28-04-2022, 05:26 PM
|
|
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,232
الدولة :
|
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سورة البقرة
المجلد الثالث
صـ 647 الى صـ 652
الحلقة (127)
القول في تأويل قوله تعالى:
[248] وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين .
وقال لهم نبيهم إن آية أي: علامة: ملكه أنه من الله تعالى: أن يأتيكم التابوت أي: يرد الله إليكم التابوت الذي أخذ منكم وهو صندوق التوراة، على ما سنذكره: فيه سكينة من ربكم أي: وقار وجلال وهيبة، أو فيه سكون نفوس بني إسرائيل يتقوون به على [ ص: 646 ] الحرب: وبقية أي: فضلة جملة، ذهب جلها: مما ترك آل موسى وآل هارون أي: من آثارهم الفاضلة: تحمله الملائكة إن في ذلك أي: في رد التابوت إليكم: لآية لكم أن ملكه من الله تعالى: إن كنتم مؤمنين بآيات الله وأنبيائه.
قال العلامة البقاعي عليه الرحمة: التابوت والله أعلم، الصندوق الذي وضع فيه اللوحان اللذان كتب فيهما العشر الآيات، ويسمى تابوت الشهادة، وكانوا إذا حاربوا حمله جماعة منهم، موظفون لحمله، ويتقدمون به أمام الجيش فيكون ذلك سبب نصرهم. وكان العمالقة أصحاب جالوت لما ظهروا عليهم أخذوه في جملة ما أخذوا من نفائسهم، وكان عهدهم به قد طال. فذكرهم بمآثره ترغيبا فيه وحملا على الانقياد لطالوت، فقال: فيه سكينة الآية.
وفي الإصحاح الخامس والعشرين من سفر الخروج ما نصه:
* 1 * وكلم الرب موسى قائلا.
* 2 * كلم بني إسرائيل أن يأخذوا لي تقدمة من كل من يحثه قلبه تأخذون تقدمتي.
* 3 * وهذه هي التقدمة التي تأخذونها منهم: ذهب وفضة ونحاس.
* 4 * وأسمانجوني وأرجوان وقرمز وبوص وشعر معزى. (5) وجلود كباش محمرة وجلود نخس وخشب سنط. * 6 * وزيت للمنارة وأطياب لدهن المسحة وللبخور العطر. * 7 * وحجارة جزع، وحجارة ترصيع للرداء والصدرة. * 8 * فيصنعون لي مقدسا لأسكن في وسطهم. * 9 * بحسب جميع ما أنا أريك من مثال المسكن ومثال جميع آنيته، هكذا تصنعون.
* 10 * فتصنعون تابوتا من خشب السنط طوله ذراعان ونصف وعرضه ذراع ونصف، وارتفاعه ذراع ونصف. * 11 * وتغشيه بذهب نقي من داخل ومن خارج تغشيه، وتصنع عليه إكليلا من ذهب حواليه. * 12 * وتسبك له أربع حلقات من ذهب وتجعلها على قوائمه الأربع؛ على جانبه الواحد حلقتان، وعلى جانبه الثاني حلقتان. * 13 * وتصنع عصوين من خشب السنط وتغشيهما بذهب. * 14 * وتدخل العصوين في الحلقات على جانب التابوت ليحمل التابوت [ ص: 647 ] بهما. * 15 * تبقى العصوان في حلقات التابوت، لا تنزعان منها. * 16 * وتضع في التابوت الشهادة التي أعطيك.
وفي الإصحاح الحادي والثلاثين من سفر الخروج:
* 18 * ثم أعطى موسى عند فراغه من الكلام معه في جبل سيناء لوحي الشهادة: لوحي حجر مكتوبين بأصبع الله.
وفي الإصحاح الرابع والثلاثين منه: أن موسى لما كسر اللوحين أمره الله أن ينحت لوحين مثل الأولين، وأمره أن يكتب عليهما كلمات العهد الكلمات العشر. ونصه:
* 1 * ثم قال الرب لموسى: انحت لك لوحين من حجر مثل الأولين، فأكتب أنا على اللوحين الكلمات التي كانت على اللوحين الأولين اللذين كسرتهما.
وفي حواشي التوراة: أن تابوت الشهادة هو التابوت الذي كان فيه لوحا الشريعة الإلهية المسماة: شهادة.
وزعموا أن السكينة معربة عن (شكينا) في اللغة العبرانية. وفي سفر صموئيل من سفر الملوك الأول في الإصحاح الرابع وما بعده نبأ انكسار الإسرائيليين أمام الفلسطينيين، وأخذ التابوت من الإسرائيليين، وأنه بقي التابوت في بلاد الفلسطينيين سبعة أشهر، في قصص مسهبة.
القول في تأويل قوله تعالى:
[249] فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه إلا قليلا منهم فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين
[ ص: 648 ] وقوله تعالى:
فلما فصل طالوت بالجنود أي: خرج بالجيش، لما رد إليهم التابوت وقبلوا ملكه، وخرجوا معه، وكان طالوت أخذ بهم في أرض قفرة، فأصابهم حر وعطش شديد: قال لهم طالوت: إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ، أي: من أشياعي الذين يقاتلون معي عدوي، ولا يجاوزه: ومن لم يطعمه فإنه مني أي: لم يذقه. من: طعم، كعلم الشيء، إذا ذاقه مأكولا كان أو مشروبا وفي إيثاره على لم يشربه إشعار بأنه محظور تناوله ولو مع الطعام. ذكره الراغب: إلا من اغترف غرفة بيده الواحدة فإنه لا يخرج بذلك عن كونه مني، لأنه في معنى من لم يذقه.
قال الحرالي في قراءة فتح الغين إعراب عن معنى إفرادها، آخذة ما أخذت من قليل أو كثير، وفي الضم، إعلام بملئها.
فشربوا منه أي: إلى حد الارتواء: إلا قليلا منهم لم يشربوا إلا كما أذن الله تعالى: فلما جاوزه أي: النهر: هو أي: طالوت: والذين آمنوا معه قالوا أي: المفرطون في الشراب: لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده لأنه سلبت شجاعتهم
وجاء في التوراة تسميته بجليات. على ما سنذكره: قال الذين يظنون أي: يعلمون: أنهم ملاقو الله يرجعون إليه بعد الموت: كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين
القول في تأويل قوله تعالى:
[250] ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين .
ولما برزوا ظهروا: لجالوت وجنوده إذ دنوا منه: قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا أي: أفضه علينا وأكرمنا به لقتالهم فلا نجزع للجراحات، وإنما طلبوه أولا لأنه [ ص: 649 ] ملاك الأمر: وثبت أقدامنا في ميدان الحرب فلا نهرب منه: وانصرنا لأنا مؤمنون بك: على القوم الكافرين بك. وهم: جالوت وجنوده، وهذا الآية تدل على أن من حزبه أمر، فإنه ينبغي له سؤال المعونة من الله، والتوفيق، والانقطاع إليه تعالى.
القول في تأويل قوله تعالى:
[251] فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين .
فهزموهم أي: هؤلاء القليلون، أولئك الكثيرون: بإذن الله بنصره إذ شجع القليلين وجبن الكثيرين: وقتل داود وكان في جيش طالوت: جالوت الذي هو رأس الأقوياء: وآتاه الله الملك أي: أعطى الله داود ملك بني إسرائيل: والحكمة أي: الفهم والنبوة: وعلمه مما يشاء من صنعة الدروع وغيرها: ولولا دفع الله الناس بعضهم من أهل الشر: ببعض من أهل الخير: لفسدت الأرض أي: بغلبة الكفار وظهور الشرك والمعاصي، كما قال تعالى: ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا الآية.
ولكن الله ذو فضل على العالمين أي: من عليهم بالدفع. ولذلك قوى سبحانه هؤلاء الضعفاء وأعطى بعضهم الملك والحكمة ومن سائر العلوم، ليدفع فساد الأقوياء بالسيف.
[ ص: 650 ] القول في تأويل قوله تعالى:
[252] تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وإنك لمن المرسلين .
تلك أي: المذكورات من إماتة الألوف وإحيائهم وتمليك طالوت وإتيان التابوت وانهزام جالوت وقتل داود إياه وتملكه: آيات الله إذ هي أخبار غيوب تدل على كمال قدرته سبحانه وحكمته ولطفه: نتلوها عليك أي: ننزل عليك جبريل بها: بالحق أي: اليقين الذي لا يرتاب فيه: وإنك لمن المرسلين بما دلت عليه هذه الآيات من علمك بها من غير معلم من البشر، ثم بإعجازها الباقي على مدى الدهر. وفي هذه القصص معتبر لهذه الأمة في احتمال الشدائد في الجهاد كما احتملها المؤمنون في الأمم المتقدمة، كما أن فيها تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم من الكفار والمنافقين، فكأنه قيل: قد عرفت بهذه الآيات ما جرى على الأنبياء عليهم السلام في بني إسرائيل من الخلاف عليهم والرد لقولهم، فلا يعظمن عليك كفر من كفر بك، وخلاف من خالف عليك لأنك مثلهم. وإنما بعث الكل لتأدية الرسالة ولامتثال الأمر على سبيل الاختيار والطوع، لا على سبيل الإكراه، فلا عتب عليك في خلافهم وكفرهم، والوبال في ذلك يرجع عليهم. وقوله: وإنك لمن المرسلين كالتنبيه على ذلك. أشار له الرازي.
قال البقاعي: ولعل ختام قصص بني إسرائيل بهذه القصة، لما فيها للنبي صلى الله عليه وسلم من واضح الدلالة على صحة رسالته، لأنه مما لا يعلمه إلا القليل من حذاق علماء بني إسرائيل.
قلت: يرحم الله البقاعي، فإنه لم يطلع على هذه القصة من التوراة، مع أنها مسوقة في الإصحاح السابع عشر من سفر صموئيل الأول ونصه:
* 1 * وجمع الفلسطينيون جيوشهم للحرب فاجتمعوا في سوكوه التي ليهوذا ونزلوا بين سوكوه وعريقة في أفس دميم.
* 2 * واجتمع شاول ورجال إسرائيل ونزلوا في وادي [ ص: 651 ] البطم واصطفوا للحرب للقاء الفلسطينيين. * 3 * وكان الفلسطينيون وقوفا على جبل من هنا وإسرائيل وقوفا على جبل من هناك والوادي بينهم. * 4 * فخرج رجل مبارز من جيوش الفلسطينيين اسمه جليات من جت طوله ست أذرع وشبر. * 5 * وعلى رأسه خوذة من نحاس، وكان لابسا درعا حرشفيا ووزن الدرع خمسة آلاف شاقل نحاس. * 6 * وجرموقا نحاسا على رجليه، ومزراق نحاس بين كتفيه.
* 7 * وقناة رمحه كنول النساجين، وسنان رمحه ست مائة شاقل حديد، وحامل الترس كان يمشي قدامه. * 8 * فوقف ونادى صفوف إسرائيل وقال لهم: لماذا تخرجون لتصطفوا للحرب؟ أما أنا الفلسطيني وأنتم عبيد لشاول. اختاروا لأنفسكم رجلا ولينزل إلي. * 9 * فإن قدر أن يحاربني ويقتلني نصير لكم عبيدا. وإن قدرت أنا عليه وقتلته تصيرون أنتم لنا عبيدا وتخدموننا.
* 10 * وقال الفلسطيني: أنا عيرت صفوف إسرائيل هذا اليوم. أعطوني رجلا فنتحارب معا. * 11 * ولما سمع شاول وجميع إسرائيل كلام الفلسطيني هذا ارتاعوا وخافوا جدا.
* 12 * وداود هو ابن ذلك الرجل الأفراتي من بيت لحم يهوذا الذي اسمه: يسى وله ثمانية بنين، وكان الرجل في أيام شاول قد شاخ وكبر بين الناس.
* 13 * وذهب بنو يسى الثلاثة الكبار وتبعوا شاول إلى الحرب، وأسماء بنيه الثلاثة الذين ذهبوا إلى الحرب أليآب البكر، وأبيناداب ثانيه، وشمة ثالثهما.
* 14 * وداود هو الصغير، والثلاثة الكبار ذهبوا وراء شاول. * 15 * وأما داود فكان يذهب ويرجع من عند شاول ليرعى غنم أبيه في بيت لحم.
* 16 * وكان الفلسطيني يتقدم ويقف صباحا ومساء أربعين يوما. * 17 * فقال يسى لداود ابنه خذ لإخوتك إيفة من هذا الفريك، وهذه العشر الخبرات واركض إلى المحلة إلى إخوتك. * 18 * وهذه العشر القطعات من الجبن قدمها لرئيس الألف، وافتقد سلامة إخوتك وخذ منهم عربونا.
* 19 * وكان شاول وهم وجميع رجال إسرائيل في وادي البطم يحاربون الفلسطينيين.
* 20 * فبكر داود صباحا وترك الغنم مع حارس وحمل، وذهب كما أمره يسى وأتى إلى المتراس [ ص: 652 ] والجيش خارج إلى الاصطياف وهتفوا للحرب. * 21 * واصطف إسرائيل والفلسطينيون صفا مقابل صف. * 22 * فترك داود الأمتعة التي معه بيد حافظ الأمتعة وركض إلى الصف وأتى وسأل عن سلامة إخوته. * 23 * وفيما هو يكلمهم إذا برجل مبارز اسمه جليات الفلسطيني من جت صاعد من صفوف الفلسطينيين، وتكلم بمثل هذا الكلام فسمع داود. * 24 * وجميع رجال إسرائيل لما رأوا الرجل هربوا منه وخافوا جدا.
* 25 * فقال رجال إسرائيل: أرأيتم هذا الرجل الصاعد. ليعير إسرائيل هو صاعد، فيكون أن الرجل الذي يقتله يغنيه الملك غنى جزيلا، ويعطيه بنته ويجعل بيت أبيه حرا في إسرائيل.
* 26 * فكلم داود الرجال الواقفين معه قائلا: ماذا يفعل للرجل الذي يقتل ذلك الفلسطيني ويزيل العار عن إسرائيل، لأنه من هو هذا الفلسطيني الأغلف حتى يعير صفوف الله الحي.
* 27 * فكلمه الشعب بمثل هذا الكلام قائلين: كذا يفعل بالرجل الذي يقتله.
* 28 * وسمع أخوه الأكبر أليآب كلامه مع الرجال، فحمي غضب أليآب على داود وقال: لماذا نزلت وعلى من تركت تلك الغنيمات القليلة في البرية؟ أنا علمت كبرياءك وشر قلبك، لأنك نزلت لكي ترى الحرب.
* 29 * فقال داود: ماذا عملت الآن؟ أما هو كلام؟
* 30 * وتحول من عنده نحو آخر وتكلم بمثل هذا الكلام، فرد له الشعب جوابا كالجواب الأول.
* 31 * وسمع الكلام الذي تكلم به داود وأخبروا به أمام شاول، فاستحضره.
* 32 * فقال داود لشاول: لا يسقط قلب أحد بسببه. عبدك يذهب ويحارب هذا الفلسطيني.
* 33 * فقال شاول لداود: لا تستطيع أن تذهب إلى هذا الفلسطيني لتحاربه لأنك غلام وهو رجل حرب منذ صباه.
* 34 * فقال داود لشاول: كان عبدك يرعى لأبيه غنما فجاء أسد مع دب وأخذ شاة من القطيع.
* 35 * فخرجت وراءه وقتلته وأنقذتها من فيه، ولما قام علي أمسكته من ذقنه وضربته فقتلته.
* 36 * قتل عبدك الأسد والدب جميعا. وهذا الفلسطيني الأغلف يكون كواحد منهما لأنه قد عير صفوف الله الحي.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|