|
فلسطين والأقصى الجريح ملتقى يختص بالقضية الفلسطينية واقصانا الجريح ( تابع آخر الأخبار في غزة ) |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() كَمْ خُدْعَةٍ مُورِسَتْ مِنْ كُلِّ عَالَمِنَا ![]() حَتى نُلَهَّى بِمَلهَاةٍ وَأَلعَابِ ![]() وَكَمْ خَطَايَا سَتَبْقَى فَوقَ كَاهِلِنَا ![]() وَنَحْنُ نَمْشِي عَلى عَهْدٍ لِكَذابِ ![]() مَا عَادَ فِي الأَرْضِ مَنْ يَأتِي وَيَحْضُننا ![]() مَهْمَا فَعَلْنَا فَلَنْ نَحْظَى بِإِعْجَابِ ![]() آذُوا العُرُوبَةَ فِي أغْلَى جَوَاهِرِهَا ![]() فَمَسْجِدُ القُدْسِ ذُو أَصْلٍ وَأَحْسَابِ ![]() قَدْ حَاصَرُونَا وَجَدُّوا فِي هَزِيمَتِنَا ![]() وَاليَومَ بِتْنَا بِلا عِلْمٍ وَآدَابِ ![]() داَسُوا عَلَينَا لِنَبْقَى تَحْتَ إمْرَتِهِمْ ![]() وَيَسْلُبُوا كَنْزَ أَجْدَادِي بَأَتْرَابِ ![]() وَصَارَ فِي دَمِنَا ذَنْبٌ يُرَافِقُنَا ![]() عَلى ضَيَاعٍ لِأَثْوَابٍ وَأَرْوَابِ ![]() مَا عَادَتْ القُدْسُ فِي الوِجْدَانِ حَاضِرَةٍ ![]() وَزِينَةُ العِيدِ مَا عَادَت لأَحْبَابِ ![]() قَدْ غَيَّرُوا مَا أَرَادُوا فِي علَاقَتِنَا ![]() وَهَاجَمُونَا بِأَقْلَامٍ وَكُتَّابِ ![]() الظُلمُ يَمْتَدُّ فِي شَامٍ وَفِي يَمَنٍ ![]() وَالشَّعْبُ والأرضُ أمسوا مُلْكَ أَغْرَابِ ![]() لَمْ يُدْرِكِ الأهلُ والأعرابُ رَاحَتَهُم ![]() فَرَاحَةُ البَالِ فِي أَخْذٍ بِأَسْبَابِ ![]() يُقَلِّبُ الدَهْرُ فِي أَرْضٍ وَأَزْمِنَةٍ ![]() مَا بَيْنَ مُغْتَصِبٍ أو بَيْنَ أَصْحَابِ ![]() صَبْرٌ جَمِيلٌ.. بِإِذْنِ الله مَوعِدُنَا ![]() أنْ نَدْخُلَ القدسَ فِي أَهلٍ وَأَرْبَابِ.
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() جامعة القدس د. معتز علي القطب فِي القُدسِ جَامعةٌ للعلمِ والأدبِ ![]() لَها مِن الحُبِّ ما للسورِ والقُببِ ![]() تَبسَّمت عِندمَا أعلوا مَكانتها ![]() وَحقَّقوا بَحثهم للنشرِ في الكُتبِ ![]() أشجارُ فاكهةٍ بالعلمِ مُثمرةٍ ![]() تُعطي فَواكِهَ مِثلَ التينِ والعِنبِ ![]() القُدسُ تَقطِفُ والأكنافُ قَاطبةٌ ![]() هَزَّت لِتأخُذَ ما في النخلِ من رُطبِ ![]() يا ربِّ بَارك وَراعِ كلَّ مَن زَرَعوا ![]() وأطعموا خَيرَهم للقُدسِ والعَربِ ![]() بالعلمِ ينهضُ عمرانٌ ومجتمعٌ ![]() فالنقشُ في العقلِ فاقَ النقشَ في الذَهبِ ![]() والباحثونَ لهم فَضلٌ وَمنزلةٌ ![]() والقُدسُ تَعرفُ أهلَ الفَضلِ والرُّتبِ ![]() تجاذَبَ البحثُ والإبداعُ من زمنٍ ![]() كما تَجَاذَبت الآذانُ للخُطبِ ![]() القدسُ والعلماءُ الآنَ في فرحٍ ![]() فالجدُّ في ألقٍ والهزلُ في خَربِ ![]() كم عالمٍ رائعٍ يهواكِ جَامِعَتي ![]() يجدُّ في النشرِ والأبحاثِ والطلبِ ![]() كم مبدعٍ بيننا يفدي ثرى وطني ![]() فالعلمُ في العقل والإبداع في العصبِ ![]() والمُبدعونَ عَلى عهدٍ لجامعةٍ ![]() أن يُلبسوا القدسَ أثواباً من القَصبِ ![]()
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() في القدسِ علمٌ وأبحاثٌ منوعةٌ ![]() في القدسِ جامعةٌ مرموقةُ النسبِ ![]() سفينةُ العلمِ بالأبحاثِ عامرةٌ ![]() وتبحرُ اليومَ من قطبٍ الى قُطبِ ![]() اليومَ تطلقُ في عزمٍ قَواربها ![]() تستكشفُ البحرَ أفواجٌ من النُخبِ ![]() تلك الصقورُ ومن عشٍّ بجامعةٍ ![]() تُحلقُ اليومَ فوقَ الغيمِ والسحبِ ![]() ضَخت دماءً بشريانٍ وأوردةٍ ![]() كي تُبرئ الجسمَ من ضعفٍ ومن نَصَبِ ![]() في القدسِ جامعةُ الإبداعِ حاضرةٌ ![]() في القدسِ جامعةٌ للعلمِ والأدبِ
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]()
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
![]() تأملات إيمانية وشرعية في مسألة القدس د. ياسر حسين محمود قال الله -تعالى-: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُ م بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7) عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} (الإسراء:4-8). دلت الآيات الكريمة على أن بيت المقدس وما فيه مِن المسجد الأقصى الذي بناه إبراهيم أو إسحاق أو يعقوب -عليهم السلام-، كما دل عليه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر - رضي الله عنه - لما سأله: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلَ؟ قَالَ: «المَسْجِدُ الحَرَامُ» قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ «المَسْجِدُ الأَقْصَى» قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: «أَرْبَعُونَ عَامًا». (متفق عليه)- قد وقع عليه مِن تبديل الأحوال وتسلط الكفار عليه مرات عدة، بخلاف المسجد الحرام الذي أعتقه الله مِن الجبابرة -كما هي أحد معاني البيت العتيق- فكان حتى مَن تسلط عليه مِن المشركين، كما كان قبل البعثة النبوية إلى يوم الفتح (فتح مكة)، كانوا مِن المعظمين للبيت لا مِن الراغبين في هدمه بخلاف القدس؛ فإن مَن ظهر عليها مِن الكفار كما وقع ذلك في عهد بختنصر، وكما وقع في عهد الرومان قد هدموا البلد كلها، وتبروا ودمروا ما علوا تتبيرًا، وهُدم المسجد مرات، فقد تعاقبت على القدس أمم عديدة. سبب زوال التمكين للمسلمين ودلت الآيات أيضًا: على أن سبب زوال التمكين للمسلمين عليها هو الكِبْر والفساد في الأرض، الذي أعظمه الشرك بالله، وتكذيب الأنبياء وقتلهم، كما قال -تعالى- عن بني إسرائيل: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ} (آل عمران:112). الاعتداء على حدود الله فالمعاصي والاعتداء على حدود الله وعلى الناس سببٌ لحصول الكفر بآيات الله، وتكذيب الأنبياء وقتلهم، وهذا سبب لتسليط مَن هو أكفر منهم وأشد فسادًا؛ عقوبة مِن الله -عز وجل- لهم عسى أن يراجعوا أنفسهم فيتوبوا إلى الله فيرحموا، كما قال -تعالى- في ختام هذه الآيات بعد أن ذكر الهدم الثاني للمدينة، قال -سبحانه وتعالى-: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا. عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ}، وذلك بأن يتوبوا إلى الله -عز وجل. تبدل أحوال الأمم ودلت الآيات: على أن تبدل أحوال الأمم بين القوة والضعف والتمكين، وتسلط الأعداء، هو من عند الله وبقدرته، قال -تعالى-: {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ}، فالله الذي رد لمؤمني بني إسرائيل الكرة على عدوهم مع طالوت وداود -عليه السلام-؛ لما أثمرت الدعوة إلى الله التي قام بها نبيهم ثمرتها، ووُفقت طائفة منهم للإيمان وصدقت الرغبة في الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله، والله هو الذي أمدهم بالأموال، قال -تعالى-: {وَأَمْددناكم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ}، فالأوضاع الاقتصادية ليست كما يظن بعض الناس بأيدي الأغنياء والأقوياء، فهي بيد الرزاق ذي القوة المتين، وإن كان ذلك بالأسباب، وهو الذي -سبحانه- أيضًا الذي أمدهم بالبنين، وهم الشباب المطيعون لآبائهم، العارفون لقدر سلفهم الصالح ومنزلتهم، والله هو الذي جعلهم أكثر نفيرا، قال -تعالى-: {وَجَعلناكم أَكْثَرَ نَفِيرًا}، وهو القوة العسكرية التي تنفر وتقاتل، رغم أنهم كانوا أقل مِن عدوهم؛ إذ كانوا ثلاث مائة وبضعة عشر رجلًا، كعدة أصحاب بدر كما ثبت في الصحيح، ولكنهم كانوا أقوى بالثقة بالله والإيمان به، واليقين بلقائه، {فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ} (البقرة:249-251)، ثم هم قد صاروا أكثر نفيرًا مما كانوا عليه عند سبي بابل وبعدها مما أعجزهم عن القتال، بخلاف أيام طالوت وداود، فقد كانت الهمم العظيمة مِن أمثال داود والذين يظنون أنهم ملاقو الله مِن أعظم أسباب القوة العسكرية الناجحة التي هزموا بها الأعداء -بإذن الله. قوة الأمم وضعفها يتغير ويتبدل فقوة الأمم وضعفها يتغير ويتبدل، وبالإحسان يعطينا الله مِن أسباب القوة ما ليس بأيدينا الآن، قال -تعالى-: {إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا}؛ فهذا الإحسان بيننا وبين الله بالإخلاص والمراقبة له، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الإِحْسَانُ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» (متفق عليه)، وبالإحسان بيننا وبين الناس، قال -تعالى-: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} (البقرة:83)، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم-: «وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» (رواه أحمد والترمذي، وحسنه الألباني)، فلا نظلمهم ولا نقهرهم ولا نسفك دماءهم، ولا نكون جبارين على الناس؛ فضلًا عن أبناء أمتنا وجلدتنا. حقيقة التوكل على الله وتأمل أن الله -سبحانه وتعالى- لم يرد عليهم القدس بغير أسباب، بل بالمال والشباب والقوة العسكرية، فلم يدخلوا معركة يعلمون أنهم مهزومون فيها، كما تصور بعض الناس أن التوكل على الله معناه: إلغاء حسابات القوة! وما قاتل طالوت ومعه داود إلا بعد إعداد العدة؛ ولذلك نقول: لابد من أخذ الأسباب، وليس إهدار الأسباب، كما يفعله بعض الجهال مِن أهل البدع الذين يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، ويعيشون في أحلام الوهم مِن أنهم سوف يعودون إلى القدس مع بدعتهم وظلمهم وطغيانهم! فمِن الخطأ البيِّن أن نظن أن الأحوال في القوة والضعف لا تتغير، وأعظم من ذلك خطأ وخطرًا أن نظن أنها بيد الناس! نعم هي بأسباب، لكنها بيد الله. تغيير اعتقادات الأمة وأعظم مِن ذلك خطرًا وخطيئة: أن يغير بعضهم اعتقاداتهم الإيمانية والإسلامية، بل ويسعى إلى تغيير اعتقادات الأجيال القادمة فيما يتعلق بالحق والعدل، فيجعل الباطل حقًّا؛ لأن الباطل قوي الآن، أو يجعل الحق باطلًا؛ لأن الحق ضعيف الآن، فسرعان ما يتغير ميزان القوة والضعف إذا أحسنا، وسرعان ما يزول الظلم إذا علا وأفسد، وإن كانت أعمار الأمم ربما تكون بالعقود من السنين أو القرون وليست بالسنوات المعدودة، وكل ذلك من الامتحان والابتلاء الذي يبتلي الله به العباد لينظر كيف يعملون في حال قوتهم وضعفهم؟ أحقية أهل الإيمان في القدس وأهل الإيمان والإسلام ورثوا أحقيتهم في القدس وفلسطين بمقتضى إيمانهم لا نسبهم، وقد ظن اليهود أن استحقاقهم بالقدس بمجرد النسب؛ فضلوا، وإنما استحقوها بالإيمان، فقد كانت لهم عندما كانوا مؤمنين مطيعين، ودخلوها مع يوشع بن نون لما أطاعوا الله بعد معصيتهم، أي معصية الجيل الذين قالوا لموسى -عليه السلام-: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} (المائدة:24)، وإنما كان تسلطهم في العصر الحديث من جنس تسلط بختنصر والرومان الذين هدموا القدس بالكلية، وذلك بتكذيب اليهود عيسى - عليه السلام -، ثم تكذيبهم محمدا - صلى الله عليه وسلم-؛ فلم يكن تسلطهم على القدس فعليًّا بمقتضى إيمانهم، بل بمقتضى إفساد المسلمين وبغيهم. إعادة ملكية المسجد الأقصى وأهل الإيمان والإسلام ملكوا القدس وأعادوا بناء المسجد الأقصى كما بشَّرهم نبيهم - صلى الله عليه وسلم - أنهم يملكون القدس بعد موته، كما قال في الحديث الصحيح: «اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ: مَوْتِي، ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ المَقْدِسِ» (رواه البخاري)، فملكوها في عهد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بإيمانهم وإسلامهم، وطاعتهم وجهادهم، ثم لما عصوا وفسقوا؛ تملك عليهم أهل البدع المكفِّرة: كالقرامطة، وغيرهم؛ نُزعت منهم القدس، وأخذها الصليبيون، فلما عادوا إلى الله، ونشروا السنة والعلم، مَنَّ الله عليهم بفتحها مرة أخرى، ثم عادوا إلى الفساد والعلو والبدع والشركيات كما وقع في آخر الدولة العثمانية فأخذها الاحتلال الغربي وسلَّمها لليهود، فأقاموا فيها دولتهم، ولكن أهل الإيمان والإسلام على يقين مِن عودتها، على الأقل في زمن المسيح -عليه السلام-، وندعو الله أن يكون قبل ذلك، كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن المسيح -عليه السلام- ينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، والمسلمون في صلاة الصبح، يصلي خلف إمامهم، ثم أخبر أنه يطلب المسيح الدجال فيدركه بباب لد فيقلته ويريهم دمه في حربته، وباب لد من أعمال القدس وضواحيها، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الْغَرْقَدَ، فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ» (رواه مسلم)، فهذه عقائد لا يملك أحدٌ تغييرها، ومَن تغيرت عنده؛ فهو يُخرِج نفسه مِن الأمة ويضر نفسه أعظم الضرر، ويعرِّض نفسه لأعظم الخطر. __________________
__________________
|
#6
|
||||
|
||||
![]()
__________________
|
#7
|
||||
|
||||
![]() عودة يوسف د. معتز علي القطب المَسجدُ الأقصَى رَأى بِزمانِ ![]() حُلْماً يفيضُ بِشارةً بِمَكانِ ![]() في جوفِ ليلٍ نامَ بعدَ عَنائِهِ ![]() فَأتَت لَهُ الرؤيَا بِكلِّ بيانِ ![]() سَجدَت لَهُ الدُنيا بكلِّ نُجومِهَا ![]() مِن بعدِ إذنِ الخالقِ الرَّحمنِ ![]() لَكَأنَّ قِصَّةَ يُوسفٍ قد كُرِّرت ![]() فِي المسجد الأقصى مِن الإخوانِ ![]() من أسلمَ الولدَ الجَميلَ وَخانَهُ ![]() قَد كَررَ المأساةَ بالبلدانِ ![]() مَن راحَ يكذبُ أن ذئباً ضَرَّهُ ![]() قد باعَ مَسجِدَنا الى الجُرذانِ ![]() كانت أخوَّتهم جَميعاً كذبَةً ![]() ضَرباً مِن التضليلِ والهَذَيانِ ![]() قَد أسلموا القدسَ الشريفَ وأهلَها ![]() والشامَ مع بَغدادَ للطغيانِ ![]() ألقوا الى الجبِّ السَحيقِ حضارةً ![]() والمسجدَ الأقصى مَع الأوطانِ ![]() فِي كلِّ مرحلةٍ قَميصٌ كاذبٌ ![]() يُغرِي عُيونَ الناسِ بالألوانِ ![]()
__________________
|
#8
|
||||
|
||||
![]() اليهود في القرآن العظيم ياسر برهامي الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ أستأذن قراءنا الكرام أن يكون مقالنا اليوم خارج سلسلة: "الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال" -وإن كان مرتبطًا بها في الحقيقة-؛ لبيان حقيقة الصراع الجاري على أرض فلسطين المحتلة مِن خلال القرآن العظيم. إن إدراك حقيقة الصراع بيننا وبين اليهود ضرورة حتمية؛ لتحقيق يقظة الأمة، ووعي أجيالها حول حقيقة عدوها كما بيَّنها القرآن وبيَّنها الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ حتى لا يخدعنا أحدٌ ويوهمنا: أن المشكلة في مساحةٍ مِن الأرض اغتصبها اليهود يمكن أن ينسحبوا من جزءٍ منها ويتركوها لأهل فلسطين، والحقيقة التي لا شك فيها: أن الأصل في هذا الصراع أنه صراع ديني عقدي؛ فعلى ضلالات اليهود العقدية قامت دولتهم اللقيطة. وقد رَسَّخَت نصوصنا الشرعية -كتابًا وسنةً- الموقف الذي يجب على المسلمين اتخاذه بناءً على عقيدتهم وأعمالهم وأخلاقهم، وليس على نسبهم أو قومياتهم، بل إذا غيروا عقيدتهم غيَّرنا موقفنا، (فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) (التوبة:11)، وكم من اليهود وغيرهم حين أسلموا نالوا المنازل العالية لدى أهل الإسلام: كعبد الله بن سلام -رضي الله عنه-، حبر اليهود وأعلمهم، وهو أحد المبشرين بالجنة الذين شهدوا للرسول -صلى الله عليه وسلم- بأنه النبي المذكور في التوراة، وكمحمدٍ بن كعب القرظي، وكعب الأحبار، وغيرهم. وقد بيَّن القرآن في آياتٍ كثيرةٍ حقيقةَ اليهود وسبب النزاع معهم، فمِن ذلك: قوله -سبحانه وتعالى- في فاتحة الكتاب: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ . صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) (الفاتحة:6-7). قال ابن كثير -رحمه الله-: "إن طريقة أهل الإيمان مشتملة على العلم بالحق والعمل به، واليهود فقدوا العمل، والنصارى فقدوا العلم؛ ولهذا كان الغضب لليهود، والضلال للنصارى؛ لأن مَن عَلِم وترك استحق الغضب بخلاف مَن لم يعلم، والنصارى لما كانوا قاصدين شيئًا، لكنهم لا يهتدون إلى طريقه؛ لأنهم لم يأتوا الأمر من بابه -وهو اتباع الرسول الحق- ضلُّوا، وكلٌّ مِن اليهود والنصارى ضال مغضوب عليه، لكن أخص أوصاف اليهود: "الغضب" كما قال فيهم: (مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ) (المائدة:60)، وأخص أوصاف النصارى: "الضلال" كما قال: (قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ) (المائدة:77)، وبهذا جاءت الأحاديث والآثار. روى الإمام أحمد عن عدي بن حاتم -رضي الله عنه- قال: "جاءتْ خيلُ رسولِ اللهِ -صلّى اللهُ عليه وسلَّم- وأخَذوا عمَّتي وناسًا، فلمّا أتَوْا بهم النَّبيَّ -صلّى اللهُ عليه وسلَّم- فصُفُّوا له، قالت: يا رسولَ اللهِ نأى الوافدُ وانقطَع الولَدُ، وأنا عجوزٌ كبيرةٌ ما بي مِن خِدمةٍ، فمُنَّ علَيَّ مَنَّ اللهُ عليكَ، قال -صلّى اللهُ عليه وسلَّم-: (وَمَن وافِدُكِ؟) قالت: عَديُّ بنُ حاتمٍ، قال: (الَّذي فرَّ مِن اللهِ ورسولِه؟) قالت: فَمَنَّ علَيَّ، قالت: فلما رجَع ورجلٌ إلى جَنبِه تَرى أنَّه علِيٌّ، قال: سَلِيه حُمْلانًا قالت: فسأَلْتُه فأمَر لها. قال: فأتَتْني فقالت: لقد فعَلَ فِعلةً ما كان أبوكَ يفعَلُها، فإنَّه قد أتاه فلانٌ فأصاب منه، وأتاه فلانٌ فأصاب منه؛ فأتَيْتُه فإذا عندَه امرأةٌ وصَبيّانِ -أو صبيٌّ- ذكَرَ قُرْبَهم مِن النَّبيِّ -صلّى اللهُ عليه وسلَّم- فعلِمْتُ أنَّه ليس بمُلْكِ كِسرى ولا قيصَرَ، فقال لي: (يا عديُّ بنَ حاتمٍ: ما أفَرَّكَ (أي: جعلك تفر) أنْ تقولَ: لا إلهَ إلّا اللهُ؟ فهل مِن إلهٍ إلّا اللهُ؟! ما أفَرَّكَ مِن أنْ تقولَ: اللهُ أكبَرُ؟ فهل مِن شيءٍ أكبَرُ مِن اللهِ؟!)، قال: فأسلَمْتُ ورأَيْتُ وجهَ رسولِ اللهِ -صلّى اللهُ عليه وسلَّم- قدِ استبشَر، وقال: (إنَّ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ اليهودُ، والضّالِّينَ النَّصَارَى) (رواه الترمذي وقال: "حسن غريب"، وصححه الألباني). وروى حماد بن سلمة، عن سماك، عن مُري بن قَطَري، عن عدي بن حاتم، قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن قول الله: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) قال: هم اليهود، (وَلَا الضَّالِّينَ) قال: النصارى هم الضالون. قال: وقد روي حديث عدي هذا من طرق، وله ألفاظ كثيرة يطول ذكرها. وروى عبد الرزاق عن عبد الله بن شقيق، أنه أخبره مَن سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو بِوادِي القُرى، على فَرَسِه، وسأَلَه رجلٌ مِن بني القَيْنِ، فقال: يا رسولَ اللهِ، مَن هؤلاءِ؟ قال: (هَؤُلاءِ المَغْضُوبُ عَلَيْهِمْ -وأشار إلى اليهودِ-)، فقال: مَن هَؤُلاءِ؟ (هَؤُلاءِ الضّالُّونَ) يعني النَّصارى. (رواه أحمد، وصححه الألباني). وقد روى ابن مردويه، عن أبي ذر قال: سألتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن المغضوب عليهم؟ قال: (اليَهُود)، قلتُ: الضالين، قال: (النَّصَارَى). وقال السدي، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة الهمداني، عن ابن مسعود، وعن ناسٍ مِن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) هم اليهود، (وَلَا الضَّالِّينَ) هم النصارى. وقال الضحاك، وابن جريج، عن ابن عباس: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ): اليهود، (وَلَا الضَّالِّينَ) هم النصارى. وكذلك قال الربيع بن أنس، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وغير واحد. وقال ابن أبي حاتم: ولا أعلم بين المفسرين في هذا اختلافًا" (انتهى مِن تفسير ابن كثير). ومِن ذلك قوله -سبحانه وتعالى- في بيان فساد اعتقادهم في الأسماء والصفات: (لَّقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ ? سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ) (آل عمران:181)، وبيَّن الله -سبحانه وتعالى- أنهم يصفون الله -سبحانه وتعالى- بالفقر فكفروا بذلك كما كفروا مِن قتلهم الأنبياء. وقال -سبحانه-: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ) (المائدة:64)، دلت الآية على أنهم يصفون الله -عز وجل- بالبخل وغَلِّ اليد، والله -عز وجل- هو أكرم الأكرمين، وهو -سبحانه- الغني الذي يمينه ملأى لا تغيضها نفقة، سحَّاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض؛ فإنه لم يغض ما في يمينه، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويداه -عز وجل- مبسوطتان. وقال -سبحانه وتعالى-: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ) (ق:38)، وكان هذا نزل ردًّا على اليهود في زعمهم أن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استراح في اليوم السابع! وقال -سبحانه وتعالى- في بيان فساد اعتقادهم بنسبة الولد إلى الله هم والنصارى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (التوبة:30). وقال -سبحانه وتعالى- في بيان اعتقادهم في السحر الكفري وعملهم به: (وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ . وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ... ) (البقرة:101-102) ، ودلَّ ذلك على شركهم في الربوبية بعملهم في السحر واعتقادهم فيه، واتباعهم له. وأما فساد اعتقادهم في توحيد الألوهية؛ فقد قال -سبحانه وتعالى-: (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَامُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) (الأعراف:138)، فرغم أنه لم يمضِ إلا ساعات على خروجهم من البحر بقدرة الله -عز وجل- وقد أهلك عدوهم؛ إلا أنهم طلبوا الشرك -والعياذ بالله-، وطلبوا أن يعبدوا إلهًا غيره! وقال -عز وجل- في بيان عبادتهم العجل: (وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ) (الأعراف:148)، وقال -سبحانه وتعالى-: (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ) (البقرة:93). وبيَّن -سبحانه وتعالى- كفرهم بموالاة المشركين -عباد الأوثان- عَبْر الزمان، فقال -سبحانه وتعالى-: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ . كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ . تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ . وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُون) (المائدة:78-81). وقال -سبحانه وتعالى-: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا . أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا) (النساء:51-52). والجبت: السحر، والطاغوت: الشيطان. واليهود في حقيقة أمرهم يعبدون الشيطان، ويؤمنون بالسحر، ومِن أعظم كفرهم أنهم قالوا عن كفار قريش: "إنهم أهدى مِن الرسول -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين سبيلًا!"، وهذا يدل على رضاهم بالكفر وإقرارهم به، بل ونشرهم للكفر في العالم؛ فهم الذين ينشرون الإلحاد في زماننا، والإباحية، ورؤوس أنواع الكفر الفظيع من الملحدين كانوا مِن اليهود: ككارل ماركس، كان يهوديًّا، ولينين كان يهوديًّا، وفرويد رأس الإباحية كان يهوديًّا! وقال -سبحانه وتعالى- مبيِّنًا كفرهم في قضية الحكم والتشريع: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (المائدة:41)، وفي الصحيحين عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنها نزلت في اليهوديين الذين زنيا وأتى اليهودُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-؛ ليقرهم على الجلد والتحميم الذي فارقوا به حكم التوراة، فأبى النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومع أن رجم الزاني ما زال موجودًا في التوراة إلى يومنا هذا؛ إلا أن اليهود قد تخلوا بالكلية عن أحكام التوراة في هذا الباب، ففي "سفر التثنية - الإصحاح 17": "فأخرجوا ذلك الرجل أو تلك المرأة الذي ارتكب ذلك الإثم إلى خارج المدينة، وارجموه بالحجارة حتى يموت". بل وفي الإنجيل أيضًا إثبات أن الرجم حكم التوراة في الزاني؛ إلا أن المسيح أنكر عليهم أنهم يقيمون الحد على الضعفاء، والذين يقيمونه كانوا قد استحقوا أن يُرجموا، ولكن تُركوا؛ لأنهم شرفاء في قومهم، ففي الإنجيل قال المسيح عن المرأة الزانية التي أتوه بها: "مَن كان منكم بلا خطيئةٍ فليرمها بحجر". وبيَّن -سبحانه وتعالى- فساد اعتقادهم في الأنبياء وكفرهم بهم في قوله -عز وجل-: (أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى? أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ) (البقرة:87)، وقال -عز وجل-: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (البقرة:146)، وقال -عز وجل-: (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُون) (آل عمران:112). ومن ذلك ما ذكر الله -عز وجل- في بيان فساد اعتقادهم في الكتب المنزلة وتحريفهم إيَّاها، قال -سبحانه وتعالى-: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) (البقرة:79)، وقال -سبحانه وتعالى-: (مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ) (النساء:46)، وقال -سبحانه وتعالى-: (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ) (المائدة:41)، فقد جمعوا أنواع التحريف كلها مِن: تحريف الكتابة، وتحريف اللسان، وتحريف المعاني! كما أنهم لا يقيمون التوراة والإنجيل، قال الله -عز وجل-: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) (المائدة:68). وبيَّن -سبحانه وتعالى- فساد اعتقادهم في اليوم الآخر، فقال: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) (التوبة:29)، وقال -سبحانه وتعالى-: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ . ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ) (آل عمران:23-24)، والآيات في هذا الباب كثيرة يصعب حصرها. ويجب على أهل الإسلام في كلِّ مكان أن يربوا أبناءهم على معرفة هذه الآيات واعتقادها والعمل بمقتضاها؛ ليعرفوا حقيقة عدوهم، ولا يغرهم أحدٌ عن هذه الحقيقة.
__________________
|
#9
|
||||
|
||||
![]() منهج صلاح الدين الأيوبي في إصلاح الأمة ( تقرير ) أحمد الشجاع ثمة تشابه كبير بين حال الأمة الإسلامية اليوم وحالها في عصر صلاح الدين الأيوبي، حيث الانقسامات والصراعات الداخلية تشدد في ذلك الوقت، وكثرت التهديدات الخارجية من قبل النصارى والتتار، وانتشرت حالات الفقر والاضطرابات والفوضى في أوساط المجتمعات الإسلامية. وفي ظل هذه الأوضاع أصبحت الأمة الإسلامية عرضة للسقوط والانهيار بيد الغزو الخارجي الذي كان قد بدأ يزحف على بلاد المسلمين من كل جانب. ولمعالجة هذا الوضع كان لابد من أمرين: قائد مسلم يتميز بصفات الصلاح والنجاح..ومنهج إسلامي يسير يكون مناراً يسترشد به ذلك القائد..بحيث تكون عملية إصلاح الأمة قائمة على أسس صحيحة وسليمة وقوية في شتى الجوانب..وهذا كان عليه صلاح الدين الأيوبي الذي انطلق نحو إعادة بناء الأمة بدءاً من الداخل.. فكانت الإصلاحات تستهدف مكامن الخلل ومواطن الوباء، حاملاً العلاج الرباني الشافي. وفيما يلي نبذة عن منهج صلاح الدين في عملية التغيير والإصلاح داخل الأمة الإسلامية. سيرة ومسيرة ولد صلاح الدين يوسف بن أيوب سنة 532هـ من أسرة كردية عريقة الأصل، في بلدة صغيرة من بلاد العراق تسمى (تكريت) وتولِّى والده ولاية (تكريت) في نفس الليلة التي وُلِد فيها صلاح الدين؛ لإخلاصه لـ(عماد الدين زنكي) أتابك الموصل. ثم انتقل الوالد إلى الموصل ومعه أخوه أسد الدين شيركوه، وتربى الشبل الأيوبي في كنف والده وعمه المجاهدين، وبدأ يترقى في كتائب المجاهدين، وانتدب لمرافقة عمه أسد الدين عندما أرسل نور الدين محمود إلى مصر، وتسلم منصب وزارة التفويض بعد وفاة عمه في نهاية الدولة العبيدية، وبدأ في إرجاع مصر للخلافة السنية العباسية متدرجًا في تنفيذ هدفه النبيل، والذي اشتاقت إليه نفوس المسلمين، فعزل قضاة مصر العبيديين، وأسند أمر القضاء إلى عبد الملك بن درباس الشافعي، وقطع الأذان بـ "حي على خير العمل" وأقام الخطبة للخليفة العباسي بعد أن انقطعت الخطبة للعباسيين بمصر 208 سنوات، وبشر نور الدين محمود الخليفة العباسي بذلك، وفرح الناس، وقضى صلاح الدين على كل المحاولات الفاشلة لإرجاع مصر للخلافة العبيدية، وأحسن إلى الرعايا إحسانًا كثيرًا. كان نور الدين محمود يرى إزالة العبيدية هدفاً استراتيجياً للقضاء على الوجود النصراني، والنفوذ الباطني في بلاد الشام؛ ولذلك حرص على إعادة مصر للحكم الإسلامي الصحيح، فوضع الخطط اللازمة وأعد الجيوش المطلوبة وعين الأمراء ذوي الكفاءة المنشودة، فتمم الله له ما أراد على يد جنديه المخلص صلاح الدين الذي نفذ سياسة نور الدين الحكيمة الرشيدة. وبعد أن استقرت أمور البلاد والعباد في مصر، وانتقل نور الدين إلى ربه الغفور الرحيم، آل الأمر إلى صلاح الدين بعد فتن استطاع أن يقضي عليها، ووحد بلاد الشام ومصر تحت زعامته الفتية، وشرع في تنفيذ الأهداف المرسومة للدولة النورية. وكان من أهداف نور الدين العظيمة تحرير ديار المسلمين من النصارى وتحرير بيت المقدس، حتى إنه هيأ منبراً عظيماً لهذه الغاية، ولكنه مات قبل تحقيق هذا الهدف الغالي الذي ادخره الله لصلاح الدين، فعزم صلاح الدين على مواصلة حركة الجهاد المقدس، وفك الحصون والمدن من النصارى بالقوة بخطة واضحة محكمة، فانتصر على الفرنجة في موقعة (مرج العيون) سنة 575هـ وموقعة (بانياس) وأسر رؤساءهم ودمر حصن الأحزان في صفد، وما زال يناوش الفرنجة وينتزع منهم الحصون حصناً بعد حصن حتى تجمع عنده جيش كبير في سهل حطين، حيث كانت الموقعة الكبرى التي كسرت عظام الصليبيين ومهدت لفتح القدس، وقد أسر وقتل معظم من حضرها من الفرنجة: "فمن شاهد القتلى قال: ما هناك أسير، ومن عاين الأسرى قال: ما هنالك من قتيل، ومنذ استولى الفرنج على ساحل الشام ما شفى للمسلمين كيوم حطين غليل". وبدأت بشائر التحرير بزحف جيوش صلاح الدين نحو بيت المقدس الذي استمر 92 سنة تحت سيطرة النصارى، وضربت جيوش الناصر صلاح الدين الحصار المحكم على بيت المقدس واستمر حصارها. وتذكر كتب التاريخ أن صلاح الدين عندما سار إلى بيت المقدس وصلته رسالة من أحد المأسورين في القدس فيها أبيات على لسان المسجد الأقصى: يــا أيـهـا المـلـك iiالـــذي لمعـالـم الصلـبـان نـكـس جـــاءت إلـيــك iiظـلامــة تسعى من البيت المقدس كــل المسـاجـد iiطـهــرت وأنا على شرفي iiمنجـس وبعد اشتداد الحصار على النصارى طلبوا الأمان ونزل ملك بيت المقدس يترفق السلطان وذل ذلاً عظيمًا، فأجابهم صلاح الدين، ودخل المسلمون القدس ووفوا بالصلح المضروب مع النصارى، وشرعوا في تنظيف المسجد الأقصى مما كان فيه من الصلبان والرهبان والخنازير، وأعيد على ما كان عليه زمن المسلمين، وغسلت الصخرة بالماء الطهور وأعيد غسلها بماء الورد والمسك الفاخر، وأبرزت للناظرين، وقد كانت مستورة مخبوءة عن الزائرين، ووضع الصليب عن قبتها وعادت إلى حرمتها، وامتن السلطان صلاح الدين على بنات الملوك ومن معهن من النساء والصبيان والرجال، ووقعت المسامحة في كثير منهم وشفع في أناس كثير فعفا عنهم، وفرق السلطان جميع ما قبض منهم من الذهب في العسكر، ولم يأخذ منه شيئًا مما يقتني ويدخر، وكان رحمه الله كريمًا مقدامًا شجاعًا حليمًا. شخصية صلاح الدين - تقريبه للعلماء وحبهم واحترامهم واستشارتهم وإعطاؤهم المكانة اللائقة بهم، وإحياء المدارس والعلم، وحضور السلطان مجالس العلم، بل إن السلطان صلاح الدين يذهب إلى الإسكندرية مصطحباً معه ولديه علي وعثمان لحضور مجلس الإمام الحافظ. وترقى العالم كمال الدين الشهرزوري إلى مرتبة الوزارة، ومن مستشاري صلاح الدين العالم الواعظ ابن نجا الحنبلي، ووزيره القاضي الفاضل من أكابر الكتاب محباً للعلم وأهله، ومنهم نجم الدين الخبوشاني، والفقيه الشافعي، وهو الذي شجع صلاح الدين على إنهاء الدولة العبيدية وقطع الخطبة لهم، وبنا له صلاح الدين مدرسة وفوض تدريسها إليه. ومن الفقهاء الأمراء الفقيه الهكاري: "وكان جندياً شجاعاً كريماً، تفقه على الشيخ أبي القاسم البرزي واتصل بالأمير أسد الدين شيركوه، وكان يخاطب صلاح الدين بما لا يقدر عليه غيره، توفي وصلاح الدين محاصر لعكا". وكان إذا زاره عالم اهتم به جداً، ولا يتركه حتى يزوده بالمال والأمتعة له ولجيرانه وأقربائه. إن هذه الانتصارات العظيمة لا تكون إلا بوجود مثل هذا التلاحم والتعاطف بين الأمراء والعلماء، ونقل الدكتور الصلابي عن القاضي ابن شداد قوله: "وكان يجلس للعدل في كل يوم اثنين وخميس في مجلس عام يحضره الفقهاء والقضاة، وكان يفعل ذلك سفراً وحضراً. ويقول الصلابي: إن القادة الذين يحترمون العلماء والفقهاء في حقيقة عملهم هذا قد أخذوا بسنة من سنن التمكين والنصر والغلبة على الأعداء. - ومن السمات الشخصية في صلاح الدين حرصه على العدل، وكان الأمراء والوزراء من قبل يتسلطون على الناس في أموالهم وأراضيهم، والملوك يسمحون لهم بذلك إرضاءً لهم وحتى تبقى طاعتهم. - كذلك زهده في الدنيا ولذلك لم يخلف أموالاً ولا أملاكًا لجوده وكرمه وإحسانه إلى أمرائه وغيرهم، وحتى إلى أعدائه، وكان متقللاً في ملبسه، ومأكله، ومركبه، وكان لا يلبس إلا القطن والكتان والصوف. - وكان مهتماً بالعلوم في اللغة والأدب وأيام الناس، وكان يحفظ ديوان الحماسة لأبي تمام..إلى جانب اهتمامه بنشر العلم والمعرفة، يقول الدكتور أحمد أبو زيد: "يذكر التاريخ فضل صلاح الدين الأيوبي في إنشاء المدارس العلمية في جميع المدن التي كانت تحت سلطانه في مصر ودمشق والموصل وبيت المقدس، وفضل نور الشهيد الذي أنشأ في سوريا وحدها أربعة عشر معهداً. ويعطي ابن خلدون أمثلة على ما كان في بغداد وقرطبة والكوفة والبصرة والقيروان وفاس من مراكز علمية، ويتحدث عما شاهده في القاهرة من التطور العلمي وازدهار المدارس. ويؤكد أن الذي ساعد على ذلك هو ما حدث في القرنين اللذين سبقا زمانه، وبخاصة زمن صلاح الدين الأيوبي الذي وقف أراضي زراعية وبيوتاً وحوانيت على المدارس. - وكان مواظباً على الصلوات في أوقاتها في الجماعة، يقال: إنه لم تفته الجماعة في صلاة قبل وفاته بدهر طويل، حتى ولا في مرض موته، كان يدخل الإمام فيصلي به، وكان يتجشم القيام مع ضعفه. - وكان رقيق القلب سريع الدمعة عند سماع القرآن الكريم، والحديث الشريف. - وكان ضحوك الوجه كثير البشر، لا يتضجر من خير يفعله، شديد المصابرة على الخيرات والطاعات. فقه الأولويات حسن التعامل مع قضايا الأمة يأتي عبر القراءة الصحيحة في واقع الحال والظروف القائمة، وترتيب الأولويات بحسب ما تقتضيه مصلحة المسلمين.. فالأولويات تتغير بتغير الأحوال والحاجة. وقد عرض الكاتب محمد بن المختار الشنقيطي صورة من صور حكمة صلاح الدين في تعامله مع واقع الأمة. وضرب مثلاً في ذلك بتعامل صلاح الدين الأيوبي مع حكام الدولة "الفاطمية" في مصر الذين أعلنوا أنفسهم "خلفاء" مجانبةً للخلافة العباسية في بغداد، وخرجوا على جمهور الأمة في مذهبهم العقدي والفقهي خروجاً لم تفعله طائفة مسلمة معتبرة في تاريخ الإسلام، وضايقوا أهل السنة في مصر حتى أصبحت قراءة (صحيح البخاري) جريمة. ثم يؤكد الشنقيطي أنه مع كل ذلك فإن تعامل صلاح الدين الأيوبي مع هذه الدولة المارقة كان محكوماً بمنطق غير طائفي، وكان مبنياً على إدراك عميق لظروف الطوارئ التي تعيشها الأمة وهي محاصرة بين فكَّيْ الخطر الصليبي القادم من الشمال، والزحف المغولي الداهم من الشرق. أول ما يلفت النظر هنا استنجاد الحاكم الفاطمي في مصر بحاكم الشام السني نور الدين زنكي، وهو ما فتح الباب لقدوم صلاح الدين إلى مصر وعمله وزيراً للدولة الفاطمية، وقتاله الصليبيين تحت رايتها سنين عديدة، دون اعتبار للخلاف المذهبي بين الطرفين. كما يلفت النظر أيضاً أسلوب الحكمة والرحمة والوفاء الذي تعامل به صلاح الدين مع القيادة الفاطمية، حينما مال ميزان القوة لصالحه، وأصبح قائداً عسكرياً مسيطراً، ثم أخيراً ملكاً لمصر والشام، بعد وفاة الحاكم الفاطمي العاضد. ونقل الشنقيطي عن ابن شداد - كاتب صلاح الدين الخاص ومؤرخ سيرته -، وعن أبي شامة بعض الأمور التي تعكس حكمة صلاح الدين وبعد نظره. يروي ابن شداد أن نور الدين زنكي لما أرسل إلى صلاح الدين من الشام يأمره بالدعاء لخلفاء بني العباس على المنابر، وهي الإشارة الرمزية إلى البيعة لهم والتخلص من منافسيهم الفاطميين، "راجعه صلاح الدين في ذلك خوف الفتنة". وزاد أبو شامة الأمر توضيحاً بالقول: "فاعتذر صلاح الدين بالخوف من وثوب أهل مصر وامتناعهم عن الإجابة إلى ذلك، لميلهم إلى العلويين". فصلاح الدين كان حريصاً على توحيد الكلمة بترفق وتلطف، ودون استعجال أو قفز على الوقائع الاجتماعية والثقافية المتراكمة على مر الزمان. وبعد إصرار نور الدين على أن ينفذ صلاح الدين أمره، انتظر صلاح الدين حتى مرض الخليفة الفاطمي العاضد، فأقعده المرض عن حضور الصلوات وتسيير الشأن العام، فبدأ صلاح الدين في التنفيذ، ولو أراد تنفيذ الأمر في صحة الخليفة الفاطمي وقوته لفتح الباب أمام اقتتال داخلي بين المسلمين في مصر. ثم لما مات العاضد - بُعيد ذلك بمدة وجيزة - ندم صلاح الدين على استعجاله في تحويل الخطبة، وعدم التروي أكثر في الأمر. قال أبو شامة: "وأما ندمُ صلاح الدين، فبلغني أنه كان على استعجال بقطع خطبته وهو مريض، وقال: لو علمت أنه يموت من هذا المرض ما قطعتها إلى أن يموت". وقبل أن يموت العاضد لم يجد أكثر رحمة وثقة من صلاح الدين ليستودعه أبناءه ويوصيه بإكرامهم، رغم بعد الشقة المذهبية بين الطرفين. يذكر أبو شامة أن أبا الفتوح بن العاضد أخبره "أن أباه في مرضه استدعى صلاح الدين فحضر، قال: وأحضرَنا، يعني أولاده وهم جماعة صغار، فأوصاه بنا، فالتزم إكرامنا واحترامنا، رحمه الله". وبناء على وصية العاضد هذه "نقل صلاح الدين أهل العاضد إلى موضع من القصر ووكل بهم من يحفظهم"، كما يروي ابن شداد. وقد أكد أبو شامة حسن معاملة صلاح الدين لأفراد أسرة الحاكم الفاطمي، فكتب: "ونقل أهل العاضد إلى مكان منفرد، ووكل لحفظهم، وجعل أولاده وعمومته وأبناءهم في الإيوان في القصر، وجعل عندهم من يحفظهم". ونقل أبو شامة عن أبي الفتوح بن الخليفة العاضد أن صلاح الدين "جعلهم في دار برجوان في الحارة المنسوبة إليه بالقاهرة، وهي دار كبيرة واسعة، كان عيشهم فيها طيباً". ولما مات الحاكم الفاطمي لم يظهر صلاح الدين شماتة ولا غبطة برحيل عدوه المذهبي، بل "جلس السلطان للعزاء، وأغرب في الحزن والبكاء، وبلغ الغاية في إجمال أمره، والتوديع له إلى قبره"، كما يقول ابن شداد. كان صلاح الدين – الكلام للشنقيطي - مؤمناً بوحدة الأمة، حريصاَ على الارتباط بالخلافة العباسية في بغداد التي هي رمز الوحدة الإسلامية رغم ضعفها وخورها. بينما كان الفاطميون في مصر متعصبين لمذهبهم الشيعي، كما كانوا شديدي المنافسة لسلطة الخلافة في بغداد، في وقت تحتاج الأمة فيه إلى التعاضد في وجه أمواج التتار العاتية القادمة من الشرق، وصولات الصليبيين المدمرة في الشمال والغرب. لكن صلاح الدين كان يدرك أن الخلاف يجب أن يتم حسمه في ساحة الفكر، لا في ساحة المعركة، وأن هذا الخلاف مهما تعاظم وتراكم على مر القرون، ومهما تجاوز الفروع إلى الأصول، يظل خلافاً داخل البيت الواحد، لا يصلح التعامل معه بغير الحوار المتأسس على الحجة والبرهان"، حسب قول الشنقيطي. وبهذه الرؤية الحكيمة الرحيمة غير صلاح الدين وجه مصر من دولة يحكمها الفكر الشيعي إلى دولة يسود فيها الفكر السني، دون أن يجر المجتمع المسلم إلى حرب استنزاف طائفي بين السنة والشيعة. وكانت منهجية صلاح الدين هي تغيير المناخ الفكري والفقهي السائد بطريقة مترفقة هادئة دون مواجهة أو ضوضاء، فأسس صلاح الدين مدارس كثيرة في مصر والشام وفلسطين تحمل الفكر والفقه السني، منها المدرسة الناصرية والمدرسة القمحية والمدرسة السيفية في مصر، ومنها المدرسة الصلاحية في دمشق، ومدرسة بنفس الاسم في القدس. ولما كان الجامع الأزهر يومها غرة الدولة الفاطمية ومركز أيديولوجيتها وأهم إنجازاتها العلمية، لم يسع صلاح الدين إلى هدمه أو انتزاع قيادته من الفاطميين وأشياعهم من الفقهاء، وإنما انتهج إستراتيجية التفاف حكيمة للتعاطي مع هذه المؤسسة العظيمة. فنقل صلاح الدين خطبة الجمعة - وهي يومئذ رمز سيادة الحاكم وتأكيد شرعيته - من الجامع الأزهر إلى الجامع الحاكمي بالقاهرة، فهمش المؤسسة التي يسيطر عليها الفكر الفاطمي، والتف عليها بحكمة وروية، دون أن يدخل في مواجهة مفتوحة مع القوى الدينية المرتبطة بالنظام القديم. وحينما ثار ثوار على صلاح الدين، وحاولوا اغتياله واستعادة السلطة الفاطمية، وبدؤوا الاتصال بالصليبيين، عاملهم صلاح الدين بحزم، طبقاً لفعلهم لا طبقاً لفكرهم. وقد نشبت ثورات أخرى عدة تهدف إلى استعادة السلطة الفاطمية، وواجهها صلاح الدين بحزم وقوة. لكن صلاح الدين كان يؤاخذ الناس بفعلهم لا بمذهبهم، فهو لم يقتل الشيعة لأنهم شيعة أو السنة لأنهم سنة، وإنما قتل من تآمر لاسترداد حكم فاسد مترهل، عاجز عن حماية الأمة والذب عن حياضها، مفرق لكلمتها ووحدتها. وكان من بين هؤلاء المتآمرين سنة وشيعة لا ضمائر لهم، مدوا يد الوصل إلى الصليبيين المتربصين من أجل استعادة نفوذهم في مصر. وقد واجه صلاح الدين الفكر بفكر بديل، والفقه بفقه منافس، كما واجه السيف بالسيف، وهذا هو العدل والحكمة. كما اعتمد صلاح الدين طريق الترفق والتدرج في التغيير الفكري الذي ارتآه؛ لأن الجفاء في الإنكار على المخالفين من المسلمين المتلبسين ببعض البدع، دون لطف أو ترفق، أو اعتبار للمآل والثمرات، يعمق الجرح ويوسع الشرخ، دون أن يصلح الخلل أو يحقق المصلحة المرجوة. وكان صلاح الدين رجل عمل لا جدل، مدركاً أن الاستغراق في أمور الخلاف والوقوف عندها طويلاً استنزاف للذات. فعمل على استنقاذ الأمة من حالة الطوارئ التي تعيشها، بالعمل الإيجابي في ساحة الحرب وفي ساحة الفكر، ولم يستنزف جهده في أمور الخلاف والجدل النظري. وفاة عظيم خسارة أمة وبعد وفاته شعرت الأمة بحجم خسارتها العظيمة، فأمثال صلاح الدين لا تنساهم الأمة؛ لأن أمثالهم قليل وعملهم جليل.. وقد عبر عن هذه الخسارة كثير من العلماء والشعراء. فهذا قال العماد الأصبهاني رحمه الله ينقل عنه الصلابي قوله: "دخلنا عليه ليلة الأحد للعيادة ومرضه في زيادة، وفي كل يوم تضعف القلوب وتتضاعف الكروب، ثم انتقل من دار الفناء إلى دار البقاء، ومات بموته رجاء الرجال، وأظلم بغروب شمسه فضاء الإفضال ورثاه الشعراء". إلى أن قال العماد الأصبهاني مرثيته المشهورة: شمـل الهـدى والملـك عـم شتاتـه والدهـر ســاء وأقلـعـت iiحسنـاتـه بـالله أيـن الناصـر المـلـك iiالــذي لله خـالــصــة صــفـــت iiنـيــاتــه أيـن الـذي مـذ لـم يــذل iiمخشـيـة مــرجـــوة رهـبــاتــه iiوهـبــاتــه أيــن الــذي كـانـت لــه iiطاعـتـنـا مـبــذولــة ولــربـــه iiطــاعــاتــه أيـن الـذي مــا زال سلطـانًـا iiلـنـا يُـرجـى نــداه وتتـقـى iiسـطـواتـه أين الذي شـرف الزمـان iiبفضلـه وسمت على الفضـلاء iiتشريفاتـه لا تحسبوا من مات شخصاً واحداً قــد غــم كــل العالـمـيـن iiمـمـاتـه ملـك عـن الإسـلام كــان محامـيـاً أبـــداً لـمــاذا أسـلـمـتـه حُـمـاتــه قـد أظلمـت مـذ غـاب عـنـا iiدوره لـمـا خـلـت مــن بـــدره iiداراتـــه دُفن السمـاح فليـس تنشـر iiبعدمـا أودى علـى يـوم النشـور iiرفـاتـه الديـن بعـد أبـي المظفـر يـوسـف مـحـفـوفـة بـــــوروده iiحـافــاتــه مــن لليتـامـى والأرامــل iiراحـــمُ متـعـطـف مفـضـوضـة iiصـدقـاتـه لو كان في عصـر النبـي iiلأنزلـت فــي ذكـــره مـــن ذكـــره آيـاتــه بكت الصوارم والصواهل إذ iiخلت مــن سلـهـا وركوبـهـا iiعـزمـاتـه يـا وحشـة الإسـلام حيـن iiتمكنـت مـن كــل قـلـب مـؤمـن iiروعـاتـه يـا داعـيًـا للـديـن حـيـن iiتمكـنـت مـنـه الـذئـاب وأسلمـتـه رُعـاتــه ما كان ضـرك لـو أقمـت iiمراعيًـا ديـنًـا تـولـى مــذ رحـلـت iiولاتــه فـارقـت ملـكًـا غـيـر بــاق مُتعـبًـا ووصـلـت ملـكًـا بـاقـيًـا iiراحـاتــه مـن للثغـور وقـد عـداهـا iiحفـظـه مــن للجـهـاد ولــم تـعـد iiعـاداتـه ما كان أسرع عصره لما انقضـى فـكـأنـمــا سـنــواتــه iiسـاعــاتــه فعلى صلاح الديـن يوسـف iiدائمـاً رضوان رب العالمين بل iiصلواته الخلاصة بعد وفاة صلاح الدين عادت الأمة – بشكل تدريجي - إلى ما كانت عليه قبل الإصلاحات التي نفذها صلاح الدين..والسبب واضح ويمثل في غياب أمثال هؤلاء العظماء وغياب المنهج الرباني الذي يوحد الأمة. فإن لم تكن منطلقة من الشريعة الإسلامية فإن أي عمليات تغيير أو إصلاح في واقع الأمة لن يكتب له النجاح ؛ لأن ما سوى ذلك يحمل في داخله الشيء ونقيضه.. والتاريخ يشهد بأن الأمة لم تعرف ازدهاراً أو تماسكاً إلا في ظل منج الإسلام الصحيح وعلى يد قادة مصلحون مخلصون.. وأنه كلما انغمس المسلمون في ثقافات ومناهج الأمم الأخرى زاد وهنهم وهوانهم وزاد الشقاق والفراق والصراع والخضوع لتلك الأمم التي أخذوا ثقافتهم منها. المصادر - (السنة والشيعة.. دروس من صلاح الدين الأيوبي)، محمد بن المختار الشنقيطي – الجزيرة نت. - (صفحات من التاريخ الإسلامي.. الدولة الفاطمية)، الدكتور علي محمد الصلابي. - (فضل الأوقاف في بناء الحضارة الإسلامية)، الدكتور أحمد أبو زيد – مجلة التاريخ الإسلامي. - (دراسة لسقوط ثلاثين دولة إسلامية)، د. عبد الحليم عويس. - (مشاهير أعلام المسلمين)، علي بن نايف الشحود.
__________________
|
#10
|
||||
|
||||
![]()
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |