن منصور، عن عكرِمة، أن الوليد بن المُغيرة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقرأ عليه القرآن، فكأنه رقّ له، فبلغ ذلك أبا جهل، فقال: أي عمّ إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا قال: لِمَ؟ قال: يعطونكه فإنك أتيت محمدا تتعرّض لما قِبَله، قال: قد علمت قريش أني أكثرها مالا قال: فقل فيه قولا يعلم قومك أنَّك مُنكر لما قال، وأنك كاره له؛ قال: فما أقول فيه، فوالله ما منكم رجل أعلم بالأشعار مني، ولا أعلم برجزه مني، ولا بقصيده، ولا بأشعار الجنّ، والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا، ووالله إن لقوله لحلاوة، وإنه ليحطم ما تحته، وإنه ليعلو ولا يعلى، قال: والله لا يرضى قومك حتى تقول فيه، قال: فدعني حتى أفكر فيه؛ فلما فكَّر قال: هذا سحر يأثره عن غيره، فنزلت (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا) قال قتادة: خرج من بطن أمه وحيدا، فنزلت هذه الآية حتى بلغ تسعة عشر.
حدثني محمد بن سعيد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ ... ) إلى (ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ) قال: دخل الوليد بن المغيرة على أبي بكر بن أبي قُحافة رضي الله عنه، يسأله عن القرآن، فلما أخبره خرج على قريش فقال: يا عجبا لما يقول ابن أبي كبشة، فو الله ما هو بشعر، ولا بسحر، ولا بهذي من الجنون، وإن قوله لمن كلام الله، فلما سمع بذلك النفر من قريش ائتمروا وقالوا: والله لئن صبأ الوليد لتصبأنّ قريش، فلما سمع بذلك أبو جهل قال: أنا والله أكفيكم شأنه، فانطلق حتى دخل عليه بيته، فقال للوليد: ألم تر قومك قد جمعوا لك الصدقة قال: ألستُ أكثرهم مالا وولدا؟ فقال له أبو جهل:
يتحدّثون أنك إنما تدخل على ابن أبي قُحافة لتصيب من طعامه، قال الوليد: أقد تحدثت به عشيرتي، فلا يقصر عن سائر بني قُصيّ، لا أقرب أبا بكر ولا عمر ولا ابن أبي كبشة، وما قوله إلا سحر يؤثر، فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم: (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا ... ) إلى (لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ) .
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ) ، زعموا أنه قال: والله لقد نظرت فيما قال هذا الرجل، فإذا هو ليس له بشعر، وإن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه ليعلو وَما يعلى، وما أشكّ أنه سحر، فأنزل الله فيه: (فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ... ) الآية (ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ) : قبض ما بين عينيه وكلح.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (فَكَّرَ وَقَدَّرَ) قال: الوليد بن المغيرة يوم دار الندوة.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا) يعني الوليد بن المغيرة، دعاه نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام، فقال: حتى أنظر، ففكر (ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ يُؤْثَرُ) فجعل الله له سقر.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا وَجَعَلْتُ لَهُ مَالا مَمْدُودًا ... ) إلى قوله: (إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ يُؤْثَرُ) قال: هذا الوليد بن المغيرة قال: سأبتار لكم هذا الرجل الليلة، فأتى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فوجده قائما يصلي ويقترئ، وأتاهم فقالوا: مه، قال: سمعت قولا حلوا أخضر مثمرا يأخذ بالقلوب، فقالوا: هو شعر، فقال: لا والله ما هو بالشعر، ليس أحد أعلم بالشعر مني، أليس قد عَرضت عليّ الشعراء شعرهم نابغة وفلان وفلان؟ قالوا: فهو كاهن، فقال: لا والله ما هو بكاهن، قد عرضت عليّ الكهانة، قالوا: فهذا سحر الأوّلين اكتتبه، قال: لا أدري إن كان شيئا فعسى هو إذا سحر يؤثر، فقرأ: (فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ) قال: قتل كيف قدّر حين قال: ليس بشعر، ثم قتل كيف قدّر حين قال: ليس بكهانة.
وقوله: (ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ) يقول تعالى ذكره: ثم ولى عن الإيمان والتصديق
بما أنزل الله من كتابه، واستكبر عن الإقرار بالحق (فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ يُؤْثَرُ) قال: يأثره عن غيره.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن إسماعيل بن سميع، عن أبي رزين (إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ يُؤْثَرُ) قال: يأخذه عن غيره.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن إسماعيل، عن أبي رزين (إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ يُؤْثَرُ) قال: يأثره عن غيره.
وقوله: (إِنْ هَذَا إِلا قَوْلُ الْبَشَرِ) يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل الوحيد في القرآن (إِنْ هَذَا إِلا قَوْلُ الْبَشَرِ) ما هذا الذي يتلوه محمد إلا قول البشر، يقول: ما هو إلا كلام ابن آدم، وما هو بكلام الله.
القول في تأويل قوله تعالى: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30) وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلا مَلائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلا هُوَ وَمَا هِيَ إِلا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (31) } .
يعني تعالى ذكره بقوله: (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ) سأورده بابا من أبواب جهنم اسمه سقر، ولم يُجرَّ سقر لأنه اسم من أسماء جهنم (وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ) يقول تعالى ذكره: وأيّ شيء أدراك يا محمد، أيّ شيء سقر. ثم بين الله تعالى ذكره ما سقر، فقال: هي
نار (لا تُبْقي) من فيها حيا (وَلا تَذَرُ) من فيها ميتا، ولكنها تحرقهم كلما جدّد خلقهم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ) قال: لا تميت ولا تحيي.
حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
حدثني محمد بن عمارة الأسدي، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا أبو ليلى، عن مرثد، في قوله: (لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ) قال: لا تبقي منهم شيئا أن تأكلهم، فإذا خلقوا لها لا تذرهم حتى تأخذهم فتأكلهم.
وقوله: (لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ) يعني جلّ ثناؤه: مغيرة لبشر أهلها، واللّواحة من نعت سقر، وبالردّ عليها رُفعت، وحسُن الرفع فيها، وهي نكرة، وسقر معرفة، لما فيها من معنى المدح.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ) قال: الجلد.
حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن إسماعيل، عن أبى رزين (لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ) قال: تلفح الجلد لفحة، فتدعه أشدّ سوادا من الليل.
حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا أبي وشعيب بن الليث، عن خالد بن يزيد، عن ابن أبي هلال، قال: قال زيد بن أسلم (لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ) : أي تلوَّح أجسادهم عليها.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ) أي حرّاقة للجلد.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي،
عن أبيه، عن ابن عباس: (لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ) يقول: تحرق بشرة الإنسان.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ) قال: تغير البشر، تحرق البشر؛ يقال: قد لاحه استقباله السماء، ثم قال: النار تغير ألوانهم.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن إسماعيل بن سميع، عن أبي رزين (لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ) غيرت جلودهم فاسودّت.
حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن إسماعيل بن سميع، عن أبي رزين مثله.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ) يعني: بشر الإنسان، يقول: تحرق بشره.
ورُوي عن ابن عباس في ذلك، ما حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: (لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ) يقول: معرّضة، وأخشى أن يكون خبر عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس هذا غلطا، وأن يكون موضع معرّضة مغيرة، لكن صحَّف فيه.
وقوله: (عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ) يقول تعالى ذكره: على سقر تسعة عشر من الخزنة.
وذُكر أن ذلك لما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أبو جهل ما حدثني به محمد بن سعد قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ ... ) إلى قوله: (وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا) فلما سمع أبو جهل بذلك قال لقريش: ثكلتكم أمهاتكم، أسمع ابن أبي كبشة يخبركم أن خزَنة النار تسعة عشر وانتم الدَّهم، أفيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا برجل من خزنة جهنم؟ فأوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي أبا جهل، فيأخذ بيده في بطحاء مكة فيقول له: (أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى) فلما فعل ذلك به رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو جهل: والله لا تفعل أنت وربك شيئا، فأخزاه الله يوم بدر.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ) ذُكر لنا أن أبا جهل حين أُنزلت هذه الآية قال: يا معشر قريش، ما يستطيع كلّ
عشرة منكم أن يغلبوا واحدا من خزَنة النار وأنتم الدَّهم (1) ؟ فصاحبكم يحدثكم أن عليها تسعة عشر.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: قال أبو جهل: يخبركم محمد أن خزَنة النار تسعة عشر، وأنتم الدَّهم ليجتمع كلّ عشرة على واحد.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ) قال: خزنتها تسعة عشر.
وقوله: (وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلا مَلائِكَةً) يقول تعالى ذكره: وما جعلنا خزَنة النار إلا ملائكة يقول لأبي جهل في قوله لقريش: أما يستطيع كلّ عشرة منكم أن تغلب منها واحدا؟ فمن ذا يغلب خزنة النار وهم الملائكة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثنا ابن زيد، في قوله: (وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلا مَلائِكَةً) قال: ما جعلناهم رجالا فيأخذ كلّ رجل رجلا كما قال هذا.
وقوله: (وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) يقول: وما جعلنا عدّة هؤلاء الخزنة إلا فتنة للذين كفروا بالله من مُشركي قريش.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) : إلا بلاء.
وإنما جعل الله الخبر عن عدّة خزنة جهنم فتنة للذين كفروا، لتكذيبهم بذلك، وقول بعضهم لأصحابه: أنا أكفيكموهم.
* ذكر الخبر عمن قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني
(1)
يقول: جعل الله ذلك سنة منه لجميع خلقه يستنون بها. فقدم قوله "منه لجميع خلقه" .

الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (تِسْعَةَ عَشَرَ) قال: جعلوا فتنة، قال أبو الأشدّ بن الجمحي: لا يبلغون رتوتي حتى أجهضهم عن جهنم.
وقوله: (لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) يقول تعالى ذكره: ليستيقن أهل التوراة والإنجيل حقيقة ما في كتبهم من الخبر عن عدّة خزَنة جهنم، إذ وافق ذلك ما أنزل الله في كتابه على محمد صلى الله عليه وسلم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا) قال: وإنها في التوراة والإنجيل تسعة عشر، فأراد الله أن يستيقن أهل الكتاب، ويزداد الذين آمنوا إيمانًا.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) قال: يجدونه مكتوبا عندهم عدّة خزَنة أهل النار.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) يصدّق القرآن الكتب التي كانت قبله فيها كلها، التوراة والإنجيل أن خزنة النار تسعة عشر.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) قال: ليستيقن أهل الكتاب حين وافق عدّة خزَنة النار ما في كتبهم.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) قال: عدّة خزَنة جهنم تسعة عشر في التوراة والإنجيل.
وكان ابن زيد يقول في ذلك ما حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) أنك رسول الله.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 27-07-2025, 03:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,935
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ المدثر
الحلقة (1365)
صــ 31 الى صــ40







وقوله: (وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا) يقول تعالى ذكره: وليزداد الذين آمنوا بالله تصديقا إلى تصديقهم بالله وبرسوله بتصديقهم بعدّة خزنة جهنم.
وقوله: (وَلا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ) يقول: ولا يشك أهل التوراة والإنجيل في حقيقة ذلك، والمؤمنون بالله من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
وقوله: (وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ) يقول تعالى ذكره: وليقول الذين في قلوبهم مرض النفاق، والكافرون بالله من مشركي قريش (مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلا)
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) : أي نفاق.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلا) يقول: حتى يخوّفنا بهؤلاء التسعة عشر.
وقوله: (كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) يقول تعالى ذكره: كما أضل الله هؤلاء المنافقين والمشركين القائلين في خبر الله عن عدّة خزنة جهنم، أيّ شيء أراد الله بهذا الخبر من المثل حتى يخوّفنا بذكر عدتهم، ويهتدي به المؤمنون، فازدادوا بتصديقهم إلى إيمانهم إيمانا (كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ) مِنْ خَلْقِهِ فيخذله عن إصابة الحقّ (وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) منهم، فيوفقه لإصابة الصواب (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ) من كثرتهم (إلا هُوَ) يعني: الله.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلا هُوَ) أي: من كثرتهم.
وقوله: (وَمَا هِيَ إِلا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ) يقول تعالى ذكره: وما النار التي وصفتها إلا تذكرة ذكر بها البشر، وهم بنو آدم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَمَا هِيَ إِلا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ) يعني النار.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَمَا هِيَ إِلا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ) قال: النار.
القول في تأويل قوله تعالى: {كَلا وَالْقَمَرِ (32) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33) وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (34) إِنَّهَا لإحْدَى الْكُبَرِ (35) نَذِيرًا لِلْبَشَرِ (36) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (37) } .
يعني تعالى ذكره بقوله (كَلا) ليس القول كما يقول من زعم أنه يكفي أصحابَهُ المشركين خزنةُ جهنم حتى يجهضهم عنها، ثم أقسم ربنا تعالى فقال: (وَالْقَمَرِ وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ) يقول: والليل إذ ولَّى ذاهبا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ) إذ ولَّى.
وقال آخرون في ذلك ما حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي؛ عن أبيه، عن ابن عباس (وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ) دبوره: إظلامه.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة (إِذْ أَدْبَرَ) ، وبعض قرّاء مكة والكوفة (إذا دَبَرَ) .
والصواب من القول في ذلك عندنا، أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
وقد اختلف أهل العلم بكلام العرب في ذلك، فقال بعض الكوفيين: هما لغتان، يقال: دبر النهار وأدبر، ودبر الصيف وأدبر، قال: وكذلك قَبل وأقبل؛ فإذا قالوا: أقبل الراكب وأدبر لم يقولوه إلا بالألف. وقال بعض البصريين: (واللَّيْل إذَا دَبَرَ) يعني: إذا دبر النهار وكان في آخره؛ قال: ويقال: دبرني: إذا جاء خلفي، وأدبر: إذا ولَّى.
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما لغتان بمعنى، وذلك أنه محكيّ عن العرب: قبح الله ما قَبِل منه وما دبر. وأخرى أن أهل التفسير لم يميزوا في تفسيرهم بين القراءتين، وذلك دليل على أنهم فعلوا ذلك كذلك، لأنهما بمعنى واحد.
وقوله: (وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ) يقول تعالى ذكره: والصبح إذا أضاء.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ) إذا أضاء وأقبل (إِنَّهَا لإحْدَى الْكُبَرِ) يقول تعالى ذكره: إن جهنم لإحدى الكبر، يعني: الأمور العظام.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثني عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (إِنَّهَا لإحْدَى الْكُبَرِ) يعني: جهنم.
حدثنا أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن إسماعيل بن سميع، عن أبي رزين (إِنَّهَا لإحْدَى الْكُبَرِ) قال: جهنم.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (إِنَّهَا لإحْدَى الْكُبَرِ) قال: هذه النار.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (إِنَّهَا لإحْدَى الْكُبَرِ) قال: هي النار.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (إِنَّهَا لإحْدَى الْكُبَرِ) يعني: جهنم.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (إِنَّهَا لإحْدَى الْكُبَرِ) يعني جهنم.
وقوله: (نَذِيرًا لِلْبَشَرِ) يقول تعالى ذكره: إن النار لإحدى الكبر، نذيرا لبنى آدم.
واختلف أهل التأويل في معنى قوله: (نَذِيرًا لِلْبَشَرِ) ، وما الموصوف بذلك، فقال بعضهم: عُنِيَ بذلك النار، وقالوا: هي صفة للهاء التي في قوله (إنها) وقالوا: هي النذير، فعلى قول هؤلاء النذير نصب على القطع من إحدى الكبر؛ لأن إحدى
الكبر معرفة، وقوله: (نَذِيرًا) نكرة، والكلام قد يحسُن الوقوف عليه دونه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قال: قال الحسن: والله ما أُنذر الناسُ بشيء أدهى منها، أو بداهية هي أدهى منها.
وقال آخرون: بل ذلك من صفة الله تعالى، وهو خبر من الله عن نفسه، أنه نذير لخلقه، وعلى هذا القول يجب أن يكون نصب قوله (نَذِيرًا) على الخروج من جملة الكلام المتقدم، فيكون معنى الكلام: وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة نذيرا للبشر، يعني: إنذارا لهم؛ فيكون قوله (نَذِيرًا) بمعنى إنذارا لهم؛ كما قال: (فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ) بمعنى إنذاري؛ ويكون أيضا بمعنى: إنها لإحدى الكُبَرِ؛ صيرنا ذلك كذلك نذيرا، فيكون قوله: (إِنَّهَا لإحْدَى الْكُبَرِ) مؤدّيا عن معنى صيرنا ذلك كذلك، وهذا المعنى قصد من قال ذلك إن شاء الله.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن إسماعيل، عن أبي رزين (إِنَّهَا لإحْدَى الْكُبَرِ) قال: جهنم (نَذِيرًا لِلْبَشَرِ) يقول الله: أنا لكم منها نذير فاتقوها.
وقال آخرون: بل ذلك من صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: نصب نذيرا على الحال مما في قوله "قم" ، وقالوا: معنى الكلام: قم نذيرا للبشر فأنذر.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (نَذِيرًا لِلْبَشَرِ) قال: الخلق. قال: بنو آدم، البشر. فقيل له: محمد النذير؟ قال: نعم ينذرهم.
وقوله: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ) يقول تعالى ذكره: نذيرًا للبشر لمن شاء منكم أيها الناس أن يتقدّم في طاعة الله، أو يتأخر في معصية الله.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ) قال: من
شاء اتبع طاعة الله، ومن شاء تأخر عنها.
حدثني بشر؛ قال: ثنا يزيد؛ قال: ثنا سعيد؛ عن قتادة (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ) يتقدّم في طاعة الله، أو يتأخر في معصيته.
القول في تأويل قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) } .
يقول تعالى ذكره: كلّ نفس مأمورة منهية بما عملت من معصية الله في الدنيا، رهينة في جهنم (إِلا أَصْحَابَ الْيَمِينِ) فإنهم غير مرتهنين، ولكنهم (فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ) .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) يقول: مأخوذة بعملها.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلا أَصْحَابَ الْيَمِينِ) قال: غلق الناس كلهم إلا أصحاب اليمين.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلا أَصْحَابَ الْيَمِينِ) قال: لا يحاسبون.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلا أَصْحَابَ الْيَمِينِ) أصحابَ اليمين لا يرتهنون بذنوبهم، ولكن يغفرها الله لهم، وقرأ قول الله: (إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ) قال: لا يؤاخذهم الله بسيئ أعمالهم، ولكن يغفرها الله لهم، ويتجاوز عنهم كما وعدهم.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) قال: كل نفس سبقت له كلمة العذاب يرتهنه الله في النار، لا يرتهن الله أحدا من أهل الجنة، ألم تسمع أنه قال: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلا أَصْحَابَ الْيَمِينِ) يقول: ليسوا رهينة (فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ) .
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: (إِلا أَصْحَابَ الْيَمِينِ) قال: إن كان أحدهم سبقت له كلمة العذاب جُعلَ منزله في النار يكون فيها رهنا، وليس يرتهن أحد من أهل الجنة هم في جنات يتساءلون.
واختلف أهل التأويل في أصحاب اليمين الذين ذكرهم الله في هذا الموضع، فقال بعضهم: هم أطفال المسلمين.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني واصل بن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن فضيل، عن الأعمش، عن عثمان، عن زاذان، عن علي رضي الله عنه في هذه الآية (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلا أَصْحَابَ الْيَمِينِ) قال: هم الولدان.
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن عثمان أبي اليقظان، عن زاذان أبي عمر عن عليّ رضي الله عنه في قوله: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلا أَصْحَابَ الْيَمِينِ) قال: أطفال المسلمين.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الأعمش، عن عثمان بن عمير أبي اليقظان، عن زاذان أبي عمر، عن عليّ رضي الله عنه (إِلا أَصْحَابَ الْيَمِينِ) قال: أولاد المسلمين.
حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي اليقظان، عن زاذان، عن عليّ رضي الله عنه (إِلا أَصْحَابَ الْيَمِينِ) قال: هم الولدان.
وقال آخرون: هم الملائكة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا وكيع، عن شريك، عن الأعمش، عن أبي ظبيان،
عن ابن عباس، قال: هم الملائكة، وإنما قال من قال: أصحاب اليمين في هذا الموضع: هم الولدان وأطفال المسلمين؛ ومن قال: هم الملائكة، لأن هؤلاء لم يكن لهم ذنوب، وقالوا: لم يكونوا ليسألوا المجرمين (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ) إلا إنهم لم يقترفوا في الدنيا مآثم، ولو كانوا اقترفوها وعرفوها لم يكونوا ليسألوهم عما سلكهم في سقر، لأن كلّ من دخل من بني آدم ممن بلغ حدّ التكليف، ولزِمه فرض الأمر والنهي، قد علم أن أحدا لا يعاقب إلا على المعصية.
وقوله: (فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ) يقول: أصحاب اليمين في بساتين يتساءلون عن المجرمين الذين سلكوا في سقر، أيّ شيء سلككم في سقر؟ (قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) يقول: قال المجرمون لهم: لم نك في الدنيا من المصلين لله (وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ) بخلا بما خوّلهم الله، ومنعا له من حقه.
(وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ) يقول: وكنا نخوض في الباطل وفيما يكرهه الله مع من يخوض فيه.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ) قال: كلما غوى غاوٍ غوى معه.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة قوله: (وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ) قال: يقولون: كلما غوى غاو غوينا معه.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47) } .
القول في تأويل قوله تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48) فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) } .
وقوله: (وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ) يقول تعالى ذكره: قالوا: وكنا نكذّب بيوم المجازاة والثواب والعذاب، ولا نصدّق بثواب ولا عقاب ولا حساب (حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ) يقول: قالوا: حتى أتانا الموت الموقن به (فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ) يقول: فما يشفع لهم الذين شفعهم الله في أهل الذنوب من أهل التوحيد، فتنفعهم شفاعتهم، وفي هذه الآية دلالة واضحة على أن الله تعالى ذكره مشفع بعض خلقه في بعض.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن سلمة بن كهيل، قال: ثنا أبو الزعراء، عن عبد الله في قصة ذكرها في الشفاعة، قال: ثم تشفع الملائكة والنبيون والشهداء والصالحون والمؤمنون، ويشفعهم الله فيقول: أنا أرحم الراحمين، فيخرج من النار أكثر مما أخرج من جميع الخلق من النار، ثم يقول: أنا أرحم الراحمين، ثم قرأ عبد الله يأيها الكفار (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ) وعقد بيده أربعا، ثم قال: هل ترون في هؤلاء من خير، ألا ما يُترك فيها أحد فيه خير.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت عمي وإسماعيل بن أبي خالد، عن سلمة بن كهيل، عن أبي الزعراء، قال: قال عبد الله: لا يبقى في النار إلا أربعة، أو ذو الأربعة - الشك من أبي جعفر الطبري - ثم يتلو: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ) .
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ) تعلمن أن الله يشفع المومنين يوم القيامة. ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "إنَّ مِنْ أُمَّتِي رَجُلا يُدْخِلُ اللهُ بِشَفاعَتِهِ الجَنَّةَ أكْثَرَ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ" .
قال الحسن: أكثر من ربيعة ومضر، كنا نحدَّث أن الشهيد يشفع في سبعين من أهل بيته.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور عن معمر، عن قتادة (فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ) قال: تعلمن أن الله يشفع بعضهم في بعض.
قال: ثنا أبو ثور، قال معمر: وأخبرني من سمع أنس بن مالك يقول: إن الرجل ليشفع للرجلين والثلاثة والرجل.
قال: ثنا أبو ثور، عن معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة، قال: يدخل الله بشفاعة رجل من هذه الأمة الجنة مثل بني تميم، أو قال: أكثر من بني تميم، وقال الحسن: مثل ربيعة ومضر.
وقوله: (فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ) يقول: فما لهؤلاء المشركين عن
تذكرة الله إياهم بهذا القرآن معرضين، لا يستمعون لها فيتعظوا ويعتبروا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ) أي: عن هذا القرآن.
القول في تأويل قوله تعالى: {كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51) بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً (52) كَلا بَلْ لا يَخَافُونَ الآخِرَةَ (53) } .
يقول تعالى ذكره: فما لهؤلاء المشركين بالله عن التذكرة معرِضين، مولِّين عنها تولية الحُمُر المستنفرة (فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ) .
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (مُسْتَنْفِرَةٌ) ، فقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة والبصرة بكسر الفاء، وفي قراءة بعض المكيين أيضا بمعنى نافرة (1) .
والصواب من القول في ذلك عندنا، أنهما قراءتان معروفتان، صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، وكان الفرّاء يقول: الفتح والكسر في ذلك كثيران في كلام العرب؛ وأنشد:
أمْسِكْ حِمَارَكَ إنَّهُ مُسْتَنْفِرٌ ... فِي إثْرِ أحْمِرَةٍ عَمَدْن لِغُرَّب (2)
وقوله: (فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ) اختلف أهل التأويل في معنى القسورة، فقال بعضهم: هم الرماة.
(1)
في المطبوعة: "في افتتاح. . ." والضمير في "فبه" عائد إلى "ما أدبه به" .

(2)
في المطبوعة: "من إظهار" ، "من دلالة شاهدة" .

* ذكر من قال ذلك:
حدثني أبو السائب، قال: ثنا حفص بن غياث، عن حجاج، عن عطاء، عن ابن عباس، في قوله: (فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ) قال: الرماة.
حدثني ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، وحدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع عن سفيان، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن أبي موسى (فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ) قال: الرماة.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد (فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ) قال: هي الرماة.
قال ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، مثله.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، مثله.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، مثله.
حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (قَسْوَرَةٍ) قال: عصبَة قناص من الرماة. زاد الحارث في حديثه. قال: وقال بعضهم في القسورة: هو الأسد، وبعضهم: الرماة.
حدثنا هناد بن السريّ، قال: ثنا أبو الأحوص، عن سِماك، عن عكرِمة، في قوله: (فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ) قال: القسورة: الرماة، فقال رجل لعكرِمة: هو الأسد بلسان الحبشة، فقال عكرِمة: اسم الأسد بلسان الحبشة عنبسة.
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا أبو رجاء، عن عكرِمة، في قوله: (فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ) قال: الرماة.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن سليمان بن عبد الله السلولي، عن ابن عباس، قال: هي الرماة.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ) وهم الرماة القناص.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله:
(فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ) قال: قسورة النبل.
وقال آخرون: هم القناص.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 27-07-2025, 03:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,935
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ القيامة
الحلقة (1366)
صــ 41 الى صــ50




* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، (فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ) يعني: رجال القَنْص.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبى بشر، عن سعيد بن جُبير في هذه الآية (فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ) قال: هم القناص.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جُبير قال: هم القناص.
وقال آخرون: هم جماعة الرجال.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، وحدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن شعبة، عن أبي حمزة، قال: سألت ابن عباس عن القسورة، فقال: ما أعلمه بلغة أحد من العرب: الأسد، هي عصب الرجال.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث. قال: ما أعلمه بلغة أحد من العرب الأسد هي عِصب الرجال.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: سمعت أبي يحدّث، قال: ثنا داود، قال: ثني عباس بن عبد الرحمن مولى بني هاشم، قال: سئل ابن عباس عن القسورة، قال: جمع الرجال، ألم تسمع ما قالت فلانة في الجاهلية:
يا بِنْتَ لُؤَيّ خَيْرَةً لخَيْرَه ... أحْوَالُهُا في الحَيّ مِثلُ القَسْوَرَهْ (1)
(1)
معناه: أي ما يعنيه ويقصده.

وقال آخرون: هي أصوات الرجال.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن عيينة، عن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس (فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ) قال: ركز الناس أصواتهم.
قال أبو كريب، قال سفيان: (هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا) .
وقال آخرون: بل هو الأسد.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبي هريرة (فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ) قال: هو الأسد.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن ابن سيلان، أن أبا هريرة كان يقول في قول الله: (فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ) قال: هو الأسد.
حدثني محمد بن معمر، قال: ثنا هشام، عن زيد بن أسلم، في قول الله: (فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ) قال: الأسد.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني داود بن قيس، عن زيد بن أسلم، في قول الله: (فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ) قال: هو الأسد.
حدثني محمد بن خالد بن خداش، قال ثني سلم بن قتيبة، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن عليّ، بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس، أنه سُئل عن قوله: (فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ) قال: هو بالعربية: الأسد، وبالفارسية: شار، وبالنبطية: أريا، وبالحبشية: قسورة.
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ) يقول: الأسد.
حدثني أبو السائب، قال: ثنا حفص بن غياث، عن هشام بن سعد، عن
زيد بن أسلم، عن أبي هريرة قال: الأسد.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ) قال: القسورة: الأسد.
وقوله: (بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً) يقول تعالى ذكره: ما بهؤلاء المشركين في إعراضهم عن هذا القرآن أنهم لا يعلمون أنه من عند الله، ولكن كلّ رجل منهم يريد أن يؤتى كتابا من السماء ينزل عليه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً) قال: قد قال قائلون من الناس: يا محمد إن سرّك أن نتبعك فأتنا بكتاب خاصة إلى فلان وفلان، نؤمر فيه باتباعك، قال قتادة: يريدون أن يؤتوا براءة بغير عمل.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً) قال: إلى فلان من رب العالمين.
وقوله: (كَلا بَلْ لا يَخَافُونَ الآخِرَةَ) يقول تعالى ذكره: ما الأمر كما يزعمون من أنهم لو أوتوا صحفا منشَّرة صدّقوا، (بَلْ لا يَخَافُونَ الآخِرَةَ) ، يقول: لكنهم لا يخافون عقاب الله، ولا يصدقون بالبعث والثواب والعقاب؛ فذلك الذي دعاهم إلى الإعراض عن تذكرة الله، وهوّن عليهم ترك الاستماع لوحيه وتنزيله.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: (كَلا بَلْ لا يَخَافُونَ الآخِرَةَ) إنما أفسدهم أنهم كانوا لا يصدّقون بالآخرة، ولا يخافونها، هو الذي أفسدهم.
القول في تأويل قوله تعالى: كَلا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (54) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (55)
وَمَا يَذْكُرُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (56) .
يعني جلّ ثناؤه بقوله: (كَلا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ) ليس الأمر كما يقول هؤلاء المشركون في هذا القرآن من أنه سحر يؤثر، وأنه قول البشر، ولكنه تذكرة من الله لخلقه، ذكرهم به.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (كَلا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ) أي: القرآن.
وقوله: (فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ) يقول تعالى ذكره: فمن شاء من عباد الله الذين ذكرهم الله بهذا القرآن ذكره، فاتعظ فاستعمل ما فيه من أمر الله ونهيه (وَمَا يَذْكُرُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) يقول تعالى ذكره: وما يذكرون هذا القرآن فيتعظون به، ويستعملون ما فيه، إلا أن يشاء الله أن يذكروه؛ لأنه لا أحد يقدر على شيء إلا بأن يشاء الله يقدره عليه، ويعطيه القدرة عليه.
وقوله: (هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) يقول تعالى ذكره: الله أهل أن يتقي عباده عقابه على معصيتهم إياه، فيجتنبوا معاصيه، ويُسارعوا إلى طاعته، (وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) يقول: هو أهل أن يغفر ذنوبهم إذا هم فعلوا ذلك، ولا يعاقبهم عليها مع توبتهم منها.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) ربنا محقوق أن تتقى محارمه، وهو أهل المغفرة يغفر الذنوب.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) قال: أهل أن تتقى محارمه، (وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) : أهل أن يغفر الذنوب.
آخر تفسير سورة المدثر



تفسير سورة القيامة

بسم الله الرحمن الرحيم
القول في تأويل قوله تعالى: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2) أَيَحْسَبُ الإنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (4) } .
اختلفت القرّاء في قراءة قوله: (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ) فقرأت ذلك عامة قرّاء الأمصار: (لا أُقْسِمُ) [لا] (1) مفصولة من أقسم، سوى الحسن والأعرج، فإنه ذكر عنهما أنهما كانا يقرآن ذلك (لأقسِمُ بِيَوْمِ القِيامَةِ) بمعنى: أقسم بيوم القيامة، ثم أدخلت عليها لام القسم.
والقراءة التي لا أستجيز غيرها في هذا الموضع "لا" مفصولة، أقسم مبتدأة على ما عليه قرّاء الأمصار، لإجماع الحجة من القرّاء عليه.
وقد اختلف الذين قرءوا ذلك على الوجه الذي اخترنا قراءته في تأويله، فقال بعضهم "لا" صلة، وإنما معنى الكلام: أقسم بيوم القيامة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: ثنا ابن يمان، قال: ثنا سفيان، عن ابن جريج، عن الحسن بن مسلم بن يناق، عن سعيد بن جُبير (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ) قال: أقسم بيوم القيامة.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن جريج، عن الحسن بن مسلم، عن سعيد بن جُبير (لا أُقْسِم) قال: أقسم.
وقال آخرون منهم: بل دخلت "لا" توكيدًا للكلام.
(1)
الحديث 138- مضى مختصرًا، بهذا الإسناد 137. وفصلنا القول فيه هناك.

* ذكر من قال ذلك:
سمعت أبا هشام الرفاعي يقول: سمعت أبا بكر بن عياش يقول: قوله: (لا أُقْسِمُ) توكيد للقسم كقوله: لا والله. وقال بعض نحويِّي الكوفة: لا ردّ لكلام قد مضى من كلام المشركين الذين كانوا ينكرون الجنة والنار، ثم ابتدئ القسم، فقيل: أقسم بيوم القيامة، وكان يقول: كلّ يمين قبلها ردّ لكلام، فلا بدّ من تقديم "لا" قبلها، ليفرق بذلك بين اليمين التي تكون جحدًا، واليمين التي تستأنف، ويقول: ألا ترى أنك تقول مبتدئا: والله إن الرسول لحقّ; وإذا قلت: لا والله إن الرسول لحقّ، فكأنك أكذبت قوما أنكروه.
واختلفوا أيضا في ذلك، هل هو قسم أم لا؟ فقال بعضهم: هو قسم أقسم ربنا بيوم القيامة، وبالنفس اللوّامة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن أبي الخير بن تميم، عن سعيد بن جبير، قال: قال لي ابن عباس: ممن أنت؟ فقلت: من أهل العراق، فقال: أيهم؟ فقلت: من بني أسد، فقال: من حريبهم (1) ، أو ممن أنعم الله عليهم؟ فقلت: لا بل ممن أنعم الله عليهم، فقال لي: سل، فقلت: لا أقسم بيوم القيامة، فقال: يقسم ربك بما شاء من خلقه.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) قال: أقسم بهما جميعا.
وقال آخرون: بل أقسم بيوم القيامة، ولم يقسم بالنفس اللوّامة. وقال: معنى قوله: (وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) ولست أقسم بالنفس اللوّامة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: قال الحسن: أقسم بيوم القيامة، ولم يقسم بالنفس اللوّامة.
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال: إن الله أقسم بيوم القيامة وبالنفس اللوّامة، وجعل "لا" ردا لكلام قد كان تقدّمه من قوم، وجوابا لهم.
(1)
الشعر للقطامي ديوانه: 41، ويأتي في تفسير آية سورة يوسف: 12 (ج 12 ص 94 بولاق) . يقول لزفر بن الحارث الكلابي، وكان أسره في حرب، فمن عليه وأعطاه مئة من الإبل، ورد عليه ماله. يقول: أأكفر بما وليتني، وقد أعطيت ما أعطيت. والعطاء بمعنى الإعطاء، ولذلك نصب به "المئة" . والرتاع جمع راتع: يعني الإبل ترتع في مرعى خصيب تذهب فيه وتجيء.

وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال بالصواب؛ لأن المعروف من كلام الناس في محاوراتهم إذا قال أحدهم: لا والله، لا فعلت كذا، أنه يقصد بلا ردّ الكلام، وبقوله: والله، ابتداء يمين، وكذلك قولهم: لا أقسم بالله لا فعلت كذا; فإذا كان المعروف من معنى ذلك ما وصفنا، فالواجب أن يكون سائر ما جاء من نظائره جاريا مجراه، ما لم يخرج شيء من ذلك عن المعروف بما يجب التسليم له. وبعد: فإن الجميع من الحجة مجمعون على أن قوله: (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ) قسم فكذلك قوله: (وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) إلا أن تأتي حجة تدل على أن أحدهما قسم والآخر خبر. وقد دللنا على أن قراءة من قرأ الحرف الأوّل لأقسم بوصل اللام بأقسم قراءة غير جائزة بخلافها ما عليه الحجة مجمعة، فتأويل الكلام إذا: لا ما الأمر كما تقولون أيها الناس من أن الله لا يبعث عباده بعد مماتهم أحياء، أقسم بيوم القيامة، وكانت جماعة تقول: قيامة كل نفس موتها.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان ومسعر، عن زياد بن علاقة، عن المغيرة بن شعبة، قال: يقولون: القيامة القيامة، وإنما قيامة أحدهم: موته.
قال ثنا وكيع، عن مسعر وسفيان، عن أبي قبيس، قال: شهدت جنازة فيها علقمة، فلما دفن قال: أما هذا فقد قامت قيامته.
وقوله: (وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (اللَّوَّامَةِ) فقال بعضهم: معناه: ولا أقسم بالنفس التي تلوم على الخير والشرّ.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن ابن جريج، عن الحسن بن مسلم، عن سعيد بن جبير، في قوله: (وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) قال: تلوم على الخير والشرّ.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن سِماك، عن عكرِمة (وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) قال: تلوم على الخير والشرّ.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن أبي الخير بن تميم، عن سعيد بن جُبير، قال: قلت لابن عباس (وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) قال: هي النفس اللئوم.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنها تلوم على ما فات وتندم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) قال: تندم على ما فات وتلوم عليه.
وقال آخرون: بل اللوّامة: الفاجرة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) أي: الفاجرة.
وقال آخرون: بل هي المذمومة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: (وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) يقول: المذمومة.
وهذه الأقوال التي ذكرناها عمن ذكرناها عنه وإن اختلفت بها ألفاظ قائليها، فمتقاربات المعاني، وأشبه القول في ذلك بظاهر التنزيل أنها تلوم صاحبها على الخير والشرّ وتندم على ما فات، والقرّاء كلهم مجمعون على قراءة هذه بفصل "لا" من أقسم.
وقوله: (أَيَحْسَبُ الإنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ) يقول تعالى ذكره: أيظنّ ابن آدم أن لن نقدر على جمع عظامه بعد تفرّقها، بلى قادرين على أعظم من ذلك، أن نسوي بنانه، وهي أصابع يديه ورجليه، فنجعلها شيئا واحدا كخفّ البعير، أو حافر الحمار، فكان لا يأخذ ما يأكل إلا بفيه كسائر البهائم، ولكنه فرق أصابع يديه يأخذ بها، ويتناول ويقبض إذا شاء ويبسط، فحسن خلقه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن أبي الخير بن تميم، عن سعيد بن جُبير، قال: قال لي ابن عباس: سل، فقلت: (أَيَحْسَبُ الإنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ) قال: لو شاء لجعله خفا أو حافرا.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي،
عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ) قال: أنا قادر على أن أجعل كفه مجمرة مثل خفّ البعير.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن عطية، عن إسرائيل، عن مغيرة، عمن حدثه عن سعيد بن جُبير عن ابن عباس (قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ) قال: نجعله خفا أو حافرا.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 27-07-2025, 03:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,935
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ القيامة
الحلقة (1367)
صــ 51 الى صــ60





قال: ثنا وكيع، عن النضر، عن عكرِمة (عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ) قال: على أن نجعله مثل خفّ البعير، أو حافر الحمار.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: (بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ) قال: جعلها يدا، وجعلها أصابع يقبضهنّ ويبسطهنّ، ولو شاء لجمعهنّ، فاتقيت الأرض بفيك، ولكن سوّاك خلقا حسنا. قال أبو رجاء: وسُئل عكرِمة فقال: لو شاء لجعلها كخفّ البعير.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ) رجليه، قال: كخفّ البعير فلا يعمل بهما شيئا.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ) قادر والله على أن يجعل بنانه كحافر الدابة، أو كخفّ البعير، ولو شاء لجعله كذلك، فإنما ينقي طعامه بفيه.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ) قال: لو شاء جعل بنانه مثل خفّ البعير، أو حافر الدابة.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ) قال: البنان: الأصابع، يقول: نحن قادرون على أن نجعل بنانه مثل خفّ البعير.
واختلف أهل العربية في وجه نصب (قَادِرِينَ) فقال بعضهم: نصب لأنه واقع موقع نفعل، فلما ردّ إلى فاعل نصب، وقالوا: معنى الكلام: أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه بلى نقدر على أن نسوّي بنانه ; ثم صرف نقدر إلى قادرين. وكان بعض نحويِّي الكوفة يقول: نصب على الخروج من نجمع، كأنه قيل في الكلام: أيحسب أن لن نقوَى عليه؟ بل قادرين على أقوى منك. يريد: بلى نقوى مقتدرين على أكثر
من ذا. وقال: قول الناس بلى نقدر، فلما صرفت إلى قادرين نصبت خطأ، لأن الفعل لا ينصب بتحويله من يفعل إلى فاعل. ألا ترى أنك تقول: أتقوم إلينا، فإن حوّلتها إلى فاعل قلت: أقائم، وكان خطأ أن تقول قائما; قال: وقد كانوا يحتجون بقول الفرزدق:
عَليَّ قَسَم لا أشْتُمُ الدَّهْرَ مُسْلِما ... وَلا خارِجا مِنْ فِيَّ زُورُ كَلام (1)
فقالوا: إنما أراد: لا أشتم ولا يخرج، فلما صرفها إلى خارج نصبها، وإنما نصب لأنه أراد: عاهدت ربي لا شاتما أحدا، ولا خارجا من فيّ زور كلام ; وقوله: لا أشتم، في موضع نصب. وكان بعض نحويِّي البصرة يقول: نصب على نجمع، أي بل نجمعها قادرين على أن نسوّي بنانه، وهذا القول الثاني أشبه بالصحة على مذهب أهل العربية.
القول في تأويل قوله تعالى: {بَلْ يُرِيدُ الإنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (5) يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (6) فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9) يَقُولُ الإنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10) كَلا لا وَزَرَ (11) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12) } .
يقول تعالى ذكره: ما يجهل ابن آدم أن ربه قادر على أن يجمع عظامه، ولكنه يريد أن يمضي أمامه قُدُما في معاصي الله، لا يثنيه عنها شيء، ولا يتوب منها أبدا،
(1)
لم أجد البيت. وأشعب: الطماع الذي يضرب به المثل في الطمع المستعر.

ويسوّف التوبة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن أبي الخير بن تميم الضبي، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس في قوله: (بَلْ يُرِيدُ الإنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ) قال: يمضي قُدُمًا.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (بَلْ يُرِيدُ الإنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ) يعني الأمل، يقول الإنسان: أعمل ثم أتوب قبل يوم القيامة، ويقال: هو الكفر بالحقّ بين يدي القيامة.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ) قال: يمضي أمامه راكبا رأسه.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (بَلْ يُرِيدُ الإنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ) قال: قال الحسن: لا تلقى ابن آدم إلا تنزع نفسه إلى معصية الله قُدُما قدما، إلا من قد عصم الله.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن، في قوله: (لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ) قال: قُدُما في المعاصي.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن عمرو، عن إسماعيل السدي (بَلْ يُرِيدُ الإنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ) قال: قُدُما.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن النضر، عن عكرِمة (بَلْ يُرِيدُ الإنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ) قال: قدما لا ينزع عن فجور.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن أبيه، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جُبير (لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ) قال: سوف أتوب.
وقال آخرون: بل معنى ذلك أنه يركب رأسه في طلب الدنيا دائبا ولا يذكر الموت.
* ذكر من قال ذلك:
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت
الضحاك يقول في قوله: (بَلْ يُرِيدُ الإنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ) هو الأمل يؤمل الإنسان، أعيش وأصيب من الدنيا كذا، وأصيب كذا، ولا يذكر الموت.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: بل يريد الإنسان الكافر ليكذب بيوم القيامة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (بَلْ يُرِيدُ الإنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ) يقول: الكافر يكذّب بالحساب.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (بَلْ يُرِيدُ الإنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ) قال: يكذّب بما أمامه يوم القيامة والحساب.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: بل يريد الإنسان ليكفر بالحقّ بين يدي القيامة، والهاء على هذا القول في قوله: (أمامَهُ) من ذكر القيامة، وقد ذكرنا الرواية بذلك قبل.
قوله: (يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ) يقول تعالى ذكره: يسأل ابن آدم السائر دائبا في معصية الله قُدُما: متى يوم القيامة؟ تسويفا منه للتوبة، فبين الله له ذلك فقال: (فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ وَخَسَفَ الْقَمَرُ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ... ) الآية.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن عطية، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جُبير، عن قتادة، قوله: (يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ) يقول: متى يوم القيامة، قال: وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: من سُئل عن يوم القيامة فليقرأ هذه السورة.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ) متى يكون ذلك، فقرأ: (وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) قال: فكذلك يكون يوم القيامة.
وقوله: (فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ) اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأه أبو جعفر القارئ ونافع وابن أبي إسحاق (فإذَا بَرَقَ) بفتح الراء، بمعنى شخص، وفُتِح عند الموت ; وقرأ ذلك شيبة وأبو عمرو وعامة قرّاء الكوفة (بَرِقَ) بكسر الراء، بمعنى: فزع وشقّ.
وقد حدثني أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم، قال: ثني حجاج، عن هارون، قال: سألت أبا عمرو ابن العلاء عنها، فقال: (بَرِقَ) بالكسر بمعنى حار،
قال: وسألت عنها عبد الله بن أبي إسحاق فقال: (بَرَقَ) بالفتح، إنما برق الخيطل (1) والنار والبرق. وأما البصر فبرق عند الموت. قال: وأخبرت بذلك ابن أبي إسحاق، فقال: أخذت قراءتي عن الأشياخ نصر بن عاصم وأصحابه، فذكرت لأبي عمرو، فقال: لكن لا آخذ عن نصر ولا عن أصحابه، فكأنه يقول: آخذ عن أهل الحجاز.
وأولى القراءتين في ذلك عندنا بالصواب كسر الراء (فَإِذَا بَرِقَ) بمعنى: فزع فشُقّ وفُتِح من هول القيامة وفزع الموت. وبذلك جاءت أشعار العرب. أنشدني بعض الرواة عن أبي عُبيدة الكلابي:
لَمّا أتانِي ابْنُ صُبَيْحٍ رَاغِبا ... أعْطَيْتُهُ عَيْساء مِنْها فَبرَقْ (2)
وحُدثت عن أبي زكريا الفرّاء قال: أنشدني بعض العرب:
نَعانِي حَنانَةُ طُوبالَةً ... تَسَفُّ يَبيسا مِنَ الْعِشْرقِ
فَنَفْسَك فانْعَ وَلا تَنْعَنِي ... ودَاوِ الْكُلومَ وَلا تَبْرَقِ (3)
(1)
الشعر للحارث بن خالد المخزومي، الأغاني 9: 225- 226، وهذا البيت الذي من أجله أشخص الواثق إليه أبا عثمان المازني النحوي، وله قصة. انظر الأغاني 9: 234 وغيره، وفي المطبوعة: "أظلوم" ، والصواب من المخطوطة، والأغاني وأمالي الشجري 1: 107 وغيرها. وهذه الشواهد السالفة استشهاد من الطبري على أن الأسماء تقوم مقام المصادر فتعمل عملها في النصب. وظليم: هي أم عمران، زوجة عبد الله بن مطيع، وكان الحارث ينسب بها، فلما مات زوجها تزوجها.

(2)
أراد بقوله: "تصديرها" : أي جعلها مصادر تصدر عنها صوادر الأفعال، وذلك كقولك: ذهب ذهابًا، فذهب صدرت عن قولك "ذهاب" ، ويعمل عندئذ عمل الفعل. وعنى أنهم يخرجون المصدر على وزن الاسم فيعمل عمله، كقولك "الكلام" هو اسم ما تتكلم به، ولكنهم قالوا: كلمته كلامًا، فوضعوه موضع التكليم، وأخرجوا من "كلم" مصدرًا على وزن اسم ما تتكلم به، وهو الكلام، فكان المصدر: "كلامًا" .

(3)
الحديث 139- مضى هذا الخبر وتخريجه، برقم 137.

بفتح الراء، وفسَّره أنه يقول: لا تفزع من هول الجراح التي بك ; قال: وكذلك يبرُق البصر يوم القيامة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ) يعني: ببرق البصر: الموت، وبروق البصر: هي الساعة.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (بَرِقَ الْبَصَرُ) قال: عند الموت.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ) شخص البصر.
وقوله: (وَخَسَفَ الْقَمَرُ) يقول: ذهب ضوء القمر.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَخَسَفَ الْقَمَرُ) : ذهب ضوءه فلا ضوء له.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، عن الحسن
(وَخَسَفَ الْقَمَرُ) هو ضوءه، يقول: ذهب ضوءه.
وقوله: (وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) يقول تعالى ذكره: وجمع بين الشمس والقمر في ذهاب الضوء، فلا ضوء لواحد منهما، وهي في قراءة عبد الله فيما ذُكر لي (وجُمِعَ بَين الشَّمْس والقَمَرِ) وقيل: إنهما يجمعان ثم يكوّران، كما قال جلّ ثناؤه: (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) وإنما قيل: (وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) لما ذكرت من أن معناه جمع بينهما. وكان بعض نحويِّي الكوفة يقول: إنما قيل: وجمع على مذهب وجمع النوران، كأنه قيل: وجمع الضياءان، وهذا قول الكسائي.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) قال: كوّرا يوم القيامة.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) قال: جُمعا فرُمي بهما في الأرض.
وقوله: (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) قال: كوّرت في الأرض والقمر معها.
قال أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني سعيد بن أبي أيوب، عن أبي شيبة الكوفيّ، عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أنه تلا هذه الآية يوما: (وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) قال: يجمعان يوم القيامة، ثم يقذفان في البحر، فيكون نار الله الكبرى.
وقوله: (يَقُولُ الإنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ) بفتح الفاء، قرأ ذلك قرّاء الأمصار، لأن العين في الفعل منه مكسورة، وإذا كانت العين من يفعل مكسورة، فإن العرب تفتحها في المصدر منه إذا نطقت به على مَفعَل، فتقول: فرّ يفرّ مفرّا، يعني فرًّا، كما قال الشاعر:
يا لَبَكْرٍ انْشِرُوا لي كُلَيْبا ... يا لَبَكْرٍ أيْنَ أيْنَ الْفِرَارُ (1)
(1)
قوله: "يوضح" ساقطة من المطبوعة. وفيها مكان: "أول كل. . ." ، "في كل. ." .

إذا أريد هذا المعنى من مفعل قالوا: أين المفرّ بفتح الفاء، وكذلك المدبّ من دبّ يدبّ، كما قال بعضهم:
كأنَّ بَقايا الأثْرِ فَوْقَ مُتُونِه ... مَدَبُّ الدَّبَى فَوْقَ النَّقا وَهْوَ سارِح (1)
وقد يُنشد بكسر الدال، والفتح فيها أكثر، وقد تنطق العرب بذلك، وهو مصدر بكسر العين. وزعم الفرّاء أنهما لغتان، وأنه سُمع: جاء على مَدبّ السيل، ومدِبّ السيل، وما في قميصه مصَحّ ومصِحّ. فأما البصريون فإنهم في المصدر يفتحون العين من مَفْعَل إذا كان الفعل على يَفعِل، وإنما يُجيزون كسرها إذا أريد بالمفعل المكان الذي يفرّ إليه، وكذلك المضرب: المكان الذي يضرب فيه إذا كُسرت الراء. ورُوِي عن ابن عباس أنه كان يقرأ ذلك بكسر الفاء، ويقول: إنما المفِرّ: مفِر الدابة حيث تفرّ.
والقراءة التي لا أستجيز غيرها الفتح في الفاء من المَفرّ، لإجماع الحجة من القرّاء عليها، وأنها اللغة المعروفة في العرب إذا أريد بها الفرار، وهو في هذا الموضع الفرار. وتأويل الكلام: يقول الإنسان يوم يعاين أهوال يوم القيامة: أين المفرّ من هول هذا الذي قد نزل، ولا فرار.
يقول تعالى ذكره: (لا وَزَرَ) يقول جلّ ثناؤه: ليس هناك فرار ينفع صاحبه، لأنه لا ينجيه فِراره، ولا شيء يلجأ إليه من حصن ولا جبل ولا معقل، من أمر الله الذي قد حضر، وهو الوزر.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
(1)
التذكية: النحر والذبح. ذكيت الشاة تذكية: ذبحتها.

* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (كَلا لا وَزَرَ) يقول: لا حرز.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (كَلا لا وَزَرَ) يعني: لا حصن، ولا ملجأ.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، قال: ثنا إبراهيم بن طريف، قال: سمعت مُطَرِّف بن الشِّخِّير يقرأ: (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ) فلما أتى على: (كَلا لا وَزَرَ) قال: هو الجبل، إن الناس إذا فرّوا قالوا عليك بالوَزَر.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن بن مَهديّ، عن شعبة، عن أدهم، قال: سمعت مُطَرِّفا يقول: (كَلا لا وَزَرَ) قال: كلا لا جَبَل.
حدثنا نصر بن عليّ الجهضمي، قال: ثني أبي، عن خالد بن قيس، عن قتادة، عن الحسن، قال: (كَلا لا وَزَرَ) قال: لا جبل.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: (كَلا لا وَزَرَ) قال: كانت العرب تخيف بعضها بعضا، قال: كان الرجلان يكونان في ماشيتهما، فلا يشعران بشيء حتى تأتيهما الخيل، فيقول أحدهما لصاحبه، يا فلان الوَزَر الوَزَر، الجَبَل الجَبَل.
حدثني أبو حفص الحيريّ، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا أبو مودود، عن الحسن، في قوله: (كَلا لا وَزَرَ) قال: لا جبل.
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي مودود، قال: سمعت الحسن فذكر نحوه.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (لا وَزَرَ) لا ملجَأ ولا جبل.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (كَلا لا وَزَرَ) لا جبل ولا حِرْز ولا منجى. قال الحسن: كانت العرب في الجاهلية إذا خشوا عدوّا قالوا: عليكم الوزر: أي عليكم الجبل.
حدثنا محمد بن عبيد، قال: ثنا ابن المبارك، عن سفيان عن سليمان التيمي، عن شبيب، عن أبي قلابة في قوله: (كَلا لا وَزَرَ) قال: لا حصن.
حدثنا أحمد بن هشام، قال: ثنا عبيد الله، قال: أخبرنا سفيان، عن سليمان التيمي، عن شبيب، عن أبي قلابة بمثله.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سليمان التيمي، عن شبيب، عن أبي قلابة مثله.
قال (1) ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا مسلم بن طهمان، عن قتادة، في قوله: (لا وَزَرَ) يقول: لا حصن.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (لا وَزَرَ) قال: لا جبل.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن أبيه، عن مولى للحسن، عن سعيد بن جُبير (لا وَزَرَ) : لا حصن.
قال ثنا وكيع، عن أبي حجير، عن الضحاك: لا حصن.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (كَلا لا وَزَرَ) يعني: الجبل بلغة حِمْير.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (كَلا لا وَزَرَ) قال: لا مُتَغَيَّب يُتَغيب فيه من ذلك الأمر، لا منجَى له منه.
وقوله: (إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ) يقول تعالى ذكره: إلى ربك أيها الإنسان يومئذ الاستقرار، وهو الذي يقرّ جميع خلقه مقرّهم.
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم نحو الذي قلنا فيه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ) قال: استقر أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار. وقرأ قول الله: (وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) .
وقال آخرون: عني بذلك إلى ربك المنتهى.
(1)
استجاد أبو جعفر رضي الله عنه خير الرأي لحجته. والذي كتبه قبل، وما يأتي بعد، من أقوم ما قيل في شرح هذا الموضع الذي لجت فيه العقول والأقلام. وبيان ما قال أبو جعفر: إن قولك "اسم" في "بسم الله" ، إنما هو اسم مصدر (أو اسم حدث) ، أي هو في الأصل اسم لما تفعل من تسميتك الشيء، مثل "الكلام" اسم حدث لما تفعل من التكليم، ومثل "العطاء" اسم حدث لما تفعل من الإعطاء، ومثل "الغسل" ، اسم حدث لما تفعل من الاغتسال. وكأن أصله من قولك "سموت الشيء سموا" ، فأماتوا فعله الثلاثي وبقي مصدره، "سمو" ، فحذفوا واوه المتطرفة، فصار "سم" فأعاضوه منها ألفًا في أوله، فصار "اسم" ، كما كان قولك: "كلام" من فعل ثلاثي هو "كلم كلامًا" ، على مثال "ذهب ذهابًا" ، فأماتوا الفعل الثلاثي وبقي مصدره "كلام" ، فجعلوه اسم حدث لما تفعل من التكليم، ثم أخرجوا مصدر الرباعي على مخرج اسم هذا الحدث، فقالوا: "كلم يكلم كلامًا" ، بمعنى "كلم يكلم تكليمًا" .

فكذلك فعلوا في قولهم "سمى يسمى تسمية" : أخرجوا لهذا الرباعي مصدرًا على مخرج اسم الحدث وهو "اسم" ، فقالوا: "سمى يسمى اسمًا" ؛ بمعنى "سمى يسمى تسمية" . فقولك "كلام" بمعنى "تكليم" وقولك "اسم" بمعنى "تسمية" صُدِّرا على مخارج أسماء الأحداث. وإذن فالمضاف إلى اسمه تعالى في قولك "بسم الله" وأشباهها، إنما هو مصدر صدر على مخرج اسم الحدث، وهو اسم، من فعل رباعي هو "سمى يسمي" ، فكان بمعنى مصدره وهو "تسمية" . وهو في هذا المكان وأمثاله بمعنى المصدر "تسمية" ، لا بمعنى اسم الحدث لما تفعل من التسمية. (انظر: 123- 124، كلام الطبري في "أله" ) .
وهذا الذي قاله أبو جعفر رضي الله عنه أبرع ما قيل في شرح هذا الحرف من كلام العرب. وقد أحسن النظر وأدقه، حتى خفي على جلة العلماء الذين تكلموا في شرح معنى "اسم" في "بسم الله" وأشباهها، فأغفلوه إغفالا لخفائه ووعورة مأتاه، وإلفهم للكلام في الذي افتتحوه من القول في "الاسم" ، أهو المسمى أم غيره، أم هو صفة له، وما رسمه وما حده؟ وهذا باب غير الذي نحن فيه، فخلطوا فيه خلطًا، فجاء الطبري فمحص الحق تمحيصًا، وهو أرجح الآراء عندنا وأولاها بالتقديم، لمن وفق لفهمه، كما يقول أبو جعفر غفر الله له. وسيذكر بعد من الحجة ما يزيد المعنى وضوحًا وبيانًا. ولولا خوف الإطالة، لأتيت بالشواهد على ترجيح قول الطبري الذي أغفلوه، على كل رأي سبقه أو أتى بعده.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ) : أي المنتهى.
القول في تأويل قوله تعالى: {يُنَبَّأُ الإنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13) بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15) } .
يقول تعالى ذكره: يُخْبَر الإنسان يومئذ، يعني يوم يُجْمَع الشمس والقمر فيكوّران بما قدّم وأخَّر.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 27-07-2025, 03:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,935
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ القيامة
الحلقة (1368)
صــ 61 الى صــ70




واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ) فقال بعضهم: معنى ذلك: بما قدّم من عمل خير، أو شرّ أمامه، مما عمله في الدنيا قبل مماته، وما أخَّر بعد مماته من سيئة وحسنة، أو سيئة يعمل بها من بعده.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: (يُنَبَّأُ الإنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ) يقول: ما عمل قبل موته، وما سَنّ فعُمِل به بعد موته.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن عبد الكريم الجزري، عن زياد بن أبي مريم عن ابن مسعود قال: (بِمَا قَدَّمَ) من عمله (وأخَّرَ) من سنة عمل بها من بعده من خير أو شرّ.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: يُنَبأُ الإنسان بما قدم من المعصية، وأخر من الطاعة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (يُنَبَّأُ الإنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ) يقول: بما قدّم من المعصية، وأخَّر من الطاعة، فينبأ بذلك.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ينبأ بأوّل عمله وآخره.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن منصور عن مجاهد (يُنَبَّأُ الإنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ) قال: بأول عمله وآخره.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن مجاهد، مثله.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، مثله.
وحدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد وإبراهيم، مثله.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: (بمَا قَدَّمَ) من طاعة (وأخَّرَ) من حقوق الله التي ضيَّعها.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (يُنَبَّأُ الإنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ) من طاعة الله (وأخَّرَ) مما ضيع من حقّ الله.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ) قال: بما قَدّم من طاعته، وأخَّر من حقوق الله.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: بما قدّم من خير أو شرّ مما عمله، وما أخَّر مما ترك عمله من طاعة الله.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (يُنَبَّأُ الإنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ) قال: ما أخر ما ترك من العمل لم يعمله، ما ترك من طاعة الله لم يعمل به، وما قدم: ما عمل من خير أو شرّ.
والصواب من القول في ذلك عندنا، أن ذلك خبر من الله أن الإنسان ينبأ بكلّ ما قدّم أمامه مما عمل من خير أو شرّ في حياته، وأخَّر بعده من سنة حسنة أو سيئة مما قدّم وأخَّر، كذلك ما قدّم من عمل عمله من خير أو شرّ، وأخَّر بعده من عمل كان عليه فضيَّعه، فلم يعمله مما قدّم وأخَّر، ولم يخصص الله من ذلك بعضا دون بعض، فكلّ ذلك مما ينبأ به الإنسان يوم القيامة.
وقوله: (بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) يقول تعالى ذكره: بل للإنسان على نفسه من نفسه رقباء يرقبونه بعمله، ويشهدون عليه به.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) يقول: سمعه وبصره ويداه ورجلاه وجوارحه،
والبصيرة على هذا التأويل ما ذكره ابن عباس من جوارح ابن آدم وهي مرفوعة بقوله: (عَلَى نَفْسِهِ) ، والإنسان مرفوع بالعائد من ذكره في قوله: نفسه.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: بل الإنسان شاهد على نفسه وحده، ومن قال هذا القول جعل البصيرة خبرًا للإنسان، ورفع الإنسان بها.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) يقول: الإنسان شاهد على نفسه وحده.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله: (بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) قال: شاهد عليها بعملها.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) إذا شئت والله رأيته بصيرا بعيوب الناس وذنوبهم، غافلا عن ذنوبه؛ قال: وكان يقال: إن في الإنجيل مكتوبا: يا ابن آدم تبصر القذاة في عين أخيك، ولا تبصر الجذع المعترض في عينك.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) قال: هو شاهد على نفسه، وقرأ: (اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا) ومن قال هذه المقالة يقول: أدخلت الهاء في قوله (بَصِيرَةٌ) وهي خبر للإنسان، كما يقال للرجل: أنت حجة على نفسك، وهذا قول بعض نحويِّي البصرة. وكان بعضهم يقول: أدخلت هذه الهاء في بصيرة وهي صفة للذكر، كما أدخلت في راوية وعلامة.
وقوله: (وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ) اختلف أهل الرواية في معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه: بل للإنسان على نفسه شهود من نفسه، ولو اعتذر بالقول مما قد أتى من المآثم، وركب من المعاصي، وجادل بالباطل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ) يعني الاعتذار، ألم تسمع أنه قال:
(لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ) وقال الله: (وألقوا إلى الله يومئذ السَّلَم) ، (كنا نعمل من سوء) (1) . وقولهم: (وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ) .
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جُبير، في قولة: (بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) قال: شاهد على نفسه ولو اعتذر.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ) ولو جادل عنها، فهو بصيرة عليها.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن عمران بن حدير، قال: سألت عكرِمة، عن قوله: (بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ) قال: فسكت، فقلت له: إن الحسن يقول: ابن آدم عملك أولى بك، قال: صدق.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ) قال: معاذيرهم التي يعتذرون بها يوم القيامة فلا ينتفعون بها، قال: (يوم لا يؤذن لهم فيعتذرون) ويوم يؤذن لهم فيعتذرون فلا تنفعهم ويعتذرون بالكذب.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: بل للإنسان على نفسه من نفسه بصيرة ولو تجرّد.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني نصر بن عليّ الجهضمي، قال: ثني أبي، عن خالد بن قيس، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن ابن عباس، في قوله: (وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ) قال: لو تجرّد.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولو أرخى الستور وأغلق الأبواب.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن خلف العسقلاني، قال: ثنا رَوّاد، عن أبي حمزة، عن السديّ في قوله: (وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ) ولو أرخى الستور، وأغلق الأبواب.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: (وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ) لم تقبل.
(1)
ديوانه، القصيدة رقم: 21، والخزانة 2: 217، ثم يأتي في تفسير آية سورة التوبة: 90 (10: 144 بولاق) ، وآية سورة الرعد: 35 (13: 109) والشعر يقوله لابنتيه، إذ قال: تَمَنَّى ابنتَايَ أن يعيشَ أبُوهما ... وهَلْ أنا إلاَّ من ربيعة أو مُضَرْ!

ثم أمرهما بأمره فقال قبل بيت الشاهد: فقُومَا فقولاَ بالذي قد علمتُما ... ولا تَخْمِشا وجْهًا ولا تَحْلِقا شَعَرْ
وقولاَ: هو المرءُ الّذي لا خليلَه ... أَضاعَ، ولا خانَ الصديقَ، ولا غَدَرْ
فقوله "إلى الحول. ." أي افعلا ذلك إلى أن يحول الحول. والحول: السنة كاملة بأسرها. وقوله "اعتذر" هنا بمعنى أعذر: أي بلغ أقصى الغاية في العذر.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا نصر بن عليّ، قال: ثني أبي، عن خالد بن قيس، عن قتادة، عن الحسن: (وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ) لم تُقبل معاذيره.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ) قال: ولو اعتذر.
وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب قول من قال: معناه: ولو اعتذر لأن ذلك أشبه المعاني بظاهر التنزيل، وذلك أن الله جلّ ثناؤه أخبر عن الإنسان أن عليه شاهدًا من نفسه بقوله: (بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) فكان الذي هو أولى أن يتبع ذلك، ولو جادل عنها بالباطل، واعتذر بغير الحقّ، فشهادة نفسه عليه به أحقّ وأولى من اعتذاره بالباطل.
القول في تأويل قوله تعالى: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19) } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: لا تحرّك يا محمد بالقرآن لسانك لتعجل به.
واختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله قيل له: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) فقال بعضهم: قيل له ذلك، لأنه كان إذا نزل عليه منه شيء عجل به، يريد حفظه من حبه إياه، فقيل له: لا تعجل به فإنَّا سَنحفظُه عليك.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن سعيد بن حُبير، عن ابن عباس، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل عليه القرآن تعجَّل يريد حفظه، فقال الله تعالى ذكره: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) وقال ابن عباس: هكذا وحرّك شفتيه.
حدثني عبيد بن إسماعيل الهبَّاريّ ويونس قالا ثنا سفيان، عن عمرو، عن سعيد بن جُبير، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل عليه القرآن تعجَّل به يريد حفظه؛
وقال يونس: يحرِّك شفتيه ليحفظه، فأنزل الله: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) .
حدثني عبيد بن إسماعيل الهبَّاريّ، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي عائشة، سمع سعيد بن جُبير، عن ابن عباس مثله، وقال (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ) قال: هكذا، وحرَّك سفيان فاه.
حدثنا سفيان بن وكيع، قال: ثنا جرير، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس، في قوله: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) قال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه جبريل بالوحي، كان يحرّك به لسانه وشفتيه، فيشتدّ عليه، فكان يعرف ذلك فيه، فأنزل الله هذه الآية في "لا أقسم بيوم القيامة" (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) .
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس، قال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه القرآن، حرّك شفتيه، فيعرف بذلك، فحاكاه سعيد، فقال: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) قال: لتعجل بأخذه.
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن موسى بن أبي عائشة، قال: سمعت سعيد بن جُبير يقول: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) . قال: كان جبريل عليه السلام ينزل بالقرآن، فيحرِّك به لسانه، يستعجل به، فقال: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) .
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ربعي بن علية، قال: ثنا داود بن أبى هند، عن الشعبيّ في هذه الآية: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) قال: كان إذا نزل عليه الوحي عَجِل يتكلم به من حبه إياه، فنزل: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) .
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) قال: لا تكلم بالذي أوحينا إليك حتى يقضى إليك وحيه، فإذا قضينا إليك وحيه، فتكلم به.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت
الضحاك يقول في قوله: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ) قال: كان نبيّ الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي من القرآن حرّك به لسانه مخافة أن ينساه.
وقال آخرون: بل السبب الذي من أجله قيل له ذلك، أنه كان يُكثر تلاوة القرآن مخافة نسيانه، فقيل له: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) إن علينا أن نجمعه لك، ونقرئكه فلا تنسى.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) قال: كان لا يفتر من القرآن مخافة أن ينساه، فقال الله: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) إن علينا أن نجمعه لك، (وقرآنه) : أن نقرئك فلا تنسى.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ) قال: كان يستذكر القرآن مخافة النسيان، فقال له: كفيناكه يا محمد.
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن عُلَيَّه، قال: ثنا أبو رجاء، عن الحسن، في قوله: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرّك به لسانه ليستذكره، فقال الله: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) إنا سنحفظه عليك.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) كان نبيّ الله صلى الله عليه وسلم يحرّك به لسانه مخافة النسيان، فأنزل الله ما تسمع.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن فيكثر مخافة أن ينسى.
وأشبه القولين بما دلّ عليه ظاهر التنزيل، القول الذي ذُكر عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس، وذلك أن قوله: (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) ينبئ أنه إنما نهى عن تحريك اللسان به متعجلا فيه قبل جمعه، ومعلوم أن دراسته للتذكر إنما كانت تكون من النبيّ صلى الله عليه وسلم من بعد جمع الله له ما يدرس من ذلك.
وقوله: (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) يقول تعالى ذكره: إن علينا جمع هذا القرآن في صدرك يا محمد حتى نثبته فيه (وُقرآنَهُ) يقول: وقرآنه حتى تقرأه بعد أن جمعناه في صدرك.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ) قال: في صدرك (وَقُرآنَهُ) قال: تقرؤه بعد.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) أن نجمعه لك، (وَقُرآنَهُ) : أن نُقرئك فلا تنسى.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) يقول: إن علينا أن نجمعه لك حتى نثبته في قلبك.
وكان آخرون يتأوّلون قوله: (وَقُرآنَهُ) وتأليفه. وكان معنى الكلام عندهم: إن علينا جمعه في قلبك حتى تحفظه، وتأليفه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) يقول حفظه وتأليفه.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) قال: حفظه وتأليفه. وكان قتادة وجَّه معنى القرآن إلى أنه مصدر من قول القائل: قد قَرَأَتْ هذه الناقةُ في بطنها جَنينا، إذا ضمت رحمها على ولد، كما قال عمرو بن كلثوم:
ذِرَاعَيْ عَيْطَلٍ أدْمَاءَ بِكْرٍ ... هِجانِ اللَّوْنِ لمْ تَقرأ جَنِينا (1)
(1)
هذا المقدم في العلم بلغة العرب، هو أبو عبيدة معمر بن المثنى، في كتابه مجاز القرآن: 16. وقد وقع بين ماضغى أسد! وهذا الذي يأتي كله تقريع مرير من أبي جعفر لأبي عبيدة.

يعني بقوله: (لَمْ تَقرأ) لم تضمّ رحما على ولد. وأما ابن عباس والضحاك فإنما وجها ذلك إلى أنه مصدر من قول القائل: قرأت أقرأ قرآنا وقراءة.
وقوله: (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) اختلف أهل التأويل في تأويله. فقال بعضهم: تأويله: فإذا أنزلناه إليك فاستمع قرآنه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور وابن أبي عائشة، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ) : فإذا أنزلناه إليك (فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) قال: فاستمع قرآنه.
حدثنا سفيان بن وكيع، قال: ثنا جرير، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) : فإذا أنزلناه إليك فاستمع له.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: إذا تُلي عليك فاتبع ما فيه من الشرائع والأحكام.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) يقول: إذا تلي عليك فاتبع ما فيه.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) يقول: اتبع حلالَه، واجتنب حرامه.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) يقول: فاتبع حلاله، واجتنب حرامه.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) يقول: اتبع ما فيه.
وقال آخرون: بل معناه: فإذا بيَّناه فاعمل به.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) يقول: اعمل به.
وأولى هذه الأقوال بالصواب في ذلك قول من قال: فإذا تُلي عليك فاعمل به من الأمر والنهي، واتبع ما أُمرت به فيه، لأنه قيل له: (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ) في صدرك (وقُرآنَهُ) ودللنا على أن معنى قوله: (وقُرآنَهُ) : وقراءته، فقد بين ذلك عن معنى قوله: (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) يقول تعالى ذكره: ثم إن علينا بيان ما فيه من حلاله وحرامه، وأحكامه لك مفصلة.
واختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: نحو الذي قلنا فيه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) يقول: حلاله وحرامه، فذلك بيانه.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) بيان حلاله، واجتناب حرامه، ومعصيته وطاعته.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ثم إن علينا تبيانه بلسانك.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) قال: تبيانه بلسانك.
القول في تأويل قوله تعالى: {كَلا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20) وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ (21) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25) } .
يقول تعالى ذكره لعباده المخاطبين بهذا القرآن المؤثرين زينة الحياة الدنيا على الآخرة: ليس الأمر كما تقولون أيها الناس من أنكم لا تبعثون بعد مماتكم، ولا تجازون بأعمالكم، لكن الذي دعاكم إلى قيل ذلك محبتكم الدنيا العاجلة، وإيثاركم شهواتها على آجل الآخرة
ونعيمها، فأنتم تومنون بالعاجلة، وتكذّبون بالآجلة.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (كَلا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ) اختار أكثر الناس العاجلة، إلا من رحم الله وعصم.
وقوله: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ) يقول تعالى ذكره: وجوه يومئذ، يعني يوم القيامة ناضرة: يقول حسنة جميلة من النعيم؛ يقال من ذلك: نَضُر وجه فلان: إذا حَسُن من النعمة، ونضَّرَ الله وجهه: إذا حسَّنه كذلك.
واختلف أهل التأويل في ذلك، فقال بعضهم بالذي قلنا فيه.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 27-07-2025, 03:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,935
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ القيامة
الحلقة (1369)
صــ 71 الى صــ80





* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن إسماعيل البخاري، قال: ثنا آدم، قال: ثنا المبارك، عن الحسن (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ) قال: حسنة.
حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور عن مجاهد (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ) قال: نُضرة الوجوه: حُسنها.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، مثله.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ) قال: الناضرة: الناعمة.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ) قال: الوجوه الحسنة.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ) قال: من السرور والنعيم والغبطة.
وقال آخرون: بل معنى ذلك أنها مسرورة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهد، في قوله: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ) قال: مسرورة (إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) .
اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: أنها تنظر إلى ربها.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن منصور الطوسي، وإبراهيم بن سعيد الجوهري قالا ثنا عليّ بن الحسن بن شقيق، قال: ثنا الحسين بن واقد، عن يزيد النحويّ، عن عكرِمة قال: (تنظر إلى ربها نظرا) .
حدثتا محمد بن عليّ بن الحسن بن شقيق، قال: سمعت أبي يقول: أخبرني الحسين بن واقد في قوله: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ) من النعيم (إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) قال: أخبرني يزيد النحوي، عن عكرِمة وإسماعيل بن أبي خالد، وأشياخ من أهل الكوفة، قال: تنظر إلى ربها نظرا.
حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري، قال: ثنا آدم قال: ثنا المبارك عن الحسن، في قوله: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ) قال: حسنة (إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) قال: تنظر إلى الخالق، وحُقَّ لها أن تنضر وهي تنظر إلى الخالق.
حدثني سعد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا خالد بن عبد الرحمن، قال: ثنا أبو عرفجة، عن عطية العوفي، في قوله: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) قال: هم ينظرون إلى الله لا تحيط أبصارهم به من عظمته، وبصره محيط بهم، فذلك قوله: (لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ) .
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنها تنتظر الثواب من ربها.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا عمر بن عبيد، عن منصور، عن مجاهد (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) قال: تنتظر منه الثواب.
قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد (إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) قال: تنتظر الثواب من ربها.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد (إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) قال: تنتظر الثواب.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور عن مجاهد (إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) قال: تنتظر الثواب من ربها، لا يراه من خلقه شيء.
حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن
الأعمش، عن مجاهد (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ) قال: نضرة من النعيم (إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) قال: تنتظر رزقه وفضله.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، قال: كان أناس يقولون في حديث: "فيرون ربهم" فقلت لمجاهد: إن ناسا يقولون إنه يرى، قال: يَرى ولا يراه شيء.
قال ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: (إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) قال: تنتظر من ربها ما أمر لها.
حدثني أبو الخطاب الحساني، قال: ثنا مالك، عن سفيان، قال: ثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح، في قوله: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) قال: تنتظر الثواب.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا الأشجعي، عن سفيان، عن ثوير، عن مجاهد، عن ابن عمر، قال: "إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى مُلكِه وسرره وخدمه مسيرة ألف سنة، يرى أقصاه كما يرى أدناه، وإن أرفع أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى وجه الله بُكرة وعشية" .
قال: ثنا ابن يمان، قال: ثنا أشجع، عن أبي الصهباء الموصلي، قال: "إن أدنى أهل الجنة منزلة، من يرى سرره وخدمه ومُلكهُ في مسيرة ألف سنة، فيرى أقصاه كما يرى أدناه، وإن أفضلهم منزلة، من ينظر إلى وجه الله غدوة وعشية" .
وأولى القولين في ذلك عندنا بالصواب القول الذي ذكرناه عن الحسن وعكرِمة، من أن معنى ذلك تنظر إلى خالقها، وبذلك جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
حدثني عليّ بن الحسين بن أبجر، قال: ثنا مصعب بن المقدام، قال: ثنا إسرائيل بن يونس، عن ثوير، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ أدْنى أهْلِ الجَنَّةِ مَنزلَةً، لَمَنْ يَنْظُرُ فِي مُلْكِهِ ألْفَيْ سَنَةٍ، قال: وإنَّ أفضَلَهُمْ مَنزلَةً لَمَن يَنْظُرُ فِي وَجْهِ اللهِ كُلَّ يَوْم مَرَّتَينِ ; قال: ثم تلا (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) قال: بالبياض والصفاء، قال: (إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) قال: تنظر كلّ يوم في وجه الله عزّ وجلّ" .
وقوله: (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ) يقول تعالى ذكره: ووجوه يومئذ متغيرة
الألوان، مسودة كالحة، يقال: بسرت وجهه أبسره بسًرا: إذا فعلت ذلك، وبسر وجهه فهو باسر بيِّن البسور.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (باسِرَةٌ) قال: كاشرة.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ) أي: كالحة.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (باسِرَةٌ) قال: عابسة.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (باسِرَةٌ) قال: عابسة.
وقوله: (تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ) يقول تعالى ذكره: تعلم أنه يفعل بها داهية، والفاقرة: الداهية.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ) قال: داهية.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ) أي: شرّ.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد، في قوله: (تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ) قال: تظن أنها ستدخل النار، قال: تلك الفاقرة، وأصل الفاقرة: الوسم الذي يُفْقَر به على الأنف.
القول في تأويل قوله تعالى: كَلا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (26) وَقِيلَ
مَنْ رَاقٍ (27) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (28) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ (30) .
يقول تعالى ذكره: ليس الأمر كما يظنّ هؤلاء المشركون من أنهم لا يعاقبون على شركهم ومعصيتهم ربهم بل إذا بلغت نفس أحدهم التراقي عند مماته وحشرج بها.
وقال ابن زيد في قول الله: (كَلا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ) قال: التراقي: نفسه.
حدثني بذلك يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: (وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ) يقول تعالى ذكره: وقال أهله: من ذا يرقيه ليشفيه مما قد نزل به، وطلبوا له الأطباء والمداوين، فلم يغنوا عنه من أمر الله الذي قد نزل به شيئا.
واختلف أهل التأويل في معنى قوله: (مَنْ رَاقٍ) فقال بعضهم نحو الذي قلنا في ذلك.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُريب وأبو هشام، قالا ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرِمة (وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ) قال: هل من راق يرقي.
حدثنا أبو كُرَيب وأبو هشام، قالا ثنا وكيع، عن سفيان، عن سليمان التيمي، عن شبيب، عن أبي قِلابة (وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ) قال: هل من طبيب شاف.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران عن سفيان، عن سليمان التيمي، عن شبيب، عن أبي قلابة، مثله.
حدثنا الحسن بن عرفة، قال: ثنا مروان بن معاوية، عن أبي بسطام، عن الضحاك بن مزاحم في قول الله تعالى ذكره: (وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ) قال: هو الطبيب.
حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا ابن إدريس، عن جويبر، عن الضحاك في (وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ) قال: هل من مداوٍ.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ) أي: التمسوا له الأطباء فلم يُغْنوا عنه من قضاء الله شيئا.
حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن يزيد في قوله: (وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ) قال: أين الأطباء، والرُّقاة: من يرقيه من الموت.
وقال آخرون: بل هذا من قول الملائكة بعضهم لبعض، يقول بعضهم لبعض: من يَرقى بنفسه فيصعد بها.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو هشام، قال: ثنا معاذ بن هشام، قال: ثني أبي، عن عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس (كَلا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ) قال: إذا بلغت نفسه يرقى بها، قالت الملائكة: من يصعد بها، ملائكة الرحمة، أو ملائكة العذاب؟
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه، في قوله: (وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ) قال: بلغني عن أبي قلابة قال: هل من طبيب؟ قال: وبلغني عن أبي الجوزاء أنه قال: قالت الملائكة بعضهم لبعض: من يرقَى: ملائكة الرحمة، أو ملائكة العذاب؟
وقوله: (وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ) يقول تعالى ذكره: وأيقن الذي قد نزل ذلك به أنه فراق الدنيا والأهل والمال والولد.
وبنحو الذي قلنا في ذاك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ) أي: استيقن أنه الفراق.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ) قال: ليس أحد من خلق الله يدفع الموت، ولا ينكره، ولكن لا يدري يموت من ذلك المرض أو من غيره؟ فالظنّ كما هاهنا هذا.
وقوله: (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: والتفَّت شدّة أمر الدنيا بشدّة أمر الآخرة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: ثنا معاذ بن هشام، قال: ثني أبى، عن عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء عن ابن عباس (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) قال: الدنيا بالآخرة شدّة
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) يقول: آخر يوم من الدنيا، وأوّل يوم من الآخرة، فتلتقي الشدّة بالشدة، إلا من رحم الله.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) يقول: والتفَّت الدنيا بالآخرة، وذلك ساق الدنيا والآخرة، ألم تسمع أنه يقول: (إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ) .
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثنا الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) قال: التفّ أمر الدنيا بأمر الآخرة عند الموت.
حدثنا أبو كُريب وأبو هشام، قالا ثنا وكيع، عن سفيان، عن رجل، عن مجاهد، قال: آخر يوم من الدنيا، وأول يوم من الآخرة.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) قال: قال الحسن: ساق الدنيا بالآخرة.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن مجاهد، قال: هو أمر الدنيا والآخرة عند الموت.
حدثني عليّ بن الحسين، قال: ثنا يحيى بن يمان، عن أبي سنان الشيباني، عن ثابت، عن الضحاك في قوله: (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) قال: أهل الدنيا يجهزون الجسد، وأهل الآخرة يجهزون الروح.
حدثنا أبو هشام، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي سنان، عن الضحاك، مثله
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الضحاك، قال: اجتمع عليه أمران، الناس يجهِّزون جسده، والملائكة يجهزون روحه.
حدثنا أبو هشام، قال: ثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك، قال: ساق الدنيا بساق الآخرة.
حدثنا أبو هشام، قال: ثنا جعفر بن عون، عن أبي جعفر، عن الربيع مثله، وزاد: ويقال: التفافهما عند الموت.
حدثنا أبو هشام، قال: ثنا ابن يمان، عن فضيل بن مرزوق، عن عطية قال: الدنيا والآخرة.
قال: ثنا ابن يمان، عن عبد الوهاب بن مجاهد، عن أبيه، قال: أمر الدنيا بأمر الآخرة.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) قال: أمر الدنيا بأمر الآخرة.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) قال: الشدّة بالشدّة، ساق الدنيا بساق الآخرة.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، قال: سألت إسماعيل بن أبي خالد، فقال: عمل الدنيا بعمل الآخرة.
حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا وكيع، عن سلمة، عن الضحاك، قال: هما الدنيا والآخرة.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) قال: العلماء يقولون فيه قولين: منهم من يقول: ساق الآخرة بساق الدنيا. وقال آخرون: قلّ ميت يموت إلا التفَّت إحدى ساقيه بالأخرى. قال ابن زيد: غير أنَّا لا نشكّ أنها ساق الآخرة، وقرأ: (إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ) قال: لما التفَّت الآخرة بالدنيا، كان المساق إلى الله، قال: وهو أكثر قول من يقول ذلك.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: التفَّت ساقا الميت إذا لفتا في الكفن.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا ابن يمان، قال: ثنا بشير بن المهاجر، عن الحسن، في قوله: (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) قال: لفُّهما في الكفن.
حدثنا أبو هشام، قال: ثنا وكيع وابن اليمان، عن بشير بن المهاجر، عن الحسن، قال: هما ساقاك إذا لفَّتا في. الكفن.
حدثنا أبو كُريب، قال: حدثنا وكيع عن بشير بن المهاجر، عن الحسن، مثله.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: التفاف ساقي الميت عند الموت.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا حميد بن مسعدة، قال ثنا بشر بن المفضل، قال: ثنا داود، عن عامر (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) قال: ساقا الميت.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الوهاب وعبد الأعلى، قالا ثنا داود، عن عامر قال: التفَّت ساقاه عند الموت.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثني ابن أبى عديّ، عن داود، عن الشعبيّ مثله.
حدثني إسحاق بن شاهين، قال: ثنا خالد، عن داود، عن عامر، بنحوه.
حدثنا أبو كُريب وأبو هشام قالا ثنا وكيع، عن سفيان، عن حصين عن أبي مالك (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) قال: عند الموت.
حدثنا أبو هشام، قال: ثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن السديّ، عن أبي مالك، قال: التفَّت ساقاك عند الموت.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) لفَّهما أمر الله.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر قال: قال الحسن: ساقا ابن آدم عند الموت.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن إسماعيل السديّ، عن أبي مالك (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) قال: هما ساقاه إذا ضمت إحداهما بالأخرى.
حدثنا ابن بشار وابن المثنى، قالا ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن قتادة (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) قال قتادة: أما رأيته إذا ضرب برجله رجله الأخرى.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) ماتت رجلاه فلا يحملانه إلى شيء، فقد كان عليهما جوّالا.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن السديّ، عن أبي مالك (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) قال: ساقاه عند الموت.
وقال آخرون: عُنِيَ بذلك يبسهما عند الموت.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن السديّ، عن أبي مالك (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) قال: يبسهما عند الموت.
حدثنا أبو هشام، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن السديّ، مثله.
وقال آخرون: معنى ذلك: والتفّ أمر بأمر.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُريب وأبو هشام قالا ثنا وكيع، قال: ثنا ابن أبي خالد، عن
أبي عيسى (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) قال: الأمر بالأمر.
وقال آخرون: بل عني بذلك: والتفّ بلاء ببلاء.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو هشام، قال: ثنا عبيد الله، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد، قال: بلاء ببلاء.
وأولى الأقوال في ذلك بالصحة عندي قول من قال: معنى ذلك: والتفَّت ساق الدنيا بساق الآخرة، وذلك شدّة كرب الموت بشدة هول المطلع، والذي يدل على أن ذلك تأويله، قوله: (إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ) والعرب تقول لكلّ أمر اشتدّ: قد شمر عن ساقه، وكشف عن ساقه، ومنه قول الشاعر:
إذَا شَمَّرَتْ لَكَ عَنْ ساقها ... فَرِنها رَبِيعُ وَلا تَسأَم (1)
عني بقوله: (الْتَفَّتِ السَّاقُ بالسَّاقِ) التصقت إحدى الشِّدّتين بالأخرى، كما يقال للمرأة إذا التصقت إحدى فخذيها بالأخرى: لفَّاء.
وقوله: (إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ) يقول: إلى ربك يا محمد يوم التفاف الساق بالساق مساقه.
القول في تأويل قوله تعالى: {فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى (31) وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (32) ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (33) أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (34) ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (35) أَيَحْسَبُ الإنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) } .
يقول تعالى ذكره: فلم يصدّق بكتاب الله، ولم يصلّ له صلاة، ولكنه كذّب بكتاب الله، وتولى فأدبر عن طاعة الله.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
(1)
في المطبوعة: "إذا وأخر" . وقوله "فرفع الاسم" ، يعني ما في قول لبيد "ثم اسم" ، وكان حقه أن ينصب على الإغراء لو قال: "ثم عليكما اسم السلام" بتقديم الإغراء.

* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى) لا صدّق بكتاب الله، ولا صلى لله (وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) كذّب بكتاب الله، وتولى عن طاعة الله.
وقوله: (ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى) يقول تعالى ذكره: ثم مضى إلى أهله منصرفا إليهم، يتبختر في مِشيته.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 27-07-2025, 03:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,935
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع والعشرون
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الإنسان
الحلقة (1370)
صــ 81 الى صــ90






* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى) أي: يتبختر.
حدثني سعيد بن عمرو السكوني، قال: ثنا بقية بن الوليد، عن ميسرة بن عبيد، عن زيد بن أسلم، في قوله: (ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى) قال: يتبختر، قال: هي مشية بني مخزوم.
حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا وكيع، عن موسى بن عبيدة، عن إسماعيل بن أمية عن مجاهد (ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى) قال: رأى رجلا من قريش يمشي، فقال: هكذا كان يمشي كما يمشي هذا، كان يتبختر.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (يَتَمَطَّى) قال: يتبختر وهو أبو جهل بن هشام، كانت مِشيته.
وقيل: إن هذه الآية نزلت في أبي جهل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (يَتَمَطَّى) قال: أبو جهل.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى) قال: هذا في أبي جهل متبخرا.
وإنما عُني بقوله: (يَتَمَطَّى) يلوي مطاه تبخترا، والمطا: هو الظهر، ومنه الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا مَشَتْ أُمَّتِي المُطَيطَاءَ" وذلك أن يلقي الرجل بيديه ويتكفأ.
وقوله (أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى) هذا وعيد من الله على وعيد لأبي جهل.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى) وعيد على وعيد، كما تسمعون، زعم أن هذا أنزل في عدوّ الله أبي جهل. ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم أخذ بمجامع ثيابه فقال: (أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى) فقال عدوّ الله أبو جهل: أيوعدني محمد؟ والله ما تستطيع لي أنت ولا ربك شيئا، والله لأنا أعزّ من مشى بين جبليها.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: أخذ النبيّ صلى الله عليه وسلم بيده، يعني بيد أبي جهل، فقال: (أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى) فقال: يا محمد، ما تستطيع أنت وربك فيّ شيئا، إني لأعزّ من مشى بين جبليها، فلما كان يوم بدر أشرف عليهم فقال: لا يُعبد الله بعد هذا اليوم، وضرب الله عنقه، وقتله شرّ قِتلة.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى) قال: قال أبو جهل: إن محمدا ليوعدني، وأنا أعزّ أهل مكة والبطحاء، وقرأ: (فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ كَلا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) .
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن موسى بن أبي عائشة، قال: قلت لسعيد بن جُبير: أشيء قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم من قِبَل نفسه، أم أمر أمره الله به؟ قال: بل قاله من قِبَل نفسه، ثم أنزل الله: (أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى) .
وقوله: (أَيَحْسَبُ الإنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى) يقول تعالى ذكره: أيظنّ هذا الإنسان الكافر بالله أن يترك هملا أن لا يؤمر ولا ينهى، ولا يتعبد بعبادة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس قوله: (أَيَحْسَبُ الإنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى) يقول: هملا.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (أَيَحْسَبُ الإنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى) قال: لا يُؤمر، ولا يُنْهى.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (أَيَحْسَبُ الإنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى) قال السديّ: الذي لا يفترض عليه عمل ولا يعمل.
القول في تأويل قوله تعالى: {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأنْثَى (39) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40) } .
يقول تعالى ذكره: ألم يك هذا المنكر قدرة الله على إحيائه من بعد مماته، وإيجاده من بعد فنائه (نُطْفَةً) يعني: ماء قليلا في صلب الرجل من منيّ.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (يُمْنَى) فقرأه عامة قرّاء المدينة والكوفة: (تُمْنَى) بالتاء بمعنى: تمنى النطفة، وقرأ ذلك بعض قرّاء مكة والبصرة: (يُمْنَى) بالياء، بمعنى: يمنى المنيّ.
والصواب من القول أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
وقوله: (ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً) يقول تعالى ذكره: ثم كان دما من بعد ما كان نطفة، ثم علقة، ثم سوّاه بشرًا سويا، ناطقا سميعا بصيرا (فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأنْثَى) يقول تعالى ذكره: فجعل من هذا الإنسان بعدما سوّاه خلقا سويا أولادًا له، ذكورا وإناثا (أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) يقول تعالى ذكره: أليس الذي فعل ذلك فخلق هذا الإنسان من نطفة، ثم علقة حتى صيره إنسانا سويا، له أولاد ذكور وإناث، بقادر على أن يُحيي الموتى من مماتهم، فيوجدهم كما كانوا من قبل مماتهم.
يقول: معلوم أن الذي قَدِر على خَلق الإنسان من نطفة من منيّ يمنى، حتى صيره بشرا سويًا، لا يُعجزه إحياء ميت من بعد مماته، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ ذلك قال: بلى.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأها قال: سبحانك وبلَى.
آخر تفسير سورة القيامة.



تفسير سورة هل أتى على الإنسان



بسم الله الرحمن الرحيم
القول في تأويل قوله تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الإنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1) إِنَّا خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) } .
يعني جلّ ثناؤه بقوله: (هَلْ أَتَى عَلَى الإنْسَانِ) قد أتى على الإنسان، وهل في هذا الموضع خبر لا جحد، وذلك كقول القائل لآخر يقرّره: هل أكرمتك؟ وقد أكرمه؛ أو هل زرتك؟ وقد زاره، وقد تكون جحدا في غير هذا الموضع، وذلك كقول القائل لآخر: هل يفعل مثل هذا أحد؟ بمعنى: أنه لا يفعل ذلك أحد. والإنسان الذي قال جل ثناؤه في هذا الموضع: (هَلْ أَتَى عَلَى الإنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) : هو آدم صلى الله عليه وسلم كذلك.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (هَلْ أَتَى عَلَى الإنْسَانِ) آدم أتى عليه (حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا) إنما خلق الإنسان ها هنا حديثا، ما يعلم من خليقة الله كانت بعد الإنسان.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله: (هَلْ أَتَى عَلَى الإنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا) قال: كان آدم صلى الله عليه وسلم آخر ما خلق من الخلق.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان (هَلْ أَتَى عَلَى الإنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) قال: آدم.
وقوله: (حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) اختلف أهل التأويل في قدر هذا الحين الذي ذكره الله في هذا الموضع، فقال بعضهم: هو أربعون سنة، وقالوا: مكثت طينة آدم مصوّرة لا تنفخ
فيها الرّوح أربعين عامًا، فذلك قدر الحين الذي ذكره الله في هذا الموضع، قالوا: ولذلك قيل: (هَلْ أَتَى عَلَى الإنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا) لأنه أتى عليه وهو جسم مصوّر لم تنفخ فيه الروح أربعون عاما، فكان شيئا، غير أنه لم يكن شيئا مذكورا، قالوا: ومعنى قوله: (لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا) لم يكن شيئا له نباهة ولا رفعة، ولا شرف، إنما كان طينا لازبًا وحمأ مسنونا.
وقال آخرون: لا حدّ للحين في هذا الموضع؛ وقد يدخل هذا القول من أن الله أخبر أنه أتى على الإنسان حين من الدهر، وغير مفهوم في الكلام أن يقال: أتى على الإنسان حين قبل أن يوجد، وقبل أن يكون شيئا، وإذا أُريد ذلك قيل: أتى حين قبل أن يُخلق، ولم يقل أتى عليه. وأما الدهر في هذا الموضع، فلا حدّ له يوقف عليه.
وقوله: (إِنَّا خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ) يقول تعالى ذكره: إنا خلقنا ذرّية آدم من نطفة، يعني: من ماء الرجل وماء المرأة، والنطفة: كلّ ماء قليل في وعاء كان ذلك ركية أو قربة، أو غير لك، كما قال عبد الله بن رواحة:
هَلْ أنْتِ إلا نُطْفَةٌ في شَنَّه (1)
وقوله: (أمْشاجٍ) يعني: أخلاط، واحدها: مشج ومشيج، مثل خدن وخدين؛ ومنه قول رؤبة بن العجاج:
يَطْرَحْنَ كُلَّ مُعْجَلٍ نَشَّاج ... لَمْ يُكْسَ جِلْدًا في دَمٍ أمْشاجِ (2)
(1)
هذا رجز في خبر طويل، الخزانة 3: 17 قيل هزءًا برجل ألقوه في بئر ثم رجزوا به. والمائح: هو الرجل الذي ينزل إلى قرار البئر إذا قل ماؤها، فيلقي الدلاء فيملؤها بيده ويميح لأصحابه.

(2)
الأول بغير شك أولى الأقوال بالصواب. فإنه كان قد أمر ابنتيه - كما قدمنا في أبياته السالفة، أن تقوما لتنوحا عليه بما أمرهما من ندبه وتأبينه ورثائه، وأن تفعلا ذلك منذ يموت إلى أن يحول عليه الحول، فلا معنى بعد أن يلقي السلام عليهما، أي تحية المفارق، بعد الحول، فقد فارقهما منذ حول كامل. وأولى به أن يدعو لهما، أو يستكفهما عما أمرهما به، إذ قضتا ما أمرهما على الوجه الذي أحب، "ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر" ، كأنه قال: كفا عندئذ عما أمرتكما، فإن من بكى حولا فقد بلغ أقصى ما يسعه العذر. فسياق الشعر يقطع بترجيح ما ذهب إليه الطبري عامة، وإلى الجزم بأن معنى "ثم اسم السلام عليكما" هو: الزما ذكر الله، ودعا ذكرى، والبكاء علي، والوجد بي.

يقال منه: مشجت هذا بهذا: إذا خلطته به، وهو ممشوج به ومشيج: أي مخلوط به، كما قال أبو ذؤيب:
كأنَّ الرّيشَ والفُوقَيْن مِنْه ... خِلالَ النَّصْل سِيطَ بِهِ مَشِيجُ (1)
واختلف أهل التأويل في معنى الأمشاج الذي عني بها في هذا الموضع، فقال بعضهم: هو اختلاط ماء الرجل بماء المرأة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُريب وأبو هشام الرفاعي قالا ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن الأصبهاني، عن عكرِمة (أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ) قال: ماء الرجل وماء المرأة يمشج أحدهما بالآخر.
حدثنا أبو هشام، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن ابن الأصبهاني، عن عكرِمة قال: ماء الرجل وماء المرأة يختلطان.
قال: ثنا أبو أسامة، قال: ثنا زكريا، عن عطية، عن ابن عباس، قال: ماء المرأة وماء الرجل يمشجان.
قال: ثنا عبيد الله، قال: أخبرنا إسرائيل، عن السديّ، عمن حدّثه، عن ابن عباس، قال: ماء المرأة وماء الرجل يختلطان.
قال: ثنا عبد الله، قال: أخبرنا أبو جعفر، عن الربيع بن أنس، قال: إذا اجتمع ماء الرجل وماء المرأة فهو أمشاج.
قال: ثنا أبو أُسامة، قال: ثنا المبارك، عن الحسن، قال: مُشج ماء المرأة مع ماء الرجل.
(1)
الحديث 140- هذا حديث موضوع، لا أصل له. وهو أطول من هذا، وسيأتي بعضه برقمي 145، 147، فصل الطبري كل قسم منه في موضعه، وفيه زيادة أخرى، في تفسير كلمات "أبجد هوز" . إلخ. رواه بطوله ابن حبان الحافظ، في كتاب المجروحين، في ترجمة إسماعيل بن يحيى بن عبد الله التيمي، رقم: 44 ص85، وقال في إسماعيل هذا: "كان ممن يروي الموضوعات عن الثقات، وما لا أصل له عن الأثبات، لا تحل الرواية عنه، ولا الاحتجاج به بحال" . ثم ضرب مثلا من أكاذيبه، فروى الحديث بطوله، عن محمد بن يحيى بن رزين العطار عن إبراهيم بن العلاء بن الضحاك، بالإسناد الثاني الذي هنا، من حديث أبي سعيد الخدري. وذكره ابن كثير في التفسير 1: 35 نقلا عن ابن مردويه، من حديث أبي سعيد وحده، جمع فيه الأقسام الثلاثة التي فرقت هنا. ثم أشار إلى رواية الطبري إياه. ثم قال: "وهذا غريب جدا، وقد يكون صحيحًا إلى من دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد يكون من الإسرائيليات لا من المرفوعات" ! وما أدري كيف فات الحافظ ابن كثير أن في إسناده هذا الكذاب، فتسقط روايته بمرة، ولا يحتاج إلى هذا التردد. وأما السيوطي، فقد ذكره في الدر المنثور 1: 8، ونسبه لابن جرير وابن عدي في الكامل وابن مردويه وأبي نعيم في الحلية وابن عساكر في تاريخ دمشق والثعلبي، ولم يغفل عن علته؛ فذكر أنه "بسند ضعيف جدا" . وترجم الذهبي في الميزان 1: 117، وتبعه ابن حجر في لسان الميزان 1: 441- 442 لإسماعيل بن يحيى هذا، وفي ترجمته: "قال صالح بن محمد جزرة: كان يضع الحديث. وقال الأزدي: ركن من أركان الكذب، لا تحل الرواية عنه. . . وقال أبو علي النيسابوري الحافظ والدارقطني والحاكم: كذاب" . وقال ابن حجر: "مجمع على تركه" . وذكر هو والذهبي هذا الحديث مثالا من أكاذيبه.

ثم إن إسناده الأول، الذي رواه إسماعيل بن يحيى عن أبي مليكة، فيه أيضًا راو مجهول، وهو "من حدثه عن ابن مسعود" . وإسناده الثاني، الذي رواه إسماعيل هذا عن مسعر بن كدام، فيه أيضًا "عطية بن سعد بن جنادة العوفي" ، وهو ضعيف، ضعفه أحمد وأبو حاتم وغيرهما.
والزيادة بين قوسين، في لقب إبراهيم بن العلاء من المخطوطة. و "زبريق" : بكسر الزاي والراء بينهما ياء موحدة ساكنة. وهو لقب إبراهيم، فيما قيل. والصحيح أنه لقب أبيه، فقد قال البخاري في ترجمته في الكبير 1 / 1 / 307: "زعم إبراهيم أن أباه كان يدعى زبريق" . وقال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 1 / 1 / 121: "إبراهيم بن العلاء. . . يعرف بابن الزبريق" .
قال: ثنا عبيد الله، قال: أخبرنا عثمان بن الأسود، عن مجاهد، قال: خلق الله الولد من ماء الرجل وماء المرأة، وقد قال الله: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى) .
قال: ثنا عبيد الله، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد، قال: خلق من تارات ماء الرجل وماء المرأة.
وقال آخرون: إنما عُني بذلك: إنا خلقنا الإنسان من نطفة ألوان ينتقل إليها، يكون نطفة، ثم يصير علقة، ثم مضغة، ثم عظما، ثم كسي لحما.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (إِنَّا خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ) الأمشاج: خلق من ألوان، خلق من تراب، ثم من ماء الفرج والرحم، وهي النطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم عظما، ثم أنشأه خلقا آخر فهو ذلك.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن سماك، عن عكرِمة، في هذه الآية (أمْشاجٍ) قال: نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم عظما.
حدثنا الرفاعي، قال: ثنا وهب بن جرير ويعقوب الحضْرَميّ، عن شعبة، عن سماك، عن عكرِمة، قال: نطفة، ثم علقة.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (إِنَّا خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ) أطوار الخلق، طورا نطفة، وطورا علقة، وطورا مضغة، وطورا عظاما، ثم كسى الله العظام لحما، ثم أنشأه خلقا آخر، أنبت له الشعر.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ) قال: الأم2شاج: اختلط الماء والدم، ثم كان علقة، ثم كان مضغة.
وقال آخرون: عُني بذلك اختلاف ألوان النطفة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: (أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ) يقول: مختلفة الألوان.
حدثنا أبو هشام، قال: ثنا يحيى بن يمان، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: ألوان النطفة.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: أيّ الماءين سبق أشبه عليه أعمامه وأخواله.
قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ) قال: ألوان النطفة؛ نطفة الرجل بيضاء وحمراء، ونطفة المرأة حمراء وخضراء.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 34 ( الأعضاء 0 والزوار 34)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 569.20 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 563.35 كيلو بايت... تم توفير 5.85 كيلو بايت...بمعدل (1.03%)]