تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد - الصفحة 21 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         لو مفيش شبكة أو Wi-Fi .. ميزة جديدة بهواتف أبل لإرسال الـSMS فى الطوارئ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          لمستخدمي أيفون.. كيفية قفل التطبيقات وإخفائها على نظام iOS 18 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          إطالة عمر بطارية هاتفك الذكي.. تقنيات فعالة للمستخدمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          طريقة تفعيل رسائل RCS على نظام التشغيل iOS 18.. اعرف الخطوات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          أيفون 16 برو.. 3 أسباب تجعلك لا تندم على الترقية من 15 برو (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          مستخدمو تروكولر على آيفون يحصلون على حظر تلقائي للمكالمات غير المرغوب فيها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          خرائط جوجل تسهل تعديل عنوان العمل والمنزل على Android Auto (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          واتساب يسهل العثور على الرسائل غير المكتملة.. تفاصيل الميزة الجديدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          Threads يتيح لك الآن وضع علامة على موقعك فى المنشورات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          خرائط جوجل تعلن عن ثلاث مزايا جديدة تساعد المستخدمين على اكتشاف المواقع بدقة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 01-06-2022, 09:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,475
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد





تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثالث
سُورَةُ الانعام
الحلقة (204)
صــ59 إلى صــ 64



قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون .

قوله تعالى: قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم فيه قولان .

[ ص: 59 ] أحدهما: أن الذي فوقهم: العذاب النازل من السماء ، كما حصب قوم لوط ، وأصحاب الفيل . والذي من تحت أرجلهم: كما خسف بقارون ، قاله ابن عباس ، والسدي ، ومقاتل . وقال غيرهم: ومنه الطوفان ، والريح ، والصيحة ، والرجفة .

والقول الثاني: أن الذي من فوقهم: من قبل أمرائهم . والذي من تحتهم: من سفلتهم ، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس . وقال في رواية أخرى: الذي من فوقهم: أئمة السوء; والذي من تحت أرجلهم: عبيد السوء .

قوله تعالى: أو يلبسكم شيعا قال ابن عباس : يبث فيكم الأهواء المختلفة ، فتصيرون فرقا . قال ابن قتيبة: يلبسكم: من الالتباس عليهم والمعنى: حتى تكونوا شيعا ، أي: فرقا مختلفين . ثم يذيق بعضكم بأس بعض بالقتال والحرب . وقال الزجاج : يلبسكم ، أي: يخلط أمركم خلط اضطراب ، لا خلط اتفاق . يقال: لبست عليهم الأمر ، ألبسه: إذا لم أبينه . ومعنى شيعا: أي يجعلكم فرقا ، فإذا كنتم مختلفين ، قاتل بعضكم بعضا .

قوله تعالى: ويذيق بعضكم بأس بعض أي يقتل بعضكم بيد بعض . وفيمن عني بهذه الآية ، ثلاثة أقوال .

أحدها: أنها في المسلمين أهل الصلاة ، هذا مذهب ابن عباس ، وأبي العالية ، وقتادة . وقال أبي بن كعب في هذه الآية: هن أربع خلال ، وكلهن عذاب ، وكلهن واقع قبل يوم القيامة ، فمضت اثنتان قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس وعشرين سنة ، ألبسوا شيعا ، وأذيق بعضهم بأس بعض . وثنتان واقعتان لا محالة: الخسف ، والرجم .

[ ص: 60 ] والثاني: أن العذاب للمشركين ، وباقي الآية للمسلمين ، قاله الحسن . وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: سألت ربي ثلاثا ، فأعطاني اثنتين ، ومنعني واحدة ، سألته أن لا يصيبكم بعذاب أصاب به من كان قبلكم فأعطانيها ، وسألته أن لا يسلط عليكم عدوا يستبيح بيضتكم فأعطانيها ، وسألته أن لا يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض ، فمنعنيها .

والثالث: أنها تهدد للمشركين ، قاله ابن جرير الطبري ، وأبو سليمان الدمشقي .
وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل

قوله تعالى: وكذب به قومك في هاء "به" ثلاثة أقوال .

أحدها: أنها كناية عن القرآن . والثاني: عن تصريف الآيات . والثالث: عن العذاب . [ ص: 61 ] قوله تعالى: قل لست عليكم بوكيل فيه قولان .

أحدهما: لست حفيظا على أعمالكم لأجازيكم بها ، إنما أنا منذر ، قاله الحسن .

والثاني: لست حفيظا عليكم أخذكم بالإيمان ، إنما أدعوكم إلى الله ، قاله الزجاج .

فصل

وفي هذا القدر من الآية قولان .

أحدهما: أنه اقتضى الاقتصار في حقهم على الإنذار من غير زيادة ، ثم نسخ ذلك بآية السيف .

والثاني: أن معناه: لست حفيظا عليكم ، إنما أطالبكم بالظواهر من الإقرار والعمل ، لا بالإسرار; فعلى هذا هو محكم .
لكل نبإ مستقر وسوف تعلمون

قوله تعالى: لكل نبإ مستقر أي: لكل خبر يخبر الله به وقت يقع فيه من غير خلف ولا تأخير . قال السدي: فاستقر نبأ القرآن بما كان يعدهم من العذاب يوم بدر . وقال مقاتل: منه في الدنيا يوم بدر ، وفي الآخرة جهنم .
وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين

قوله تعالى: وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فيمن أريد بهذه الآية ثلاثة أقوال . [ ص: 62 ] أحدها: المشركون . والثاني: اليهود: والثالث: أصحاب الأهواء . والآيات: القرآن . وخوض المشركين فيه: تكذيبهم به واستهزاؤهم ، ويقاربه خوض اليهود ، وخوض أهل الأهواء بالمراء والخصومات .

قوله تعالى: فأعرض عنهم أي: فاترك مجالستهم ، حتى يكون خوضهم في غير القرآن . وإما ينسينك وقرأ ابن عامر: "ينسينك" ، بفتح النون ، وتشديد السين ، والنون الثانية ، ومثل هذا: غرمته وأغرمته . وفي التنزيل: فمهل الكافرين أمهلهم والمعنى: إذا أنساك الشيطان ، فقعدت معهم ناسيا نهينا لك ، فلا تقعد بعد الذكرى . والذكر والذكرى: واحد . قال ابن عباس : قم إذا ذكرته; والظالمون: المشركون .
وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ولكن ذكرى لعلهم يتقون

قوله تعالى: وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء في سبب نزولها ثلاثة أقوال .

أحدها: أن المسلمين قالوا: لئن كنا كلما استهزأ المشركون بالقرآن ،

وخاضوا فيه ، فمنعناهم ، لم نستطع أن نجلس في المسجد الحرام ، ولا أن نطوف بالبيت ، فنزلت هذه الآية .

والثاني: أن المسلمين قالوا: إنا نخاف الإثم إن لم ننههم عن الخوض فنزلت هذه الآية .

والثالث: أن المسلمين قالوا: لو قمنا عنهم إذا خاضوا ، فانا نخشى الإثم في مجالستهم ، فنزلت هذه الآية . هذا عن مقاتل ، والأولان عن ابن عباس . [ ص: 63 ] قوله تعالى: وما على الذين يتقون فيه قولان .

أحدهما: يتقون الشرك . والثاني: يتقون الخوض .

قوله تعالى: من حسابهم يعني: حساب الخائضين . وفي حسابهم قولان .

أحدهما: أنه كفرهم وآثامهم . والثاني: عقوبة خوضهم .

قوله تعالى: ولكن ذكرى أي: ولكن عليكم أن تذكروهم . وفيما تذكرونهم به ، قولان .

أحدهما: المواعظ . والثاني: قيامكم عنهم . قال مقاتل: إذا قمتم عنهم ، منعهم من الخوض الحياء منكم ، والرغبة في مجالستكم .

قوله تعالى: لعلهم يتقون فيه قولان .

أحدهما: يتقون الاستهزاء . والثاني: يتقون الوعيد .

فصل

وقد ذهب قوم إلى أن هذه الآية منسوخة ، لأنها اقتضت جواز مجالسة الخائضين والاقتصار على تذكيرهم ، ثم نسخت بقوله: وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم [النساء:410] والصحيح أنها محكمة ، لأنها خبر ، وإنما دلت على أن كل عبد يختص بحساب نفسه ، ولا يلزمه حساب غيره .
وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون [ ص: 64 ] الله ولي ولا شفيع وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون

قوله تعالى: وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا فيهم قولان .

أحدهما: أنها الكفار . والثاني: اليهود والنصارى .

وفي اتخاذهم دينهم لعبا ولهوا ، ثلاثة أقوال . أحدها: أنه استهزاؤهم بآيات الله إذا سمعوها .

والثاني: أنهم دانوا بما اشتهوا كما يلهون بما يشتهون .

والثالث: أنهم يحافظون على دينهم إذا اشتهوا ، كما يلهون إذا اشتهوا . قال الفراء: ويقال: إنه ليس من قوم إلا ولهم عيد ، فهم يلهون في أعيادهم ، إلا أمة محمد صلى الله عليه وسلم فإن أعيادهم صلاة وتكبير وبر وخير .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 01-06-2022, 09:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,475
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد





تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثالث
سُورَةُ الانعام
الحلقة (205)
صــ65 إلى صــ 70



فصل

ولعلماء الناسخ والمنسوخ في هذا القدر من الآية ، قولان .

أحدهما: أنه خرج مخرج التهديد ، كقوله: ذرني ومن خلقت وحيدا [المدثر:11] فعلى هذا ، هو محكم ، وإلى هذا المعنى ذهب مجاهد .

والثاني: أنه اقتضى المسامحة لهم والإعراض عنهم ، ثم نسخ بآية السيف; وإلى هذا ذهب قتادة ، والسدي .

قوله تعالى: وذكر به أي: عظ بالقرآن . وفي قوله: أن تبسل قولان . [ ص: 65 ] أحدهما: لئلا تبسل نفس كقوله: أن تضلوا [النساء:176] .

والثاني: ذكرهم إبسال المبسلين بجناياتهم لعلهم يخافون .

وفي معنى "تبسل" سبعة أقوال .

أحدها: تسلم ، رواه عكرمة عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، ومجاهد ، والسدي . وقال ابن قتيبة: تسلم إلى الهلكة . قال الشاعر:


وإبسالي بني بغير جرم بعوناه ولا بدم مراق


أي: بغير جرم أجرمناه; والبعو: الجناية . وقال الزجاج : تسلم بعملها غير قادرة على التخلص . والمستبسل: المستسلم الذي لا يعلم أنه يقدر على التخلص .

والثاني: تفضح ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس . والثالث: تدفع رواه الضحاك عن ابن عباس . والرابع: تهلك ، روي عن ابن عباس أيضا . والخامس: تحبس وتؤخذ ، قاله قتادة ، وابن زيد . والسادس: تجزى ، قاله ابن السائب ، والكسائي . والسابع: ترتهن ، قاله الفراء . وقال أبو عبيدة: ترتهن وتسلم; وأنشد:


هنالك لا أرجو حياة تسرني سمير الليالي مبسلا بالجرائر


[ ص: 66 ] سمير الليالي: أبد الليالي: فأما الولي: فهو الناصر الذي يمنعها من عذاب الله . والعدل: الفداء . قال ابن زيد: وإن تفتد كل فداء لا يقبل منها . فأما الحميم ، فهو الماء الحار . قال ابن قتيبة: ومنه سمي الحمام .
قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا قل إن هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب العالمين وأن أقيموا الصلاة واتقوه وهو الذي إليه تحشرون

قوله تعالى: قل أندعو من دون الله أي: أنعبد ما لا يضرنا إن لم نعبده ، ولا ينفعنا إن عبدناه ، وهي الأصنام . ونرد على أعقابنا أي: نرجع إلى الكفر بعد إذ هدانا الله إلى الإسلام ، فنكون كالذي استهوته الشياطين . وقرأ حمزة: "استهواه الشياطين" على قياس قراءته: ( توفاه رسلنا ) . وفي معنى "استهوائها" قولان .

أحدهما: أنها هوت به وذهبت ، قاله ابن قتيبة . وقال أبو عبيدة: تشبه له الشياطين ، فيتبعها حتى تهوي به في الأرض ، فتضله .

والثاني: زينت له هواه ، قاله الزجاج . قال: و"حيران" منصوب على الحال ، أي: استهوته في حال حيرته . قال السدي: قال المشركون للمسلمين: اتبعوا سبيلنا ، واتركوا دين محمد ، فقال تعالى: قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله فنكون كرجل كان مع قوم [ ص: 67 ] على طريق ، فضل ، فخيرته الشياطين ، وأصحابه على الطريق يدعونه: يا فلان هلم إلينا ، فإنا على الطريق ، فيأبى . وقال ابن عباس : نزلت هذه الآية في عبد الرحمن ابن أبي بكر الصديق ، دعاه أبوه وأمه إلى الإسلام فأبى . قال مقاتل: والمراد بأصحابه: أبواه .

قوله تعالى: قل إن هدى الله هو الهدى هذا رد على من دعا إلى عبادة الأصنام ، وزجر عن إجابته كأنه قيل له: لا تفعل ذلك ، لأن هدى الله هو الهدى ، لا هدى غيره .

قوله تعالى: وأمرنا لنسلم قال الزجاج : العرب تقول أمرتك أن تفعل: وأمرتك لتفعل ، وأمرتك بأن تفعل ، فمن قال: "بأن" فالباء; للإلصاق . والمعنى: وقع الأمر بهذا الفعل ، ومن قال: "أن تفعل" فعلى خذف الباء; ومن قال: "لتفعل" فقد أخبر بالعلة التي لها وقع الأمر . قال: وفي قوله: وأن أقيموا الصلاة وجهان .

أحدهما: أمرنا لأن نسلم ، ولأن نقيم الصلاة .

والثاني: أن يكون محمولا على المعنى ، لأن المعنى: أمرنا بالإسلام ، وبإقامة الصلاة .
وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق ويوم يقول كن فيكون قوله الحق وله الملك يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير

قوله تعالى: وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق فيه أربعة أقوال .

أحدها: خلقهما للحق . والثاني: خلقهما حقا . والثالث: خلقهما بكلامه وهو الحق . والرابع: خلقهما بالحكمة . [ ص: 68 ] قوله تعالى: ويوم يقول كن فيكون قال الزجاج : الأجود أن يكون منصوبا على معنى: واذكر يوم يقول كن فيكون ، لأن بعده وإذ قال إبراهيم فالمعنى: واذكر هذا وهذا . وفي الذي يقول له كن فيكون ، ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه يوم القيامة ، قاله مقاتل . والثاني: ما يكون في القيامة .

والثالث: أنه الصور ، وما ذكر من أمر الصور يدل عليه ، قالهما الزجاج . قال وخص ذلك اليوم بسرعة إيجاد الشيء ، ليدل على سرعة أمر البعث .

قوله تعالى: قوله الحق أي: الصدق الكائن لا محالة وله الملك يوم ينفخ في الصور وروى إسحاق بن يوسف الأزرق عن أبي عمرو: "ننفخ" بنونين . ومعنى الكلام: أن الملوك يومئذ لا ملك لهم ، فهو المنفرد بالملك وحده ، كما قال: والأمر يومئذ لله [الانفطار:19] . وفي "الصور" قولان .

أحدهما: أنه قرن ينفخ فيه; روى عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصور ، فقال: "هو قرن ينفخ فيه" . وقال مجاهد: الصور كهيأة البوق . وحكى ابن قتيبة: أن الصور: القرن ، في لغة قوم من أهل اليمن ، وأنشد:


نحن نطحناهم غداة الجمعين بالضابحات في غبار النقعين



نطحا شديدا لا كنطح الصورين


[ ص: 69 ] وأنشد الفراء:


لولا ابن جعدة لم يفتح قهندزكم ولا خراسان حتى ينفخ الصور


وهذا اختيار الجمهور .

والثاني: أن الصور جمع صورة; يقال: صورة وصور ، بمنزلة سورة وسور ، كسورة البناء; والمراد نفخ الأرواح في صورة الناس ، قاله قتادة ، وأبو عبيدة . وكذلك قرأ الحسن ، ومعاذ القارئ ، وأبو مجلز ، وأبو "المتوكل في الصور" بفتح الواو . قال ثعلب: الأجود أن يكون الصور: القرن ، لأنه قال عز وجل: ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض ;ثم قال: نفخ فيه أخرى ; ولو كان الصور ، كان: ثم نفخ فيها ، أو فيهن; وهذا يدل على أنه واحد; وظاهر القرآن يشهد أنه ينفخ في الصور مرتين . وقد روى أهل التفسير عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الصور قرن ينفخ فيه ثلاث نفخات; الأولى: نفخة الفزع ، والثانية: نفخة الصعق ، والثالثة: نفخة القيامة لرب العالمين" . قال ابن عباس : وهذه النفخة المذكورة في هذه الآية هي الأولى يعني: نفخة الصعق . [ ص: 70 ] قوله تعالى: عالم الغيب وهو ما غاب عن العباد مما لم يعاينوه ، "والشهادة" وهو ما شاهدوه ورأوه . وقال الحسن: يعني بذلك السر والعلانية .
وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين

قوله تعالى: وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر في آزر أربعة أقوال .

أحدها: أنه اسم أبيه ، روي عن ابن عباس ، والحسن ، والسدي ، وابن إسحاق .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 01-06-2022, 09:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,475
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد





تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثالث
سُورَةُ الانعام
الحلقة (206)
صــ71 إلى صــ 76



[ ص: 71 ] والثاني: أنه اسم صنم ، فأما اسم أبي إبراهيم ، فتارح ، قاله مجاهد . فيكون المعنى: أتتخذ آزر أصناما؟ فكأنه جعل أصناما بدلا من آزر ، والاستفهام معناه الإنكار .

والثالث: أنه ليس باسم ، إنما هو سب بعيب ، وفي معناه قولان . أحدهما: أنه المعوج ، كأنه عابه نريغه وتعويجه عن الحق ، ذكره الفراء . والثاني: أنه المخطئ ، فكأنه قال: يا مخطئ أتتخذ أصناما؟ ذكره الزجاج .

والرابع: أنه لقب لأبيه ، وليس باسمه ، قاله مقاتل بن حيان . قال ابن الأنباري: قد يغلب على اسم الرجل لقبه ، حتى يكون به أشهر منه باسمه . والجمهور على قراءة "آزر" بالنصب . وقرأ الحسن ، ويعقوب بالرفع . قال الزجاج : من نصب فموضع "آزر" خفض بدلا من أبيه; ومن رفع فعلى النداء .
وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين

قوله تعالى: وكذلك نري إبراهيم أي: وكما أريناه البصيرة في دينه ، والحق في خلاف قومه ، نريه ملكوت السماوات والأرض . وقيل "نري" بمعنى أرينا . قال الزجاج : والملكوت بمنزلة الملك ، إلا أن الملكوت أبلغ في اللغة ، لأن الواو والتاء يزادان للمبالغة; ومثل الملكوت: الرغبوت والرهبوت . قال مجاهد: ملكوت السماوات والأرض: آياتها; تفرجت له السماوات السبع ، حتى العرش ، فنظر فيهن ، وتفرجت به الأرضون السبع ، فنظر فيهن وقال قتادة: ملكوت السماوات: الشمس والقمر والنجوم ، وملكوت الأرض:الجبال والشجر والبحار . وقال السدي: أقيم على صخرة ، وفتحت له السماوات والأرض ، فنظر إلى ملك الله عز وجل ، حتى نظر إلى العرش ، وإلى منزله من الجنة ، وفتحت له الأرضون السبع ، حتى نظر إلى الصخرة التي عليها الأرضون . [ ص: 72 ] قوله تعالى: وليكون من الموقنين هذا عطف على المعنى ، لأن معنى الآية: نريه ملكوت السماوات والأرض ليستدل به ، وليكون من الموقنين . وفي ما يوقن به ثلاثة أقوال .

أحدها: وحدانية الله وقدرته . والثاني: نبوته ورسالته . والثالث: ليكون موقنا بعلم كل شيء حسا لا خبرا .
فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين

قوله تعالى: فلما جن عليه الليل الله قال الزجاج : يقال جن عليه الليل ، وأجنه الليل: إذا أظلم ، حتى يستر بظلمته; ويقال لكل ما ستر: جن ، وأجن والاختيار أن يقال جن عليه الليل وأجنه الليل .

الإشارة إلى بدء قصة إبراهيم عليه السلام

روى أبو صالح عن ابن عباس قال: ولد إبراهيم في زمن نمروذ ، وكان ، لنمروذ كهان ، فقالوا له: يولد في هذه السنة مولود يفسد آلهة أهل الأرض ، ويدعوهم إلى غير دينهم ، ويكون هلاك أهل بيتك على يده ، فعزل النساء عن الرجال ، ودخل آزر إلى بيته ، فوقع على زوجته ، فحملت فقال الكهان لنمروذ: إن الغلام قد حمل به الليلة . فقال: كل من ولدت غلاما فاقتلوه . فلما أخذ أم إبراهيم المخاض ، خرجت هاربة ، فوضعته في نهر يابس ، ولفته في خرقة ، ثم وضعته في حلفاء ، وأخبرت به أباه ، فأتاه ، فحفر له سربا ، وسد عليه بصخرة ، [ ص: 73 ] وكانت أمه تختلف إليه فترضعه ، حتى شب وتكلم ، فقال لأمه: من ربي؟ فقالت: أنا . قال: فمن ربك؟ قالت: أبوك . قال: فمن رب أبي؟ قالت: اسكت . فسكت ، فرجعت إلى زوجها ، فقالت: إن الغلام الذي كنا نتحدث أنه يغير دين أهل الأرض ، ابنك . فأتاه ، فقال له مثل ذلك . فلما جن عليه الليل ، دنا من باب السرب ، فنظر فرأى كوكبا . قرأ ابن كثير ، وحفص عن عاصم "رأى" بفتح الراء والهمزة; وقرأ أبو عمرو: "رأى"; بفتح الراء وكسر الهمزة ، وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم . "رأى" ، بكسر الراء والهمزة ، واختلفوا فيها إذا لقيها ساكن ، وهو آت في ستة مواضع: رأى القمر فلما رأى الشمس وفي النحل وإذا رأى الذين ظلموا [النحل:85] وإذا رأى الذين أشركوا [النحل:86] وفي الكهف: ورأى المجرمون النار [الكهف:53] وفي الأحزاب: ولما رأى المؤمنون [الأحزاب:22] .

وقرأ أبو بكر عن عاصم ، وحمزة إلا العبسي ، وخلف في اختياره: بكسر الراء وفتح الهمزة في الكل ، وروى العبسي كسرة الهمزة ، أيضا وقرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو; وابن عامر ، والكسائي: بفتح الراء والهمزة .

فإن اتصل ذلك بمكنى ، نحو: رآك ، ورآه ورآها; فإن حمزة ، والكسائي ، وخلف ، والوليد عن ابن عامر ، والمفضل ، وأبان والقزاز عن عبد الوارث ، والكسائي عن أبي بكر: يكسرون الراء ، ويميلون الهمزة .

وفي الكوكب الذي رآه قولان .

أحدهما: أنه الزهرة ، قاله ابن عباس ، وقتادة . والثاني: المشترى ، قاله مجاهد ، والسدي .

قوله تعالى: قال هذا ربي فيه ثلاثة أقوال .

[ ص: 74 ] أحدها: أنه على ظاهره . روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ، قال: هذا ربي ، فعبده حتى غاب ، وعبد القمر حتى غاب ، وعبد الشمس حتى غابت; واحتج أرباب هذا القول بقوله: لئن لم يهدني ربي وهذا يدل على نوع تحيير ، قالوا: وإنما قال هذا في حال طفولته على ما سبق إلى وهمه ، قبل أن يثبت عنده دليل .

وهذا القول لا يرتضى ، والمتأهلون للنبوة محفوظون من مثل هذا على كل حال .

فأما قوله: لئن لم يهدني ربي فما زال الأنبياء يسألون الهدى ، ويتضرعون في دفع الضلال عنهم ، كقوله: واجنبني وبني أن نعبد الأصنام [إبراهيم:35] ولأنه قد آتاه رشده من قبل ، وأراه ملكوت السماوات والأرض ليكون موقنا ، فكيف لا يعصمه عن مثل هذا التخيير؟!

والثاني: أنه قال ذلك استدراجا للحجة ، ليعيب آلهتهم ويريهم بغضها عند أفولها ، ولا بد أن يضمر في نفسه: إما على زعمكم ، أو فيما تظنون ، فيكون كقوله: " أين شركائي " ، وإما أن يضمر: يقولون ، فيكون كقوله: ربنا تقبل منا [البقرة:127] أي: يقولان ذلك ، ذكر نحو هذا أبو بكر بن الأنباري ، ويكون مراده استدراج الحجة عليهم ، كما نقل عن بعض الحكماء أنه نزل بقوم يعبدون صنما ، فأظهر تعظيمه ، فأكرموه ، وصدروا عن رأيه ، فدهمهم عدو ، فشاورهم ملكهم ، فقال: ندعو إلهنا ليكشف ما بنا ، فاجتمعوا يدعونه ، فلم ينفع ، فقال هاهنا إله ندعوه ، فيستجيب ، فدعوا الله ، فصرف عنهم ما يحذرون ، وأسلموا .

والثالث: أنه قال مستفهما ، تقديره: أهذا ربي؟ فأضمرت ألف الاستفهام ، كقوله: أفإن مت فهم الخالدون [الأنبياء:34]؟ أي: أفهم الخالدون؟ قال الشاعر: [ ص: 75 ]


كذبتك عينك أم رأيت بواسط غلس الظلام من الرباب خيالا


أراد: أكذبتك؟ قال ابن الأنباري: وهذا القول شاذ ، لأن حرف الاستفهام لا يضمر إذ كان فارقا بين الإخبار والاستخبار; وظاهر قوله: هذا ربي أنه إشارة إلى الصانع . وقال الزجاج : كانوا أصحاب نجوم ، فقال: هذا ربي ، أي: هذا الذي يدبرني ، فاحتج عليهم أن هذا الذي تزعمون أنه مدبر ، لا نرى فيه إلا أثر مدبر و"أفل" بمعنى: غاب; يقال: أفل النجم يأفل ويأفل أفولا

قوله تعالى: لا أحب الآفلين أي: حب رب معبود ، لأن ما ظهر وأفل كان حادثا مدبرا .
فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون

قوله تعالى: فلما رأى القمر قال ابن قتيبة: سمي القمر قمرا لبياضه; والأقمر: الأبيض; وليلة قمراء ، أي: مضيئة . فأما البازغ ، فهو الطالع . ومعنى لئن لم يهدني : لئن لم يثبتني على الهدى . فإن قيل: لم قال في الشمس: هذا ، ولم يقل: هذه؟ فعنه أربعة أجوبة .

أحدها: أنه رأى ضوء الشمس ، لا عينها ، قاله محمد بن مقاتل . والثاني: [ ص: 76 ] أنه أراد: هذا الطالع ربي ، قاله الأخفش . والثالث: أن الشمس بمعنى الضياء والنور ، فحمل الكلام على المعنى . والرابع: أن الشمس ليس في لفظها علامة من علامات التأنيث ، وإنما يشبه لفظها لفظ المذكر ، فجاز تذكيرها . ذكره والذي قبله ابن الأنباري .

إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هداني ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما أفلا تتذكرون

قوله تعالى: إني وجهت وجهي قال الزجاج : جعلت قصدي بعبادتي وتوحيدي لله رب العالمين عز وجل . وباقي الآية قد تقدم .

و قوله تعالى: وحاجه قومه قال ابن عباس : جادلوه في آلهتهم ، وخوفوه بها ، فقال منكرا عليهم: أتحاجوني . قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي: " أتحاجوني " و " تأمروني " [الزمر:64] بتشديد النون . وقرأ نافع ، وابن عامر بتخفيفها ، فحذفا النون الثانية لالتقاء النونين . ومعنى أتحاجوني في الله أي: في توحيده . وقد هداني ، أي: بين لي ما به اهتديت . وقرأ الكسائي: "هداني" بإمالة الدال . والإمالة حسنة فيما كان أصله الياء ، وهذا من هدى يهدي .

قوله تعالى: ولا أخاف ما تشركون به أي: لا أرهب آلهتكم ، وذلك أنهم قالوا: نخاف أن تمسك آلهتنا بسوء ، فقال: لا أخافها لأنها لا تضر ولا تنفع إلا أن يشاء ربي شيئا فله أخاف وسع ربي كل شيء علما أي: علمه علما تاما .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 01-06-2022, 09:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,475
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد





تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثالث
سُورَةُ الانعام
الحلقة (207)
صــ77 إلى صــ 82



وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون .

قوله تعالى: وكيف أخاف ما أشركتم أي: من هذه الأصنام التي لا تضر ولا تنفع ، ولا تخافون أنتم أنكم أشركتم بالله الذي خلقكم ورزقكم ، وهو قادر على ضركم ونفعكم ما لم ينزل به عليكم سلطانا أي: حجة فأي الفريقين أحق بالأمن أي: بأن يأمن العذاب ، الموحد الذي يعبد من بيده الضر والنفع؟ أم المشرك الذي يعبد ما لا يضر ولا ينفع؟ ثم بين الأحق من هو بقوله: الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أي: يخلطوه بشرك . روى البخاري ، ومسلم في "صحيحيهما" من حديث ابن مسعود قال: لما نزلت هذه الآية ، شق ذلك على المسلمين ، فقالوا: يا رسول الله ، وأينا ذلك؟ فقال إنما هو الشرك ، ألم تسمعوا ما قال لقمان لابنه: إن الشرك لظلم عظيم [لقمان:13]؟

وفيمن عني بهذه الآية ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه إبراهيم وأصحابه ، وليست في هذه الأمة ، قاله علي بن أبي طالب . وقال في رواية أخرى: هذه الآية لإبراهيم خاصة ، ليس لهذه الأمة منها شيء .

والثاني: أنه من هاجر إلى المدينة ، قاله عكرمة .

والثالث: أنها عامة ، ذكره بعض المفسرين . وهل هي من قول إبراهيم لقومه ، أم جواب من الله تعالى؟ فيه قولان .

[ ص: 78 ] وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم

قوله تعالى: وتلك حجتنا يعني ما جرى بينه وبين قومه من الاستدلال على حدوث الكوكب والقمر والشمس ، وعيبهم ، إذ سووا بين الصغير والكبير ، وعبدوا من لا ينطق ، وإلزامه إياهم الحجة . آتيناها إبراهيم أرشدناه إليها بالإلهام .

وقال مجاهد: الحجة قول إبراهيم فأي الفريقين أحق بالأمن

قوله تعالى: نرفع درجات من نشاء قرأ ابن كثير ، ونافع ، وابن عمرو وابن عامر: " درجات من نشاء " مضافا . وقرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائي "درجات" منونا ، وكذلك قرؤوا في "يوسف" [يوسف: 76] . ثم في المعنى قولان .

أحدهما: أن الرفع بالعلم والفهم والمعرفة . والثاني: بالاصطفاء للرسالة .

قوله تعالى: إن ربك حكيم قال ابن جرير: حكيم في سياسة خلقه ، وتلقينه أنبياءه الحج على أممهم المكذبة "عليم" بما يؤول إليه أمر الكل .
ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم

قوله تعالى: ووهبنا له إسحاق ولدا لصلبه "ويعقوب" ولدا لإسحاق "كلا" من هؤلاء المذكورين هدينا أي: أرشدنا .

[ ص: 79 ] قوله تعالى: ومن ذريته في "هاء الكناية" قولان .

أحدهما: أنها ترجع إلى نوح; رواه أبو صالح عن ابن عباس ، واختاره الفراء ، ومقاتل ، وابن جرير الطبري .

والثاني: إلى إبراهيم ، قاله عطاء . وقال الزجاج : كلا القولين جائز ، لأن ذكرهما جميعا قد جرى ، واحتج ابن جرير للقول الأول بأن الله تعالى: ذكر في سياق الآيات لوطا ، وليس من ذرية إبراهيم . وأجاب عنه أبو سليمان الدمشقي بأنه يحتمل أن يكون أراد: ووهبنا له لوطا في المعاضدة والنصرة ، ثم قوله: وكذلك نجزي المحسنين من أبين دليل على أنه إبراهيم ، لأن افتتاح الكلام إنما هو بذكر ما أثاب به إبراهيم . فأما "يوسف" فهو اسم أعجمي . قال الفراء: "يوسف" . بضم السين من غير همز ، لغة أهل الحجاز ، وبعض بني أسد يقول: "يؤسف" بالهمز ، وبعض العرب يقول: "يوسف" بكسر السين ، وبعض بني عقيل يقول: "يوسف" بفتح السين .

قوله تعالى: وكذلك نجزي المحسنين أي: كما جزينا إبراهيم على توحيده وثباته على دينه ، بأن رفعنا درجته ، ووهبنا له أولادا أنبياء أتقياء ، كذلك نجزي المحسنين . فأما عيسى ، وإلياس ، واليسع ، ولوطا ، فأسماء أعجمية ، وجمهور القراء يقرؤون "اليسع" بلام واحدة مخففا ، منهم ابن كثير ، ونافع ، وعاصم ، وأبو عمرو وابن عامر . وقرأ حمزة ، والكسائي هاهنا وفي "ص": "إلليسع" بلامين مع التشديد . قال الفراء: وهي أشبه بالصواب ، وبأسماء الأنبياء من بني إسرائيل ، ولأن العرب لا تدخل على "يفعل" ، إذا كان في معنى فلان ، ألفا ولاما ، يقولون: [ ص: 80 ] هذا يسع قد جاء ، وهذا يعمر ، وهذا يزيد ، فهكذا الفصيح من الكلام .

وأنشدني بعضهم .


وجدنا الوليد بن اليزيد مباركا شديدا بأحناء الخلافة كاهله


فلما ذكر الوليد بالألف واللام ، أتبعه يزيد بالألف واللام ، وكل صواب . وقال مكي: من قرأه بلام واحدة ، فالأصل عنده: يسع ، ومن قرأه بلامين ، فالأصل عنده: ليسع ، فأدخلوا عليه حرف التعريف . وباقي أسماء الأنبياء قد تقدم بيانها ، والمراد بالعالمين: عالمو زمانهم .

قوله تعالى: ومن آبائهم وذرياتهم "من" هاهنا للتبعيض . قال الزجاج : المعنى: هدينا هؤلاء ، وهدينا بعض آبائهم وذرياتهم . واجتبيناهم مثل اخترناهم واصطفيناهم ، وهو مأخوذ من جبيت الشيء: إذا أخلصته لنفسك . وجبيت الماء في الحوض: إذا جمعته فيه . فأما الصراط المستقيم ، فهو التوحيد .

ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون

قوله تعالى: ذلك هدى الله قال ابن عباس : ذلك دين الله الذي هم عليه يهدي به من يشاء من عباده . "ولو أشركوا" يعني الأنبياء المذكورين "لحبط" أي: لبطل وزال عملهم ، لأنه لا يقبل عمل مشرك .
[ ص: 81 ] أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين

قوله تعالى: أولئك الذين آتيناهم الكتاب يعني الكتب التي أنزلها عليهم .

والحكم: الفقه ، والعلم فإن يكفر بها يعني بآياتنا .

وفيمن أشير إليه بـ" هؤلاء" ثلاثة أقوال .

أحدها: أنهم أهل مكة ، قاله ابن عباس ، وسعيد بن المسيب ، وقتادة .

والثاني: أنهم قريش ، قاله السدي . والثالث: أمة النبي صلى الله عليه وسلم . قاله الحسن .

قوله تعالى: فقد وكلنا بها قال أبو عبيدة: فقد رزقناها قوما . وقال الزجاج : وكلنا بالإيمان بها قوما . وفي هؤلاء القوم أربعة أقوال .

أحدها: أنهم أهل المدينة من الأنصار ، قاله ابن عباس ، وابن المسيب ، وقتادة ، والسدي .

والثاني: الأنبياء والصالحون ، قاله الحسن . وقال قتادة: هم النبيون الثمانية عشر ، المذكورون في هذا المكان ، وهذا اختيار الزجاج ، وابن جرير .

والثالث: أنهم الملائكة ، قاله أبو رجاء . والرابع: أنهم المهاجرون والأنصار .
أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين

قوله تعالى: أولئك الذين هدى الله يعني النبيين المذكورين .

وفي قوله تعالى: فبهداهم اقتده قولان .

أحدهما: بشرائعهم وبسننهم فاعمل ، قاله ابن السائب .

[ ص: 82 ] والثاني: اقتد بهم في صبرهم ، قاله الزجاج . وكان ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وعاصم ، يثبتون الهاء من قوله: "اقتده" في الوصل ساكنة . وكان حمزة ، وخلف ، ويعقوب ، والكسائي عن أبي بكر ، واليزيدي في اختياره ، يحذفون الهاء في الوصل . ولا خلاف في إثباتها في الوقف ، وإسكانها فيه .

قوله تعالى: قل لا أسألكم عليه أجرا يعني على القرآن . والذكرى: العظة . والعالمون هاهنا: الجن والإنس .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 01-06-2022, 09:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,475
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد





تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثالث
سُورَةُ الانعام
الحلقة (208)
صــ83 إلى صــ 88




وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنـزل الله على بشر من شيء قل من أنـزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون

قوله تعالى: وما قدروا الله حق قدره في سبب نزولها سبعة أقوال .

أحدها: أن مالك بن الصيف رأس اليهود ، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى ، أتجد فيها أن الله يبغض الحبر السمين؟" قال: نعم . قال: "فأنت الحبر السمين" . فغضب ، ثم قال: ما أنزل الله على بشر من شيء فنزلت هذه الآية ، رواه أبو صالح عن ابن عباس; وكذلك قال سعيد بن جبير ، وعكرمة: نزلت في مالك بن الصيف .

والثاني: أن اليهود قالوا: يا محمد ، أنزل الله عليك كتابا؟ قال: "نعم" قالوا: والله ما أنزل الله من السماء كتابا ، فنزلت هذه الآية ، رواه الوالبي عن ابن عباس .

والثالث: أن اليهود قالوا: يا محمد ، إن موسى جاء بألواح يحملها من عند الله ، فائتنا بآية كما جاء موسى ، فنزل: يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا [ ص: 83 ] من السماء إلى قوله: "عظيما"[النساء:153-156] . فلما حدثهم بأعمالهم الخبيثة ، قالوا: والله ما أنزل الله عليك ولا على موسى وعيسى ، ولا على بشر من شيء ، فنزلت هذه الآية ، قاله محمد بن كعب .

والرابع: أنها نزلت في اليهود والنصارى ، آتاهم الله علما ، فلم ينتفعوا به ، قاله قتادة .

والخامس: أنها نزلت في فنحاص اليهودي ، وهو الذي قال: ما أنزل الله على بشر من شيء قاله السدي .

والسادس: أنها نزلت في مشركي قريش ، قالوا: والله ما أنزل الله على بشر من شيء ، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد .

والسابع: أن أولها ، إلى قوله: من شيء في مشركي قريش . وقوله: من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى في اليهود ، رواه ابن كثير عن مجاهد . وفي معنى وما قدروا الله حق قدره ثلاثة أقوال .

أحدها: ما عظموا الله حق عظمته ، قاله ابن عباس ، والحسن ، والفراء; وثعلب ، والزجاج .

والثاني: ما وصفه حق صفته ، قاله أبو العالية ، واختاره الخليل .

والثالث: ما عرفوه حق معرفته ، قاله أبو عبيدة .

[ ص: 84 ] قوله تعالى: ( يجعلونه قراطيس ) معناه يكتبونه في قراطيس وقيل إنما قال قراطيس لأنهم كانوا يكتبونه في قراطيس مقطعة حتى لا تكون مجموهة ليخفوا منها ما شاؤوا .

قوله تعالى: ( يبدونها ) قرأ ابن كثير وأبو عمرو: " يجعلونه قراطيس يبدونها " ، "ويخفون" بالياء فيهن . وقرأ نافع ، وعاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي: بالتاء فيهن . فمن قرأ بالياء ، فلأن القوم غيب ، بدليل قوله: وما قدروا الله حق قدره . ومن قرأ بالتاء ، فعلى الخطاب; والمعنى: تبدون منها ما تحبون ، وتخفون كثيرا ، مثل صفة محمد صلى الله عليه وسلم وآية الرجم ، ونحو ذلك مما كتموه .

قوله تعالى: وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم في المخاطب بهذا قولان .

أحدهما: أنهم اليهود ، قاله الجمهور .

والثاني: أنه خطاب للمسلمين ، قاله مجاهد . فعلى الأول: علموا ما في التوراة; وعلى الثاني: علموا على لسان محمد صلى الله عليه وسلم .

قوله تعالى: قل الله هذا جواب لقوله: من أنزل الكتاب وتقديره: فإن أجابوك ، وإلا فقل: الله أنزله .

قوله تعالى: ثم ذرهم تهديد . وخوضهم: باطلهم . وقيل: إن هذا أمر بالإعراض عنهم ، ثم نسخ بآية السيف .

قوله تعالى: وهذا كتاب أنزلناه يعني القرآن . قال الزجاج : والمبارك: الذي يأتي من قبله الخير الكثير . والمعنى: أنزلناه للبركة والإنذار .
وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون [ ص: 85 ] قوله تعالى: مصدق الذي بين يديه من الكتب .

قوله تعالى: ولتنذر أم القرى قرأ عاصم إلا حفصا: "ولينذر" بالياء; فيكون الكتاب هو المنذر . وقرأ الباقون: بالتاء ، على الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم . فأما أم القرى ، فهي مكة . قال الزجاج : والمعنى: لتنذر أهل أم القرى .

وفي تسميتها بأم القرى أربعة أقوال .

أحدها: أنها سميت بذلك ، لأن الأرض دحيت من تحتها ، قاله ابن عباس .

والثاني: لأنها أقدمها ، قاله ابن قتيبة . والثالث لأنها قبلة جميع الناس ، يؤمونها ، والرابع: لأنها كانت أعظم القرى شأنا ، ذكرهما الزجاج .

قوله تعالى: ومن حولها قال ابن عباس : يريد الأرض كلها .

قوله تعالى: والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به في هاء الكناية قولان . أحدهما: أنها ترجع إلى القرآن .

والثاني: إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم . والمعنى: من آمن بالآخرة آمن به; ومن لم يؤمن به ، فليس إيمانه بالآخرة حقيقة ، ولا يعتد به ، ألا ترى إلى قوله: وهم على صلاتهم يحافظون فدل على أنه أراد المؤمنين الذين يحافظون على الصلوات .
ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون

قوله تعالى: ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال .

[ ص: 86 ] أحدها: أن أولها ، إلى قوله: ولم يوح إليه شيء نزل في مسيلمة الكذاب .

و قوله تعالى: ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله نزل في عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، كان قد تكلم بالإسلام ، وكان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الأحايين; فإذا أملي عليه: "عزيز حكيم" كتب: "غفور رحيم" فيقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا وذاك سواء . فلما نزلت: ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين أملاها عليه ، فلما انتهى إلى قوله: خلقا آخر عجب عبد الله بن سعد ، فقال: ( تبارك الله أحسن الخالقين ) [المؤمنون:12-14] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كذا أنزلت علي ، فاكتبها" فشك حينئذ ، وقال: لئن كان محمد صادقا: لقد أوحي إلي كما أوحي إليه ، ولئن كان كاذبا ، لقد قلت كما قال ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . قال عكرمة: ثم رجع إلى الإسلام قبل فتح مكة .

والقول الثاني: أن جميع الآية في عبد الله بن سعد ، قاله السدي .

والثالث: أنها نزلت في مسيلمة ، والأسود العنسي ، قاله قتادة . فإن قيل: كيف أفرد قوله: أو قال أوحي إلي من قوله: ومن أظلم ممن افترى وذاك مفتر أيضا؟ فعنه جوابان .

أحدهما: أن الوصفين لرجل واحد ، وصف بأمر بعد أمر ليدل على جرأته .

والثاني: أنه خص بقوله: أو قال أوحي إلي بعد أن عم بقوله: افترى على الله لأنه ليس كل مفتر على الله يدعي أنه يوحى إليه ، ذكرهما ابن الأنباري .

قوله تعالى: سأنزل مثل ما أنزل الله أي: سأقول . قال ابن عباس : يعنون الشعر ، وهم المستهزؤون . وقيل: هو قول عبد الله بن سعد بن أبي سرح . قال الزجاج : وهذا جواب لقولهم: "لو نشاء لقلنا مثل هذا" .

[ ص: 87 ] قوله تعالى: ولو ترى إذ الظالمون فيهم ثلاثة أقوال .

أحدها: أنهم قوم كانوا مسلمين بمكة ، فأخرجهم الكفار معهم إلى قتال بدر ، فلما أبصروا قلة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجعوا عن الإيمان ، فنزل فيهم هذا ، قاله أبو صالح عن ابن عباس .

والثاني: أنهم الذين قالوا: "ما أنزل على بشر من شيء" قاله أبو سليمان .

والثالث: الموصوفون في هذه الآية ، وهم المفترون والمدعون الوحي إليهم ، ومماثلة كلام الله . قال الزجاج : وجواب "لو" محذوف; والمعنى: لو تراهم في غمرات الموت لرأيت عذابا عظيما . ويقال لكل من كان في شيء كبير: قد غمر فلانا ذلك . قال ابن عباس : غمرات الموت: سكراته . قاله ابن الأنباري: قال اللغويون: سميت غمرات ، لأن أهوالها يغمرن من يقعن به .

قوله تعالى: والملائكة باسطو أيديهم فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: بالضرب ، قاله ابن عباس . والثاني: بالعذاب ، قاله الحسن ، والضحاك . والثالث: باسطوها لقبض الأرواح من الأجساد ، قاله الفراء . وفي الوقت الذي يكون هذا فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: عند الموت . قال ابن عباس : هذا عند الموت ، الملائكة يضربون وجوههم ، وأدبارهم وملك الموت يتوفاهم .

والثاني: يوم القيامة ، رواه أبو صالح عن ابن عباس .

والثالث: في النار ، قاله الحسن .

قوله تعالى: أخرجوا أنفسكم فيه إضمار "يقولون" وفي معناه قولان .

أحدهما: استسلموا لإخراج أنفسكم .

[ ص: 88 ] والثاني: أخرجوا أنفسكم من العذاب إن قدرتم .

قوله تعالى: تجزون عذاب الهون قال أبو عبيدة: الهون: مضمون ، وهو الهوان; وإذا فتحوا أوله ، فهو الرفق والدعة . قال الزجاج : والمعنى: تجزون العذاب; الذي يقعد به الهوان الشديد .
ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون

قوله تعالى: ولقد جئتمونا فرادى سبب نزولها: أن النضر بن الحارث قال: سوف تشفع لي اللات والعزى ، فنزلت هذه الآية ، قاله عكرمة . ومعنى فرادى: وحدانا . وهذا إخبار من الله تعالى بما يوبخ به المشركين يوم القيامة . قال أبو عبيدة: فرادى ، أي فرد فرد . وقال ابن قتيبة; فرادى: جمع فرد .

وللمفسرين في معنى "فرادى" خمسة أقوال متقاربة المعنى .

أحدها: فرادى من الأهل والمال والولد ، قاله ابن عباس . والثاني: كل واحد على حدة ، قاله الحسن . والثالث: ليس معكم من الدنيا شيء ، قاله مقاتل . والرابع: كل واحد منفرد عن شريكه في الغي ، وشقيقه ، قاله الزجاج . والخامس: فرادى من المعبودين ، قاله ابن كيسان .

قوله تعالى: كما خلقناكم أول مرة فيه ثلاثة أقوال .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 01-06-2022, 09:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,475
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد





تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثالث
سُورَةُ الانعام
الحلقة (209)
صــ89 إلى صــ 94



أحدها: لا مال ولا أهل ولا ولد . والثاني: حفاة عراة غرلا . والغرل: القلف . والثالث: أحياء . وخولناكم: بمعنى ملكناكم . وراء ظهوركم أي: [ ص: 89 ] في الدنيا . والمعنى: أن ما دأبتم في تحصيله في الدنيا فني ، وبقي الندم على سوء الاختيار . وفي شفعائهم ، قولان .

أحدهما: أنها الأصنام . قال ابن عباس : شفعاؤكم ، أي: آلهتكم الذين زعمتم أنهم يشفعون لكم . و زعمتم أنهم فيكم أي: عندكم شركاء . وقال ابن قتيبة: زعمتم أنهم لي في خلقكم شركاء .

والثاني: أنها الملائكة; كانوا يعتقدون شفاعتها ، قاله مقاتل .

قوله تعالى: لقد تقطع بينكم قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة ، وأبو بكر عن عاصم: بالرفع . والكسائي ، وحفص عن عاصم: بنصب النون على الظرف . قال الزجاج : الرفع أجود ، ومعناه: لقد تقطع وصلكم ، والنصب جائز ، ومعناه: لقد تقطع ما كنتم فيه من الشركة بينكم . وقال ابن الأنباري: التقدير: لقد تقطع ما بينكم ، فحذف "ما" لوضوح معناها . قال أبو علي: الذين رفعوه ، جعلوه اسما ، فأسندوا الفعل الذي هو "تقطع" إليه; والمعنى: لقد تقطع وصلكم . والذين نصبوا ، أضمروا اسم الفاعل في الفعل ، والمضمر هو الوصل; فالتقدير: لقد تقطع وصلكم بينكم . وفي الذي كانوا يزعمون قولان .

أحدهما: شفاعة آلهتهم . والثاني: عدم البعث والجزاء .
إن الله فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي ذلكم الله فأنى تؤفكون

قوله تعالى: إن الله فالق الحب والنوى في معنى الفلق قولان .

أحدهما: أنه بمعنى الخلق ، فالمعنى: خالق الحب والنوى ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وبه قال الضحاك ، ومقاتل .

[ ص: 90 ] والثاني: أن الفلق بمعنى الشق . ثم في معنى الكلام قولان .

أحدهما: أنه فلق الحبة عن السنبلة ، والنواة عن النخلة ، روى هذا المعنى أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، والسدي ، وابن زيد .

والثاني: أنه الشقان اللذان في الحب والنوى ، قاله مجاهد ، وأبو مالك . قال ابن السائب: الحب: ما لم يكن له نوى ، كالبر والشعير; والنوى ، مثل نوى التمر .

قوله تعالى: يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي قد سبق تفسيره في [آل عمران] .

قوله تعالى: فأنى تؤفكون أي: كيف تصرفون عن الحق بعد هذا البيان .
فالق الإصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم

قوله تعالى: فالق الإصباح في معنى الفلق قولان قد سبقا . فأما الإصباح فقال الأخفش هو مصدر من أصبح وقال الزجاج : الإصباح والصبح واحد .

وللمفسرين في الإصباح ، ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه ضوء الشمس بالنهار ، وضوء القمر بالليل ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس .

والثاني: أنه إضاءة الفجر ، قاله مجاهد . وقال ابن زيد: فلق الإصباح من الليل .

والثالث: أنه نور النهار ، قاله الضحاك . وقرأ أنس بن مالك ، والحسن ، وأبو مجلز ، وأيوب ، والجحدري: "فالق الإصباح" بفتح الهمزة . قال أبو عبيد: ومعناه جمع صبح . [ ص: 91 ] قوله تعالى: ( وجاعل الليل سكنا ) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر: "جاعل" بألف . وقرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائي: "وجعل" بغير ألف . "الليل" نصبا . قال أبو علي: من قرأ: "جاعل" فلأجل "فالق" وهم يراعون المشاكلة . ومن قرأ: "جعل" فلأن "فاعلا" هاهنا ، بمعنى: "فعل" بدليل قوله: والشمس والقمر حسبانا . فأما السكن ، فهو ما سكنت إليه . والمعنى: أن الناس يسكنون فيه سكون راحة . وفي الحسبان قولان .

أحدهما: أنه الحساب ، قاله الجمهور . قال ابن قتيبة: يقال: خذ من كل شيء بحسبانه ، أي: بحسابه . وفي المراد بهذا الحساب ، ثلاثة أقوال . أحدها: أنهما يجريان إلى أجل جعل لهما ، رواه العوفي عن ابن عباس . والثاني: يجريان في منازلهما بحساب ، ويرجعان إلى زيادة ونقصان ، قاله السدي . والثالث: أن جريانهما سبب لمعرفة حساب الشهور والأعوام ، قاله مقاتل .

والقول الثاني: أن معنى الحسبان: الضياء ، قاله قتادة . قال الماوردي ، كأنه أخذه من قوله تعالى: ويرسل عليها حسبانا من السماء أي: نارا . قال ابن جرير: وليس هذا من ذاك في شيء .
وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون

قوله تعالى: وهو الذي جعل لكم النجوم جعل ، بمعنى خلق . وإنما امتن عليهم بالنجوم ، لأن سالكي القفاء وراكبي البحار ، إنما يهتدون في الليل لمقاصدهم بها .
وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون [ ص: 92 ] قوله تعالى: وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة يعني آدم "فمستقر" قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، ويعقوب ، إلا رويسا: بكسر القاف . وقرأ نافع ، وابن عامر ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي: بفتحها . قال الزجاج من كسر ، فالمعنى "فمنكم مستقر" ومن نصب ، فالمعنى: "فلكم مستقر" فأما مستودع فبالفتح ، لا غير ومعناه على فتح القاف: "ولكم مستودع" وعلى كسر القاف: "منكم مستودع" . وللمفسرين في هذا المستقر والمستودع تسعة أقوال .

أحدها: فمستقر في الأرحام ، ومستودع في الأصلاب ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وبه قال سعيد بن جبير ، ومجاهد ، وعطاء ، والضحاك ، والنخعي ، وقتادة ، والسدي ، وابن زيد .

والثاني: المستقر في الأرحام ، والمستودع في القبر ، قاله ابن مسعود .

والثالث: المستقر في الأرض ، والمستودع في الأصلاب ، رواه ابن جبير عن ابن عباس .

والرابع: المستقر والمستودع في الرحم ، رواه قابوس عن أبيه عن ابن عباس .

والخامس: المستقر حيث يأوي ، والمستودع حيث يموت ، رواه مقسم عن ابن عباس .

والسادس: المستقر في الدنيا ، والمستودع في القبر .

والسابع: المستقر في القبر ، والمستودع في الدنيا ، وهو عكس الذي قبله ، رويا عن الحسن .

والثامن: المستقر في الدنيا ، والمستودع عند الله تعالى ، قاله مجاهد .

والتاسع: المستقر في الأصلاب ، والمستودع في الأرحام ، قاله ابن بحر ، وهو عكس الأول .
[ ص: 93 ] وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون

قوله تعالى: وهو الذي أنزل من السماء ماء يعني المطر فأخرجنا به أي: بالمطر . وفي قوله تعالى: نبات كل شيء قولان .

أحدهما: نبات كل شيء من الثمار ، لأن كل ما ينبت ، فنباته بالماء .

والثاني: رزق كل شيء غذاؤه . وفي قوله تعالى: فأخرجنا منه قولان . أحدهما: من الماء ، أي: به .

والثاني: من النبات . قال الزجاج : الخضر; بمعنى الأخضر يقال: اخضر; فهو أخضر ، وخضر ، مثل أعور ، فهو أعور ، وعور .

قوله تعالى: نخرج منه أي: من الخضر حبا متراكبا كالسنبل والشعير .

والمتراكب: الذي بعضه فوق بعض .

قوله تعالى: ومن النخل من طلعها قنوان دانية وروى الخفاف عن أبي عمرو: "قنوان" بضم القاف; وروى هارون عنه بفتحها . قال الفراء: معناه: ومن النخل ما قنوانه دانية; وأهل الحجاز يقولون: "قنوان" بكسر القاف; وقيس يضمونها; وضبة ، وتميم يقولون "قنيان" . وأنشدني المفضل عنهم:


فأثت أعاليه وآدت أصوله ومال بقنيان من البسر أحمرا


[ ص: 94 ] ويجتمعون جميعا ، فيقولون: "قنو" و"قنو" ولا يقولون: "قني" ولا "قني" وكلب يقولون: "ومال بقنيان" قال المصنف: والبيت لامرئ القيس; ورواه أبو سعيد السكري: "ومال بقنوان" مكسورة القاف مع الواو ، ففيه أربع لغات: قنوان ، وقنوان ، وقنيان ، وقنيان; و"أثت": كثرت; ومنه: شعر أثيت . و"آدت": اشتدت . وقال ابن قتيبة: القنوان: عذوق النخل ، واحدها: قنو ، جمع على لفظ تثنية; ومثله: صنو وصنوان في التثنية ، وصنوان في الجمع . وقال الزجاج : قنوان: جمع قنو ، وإذا ثنيته فهما قنوان ، بكسر النون . ودانية ، أي: قريبة المتناول ، ولم يقل: "ومنها قنوان بعيدة" لأن في الكلام دليلا أن البعيدة السحيقة; قد كانت غير سحيقة ، فاجتزئ بذكر القريبة عن ذكر البعيدة; كقوله تعالى: سرابيل تقيكم الحر [النحل:81] . وقال ابن عباس : القنوان الدانية: قصار النخل اللاصقة عذوقها بالأرض .

قوله تعالى: وجنات من أعناب قال الزجاج : هو نسق على قوله: "خضرا" والزيتون والرمان المعنى . وأخرجنا منه شجر الزيتون والرمان: وقد روى أبو زيد عن المفضل: و"جنات" بالرفع .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 01-06-2022, 09:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,475
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد






تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثالث
سُورَةُ الانعام
الحلقة (210)
صــ95 إلى صــ 100



قوله تعالى: مشتبها وغير متشابه فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: مشتبها في المنظر ، وغير متشابه في الطعم ، رواه أبو صالح عن ابن عباس .

والثاني مشتبها ورقه ، مختلفا ثمره ، قاله قتادة ، وهو في معنى الأول .

والثالث: منه ما يشبه بعضه بعضا ، ومنه ما يخالف . قال الزجاج : وإنما قرن الزيتون بالرمان ، لأنهما شجرتان تعرف العرب أن ورقهما يشتمل على الغصن من أوله إلى آخره . قال الشاعر: [ ص: 95 ]


بورك الميت الغريب كما بو رك نضح الرمان والزيتون


ومعناه: أن البركة في ورقه اشتماله على عوده كله .

قوله تعالى: ( انظروا إلى ثمرة ) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وعاصم: " انظروا إلى ثمره " ، " وكلوا من ثمره " [الأنعام:141] ، و " ليأكلوا من ثمره " [يس: 35]: بالفتح في ذلك . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وخلف: بالضم فيهن . قال الزجاج : يقال: ثمرة ، وثمر ، وثمار ، وثمر; فمن قرأ: "إلى ثمره" بالضم أراد جمع الجمع . وقال أبو علي: يحتمل وجهين . أحدهما هذا ، وهو أن يكون الثمر جمع ثمار .

والثاني: أن تكون الثمر جمع ثمرة ، وكذلك: أكمة ، وأكم ، وخشبة وخشب . قال الفراء: يقول: انظروا إليه أول ما يعقد ، وانظروا إلى ينعه ، وهو نضجه وبلوغه . وأهل الحجاز يقولون: ينع ، بفتح الياء ، وبعض أهل نجد يضمونها . قال ابن قتيبة: يقال ينعت الثمرة ، وأينعت: إذا أدركت ، وهو الينع والينع . وقرأ الحسن ، ومجاهد ، وقتادة ، والأعمش ، وابن محيصن: "وينعه" بضم الياء . قال الزجاج : الينع: النضج . قال الشاعر:


في قباب حول دسكرة حولها الزيتون قد ينعا


وبين الله تعالى لهم بتصريف ما خلق ، ونقله من حال إلى حال لا يقدر عليه الخلق ، أنه كذلك يبعثهم .

[ ص: 96 ] قوله تعالى: إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون قال ابن عباس : يصدقون أن الذي أخرج هذا النبات قادر على أن يحيي الموتى . وقال مقاتل: يصدقون بالتوحيد .
وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون

قوله تعالى: وجعلوا لله شركاء الجن جعلوا ، بمعنى وصفوا . قال الزجاج : نصب "الجن" من وجهين .

أحدهما: أن يكون مفعولا ، فيكون المعنى: وجعلوا لله الجن شركاء; ويكون الجن مفعولا ثانيا ، كقوله: وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا [الزخرف:19] .

والثاني: أن يكون الجن بدلا من شركاء ، ومفسرا للشركاء . وقرأ أبو المتوكل ، وأبو عمران ، وأبو حيوة ، والجحدري: "شركاء الجن" برفع النون; وقرأ ابن أبي عبلة ، ومعاذ القارئ "الجن" بخفض النون .

وفي معنى جعلهم الجن شركاء ثلاثة أقوال .

أحدها: أنهم أطاعوا الشياطين في عبادة الأوثان ، فجعلوهم شركاء لله ، قاله الحسن ، والزجاج .

والثاني: قالوا: إن الملائكة بنات الله فهم شركاؤه ، كقوله: وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا [الصافات:158] فسمى الملائكة جنا لاجتنانهم ، قاله قتادة ، والسدي ، وابن زيد .

والثالث: أن الزنادقة قالوا: الله خالق النور والماء والدواب والأنعام ، وإبليس خالق الظلمة والسباع والحيات والعقارب ، وفيهم نزلت هذه الآية . قاله ابن السائب .

[ ص: 97 ] قوله تعالى: وخلقهم في الكناية قولان .

أحدهما: أنها ترجع إلى الجاعلين له الشركاء ، فيكون المعنى: وجعلوا للذي خلقهم شركاء لا يخلقون .

والثاني: أنها ترجع إلى الجن ، فيكون المعنى والله خلق الجن ، فكيف يكون الشريك لله محدثا؟ ذكرهما الزجاج .

قوله تعالى: وخرقوا له بنين وبنات وقرأ نافع: وخرقوا بالتشديد ، للمبالغة والتكثير ، لأن المشركين ادعوا الملائكة بنات الله ، والنصارى المسيح ، واليهود عزيرا . وقرأ ابن عباس ، وأبو رجاء ، وأبو الجوزاء: وحرفوا بحاء غير معجمة وبتشديد الراء وبالفاء . وقرأ ابن السميفع ، والجحدري: "خارقوا" بألف وخاء معجمة . قال السدي: أما "البنون" فقول اليهود: عزير ابن الله ، وقول النصارى: المسيح ابن الله; وأما "البنات" فقول مشركي العرب: الملائكة بنات الله . قال الفراء: خرقوا ، واخترقوا ، وخلقوا ، واختلقوا ، بمعنى افتروا . وقال أبو عبيدة: خرقوا: جعلوا . قال الزجاج : ومعنى: "بغير علم": أنهم لم يذكروه من علم ، إنما ذكروه تكذبا .
بديع السماوات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل

قوله تعالى: أنى يكون له ولد قال الزجاج : أي: من أين يكون له ولد ، [ ص: 98 ] والولد لا يكون إلا من صاحبة؟! واحتج عليهم في نفي الولد بقوله: وخلق كل شيء فليس مثل خالق الأشياء ، فكيف يكون الولد لمن لا مثل له؟! فإذا نسب إليه الولد ، فقد جعل له مثل .
لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير

قوله تعالى: لا تدركه الأبصار في الإدراك قولان .

أحدهما: أنه بمعنى الإحاطة . والثاني: بمعنى الرؤية . وفي "الأبصار" قولان . أحدهما: أنها العيون ، قاله الجمهور . والثاني: أنها العقول ، رواه عبد الرحمن بن مهدي عن أبي حصين القارئ . ففي معنى الآية ثلاثة أقوال .

أحدها: لا تحيط به الأبصار ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وبه قال سعيد بن المسيب ، وعطاء . وقال الزجاج : معنى الآية: الإحاطة بحقيقته ، وليس فيها دفع للرؤية ، لما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرؤية ، وهذا مذهب أهل السنة والعلم والحديث .

والثاني: لا تدركه الأبصار إذا تجلى بنوره ، الذي هو نوره رواه عكرمة عن ابن عباس .

والثالث: لا تدركه الأبصار في الدنيا ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، ومقاتل . ويدل على أن الآية مخصوصة بالدنيا ، قوله: وجوه [ ص: 99 ] يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة [القيامة:23 ، 22] فقيد النظر إليه بالقيامة ، وأطلق في هذه الآية والمطلق يحمل على المقيد .

و قوله تعالى: وهو يدرك الأبصار فيه القولان . قال الزجاج : وفي هذا الإعلام دليل على أن خلقه لا يدركون الأبصار ، أي: لا يعرفون حقيقة البصر ، وما الشيء الذي صار به الإنسان يبصر من عينيه ، دون أن يبصر من غيرهما من أعضائه; فأعلم الله أن خلقا من خلقه لا يدرك المخلوقون كنهه ، ولا يحيطون بعلمه; فكيف به عز وجل؟! فأما "اللطيف" فقال أبو سليمان الخطابي: هو البر بعباده ، الذي يلطف بهم من حيث لا يعلمون ، ويسبب لهم مصالحهم من حيث لا يحتسبون . قال ابن الأعرابي: اللطيف: الذي يوصل إليك أربك في رفق; ومنه قولهم: لطف الله بك; ويقال: هو الذي لطف عن أن يدرك بالكيفية . وقد يكون اللطف بمعنى الدقة والغموض ، ويكون بمعنى الصغر في نعوت الأجسام ، وذلك مما لا يليق بصفات الباري سبحانه . وقال الأزهري: اللطيف من أسماء الله معناه: الرفيق بعباده; والخبير: العالم بكنه الشيء ، المطلع على حقيقته .
قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ

قوله تعالى: قد جاءكم بصائر من ربكم البصائر: جمع بصيرة وهي الدلالة التي توجب البصر بالشيء والعلم به . قال الزجاج : والمعنى: قد جاءكم القرآن الذي فيه البيان والبصائر فمن أبصر فلنفسه نفع ذلك "ومن عمي" فعلى نفسه ضرر ذلك ، لأن الله عز وجل غني عن خلقه . وما أنا عليكم بحفيظ أي: لست آخذكم بالإيمان أخذ الحفيظ والوكيل ، وهذا قبل الأمر بالقتال .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 01-06-2022, 09:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,475
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثالث
سُورَةُ الانعام
الحلقة (211)
صــ101 إلى صــ 106


فصل

وذكر المفسرون أن هذه الآية نسخت بآية السيف . وقال بعضهم: معناها: لست رقيبا عليكم أحصي أعمالكم; فعلى هذا لا وجه للنسخ .
قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ

قوله تعالى: قد جاءكم بصائر من ربكم البصائر: جمع بصيرة وهي الدلالة التي توجب البصر بالشيء والعلم به . قال الزجاج : والمعنى: قد جاءكم القرآن الذي فيه البيان والبصائر فمن أبصر فلنفسه نفع ذلك "ومن عمي" فعلى نفسه ضرر ذلك ، لأن الله عز وجل غني عن خلقه . وما أنا عليكم بحفيظ أي: لست آخذكم بالإيمان أخذ الحفيظ والوكيل ، وهذا قبل الأمر بالقتال .

[ ص: 100 ]

فصل

وذكر المفسرون أن هذه الآية نسخت بآية السيف . وقال بعضهم: معناها: لست رقيبا عليكم أحصي أعمالكم; فعلى هذا لا وجه للنسخ .
وكذلك نصرف الآيات وليقولوا درست ولنبينه لقوم يعلمون

قوله تعالى: وكذلك نصرف الآيات قال الأخفش وكذلك معناها: وهكذا . وقال الزجاج : المعنى: ومثل ما بينا فيما تلي عليك ، نبين الآيات . قال ابن عباس : نصرف الآيات ، أي: نبينها في كل وجه ، ندعوهم بها مرة ، ونخوفهم بها أخرى . وليقولوا يعني أهل مكة حين تقرأ عليهم القرآن "دارست" .

قال ابن الأنباري: معنى الآية: وكذلك نصرف الآيات ، لنلزمهم الحجة ، وليقولوا: دارست; وإنما صرف الآيات ليسعد قوم بفهمها والعمل بها ، ويشقى آخرون بالإعراض عنها; فمن عمل بها سعد ، ومن قال: دارست ، شقي . قال الزجاج : وهذه اللام في ليقولوا يسميها أهل اللغة لام الصيرورة . والمعنى: أن السبب الذي أداهم إلى أن قالوا: دارست ، هو تلاوة الآيات ، وهذا كقوله: فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا [القصص:8] وهم لم يطلبوا بأخذه أن يعاديهم ، ولكن كان عاقبة الأمر أن صار لهم عدوا وحزنا . ومثله أن تقول: كتب فلان الكتاب لحتفه ، فهو لم يقصد أن يهلك نفسه بالكتاب ، ولكن العاقبة كانت الهلاك .

فأما "دارست" فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: دارست بالألف وسكون السين وفتح التاء; ومعناها: ذاكرت أهل الكتاب . وقرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائي: [ ص: 101 ] "درست" بسكون وفتح التاء ، من غير ألف ، على معنى: قرأت كتب أهل الكتاب . قال المفسرون: معناها: تعلمت من جبر ويسار . وسنبين هذا في قوله: إنما يعلمه بشر [النحل:103] إن شاء الله وقرأ ابن عامر ، ويعقوب: "درست" بفتح الراء والسين وسكون التاء من غير ألف . والمعنى: هذه الأخبار التي تتلوها علينا قديمة قد درست . أي: قد مضت وامحت . وجميع من ذكرنا فتح الدال في قراءته . وقد روي عن نافع أنه قال: "درست" برفع الدال ، وكسر الراء وتخفيف التاء ، وهي قراءة ابن يعمر; ومعناها: قرئت . وقرأ أبي بن كعب: "درست" بفتح الدال والسين وضم الراء وتسكين التاء . قال الزجاج : وهي بمعنى: "درست" أي: امحت; إلا أن المضمومة الراء أشد مبالغة . وقرأ معاذ القارئ ، وأبو العالية ، ومورق: "درست" برفع الدال ، وكسر الراء وتشديدها ساكنة السين . وقرأ ابن مسعود ، وطلحة بن مصرف: "درس" بفتح الراء والسين بلا ألف ولا تاء . وروى عصمة عن الأعمش: "دارس" بألف .

قوله تعالى: ولنبينه يعني التصريف لقوم يعلمون ما تبين لهم من الحق فقبلوه .
اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين ولو شاء الله ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظا وما أنت عليهم بوكيل

قوله تعالى: وأعرض عن المشركين قال المفسرون: نسخ بآية السيف .

قوله تعالى: ولو شاء الله ما أشركوا فيه ثلاثة أقوال حكاها الزجاج .

[ ص: 102 ] أحدها: لو شاء لجعلهم مؤمنين . والثاني: لو شاء لأنزل آية تضطرهم إلى الإيمان . والثالث: لو شاء لاستأصلهم ، فقطع سبب شركهم . قال ابن عباس : وباقي الآية نسخ بآية السيف .
ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون

قوله تعالى: ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله في سبب نزولها قولان .

أحدهما: أنه لما قال للمشركين: إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم قالوا: لتنتهين يا محمد عن سب آلهتنا وعيبها ، أو لنهجون إلهك الذي تعبده ، فنزلت هذه الآية ، رواه أبو صالح عن ابن عباس .

والثاني: أن المسلمين كانوا يسبون أوثان الكفار ، فيردون ذلك عليهم ، فنهاهم الله تعالى أن يستسبوا لربهم قوما جهلة لا علم لهم بالله ، قاله قتادة . ومعنى "يدعون": يعبدون ، وهي الأصنام . فيسبوا الله أي: فيسبوا من أمركم بعيبها ، فيعود ذلك إلى الله تعالى ، لا أنهم كانوا يصرحون بسب الله تعالى ، لأنهم كانوا يقرون أنه خالقهم ، وإن أشركوا به .

و قوله تعالى: عدوا بغير علم أي: ظلما بالجهل . وقرأ يعقوب: [ ص: 103 ] "عدوا" بضم العين والدال وتشديد الواو . والعرب تقول في الظلم: عدا فلان عدوا وعدوا وعدوانا . وعدا ، أي: ظلم .

قوله تعالى: كذلك زينا لكل أمة عملهم أي: كما زينا لهؤلاء المشركين عبادة الأصنام ، وطاعة الشيطان ، كذلك زينا لكل جماعة اجتمعت على حق أو باطل عملهم من خير أو شر . قال المفسرون: وهذه الآية نسخت بتنبيه الخطاب في آية السيف .
وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون

قوله تعالى: وأقسموا بالله جهد أيمانهم في سبب نزولها قولان .

أحدهما: أنه لما نزل في [الشعراء:4]: إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية قال المشركون: أنزلها علينا حتى والله نؤمن بها; فقال المسلمون: يا رسول الله ، أنزلها عليهم لكي يؤمنوا; فنزلت هذه الآية; رواه أبو صالح عن ابن عباس .

والثاني: أن قريشا قالوا: يا محمد ، تخبرنا أن موسى كان معه عصى يضرب بها الحجر ، فينفجر منها اثنتا عشرة عينا ، وأن عيسى كان يحيي الموتى ، وأن ثمود كانت لهم ناقة ، فائتنا بمثل هذه الآيات حتى نصدقك: فقال: أي شيء تحبون؟! قالوا: أن تجعل لنا الصفا ذهبا . قال: "فإن فعلت تصدقوني؟! فقالوا: نعم ، والله لئن فعلت لنتبعنك أجمعين . فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ، فجاءه جبريل فقال: إن شئت أصبح الصفا ذهبا ، ولكني لم أرسل آية فلم يصدق بها ، إلا أنزلت العذاب ، وإن شئت تركتهم حتى يتوب تائبهم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أتركهم حتى يتوب تائبهم" ، فنزلت هذه الآية إلى قوله: "يجهلون" هذا قول [ ص: 104 ] محمد بن كعب القرظي . وقد ذكرنا معنى جهد أيمانهم في [المائدة]; وإنما حلفوا على ما اقترحوا من الآيات ، كقولهم: لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا [الإسراء:90] .

قوله تعالى: قل إنما الآيات عند الله أي: هو القادر على الإتيان بها دوني ودون أحد من خلقه . وما يشعركم أنها أي: يدريكم أنها . قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وأبو بكر عن عاصم ، وخلف في اختياره: بكسر الألف ، فعلى هذه القراءة يكون الخطاب بقوله يشعركم للمشركين ، ويكون تمام الكلام عند قوله: وما يشعركم ويكون المعنى: وما يدريكم أنكم تؤمنون إذا جاءت؟ وتكون "إنها" مكسورة على الاستئناف والإخبار عن حالهم . وقال أبو علي: التقدير: وما يشعركم إيمانهم؟ فحذف المفعول . والمعنى: لو جاءت الآية التي اقترحوها ، لم يؤمنوا . فعلى هذا يكون الخطاب للمؤمنين . قال سيبويه: سألت الخليل عن قوله: وما يشعركم أنها فقلت: ما منعها أن تكون كقولك: ما يدريك أنه لا يفعل؟ فقال: لا يحسن ذلك في هذا الموضع; إنما قال: وما يشعركم ثم ابتدأ فأوجب ، فقال: أنها إذا جاءت لا يؤمنون ولو قال: وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون ; كان ذلك عذرا لهم . وقرأ نافع ، وحفص عن عاصم ، وحمزة ، والكسائي: "أنها" بفتح الألف; فعلى هذا ، المخاطب بقوله: وما يشعركم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه; ثم في معنى الكلام قولان .

أحدهما: وما يدريكم لعلها إذا جاءت لا يؤمنون . وفي قراءة أبي: لعلها إذا [ ص: 105 ] جاءت لا يؤمنون . والعرب تجعل "أن" بمعنى "لعل" . يقولون: ائت السوق أنك تشتري لنا شيئا ، أي: لعلك .

قال عدي بن زيد:


أعاذل ما يدريك أن منيتي إلى ساعة في اليوم أو في ضحى غد


أي: لعل منيتي ، وإلى هذا المعنى ذهب الخليل ، وسيبويه ، والفراء في توجيه هذه القراءة .

والثاني: أن المعنى: وما يدريكم أنها إذا جاءت يؤمنون ، وتكون "لا" صلة; كقوله تعالى: ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك [الأعراف:12] و قوله تعالى: وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون [الأنبياء:95] ذكره الفراء ورده الزجاج واختار الأول . والأكثرون على قراءة: "يؤمنون" بالياء; منهم ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، والكسائي ، وحفص عن عاصم; وقرأ ابن عامر ، وحمزة: بالتاء ، على الخطاب للمشركين . قال أبو علي: من قرأ بالياء ، فلأن الذين أقسموا غيب ، ومن قرأ بالتاء ، فهو انصراف من الغيبة إلى الخطاب .
ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون

قوله تعالى: ونقلب أفئدتهم وأبصارهم التقليب: تحويل الشيء عن وجهه . وفي معنى الكلام ، أربعة أقوال .

أحدها: لو أتيناهم بآية كما سألوا ، لقلبنا أفئدتهم وأبصارهم عن الإيمان بها ، [ ص: 106 ] وحلنا بينهم وبين الهدى ، فلم يؤمنوا كما لم يؤمنوا بما رأوا قبلها عقوبة لهم على ذلك . وإلى هذا المعنى ذهب ابن عباس ، ومجاهد ، وابن زيد .

والثاني: أنه جواب لسؤالهم في الآخرة الرجوع إلى الدنيا; فالمعنى: لو ردوا لحلنا بينهم وبين الهدى كما حلنا بينهم وبينه أول مرة وهم في الدنيا . روى هذا المعنى ابن أبي طلحة عن ابن عباس .

والثالث: ونقلب أفئدة هؤلاء وأبصارهم عن الإيمان بالآيات كما لم يؤمن أوائلهم من الأمم الخالية بما رأوا من الآيات ، قاله مقاتل .

والرابع: أن ذلك التقليب في النار ، عقوبة لهم ، ذكره الماوردي . وفي هاء "به" أربعة أقوال: أحدها: أنها كناية عن القرآن . والثاني: عن النبي صلى الله عليه وسلم . والثالث: عما ظهر من الآيات . والرابع: عن التقليب . وفي المراد بـ "أول مرة" ثلاثة أقوال . أحدها: أن المرة الأولى: دار الدنيا . والثاني: أنها معجزات الأنبياء قبل محمد صلى الله عليهم وسلم . والثالث: أنها صرف قلوبهم عن الإيمان قبل نزول الآيات أن لو نزلت; والطغيان والعمه مذكوران في [سورة البقرة] .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 01-06-2022, 09:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,475
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد





تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثالث
سُورَةُ الانعام
الحلقة (212)
صــ107 إلى صــ 112



ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون

قوله تعالى: ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة سبب نزولها: أن المستهزئين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهط من أهل مكة ، فقالوا له: ابعث لنا بعض موتانا حتى نسألهم: أحق ما تقول ، أم باطل؟ أو أرنا الملائكة يشهدون لك أنك رسول الله ، أو ائتنا بالله والملائكة قبيلا ، فنزلت هذه الآية ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . ومعنى الآية: ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة كما سألوا ، وكلمهم [ ص: 107 ] الموتى ، فشهدوا لك بالنبوة وحشرنا أي: جمعنا عليهم كل شيء في الدنيا قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ، فأخبر أن وقوع الإيمان بمشيئته ، لا كما ظنوا أنهم متى شاؤوا آمنوا ، ومتى شاؤوا لم يؤمنوا . فأما قوله: قبلا فقرأ ابن عامر ، ونافع: بكسر القاف وفتح الباء . قال ابن قتيبة: معناها: معاينة . وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي: "قبلا" بضم القاف والباء . وفي معناها ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه جمع قبيل ، وهو الصنف; فالمعنى: وحشرنا عليهم كل شيء قبيلا قبيلا ، قاله مجاهد ، واختاره أبو عبيدة ، وابن قتيبة .

والثاني: أنه جمع قبيل أيضا ، إلا أنه: الكفيل; فالمعنى: وحشرنا عليهم كل شيء ، فكفل بصحة ما تقول ، اختاره الفراء ، وعليه اعتراض ، وهو أن يقال: إذا لم يؤمنوا بإنزال الملائكة ، وتكليم الموتى ، فلأن لا يؤمنوا بالكفالة التي هي قول ، أولى . فالجواب: أنه لو كفلت الأشياء المحشورة ، فنطق ما لم ينطق ، كان ذلك آية بينة .

والثالث: أنه بمعنى المقابل ، فيكون المعنى: وحشرنا عليهم كل شيء ، فقابلهم ، قاله ابن زيد . قال أبو زيد: يقال: لقيت فلانا قبلا وقبلا وقبلا وقبيلا وقبليا ومقابلة ، وكله واحد ، وهو للمواجهة . قال أبو علي: فالمعنى في القرآن- على ما قاله أبو زيد- واحد ، وإن اختلفت الألفاظ .

قوله تعالى: ولكن أكثرهم يجهلون فيه قولان .

أحدهما: يجهلون أن الأشياء لا تكون إلا بمشيئة الله تعالى .

والثاني: أنهم يجهلون أنهم لو أوتوا بكل آية ما آمنوا .
[ ص: 108 ] وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون

قوله تعالى: وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا أي: وكما جعلنا لك ولأمتك شياطين الإنس والجن أعداء ، كذلك جعلنا لمن تقدمك من الأنبياء وأممهم; والمعنى: كما ابتليناك بالأعداء ، ابتلينا من قبلك ، ليعظم الثواب عند الصبر على الأذى . قال الزجاج : "وعدو" في معنى أعداء "وشياطين الإنس والجن": منصوب على البدل من "عدو" ومفسر له; ويجوز أن يكون: "عدوا" منصوب على أنه مفعول ثان ، المعنى: وكذلك جعلنا شياطين الإنس والجن أعداء لأممهم . وفي شياطين الإنس والجن ثلاثة أقوال .

أحدها: أنهم مردة الإنس والجن ، قاله الحسن . وقتادة . والثاني: أن شياطين الإنس: الذين مع الإنس وشياطين الجن: الذين مع الجن ، قاله عكرمة ، والسدي . والثالث: أن شياطين الإنس والجن: كفارهم ، قاله مجاهد .

قوله تعالى: يوحي أصل الوحي: الإعلام والدلالة بستر وإخفاء .

وفي المراد به هاهنا ثلاثة أقوال .

أحدها: أن معناه: يأمر . والثاني: يوسوس . والثالث: يشير .

وأما زخرف القول فهو ما زين منه ، وحسن ، وموه ، وأصل الزخرف: الذهب . قال أبو عبيدة: كل شيء حسنته وزينته وهو باطل ، فهو زخرف . وقال الزجاج : "الزخرف" في اللغة: الزينة; فالمعنى: أن بعضهم يزين لبعض الأعمال القبيحة; "وغرورا" منصوب على المصدر; وهذا المصدر [ ص: 109 ] محمول على المعنى ، لأن معنى إيحاء الزخرف من القول: معنى الغرور ، فكأنه قال: يغرون غرورا . وقال ابن عباس : "زخرف القول غرورا": الأماني بالباطل . قال مقاتل: وكل إبليس بالإنس شياطين يضلونهم . ، فإذا التقى شيطان الإنس بشيطان الجن ، قال أحدهما لصاحبه: إني أضللت صاحبي بكذا وكذا ، فأضلل أنت صاحبك بكذا وكذا ، فذلك وحي بعضهم إلى بعض . وقال غيره: إن المؤمن إذا أعيا شيطانه ، ذهب إلى متمرد من الإنس ، وهو شيطان الإنس ، فأغراه بالمؤمن ليفتنه . وقال قتادة: إن من الجن شياطين ، وإن من الإنس شياطين . وقال مالك بن دينار: إن شيطان الإنس أشد علي من شيطان الجن ، لأني إذا تعوذت من ذاك ذهب عني ، وهذا يجرني إلى المعاصي عيانا .

قوله تعالى: ولو شاء ربك ما فعلوه في هاء الكناية ثلاثة أقوال .

أحدها: أنها ترجع إلى الوسوسة . والثاني: ترجع إلى الكفر . والثالث: إلى الغرور ، وأذى النبيين .

قوله تعالى: فذرهم وما يفترون قال مقاتل: يريد كفار مكة وما يفترون من الكذب . وقال غيره: فذر المشركين وما يخاصمونك به مما يوحي إليهم أولياؤهم ، وما يختلقون من كذب ، وهذا القدر من هذه الآية منسوخ بآية السيف .
ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون

قوله تعالى: ولتصغى إليه أي: ولتميل; والهاء: كناية عن الزخرف والغرور . والأفئدة: جمع فؤاد ، مثل غراب وأغربة . قال ابن الأنباري: فعلنا بهم ذلك لكي تصغى إلى الباطل أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة ، وليرضوا الباطل ، وليقترفوا أي: ليكتسبوا ، وليعلموا ما هم عاملون .
[ ص: 110 ] أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين

قوله تعالى: أفغير الله أبتغي حكما سبب نزولها: أن مشركي قريش قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: اجعل بيننا وبينك حكما ، إن شئت من أحبار اليهود ، وإن شئت من أحبار النصارى ، ليخبرنا عنك بما في كتابهم من أمرك ، فنزلت هذه الآية ، ذكره الماوردي . فأما الحكم ، فهو بمعنى الحاكم; والمعنى: أفغير الله أطلب قاضيا بيني وبينكم؟! و"الكتاب": القرآن ، و"المفصل" المبين الذي بان فيه الحق من الباطل ، والأمر من النهي ، والحلال من الحرام .

والذين آتيناهم الكتاب فيهم قولان .

أحدهما: علماء أهل الكتابين ، قاله الجمهور . والثاني: رؤساء أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، كأبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وأشباههم ، قاله عطاء .

قوله تعالى: يعلمون أنه منزل قرأ ابن عامر ، وحفص عن عاصم: "منزل" بالتشديد; وخففها الباقون .
وتمت كلمت ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم .

قوله تعالى: وتمت كلمة ربك قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، ونافع: "كلمات" على الجمع; وقرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائي ، ويعقوب: "كلمة" على التوحيد; وقد ذكرت العرب الكلمة ، وأرادت الكثرة; يقولون: قال قس في كلمته ، أي: في خطبته ، وزهير في كلمته ، أي: في قصيدته .

[ ص: 111 ] وفي المراد بهذه الكلمات ثلاثة أقوال .

أحدها: أنها القرآن ، قاله قتادة . والثاني: أقضيته وعداته . والثالث: وعده ووعيده ، وثوابه وعقابه . وفي قوله: صدقا وعدلا قولان .

أحدهما: صدقا فيما أخبر ، وعدلا فيما قضى وقدر . والثاني: صدقا فيما وعد وأوعد ، وعدلا فيما أمر ونهى . وفي قوله: لا مبدل لكلماته قولان . أحدهما: لا يقدر المفترون على الزيادة فيها والنقصان منها .

والثاني: لا خلف لمواعيده ، ولا مغير لحكمه .
وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون

قوله تعالى: وإن تطع أكثر من في الأرض سبب نزولها: أن الكفار قالوا للمسلمين: أتأكلون ما قتلتم ، ولا تأكلون ما قتل ربكم؟ فنزلت هذه الآية ، ذكره الفراء . والمراد بـ أكثر من في الأرض الكفار . وفي ماذا يطيعهم فيه أربعة أقوال .

أحدها: في أكل الميتة . والثاني: في أكل ما ذبحوا للأصنام . والثالث: في عبادة الأوثان . والرابع: في اتباع ملل الآباء; و سبيل الله : دينه . قال ابن قتيبة: ومعنى يخرصون يحدسون ويوقعون; ومنه قيل للحازر: خارص . فإن قيل: كيف يجوز تعذيب من هو على ظن من شركه ، وليس على يقين من كفره؟! فالجواب: أنهم لما تركوا التماس الحجة ، واتبعوا أهواءهم ، واقتصروا على الظن والجهل ، عذبوا ، ذكره الزجاج .
[ ص: 112 ] إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين

قوله تعالى: إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله قال الزجاج : موضع "من" رفع بالابتداء ، ولفظها لفظ الاستفهام; والمعنى: إن ربك هو أعلم أي الناس يضل عن سبيله . وقرأ الحسن: من يضل بضم الياء وكسر الضاد ، وهي رواية ابن أبي شريح . قال أبو سليمان: ومقصود الآية: لا تلتفت إلى قسم من أقسم أنه يؤمن عند مجيء الآيات ، فلن يؤمن إلا من سبق له القدر بالإيمان .
فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين

قوله تعالى: فكلوا مما ذكر اسم الله عليه سبب نزولها: أن الله تعالى لما حرم الميتة ، قال المشركون للمؤمنين: إنكم تزعمون أنكم تعبدون الله ، فما قتل الله لكم أحق أن تأكلوه مما قتلتم أنتم ، يريدون الميتة ، فنزلت هذه الآية ، رواه أبو صالح عن ابن عباس .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 01-06-2022, 09:50 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,475
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد





تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثالث
سُورَةُ الانعام
الحلقة (213)
صــ113 إلى صــ 118




وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم إن ربك هو أعلم بالمعتدين

قوله تعالى: وما لكم ألا تأكلوا قال الزجاج : المعنى: وأي شيء يقع لكم في أن لا تأكلوا؟ وموضع "أن" نصب لأن "في" سقطت ، فوصل المعنى إلى "أن" فنصبها .

قوله تعالى: وقد فصل لكم قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن عامر: "فصل لكم ما حرم عليكم" مرفوعتان; وقرأ نافع ، وحفص عن عاصم ، [ ص: 113 ] ويعقوب ، والقزاز عن عبد الوارث: "فصل" بفتح الفاء ، ما حرم بفتح الحاء ، وقرأ حمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم: "فصل" بفتح الفاء ، ما حرم بضم الحاء . قال الزجاج : أي: فصل لكم الحلال من الحرام ، وأحل لكم في الاضطرار ما حرم . وقال سعيد بن جبير: فصل لكم ما حرم عليكم ، يعني: ما بين في [المائدة] من الميتة ، والدم ، إلى آخر الآية . وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم يعني: مشركي العرب يضلون في أمر الذبائح وغيره . قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو: " ليضلون " ، وفي [يونس: 88]: ربنا ليضلوا وفي [إبراهيم: 30]: أندادا ليضلوا وفي [الحج: 9]: ثاني عطفه ليضل ، وفي [لقمان: 6]: ليضل عن سبيل الله بغير علم وفي [الزمر:8]: أندادا ليضل بفتح الياء في هذه المواضع الستة; وضمهن عاصم ، وحمزة ، والكسائي . وقرأ نافع ، وابن عامر: " ليضلون بأهوائهم " . وفي [يونس]: " ليضلوا " بالفتح; وضم الأربعة الباقية . فمن فتح ، أراد: أنهم هم الذين ضلوا; ومن ضم ، أراد: أنهم أضلوا غيرهم ، وذلك أبلغ في الضلال ، لأن كل مضل ضال؟ وليس كل ضال مضلا .
وذروا ظاهر الإثم وباطنه إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون .

قوله تعالى: وذروا ظاهر الإثم وباطنه في الإثم هاهنا ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه الزنا ، رواه أبو صالح عن ابن عباس; فعلى هذا ، في ظاهره وباطنه قولان . أحدهما: أن ظاهره: الإعلان به ، وباطنه: الاستسرار ، قاله [ ص: 114 ] الضحاك ، والسدي . قال الضحاك: وكانوا يرون الاستسرار بالزنا حلالا . والثاني: أن ظاهره نكاح المحرمات ، كالأمهات ، والبنات ، وما نكح الآباء . وباطنه: الزنا ، قاله سعيد بن جبير .

والثاني: أنه عام في كل إثم . والمعنى: ذروا المعاصي ، سرها وعلانيتها; وهذا مذهب أبي العالية ، ومجاهد ، وقتادة ، والزجاج . وقال ابن الأنباري: المعنى: ذروا الإثم من جميع جهاته .

والثالث: أن الإثم: المعصية ، إلا أن المراد به هاهنا أمر خاص . قال ابن زيد: ظاهره هاهنا: نزع أثوابهم ، إذ كانوا يطوفون بالبيت عراة ، وباطنه: الزنا .
ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون

قوله تعالى: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه سبب نزولها: مجادلة المشركين للمؤمنين في قولهم: أتأكلون مما قتلتم ، ولا تأكلون ما قتل الله! على ما ذكرنا في سبب قوله تعالى: فكلوا مما ذكر اسم الله عليه [الأنعام:118] هذا قول ابن عباس . وقال عكرمة: كتبت فارس إلى قريش: إن محمدا وأصحابه لا يأكلون ما ذبحه الله ، ويأكلون ما ذبحوا لأنفسهم فكتب المشركون إلى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، فوقع في أنفس ناس من المسلمين من ذلك شيء ، فنزلت هذه الآية [ ص: 115 ] وفي المراد بما لم يذكر اسم الله عليه أربعة أقوال .

أحدها: أنه الميتة ، . رواه ابن جبير عن ابن عباس .

والثاني: أنه الميتة والمنخنقة ، إلى قوله: "وما ذبح" على النصب [المائدة:3] روي عن ابن عباس .

والثالث: أنها ذبائح كانت العرب تذبحها لأوثانها ، قاله عطاء .

والرابع: أنه عام فيما لم يسم الله عند ذبحه; وإلى هذا المعنى ذهب عبد الله بن يزيد الخطمي ، ومحمد بن سيرين .

فصل

فإن تعمد ترك التسمية ، فهل يباح؟ فيه عن أحمد روايتان . وإن تركها ناسيا أبيحت . وقال الشافعي: لا يحرم في الحالين جميعا ، وقال شيخنا علي بن عبيد الله: فإذا قلنا: إن ترك التسمية عمدا يمنع الإباحة ، فقد نسخ من هذه الآية ذبائح أهل الكتاب بقوله: وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم [المائدة:5] وعلى قول الشافعي: الآية محكمة .

قوله تعالى: وإنه لفسق يعني: وإن أكل ما لم يذكر عليه اسم الله لفسق ، أي: خروج عن الحق والدين . وفي المراد بالشياطين هاهنا قولان .

أحدهما: أنهم شياطين الجن ، روي عن ابن عباس .

والثاني: قوم من أهل فارس ، وقد ذكرناه عن عكرمة; فعلى الأول: وحيهم الوسوسة ، وعلى الثاني: وحيهم الرسالة . والمراد بـ "أوليائهم" الكفار الذين جادلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ترك أكل الميتة . ثم فيهم قولان . [ ص: 116 ] أحدهما: أنهم مشركو قريش . والثاني: اليهود; وإن أطعتموهم في استحلال الميتة إنكم لمشركون .
أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون

قوله تعالى: أومن كان ميتا فأحييناه اختلفوا فيمن نزلت على خمسة أقوال .

أحدها: أنها نزلت في حمزة بن عبد المطلب ، وأبي جهل ، وذلك أن أبا جهل رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بفرث ، وحمزة لم يؤمن بعد ، فأخبر حمزة بما فعل أبو جهل ، فأقبل حتى علا أبا جهل بالقوس ، فقال له: أما ترى ما جاء به؟ سفه عقولنا ، وسب آلهتنا ، فقال حمزة: ومن أسفه منكم ، تعبدون الحجارة من دون الله؟ أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، فنزلت هذه الآية ، هذا قول ابن عباس .

والثاني: أنها نزلت في عمار بن ياسر ، وأبي جهل ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال عكرمة .

والثالث: في عمر بن الخطاب ، وأبي جهل ، قاله زيد بن أسلم ، والضحاك .

والرابع: في النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبي جهل ، قاله مقاتل .

والخامس: أنها عامة في كل مؤمن وكافر ، قاله الحسن في آخرين .

وفي قوله: كان ميتا فأحييناه قولان .

أحدهما: كان ضالا فهديناه ، قاله مجاهد . [ ص: 117 ] والثاني: كان جاهلا ، فعلمناه ، قاله الماوردي . وقرأ نافع: "ميتا" بالتشديد . قال أبو عبيدة: الميتة ، مخففة: من ميتة ، والمعنى واحد . وفي "النور" ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه الهدى ، قاله ابن عباس . والثاني: القرآن ، قاله الحسن . والثالث: العلم . وفي قوله: يمشي به في الناس ثلاثة أقوال .

أحدها: يهتدي به في الناس ، قاله مقاتل . والثاني: يمشي به بين الناس إلى الجنة . والثالث: ينشر به دينه في الناس ، فيصير كالماشي ، ذكرهما الماوردي .

قوله تعالى: كمن مثله المثل: صلة; والمعنى كمن هو في الظلمات . وقيل: المعنى: كمن لو شبه بشيء ، كان شبيهه من في الظلمات . وقيل: المراد بالظلمات هاهنا: الكفر .

قوله تعالى: وكذلك زين أي: كما بقي هذا في ظلماته لا يتخلص منها ، كذلك زين "للكافرين ما كانوا يعملون" من الشرك والمعاصي .
وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون

قوله تعالى: وكذلك جعلنا في كل قرية أي: وكما زينا للكافرين عملهم ، فكذلك جعلنا في كل قرية فساق كل قرية أكابرها . وإنما جعل الأكابر فساق كل قرية ، لأنهم أقرب إلى الكفر بما أعطوا من الرياسة والسعة . وقال ابن قتيبة: تقدير الآية: وكذلك جعلنا في كل قرية مجرميها أكابر; "وأكابر" لا ينصرف ، وهم العظماء .

قوله تعالى: ليمكروا فيها قال أبو عبيدة: المكر: والخديعة ، والحيلة ، [ ص: 118 ] والفجور ، والغدر ، والخلاف . قال ابن عباس : ليقولوا فيها الكذب . قال مجاهد: أجلسوا على كل طريق من طرق مكة أربعة ، ليصرفوا الناس عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم ، يقولون للناس: هذا شاعر ، وكاهن .

قوله تعالى: وما يمكرون إلا بأنفسهم أي: ذلك المكر بهم يحيق .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 432.00 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 426.15 كيلو بايت... تم توفير 5.85 كيلو بايت...بمعدل (1.35%)]