تفسير (الجامع لأحكام القرآن) الشيخ الفقيه الامام القرطبى - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 5105 - عددالزوار : 2363566 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4692 - عددالزوار : 1661378 )           »          المبسوط فى الفقه الحنفى محمد بن أحمد السرخسي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 179 - عددالزوار : 16365 )           »          طريقة تحميل نسخة من سجل محادثاتك مع ChatGPT (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          4 طرق لحظر المكالمات المزعجة على أندرويد وآيفون (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          كيفية استخدام أداة الذكاء الاصطناعي الجديدة ليوتيوب فى مقاطع shorts (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          ما وجه المقارنة بين 4 iPhone SE وهاتف iPhone 15؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          حذف حسابك على فيسبوك نهائيًا؟.. خطوات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          هل الذكاء الاصطناعي يزيد من غباء الإنسان؟.. دراسة تجيب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          كيفية منع الآخرين من تنزيل إنستجرام ريلز الخاص بك.. اعرف الخطوات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 06-07-2025, 05:08 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 167,686
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير (الجامع لأحكام القرآن) الشيخ الفقيه الامام القرطبى



تَّفْسِيرِ
(الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ )
الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ
المجلد (11)
سُورَةُ مريم
من صــ 84 الى صــ 93
الحلقة (460)





وقرأ ابن عباس {عسيا} وهو كذلك مصحف أبي. وقرأ يحيي بن وثاب وحمزة والكسائي وحفص {عتيا} بكسر العين وكذلك {جثيا} و {صليا} حيث كن. وضم حفص {بكيا} خاصة ، وكذلك الباقون في الجميع ، وهما لغتان. وقيل : {عتيا} قسيا ؛ يقال : ملك عات إذا كان قاسي القلب.
قوله تعالى : {قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ} أي قال له الملك {كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ} والكاف في موضع رفع ؛ أي الأمر كذلك ؛ أي كما قيل لك : {هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ} . قال الفراء : خلقه علي هين. {وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ} أي من قبل يحيى. وهذه قراءة أهل المدينة والبصرة وعاصم. وقرأ سائر الكوفيين {وقد خلقناك} بنون وألف بالجمع على التعظيم. والقراءة الأولى أشبه بالسواد. {لَمْ تَكُ شَيْئاً} أي كما خلقك الله تعالى بعد العدم ولم تك شيئا موجودا ، فهو القادر على خلق يحيى وإيجاده.
قوله تعالى : {قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً} طلب آية على حملها بعد بشارة الملائكة إياه ، وبعد {وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً} زيادة طمأنينة ؛ أي تمم النعمة بأن تجعل لي آية ، وتكون تلك الآية زيادة نعمة وكرامة. وقيل : طلب آية تدله على أن البشرى منه بيحيى لا من الشيطان ؛ لأن إبليس أوهمه ذلك. قاله الضحاك وهو معنى قول السدي ؛ وهذا فيه نظر لإخبار الله تعالى بأن الملائكة نادته حسب ما تقدم في "آل عمران" . {قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً} تقدم في "آل عمران" .بيانه فلا معنى للإعادة.
قوله تعالى : {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً} فيه خمس مسائل :
الأولى ـ قوله تعالى : {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ} أي أشرف عليهم من المصلى. والمحراب أرفع المواضع ، أشرف المجالس ، وكانوا يتخذون المحاريب فيما ارتفع من الأرض ؛ دليله محراب داود عليه السلام على ما يأتي. واختلف الناس في اشتقاقه ؛ فقالت فرقة :
هو مأخوذ من الحرب كأن ملازمه يحارب الشيطان والشهوات. وقالت فرقة : هو مأخوذ من الحرب "بفتح الراء" كأن ملازمه يلقى منه حربا وتعبا ونصبا.
الثانية ـ هذه الآية تدل على أن ارتفاع إمامهم على المأمومين كان مشروعا عندهم في صلاتهم. وقد اختلف في هذه المسألة فقهاء الأمصار ، فأجاز ذلك الإمام أحمد وغيره متمسكا بقصة المنبر. ومنع مالك ذلك في الارتفاع الكثير دون اليسير ، وعلل أصحابه المنع بخوف الكبر على الإمام.
قلت : وهذا فيه نظر ؛ وأحسن ما فيه ما رواه أبو داود عن همام أن حذيفة أم الناس بالمدائن على دكان ، فأخذ أبو مسعود بقميصه فجبذه ، فلما فرغ من صلاته قال : ألم تعلم أنهم كانوا ينهون عن هذا - أو ينهى عن ذلك! قال : بلى قد ذكرت حين مددتني وروي أيضا عن عدي بن ثابت الأنصاري قال : حدثني رجل أنه كان مع عمار بن ياسر بالمدائن ، فأقميت الصلاة فتقدم عمار بن ياسر ، وقام على دكان يصلي والناس أسفل منه ، فتقدم حذيفة فأخذ على يديه فاتبعه عمار حتى أنزل حذيفة ، فلما فرغ عمار من صلاته ، قال له حذيفة : ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "إذا أم الرجل القوم فلا يقم في مكان أرفع من مقامهم" أو نحو ذلك ؛ فقال عمار : لذلك اتبعتك حين أخذت على يدي.
قلت : فهؤلاء ثلاثة من الصحابة قد أخبروا بالنهي عن ذلك ، ولم يحتج أحد منهم على صاحبه بحديث المنبر فدل على أنه منسوخ ، ومما يدل على نسخه أن فيه عملا زائدا في الصلاة ، وهو النزول والصعود ، فنسخ كما نسخ الكلام والسلام. وهذا أولى مما اعتذر به أصحابنا من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان معصوما من الكبر ؛ لأن كثيرا من الأئمة يوجد لا كبر عندهم ، ومنهم من علله بأن ارتفاع المنبر كان يسيرا ؛ والله أعلم.
الثالثة ـ قوله تعالى : {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً} قال الكلبي وقتادة وابن منبه : أوحى إليهم أشار. القتبي : أومأ. مجاهد : كتب على الأرض. عكرمة : كتب في كتاب. والوحي في كلام العرب الكتابة ؛ ومنه قول ذي الرمة :
سوى الأربع الدهم اللواتي كأنها
بقية وحي في بطون الصحائف
وقال عنترة :
كوحي صحائف من عهد كسرى
فأهداها لأعجم طمطمي
و {بكرة وعشيا} ظرفان. وزعم الفراء أن العشي يؤنث ويجوز تذكيره إذا أبهمت ؛ قال : وقد يكون العشي جمع عشية.
الرابعة ـ قد تقدم الحكم في الإشارة في "آل عمران" واختلف علماؤنا فيمن حلف ألا يكلم إنسانا فكتب إليه كتابا ، أو أرسل إليه رسولا ؛ فقال مالك : إنه يحنث إلا أن ينوي مشافهته ، ثم رجع فقال : لا ينوي في الكتاب ويحنث إلا أن يرتجع الكتاب قبل وصوله. قال ابن القاسم : إذا قرأ كتابه حنث ، وكذلك لو قرأ الحالف كتاب المحلوف عليه. وقال أشهب : لا يحنث إذا قرأه الحالف ؛ وهذا بين ؛ لأنه لم يكلمه ولا ابتدأه بكلام إلا أن يريد ألا يعلم معنى كلامه فإنه يحنث وعليه يخرج قول ابن القاسم. فإن حلف ليكلمنه لم يبر إلا بمشافهته ؛ وقال ابن الماجشون : وإن حلف لئن علم كذا ليعلمنه أو ليخبرنه إليه أو أرسل إليه رسولا بر ، ولو علماه جميعا لم يبر ، حتى يعلمه لأن علمهما مختلف.
الخامسة ـ واتفق مالك والشافعي والكوفيون أن الأخرس إذا كتب الطلاق بيده لزمه ؛ قال الكوفيون : إلا أن يكون رجل أصمت أياما فكتب لم يجز من ذلك شيء. قال الطحاوي : الخرس مخالف للصمت العارض ، كما أن العجز عن الجماع العارض لمرض ونحوه يوما أو نحوه مخالف للعجز الميؤوس منه الجماع ، نحو الجنون في باب خيار المرأة في الفرقة.
قوله تعالى : {يا يحيى خذ الكتاب بقوة} في الكلام حذف ؛ المعنى فولد له ولد وقال الله تعالى للمولود : {يا يحيى خذ الكتاب بقوة} وهذا اختصار يدل الكلام عليه و "الكتاب" التوراة بلا خلاف. "بقوة" أي بجد واجتهاد ؛ قاله مجاهد. وقيل العلم به ، والحفظ له والعمل به ، وهو الالتزام لأوامره ، والكف عن نواهيه ؛ قاله زيد بن أسلم ؛ وقد تقدم
في "البقرة" . {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً} قيل : الأحكام والمعرفة بها. وروى معمر أن الصبيان قالوا ليحيى : اذهب بنا نلعب ؛ فقال : ما للعب خلقت. فأنزل الله تعالى {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً} وقال قتادة : كان ابن سنتين أو ثلاث سنين. وقال مقاتل : كان ابن ثلاث سنين. و "صبيا" نصب على الحال. وقال ابن عباس : من قرأ القرآن قبل أن يحتلم فهو ممن أوتي الحكم صبيا. وروي في تفسير هذه الآية من طريق عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "بني آدم يأتي يوم القيامة وله ذنب إلا ما كان من يحيى بن زكريا" . وقال قتادة : إن يحيى عليه السلام لم يعص الله قط بصغيرة ولا كبيرة ولاهم بامرأة. وقال مجاهد : وكان طعام يحيى عليه السلام العشب ، كان للدمع في خديه مجار ثابتة. وقد مضى الكلام في معنى قوله : {وَسَيِّداً وَحَصُوراً} في "آل عمران"
قوله تعالى : {وَحَنَاناً مِنْ لَدُنَّا} "حنانا" عطف على "الحكم" . وروي عن ابن عباس أنه قال : والله ما أدري ما "الحنان" . وقال جمهور المفسرين : الحنان الشفقة والرحمة والمحبة ؛ وهو فعل من أفعال النفس. النحاس : وفي معنى الحنان عن ابن عباس قولان : أحدهما : قال : تعطف الله عز وجل عليه بالرحمة والقول الآخر ما أعطيه من رحمة الناس حتى يخلصهم من الكفر والشرك. وأصله من حنين الناقة على ولدها. ويقال : حنانك وحنانيك ؛ قيل : هما لغتان بمعنى واحد. وقيل : حنانيك تثنية الحنان. وقال أبو عبيدة : والعرب تقول : حنانك يا رب وحنانيك يا رب بمعنى واحد ؛ تريد رحمتك. وقال امرؤ القيس :
ويمنحها بنو شمجى بن جرم
معيزهم حنانك ذا الحنان
وقال طرفة :
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا
حنانيك بعض الشر أهون من بعض
وقال الزمخشري : "حنانا" رحمة لأبويه وغيرهما وتعطفا وشفقة ؛ وأنشد سيبويه :
فقالت حنان ما أتى بك ههنا
أذو نسب أم أنت بالحي عارف
قال بن الأعرابي : الحنان من صفة الله تعالى مشددا الرحيم والحنان مخفف : العطف والرحمة. والحنان : الرزق والبكرة. ابن عطية : والحنان في كلام العرب أيضا ما عظم من الأمور في ذات الله تعالى ؛ ومنه قول زيد بن عمرو بن نفيل في حديث بلال : والله لئن قتلتم هذا العبد لأتخذن قبره حنانا ؛ وذكر هذا الخبر الهروي ؛ فقال : وفي حديث بلال ومر عليه ورقة بن نوفل وهو يعذب فقال الله لئن قتلتموه لأتخذنه حنانا ؛ أي لأتمسحن به. وقال الأزهري : معناه لأتعطفن عليه ولأترحمن عليه لأنه من أهل الجنة.
قلت : فالحنان العطف ، وكذا قال مجاهد. و "حنانا" أي تعطفا منا عليه أو منه على الخلق ؛ قال الحطيئة :
تحنن علي هداك المليك
فإن لكل مقام مقالا
عكرمة : محبة. وحنة الرجل امرأته لتوادهما ؛ قال الشاعر :
فقالت حنان ما أتى بك ههنا
أذو نسب أم أنت بالحي عارف
قوله تعالى : {وَزَكَاةً} "الزكاة" التطهير والبركة والتنمية في وجوه الخير والبر ؛ أي جعلناه مباركا للناس يهديهم. وقيل : المعنى زكيناه بحسن الثناء عليه كما تزكي الشهود إنسانا. وقيل : "زكاة" صدقة به على أبويه ؛ قاله ابن قتيبة. {وَكَانَ تَقِيّاً} أي مطيعا لله تعالى ، ولهذا لم يعمل خطيئة ولم يلم بها.
قوله تعالى : {وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ} البر بمعنى البار وهو الكثير البر. و {جَبَّاراً} متكبرا. وهذا وصف ليحيى عليه السلام بلين الجانب وخفض الجناح.
قوله تعالى : {وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ} قال الطبري وغيره : معناه أمان. ابن عطية : والأظهر عندي أنها التحية المتعارفة فهي أشرف وأنبه من الأمان ؛ لأن الأمان متحصل له بنفي العصيان عنه وهي أقل درجاته ، وإنما الشرف في أن سلم الله عليه ، وحياه في المواطن التي الإنسان فيها في غاية الضعف والحاجة وقلة الحيلة والفقر إلى الله تعالى عظيم الحول.
قلت : وهذا قول حسن ، وقد ذكرناه معناه عن سفيان بن عيينة في سورة "سبحان" عند قتل يحي. وذكر الطبري عن الحسن أن عيسى ويحيي التقيا - وهما ابنا الخالة - فقال يحيى لعيسى : ادع الله لي فأنت خير مني ؛ فقال له عيسى : بل أنت ادع الله لي فأنت خير مني ؛ سلم الله عليك وأنا سلمت على نفسي ؛ فانتزع بعض العلماء من هذه الآية في التسليم فضل عيسى ؛ بأن قال : إدلاله التسليم على نفسه ومكانته من الله تعالى التي اقتضت ذلك حين قرر وحكى في محكم التنزيل أعظم في المنزلة من أن يسلم عليه. قال ابن عطية : ولكل وجه.
[16] {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّاً}
[17] {فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً}
[18] {قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيّاً}
[19] {قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيّاً}
[20] {قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً}
[21] {قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْراً مَقْضِيّاً}
[22] {فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً}
[23] {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيّاً}
[24] {فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً}
[25] {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً}
[26] {فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّاً}
قوله تعالى : {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ} القصة إلى آخرها هذا ابتداء قصة ليست من الأولى. والخطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم ؛ أي عرفهم قصتها ليعرفوا كمال قدرتنا. {إِذِ انْتَبَذَتْ} أي تنحت وتباعدت. والنبذ الطرح والرمي ؛ قال الله تعالى : {فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ} . {مِنْ أَهْلِهَا} أي ممن كان معها. و "إذ" بدل من "مريم" بدل اشتمال ؛ لأن الأحيان مشتملة على ما فيها. والانتباذ الاعتزال والانفراد. واختلف الناس لم انتبذت ؛ فقال السدي : انتبذت لتطهر من حيض أو نفاس. وقال غيره : لتعبد الله ؛ وهذا حسن. وذلك أن مريم عليها السلام كانت وقفا على سدانة المعبد وخدمته والعبادة فيه ، من الناس لذلك ، ودخلت المسجد إلى جانب المحراب في شرقيه لتخلو للعبادة ، فدخل عيها جبريل عليه السلام. فقوله : {مَكَاناً شَرْقِيّاً} أي مكانا من جانب الشرق. والشرق بسكون الراء المكان الذي تشرق فيه الشمس. والشرق بفتح الراء الشمس. وإنما خص المكان بالشرق لأنهم كانوا يعظمون جهة المشرق ومن حيث تطلع الأنوار ، وكانت الجهات الشرقية من كل شيء أفضل من سواها ؛ حكاه الطبري. وحكى عن ابن عباس أنه قال : إني لأعلم الناس لم اتخذ النصارى المشرق قبلة لقول الله عز وجل : {إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّاً} فاتخذوا ميلاد عيسى عليه السلام قبلة ؛ وقالوا : لو كان شيء من الأرض خيرا من المشرق لوضعت مريم عيسى عليه السلام فيه. واختلف الناس في نبوة مريم ؛ فقيل : كانت نبية بهذا الإرسال والمحاورة للملك. وقيل : لم تكن نبية وإنما كلمها مثال بشر ، ورؤيتها للملك كما رئي جبريل في صفة دحية حين سؤاله عن الإيمان والإسلام. والأول أظهر. وقد مضى الكلام في هذا المعنى مستوفى في "آل عمران" والحمد لله.
قوله تعالى : {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا} قيل : هو روح عيسى عليه السلام ؛ لأن الله تعالى خلق الأرواح قبل الأجساد ، فركب الروح في جسد عيسى عليه السلام الذي خلقه في بطنها. وقيل : هو جبريل وأضيف الروح إلى الله تعالى تخصيصا وكرامة. والظاهر أنه جبريل عليه
السلام ؛ لقوله : {فَتَمَثَّلَ لَهَا} أي تمثل الملك لها. "بشرا" تفسير أو حال. "سويا" أي مستوي الخلقة ؛ لأنها لم تكن لتطيق أو تنظر جبريل في صورته. ولما رأت رجلا حسن الصورة في صورة البشر قد خرق عليها الحجاب ظنت أنه يريدها بسوء. فـ {قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيّاً} أي ممن يتقي الله. البكالي : فنكص جبريل عليه السلام فزعا من ذكر الرحمن تبارك وتعالى. الثعلبي كان رجلا صالحا فتعوذت به تعجبا. وقيل : تقي فعيل بمعنى مفعول أي كنت ممن يتقى منه. في البخاري قال أبو وائل : علمت مريم أن التقي ذو نهية حين قالت : {إِنْ كُنْتَ تَقِيّاً} . وقيل : تقي اسم فاجر معروف في ذلك الوقت قاله وهب بن منبه ؛ حكاه مكي وغيره ابن عطية وهو ضعيف ذاهب مع التخرص. فقال لها جبريل عليه السلام : {قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيّاً} جعل الهبة من قبله لما كان الإعلام بها من قبله. وقرأ ورش عن نافع {ليهب لك} على معنى أرسلني الله ليهب لك. وقيل : معنى "لأهب" بالهمز محمول على المعنى ؛ أي قال : أرسلته لأهب لك. ويحتمل "ليهب" بلا همز أن يكون بمعنى المهموز ثم خففت الهمزة. فلما سمعت مريم ذلك من قوله استفهمت عن طريقه فـ {قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ} أي بنكاح. {وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً} أي زانية. وذكرت هذا تأكيدا ؛ لأن قولها لم يمسسني بشر يشمل الحلال والحرام. وقيل : ما استبعدت من قدرة الله تعالى شيئا ولكن أرادت كيف يكون هذا الولد ؟ من قبل الزوج في المستقبل أم يخلقه الله ابتداء ؟ وروي أن جبريل عليه السلام حين قال لها هذه المقالة نفخ في جيب درعها وكمها ؛ قال ابن جريج. ابن عباس : أخذ جبريل عليه السلام ردن قميصها بإصبعه فنفخ فيه فحملت من ساعتها بعيسى. قال الطبري : وزعمت النصارى أن مريم حملت بعيسى ولها ثلاث عشرة سنة ، وأن عيسى عاش إلى أن رفع اثنتين وثلاثين سنة وأياما ، وأن مريم بقيت بعد رفعه ست سنين ، فكان جميع عمرها نيفا وخمسين سنة. وقوله : "ولنجعله" متعلق بمحذوف ؛ أي ونخلقه لنجعله : "آية" دلالة على قدرتنا عجيبة {وَرَحْمَةً مِنَّا} لمن أمن به. {وَكَانَ أَمْراً مَقْضِيّاً} مقدرا في اللوح مسطورا.
قوله تعالى : {فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً} أي تنحت بالحمل إلى مكان بعيد ؛ قال ابن عباس : إلى أقصى الوادي ، وهو وادي بيت لحم بينه وبين إيلياء أربعة أميال ؛ وإنما بعدت فرارا من تعيير قومها إياها بالولادة من غير زوج. قال ابن عباس : ما هو إلا أن حملت فوضعت في الحال وهذا هو الظاهر ؛ لأن الله تعالى ذكر الانتباذ الحمل. وقيل : غير ذلك على ما يأتي :
قوله تعالى : {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ} "أجاءها" اضطرها ؛ وهو تعدية جاء بالهمز. يقال : جاء به وأجاءه إلى موضع كذا ، كما يقال : ذهب به وأذهبه. وقرأ شبيل ورويت عن عاصم "فاجأها" من المفاجأة. وفي مصحف أبي {فلما أجاءها المخاض} . وقال زهير :
وجار سار معتمدا إلينا
أجاءته المخافة والرجاء
وقرأ الجمهور {الْمَخَاضُ} بفتح الميم. ابن كثير فيما روي عنه بكسرها وهو الطلق وشدة الولادة وأوجاعها. مخضت المرأة تمخض مخاضا ومخاضا. وناقة ماخض أي دنا ولادها. {إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ} كأنها طلبت شيئا تستند إليه وتتعلق به ، كما تتعلق الحامل لشدة وجع الطلق. والجذع ساق النخلة اليابسة في الصحراء الذي لا سعف عليه ولا غصن ؛ ولهذا لم يقل إلى النخلة. {قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا} تمنت مريم عليها السلام الموت من جهة الدين لوجهين : أحدهما : أنها خافت أن يظن بها الشر في دينها وتعير فيفتنها ذلك. الثاني : لئلا يقع قوم بسببها في البهتان والنسبة إلى الزنى وذلك مهلك. وعلى هذا الحد يكون تمني الموت جائزا ، وقد مضى هذا المعنى مبينا في سورة "يوسف" عليه السلام والحمد لله.
قلت : وقد سمعت أن مريم عليها السلام سمعت نداء من يقول : اخرج يا من يعبد من دون الله فحزنت لذلك ، و {قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيّاً} النسي في كلام العرب الشيء الحقير الذي شأنه أن ينسى ولا يتألم لفقده كالوتد والحبل للمسافر ونحوه.
وحكى عن العرب أنهم إذا أرادوا الرحيل عن منزل قالوا : احفظوا أنساءكم ، الأنساء جمع نسي وهو الشيء الحقير يغفل فينسى . ومنه قول الكميت رضي الله تعالى عنه :
أتجعلنا جسرا لكلب قضاعة
ولست بنسي في معد ولا دخل
وقال الفراء : النسي ما تلقيه من خرق اعتلالها ، فقول مريم { نَسْياً مَنْسِيّاً } أي حيضة ملقاة . وقرىء : "نسيا" بفتح النون وهما لغتان مثل الحِجرْ والحَجر والوِتْر والوَتْر. وقرأ محمد بن كعب القرظي بالهمز : "نِسئاً" بكسر النون . وقرأ نوف البكالي : "نسئاً" بفتح النون من نسأ الله في أجله أي أخره . وحكاها أبو الفتح والداني عن محمد بن كعب . وقرأ بكر بن حبيب : "نَسّاً" بتشديد السين وفتح النون دون همز . وقد حكى الطبري في قصصها أنها لما حملت بعيسى عليه السلام حملت أيضا أختها بيحي ، فجاءتها أختها زائرة فقالت لها مريم : أشعرت أنت أني حملت ؟ فقالت لها : وإني أجد ما في بطني يسجد لما في بطنك ، وذلك أنه روي أنها أحست بجنينها يخر برأسه إلى ناحية بطن مريم ، قال السدي فذلك قوله : { مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِينَ } . وذكر أيضا من قصصها أنها خرجت فارة مع رجل من بني إسرائيل يقال له يوسف النجار ، كان يخدم معها في المسجد . وطول في ذلك . قال الكلبي : قيل ليوسف- وكانت سميت له أنها حملت من الزنى- فالآن يقتلها الملك ، فهرب بها ، فهم في الطريق بقتلها ، فأتاه جبريل عليه السلام وقال له : إنه روح القدس ، قال ابن عطية : وهذا كله ضعيف . وهذه القصة تقتضي أنها حملت ، واستمرت حاملا على عرف النساء ، وتظاهرت الروايات بأنها ولدته لثمانية أشهر . قال عكرمة ، وذلك قيل : لا يعيش ابن ثمانية أشهر حفظا لخاصة عيسى . وقيل : لستة . وما ذكرناه عن ابن عباس أصح وأظهر . والله أعلم .
قوله تعالى : { فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا } قرىء بفتح الميم وكسرها . قال ابن عباس : المراد بـ "ـــمن" جبريل ، ولم يتكلم عيسى حتى أتت به قومها ، وقاله علقمة والضحاك وقتادة ، ففي هذا آية وأمارة أن هذا من الأمور الخارقة للعادة التي الله ]تعالى[ فيها مراد عظيم . وقوله :




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 26 ( الأعضاء 0 والزوار 26)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 154.29 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 152.62 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (1.08%)]