خواطر الكلمة الطيبة .. الدعوة والبلاغ المبين وظيفةُ الرسل وأتباعهم
كانت الدعوة والبلاغ المبن -ولاتزال- وظيفةَ الأنبياء والمرسلين؛ كونهم يحملون وحي السماء إلى الأرض، وينقلون نور الهداية إلى القلوب، وهكذا كانت مدرسةُ النبي - صلى الله عليه وسلم -، مدرسةٌ تُعلِّم ليُبلَّغ العلم، فلا يبقى حبيسَ الصدور، بل ينتشر في الناس فيثمر خيرًا وبركة، ويشهد لهذا ما رواه عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه -: «كنا نتعلم العشر آيات من النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم نتعلم ما فيها من الحلال والحرام، ونعمل بما فيها، ونعلمها أهلينا، فجمع الله لنا بين العلم والعمل».
فالتعلم للنفس وحدها تناقضٌ لجوهر العلم؛ بل هي لونٌ من الأنانية؛ لأن الله -تعالى- جعل تبليغ العلم من الواجبات؛ فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}، ومعنى ذلك: أن أولَ من يُبلغهم الإنسانُ علمَه هم أهلُ بيته، يعلّمهم العقيدة الصحيحة، واتباع السنة، والتمييز بين الحق والباطل، والصحيح والضعيف، والشرك والتوحيد. ولذلك كان السلف في مجالس التحديث لا يرحلون إلا بحديث أو حديثين، يأخذون الهَدْي قبل أن يأخذوا العلم، ويتربّون بالصبر قبل كثرة الرواية، أما اليوم فكثيرٌ من طلاب العلم يريدون الكمَّ لا الفهم، والسرعة لا الأثر، مع أن المقصود من العلم: الفقهُ والعملُ والتبليغ. لذلك على الإنسان أن يجعل مما يتعلمه مادةَ حوارٍ مع أهل بيته، خطبةُ الجمعة، حديثُ مساء، ومقالٌ تقرؤه منفعة لأهلك، ومحاضرةٌ تسمعها نور يُهدى إليهم، فإن أصبحت هذه سُنّةً بين الناس، عمَّ الخير وانتشر النفع، بعضهم يقول: «أهل بيتي عوام، لا يفهمون»، وهذا عذرٌ واهٍ، فربّ كلمةٍ بسيطة تغيّر قلبَ زوجتك أو ولدك. كن كالغَمائم، أينما مررتَ أنزلتَ خيرًا، فربّ كلمة عابرة أحيت قلبًا كنت تظنه بعيدًا، وما أجمل أن يستحضر المبلّغ دعوةَ النبي - صلى الله عليه وسلم - له: «نضّر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها فأدّاها كما سمعها، فربَّ مُبلَّغٍ أوعى من سامع، وربَّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه»!، فكم من عالمٍ انتفع بكلمة نقلها إليه طالبٌ صغير! وهذا من تمام حكمة الله: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}. - وقد رأينا ذلك في واقع العلماء، فهذا الشيخ الألباني -رحمه الله- كان يُراجع أحكامه إذا جاءه أحد طلاب العلم بأدلة أو طرائق جديدة للحديث، ومن هؤلاء الشيخ بدر البدر -حفظه الله-، الذي صار من أئمة الحديث في الكويت، ومع ذلك لم يمنعه أدبه وعلمه من مراسلة الشيخ وإفادته بما يجد.
وحضرتُ يومًا مجلسًا لأحد المشايخ -رحمه الله- في مكة، فسُئل عن قضاء الوتر بعد الأذان الثاني، فقال: لا يُقضى، فذكّرته بحديثٍ صحيح عن عائشة -رضي الله عنها- أنها كانت تقضيه بين الأذان والإقامة، فتعجب الشيخ وقال: «هذا الحديث أول مرة أسمع به»، وغيّر فتواه، فهكذا العلم: يتكامل بتعاون أهله، ويرتقي بتناصحهم. - فاجعل شعار حياتك: تبليغ العلم ونشر الهداية؛ فمن بلّغ علماً نال رحمةً، وحاز دعوةً عظيمة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «نضّر الله امرأً»، أي نوّر وجهه في الدنيا، ونوّر وجهه يوم القيامة.
اعداد: د. خالد سلطان السلطان