|
|||||||
| هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#11
|
||||
|
||||
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الخامس تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(361) الحلقة (375) صــ 501 إلى صــ 520 قالوا : فلقول القائل : " صرت الشيء " معنيان : أملته ، وقطعته . وحكوا سماعا : " صرنا به الحكم " : فصلنا به الحكم . [ ص: 501 ] قال أبو جعفر : وهذا القول الذي ذكرناه عن البصريين : من أن معنى الضم في " الصاد " من قوله : ( فصرهن إليك ) والكسر سواء بمعنى واحد - وأنهما لغتان ، معناهما في هذا الموضع : فقطعهن - وأن معنى " إليك " تقديمها قبل " فصرهن " من أجل أنها صلة قوله : " فخذ " أولى بالصواب من قول الذين حكينا قولهم من نحويي الكوفيين ، الذين أنكروا أن يكون للتقطيع في ذلك وجه مفهوم إلا على معنى القلب الذي ذكرت - لإجماع أهل التأويل على أن معنى قوله : ( فصرهن ) غير خارج من أحد معنيين : إما " قطعهن " وإما " اضممهن إليك " بالكسر قرئ ذلك أو بالضم . ففي إجماع جميعهم على ذلك على غير مراعاة منهم كسر الصاد وضمها ، ولا تفريق منهم بين معنيي القراءتين - أعني الكسر والضم - أوضح الدليل على صحة قول القائلين من نحويي أهل البصرة في ذلك ما حكينا عنهم من القول ، وخطأ قول نحويي الكوفيين ; لأنهم لو كانوا إنما تأولوا قوله : ( فصرهن ) بمعنى فقطعهن ، على أن أصل الكلام " فاصرهن " ثم قلبت فقيل : " فصرهن " بكسر " الصاد " لتحول " ياء " " فاصرهن " مكان رائه ، وانتقال رائه مكان يائه ، لكان لا شك - مع معرفتهم بلغتهم وعلمهم بمنطقهم - قد فصلوا بين معنى ذلك إذا قرئ بكسر صاده ، وبينه إذا قرئ بضمها ، إذ كان غير جائز لمن قلب " فاصرهن " إلى " فصرهن " أن يقرأه " فصرهن " بضم " الصاد " وهم - مع اختلاف قراءتهم ذلك - قد تأولوه تأويلا واحدا على أحد الوجهين اللذين ذكرنا . ففي ذلك أوضح الدليل على خطأ قول من قال : إن ذلك إذا قرئ بكسر " الصاد " بتأويل التقطيع ، مقلوب من : " صري يصرى " إلى " صار يصير " وجهل من زعم أن قول القائل : " صار يصور " و " صار يصير " غير معروف في كلام العرب بمعنى قطع . [ ص: 502 ] ذكر من حضرنا قوله في تأويل قول الله - تعالى ذكره - : ( فصرهن ) أنه بمعنى : فقطعهن . 5994 - حدثنا سليمان بن عبد الجبار قال : حدثنا محمد بن الصلت قال : حدثنا أبو كدينة ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( فصرهن ) قال : هي نبطية ، فشققهن . 5995 - حدثني محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن أبي جمرة ، عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية : ( فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ) ، قال : إنما هو مثل . قال : قطعهن ، ثم اجعلهن في أرباع الدنيا ، ربعا ههنا ، وربعا ههنا ، ثم ادعهن يأتينك سعيا . 5996 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( فصرهن ) قال : قطعهن . 5997 - حدثني يعقوب قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا حصين ، عن أبي مالك في قوله : ( فصرهن إليك ) يقول : قطعهن . 5998 - حدثني المثنى قال : حدثنا عمرو بن عون قال : أخبرنا هشيم ، عن حصين ، عن أبي مالك مثله . 5999 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يحيى بن يمان ، عن أشعث ، عن [ ص: 503 ] جعفر ، عن سعيد : ( فصرهن ) قال : قال : جناح ذه عند رأس ذه ، ورأس ذه عند جناح ذه . 6000 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، قال : زعم أبو عمرو ، عن عكرمة في قوله : ( فصرهن إليك ) قال : قال عكرمة بالنبطية : قطعهن . 6001 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا إسرائيل ، عن يحيى ، عن مجاهد : ( فصرهن إليك ) قال : قطعهن . 6002 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( فصرهن إليك ) انتفهن بريشهن ولحومهن تمزيقا ، ثم اخلط لحومهن بريشهن . 6003 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( فصرهن إليك ) قال : انتفهن بريشهن ولحومهن تمزيقا . 6004 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( فصرهن إليك ) أمر نبي الله - عليه السلام - أن يأخذ أربعة من الطير فيذبحهن ، ثم يخلط بين لحومهن وريشهن ودمائهن . 6005 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : ( فصرهن إليك ) قال : فمزقهن . قال : أمر أن يخلط الدماء بالدماء ، والريش بالريش ، " ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا " . 6006 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ قال : أخبرنا [ ص: 504 ] عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك : ( فصرهن إليك ) يقول : فشققهن ، وهو بالنبطية " صرى " وهو التشقيق . 6007 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ( فصرهن إليك ) يقول قطعهن . 6008 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : ( فصرهن إليك ) يقول : قطعهن إليك ومزقهن تمزيقا . 6009 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : ( فصرهن إليك ) أي قطعهن ، وهو " الصور " في كلام العرب . قال أبو جعفر : ففيما ذكرنا من أقوال - من روينا قوله في تأويل قوله : ( فصرهن إليك ) أنه بمعنى : فقطعهن إليك - دلالة واضحة على صحة ما قلنا في ذلك ، وفساد قول من خالفنا فيه . وإذ كان ذلك كذلك ، فسواء قرأ القارئ ذلك بضم " الصاد " : " فصرهن " إليك أو كسرها " فصرهن " إذ كانت لغتين معروفتين بمعنى واحد . غير أن الأمر - وإن كان كذلك - فإن أحبهما إلي أن أقرأ به " فصرهن إليك " بضم " الصاد " ؛ لأنها أعلى اللغتين وأشهرهما ، وأكثرهما في أحياء العرب . [ وأما قول من تأول قوله : ( فصرهن إليك ) بمعنى : اضممهن إليك ووجهن نحوك واجمعهن ، فهو قول قال به من أهل التأويل نفر قليل ] . [ ص: 505 ] ذكر من قال ذلك : 6010 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ( فصرهن إليك ) " صرهن " : أوثقهن . 6011 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قلت لعطاء قوله : ( فصرهن إليك ) قال : اضممهن إليك . 6012 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : ( فصرهن إليك ) قال : اجمعهن . القول في تأويل قوله : ( ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا ) قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : ( ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ) . فقال بعضهم : يعني بذلك : على كل ربع من أرباع الدنيا جزءا منهن . ذكر من قال ذلك : 6013 - حدثني المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن أبي جمرة ، عن ابن عباس : ( ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ) قال : اجعلهن في أرباع الدنيا : ربعا ههنا ، وربعا ههنا ، وربعا ههنا ، وربعا ههنا ، ( ثم ادعهن يأتينك سعيا ) . [ ص: 506 ] 6014 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ( ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ) قال : لما أوثقهن ذبحهن ، ثم جعل على كل جبل منهن جزءا . 6015 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : قال : أمر نبي الله أن يأخذ أربعة من الطير فيذبحهن ، ثم يخلط بين لحومهن وريشهن ودمائهن ، ثم يجزئهن على أربعة أجبل ، فذكر لنا أنه شكل على أجنحتهن ، وأمسك برءوسهن بيده ، فجعل العظم يذهب إلى العظم ، والريشة إلى الريشة ، والبضعة إلى البضعة ، وذلك بعين خليل الله إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - . ثم دعاهن فأتينه سعيا على أرجلهن ، ويلقي إلى كل طير برأسه . وهذا مثل آتاه الله إبراهيم ، يقول : كما بعث هذه الأطيار من هذه الأجبل الأربعة كذلك يبعث الله الناس يوم القيامة من أرباع الأرض ونواحيها . 6016 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قال : ذبحهن ، ثم قطعهن ، ثم خلط بين لحومهن وريشهن ، ثم قسمهن على أربعة أجزاء ، فجعل على كل جبل منهن جزءا ، فجعل العظم يذهب إلى العظم ، والريشة إلى الريشة ، والبضعة إلى البضعة ، وذلك بعين خليل الله إبراهيم . ثم دعاهن فأتينه سعيا ، يقول : شدا على أرجلهن . وهذا مثل أراه الله إبراهيم ، يقول : كما بعثت هذه الأطيار من هذه الأجبل الأربعة ، كذلك يبعث الله الناس يوم القيامة من أرباع الأرض ونواحيها . 6017 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثنا ابن إسحاق ، عن بعض أهل العلم : أن أهل الكتاب يذكرون أنه أخذ الأطيار الأربعة ، ثم قطع [ ص: 507 ] كل طير بأربعة أجزاء ، ثم عمد إلى أربعة أجبال ، فجعل على كل جبل ربعا من كل طائر ، فكان على كل جبل ربع من الطاووس ، وربع من الديك ، وربع من الغراب وربع من الحمام . ثم دعاهن فقال : " تعالين بإذن الله كما كنتن " فوثب كل ربع منها إلى صاحبه حتى اجتمعن ، فكان كل طائر كما كان قبل أن يقطعه . ثم أقبلن إليه سعيا ، كما قال الله . وقيل : يا إبراهيم هكذا يجمع الله العباد ، ويحيي الموتى للبعث من مشارق الأرض ومغاربها ، وشامها ويمنها . فأراه الله إحياء الموتى بقدرته ، حتى عرف ذلك - يعني ما قال نمروذ من الكذب والباطل - . 6018 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : ( ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ) قال : فأخذ طاووسا ، وحمامة ، وغرابا ، وديكا ، ثم قال : فرقهن ، اجعل رأس كل واحد وجؤشوش الآخر وجناحي الآخر ورجلي الآخر معه . فقطعهن وفرقهن أرباعا على الجبال ، ثم دعاهن فجئنه جميعا ، فقال الله : كما ناديتهن فجئنك ، فكما أحييت هؤلاء وجمعتهن بعد هذا ، فكذلك أجمع هؤلاء - أيضا يعني - الموتى . وقال آخرون : بل معنى ذلك : ثم اجعل على كل جبل من الأجبال التي كانت الأطيار والسباع التي كانت تأكل من لحم الدابة التي رآها إبراهيم ميتة ، فسأل إبراهيم عند رؤيته إياها أن يريه كيف يحييها وسائر الأموات غيرها . وقالوا : كانت سبعة أجبال . ذكر من قال ذلك : 6019 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : لما قال إبراهيم ما قال - عند رؤيته الدابة التي تفرقت الطير [ ص: 508 ] والسباع عنها حين دنا منها ، وسأل ربه ما سأل - قال : ( فخذ أربعة من الطير ) - قال ابن جريج : فذبحها - ثم اخلط بين دمائهن وريشهن ولحومهن ، ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا حيث رأيت الطير ذهبت والسباع . قال : فجعلهن سبعة أجزاء ، وأمسك رءوسهن عنده ، ثم دعاهن بإذن الله ، فنظر إلى كل قطرة من دم تطير إلى القطرة الأخرى ، وكل ريشة تطير إلى الريشة الأخرى ، وكل بضعة وكل عظم يطير بعضه إلى بعض من رءوس الجبال ، حتى لقيت كل جثة بعضها بعضا في السماء ، ثم أقبلن يسعين ، حتى وصلت رأسها . 6020 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : ( فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ) ، ثم اجعل على سبعة أجبال ، فاجعل على كل جبل منهن جزءا ، ثم ادعهن يأتينك سعيا ! فأخذ إبراهيم أربعة من الطير ، فقطعهن أعضاء ، لم يجعل عضوا من طير مع صاحبه . ثم جعل رأس هذا مع رجل هذا ، وصدر هذا مع جناح هذا ، وقسمهن على سبعة أجبال ، ثم دعاهن فطار كل عضو إلى صاحبه ، ثم أقبلن إليه جميعا . وقال آخرون : بل أمره الله أن يجعل ذلك على كل جبل . ذكر من قال ذلك : 6021 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ) ، قال : ثم بددهن على كل جبل يأتينك سعيا ، وكذلك يحيي الله الموتى . 6022 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ثم اجعلهن أجزاء على كل جبل ، ثم ادعهن يأتينك سعيا ، كذلك يحيي الله الموتى . هو مثل ضربه الله لإبراهيم . [ ص: 509 ] 6023 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا حجاج قال : قال ابن جريج ، قال مجاهد : ( ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ) ثم بددهن أجزاء على كل جبل ثم ( ادعهن ) تعالين بإذن الله . فكذلك يحيي الله الموتى . مثل ضربه اللهلإبراهيم - صلى الله عليه وسلم - . 6024 - حدثني المثنى قال : حدثني إسحاق قال : حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك قال : أمره أن يخالف بين قوائمهن ورءوسهن وأجنحتهن ، ثم يجعل على كل جبل منهن جزءا . 6025 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ قال : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ) ، فخالف إبراهيم بين قوائمهن وأجنحتهن . قال أبو جعفر : وأولى التأويلات بالآية ما قاله مجاهد ، وهو أن الله - تعالى ذكره - أمر إبراهيم بتفريق أعضاء الأطيار الأربعة بعد تقطيعه إياهن على جميع الأجبال التي كان يصل إبراهيم في وقت تكليف الله إياه تفريق ذلك وتبديدها عليها أجزاء ؛ لأن الله - تعالى ذكره - قال له : ( ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ) " والكل " حرف يدل على الإحاطة بما أضيف إليه ، لفظه واحد ومعناه الجمع . فإذا كان ذلك كذلك ، فلن يجوز أن تكون الجبال التي أمر الله إبراهيم بتفريق أجزاء الأطيار الأربعة عليها خارجة من أحد معنيين : إما أن تكون بعضا ، أو جميعا . فإن كانت " بعضا " فغير جائز أن يكون ذلك البعض إلا ما كان لإبراهيم [ ص: 510 ] السبيل إلى تفريق أعضاء الأطيار الأربعة عليه . أو يكون " جميعا " فيكون أيضا كذلك . وقد أخبر الله - تعالى ذكره - أنه أمره بأن يجعل ذلك على " كل جبل " وذلك إما كل جبل وقد عرفهن إبراهيم بأعيانهن ، وإما ما في الأرض من الجبال . فأما قول من قال : " إن ذلك أربعة أجبل " وقول من قال : " هن سبعة " فلا دلالة عندنا على صحة شيء من ذلك فنستجيز القول به ، وإنما أمر الله إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - أن يجعل الأطيار الأربعة أجزاء متفرقة على كل جبل ؛ ليرى إبراهيم قدرته على جمع أجزائهن وهن متفرقات متبددات في أماكن مختلفة شتى ، حتى يؤلف بعضهن إلى بعض ، فيعدن كهيئتهن قبل تقطيعهن وتمزيقهن وقبل تفريق أجزائهن على الجبال أطيارا أحياء يطرن فيطمئن قلب إبراهيم ، ويعلم أن كذلك جمع الله أوصال الموتى لبعث القيامة ، وتأليفه أجزاءهم بعد البلى ورد كل عضو من أعضائهم إلى موضعه كالذي كان قبل الردى . قال أبو جعفر : " والجزء " من كل شيء هو البعض منه ، كان منقسما جميعه عليه على صحة أو غير منقسم . فهو بذلك من معناه مخالف معنى " السهم " ؛ لأن " السهم " من الشيء هو البعض المنقسم عليه جميعه على صحة . ولذلك كثر استعمال الناس في كلامهم عند ذكرهم أنصباءهم من المواريث : " السهام " دون " الأجزاء " . [ ص: 511 ] وأما قوله : ( ثم ادعهن ) فإن معناه ما ذكرت آنفا عن مجاهد أنه قال : هو أنه أمر أن يقول لأجزاء الأطيار بعد تفريقهن على كل جبل : " تعالين بإذن الله " . فإن قال قائل : أمر إبراهيم أن يدعوهن وهن ممزقات أجزاء على رءوس الجبال أمواتا ، أم بعدما أحيين ؟ فإن كان أمر أن يدعوهن وهن ممزقات لا أرواح فيهن ، فما وجه أمر من لا حياة فيه بالإقبال ؟ وإن كان أمر بدعائهن بعدما أحيين ، فما كانت حاجة إبراهيم إلى دعائهن ، وقد أبصرهن ينشرن على رءوس الجبال ؟ قيل : إن أمر الله - تعالى ذكره - إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - بدعائهن وهن أجزاء متفرقات ، إنما هو أمر تكوين كقول الله للذين مسخهم قردة بعدما كانوا إنسا : ( كونوا قردة خاسئين ) [ البقرة : 65 ] لا أمر عبادة ، فيكون محالا إلا بعد وجود المأمور المتعبد . القول في تأويل قوله : ( واعلم أن الله عزيز حكيم ( 260 ) ) قال أبو جعفر : يعني - تعالى ذكره - بذلك : ( واعلم ) يا إبراهيم ، أن الذي أحيا هذه الأطيار بعد تمزيقك إياهن ، وتفريقك أجزاءهن على الجبال ، فجمعهن ورد إليهن الروح ، حتى أعادهن كهيئتهن قبل تفريقكهن ( عزيز ) في بطشه إذا بطش بمن بطش من الجبابرة والمتكبرة الذين خالفوا أمره ، وعصوا رسله ، وعبدوا غيره ، وفي نقمته حتى ينتقم منهم ( حكيم ) في أمره . 6026 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثنا ابن إسحاق : ( واعلم أن الله عزيز حكيم ) قال : عزيز في بطشه ، حكيم في أمره . [ ص: 512 ] 6027 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : ( واعلم أن الله عزيز ) في نقمته ( حكيم ) في أمره . القول في تأويل قوله ( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة ) قال أبو جعفر : وهذه الآية مردودة إلى قوله : ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون ) [ البقرة : 245 ] والآيات التي بعدها إلى قوله : ( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ) ، من قصص بني إسرائيل وخبرهم مع طالوت وجالوت ، وما بعد ذلك من نبإ الذي حاج إبراهيم مع إبراهيم ، وأمر الذي مر على القرية الخاوية على عروشها ، وقصة إبراهيم ومسألته ربه ما سأل ، مما قد ذكرناه قبل - اعتراض من الله - تعالى ذكره - بما اعترض به من قصصهم بين ذلك ، احتجاجا منه ببعضه على المشركين الذين كانوا يكذبون بالبعث وقيام الساعة وحضا منه ببعضه للمؤمنين على الجهاد في سبيله الذي أمرهم به في قوله : ( وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم ) [ البقرة : 244 ] يعرفهم فيه أنه ناصرهم وإن قل عددهم وكثر عدد عدوهم ، ويعدهم النصرة عليهم ، ويعلمهم سنته فيمن كان على منهاجهم من ابتغاء رضوان الله أنه مؤيدهم ، وفيمن كان على سبيل أعدائهم من الكفار بأنه خاذلهم ومفرق جمعهم وموهن كيدهم وقطعا منه ببعض عذر اليهود الذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما أطلع نبيه عليه من خفي أمورهم ، [ ص: 513 ] ومكتوم أسرار أوائلهم وأسلافهم التي لم يعلمها سواهم ؛ ليعلموا أن ما آتاهم به محمد - صلى الله عليه وسلم - من عند الله ، وأنه ليس بتخرص ولا اختلاق ، وإعذارا منه به إلى أهل النفاق منهم ؛ ليحذروا بشكهم في أمر محمد - صلى الله عليه وسلم - أن يحل بهم من بأسه وسطوته مثل الذي أحلهما بأسلافهم الذين كانوا في القرية التي أهلكها ، فتركها خاوية على عروشها . ثم عاد - تعالى ذكره - إلى الخبر عن ( الذي يقرض الله قرضا حسنا ) وما عنده له من الثواب على قرضه فقال : ( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ) يعني بذلك مثل الذين ينفقون أموالهم على أنفسهم في جهاد أعداء الله بأنفسهم وأموالهم ( كمثل حبة ) من حبات الحنطة أو الشعير ، أو غير ذلك من نبات الأرض التي تسنبل ريعها بذرها زارع . " فأنبتت " يعني : فأخرجت ( سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة ) يقول : فكذلك المنفق ماله على نفسه في سبيل الله ، له أجره سبعمائة ضعف على الواحد من نفقته . كما : - 6028 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ( كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة ) فهذا لمن أنفق في سبيل الله ، فله أجره سبعمائة . . 6029 - حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء ) قال : هذا الذي ينفق على نفسه في سبيل الله ويخرج . [ ص: 514 ] 6030 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : ( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة ) الآية ، فكان من بايع النبي - صلى الله عليه وسلم - على الهجرة ، ورابط مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة ، ولم يلق وجها إلا بإذنه ، كانت الحسنة له بسبعمائة ضعف ، ومن بايع على الإسلام كانت الحسنة له عشر أمثالها . قال أبو جعفر : فإن قال قائل : وهل رأيت سنبلة فيها مائة حبة أو بلغتك فضرب بها مثل المنفق في سبيل الله ماله ؟ . قيل : إن يكن ذلك موجودا فهو ذاك ، وإلا فجائز أن يكون معناه : كمثل سنبلة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة ، إن جعل الله ذلك فيها . ويحتمل أن يكون معناه : في كل سنبلة مائة حبة ، يعني أنها إذا هي بذرت أنبتت مائة حبة فيكون ما حدث عن البذر الذي كان منها من المائة الحبة ، مضافا إليها ، [ ص: 515 ] لأنه كان عنها . وقد تأول ذلك على هذا الوجه بعض أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 6031 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك قوله : ( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة ) ، قال : كل سنبلة أنبتت مائة حبة ، فهذا لمن أنفق في سبيل الله : ( والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم ) . القول في تأويل قوله ( والله يضاعف لمن يشاء ) قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : ( والله يضاعف لمن يشاء ) . فقال بعضهم : الله يضاعف لمن يشاء من عباده أجر حسناته . يعد الذي أعطى غير منفق في سبيله دون ما وعد المنفق في سبيله من تضعيف الواحدة سبعمائة . فأما المنفق في سبيله فلا ينقصه عما وعده من تضعيف السبعمائة بالواحدة . ذكر من قال ذلك : 6032 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك قال : هذا يضاعف لمن أنفق في سبيل الله - يعني السبعمائة - [ ص: 516 ] ( والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم ) ، يعني لغير المنفق في سبيله . وقال آخرون : بل معنى ذلك : والله يضاعف لمن يشاء من المنفقين في سبيله على السبعمائة إلى ألفي ألف ضعف . وهذا قول ذكر عن ابن عباس من وجه لم أجد إسناده ، فتركت ذكره . قال أبو جعفر : والذي هو أولى بتأويل قوله : ( والله يضاعف لمن يشاء ) والله يضاعف على السبعمائة إلى ما يشاء من التضعيف لمن يشاء من المنفقين في سبيله ؛ لأنه لم يجر ذكر الثواب والتضعيف لغير المنفق في سبيل الله ، فيجوز لنا توجيه ما وعد - تعالى ذكره - في هذه الآية من التضعيف إلى أنه عدة منه على [ العمل في غير سبيله أو ] على غير النفقة في سبيل الله . القول في تأويل قوله ( والله واسع عليم ( 261 ) ) قال أبو جعفر : يعني - تعالى ذكره - بذلك : ( والله واسع ) أن يزيد من يشاء من خلقه المنفقين في سبيله على أضعاف السبعمائة التي وعده أن يزيده . ( عليم ) من يستحق منهم الزيادة كما : - 6033 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم ) قال : ( واسع ) : أن يزيد من سعته ( عليم ) : عالم بمن يزيده . [ ص: 517 ] وقال آخرون : معنى ذلك : ( والله واسع ) لتلك الأضعاف ( عليم ) بما ينفق الذين ينفقون أموالهم في طاعة الله . القول في تأويل قوله ( الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ( 262 ) ) قال أبو جعفر : يعني - تعالى ذكره - بذلك : المعطي ماله المجاهدين في سبيل الله معونة لهم على جهاد أعداء الله . يقول - تعالى ذكره - : الذين يعينون المجاهدين في سبيل الله بالإنفاق عليهم وفي حمولاتهم ، وغير ذلك من مؤنهم ، ثم لم يتبع نفقته التي أنفقها عليهم منا عليهم بإنفاق ذلك عليهم ، ولا أذى لهم . فامتنانه به عليهم بأن يظهر لهم أنه قد اصطنع إليهم - بفعله وعطائه الذي أعطاهموه تقوية لهم على جهاد عدوهم - معروفا ، ويبدي ذلك إما بلسان أو فعل . وأما " الأذى " فهو شكايته إياهم بسبب ما أعطاهم وقواهم من النفقة في سبيل الله ، أنهم لم يقوموا بالواجب عليهم في الجهاد ، وما أشبه ذلك من القول الذي يؤذي به من أنفق عليه . وإنما شرط ذلك في المنفق في سبيل الله ، وأوجب الأجر لمن كان غير مان ولا مؤذ من أنفق عليه في سبيل الله ؛ لأن النفقة التي هي في سبيل الله : ما ابتغي به وجه الله وطلب به ما عنده . فإذا كان معنى النفقة في سبيل الله هو ما وصفنا فلا وجه لمن المنفق على من أنفق عليه ؛ لأنه لا يد له قبله ولا صنيعة يستحق بها [ ص: 518 ] عليه - إن لم يكافئه - عليها المن والأذى ، إذ كانت نفقته ما أنفق عليه احتسابا وابتغاء ثواب الله وطلب مرضاته ، وعلى الله مثوبته ، دون من أنفق ذلك عليه . وبنحو المعنى الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 6034 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ) ، علم الله أن أناسا يمنون بعطيتهم ، فكره ذلك وقدم فيه فقال : ( قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم ) . 6035 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : قال للآخرين يعني : قال الله للآخرين ، وهم الذين لا يخرجون في جهاد عدوهم : ( الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى ) قال : فشرط عليهم . قال : والخارج لم يشرط عليه قليلا ولا كثيرا - يعني بالخارج : الخارج في الجهاد الذي ذكر الله في قوله : ( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة ) الآية . قال ابن زيد : وكان أبي يقول : إن آذاك من يعطي من هذا شيئا أو يقوي في سبيل الله ، فظننت أنه يثقل عليه سلامك ، فكف سلامك عنه . قال ابن زيد : فنهى عن خير الإسلام . قال : وقالت امرأة لأبي : يا أبا أسامة تدلني على رجل يخرج في سبيل الله حقا ، فإنهم لا يخرجون إلا [ ص: 519 ] ليأكلوا الفواكه ! ! عندي جعبة وأسهم فيها . فقال لها : لا بارك الله لك في جعبتك ، ولا في أسهمك ، فقد آذيتيهم قبل أن تعطيهم ! قال : وكان رجل يقول لهم : اخرجوا وكلوا الفواكه ! 6036 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك قوله : ( لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى ) قال : أن لا ينفق الرجل ماله خير من أن ينفقه ثم يتبعه منا وأذى . وأما قوله : ( لهم أجرهم عند ربهم ) ، فإنه يعني للذين ينفقون أموالهم في سبيل الله على ما بين . " والهاء والميم " في " لهم " عائدة على " الذين " . ومعنى قوله : ( لهم أجرهم عند ربهم ) ، لهم ثوابهم وجزاؤهم على نفقتهم التي أنفقوها في سبيل الله ، ثم لم يتبعوها منا ولا أذى . وقوله : ( ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) ، يقول : وهم مع ما لهم من الجزاء والثواب على نفقتهم التي أنفقوها على ما شرطنا ( لا خوف عليهم ) عند مقدمهم على الله وفراقهم الدنيا ، ولا في أهوال القيامة ، وأن ينالهم من مكارهها أو يصيبهم فيها من عقاب الله ( ولا هم يحزنون ) على ما خلفوا وراءهم في الدنيا . [ ص: 520 ] القول في تأويل قوله ( قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم ( 263 ) ) قال أبو جعفر : يعني - تعالى ذكره - بقوله : ( قول معروف ) قول جميل ، ودعاء الرجل لأخيه المسلم ( ومغفرة ) يعني : وستر منه عليه لما علم من خلته وسوء حالته . ( خير ) عند الله ( من صدقة ) يتصدقها عليه ( يتبعها أذى ) يعني يشتكيه عليها ، ويؤذيه بسببها كما : - ![]()
__________________
|
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 13 ( الأعضاء 0 والزوار 13) | |
| أدوات الموضوع | |
| انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |