تفسير (الجامع لأحكام القرآن) الشيخ الفقيه الامام القرطبى - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 5094 - عددالزوار : 2339620 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4679 - عددالزوار : 1636837 )           »          تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 199 - عددالزوار : 4101 )           »          شرح كتاب الحج من صحيح مسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 75 - عددالزوار : 67168 )           »          برّ الوالدين بعد الوفاة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          حُكم التائب من التهاون في الصلاة والصيام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          كيفية التغلب على الغضب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          لا يلزم مِن الزهد ترك البيع والشراء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          النهي عن الفُحش في القول (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          زكاة أموال القُصّر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #11  
قديم 20-06-2022, 11:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,805
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير (الجامع لأحكام القرآن) الشيخ الفقيه الامام القرطبى




تَّفْسِيرِ
(الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ )
الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ
المجلد (2)
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
من صــ 319الى صــ 325
الحلقة (117)



قوله تعالى : يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون

[ ص: 318 ] فيه اثنتا عشرة مسألة :

الأولى : قوله تعالى : يسألونك عن الأهلة هذا مما سأل عنه اليهود واعترضوا به على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال معاذ : يا رسول الله ، إن اليهود تغشانا ويكثرون مسألتنا عن الأهلة فما بال الهلال يبدو دقيقا ثم يزيد حتى يستوي ويستدير ، ثم ينتقص حتى يعود كما كان ؟ فأنزل الله هذه الآية . وقيل : إن سبب نزولها سؤال قوم من المسلمين النبي صلى الله عليه وسلم عن الهلال وما سبب محاقه وكماله ومخالفته لحال الشمس ، قاله ابن عباس وقتادة والربيع وغيرهم .

الثانية : قوله تعالى : عن الأهلة الأهلة جمع الهلال ، وجمع وهو واحد في الحقيقة من حيث كونه هلالا واحدا في شهر ، غير كونه هلالا في آخر ، فإنما جمع أحواله من الأهلة . ويريد بالأهلة شهورها ، وقد يعبر بالهلال عن الشهر لحلول فيه ، كما قال :
أخوان من نجد على ثقة والشهر مثل قلامة الظفر


وقيل : سمي شهرا لأن الأيدي تشهر بالإشارة إلى موضع الرؤية ويدلون عليه ، ويطلق لفظ الهلال لليلتين من آخر الشهر ، وليلتين من أوله ، وقيل : لثلاث من أوله ، وقال الأصمعي : هو هلال حتى يحجر ويستدير له كالخيط الرقيق ، وقيل : بل هو هلال حتى يبهر بضوئه السماء ، وذلك ليلة سبع . قال أبو العباس : وإنما قيل له هلال لأن الناس يرفعون أصواتهم بالإخبار عنه . ومنه استهل الصبي إذا ظهرت حياته بصراخه ، واستهل وجهه فرحا وتهلل إذا ظهر فيه السرور . قال أبو كبير :
وإذا نظرت إلى أسرة وجهه برقت كبرق العارض المتهلل


ويقال : أهللنا الهلال إذا دخلنا فيه . قال الجوهري : " وأهل الهلال واستهل على ما لم يسم فاعله ، ويقال أيضا : استهل بمعنى تبين ، ولا يقال : أهل ويقال : أهللنا عن ليلة كذا ، ولا يقال : أهللناه فهل ، كما يقال : أدخلناه فدخل ، وهو قياسه " : قال أبو نصر عبد الرحيم القشيري في تفسيره : ويقال : أهل الهلال واستهل وأهللنا الهلال واستهللنا .

الثالثة : قال علماؤنا : من حلف ليقضين غريمه أو ليفعلن كذا في الهلال أو رأس الهلال أو عند الهلال ، ففعل ذلك بعد رؤية الهلال بيوم أو يومين لم يحنث . وجميع الشهور تصلح لجميع العبادات والمعاملات على ما يأتي .

قوله تعالى : قل هي مواقيت للناس والحج تبيين لوجه الحكمة في زيادة القمر [ ص: 319 ] ونقصانه ، وهو زوال الإشكال في الآجال والمعاملات والإيمان والحج والعدد والصوم والفطر ومدة الحمل والإجارات والأكرية ، إلى غير ذلك من مصالح العباد ، ونظيره قوله الحق : وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب على ما يأتي ، وقوله : هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب . وإحصاء الأهلة أيسر من إحصاء الأيام .

الرابعة : وبهذا الذي قررناه يرد على أهل الظاهر ومن قال بقولهم : إن المساقاة تجوز إلى الأجل المجهول سنين غير معلومة ، واحتجوا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عامل اليهود على شطر الزرع والنخل ما بدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم من غير توقيت ، وهذا لا دليل فيه ; لأنه عليه السلام قال لليهود : أقركم فيها ما أقركم الله . وهذا أدل دليل وأوضح سبيل على أن ذلك خصوص له ، فكان ينتظر في ذلك القضاء من ربه ، وليس كذلك غيره ، وقد أحكمت الشريعة معاني الإجارات وسائر المعاملات ، فلا يجوز شيء منها إلا على ما أحكمه الكتاب والسنة ، وقال به علماء الأمة .

الخامسة : مواقيت المواقيت : جمع الميقات وهو الوقت ، وقيل : الميقات منتهى الوقت . ومواقيت لا تنصرف ; لأنه جمع لا نظير له في الآحاد ، فهو جمع ونهاية جمع ، إذ ليس يجمع فصار كأن الجمع تكرر فيها ، وصرفت " قوارير " في قوله : قواريرا لأنها وقعت في رأس آية فنونت كما تنون القوافي ، فليس هو تنوين الصرف الذي يدل على تمكن الاسم .

السادسة : والحج بفتح الحاء قراءة الجمهور ، وقرأ ابن أبي إسحاق بالكسر في جميع القرآن ، وفي قوله : حج البيت في " آل عمران " . سيبويه : الحج كالرد والشد ، والحج كالذكر ، فهما مصدران بمعنى وقيل : الفتح مصدر ، والكسر الاسم .

السابعة : أفرد سبحانه الحج بالذكر لأنه مما يحتاج فيه إلى معرفة الوقت ، وأنه لا يجوز النسيء فيه عن وقته ، بخلاف ما رأته العرب ، فإنها كانت تحج بالعدد وتبدل الشهور ، فأبطل الله قولهم وفعلهم ، على ما يأتي بيانه في " براءة " إن شاء الله تعالى .

الثامنة : استدل مالك رحمه الله وأبو حنيفة وأصحابهما في أن الإحرام بالحج يصح في [ ص: 320 ] غير أشهر الحج بهذه الآية ; لأن الله تعالى جعل الأهلة كلها ظرفا لذلك ، فصح أن يحرم في جميعها بالحج ، وخالف في ذلك الشافعي ، لقوله تعالى : الحج أشهر معلومات على ما يأتي ، وأن معنى هذه الآية أن بعضها مواقيت للناس ، وبعضها مواقيت للحج ، وهذا كما تقول : الجارية لزيد وعمرو ، وذلك يقضي أن يكون بعضها لزيد وبعضها لعمرو ، ولا يجوز أن يقال : جميعها لزيد وجميعها لعمرو ، والجواب أن يقال : إن ظاهر قوله هي مواقيت للناس والحج يقتضي كون جميعها مواقيت للناس وجميعها مواقيت للحج ، ولو أراد التبعيض لقال : بعضها مواقيت للناس وبعضها مواقيت للحج ، وهذا كما تقول : إن شهر رمضان ميقات لصوم زيد وعمرو ، ولا خلاف أن المراد بذلك أن جميعه ميقات لصوم كل واحد منهما ، وما ذكروه من الجارية فصحيح ; لأن كونها جمعاء لزيد مع كونها جمعاء لعمرو مستحيل ، وليس كذلك في مسألتنا ، فإن الزمان يصح أن يكون ميقاتا لزيد وميقاتا لعمرو ، فبطل ما قالوه .

التاسعة : لا خلاف بين العلماء أن من باع معلوما من السلع بثمن معلوم إلى أجل معلوم من شهور العرب أو إلى أيام معروفة العدد أن البيع جائز ، وكذلك قالوا في السلم إلى الأجل المعلوم ، واختلفوا في من باع إلى الحصاد أو إلى الدياس أو إلى العطاء وشبه ذلك ، فقال مالك : ذلك جائز لأنه معروف ، وبه قال أبو ثور ، وقال أحمد : أرجو ألا يكون به بأس ، وكذلك إلى قدوم الغزاة ، وعن ابن عمر أنه كان يبتاع إلى العطاء ، وقالت طائفة . ذلك غير جائز ; لأن الله تعالى وقت المواقيت وجعلها علما لآجالهم في بياعاتهم ومصالحهم . كذلك قال ابن عباس ، وبه قال الشافعي والنعمان . قال ابن المنذر : قول ابن عباس صحيح .

العاشرة : إذا رئي الهلال كبيرا فقال علماؤنا : لا يعول على كبره ولا على صغره وإنما هو ابن ليلته . روى مسلم عن أبي البختري قال : خرجنا للعمرة فلما نزلنا ببطن نخلة قال : تراءينا الهلال ، فقال بعض القوم : هو ابن ثلاث ، وقال بعض القوم : هو ابن ليلتين . قال : فلقينا ابن عباس فقلنا : إنا رأينا الهلال فقال بعض القوم هو ابن ثلاث ، وقال بعض القوم هو ابن ليلتين ، فقال : أي ليلة رأيتموه ؟ قال فقلنا : ليلة كذا وكذا ، فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الله مده للرؤية فهو لليلة رأيتموه .

[ ص: 321 ] الحادية عشرة : قوله تعالى : وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها اتصل هذا بذكر مواقيت الحج لاتفاق وقوع القضيتين في وقت السؤال عن الأهلة وعن دخول البيوت من ظهورها ، فنزلت الآية فيهما جميعا ، وكان الأنصار إذا حجوا وعادوا لا يدخلون من أبواب بيوتهم ، فإنهم كانوا إذا أهلوا بالحج أو العمرة يلتزمون شرعا ألا يحول بينهم وبين السماء حائل ، فإذا خرج الرجل منهم بعد ذلك ، أي من بعد إحرامه من بيته ، فرجع لحاجة لا يدخل من باب الحجرة من أجل سقف البيت أن يحول بينه وبين السماء ، فكان يتسنم ظهر بيته على الجدران ثم يقوم في حجرته فيأمر بحاجته فتخرج إليه من بيته . فكانوا يرون هذا من النسك والبر ، كما كانوا يعتقدون أشياء نسكا ، فرد عليهم فيها ، وبين الرب تعالى أن البر في امتثال أمره . وقال ابن عباس في رواية أبي صالح : كان الناس في الجاهلية وفي أول الإسلام إذا أحرم رجل منهم بالحج فإن كان من أهل المدر - يعني من أهل البيوت - نقب في ظهر بيته فمنه يدخل ومنه يخرج ، أو يضع سلما فيصعد منه وينحدر عليه ، وإن كان من أهل الوبر - يعني أهل الخيام - يدخل من خلف الخيام الخيمة ، إلا من كان من الحمس ، وروى الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم أهل زمن الحديبية بالعمرة فدخل حجرته ودخل خلفه رجل أنصاري منبني سلمة ، فدخل وخرق عادة قومه ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( لم دخلت وأنت قد أحرمت ) ، فقال : دخلت أنت فدخلت بدخولك ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( إني أحمس ) أي من قوم لا يدينون بذلك ، فقال له الرجل : وأنا ديني دينك ، فنزلت الآية ، وقال ابن عباس وعطاء وقتادة ، وقيل : إن هذا الرجل هو قطبة بن عامر الأنصاري .

والحمس : قريش وكنانة وخزاعة وثقيف وجشم وبنو عامر بن صعصعة وبنو نصر بن معاوية ، وسموا حمسا لتشديدهم في دينهم ، والحماسة الشدة . قال العجاج :
وكم قطعنا من قفاف حمس


أي شداد ، ثم اختلفوا في تأويلها ، فقيل ما ذكرنا ، وهو الصحيح ، وقيل : إنه النسيء وتأخير الحج به ، حتى كانوا يجعلون الشهر الحلال حراما بتأخير الحج إليه ، والشهر الحرام حلالا بتأخير الحج عنه ، فيكون ذكر البيوت على هذا مثلا لمخالفة الواجب في الحج [ ص: 322 ] وشهوره . وسيأتي بيان النسيء في سورة ( براءة ) إن شاء الله تعالى ، وقال أبو عبيدة : الآية ضرب مثل ، المعنى ليس البر أن تسألوا الجهال ولكن اتقوا الله واسألوا العلماء ، فهذا كما تقول : أتيت هذا الأمر من بابه ، وحكى المهدوي ومكي عن ابن الأنباري ، والماوردي عن ابن زيد أن الآية مثل في جماع النساء ، أمر بإتيانهن في القبل لا من الدبر ، وسمي النساء بيوتا للإيواء إليهن كالإيواء إلى البيوت . قال ابن عطية : وهذا بعيد مغير نمط الكلام ، وقال الحسن : كانوا يتطيرون ، فمن سافر ولم تحصل حاجته كان يأتي بيته من وراء ظهره تطيرا من الخيبة ، فقيل لهم : ليس في التطير بر ، بل البر أن تتقوا الله وتتوكلوا عليه .

قلت : القول الأول أصح هذه الأقوال ، لما رواه البراء قال : كان الأنصار إذا حجوا فرجعوا لم يدخلوا البيوت من أبوابها ، قال : فجاء رجل من الأنصار فدخل من بابه ، فقيل له في ذلك ، فنزلت هذه الآية : وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها وهذا نص في البيوت حقيقة . خرجه البخاري ومسلم ، وأما تلك الأقوال فتؤخذ من موضع آخر لا من الآية ، فتأمله ، وقد قيل : إن الآية خرجت مخرج التنبيه من الله تعالى على أن يأتوا البر من وجهه ، وهو الوجه الذي أمر الله تعالى به ، فذكر إتيان البيوت من أبوابها مثلا ليشير به إلى أن نأتي الأمور من مأتاها الذي ندبنا الله تعالى إليه .

قلت : فعلى هذا يصح ما ذكر من الأقوال . والبيوت جمع بيت ، وقرئ بضم الباء وكسرها . وتقدم معنى التقوى والفلاح فلا معنى للإعادة .

الثانية عشرة : في هذه الآية بيان أن ما لم يشرعه الله قربة ولا ندب إليه لا يصير قربة بأن يتقرب به متقرب . قال ابن خويز منداد : إذا أشكل ما هو بر وقربة بما ليس هو بر وقربة أن ينظر في ذلك العمل ، فإن كان له نظير في الفرائض والسنن فيجوز أن يكون ، وإن لم يكن فليس ببر ولا قربة . قال : وبذلك جاءت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وذكر حديث ابن عباس قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم في الشمس فسأل عنه ، فقالوا : هو أبو إسرائيل ، نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : مروه فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه ، فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم ما كان غير قربة مما لا أصل له في شريعته ، وصحح ما كان قربة مما له نظير في الفرائض والسنن .
[ ص: 323 ] قوله تعالى وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين

فيه ثلاث مسائل :

الأولى : قوله تعالى : وقاتلوا هذه الآية أول آية نزلت في الأمر بالقتال ، ولا خلاف في أن القتال كان محظورا قبل الهجرة بقوله : ادفع بالتي هي أحسن وقوله : فاعف عنهم واصفح وقوله : واهجرهم هجرا جميلا وقوله : لست عليهم بمسيطر وما كان مثله مما نزل بمكة ، فلما هاجر إلى المدينة أمر بالقتال فنزل : وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم قاله الربيع بن أنس وغيره ، وروي عن أبي بكر الصديق أن أول آية نزلت في القتال : أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا ، والأول أكثر ، وأن آية الإذن إنما نزلت في القتال عامة لمن قاتل ولمن لم يقاتل من المشركين ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج مع أصحابه إلى مكة للعمرة ، فلما نزل الحديبية بقرب مكة - والحديبية اسم بئر ، فسمي ذلك الموضع باسم تلك البئر - فصده المشركون عن البيت ، وأقام بالحديبية شهرا ، فصالحوه على أن يرجع من عامه ذلك كما جاء ، على أن تخلى له مكة في العام المستقبل ثلاثة أيام ، وصالحوه على ألا يكون بينهم قتال عشر سنين ، ورجع إلى المدينة ، فلما كان من قابل تجهز لعمرة القضاء ، وخاف المسلمون غدر الكفار وكرهوا القتال في الحرم وفي الشهر الحرام ، فنزلت هذه الآية ، أي يحل لكم القتال إن قاتلكم الكفار ، فالآية متصلة بما سبق من ذكر الحج وإتيان البيوت من ظهورها ، فكان عليه السلام يقاتل من قاتله ويكف عمن كف عنه ، حتى نزل فاقتلوا المشركين فنسخت هذه الآية ، قاله جماعة من العلماء ، وقال ابن زيد والربيع : نسخها وقاتلوا المشركين كافة فأمر بالقتال لجميع الكفار ، وقال ابن عباس وعمر بن عبد العزيز ومجاهد : هي محكمة أي قاتلوا الذين هم بحالة من يقاتلونكم ، ولا تعتدوا في قتل النساء والصبيان والرهبان وشبههم ، على ما يأتي بيانه .

قال أبو جعفر النحاس : وهذا أصح القولين [ ص: 324 ] في السنة والنظر ، فأما السنة فحديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في بعض مغازيه امرأة مقتولة فكره ذلك ، ونهى عن قتل النساء والصبيان ، رواه الأئمة ، وأما النظر فإن " فاعل " لا يكون في الغالب إلا من اثنين ، كالمقاتلة والمشاتمة والمخاصمة ، والقتال لا يكون في النساء ولا في الصبيان ومن أشبههم ، كالرهبان والزمنى والشيوخ والأجراء فلا يقتلون ، وبهذا أوصى أبو بكر الصديق رضي الله عنه يزيد بن أبي سفيان حين أرسله إلى الشام ، إلا أن يكون لهؤلاء إذاية ، أخرجه مالك وغيره ، وللعلماء فيهم صور ست :

الأولى : النساء إن قاتلن قتلن ، قال سحنون : في حالة المقاتلة وبعدها ، لعموم قوله : وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ، واقتلوهم حيث ثقفتموهم . وللمرأة آثار عظيمة في القتال ، منها الإمداد بالأموال ، ومنها التحريض على القتال ، وقد يخرجن ناشرات شعورهن نادبات مثيرات معيرات بالفرار ، وذلك يبيح قتلهن ، غير أنهن إذا حصلن في الأسر فالاسترقاق أنفع لسرعة إسلامهن ورجوعهن عن أديانهن ، وتعذر فرارهن إلى أوطانهن بخلاف الرجال .

الثانية : الصبيان فلا يقتلون للنهي الثابت عن قتل الذرية ; ولأنه لا تكليف عليهم ، فإن قاتل [ الصبي ] قتل .

الثالثة : الرهبان لا يقتلون ولا يسترقون ، بل يترك لهم ما يعيشون به من أموالهم ، وهذا إذا انفردوا عن أهل الكفر ، لقول أبي بكر ليزيد : " وستجد أقواما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم [ ص: 325 ] لله ، فذرهم وما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم له " فإن كانوا مع الكفار في الكنائس قتلوا ، ولو ترهبت المرأة فروى أشهب أنها لا تهاج . وقال سحنون : لا يغير الترهب حكمها . قال القاضي أبو بكر بن العربي : " والصحيح عندي رواية أشهب ; لأنها داخلة تحت قوله : " فذرهم وما حبسوا أنفسهم له " .

الرابعة : الزمنى . قال سحنون : يقتلون ، وقال ابن حبيب : لا يقتلون ، والصحيح أن تعتبر أحوالهم ، فإن كانت فيهم إذاية قتلوا ، وإلا تركوا وما هم بسبيله من الزمانة وصاروا مالا على حالهم وحشوة .

الخامسة : الشيوخ . قال مالك في كتاب محمد : لا يقتلون ، والذي عليه جمهور الفقهاء : إن كان شيخا كبيرا هرما لا يطيق القتال ، ولا ينتفع به في رأي ولا مدافعة فإنه لا يقتل ، وبه قال مالك وأبو حنيفة . وللشافعي قولان : أحدهما : مثل قول الجماعة ، والثاني : يقتل هو والراهب ، والصحيح الأول لقول أبي بكر ليزيد ، ولا مخالف له فثبت أنه إجماع ، وأيضا فإنه ممن لا يقاتل ولا يعين العدو فلا يجوز قتله كالمرأة ، وأما إن كان ممن تخشى مضرته بالحرب أو الرأي أو المال فهذا إذا أسر يكون الإمام فيه مخيرا بين خمسة أشياء : القتل أو المن أو الفداء أو الاسترقاق أو عقد الذمة على أداء الجزية .

السادسة : العسفاء ، وهم الأجراء والفلاحون ، فقال مالك في كتاب محمد : لا يقتلون وقال الشافعي : يقتل الفلاحون والأجراء والشيوخ الكبار إلا أن يسلموا أو يؤدوا الجزية . والأول أصح ، لقوله عليه السلام في حديث رباح بن الربيع الحق بخالد بن الوليد فلا يقتلن ذرية ولا عسيفا ، وقال عمر بن الخطاب : اتقوا الله في الذرية والفلاحين الذي لا ينصبون لكم الحرب ، وكان عمر بن عبد العزيز لا يقتل حراثا ، ذكره ابن المنذر .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 4 ( الأعضاء 0 والزوار 4)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 1,515.76 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 1,514.08 كيلو بايت... تم توفير 1.68 كيلو بايت...بمعدل (0.11%)]