شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله - الصفحة 71 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 5003 - عددالزوار : 2122849 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4583 - عددالزوار : 1401447 )           »          الإمام شامل الداغستاني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          السيد موسى الكاظم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          الحج فوائد ومنافع دينية ودنيوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          صور من تأذي النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 13 - عددالزوار : 876 )           »          القلوب الطيبة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          الخوارج تاريخ وعقيدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 34 - عددالزوار : 3353 )           »          التربية بالإعراض (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          حرمة المال العام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11-07-2022, 08:21 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,405
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

تراجم رجال إسناد حديث: (تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه ...)

قوله: [أخبرنا أزهر بن جميل ].صدوق يغرب، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي.
[ حدثنا خالد بن الحارث ].
هو خالد بن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا شعبة ].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ وذكر عون بن أبي جحيفة ].
ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ سمعت المنذر بن جرير ].
هو المنذر بن جرير بن عبد الله البجلي، هو مقبول، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه.
[ عن أبيه ].
هو جرير بن عبد الله البجلي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صحابي مشهور، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث: (تصدقوا، فإنه سيأتي عليكم زمان يمشي الرجل بصدقته ...)

قال المصنف رحمه الله: [ أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد حدثنا شعبة عن معبد بن خالد عن حارثة رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ( تصدقوا، فإنه سيأتي عليكم زمان يمشي الرجل بصدقته، فيقول الذي يعطاها: لو جئت بها بالأمس قبلتها، فأما اليوم فلا ) ].أورد النسائي حديث حارثة بن وهب رضي الله تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( تصدقوا فإنه سيأتي على الناس زمان يمشي الإنسان بصدقته، فيقول الذي يعطاها: لو جئت بها بالأمس قبلتها، وأما اليوم فلا)، يعني معناه: تصدقوا ما دام الناس محتاجين إلى الصدقة، وما دام أن الصدقة لها وقع ولها نفع، وهناك من يستفيد منها، قبل أن يأتي يوم يكثر المال بأيدي الناس، وكل يستغني بما عنده، ويمشي الإنسان بصدقته يبحث عمن يأخذها فلا يجد من يأخذها.
يعني: ما دام أن الناس محتاجون إلى الصدقة، وما دامت الحاجة قائمة، فعلى الإنسان أن يبادر وقد أغناه الله إلى الصدقة قبل أن يأتي اليوم الذي يستغني الناس عن الناس لكثرة المال بأيديهم، ولا يحتاج أحد إلى صدقة أحد، ويتعب الإنسان يبحث عمن يأخذ صدقته فلا يجد لكثرة المال بأيدي الناس؛ لأن المال إذا كثر بأيدي الناس سهل بأيدي الناس، ولكن ما دام أنه بعض الناس يحتاجون إليه، يعني: عند ذلك يوجد الحرص عليه، لكن عندما يعرف أن الناس مستغنين ما يكون الحرص الشديد الذي يكون مثل ما إذا كان بعضهم يحتاج إلى بعض، إذا كان بعضهم يحتاج إلى بعض يوجد الحرص الشديد عليه، وأما إذا لم يحتج بعضهم إلى بعض ما يوجد الحرص الشديد عليه، يعني: ما تكون الرغبة في المال مثل الرغبة فيما إذا وجد من هو حريص على المال، ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى الحث على الصدقة، وأنه يبادر الإنسان إليها ما دام أن لها وقعاً وهناك من يتقبلها ويحتاج إليها، قبل أن يأتي الوقت الذي لا يحتاج الناس فيه إلى الصدقة لكثرة المال بأيديهم، ويكونوا كلهم أغنياء وما فيهم فقراء، بحيث يتعب الإنسان في البحث عمن يأخذ صدقة، وكل من أتى إليه قال: أنا لا أحتاج إليها، أنا عندي المال.
وهذا إخبار من رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن هذا سيقع، وأنه سيأتي الوقت الذي يكون الواقع هو كذلك، بحيث يبحث الإنسان ويمشي بصدقته ويتعب، يبحث عن من يقبلها فلا يجد أحداً يقبلها، كل استغنى بما عنده من المال الكثير.

تراجم رجال إسناد حديث: (تصدقوا، فإنه سيأتي عليكم زمان يمشي الرجل بصدقته ...)


قوله: [ أخبرنا محمد بن عبد الأعلى ].هو محمد بن عبد الأعلى البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود في القدر، والترمذي والنسائي، وابن ماجه.
[ حدثنا خالد حدثنا شعبة ].
وقد مر ذكرهما.
[ عن معبد بن خالد ].
ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن حارثة ].
هو حارثة بن وهب، صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.


الشفاعة في الصدقة

شرح حديث: (اشفعوا تشفعوا ...)


قال المصنف رحمه الله: [أخبرنا محمد بن بشار حدثنا يحيى حدثنا سفيان أخبرني أبو بردة بن عبد الله بن أبي بردة عن جده أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( اشفعوا تشفعوا، ويقضي الله عز وجل على لسان نبيه ما شاء ) ].أورد النسائي حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وأورد الترجمة: الشفاعة في الصدقة، يعني: مساعدة من هو محتاج إلى الصدقة عند من يمكنه أن يحقق تلك الرغبة، والشفاعة هي مأخوذة من الشفع، وهي هنا ضم صوت إلى صوت، يعني: يضم الشافع صوته إلى صوت الفقير عند من يستطيع تحقيق رغبة الفقير، فيكون بدل ما يكون طالب الحاجة والمحتاج فرداً في طلبه، يضم صوته إلى صوته فيكون شافعاً له، ويكون الطلب شفعاً بعد أن كان وتراً وفرداً.
أورد النسائي حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم: ( اشفعوا تشفعوا، ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء )، اشفعوا تشفعوا، والمقصود من ذلك: أن إيراد النسائي للحديث في هذه الترجمة أن المحتاج إذا لم يكن الإنسان متمكناً من قضاء حاجته، أو لا يتمكن من قضاء حاجته كلها فإنه يشفع له إلى من يكون له عوناً له في ذلك، فيشفع ويؤجر على شفاعته، سواء شفع أو لم يشفع، والله تعالى يقضي ما شاء، وما قدره الله وقضاه لا بد وأن يقع، ولا بد وأن يتم؛ لأنه ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.

تراجم رجال إسناد حديث: (اشفعوا تشفعوا ...)

قوله: [ أخبرنا محمد بن بشار ].هو الملقب بـبندار البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا يحيى ].
هو يحيى بن سعيد القطان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا سفيان ].
هو: ابن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، ثبت، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرني أبو بردة بن عبد الله بن أبي بردة ].
هو بريد، وكنيته أبو بردة ، كنيته ككنية جده أبو بردة المشهور بالكنية، وأما هذا ليس مشهوراً بالكنية، مشهوراً بالاسم الذي هو بريد ، ويأتي مكنى كما هنا بكنيته، لكنه مشهور باسمه، أما جده الذي هو ابن أبي موسى، فهو مشهور بالكنية، وقد غلبت عليه، وبريد بن عبد الله بن أبي بردة هو ثقة، يخطئ قليلاً، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن جده ].
عن جده أبو بردة ؛ لأنها رواية حفيد عن جد، وقد سبق أن مر بنا قريباً أن أبا بردة بن أبي موسى يروي عنه ابنه سعيد ، فذاك رواية ابن عن أب عن جد، وهنا رواية حفيد عن جد؛ لأن بريد بن عبد الله يروي عن جده أبو بردة، وجده أبو بردة يروي عن أبيه أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه، وأبو بردة الذي يروي عنه بريد بن عبد الله بن أبي بردة ثقة، وهو أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي موسى]
هو عبد الله بن قيس، صحابي مشهور بكنيته، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث: (اشفعوا تؤجروا)

قال المصنف رحمه الله: [ أخبرنا هارون بن سعيد حدثنا سفيان عن عمرو عن ابن منبه عن أخيه عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( إن الرجل ليسألني الشيء فأمنعه حتى تشفعوا فيه فتؤجروا، وإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: اشفعوا تؤجروا ) ].أورد النسائي حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه أنه قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الرجل ليسألني الحاجة فأمتنع من إعطائه لتشفعوا له)، وقال: (اشفعوا تؤجروا)، وقيل: أن أول الحديث أنه من كلام معاوية وأنه ليس من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن كلام الرسول: ( اشفعوا تؤجروا )، وأن معاوية يفعل هذا الفعل ليحصل منهم الشفاعة، فيحصلوا الأجر والثواب، ويشاركون في الأجر فيما شفعوا فيه، فيكون الشافع له أجر، والمشفوع له الذي أعطي، وحقق رغبة الشافع في أن يكون له أجر على ذلك، والرسول يقول: (اشفعوا تؤجروا)، يعني: إرشاداً إلى الشفاعة، وأن الإنسان يؤجر، وسواء كان قبلت الشفاعة أو لم تقبل، هو مأجور على شفاعته وعلى إحسانه.
وقد سبق أن مر بنا الحديث الذي يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: ( اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة )، قد عرفنا أن الكلمة الطيبة تكون بالرد الحسن والرد الجميل، حيث لا يستطيع أن يحقق الرغبة، وتكون أيضاً بدلالته على من يكون عنده تحقيق رغبته أو بالشفاعة له، وبذل كلمة طيبة عند من يمكنه تحقيق الرغبة، فيكون ذلك يشبه هذا الحديث في الجملة إذا فسر بأن المقصود به كونه يتكلم بكلمة طيبة يشفع بها، والحديث الذي معنا يقول: ( اشفعوا تؤجروا )، وسواء قبلت الشفاعة أو لم تقبل فأنتم مأجورون على الكلمة الطيبة التي تبذلونها في سبيل نفع إخوانكم.

تراجم رجال إسناد حديث: (اشفعوا تؤجروا)

قوله: [ أخبرنا هارون بن سعيد]. هو هارون بن سعيد الأيلي، هو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه.
[ حدثنا سفيان ].
هو ابن عيينة الهلالي المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب ا لستة.
[ عن عمرو ].
هو عمرو بن دينار المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن منبه ].
هو وهب بن منبه، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له في السنن، بل خرج له في التفسير.
[عن أخيه]
هو همام بن منبه، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن معاوية بن أبي سفيان].
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكاتب الوحي للرسول عليه الصلاة والسلام، وهو صحابي ابن صحابي، وهو من كتبة الوحي، وتولى الخلافة بعد علي رضي الله عنه بعدما تنازل له الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، فكان خليفة للمسلمين، ومكث في الخلافة عشرين سنة، من سنة واحد وأربعين إلى أن توفي سنة ستين، وهو أول ملك من ملوك المسلمين، وهو خير ملوك المسلمين، وأفضل ملوك المسلمين على الإطلاق، ما جاء بعده أفضل منه؛ لأنه ما تولى صحابي بعده، فهو آخر صحابي تولى الخلافة بعد الخلفاء الراشدين، وبعدهم الحسن ستة أشهر، وتنازل الحسن لـمعاوية فكان أول ملوك المسلمين، وهو خير ملوك المسلمين، وأفضل ملوك المسلمين؛ لأنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكاتب الوحي، وأخو أم حبيبة أم المؤمنين الذي قال عنه بعض العلماء: خال المؤمنين؛ لأنه أخو أم المؤمنين، وهو كاتب الوحي، وائتمنه الرسول صلى الله عليه وسلم على الوحي، وتكلم فيه بعض الذين ضروا أنفسهم، بأن تكلموا فيه وأعابوه، ومن المعلوم أن أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام لا يعيبهم إلا معيب، ومن تنقص أحداً منهم أو تكلم في أحد منهم فإنما يجني على نفسه، ويلحق الضرر بنفسه.

حرمة الطعن في الصحابة رضي الله عنهم

ومن المعلوم أن الكلام في آحاد الناس فيما يكرهونه يعتبر من الغيبة المحرمة، وإذا كانت في حق خير الخلق وأفضل الخلق صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فالأمر أشد أعظم أخطر، ولهذا جاء عن العلماء عن سلف هذه الأمة كلمات جميلة وحسنة عن معاوية كشأنهم في الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، وهذه طريقة أهل السنة والجماعة أن تكون ألسنتهم وقلوبهم سليمة في حق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية: ومن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتكون القلوب سليمة، والألسنة سليمة، القلوب ليس فيها بغض ولا حقد ولا غيض، والألسنة لا تتكلم بالسوء، بل تتكلم بالثناء والدعاء، والترضي عنهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وذلك لأنهم خير الناس، وأفضل الناس، وهم الواسطة بين الناس وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا نعرف حقاً ولا هدى إلا عن طريق الصحابة، وما عرفنا الكتاب والسنة إلا عن طريق الصحابة، ومنهم معاوية رضي الله عنه وأرضاه، فالصحابة هم الذين تلقوا السنن وتلقوا الوحي من الكتاب والسنة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ما عرف الناس بعدهم حقاً ولا هدى إلا عن طريقهم.
فالذي يقدح في الصحابة يقدح في الكتاب والسنة كما قال أبو زرعة الرازي رحمة الله عليه، وهو من علماء القرن الثالث الهجري: إذا رأيتم أحداً ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلموا أنه زنديق، وذلك أن الرسول حق والكتاب حق، وإنما أدى إلينا الكتاب والسنة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء -أي: الذين يقدحون في الصحابة- يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، أي: هذه الغاية؛ الغاية من قدح الصحابة إبطال الكتاب والسنة، والتخلص من الكتاب والسنة، ورفض الكتاب والسنة، والابتعاد عن الكتاب والسنة، ثم قال: والجرح بهم أولى وهم زنادقة، وذلك.
لأن القدح في المنقول قدح في الناقل، إذا كان الصحابة مقدوح فيهم، والكتاب والسنة جاء عن طريق الصحابة، إذاً الكتاب والسنة مرفوضان ومردودان؛ لأنهما جاءا عن الصحابة، ولم يصل إلى الناس حق وهدى إلا عن طريق الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، ومعاوية رضي الله عنه وأرضاه تجرأ كثير من الناس في الكلام فيه، وفي سبه، حتى الزيدية الذين هم أخف الشيعة لا يتورعون من سب معاوية، وإن كانوا لا يسبون أبا بكر وعمر ، ولكنهم يسبون معاوية، ومن السهل عليهم سب معاوية، فـمعاوية رضي الله عنه قدر مشترك بين هؤلاء المنحرفين عن منهج الحق، سواء كانوا غاليين أو كانوا دونهم، يعني: يقدحون في معاوية ويتكلمون في معاوية، وهذا خلاف ما درج عليه سلف هذه الأمة.

توجيه معنى حديث: (لا أشبع الله بطنك)

ومما يلوكونه بألسنتهم يريدون من ذلك القدح فيه، ويأتون به على سبيل الذم -مع أنه لا يذم في ذلك، بل يمدح- ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم أنه أرسل له ابن عباس ليدعوه أن يأتي إليه، فذهب إليه ووجده يأكل، ثم قال له: اذهب فادعه، فذهب ودعاه ثم قال: (لا أشبع الله بطنك!) فتجد هؤلاء المخذولين يتكلمون أو يأتون بهذا الكلام الذي قاله رسول الله عليه الصلاة والسلام، ويقولون: رواه مسلم في صحيحه، والرسول دعا عليه وقال: (لا أشبع الله بطنك!)، هذه الكلمة كيف أتى بها مسلم ؟ وكيف أوردها مسلم ؟ أوردها مسلم رحمة الله عليه بطريقة حسنة، وطريقة تدل على أنه مدح لـمعاوية وثناء على معاوية، ومنقبة لـمعاوية، وليست ذم لـمعاوية، وذلك أن مسلماً رحمه الله أورد الأحاديث المتعلقة بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم على أناس، وهو لا يريد الدعاء عليهم، كقوله لـمعاذ : (ثكلتك أمك)، وكقوله لـصفية : (عقرى حلقى) في الحج عندما حاضت، وكقوله ليتيمة أم سليم: (كبرت، لا كبرت سنك)، أورد الأحاديث المتعلقة بهذا، وآخرها قبل حديث ابن عباس في معاوية حديث أم سليم في قصة أنها أرسلت يتيمة عندها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان الرسول رآها وهي صغيرة، وقد رآها هذه المرة وقد كبرت، فقال: (أنت هي؟ كبرت لا كبرت سنك، فرجعت اليتيمة تبكي إلى أم سليم، فجاءت أم سليم مسرعة فزعة، قال: ما لك يا أم سليم! قالت: إنك دعوت على يتيمتي فقلت: لا كبرت سنك، قال: أما علمت يا أم سليم أنني اشترطت على ربي وقلت: اللهم من دعوت عليه بدعوة ليس لها بأهل فأبدل ذلك رحمة له وزكاءً)، بعد هذا الحديث مباشرة أتى مسلم بحديث: (لا أشبع الله بطنك!)، فاعتبروا هذا من مناقبه، وأنه بدل ما كان دعوة عليه تكون دعوة له؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم من دعوت عليه بدعوة ليس لها بأهل فأبدل ذلك له زكاءً ورحمة)، يعني: معاوية يكون من هذا الذي قيل فيه هذا الكلام، هذا هو الذي فعله مسلم، فأولئك المخذولون الذين يأتون بمثل هذا الحديث للذم هو في الحقيقة مسلم جاء به للمدح، وجاء به بأنه دعاء عليه وهو داخل تحت هذا الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: ( اللهم من دعوت عليه بدعوة ليس لها بأهل فأبدل ذلك له زكاءً ورحمة ).فهذا من دقة الإمام مسلم ، وحسن ترتيبه، وحسن تنظيمه لكتابه، وأنه حسن الترتيب؛ إذ أورد هذا الحديث بعد تلك الأحاديث، فهو في مقام المدح وليس في مقام الذم.
و معاوية رضي الله تعالى عنه وأرضاه كان كما أشرت من قبل في مناسبات، أن بعض العلماء يوصفون بالتشيع، ومنهم: الفضل بن دكين، وقد ذكر عنه ابن حجر أنه قال كلمة تدل على سلامته من التشيع، وهي قوله: ما كتبت علي الحفظة أني سببت معاوية ، وهذا يدل على سلامته من التشيع؛ لأن الشيعة يسبون معاوية، بل كما قلت: الزيدية الذين هم أخف من غيرهم في التشيع، وهم دون الرافضة يسبون معاوية وإن كانوا لا يسبون أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين.

عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة

وقد قال الطحاوي في عقيدة أهل السنة والجماعة عن أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، قال: وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان، وقال: ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نفرط في حبهم، ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم، نحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلسنا مبغضين، محبون نحن، لكن لما كان الحب فيه اعتدال وفيه غلو، قال: ولا نفرط في حبهم، فقوله: ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، خرج الجفاء الذي هو البغض، ولما كان الحب فيه غلو أتى بقيد يخرج الغلو فقال: ولا نفرط في حبهم، يعني: ما نتجاوز الحدود، بل نحبهم باعتدال وتوسط، لا نجفو ولا نغلو، لا إفراط ولا تفريط، والحق وسط بين الإفراط والتفريط، نحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نفرط في حبهم، ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم، من ذكرهم بسوء نبغضه تقرباً إلى الله عز وجل، ونعتبر هذا من خير أعمالنا وأفضل أعمالنا أننا نبغض من يبغض أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، ونبغض من يذكر أصحاب الرسول بغير الخير؛ لأنهم الواسطة بيننا وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام، وما عرفنا حقاً ولا هدى إلا عن طريق الصحابة، وإذا أراد الإنسان أن يعرف كيف يكون الخذلان للناس فيمكنه أن يتصور أن من الناس المخذولين من يبغض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكرههم ويسبهم ويعيبهم، ولا يأخذ الحق الذي يأتي عن طريقهم، ومن كان كذلك فصلته بالرسول صلى الله عليه وسلم مبتوتة مقطوعة، لا تصله بالرسول صلى الله عليه وسلم صلة ولا رابطة.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 25-07-2022, 09:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,405
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الزكاة

(406)

- (باب الاختيال في الصدقة) إلى (باب المنان بما أعطى)



حذر ديننا الحنيف من أمور عظيمة تؤدي إلى هلاك الإنسان في آخرته، ومنها: عقوق الوالدين، والمن في الأعطية، والاختيال في الصدقة النابع من الكبر والتعالي، وحث ديننا الحنيف على الصدقة سراً أو جهراً إذا اقتضت المصلحة.
الاختيال في الصدقة


شرح حديث: (... والاختيال الذي يحب الله اختيال الرجل بنفسه عند القتال وعند الصدقة...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ الاختيال في الصدقة.أخبرنا إسحاق بن منصور حدثنا محمد بن يوسف حدثنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن ابن جابر عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( إن من الغيرة ما يحب الله عز وجل، ومنها ما يبغض الله عز وجل، ومن الخيلاء ما يحب الله عز وجل، ومنها ما يبغض الله عز وجل، فأما الغيرة التي يحب الله عز وجل فالغيرة في الريبة، وأما الغيرة التي يبغض الله عز وجل فالغيرة في غير ريبة، والاختيال الذي يحب الله عز وجل اختيال الرجل بنفسه عند القتال وعند الصدقة، والاختيال الذي يبغض الله عز وجل الخيلاء في الباطل ) ].
يقول النسائي رحمه الله: [الاختيال في الصدقة] الاختيال هو: من الخيلاء، وأتى النسائي بهذه الترجمة المتعلقة بالصدقة والاختيال فيها، وأورد فيها حديثين، حديث فيه حصول الاختيال، وحديث في منع الاختيال، والمقصود بالمنع: هو كون الإنسان يعطي الصدقة وهو متكبر، ومترفع، ومتعالي، يتعاظم نفسه عند من يعطيه ويحسن إليه، وهذا هو الذي جاء في الحديث الآخر: ( كلوا وتصدقوا والبسوا من غير إسراف ولا مخيلة )، فهذا فيه منع؛ لأنه تصدق بإظهار الترفع، والتعالي، والتكبر، والتعاظم على المتصدق عليه، وأورد حديثاً آخر هو الأول، وهو أن من الخيلاء ما يحبها الله عز وجل، وهو اختيال الرجل للحرب في الجهاد في سبيل الله وفي الصدقة، ويحمل ما جاء في هذا الحديث من ذكر الاختيال الذي يحبه الله فيما يتعلق في الصدقة، هو كونه يهتز أو تهتز سجيته عند الإعطاء وفي السخاء، فيعطي الصدقة وهو مطمئن البال، طيب النفس، مسروراً فرحاً لكونه أحسن، فلا يكون هناك من، وليس هناك استكثار، وليس هناك تعالي وترفع، وإنما يتحرك أو تهتز نفسه أو تهتز سجيته في السخاء، والإعطاء عن طيب نفس، وعن سرور، وارتياح بال، من غير من ولا أذى، ومن غير تعالي ولا ترفع، فعندما يعطي يكون عنده الفرح والسرور بما أعطى، وعدم التعالي والترفع، كما يقول الشاعر:
تراه إذا ما جئته متهللاً كأنك تعطيه الذي أنت سائله
تراه إذا ما جئته متهللاً، يعني: عند السرور، وأسارير وجهه تبدو بارتياح، تدل على ارتياحه، كأنك تعطيه الذي أنت سائله، يعني: هو المعطي، ويكون شأنه كذلك، كشأن الذي يعطى وهو محتاج، فيكون عنده الفرح والسرور، وعلى هذا فالاختيال في الصدقة الذي جاء على أنه محبوب، يفسر بهذا التفسير الذي هو ليس تكبراً وتعالياً وتعاظماً، وكون الإنسان يتكبر على الفقراء والمساكين، ويتعالى عليهم ويترفع، ولكن يهتز فرحاً وسروراً، وتهتز سجيته في السخاء، والحب للخير, والحرص على نفع الناس، فيكون طيب النفس، هادئ البال، لا يستكثر ما يعطي، وإذا أعطى الكثير يعتبره قليلاً، ولا يكون عنده فيه من ولا أذى، هذا هو المراد بالاختيال الذي جاء الحديث في كونه محبوباً، وأما الاختيال المحرم، والذي لا يسوغ ولا يجوز، فهو الذي فيه التكبر، والتعالي، والترفع من المتصدق على الفقراء والمساكين.
فإذاً: هناك الاختيال المحمود الذي هو بهذا المعنى، والاختيال المذموم الذي هو بهذا المعنى، وقد أورد النسائي حديث جابر بن عتيك الأنصاري رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [( إن من الغيرة ما يحبها، ومنها ما يبغض، وأن من الخيلاء ما يحبه الله وما يبغض )]، وفي الحديث: دليل على أن الله تعالى متصف بالحب والبغض، وأنه يحب بعض الأعمال وبعض الصفات، ويبغض بعض الأعمال وبعض الصفات، كما أنه يحب أشخاصاً ويبغض أشخاصاً، يعني: فيه من يحب ومن يبغض، وفيه ما يحب وما يبغض من الصفات والأحوال.
ففي الحديث: دلالة على اتصاف الله بهاتين الصفتين، وهي: الحب والبغض، وهما كغيرهما من الصفات يثبتان لله عز وجل على ما يليق بكماله وجلاله، دون تشبيه أو تمثيل، ودون تعطيل أو تأويل، بل على حد قول الله عز وجل: ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ )[الشورى:11].
ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام بين ما المراد بالغيرة التي يحبها الله، والغيرة التي يبغضها الله، فالغيرة التي يحبها الله هي التي تكون في ريبة، فيما إذا كان الغيرة مبنية على ريبة، وعلى أمر يقتضي الغيرة، وعكسها الغيرة التي ستكون في غير ريبة، وهذا يكون في تعامل الرجل مع أهله، فهو يغار على أهله، ويحرص على بعدهم من كل شر، وسلامتهم من كل شر، واتصافهم بكل خير، وسلامتهم من كل نقص، ومن أي أمر يقدح فيهم، لكنه لا يحصل منه إساءة الظن، فيحصل الغيرة على غير أساس، ومن غير أمر يقتضيها، بل إذا وجد أمر يقتضيها، أو أمر يدفع إلى ذلك، فعند ذلك توجد الغيرة، فتكون محبوبة في هذه الحال التي هي في حال وجود الريبة، وإذا كانت مبنية على غير ريبة، وإنما على سوء ظن واتهام ليس له أساس، ويكون فيه إلحاق ضرر، وسوء عشرة، وقد يترتب على ذلك فرقة، وهي ليست مبنية على أساس، فهذه غيرة مذمومة، وهي غيرة يبغضها الله عز وجل، وتتعلق الغيرة في تعامل الرجل مع أهله، ومعاملته مع أهله.
ولهذا يذكر العلماء هذا الحديث فيما يتعلق بعشرة النساء، يعني: بعضهم يأتي به في عشرة النساء؛ لأن هذا من التعامل، ويشتمل على الغيرة التي تتعلق بالتعامل مع أهله، يعني: فيما ينبغي وفيما لا ينبغي.
ثم قال: [إن من الخيلاء ما يحبه الله عز وجل، ومنها ما يبغضه]، والخيلاء التي يحبها الله عز وجل تكون في الجهاد، وهي كون الإنسان في الجهاد يكون متصفاً بصفة الثبات، عنده قوة النفس، وقوة البأس، والصلابة، والشدة، وعدم الجبن، وعدم الخوف والذعر، بل يكون ثابت الجأش، قوي النفس، قوي البأس، كشأن المتكبر الذي ليس عنده فزع، وليس عنده خوف، يكون على هذا الوصف، وهذا شيء محمود، وكذلك الاختيال في الصدقة، وقد عرفنا معنى ذلك على أنه محبوب، وعلى أنه مما يحبه الله عز وجل، وهي كون الإنسان يعطي العطاء بارتياح، واهتزاز نفس، ووجود سجية طيبة، وسخاء وكرم، وارتياح واطمئنان، فيعطي وكأنه هو المعطى بارتياح نفس وطمأنينة، وبهدوء نفس، وطيب نفس، وهدوء بال، ومن غير من ولا أذى، ومن غير استكثار لما يعطي، بل يعطي الكثير، ويعتبر ما يعطيه قليلاً، هذا هو المراد بالخيلاء في هذا المقام الذي هو مقام المدح، ومقام كون ذلك محبوباً.
والخيلاء التي يبغضها الله هي التي تكون في الباطل، تكون بغير حق، يعني: في غير هذا السبيل، وفي غير هذه الطريق، هذه الخيلاء التي فيها التكبر على الناس، واستعظام النفس، وجحود نعمة الله عز وجل، فيكون عنده تعالي وترفع، وينظر إلى الناس وكأنه له حال، ولهم حال أخرى، ولهذا جاء في الحديث: (أن المتكبرين يحشرون كأمثال الذر)؛ لأنهم لما نفخوا أنفسهم، وتعالوا بأنفسهم يأتون في هوان، وفي صغر، وفي ذل، ويكونون كأمثال الذر، يعني: يعاملون بنقيض ما حصل منهم، كون الواحد منهم ينتفخ ويتعاظم ويتعالى، ويأتي يوم القيامة على هيئة حقيرة، وعلى هيئة تقابل هذا التعالي وهذا الترفع، فالاختيال بالباطل هو الاختيال الذي يبغضه الله عز وجل، وهو الذي لا يكون بحق، كالاختيال في الحرب الذي يدل على الثبات، وعلى قوة البأس، وعلى شدة البأس، وعلى البعد عن الخور، وعن الجبن، والضعف.

تراجم رجال إسناد حديث: (... والاختيال الذي يحب الله اختيال الرجل بنفسه عند القتال وعند الصدقة...)


قوله: [أخبرنا إسحاق بن منصور ].هو: إسحاق بن منصور بن بهرام الكوسج، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود .
[ حدثنا محمد بن يوسف ].
هو محمد بن يوسف الفريابي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا الأوزاعي ].
هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، أبو عمرو، وهو ثقة، فقيه، فقيه الشام ومحدثها، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن يحيى بن أبي كثير ].
هو يحيى بن أبي كثير اليمامي، وهو ثقة، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني محمد بن إبراهيم ].
هو محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن جابر ].
ابن جابر، هو غير منسوب، وذكر أن جابر بن عتيك الأنصاري يروي عنه ابناه عبد الرحمن وأبو سفيان، وعبد الرحمن ذكر عنه الحافظ بأنه مجهول، وأما أبو سفيان فلم يسم، ولم يذكر، ولكنه مثل أخيه؛ لأنه لم يعرف، فهو مجهول، والرواية يحتمل أن تكون عن هذا وعن هذا، وكل منهما مجهول، فلا عبرة بروايته، وعلى هذا فالإسناد فيه هذا الرجل الذي هو ابن جابر بن عتيك الذي لم يسم، وكل منهما مجهول، سواء أن يكون هذا أو هذا، والإسناد ضعيف في هذا، لكن ذكر الشيخ الألباني في إرواء الغليل: أن له شواهد يكون بها من قبيل الحسن، وذكر هذه الشواهد عن عقبة بن عامر، وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما.
وهذا الذي جاء عن ابن جابر غير مسمى جاء في سنن أبي داود، والنسائي، وابن ماجه، والترمذي.
وهذا ما خرج له إلا أبو داود، والنسائي.
أما جابر بن عتيك الأنصاري فهو صحابي، وحديثه عند أبي داود، والنسائي أيضاً.

شرح حديث: (كلوا وتصدقوا والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا يزيد حدثنا همام عن قتادة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( كلوا وتصدقوا والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة ) ]. أورد النسائي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، الذي فيه إرشاد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الأكل، والتصدق، واللبس، من غير إسراف، ولا مخيلة، من غير أن يسرف، ومن غير أن يكون هناك تكبر، يعني: في أكله، وفي لبسه، وفي تصدقه، بل يكون عنده التواضع، وعنده التوسط، والاعتدال، والله عز وجل يقول: ( وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا )[الفرقان:67]، وقال: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ [الإسراء:27]، وقال: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ [الإسراء:29]، فالتوسط والاعتدال في الأكل واللبس، وكذلك في الصدقة من غير إسراف، ومن غير خيلاء، هذا هو المطلوب، وهذا هو الذي أرشد إليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
وعلى هذا فقد عرفنا أن هذا الباب الذي عقده النسائي ، وهو الاختيال في الصدقة، أورد فيه حديثين، حديث يدل على مدحها، وعلى أنها محبوبة، وحديث يدل على أنها مذمومة، وفيه المنع منها، وقد عرفنا معنى ما هو ممدوح، ومعنى ما هو مذموم.

تراجم رجال إسناد حديث: (كلوا وتصدقوا والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة)

قوله: [ أخبرنا أحمد بن سليمان ].هو الرهاوي ، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[ حدثنا يزيد ].
هو يزيد بن هارون الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا همام ].
هو همام بن يحيى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن قتادة ].
هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عمرو بن شعيب ].
هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، وأصحاب السنن الأربعة.
[ عن أبيه ].
هو شعيب بن محمد، وهو صدوق أيضاً، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وفي جزء القراءة، وأصحاب السنن الأربعة.
وشعيب بن محمد يروي عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، صحابي ابن صحابي، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين اشتهروا بهذا اللقب، مع أنه يوجد في أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام مما يسمى عبد الله كثير، ولكن غلب على هؤلاء الأربعة، الذين هم من صغار الصحابة هذا اللقب، فإذا قيل عن مسألة من المسائل: قال بها العبادلة الأربعة، أو ذكر العبادلة الأربعة بهذا اللقب، فالمراد به هؤلاء الذين هم من صغار الصحابة، وهم: عبد الله بن عمرو، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهم، وعن الصحابة أجمعين.
وهؤلاء الأربعة صحابة أبناء صحابة، عبد الله بن عباس ، صحابي ابن صحابي، وعبد الله بن الزبير ، صحابي ابن صحابي، وعبد الله بن عمر ، صحابي ابن صحابي، وعبد الله بن عمرو ، صحابي ابن صحابي.


باب أجر الخازن إذا تصدق بإذن مولاه

شرح حديث: (... الخازن الأمين الذي يعطي ما أمر به طيباً بها نفسه أحد المتصدقين)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب أجر الخازن إذا تصدق بإذن مولاه. أخبرنا عبد الله بن الهيثم بن عثمان حدثنا عبد الرحمن بن مهدي: حدثنا سفيان عن بريد بن أبي بردة عن جده عن أبي موسى رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، وقال: الخازن الأمين الذي يعطي ما أمر به طيباً بها نفسه أحد المتصدقين ) ].
أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: [أجر الخازن إذا تصدق بإذن مولاه] يعني: هذه الترجمة فيها أن الخازن المسئول عن حفظ المال، والمحافظة على المال، إذا تصدق بإذن مولاه، وأدى ما أذن له بتأديته، فإنه يكون شريكاً في الأجر، ويكوه له نصيب في الأجر، وهو أحد المتصدقين، أي: المالك والمباشر، المتصدق الذي هو المالك بما كسب، والخازن بما باشر ونفذ، فهذا مأجور على اكتسابه وتحصيله، وإذنه بالإعطاء والتصدق، وهذا مأجور على مباشرته، وكونه واسطة بين صاحب المال وبين المحتاج إلى المال الذي يعطى الصدقة.
وقد سبق أن عرفنا من قبل أن العبد، وأن المرأة يعطون من مال صاحب المال، ومن مال صاحب البيت إذا كان هناك إذن صريح، أو إذن مفهوم متعارف عليه، يعني: مما جرت به عادة غالب الناس في أنهم يتسامحون في إعطاء الفقير الشيء اليسير مما هو موجود في البيت، إذا وجد أذن صريح، أو إذن مفهوم متعارف عليه بالنسبة لما هو معهود من غالب الناس، أن مثل ذلك ليس فيه مشاحة، وليس فيه ممانعة، أما إذا كان هناك إذن، وطلب منه أن يعطي، فإنه يعطي ما يؤذن له فيه، وهو مأجور على ذلك.
وقد أورد النسائي حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: [(الخازن الأمين الذي يعطي ما أمر به طيبة به نفسه أحد المتصدقين)]، الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر وصف الخازن الذي هو أحد المتصدقين بهذه الصفات الأربع التي هي كونه أمين، يعني معناه: أنه لا يخون، ولا يجحد الشيء الذي يعطى إياه؛ لأنه إذا جحد يمكن أن يقول له: خذ وتصدق به، ثم يأخذه لنفسه ويخفيه، ويفهم صاحب المال أنه تصدق به، وقد خان؛ لأنه ليس بأمين، لكن وصفه بأنه أمين؛ لأنه لا يخون، وإنما يتصرف في المال في حدود ما أذن له فيه، كما هو شأن أهل الأمانة.
والوصف الثاني: أنه يعطي ما أمر به، فلا يمنع ما يؤمر بإعطائه، سواء كان أبقاه وزاد به مال الرجل الذي أمره بالصدقة، أو أنه خانه وأعطاه لمن يريد، أو اختص به، فكونه يكون أميناً وكونه يعطي، يعني: ما يمنع، وكونه أيضاً يعطي في حدود ما أمر به، لا يزيد ولا ينقص، الشيء المأذون له يعطي فيه، إذا قال: أعط مائة ريال، لا ينقص ولا يزيد؛ لأنه في حدود المأذون، وأن يكون أيضاً طيبة به نفسه، ما يعطي وهو كاره، أو يعطي وهو متألم، أو يعطي وهو عليه الكراهية لهذا التصرف، هذه صفات أربع وصف بها رسول الله صلى الله عليه وسلم الخازن الذي هو أحد المتصدقين: كونه أمين، وكونه يعطي، وكونه يكون في حدود المأذون به، وكونه عندما يعطي تكون طيبة به نفسه، يكون أحد المتصدقين، أي: له نصيب في الأجر، وله ثواب وأجر من الله عز وجل على تسببه وعلى توسطه في الخير، وعلى كونه واسطة في الخير.


تراجم رجال إسناد حديث: (... الخازن الأمين الذي يعطي ما أمر به طيباً بها نفسه أحد المتصدقين)


قوله: [ أخبرنا عبد الله بن الهيثم بن عثمان ].لا بأس به، وهي تعادل صدوق، كلمة لا بأس به بمعنى صدوق عند الحافظ ابن حجر ، وهي دون ثقة، إلا عند يحيى بن معين فاصطلاحه أن لا بأس به بمعنى ثقة، ولهذا يقولون: لا بأس به عند ابن معين توثيق، يعني: إذا قال عن شخص: لا بأس به، فهي بمعنى قول غيره: ثقة، يعني معناه: أنه إذا قال لا بأس، فالذي قيلت فيه تلك الكلمة لا يظن أنه ينقص عن الثقة كما هو اصطلاح غيره؛ لأنها تعادل صدوق، بل هي تعادل ثقة، وهذا اصطلاح، وإذا فهم الاصطلاح فلا مشاحة في الاصطلاح.
[ حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ].
هو عبد الرحمن بن مهدي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا سفيان ].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن بريد بن أبي بردة ].
هو بريد بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، وهو ثقة، يخطئ قليلاً، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن جده ].
هو أبو بردة بن أبي موسى الأشعري، وهو مشهور بكنيته، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبيه ].
هو عبد الله بن قيس ، صحابي مشهور، مشهور بكنيته، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهذا من رواية الأبناء عن الآباء، إلا أنه رواية حفيد عن جد، والجد يروي عن أبيه، حفيد يروي عن جده، وجده يروي عن أبيه؛ لأن بريد بن عبد الله بن أبي بردة، لا يروي عن أبيه، ولكنه يروي عن جده، وجده أبو بردة يروي عن أبيه أبو موسى الأشعري، فهي رواية حفيد عن جد، وذلك الجد يروي عن أبيه.
وقد مر بنا قريباً أن أبا بردة يروي عنه ابنه سعيد بن أبي بردة عن أبي موسى، وهذه الرواية ابن عن جد، رواية الشخص عن أبيه عن جده مباشرة.


باب المسر بالصدقة

شرح حديث: (الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة، والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب المسر بالصدقة.أخبرنا محمد بن سلمة حدثنا ابن وهب عن معاوية بن صالح عن يحيى بن سعيد عن خالد بن معدان عن كثير بن مرة عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة، والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة ) ].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: [المسر بالصدقة]، أي: الذي يخرجها سراً بدون ظهور ذلك وإعلامه، والجهر به، بحيث يعلمه الناس، ويدري عنه الناس، هذا هو المقصود، فالصدقة، التي يدفعها سراً، وليس علانية، والحكم في هذه المسألة أن فيها تفصيلاً، والله عز وجل ذكر ذلك في كتابه العزيز، فقال: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:271]، فالصدقات تجهر بها، أو تعلن أحياناً لفائدة ولمصلحة، وتخفى أحياناً حيث لا يكون هناك مصلحة في الإعلان، والإظهار، فهي تظهر فيما إذا كان هناك أمر يقتضيه، وهو أن يكون هناك رغبة في الاقتداء، رغبة في أن يقتدي به غيره، بأن يتصدق بصدقة كثيرة، ويتبعه الناس على ذلك، ويدل عليه ما جاء في الحديث الذي مر بنا بالأمس، وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما جاءه الجماعة من مضر على هيئة مؤثرة، وتأثر رسول الله صلى الله عليه وسلم مما رآه من أحوالهم، ووجوههم وملابسهم، وظهور الفاقة الشديدة عليهم، وكونه دخل في بيوته وخرج ولم يجد شيئاً يعطيهم إياه، فحث على الصدقة، فتجمع كومان من الثياب ومن الطعام، ففرح رسول الله صلى الله عليه وسلم وسر عليه الصلاة والسلام، وكان ممن تصدق رجل جاء من الأنصار بصرة كادت تعجز عنها يده، بل قد عجزت فتتابع الناس بعد ذلك وتصدقوا، فقال عليه الصلاة السلام: ( من سن في الإسلام سنة حسنة، فله أجرها وأجر من عمل بها لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن سن في الإسلام سنة سيئة، فله وزرها ووزر من عمل بها لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ).
فإذا كان الإعلان في الصدقة يترتب عليه مصلحة وفائدة، ومن غير أن يكون هناك مراءاة، ومن غير أن يكون هناك احتيال، بل بقصد حسن وبنية طيبة، فإن الجهر في هذه الحال أحسن من الإسرار، وإذا لم يكن هناك شيء من هذا، أو خاف الإنسان على نفسه من الرياء، فإنه يسر بذلك ولا يعلن، وقد جاء في الحديث ما يدل على ذلك، في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وفيهم رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، يعني: حتى شماله ما تدري ما تنفق يمينه، مبالغة في الإخفاء، يعني: في إخفائه الصدقة.
فالحاصل: إن الإعلان إذا كان أولى، ويترتب عليه مصلحة، ويترتب عليه فائدة فهو الأولى، وإذا كان ما يترتب عليه مصلحة، ولا فائدة كالاقتداء به، ففي هذه الحالة يكون الإسرار أولى.
وقد أورد النسائي حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [( الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة، والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة )]، يعني: الذي يجهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة، إذا كان الجهر بالقرآن فيه مصلحة وفيه فائدة بأن يكون هناك أحد يستمع لقراءته، ويستفيد من قراءته، فإن الجهر هنا أولى من الإسرار، فيما إذا كان شخص من الناس، يعني: يقرأ القرآن وحوله أناس، وهم يريدون أن يستمعوا لقراءته، وكونه يجهر ويسمعهم حتى يفيد ويستفيد أولى من كونه يسر وهم لا يستفيدون، وأما إذا كان الإسرار أولى بكونه ليس هناك أحد يحتاج إلى الاستماع له، أو أن الجهر يترتب عليه مضرة، بأن يوقظ نائمين، ويترتب عليه مضرة، ففي هذه الحالة يكون الإسرار أولى، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة، والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة ).
يعني: عرفنا الإسرار بالصدقة والجهر بالصدقة، ومتى يكون هذا أولى، ومتى يكون هذا أولى، وكذلك الجهر بالقرآن، والإسرار بالقرآن متى الجهر يكون أولى، ومتى يكون الإسرار أولى، إذا كان هناك استماع وحصول فائدة من التلاوة ورفع الصوت، والجهر به، بحيث يكون هناك أناس يرغبون، ويحبون أن يستمعوا للقراءة، ويستفيدوا، ويسمعوا، فهذا أمر مطلوب، والجهر أولى من الإسرار، إذا كان هناك حاجة إلى الجهر، أو يكون الجهر فيه مضرة، كإلحاق الضرر بنائمين، فإنه في هذه الحالة يكون الإسرار أولى من الجهر.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 25-07-2022, 09:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,405
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله



تراجم رجال إسناد حديث: (الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة، والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة)


قوله: [ أخبرنا محمد بن سلمة ].هو محمد بن سلمة المرادي المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
[ حدثنا ابن وهب ].
هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن معاوية بن صالح ].
هو معاوية بن صالح بن حدير، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[ عن يحيى بن سعيد ].
هو يحيى بن سعيد الأنصاري ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن خالد بن معدان ].
ثقة، يرسل كثيراً، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن كثير بن مرة ].
هو كثير بن مرة الحمصي ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، وأصحاب السنن.
[ عن عقبة بن عامر ].
هو عقبة بن عامر الجهني صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وهناك علاقة بين حديث [المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضهم بعضاً]، وبين الحديث الذي قبله، حديث أبي موسى الأشعري، [والخازن الأمين الذي يعطى].
من جهة أن هذا فيه من التعاون على الخير، وفيه المساعدة للناس، فهو يكون من حيث الصدقة والإحسان إلى الناس، وأن هذا شأن البنيان المتماسك، الذي يكون انتفاع بعضه ببعض، وكذلك أيضاً من حيث الخازن، وأن هذا فيه من التعاون على البر والتقوى، وقيامه بما أمر به، هو من التعاون على البر والتقوى، وكذلك وصول النفع إلى المحتاجين فيه حصول التماسك بين المسلمين، وشد بعضهم لأزر بعض، وتألم بعضهم لبعض، ونفع بعضهم لبعض، كما يكون قوة البنيان بتماسكه، وتماسك لبناته وشد بعضها لبعض.


المنان بما أعطى

شرح حديث: (... وثلاثة لا يدخلون الجنة... والمنان بما أعطى)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ المنان بما أعطى.أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يزيد بن زريع حدثنا عمر بن محمد عن عبد الله بن يسار عن سالم بن عبد الله عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمرأة المترجلة، والديوث، وثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، والمدمن على الخمر، والمنان بما أعطى)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: [المنان بما أعطى]، يعني: أن ذلك من الصفات الذميمة، ومن الصفات السيئة التي جاء الوعيد الشديد فيها، وبيان أنها من الكبائر، حيث جاءت الأحاديث الدالة على ما يدل على أنها كذلك، وأنها بهذا الحد الذي وصف أهلها به من جهة أنهم لا يدخلون الجنة، ومن جهة أن الله لا ينظر إليهم، ولا يكلمهم، ولهم عذاب أليم، ومنهم: المنان بما أعطى، كون الإنسان يعطي، ثم يتبع العطية مناً وأذى، يكثر من ذكر هذه العطية، ويمن بها، وإذا حصل له أي شيء قال: أنا أعطيتك كذا وكذا، وأنت ما فعلت لي كذا وكذا، هذا من، والمن محرم، والإنسان يعطي، ويترك ما أعطي، لا تتعلق به نفسه، ولا يأتي به في الذكر في المستقبل، بل يعطي ما يعطي يرجو ثواب الله عز وجل، ولا يتبع ذلك نفسه، ولا يحدث نفسه بذلك، ولا يمن على من أعطاه بما أعطاه إياه، فهي صفة ذميمة ورد فيها الوعيد الشديد الذي جاء في الأحاديث الآتية.
وقد أورد النسائي حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما الذي فيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [( ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة )].
يعني: لا ينظر الله إليهم نظر رحمة، وإلا فإن الله تعالى يرى كل شيء، ويطلع على كل شيء، ولا يغيب عن بصره شيء، فهو المطلع على كل شيء في الدنيا والآخرة، وصفاته في غاية الكمال، لا يغيب عنه شيء، ولا يخفى عليه شيء، وبصره نافذ في كل شيء سبحانه وتعالى، فقوله: (لا ينظر الله إليهم)، يعني: نظر الرحمة، وإلا فكونه يرى خلقه، ولا يخفى عليه شيء من خلقه، هذا حاصل في الدنيا والآخرة، لكن الذي نفي هو هذا النوع من النظر، كما جاء في الأحاديث: (لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم) فيه مسرة لهم، وفيه ارتياح لهم، ولكنه يكلمهم بكلام تأنيب وكلام توبيخ، الله سبحانه وتعالى قال عن الكفار: اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ [المؤمنون:108].
اخسئوا، كلمهم بهذا الكلام، لكنه كلام توبيخ، فالمنفي شيء، والمثبت شيء، فالنظر المنفي هو النظر الذي فيه رحمة وإحسان، وأما النظر الذي هو اطلاع على كل شيء، وكونه لا يغيب عن بصر الله شيء، ولا يغيب عنه شيء، وكون الله تعالى مطلع على كل شيء، هذا حاصل في الدنيا والآخرة، لكن الذي نفي هو نظر خاص، وهو النظر الذي فيه رحمة وفيه إحسان.
(لا ينظر الله إليهم، العاق لوالديه) أي: المقصر في حقوق والديه، والذي لا يؤدي ما أوجب الله عليه من الحقوق لوالديه، والله عز وجل كثيراً ما يأتي في القرآن يقرن بين حقه وحق الوالدين: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَانًا [النساء:36]، أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ [لقمان:14]، آيات كثيرة فيها الجمع بين حق الله عز وجل، وحق الوالدين، فحصول العقوق للوالدين فيه جحد للجميل، وعدم اعتراف بالجميل، وعدم مكافأة للجميل، بل والعياذ بالله مقابلة الإحسان بالإساءة، وكان الواجب أن يحسن إليهم، وأن يبرهم، وأن يحذر من عقوقهم؛ لأنهم أحسنوا إليه، وكانوا سبباً في وجوده، وربوه ونشأوه، وكان طفلاً صغيراً، ليس له من نفسه شيء، ولا ينفع نفسه شيئاً، إلا أن الله تعالى سخر له الوالدين اللذين كانا سبباً في وجوده، فكانا سبباً في تنشأته، وتربيته، حتى كان رجلاً سوياً، ثم بعد ذلك يقابل الإحسان بالإساءة، هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ [الرحمن:60]، لا يكون جزاء الإحسان إلا الإحسان، ما يكون جزاء الإحسان هو الإساءة.
[( والمرأة المترجلة )] والمرأة المترجلة، أي: المتشبهة بالرجال، التي تتشبه بالرجال في هيئتهم، ولبسهم، ومشيتهم، هذا هو الشيء المذموم، أما التشبه في الخير، والتشبه في الرغبة في العلم، وتحصيل العلم، والرأي الحسن، وما إلى ذلك، فهذا شيء محمود، وهو قدر مشترك بين الرجال والنساء؛ لأن العلم يكون للرجال ويكون للنساء، ليس خاصاً للرجال دون النساء، ولكن المحذور في الترجل هو محاولة وتكلف التشبه بالرجال في لباسهم، وفي مشيتهم وهيئتهم، هذا هو الذي حذر منه الرسول صلى الله عليه وسلم، وجاء أيضاً ما يقابله: ( لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال )، الجانبان، كل منهما مذموم، والمترجلة هي: التي تحاكي الرجال، وتتشبه بالرجال، تريد أن تأخذ صفات الرجال، في حركاتها، وفي أفعالها، وفي مشيتها ولباسها، وهو الذين يقولون عنه في المثل: أستديكت الدجاجة واستنوق الجمل، يعني: إذا كان الرجل تشبه بالنساء، يقال فيه في المثل: استنوق الجمل، يعني: صار ناقة، أو عمل على أن يكون من النوق التي هي المقابل للجمال، وبالنسبة للمرأة يقولون: استديكت الدجاجة، صارت الدجاجة تحاول أن تكون ديكاً، وأن تكون مثل الديكة.
فالمتشبهات من النساء بالرجال والعكس، كل منهما مذموم، وكل منهما ملعون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، والحديث الذي معنا يتعلق بالمترجلات من النساء، وأنهن ممن لا ينظر الله عز وجل إليها يوم القيامة.
[( والديوث )] والديوث، وهو: الذي لا يغار على أهله، أو يعلم الخبث في أهله ويسكت عليه ولا يغار، فإن هذا هو الديوث الذي هو بهذا الوصف، [لا ينظر الله إليه].
[( وثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، والمدمن على الخمر، والمنان بما أعطى )].
وثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، وهذا جاء مرة أخرى؛ لأن الذين لا ينظر إليهم جاء فيهم العاق لوالديه، وهنا جاء أيضاً في هؤلاء، ولا يدخلون الجنة، ليس المقصود من ذلك أنهم كفار، وأنهم يكونون في النار لا يخرجون منها، ولا يدخلون الجنة، بل هذا الوصف الذي هو دخول النار، والخلود فيها أبد الآباد هو شأن الكفار، الذين لا يدخلون الجنة أبداً، ولا سبيل لهم إلى الخروج من النار، وأما من مات غير مشرك بالله عز وجل، فأمره إلى الله عز وجل، إن شاء عفا عنه وتجاوز، ودخل الجنة من أول الأمر، وإن شاء دخل النار وعذبه فيها، ولكن لا بد وأن يأتي عليه وقت من الأوقات يخرج منها ويدخل الجنة، ولا يبقى فيها إلا أهلها الذين هم أهلها، وهم الكفار الذين لا يخرجون منها أبد الآباد؛ لأن الله عز وجل يقول: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:116]، والأحاديث المتواترة في إخراج أهل الكبائر من النار بشفاعة الشافعين، وبكونهم حصل لهم العذاب على جرائمهم، وبعد ذلك يخرجون من النار ويدخلون الجنة.
فإذاً: لا يدخلون الجنة فسر بأنهم لا يدخلونها من أول وهلة، وإنما يستحقون العذاب في النار لهذه الصفات، ولهذه الذنوب، وإذا شاء الله عز وجل أن يعفو عنهم، فإنهم يدخلون الجنة، ومن شاء الله أن لا يعفو عنه، فإنه يدخل النار ويعذب بها، ولكنه لا بد بعد ذلك أن يخرج من النار ويدخل الجنة؛ لأن أهل الكبائر لا يخلدون في النار، الذين يقولون بتخليد أهل الكبائر في النار هم الخوارج، الذين يكفرون بالمعاصي وبالكبائر، ويعتبرون من ارتكب كبيرة أنه خالد مخلد في النار كالكفار؛ لأنهم يعتبرونه كافر، ولا يفرقون بين من أشرك بالله عز وجل، وبين من حصل منه معصية لله عز وجل هي كبيرة، والله تعالى فصل وميز بين الشرك وما دونه فقال: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:116]، وجاءت الأحاديث المتواترة في الشفاعة لأهل الكبائر، وخروجهم من النار، ودخولهم الجنة.
[( ثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه والمدمن على الخمر )].
المدمن على الخمر، أي: الملازم لشربها، المستمر عليها، المداوم عليها، هذا هو المدمن على الخمر، المقصود من ذلك أنه إذا مات من غير توبة، أما إذا تاب فالله تعالى يتوب على من تاب، كل من تاب من ذنب فإن الله تعالى يتوب عليه، إذا تاب التوبة النصوح الصادق فيها، فإن الله يتوب على من تاب.
[والمنان بما أعطى]، وهذا هو محل الشاهد للترجمة: (والمنان بما أعطى) الذي يمن بالعطية الذي يعطيها، ويسيء إلى من أعطاه بكثرة ذكرها، وبكونه يؤذيه بذكرها، وتكون عطية تبعها المن والأذى، هذا يدل على أن المن بالعطية من الكبائر، وهي صفة ذميمة لا يفعلها الإنسان الذي عنده عقل راجح، وعنده دين وإيمان، يعني: يعرف أن مثل هذه الصفات لا تليق بالمؤمن المستقيم.

تراجم إسناد حديث: (... وثلاثة لا يدخلون الجنة... والمنان بما أعطى)


قوله: [أخبرنا عمرو بن علي ].هو الفلاس ، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا يزيد بن زريع ].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا عمر بن محمد ].
هو عمر بن محمد بن زيد العمري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[ عن عبد الله بن يسار ].
هو الأعرج، وهو مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده.
[ عن سالم بن عبد الله ].
هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وهو ثقة، فقيه، هو أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه رضي الله عنه].
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث: (ثلاثة لا يكلمهم الله عز وجل يوم القيامة ولا ينظر إليهم... والمنان عطاءه)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا محمد بن بشار عن محمد حدثنا شعبة عن علي بن المدرك عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن خرشة بن الحر عن أبي ذر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( ثلاثة لا يكلمهم الله عز وجل يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم، فقرأها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال أبو ذر رضي الله عنه: خابوا وخسروا.. خابوا وخسروا.. قال: المسبل إزاره، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب، والمنان عطاءه ) ].أورد النسائي حديث أبي ذر رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [( ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم )]، فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك [قال أبو ذر: خابوا وخسروا، خابوا وخسروا]، يعني: الذين هذا وصفهم، ثم بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه المسبل إزاره وثوبه وما يلبسه من اللباس، وهو الذي يجعله أنزل من الكعبين، هذا هو الإسبال في الثياب، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم ما أسفل من الكعبين فهو في النار ).
فحد الثياب أن تكون فوق الكعبين، ولا تنزل عن الكعبين، فإذا نزلت عن الكعبين، فهذا هو الإسبال المحرم الذي وصف أهله بهذا الوصف، والإسبال يكون عن خيلاء، ويكون عن غير خيلاء، وكله شر، وكله محرم، ولكن بعض الشر أهون من بعض، فالذي يسبل بخيلاء، وعنده التكبر، هذا مذموم، وأمره أخطر، والذي يسبل ولكن ليس عنده الخيلاء، عنده المعصية للرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء عنه النهي المطلق، وجاء عنه ذكر الخيلاء: (من جر إزاره خيلاء)، وجاء عنه الإطلاق، وجاء الأمر لمن كان مسترخياً إزاره أن يرفعه.
فالحاصل: أن الإسبال لا يقال: أنه لا يحرم إلا إذا كان للخيلاء، وإذا كان لغير الخيلاء، فإنه لا بأس، وإذا رأى إنساناً يجر ثوبه، فيقول له: ارفعه، يقول: أنا ما أجره خيلاء، هذا كلام غير صحيح؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، وقال عن المسبل أن هذا وصفه وهذا شأنه، وأمر من كان مرتخياً إزاره أن يرفعه، وعمر رضي الله عنه وأرضاه لما كان في مرض موته، وجاءه شاب وأثنى عليه، وقال: (هنيئاً لك يا أمير المؤمنين، صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحسنت صحبته، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنك راض، ولـأبي بكر كنت العضد الأيمن له، ثم وليت فعدلت، ثم شهادة، قال: وددت أن يكون ذلك كفافاً لا علي ولا لي) يعني: هؤلاء أهل الكمال، مع كمالهم ونبلهم يتواضعون لله عز وجل، هو من أهل الجنة، ويعلم أنه من أهل الجنة، ومع ذلك يقول هذا الكلام، والله تعالى يقول: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ [المؤمنون:60].
فهم جمعوا بين الكمال والتواضع، بأن الله رفعهم، وأعلى قدرهم، ومع ذلك يتواضعون لله، رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، ثم ذهب هذا الغلام، وإذا ثوبه يمس الأرض، فقال: (ردوا علي الغلام، فلما رجع قال: يا ابن أخي! ارفع ثوبك، فإنه أتقى لربك، وأبقى لثوبك)، ما قال: تجر خيلاء ولا ما تجر خيلاء، مع أنه في حالة شديدة، يسقونه اللبن فيخرج من جوفه؛ لأن بطنه مفتوح، فتحه المجوسي الذي فعل ذلك به، وهو يصلي بالناس الصبح، ومع ذلك مع شدة ما هو فيه، ما منعه ذلك عن أن يأمر بمعروف وينهى عن منكر، وأن يرشد إلى التحذير من إسبال الثياب، فقال: (ارفع ثوبك، فإنه أتقى لربك، وأبقى لثوبك)، أرشده إلى فائدة أخروية ودنيوية، فائدة دنيوية أبقى لثوبك، والأخروية والدنيوية أتقى لربك؛ لأن تقوى الله فيها خير الدنيا والآخرة، وسعادة الدنيا وسعادة الأخرى.
[المسبل إزاره، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب]، المنفق هو: المروج الذي ينفقها حتى تنفق عند الناس المشترين، إذا جاء الناس جعل يمدحها، ويثني عليها ويحلف، أنها كذا وأنها كذا، أو يقول: إنني والله اشتريتها بكذا، وهو كاذب، من أجل الناس يزيدون بالسعر على الثمن الذي اشترى به وهو كاذب، فقال: [المنفق سلعته بالحلف الكاذبة]، يعني: يروجها وينفقها بكونه يحلف وهو كاذب، والإنسان لا ينبغي له أن يحلف، ولو كان صادقاً، يعني: فيما يتعلق في البيع والشراء، فيحفظ اليمين، ويتكلم بدون حلف، وإذا حلف يكون صادقاً، لكن كونه يحلف كاذباً، ويروج السلعة بالحلف الكاذب، هذا من الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم.
ثم [المنان عطاءه]، وهذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث، الذي يمن بعطيته، وهو مثل ما تقدم.

تراجم رجال إسناد حديث: (ثلاثة لا يكلمهم الله عز وجل يوم القيامة ولا ينظر إليهم... والمنان عطاءه)


قوله: [ أخبرنا محمد بن بشار ].هو الملقب بندار البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[ عن محمد ].
هو ابن جعفر الملقب غندر ، إذا جاء محمد غير منسوب يروي عنه محمد بن بشار، أو محمد بن المثنى، وهو يروي عن شعبة، فالمراد به ابن جعفر الملقب غندر البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن شعبة ].
هو ابن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن علي بن المدرك ].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير ].
أبو زرعة بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن خرشة بن الحر ].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي ذر ].
أبو ذر الغفاري ، جندب بن جنادة، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


شرح حديث: (ثلاثة لا يكلمهم الله عز وجل يوم القيامة ولا ينظر إليهم... المنان بما أعطى...) من طريق أخرى


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا بشر بن خالد حدثنا غندر عن شعبة سمعت سليمان وهو الأعمش عن سليمان بن مسهر عن خرشة بن الحر عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( ثلاثة لا يكلمهم الله عز وجل يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: المنان بما أعطى، والمسبل إزاره، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب ) ].ثم أورد النسائي حديث أبي ذر الغفاري أيضاً، وهو مثل ما تقدم، يعني: في الثلاثة الذين مروا في الإسناد المتقدم، المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب.

تراجم رجال إسناد حديث: (ثلاثة لا يكلمهم الله عز وجل يوم القيامة ولا ينظر إليهم... المنان بما أعطى...) من طريق أخرى

قوله: [ أخبرنا بشر بن خالد ].ثقة، يغرب، أخرج له البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي .
[ حدثنا غندر عن شعبة ].
غندر ، هو محمد بن جعفر، جاء هنا بلقبه، والذي في الإسناد المتقدم باسمه محمد، وفائدة معرفة ألقاب المحدثين هو أن لا يظن الشخص الواحد شخصين؛ لأن الإسناد الأول فيه محمد وهو ابن جعفر، وهذا الإسناد فيه غندر، وغندر هو محمد بن جعفر، ذكر في الإسناد الأول باسمه, وذكر في الإسناد الثاني بلقبه.
[عن شعبة]، وقد مر ذكره.
[ سمعت سليمان وهو الأعمش ].
هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سليمان بن مسهر ].
ثقة، أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي.
[ عن خرشة بن الحر عن أبي ذر ].
وقد مر ذكرهما.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 25-07-2022, 09:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,405
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الزكاة

(407)

- (باب رد السائل) إلى (باب ثواب من يعطي)



حرص الشرع على إعانة الفقراء ولو بشيء يسير، وعلى أن من سئل بالله فليعط، وذم من لم يفعل ذلك، وذم من يجعل السؤال بالله في كل شيء، ورتب الثواب العظيم على المتصدقين وأنه من أحباب الله تعالى، ثم فسر معنى المسكين ومن هو المسكين الذي ينبغي أن يتصدق عليه.
باب رد السائل

شرح حديث: (ردوا السائل ولو بظلف...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب رد السائل:أخبرنا هارون بن عبد الله حدثنا معن حدثنا مالك (ح) وأخبرنا قتيبة بن سعيد عن مالك عن زيد بن أسلم عن ابن بجيد الأنصاري عن جدته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ردوا السائل ولو بظلف -في حديث هارون-: محرق ) ].
يقول النسائي رحمه الله: باب: رد السائل، مقصود النسائي من هذه الترجمة هو: أن السائل الذي يسأل يرد بما يمكن ولو كان ذلك شيئاً يسيراً جداً، المهم في الأمر أن يحقق له ما يريد على قدر الطاقة ولو كان ذلك إلى أقل شيء يمكن، هذا هو المقصود من هذه الترجمة؛ أن السائل يجاب أو يرد بتحقيق رغبته ولو بشيء قليل.
وقد أورد النسائي حديث أم بجيد وهي: حواء اسمها حواء صحابية، قالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ردوا السائل ولو بظلف ) زاد هارون في حديثه: ( محرق ) يعني: معناه أن السائل يرد ولو بالشيء القليل، وأنه لا ينبغي عدم تحقيق رغبته مطلقاً بل تحقق بقدر الإمكان ولو كان ذلك الشيء الذي تحقق به رغبته قليلاً، لا يستهان بالقليل إذا لم يوجد إلا هو، فإن له وقعاً وله شأناً وله فائدة لمن هو محتاج إلى ذلك القليل، وكلمة: (ولو) يعني: إشارة إلى التقليل، ومثل هذا ما جاء في الحديث: ( لا تحقرن جارة أن تهدي إلى جارتها ولو فرسن شاة ) وهو من جنس الظلف، وكذلك ( التمس ولو خاتماً من حديد )، وكذلك ( أولم ولو بشاة ) يعني: هذه أمثلة للشيء القليل الذي يفعل المأمور به ولو كان في شيء قليل.
( ردوا السائل ولو بظلف ) والظلف هو للبقر والغنم مثل: الحافر، للخيل، والبغال، والخف للإبل، فهو طرف رجلها أو يدها، وما يكون عليه من اللحم اليسير الذي هو من أقل الأشياء، أو أتفه الأشياء، فالرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى رد السائل ولو كان بظلف محرق، يعني: إشارة إلى قلته أو عدم أهميته؛ لأن هذا فيه إرشاد وتوجيه إلى أن السائل لا يرد بدون شيء، بل يرد بالشيء ولو كان يسيراً جداً.
ثم قال في رواية هارون: ( محرق ) أي: ظلف محرق؛ لأن النسائي رواه عن شيخين، الأول: هارون بن عبد الله، والثاني: قتيبة بن سعيد، فلفظ قتيبة بن سعيد: ( ولو بظلف ) فقط، وأما هارون الذي هو الشيخ الأول الذي جاء في الإسناد الأول فجاء الظلف موصوفاً بمحرق، يعني: أن رواية الشيخين اتفقت عند هذا القدر الذي هو: ( ولو بظلف ) وزاد هارون في روايته عما رواه قتيبة وصف الظلف بأنه محرق.

تراجم رجال إسناد حديث: (ردوا السائل ولو بظلف ...)

قوله: [أخبرنا هارون بن عبد الله ]هو الحمال البغدادي ، ثقة، أخرج حديثه مسلم ، وأصحاب السنن الأربعة.
[ حدثنا معن حدثنا مالك ]
هو معن بن عيسى ، ثقة، ثبت، قيل: هو أثبت أصحاب مالك، وأخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
يروي عن مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث، الفقيه، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[ ح وأخبرنا قتيبة بن سعيد ].
ثم قال: (ح) وهذه الحاء تدل على التحول من إسناد إلى إسناد.
[وأخبرنا قتيبة بن سعيد ].
هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وبغلان قرية من قرى بلخ، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن مالك عن زيد بن أسلم ].
عن مالك وقد مر ذكره، عن زيد بن أسلم ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن بجيد الأنصاري ].
ابن بجيد هو عبد الرحمن بن بجيد الأنصاري وهو معدود في الصحابة، أخرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وهنا غير منسوب ولكنه نسب في طريق أخرى ستأتي بعد أحاديث فقيل عن عبد الرحمن بن بجيد عن جدته، فلم ينسب في هذه الرواية ونسب في الرواية التي ستأتي بعد عدة أحاديث، يعني: نفس الحديث سيأتي بعد عدة أحاديث وفيه الرواية عن عبد الرحمن بن بجيد أي: تسميته، وهنا غير مسمى، وحديثه أخرجه أبو داود، والترمذي، والنسائي.
[ عن جدته ].
هي: أم بجيد وهي حواء صحابية، أخرج حديثها أبو داود ، والترمذي ، والنسائي، ولها هذا الحديث الواحد، الذي في الكتب الستة.


باب من يسأل ولا يعطى

شرح حديث: (لا يأتي رجل مولاه يسأله من فضل عنده فيمنعه إياه...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من يسأل ولا يعطي.أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا المعتمر سمعت بهز بن حكيم يحدث عن أبيه عن جده رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا يأتي رجل مولاه يسأله من فضل عنده فيمنعه إياه إلا دعي له يوم القيامة شجاع أقرع يتلمظ فضله الذي منع ) ].
ثم أورد النسائي هذه الترجمة: الذي يسأل ولا يعطي، يعني: أنه مذموم، وأن على الإنسان إذا سئل وهو قادر، ومستطيع، ومتمكن أن يحقق الرغبة بقدر الإمكان، كما مر في الحديث السابق يرد السائل ولو بأقل القليل، ما دام أنه لا يمكن إلا ذلك القليل، أورد النسائي حديث بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة، يعني: أورد النسائي حديث معاوية بن حيدة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم :
قال: [ (لا يأتي رجل مولاه يسأله من فضل عنده إلا دعي له يوم القيامة شجاع أقرع يتلمظ فضله الذي منع) ].
يعني: هذا فيه الدلالة على منع مثل ذلك، يعني: كون الإنسان يسأل ثم لا يعطي فإن ذلك مذموم، وقد جاء في هذا الحديث ما يدل على ذمه، وأن الإنسان إذا سأل رجل مولاه، والمولى يمكن أن يكون المراد به: العتيق يسأل معتقه أو القريب يسأل قريبه، أو الصديق الحميم يسأل صديقه؛ لأن المولى يشمل ما هو أعم من ذلك كما قال: يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً [الدخان:41] فالمولى عام، ويأتي خاص، ولكنه هنا المراد به العموم، ويدخل فيه العتيق وغير العتيق.
(يسأله من فضل عنده) أي: من شيء زائد فاضل عن حاجته ومستغن عنه؛ لأنه زائد على قدر حاجته وحاجة من يمون فيمنعه، يعني: فلا يعطيه من ذلك الذي تفضل الله تعالى به عليه، وهو قدر زائد على حاجته، فلا يعطيه بل يمنعه.
(فدعي له شجاع أقرع) يعني: دعي شجاع أقرع لهذا الفضل الذي منعه يتلمظه، يعني: أنه يدير لسانه عليه ويتتبع أثره كما يتلمظ الإنسان في البقايا التي في فمه بحيث يدير لسانه يحركه حتى يأتي عليها ليزيل تلك الفضلات، وتلك الأجزاء التي في فمه، أو على شفتيه، هذا هو التلمظ، يعني: يتلمظ ذلك الفضل يتبع أثره، يعني: أنه يعاقب، وأنه لا يستفيد من هذا الفضل، وأنه يدعى له شجاع أقرع يتلمظ ذلك الفضل الذي منع، فهو دال على منع تحقيق مثل هذه الرغبة بل المطلوب هو تحقيق السؤال وإجابة الطلب بقدر الإمكان، ولو كان ذلك بشيء يسير كما دل عليه الحديث الذي قبله.
والشجاع الأقرع كما عرفنا في أحاديث مضت هي الحية الغليظة، التي تمزق شعر رأسها من كثرة سمها وشدته.


تراجم رجال إسناد حديث: (لا يأتي رجل مولاه يسأله من فضل عنده فيمنعه إياه...)


قوله: [ أخبرنا محمد بن عبد الأعلى ].هو محمد بن عبد الأعلى الصنعاني البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود في القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
[ عن المعتمر ].
هو المعتمر بن سليمان بن طرخان التيمي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن بهز بن حكيم ].
هو بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة ، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن أبيه]
هو حكيم بن معاوية وهو صدوق، أيضاً أخرج له البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن معاوية بن حيدة]
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن الأربعة، يعني: معنى هذا: أن هؤلاء الثلاثة الذين خرجوا لهم متفقون، كل واحد من هؤلاء الثلاثة خرج له البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن الأربعة.


من سأل الله عز وجل

شرح حديث: (من استعاذ بالله فأعيذوه ومن سألكم بالله فأعطوه...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ من سأل بالله عز وجل.أخبرنا قتيبة حدثنا أبو عوانة عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن سألكم بالله فأعطوه، ومن استجار بالله فأجيروه، ومن آتى إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه ) ].
ثم أورد النسائي من سأل بالله عز وجل، أي: أنه يعطي حيث أمكن ذلك، ثم إنه لا ينبغي أن يسأل بالله إلا إذا كان هناك ضرورة، وهناك أمر ملجئ إلى ذلك، وأما أن يسأل بالله كل شيء، ويكون شأن الإنسان عندما يسأل يكون كل سؤاله بالله فهذا لا ينبغي؛ لأن هذا فيه إحراج وفيه إلحاق الضرر، وقد يمنع فيتأثر، وقد لا يجد المسئول بداً من المنع، ثم المسئول يجيب إذا كانت الإجابة لا ضرر فيها، وأنها ممكنة، ولا يلزم أن يجاب في كل شيء؛ لأنه لا ينبغي أن يسأل في كل شيء؛ لأنه قد يسأل عن سر من الأسرار لا يريد الإنسان أن يخبر به، فإذا سئل بالله فلا ينبغي له أن يجيبه؛ لأن الإخبار فيه ليس فيه مصلحة، بل قد يكون فيه مضرة، ولهذا لا ينبغي للإنسان أن يسأل بالله كل شيء، ومن سئل بالله وكانت الإجابة ممكنة ولا ضرر فيه، فإنه يجيبه حيث أمكن ذلك، فهذا هو المقصود من هذه الترجمة.
ثم أورد النسائي حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [( من استعاذ بالله فأعيذوه )] وفي بعض الروايات: ( من استعاذكم بالله فأعيذوه ) معناه: أنه يحقق له ما يريد ويمكن مما يريد.
[( ومن سألكم بالله فأعطوه )] يعني: من سألكم شيئاً فأعطوه إياه، لكن كما قلت: حيث أمكن ذلك؛ لأنه لا ينبغي أن يسأل بالله كل شيء، ولا يلزم أن يجيب المسئول عن كل شيء؛ لأن من الأشياء ما لا ينبغي أن يسأل عنه، وقد لا يكون للمسئول فائدة بالإجابة، بل قد يكون عليه مضرة بالإجابة، فلا يلزمه أن يجيب عن كل شيء، وإنما إذا كان السؤال في أمر لا محذور فيه ولا إشكال فيه، فإنه ينبغي أن تحقق الرغبة بأن يجاب إلى ما سأل.
[ ( ومن استجار بالله فأجيروه ) ].
[ ( ومن آتى إليكم معروفاً فكافئوه ) ].
( ومن آت إليكم ) يعني: أعطى من الإيتاء، أو من الإتيان، آتى معروفاً يعني: أعطاكم معروفاً وناولكم، فهو يصلح هذا وهذا، آتى وأتى، من أتى إليكم معروفاً ومن آتى إليكم؛ لأن أتى من الإتيان، وآتى من الإيتاء وهو الإعطاء، يعني: أتى فعل وآتى أعطى، فهو من الإتيان والإيتاء، فكافئوه على إحسانه ومعروفه، [فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تعلموا أنكم قد كافأتموه]، والإنسان إذا كان يمكن أن يكافئ بالمماثلة، أو بما هو أحسن، فهذا هو الذي ينبغي، يعني: إنسان أهدى إليك هدية تهدي إليه هدية تكافؤه عليها، لكن أهدى إليك وأنت ما عندك قدرة فأقل الأحوال أنك تدعو له إذا ما استطعت أن تكافئه، وإن جمعت بين المكافأة والدعوة فهذا أحسن، الإنسان يكافئ ويدعو، وإذ ما حصلت المكافأة فلا أقل من الدعاء له.


تراجم رجال إسناد حديث (من استعاذ بالله فأعيذوه ومن سألكم بالله فأعطوه...)


قوله: [ أخبرنا قتيبة حدثنا أبو عوانة ].قتيبة مر ذكره، وأبو عوانة هو الوضاح بن عبد الله اليشكري ، وهو ثقة، متقن أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن الأعمش ].
هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن مجاهد ].
هو مجاهد بن جبر المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عمر ].
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 25-07-2022, 09:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,405
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

من سأل بوجه الله عز وجل

شرح حديث: (... وإني أسألك بوجه الله عز وجل بم بعثك ربك إلينا؟...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ من سأل بوجه الله عز وجل.أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا معتمر سمعت بهز بن حكيم يحدث عن أبيه عن جده رضي الله عنه أنه قال: ( قلت: يا نبي الله، ما أتيتك حتى حلفت أكثر من عددهن لأصابع يديه ألا آتيك ولا آتي دينك، وإني كنت امرأً لا أعقل شيئاً إلا ما علمني الله ورسوله، وإني أسألك بوجه الله عز وجل بم بعثك ربك إلينا؟ قال: بالإسلام، قال: قلت: وما آيات الإسلام؟ قال: أن تقول: أسلمت وجهي إلى الله عز وجل وتخليت، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، كل مسلم على مسلم محرم أخوان نصيران، لا يقبل الله عز وجل من مشرك بعد ما أسلم عملاً أو يفارق المشركين إلى المسلمين ) ].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: السؤال بوجه الله، وقد مر الحديث الذي أورده النسائي هنا فيما مضى وهو بلفظ آخر: [بوحي الله]، وهنا بوجه الله، وكل من الوحي والوجه صفة من صفات الله عز وجل؛ لأن الوحي هو كلام الله، وكلام الله صفة من صفاته، والوجه صفة من صفاته، فهنا الرواية جاءت بالوجه، وقد أورد النسائي حديث معاوية بن حيدة رضي الله عنه.
[( قلت: يا نبي الله! ما أتيتك إلا وقد حلفت أكثر من عددهن )] يشير إلى أصابع يديه، يعني: معناه: أنه حلف أيماناً بعدد أصابع اليدين، ألا يأتيه ولا يأتي دينه، يعني: ألا يأتي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يأتي دين النبي صلى الله عليه وسلم ولا يدخل في هذا الدين، يعني: معناه من شدة عداوته وبغضه لهذا الدين، ثم إن الله سبحانه وتعالى فتح عليه؛ وتحول من حال البغض إلى حال الحب، ومن حال البعد والنفرة إلى حال الرغبة.
[( وإني كنت امرأً لا أعقل شيئاً إلا ما علمني الله ورسوله، وإني أسألك بوجه الله عز وجل بم بعثك ربك إلينا؟)] يعني: بأي شيء بعثك الله [( قال: بالإسلام، قال: وما آيات الإسلام؟ قال: أن تقول: أسلمت وجهي لله وتخليت، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة )] وهذا القدر قد مر فيما مضى في الحديث السابق، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أرشده إلى أن يقول: (أسلمت وجهي لله وتخليت)، وهذا يعني: أنه دخل في هذا الدين وتخلى من كل ما يخالفه من عبادة غير الله عز وجل؛ لأن: أسلمت وجهي لله وتخليت تعني: لا إله إلا الله؛ لأن تخليت تعني: لا إله، وأسلمت وجهي لله تعني: إلا الله، فهي مثل: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً [النساء:36]، مثل: لا إله إلا الله، اعبدوا الله ولا تشركوا تعادل: لا إله، وهنا: أسلمت وجهي لله تعادل إلا الله، وتخليت تعادل: لا إله، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة.
[ ( كل مسلم على مسلم محرم ) ].
وهذا مثلما جاء في الحديث: ( كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ) يعني: كل المسلم على المسلم حرام الدم، والمال، والعرض، جاء ذلك مبيناً في حديث آخر، فيحرم على الإنسان أن يتعرض لعرض أخيه، أو يتكلم في عرض أخيه، وكذلك أن يضره في بدنه بقتل أو جرح، أو أي أذى في البدن، وكذلك ماله لا يجوز له أن يأخذ شيئاً من ماله إلا بطيب نفس منه.
[( أخوان نصيران )] يعني: هذا شأن المسلم للمسلم أنه يكون نصيره، وأنه يكون أخاه، وأنه ينصره ولا يخذله كما جاء في الحديث الآخر: ( كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ) وقال قبل ذلك: ( لا يحقره ولا يخذله ولا يسلمه )..إلخ.
ثم قال عليه الصلاة والسلام: [ ( لا يقبل الله عز وجل من مشرك بعد ما أسلم عملاً، أو يفارق المشركين إلى المسلمين ) ].
يعني: أنه إذا دخل في الإسلام وهو بين أهل الكفر فعليه أن يهاجر من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، لكن إذا كان بقاؤه في بلده بين الكفار يستطيع أن يقوم بدينه وأن يؤدي شعائر دينه وأن يدعو إلى الله عز وجل وأن يسعى في إخراج الناس من الظلمات إلى النور، وأن يدعوهم لا سيما إذا كان منهم، ومن قبيلتهم، وتحترم القبيلة أفرادها ويحترم بعضهم بعضاً، فإذا كان في ذلك مصلحة، فإن البقاء من أجل هذه المصلحة أمر مطلوب، وإذا كان لا يترتب على ذلك مصلحة بل ولا يستطيع الإنسان أن يؤدي شعائر دينه فيتحتم عليه أن يترك هذا البلد، وأن يخرج منه إلى حيث يستطيع أن يؤدي شعائر الدين.
أما إذا كان يستطيع أن يدعو إلى الله عز وجل، ويستطيع أن يؤدي شعائر دينه فإن بقاءه أولى من خروجه؛ لما يترتب على ذلك من مصلحة؛ لأنه أولاً: هو في دينه ما فيه محذور، لأنه يستطيع أن يؤدي شعائر دينه، وبالنسبة لغيره ما دام أن فيه مصلحة وهو الدعوة والإرشاد إلى الخير، والدعوة إلى إخراج الناس من الظلمات إلى النور، فهذا مطلب حسن ومقصد حسن، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ( إنما الأعمال بالنيات ) فهو لم يبق في بلاد الكفار رغبة فيها بل رغبة في إخراج الناس من الظلمات إلى النور ما دام أنه متمكن من أن يؤدي شعائر دينه.


من يسأل بالله عز وجل ولا يعطي به

شرح حديث: (... وأخبركم بشر الناس... الذي يسأل بالله ولا يعطي به)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ من يسأل بالله عز وجل ولا يعطي به.أخبرنا محمد بن رافع قال: حدثنا ابن أبي فديك قال: أخبرنا ابن أبي ذئب عن سعيد بن خالد القارظي عن إسماعيل بن عبد الرحمن عن عطاء بن يسار عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أخبركم بخير الناس منزلاً؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: رجل آخذ برأس فرسه في سبيل الله عز وجل حتى يموت أو يقتل، وأخبركم بالذي يليه؟ قلنا: نعم يا رسول الله، قال: رجل معتزل في شعب يقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويعتزل شرور الناس، وأخبركم بشر الناس؟ قلنا: نعم يا رسول الله، قال: الذي يسأل بالله عز وجل ولا يعطى به)].
أورد النسائي: من يسأل بالله ولا يعطي، ضبطت بالوجهين، كما ذكر ذلك السندي أنه: يجوز بالبناء على الفاعل وبالبناء للمفعول، يعني: كونه جمع بين وصفين كونه سئل بالله ولم يحقق الرغبة ويجاب من سأل بالله، وكونه لا يعطي؛ لأن السؤال الآن بالله هو من شخص والإعطاء من شخص، فهي تستقيم إذا قيل: يسأل- بالضم- بالله ولا يعطي، أو يسأل -بالفتح- بالله ولا يعطى، يعني: تكون متفقة، ذاك الذي يسأل بالله ولا يعطى، كونه سأل بالله ولم يحصل له ما يريد، ولا ينبغي له أن يستهين بالسؤال بالله، وأن يجعل السؤال بالله أمراً سهلاً، يعني: يجري على لسانه بسهولة، بل ينبغي له أن يتحرز من ذلك كما أسلفت من قبل، لا ينبغي أن يسأل بالله كل شيء ولا أن يجاب من سأل بالله على كل شيء مما سأل عنه.
ثم أورد حديث ابن عباس وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: [(ألا أخبركم بخير الناس منزلاً؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: رجل آخذ برأس فرسه في سبيل الله عز وجل حتى يموت أو يقتل ) ].
[( ألا أخبركم بخير الناس منزلة؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: رجل آخذ برأس فرسه في سبيل الله عز وجل حتى يموت أو يقتل )] يعني: مداوم للقتال، والجهاد، يعني: ملازم له حتى يقتل في سبيل الله أو يموت بغير قتل، معناه: أنه مداوم للجهاد وملازم له فتأتيه منيته إما قتلاً، وإما موتاً بدون قتل؛ لأنه دائماً في الجهاد، فتوافيه منيته وهو يجاهد، فسواء كان ذلك عن قتل بأيدي الأعداء أو بموت بدون أن يكون هناك قتل، والمقصود من ذلك الملازمة والمداومة للجهاد، يعني: أنه آخذ بعنان فرسه مداوم على الجهاد حتى يموت أو يقتل.
[( وأخبركم بالذي يليه؟ قلنا: نعم يا رسول الله، قال: رجل معتزل في شعب يقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويعتزل شرور الناس ) ].
يعني: يبتعد عن شرور الناس ويخلص الناس من شره أيضاً، فيسلم الناس من شره ويسلم هو من شرورهم، وهذا فيه دلالة على فضل الاعتزال، ولكن حيث يكون الأمر يدعو إلى ذلك، وحيث يكون خيراً من الخلطة، أما إذا كانت الخلطة ومخالطة الناس ودعوتهم إلى الخير وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، والصبر على أذاهم ومنع نفسه من أن يصدر منه أذى على غيره فإن الخلطة تكون أحسن، وعلى هذا فالعزلة والخلطة يكون بعضهما أحسن من بعض، فالعزلة تكون أحسن حيث لا تكون تلك الأمور التي تكون الخلطة فيها أفضل، وهي كونه ينفع الناس ويصبر على أذى الناس، ويسلم الناس من شره وهو ينفعهم، وبقاؤه خير له ولهم، وإذا لم يكن بقاؤه خير له ولهم ويخشى على نفسه ولا يستطيع، فعند ذلك تكون العزلة خيراً من الخلطة، فهنا أرشد إلى فضل العزلة ولكنها حيث تكون خيراً من الخلطة، أما إذا كانت الخلطة خيراً منها فإن ترك العزلة والبقاء على مخالطة الناس أولى.
ثم قال: [ ( وأخبركم بشر الناس؟ قلنا: نعم يا رسول الله، قال: الذي يسأل بالله عز وجل ولا يعطى به ) ].
يعني: لا يقدر السؤال بالله، وقد ذكرت آنفاً أن السؤال بالله لا ينبغي أن يبتذل وأن الإنسان يسأل بالله كل شيء، وأن يسأل بالله دائماً وأبداً، وكلما يسأل يكون سؤاله بالله هذا لا يصلح، ثم السؤال أو إجابة السائل بالله فيها تفصيل، إذا كان هناك مضرة في إجابته، وليس هناك مصلحة في إجابته كأن يسأل عن سر من الأسرار التي لا ينبغي للإنسان أن يبوح بها من شئونه الخاصة التي لا حاجة إليها، فليس له أن يجيبه؛ لأن أصل السؤال ليس في محله، وإذا كان السؤال يتعلق بحاجة الإنسان وهو مضطر إليه ولا يترتب على إظهاره أو إجابته عليه مضرة فإنه عند ذلك يجاب على قدر الإمكان وحيث أمكن ذلك.
والرجل الذي يسأل بالله ولا يعطي يكون من شر الناس كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، يعني: من شر الناس؛ لأن شر الناس جاء فيه أحاديث كثيرة، شر الناس كذا وشر الناس كذا، (شر الناس ذا الوجهين) وشر الناس كذا، فهذا يعني يعتبر من رءوس شرار الناس، لكن كما قلت ليس كل سؤال بالله يحقق، ولا ينبغي أن يسأل بالله وأن يبتذل السؤال بالله.
والذي يسأل بالله في كل شيء، هذا يكون مخطئاً لا ينبغي أن يجاب، بعض الأشياء ما ينبغي أن يجاب، يسأل الإنسان عن أمور بيته، وعن شئونه الخاصة، وعن ما يجري بينه وبين أهله، أو يسأله عن مقدار ماله، أو يسأله عن أشياء الجواب فيها: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)، يعني: يجيب بهذا الحديث إذا جاء مثل هذه الأسئلة التي ليس للغير حق أن يسأل فيها.
وبعض الناس يتخذ مثل هذا الكلام، فبدلاً من: بالله يقول: والنبي، يعني: كلمة تجري على لسان الواحد منهم ما يتحدث بشيء إلا قبلها: والنبي، أو بالله، هذا حلف في الغالب ولكنه غير سائغ، الإنسان يحافظ على الأيمان لا يبتذلها، ولا يجعل الله عرضة للأيمان، بل لا يحلف إلا عند الحاجة أو حيث تكون هناك حاجة إلى الحلف إما لتأكيد أو ما إلى ذلك من الأشياء.
وينبغي بالمناسبة أنه عندما يسمع أحداً يقول: والنبي، أن يرشده إلى أن يقول: ورب النبي، يعني: يحافظ على اللفظ الذي اعتاده، ولكن يأتي قبله بالشيء الذي هو مطلوب والذي هو متعين، وهو أن الحلف إذا وجد يكون بالله لا يكون بغير الله سبحانه وتعالى.

تراجم رجال إسناد حديث: (... وأخبركم بشر الناس ... الذي يسأل بالله ولا يعطي به)


قوله: [ أخبرنا محمد بن رافع ].هو محمد بن رافع النيسابوري القشيري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
[ حدثنا ابن أبي فديك ].
هو محمد بن إسماعيل بن أبي فديك ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا ابن أبي ذئب ].
هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سعيد بن خالد القارظي ].
صدوق، أخرج له أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه.
[ عن إسماعيل بن عبد الرحمن ].
ثقة، أخرج له النسائي وحده.
[ عن عطاء بن يسار ].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عباس ].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب رضي الله عنهما، وهو أحد العبادلة الأربعة وأحد الصحابة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
هناك شخصان سبق أن مر ذكرهما أحدهما أزهر بن جميل من شيوخ النسائي، وفي بعض النسخ البخاري، ومسلم في الخلاصة، وفي التقريب، وفي تهذيب الكمال للمزي نص على أنه روى له البخاري، والنسائي وما ذكر أبا داود، بل اقتصر على ذكر البخاري، والنسائي، وفي الخلاصة: البخاري، والنسائي فقط.
وأما الشخص الذي مر قريباً وهو يحيى بن سعيد الذي يروي عنه معاوية بن صالح بن حدير وهو يروي عن خالد بن معدان، فالحديث رواه أبو داود والترمذي كما رواه النسائي، النسائي رواه من طريقين، طريق سابقة ليس فيها أحد قبل خالد بن معدان.
فـيحيى بن سعيد أو بجير بن سعد هؤلاء غير موجودين، لكن هذه الطريقة التي مرت قريباً فيها يحيى بن سعيد، ولكن عند أبي داود، وعند الترمذي، بحير بن سعد عن خالد بن معدان، وكذلك في تحفة الأشراف بحير بن سعد، وعلى هذا فالذي يظهر أن يحيى بن سعيد تصحيف وبحير قريبة من يحيى في الرسم، يعني: بحير ويحيى بعضها قريب من بعض فالتصحيف وارد، وسعيد وسعد أيضاً متقاربة، فالذي يظهر أنه بحير بن سعد وليس يحيى بن سعيد؛ لأنه أولاً في تحفة الأشراف بحير بن سعد يروي عن خالد بن معدان الحديث نفسه، ويضيفه إلى أبي داود والنسائي والترمذي، وفي سنن الترمذي بحير بن سعد، وفي سنن أبي داود بحير بن سعد، وليس في تهذيب التهذيب أن يحيى بن سعيد يروي عن خالد بن معدان، فالأظهر أنه بحير بن سعد وأن يحيى بن سعيد عند النسائي تصحيف، والتصحيف وارد؛ لأن كتابة يحيى قريبة من بحير، وكتابة سعيد قريبة من سعد.
أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة.
وزاد المزي: أخرج له في خلق أفعال العباد، هو فيما يتعلق بالنسبة لغير الصحيح لا يلتزم الإتيان بكل ما هو خارج الصحيح، وإنما يذكر في الغالب أهمها أو أشهرها.


ثواب من يعطي

شرح حديث: (... أما الذين يحبهم الله فرجل أتى قوماً فسألهم بالله... فمنعوه فتخلفه رجل بأعقابهم فأعطاه سراً...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ثواب من يعطي.أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا محمد حدثنا شعبة عن منصور سمعت ربعياً يحدث عن زيد بن ظبيان رفعه إلى أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( ثلاثة يحبهم الله عز وجل وثلاثة يبغضهم الله عز وجل، أما الذين يحبهم الله عز وجل فرجل أتى قوماً فسألهم بالله عز وجل ولم يسألهم بقرابة بينه وبينهم فمنعوه فتخلفه رجل بأعقابهم، فأعطاه سراً لا يعلم بعطيته إلا الله عز وجل والذي أعطاه، وقوم ساروا ليلتهم حتى إذا كان النوم أحب إليهم مما يعدل به نزلوا فوضعوا رءوسهم فقام يتملقني ويتلو آياتي، ورجل كان في سرية فلقوا العدو فهزموا فأقبل بصدره حتى يقتل أو يفتح الله له، والثلاثة الذين يبغضهم الله عز وجل: الشيخ الزاني، والفقير المختال، والغني الظلوم ) ].
ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي: ثواب من يعطي، يعني: أن له ثواباً عظيماً وجزاء جزيلاً من الله سبحانه وتعالى، وهنا أورد النسائي حديث أبي ذر رضي الله عنه وفيه: أن هذا الذي يعطي ممن يحبه الله عز وجل، وهذا يدل على فضله، وعلى فضل العمل الذي يقوم به؛ لأن هذا مما يحبه الله سبحانه وتعالى، ويثيب فاعله عليه، فقال عليه الصلاة والسلام: (ثلاثة يحبهم الله وثلاثة يبغضهم الله)، فذكر الثلاثة الذين يحبهم الله، وهو أن رجلاً أتى إلى قوم وسألهم بالله ولم يسألهم لقرابة بينه وبينهم، وإنما هو شخص لا قرابة له بينهم ولكنه سألهم بالله، فما أعطوه شيئاً، فتخلف رجل منهم فأعطاه سراً، يعني: أعطاه عطية خفية لا يطلع عليها إلا الله وهذا الذي أعطاه، يعني: ما أحد اطلع عليها إلا هذا المعطى والله عز وجل والذي يعطي، هؤلاء هم الذين يعلمون عنها، معناه أنها خفية لا يعلمها أحد، الله يعلمها والشخص الذي أعطاه يعلمها، يعني: معناه إشارة إلى إخفائها، وهذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث.
وقوم ساروا ليلتهم حتى إذا جاءوا في آخر الليل وقد تعبوا واحتاجوا إلى النوم وغلبهم النوم، والواحد منهم متى يصل إلى الأرض حتى يضع رأسه عليها وينام، وكان النوم أحب إليهم مما يعدل به، يعني: ما يساوي النوم عندهم شيء، فهو غالي عندهم لا يعدله شيء؛ لشدة حاجتهم إليه؛ لأن ليلهم وهم سائرون وتعبوا في السير فنزلوا في آخر الليل، والواحد منهم متى يصل إلى الأرض حتى يضع خده وينام، فكان النوم أحب إليهم مما يعدل به، يعني: لا يماثله شيء ولا يعدله شيء عندهم، يعني: أنه غالي ونفيس عندهم وهم بأشد الحاجة إليه، ولا يعدلون به شيئاً، فلم ينم ولكنه قام يتلو آيات الله ويتملق لله عز وجل، بمعنى: يتودد ويلح عليه في الدعاء ويسأله ويطلب إحسانه وبره، فهذا الرجل الثاني ممن يحبه الله عز وجل.
[ ( ورجل كان في سرية فلقوا العدو فهزموا، فأقبل بصدره حتى يقتل أو يفتح الله له ) ].
يعني: ورجل ثبت، كانوا في سرية فحصل انهزام، ولكنه ثبت، وأقبل ولم يدبر حتى يتحقق، إما القتل وإما النصر، يعني: هو ومن يكون مثله.
[( والثلاثة الذين يبغضهم الله عز وجل: الشيخ الزاني، والفقير المختال، والغني الظلوم ) ].
الثلاثة الذين يبغضهم الله الشيخ الزاني وهو: الرجل الكبير الهرم الذي ذهب عنه الشباب وقوة الشباب، ولكن عنده الخبث، وعنده سوء الطوية وسوء العمل، فهو مع أن الشباب ولى والقدرة الكاملة غير موجودة إلا أنه لما عنده من الخبث، وما عنده من سوء العمل يتعلق أو يتجه إلى الأمور المحرمة، يعني: الشاب الزاني، والرجل الكبير الزاني الذي هو ليس شاباً، كلهم مذمومون ولكن هذا أشد؛ لأن هذا مع ضعفه ومع عدم قدرته إلا أن نفسه متعلقة بالسوء ومرتبطة بالسوء.
(والفقير المختال)، يعني: العائل المستكبر كما جاء في بعض الروايات وبعض الأحاديث؛ لأن الغني هو الذي قد يكون معه الاستكبار، لكن إذا كان الاستكبار مع الفقر فمعناه حشفاً وسوء كيلة، يعني يدل على أن هذا سجية مثل الشيخ الزاني ذاك الذي ليس عنده أسباب القوة التي تدفعه لهذا، ولكن الخبث، وهذا مع كونه فقيراً فإن لديه هذا الوصف الذميم الذي هو التكبر.
(والغني الظلوم) الغني الذي أغناه الله عز وجل ويظلم الناس ويمنعهم حقوقهم، مع أن الله عز وجل أقدره، ولهذا جاء في الحديث: ( مطل الغني ظلم ) يعني: كون الإنسان عنده قدرة على السداد ولكنه يماطل ويمتنع هذا ظلم، والغني الظلوم مثل قوله: ( مطل الغني ظلم )؛ لأن عنده قدرة على السداد وعلى الوفاء، ولكنه يماطل الناس لسوء تصرفه وسوء فعله، ومثل هؤلاء، أولئك الذين يتجهون إلى استقدام العمال واستخدامهم ثم بعد ذلك يظلمونهم ولا يعطونهم حقوقهم أو يؤخرونها عليهم، مع أنهم عندهم القدرة على ذلك، فإن الظلم من الغني ومنع الحق مع قدرته عليه لا شك أن هذا من أشد الظلم وقد قال عليه الصلاة والسلام: ( مطل الغني ظلم ) (وإذا أحيل أحدكم على مليء فليحتل).

تراجم رجال إسناد حديث: (... أما الذين يحبهم الله فرجل أتى قوماً فسألهم بالله... فمنعوه فتخلفه رجل بأعقابهم فأعطاه سراً...)


قوله: [ قال: أخبرنا محمد بن المثنى ].هو العنزي أبو موسى المقلب الزمن البصري ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا محمد ].
هو ابن جعفر الملقب غندر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا شعبة ].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ، ثم البصري، ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن منصور ].
هو منصور بن المعتمر الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ سمعت ربعياً ].
هو ربعي بن حراش الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ يحدث عن زيد بن ظبيان ].
هو زيد بن ظبيان ، وهو مقبول، أخرج له الترمذي، والنسائي.
[ رفعه إلى أبي ذر ].
هو جندب بن جنادة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
والحديث ذكره الألباني في ضعيف سنن النسائي، لكنه في غير المطبوع، ولا أدري وجه ضعفه، هل هو من أجل زيد بن ظبيان الذي قال عنه أنه يقبل، بحيث يتابع، مع أن بعضه فيه متابعات، فالحديث الذي موجود بعضه فيه شيء يدل على صحته مثل: الشيخ الزاني والفقير المختال، وقد جاءت أحاديث كثيرة تدل على ذمهم، وعلى أنهم من شر الناس.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 25-07-2022, 09:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,405
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الزكاة

(408)

- (باب تفسير المسكين) إلى (باب الصدقة على اليتيم)


المسكين الحق هو المتعفف عن سؤال الناس، وهو الذي ينبغي الحرص على معرفته والتصدق عليه، وإن من الأمور غير اللائقة بالفقير أن يكون مختالاً مزهواً بنفسه مع فقره، فهذا ذمه الله تعالى ولا يكلمه يوم القيامة، وهناك أصناف من الناس المحتاجين الذين حث الشرع على التصدق عليهم كالأرامل واليتامى والمحتمل حمالة قوم لأجل إصلاح ذات بينهم، والمؤلفة قلوبهم.
تفسير المسكين


شرح حديث: (ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ تفسير المسكين.أخبرنا علي بن حجر أنبأنا إسماعيل أخبرنا شريك عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان، واللقمة واللقمتان، إن المسكين المتعفف، اقرءوا إن شئتم: لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً [البقرة:273] ) ].
ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي: تفسير المسكين، يعني: من هو المسكين حقاً؛ لأن الحديث فيه تفسير المسكين حقاً، وقد أورد النسائي حديث أبي هريرة عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( ليس المسكين الذي ترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان، إن المسكين المتعفف الذي لا يسأل ولا يفطن له فيتصدق عليه ) كما جاء مبيناً في الرواية الأخرى والأحاديث الأخرى، هذا هو المسكين حقاً، المسكين حقاً ذلك الذي يكون شديد الحاجة ويكون متعففاً ولا يمد يده، ولا يفطن له فيتصدق عليه، هذا هو المسكين حقاً، وذاك مسكين لكن ليس هو المسكين حقاً، يعني: ذاك المحتاج الذي يمد يده لا يقال أنه ليس مسكيناً، وإنما الذي نفي عنه المسكنة الحق الأشد؛ لأن هذا يحصل شيئاً يأكله، وأما هذا جالس في بيته متعفف ولا يسأل، فيكون شديد الحاجة ومع ذلك لا يمد يده، فهذا هو المسكين حقاً، وذاك مسكين لكن ليس هو المسكين حقاً، فهذا مثل قوله صلى الله عليه وسلم: ( ليس الواصل بالمكافئ، إنما الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها ) يعني: معناه هذا هو الواصل حقاً، وذاك ليس واصلاً حقاً وإن كان هذا شيء طيب وهي المكافأة والمقابلة بالمثل، وكذلك أيضاً ( ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يمسك نفسه عند الغضب ) يعني: لا يعني أن القوي ليس بشديد، الذي هو قوي في جسده وفي قوته وفي مغالبته ومصارعته هو قوي شديد، لكن الشديد حقاً هو الذي يملك نفسه عند الغضب، فهذا نفي ليس معنى ذلك أن الذي ينفى عنه لا يكون متصفاً بذلك الوصف، بل أنه ليس متصفاً به على التمام والكمال، وإنما الذي يتصف به على التمام والكمال هو الذي يأتي فيما بعد في الإثبات؛ لأن الجملة تأتي فيها نفي وإثبات، والنفي هو ليس للنفي المطلق بل لنفي الوصف الكامل، والإثبات إنما هو للوصف الكامل.

تراجم رجال إسناد حديث: (ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان...)


قوله: [ أخبرنا علي بن حجر ].هو علي بن حجر بن إياس السعدي المروزي ، ثقة، حافظ، أخرج حديثه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي.
[ أنبأنا إسماعيل ].
هو ابن علية إسماعيل بن جعفر، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن شريك ].
هو شريك بن عبد الله بن أبي نمر، وهو صدوق، يخطئ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي، فإنه لم يخرج له في السنن ولكنه خرج له في الشمائل.
[ عن عطاء بن يسار ].
وقد مر ذكره.
[ عن أبي هريرة ].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.
وفي آخر الحديث ذكر الآية: لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً [البقرة:273].
لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً [البقرة:273] وهذه ذكرها الشيخ الألباني أنه شاذ بهذه الزيادة.

شرح حديث: (ليس المسكين بهذا الطواف...) من طريق ثانية

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا قتيبة عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ليس المسكين بهذا الطواف الذي يطوف على الناس، ترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان، قالوا: فما المسكين؟ قال: الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس) ].يقول النسائي رحمه الله: تفسير المسكين، والمراد من هذه التراجم: المسكين حقاً الذي يستحق أن تدفع له الزكاة وأن تعطى له الصدقات، والفقير والمسكين هما صنفان من الأصناف الثمانية الذين جاء ذكرهم في سورة التوبة: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَة ِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ [التوبة:60]، فهؤلاء ثمانية أصناف، أولهم: الفقراء والمساكين، وقد قال أهل العلم: إن الفقير والمسكين من الألفاظ التي إذا جمع بينها في الذكر فرق المعنى، وإذا انفرد أحدهما عن الآخر فإنه يتسع للجميع، وعلى هذا فإن المسكين والفقير إذا جاء ذكرهما في موضع واحد؛ فيفسر الفقير بأنه الذي ليس عنده شيء أصلاً، والمسكين الذي عنده شيء ولكنه لا يكفيه، وإذا انفرد أحدهما عن الآخر دخل فيه الجميع، كما في قوله في حديث معاذ بن جبل: ( فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم )، فهنا جاء ذكر الفقير ليس معه المسكين، ويكون معناه شاملاً لمن لا يجد شيئاً أصلاً ولمن يجد ما لا يكفيه، والتراجم التي معنا وقد أورد تحتها النسائي الأحاديث فيها بيان المسكين حقاً، وقال عليه الصلاة والسلام: ( ليس المسكين بذاك الطواف الذي ترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان، قالوا: فما المسكين يا رسول الله؟ قال: الذي ليس عنده غنى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس ) هذا هو المسكين حقاً.
وليس معنى قوله: ( ليس المسكين بذاك الطواف ) أن الطواف الذي يمد للناس ليس مسكيناً، بل هو مسكين، ولكن ليس هو المسكين حقاً؛ لأن هذا يحصل شيئاً يأكله؛ لأنه يمد يده، لكن الذي يتعفف وليس عنده شيء، ولا يمد يده ولا يفطن له فيتصدق عليه، هذا هو المسكين حقاً الذي ينبغي أن يحرص على معرفته، وأن توصل إليه الزكاة والصدقة.
ومثل هذا الكلام الذي جاء في هذا الحديث في قوله: (ليس المسكين الذي ترده اللقمة واللقمتان، وإنما المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه)، مثله ما جاء في بعض الأحاديث: ( ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب )، الذي عنده القوة والشجاعة وغلبة الناس عند المصارعة هو شديد، لكن ليس هذا هو الشديد حقاً، الشديد حقاً هو الذي يملك نفسه عند الغضب، ومثله أيضاً ما جاء في الحديث: ( ليس الصيام بالإمساك عن الأكل والشرب، وإنما الإمساك عن اللغو والرفث )، يعني: أن هذا هو الصيام حقاً الذي يمسك عن اللغو والرفث، وإن كان الإمساك عن الأكل والشرب أيضاً إمساكاً، وهو الصيام، والذي لو أكل الإنسان أفطر، ولكن الصيام حقاً هو الصيام عن اللغو والرفث، ومثل قوله عليه الصلاة والسلام: ( ليس الواصل بالمكافئ، إنما الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها )، ومثله أيضاً قوله عليه الصلاة والسلام: ( أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، قال عليه الصلاة والسلام: المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وحج، ويأتي وقد شتم هذا، وضرب هذا، وسفك دم هذا، فيؤخذ لهذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى عليه، أخذ من سيئاته فطرح عليه، ثم طرح في النار )، هذا هو المفلس حقاً مفلس الآخرة، ومفلس الدنيا مفلس أيضاً؛ الذي ما عنده شيء يقال له: مفلس.
ولهذا الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم قالوا: المفلس من لا درهم له ولا متاع، والرسول صلى الله عليه وسلم أراد المفلس حقاً الذي هو المفلس في الآخرة، الذي يأتي وعنده حسنات، ولكن آذى الناس، وتعدى على الناس، فيؤخذ للذين آذاهم واعتدى عليهم من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى عليه أخذ من سيئاتهم فطرح عليه، ثم طرح في النار، هذا هو المفلس حقاً، وإن كان الذي ليس عنده درهم ولا متاع يقال له: مفلس، لكن هذا هو المفلس حقاً.
إذاً: هذه الأحاديث هي من هذا الباب: نفي الشيء على الحقيقة والكمال، وإثباته على الحقيقة والكمال في أمر آخر، ليس المسكين الذي ترده اللقمة واللقمتان، هو مسكين في الحقيقة لكن ليس هو المسكين حقاً؛ لأن هذا يمد يده يحصل شيئاً يأكله، ما يموت من الجوع؛ لأن الناس يعطونه، وهو يمد يده، لكن الذي يتعفف ولا يمد يده ولا يقوم ويسأل الناس ولا يفطن له فيتصدق عليه هذا هو المسكين حقاً الذي ينبغي أن يحرص على معرفته حتى توصل إليه الزكاة، وحتى توصل إليه الصدقات.

تراجم رجال إسناد حديث: ( ليس المسكين بهذا الطواف...) من طريق ثانية


قوله: [ أخبرنا قتيبة ].هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، ثقة، ثبت، وبغلان قرية من قرى بلخ، وبلخ هي إحدى المدن الرئيسية في خراسان، وهي أربع: بلخ وهرات ونيسابور، والرابعة مرو، وقد أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن مالك ].
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام المشهور، وهو أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وقد قال عنه الحافظ ابن حجر : هو رأس المتقنين، وكبير المثبتين، فهو في القمة في الثقة والعدالة وفي الحديث والفقه رحمة الله عليه، وهو أحد أفراد السلسلة الذهبية عند البخاري، وهي: مالك عن نافع عن ابن عمر، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وقتيبة بن سعيد يروي عن مالك، ومالك متقدم؛ لأنه توفي سنة 179هـ، وقتيبة عاش تسعين سنة؛ لأنه ولد سنة 150 هـ ومات سنة 240هـ، فعمره تسعون سنة، ولهذا مع كونه متأخراً إلا أنه أدرك المتقدمين؛ لأنه من المعمرين.
[ عن أبي الزناد ].
هو عبد الله بن ذكوان المدني، وأبو الزناد لقب على صفة الكنية، وكنيته أبو عبد الرحمن، ولكنه اشتهر بلقب أبي الزناد الذي هو لقب على صيغة الكنية، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ الأعرج ].
هو عبد الرحمن بن هرمز المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بلقبه الأعرج ، ولهذا يأتي ذكره أحياناً بلقبه وأحياناً باسمه ونسبته، ومعرفة ألقاب المحدثين فائدتها عند المحدثين: أن لا يظن الشخص الواحد شخصين فيما إذا ذكر مرة باسمه ومرة بلقبه؛ فإن من لا يعرف أن هذا اللقب هو لصاحب هذا الاسم فإنه يظن أن عبد الرحمن بن هرمز شخص، وأن الأعرج شخص آخر، لكن من عرف أن عبد الرحمن بن هرمز لقبه الأعرج فإذا جاء الأعرج في إسناد كما هنا، أو جاء عبد الرحمن بن هرمز في إسناد آخر، فلا يلتبس على من لا يعرف ذلك؛ لأن هذا لقب لصاحب هذا الاسم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق، والسبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثرهم أبو هريرة، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد، وجابر، وأنس، وأم المؤمنين عائشة، رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين، فهؤلاء السبعة عرفوا بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.

شرح حديث: (ليس المسكين بهذا الطواف...) من طريق ثالثة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا نصر بن علي حدثنا عبد الأعلى حدثنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( ليس المسكين الذي ترده الأكلة والأكلتان، والتمرة والتمرتان، قالوا: فما المسكين يا رسول الله؟! قال الذي لا يجد غنى، ولا يعلم الناس حاجته فيتصدق عليه ) ].أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو مشتمل على ما اشتملت عليه الطريقة السابقة في بيان المسكين حقاً، وأنه الذي ليس الذي ترده الأكلة والأكلتان، والمراد بالأكلة: اللقمة واللقمتان، الأكلة والأكلتان، والتمرة والتمرتان، فالمراد بالأكلة هي اللقمة، فهي مثل اللقمة التي جاءت في الرواية السابقة، والكلام عليه كالكلام في اللفظ السابق في الرواية السابقة.

تراجم رجال إسناد حديث: (ليس المسكين بهذا الطواف...) من طريق ثالثة


قوله: [ أخبرنا نصر بن علي ].هو نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي، يعني: اسمه واسم أبيه يوافق اسم جده وجد أبيه، نصر بن علي بن نصر بن علي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا عبد الأعلى ].
هو ابن عبد الأعلى البصري ، وهو ثقة أيضاً أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا معمر ].
هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو ثقة، أيضاً أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الزهري ].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة، فقيه، من صغار التابعين، مكثر من رواية الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي سلمة ].
هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة المشهورين في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم؛ لأن الفقهاء فقهاء المدينة السبعة المشهورين بهذا اللقب فيهم ستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع فيه ثلاثة أقوال، قيل: أبو سلمة الذي معنا هذا، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وأما الستة المتفق على عدهم في الفقهاء السبعة، فهم: سعيد بن المسيب، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وعروة بن الزبير بن العوام وخارجة بن زيد بن ثابت وسليمان بن يسار والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ، هؤلاء ستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع فيه ثلاثة أقوال، أحد الأقوال الثلاثة أن السابع منهم هذا الذي معنا في الإسناد، وهو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف.
[ عن أبي هريرة ].
وقد مر ذكره.


شرح حديث: (إن لم تجدي شيئاً تعطينه إياه إلا ظلفاً محرقاً فادفعيه إليه)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن سعيد بن أبي سعيد عن عبد الرحمن بن بجيد عن جدته أم بجيد رضي الله عنهما -وكانت ممن بايعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم- أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( إن المسكين ليقوم على بابي فما أجد له شيئاً أعطيه إياه، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن لم تجدي شيئاً تعطينه إياه إلا ظلفاً محرقاً فادفعيه إليه ) ].أورد النسائي حديث أم بجيد حواء ، صحابية بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد سألته: إن المسكين يقف على بابها ولم تجد ما تعطيه شيئاً، فالرسول صلى الله عليه وسلم أرشدها إلى أن لا ترده بدون شيء، ولو كان ذلك نزراً يسيراً جداً، ولو كان ظلفاً محرقاً، والظلف هو: للغنم والبقر، كالخف للبعير، وكالحافر للفرس، والحمير، يقال: حافر، ويقال: خف، ويقال: ظلف، فالظلف هو للبقر والغنم، والمقصود من ذلك: هذا هو الذي رأس اليدين أو الرجلين، وما يعلق به من الشيء الذي ليس له أهمية، ولكنه ينفع لمن هو محتاج إليه.
والحديث فيه بيان المسكين، وهو أن من يطوف بالأبواب يقال له: مسكين؛ لأن هذا سائل يقف في الباب يسأل، والنسائي أورد الحديث تحت تفسير المسكين، فهو مسكين، ولكن ليس هو المسكين حقاً، بل المسكين حقاً هو الذي بينه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في قوله: ( إنما المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس )، فالنبي صلى الله عليه وسلم أرشد أم بجيد أنها لا ترد السائل بدون شيء ولو أن تعطيه شيئاً يسيراً، ولو كان ظلفاً محرقاً.

تراجم رجال إسناد حديث: (إن لم تجدي شيئاً تعطينه إياه إلا ظلفاً محرقاً فادفعيه إليه)


قوله: [ أخبرنا قتيبة ].هو قتيبة بن سعيد، وقد مر ذكره.
[ عن الليث ].
هو ابن سعد المصري، ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن سعيد بن أبي سعيد ].
هو سعيد بن أبي سعيد المقبري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد الرحمن بن بجيد ].
معدود في الصحابة، وحديثه أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي.
[ عن جدته ].
هي أم بجيد، واسمها حواء، وهي صحابية بايعت النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثها أخرجه أيضاً أبو داود والترمذي والنسائي.
وليس لها إلا هذا الحديث الواحد، وليس لها شيء في البخاري ولا مسلم ولا عند ابن ماجه، ولها عند أبي داود والترمذي والنسائي هذا الحديث الواحد، فما يأتي ذكرها مرة أخرى في غير هذا الموضع في غير هذا الحديث؛ لأن هذا هو الحديث الوحيد لها في هذه الكتب.


الفقير المختال

شرح حديث: (ثلاثة لا يكلمهم الله... والعائل المزهو...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ الفقير المختال.أخبرنا محمد بن المثنى أخبرنا يحيى عن ابن عجلان سمعت أبي يحدث عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( ثلاثة لا يكلمهم الله عز وجل يوم القيامة: الشيخ الزاني، والعائل المزهو، والإمام الكذاب ) ].
أورد النسائي حديث الفقير المختال، معناه: ذمه وبيان سوء فعله، وأنه ممن لا يكلمه الله عز وجل يوم القيامة؛ وذلك لسوء فعله وقبح صنيعه، والفقير المختال هو الذي يتكبر مع كونه فقير، يعني معناه: سبب التكبر ليس موجوداً عنده، ولكنه طبع فيه خبيث.. طبع سيء؛ لأن الغالب أن التكبر يأتي مع الغنى كَلَّا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى [العلق:6-7]، لكن إذا كان فقيراً وليس عنده أسباب التكبر ومع ذلك يتكبر، فهو سوء إلى سوء، يعني معناه: أنه سوء عظيم؛ لأنه تكبر مع الفقر، فهذا هو الفقير المختال، أي: الذي عنده الخيلاء والتكبر، واتصف بهذه الصفة.
أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: ( ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة )، والمقصود: أنه لا يكلمهم كلام تكريم لهم، وإلا فكونهم يكلمون، وكذلك الكفار أيضاً يكلمون تكليم توبيخ وتقريع، فهذا ثابت، والمثبت غير المنفي؛ لأن المثبت هو الكلام الذي فيه التقريع والتوبيخ، كما قال الله عز وجل: اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ [المؤمنون:108]، فهذا كلام، وهو مثبت، ولكنه الكلام الذي فيه التوبيخ والتقريع، والذي نفي هو الكلام الذي فيه التكريم، ( ثلاثة لا يكملهم الله )، يعني: هذا لا ينفي أنه يكلمهم كلام توبيخ، وإنما النفي هو لكلام التكريم الذي فيه تكريم لهم وإحسان إليهم.
وفي هذا: أن الله تعالى يتكلم إذا شاء كيف يشاء، ويكلم من شاء كيف شاء سبحانه وتعالى، فهو لا يكلم هؤلاء كلام تكريم وإن كان يكلمهم كلام توبيخ وتقريع، وهؤلاء الثلاثة عندهم هذا السوء الذي فيه هذه الصفة، أو في كل واحد منهم صفة، مع أنه ليس هناك ما يكون مدعاة إلى ذلك أو سبباً في ذلك.
فقال: ( الشيخ الزاني ). يعني: الكبير الهرم الذي نفسه معلقة بالخبث ومرتبطة بالسوء، وليس عنده القوة والشدة التي عند الشاب وفي حال الشباب، ولكن لخبث طويته ولتمكنه في المعصية، ولتورطه في المعصية مع عدم الحافز وعدم الدافع وعدم القوة، يعني: يدل على شدة الخبث؛ لأن الزنا إذا حصل من الشاب عنده قوة وعنده نشاط، لكن إذا حصل من شيخ هرم كبير ليس عنده القوة، يعني: هذا يدل على نهاية الخبث، وعلى شدة الخبث.
(والعائل المزهو)، الذي عنده الزهو، يعني: يزهو بنفسه، ويترفع بنفسه، ويتعالى بنفسه، ويختال ويتكبر؛ لأن هذا المقصود بالزهو، وهو الذي عناه المصنف بالفقير المختال؛ لأن محل الشاهد هو العائل المزهو، وهو الفقير المختال الذي عقدت التراجم من أجله.
(والإمام الكذاب)، الحاكم الذي يكذب على الناس؛ لأن الكذب في الغالب يكون لمن هو ضعيف، ولمن هو مضطر إليه، يعني: فيكذب لكونه ضعيفاً، وأما أن يكون ليس عنده ما يقتضيه؛ لأنه ذو ولاية وذو سلطان، فلا يدفعه إلى الكذب إلا سوء الخبث، فهذا يدل على أن من كان كذلك فإنه من هؤلاء الذين لا يكلمهم الله، وهؤلاء الذين ذكروا، يعني: هذه الصفات التي معهم مع عدم وجود ما يدفع إليها؛ لأن الفقير ما عنده غنىً يطغيه، والشيخ الزاني ما عنده القوة، والإمام الكذاب ما عنده شيء يلجئه إلى الكذب؛ لأن الذي يلجأ إلى الكذب هو الضعيف المسكين الذي يقهر ويغلب، فيحتال بالكذب وغير الكذب.

يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 25-07-2022, 09:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,405
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

تراجم رجال إسناد حديث: (ثلاثة لا يكلمهم الله.. والعائل المزهو...)

قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى ].هو العنزي الملقب الزمن، وكنيته أبو موسى، وهو ثقة، ثبت، بصري، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، وهو من صغار شيوخ البخاري، وهم: محمد بن المثنى ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، ومحمد بن بشار وقد مات هؤلاء الثلاثة في سنة واحدة، أي: سنة 252هـ قبل وفاة البخاري بأربع سنوات؛ لأن البخاري توفي سنة 256هـ ، وشيوخه هؤلاء الثلاثة الذين هم من صغار شيوخه: محمد بن المثنى ، ومحمد بن بشار، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، ماتوا في سنة واحدة وهي سنة 252هـ.
[ أخبرنا يحيى ].
هو يحيى بن سعيد القطان، المحدث، الناقد، الثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عجلان ].
هو محمد بن عجلان المدني، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[ سمعت أبي يحدث ].
أبوه هو عجلان مولى فاطمة بنت عتبة ، وهو مدني، قال عنه الحافظ : لا بأس به، وهي تعادل صدوق؛ لأن لا بأس به هي بمنزلة صدوق، إلا عند يحيى بن معين فإنها تعادل ثقة، وهذا اصطلاح خاص بابن معين ، ولهذا يقولون: إن لا بأس به عند ابن معين توثيق، فابن معين يطلق لا بأس به على الثقات الذين هم في القمة، يقولوا عن الواحد منهم لا بأس به، فهذا اصطلاح خاص به، ولا مشاحة في الاصطلاح كما يقولون.
وعجلان هذا أيضاً أخرج له الذين أخرجوا لابنه: البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.
[ عن أبي هريرة ].
تقدم ذكره.

شرح حديث: (أربعة يبغضهم الله عز وجل... والفقير المختال)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا أبو داود حدثنا عارم حدثنا حماد حدثنا عبيد الله بن عمر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( أربعة يبغضهم الله عز وجل: البياع الحلاف، والفقير المختال، والشيخ الزاني، والإمام الجائر ) ].أورد النسائي حديثاً آخر لـأبي هريرة، وفيه ذكر أربعة، وفيهم: الفقير المختال وهو الذي يطابق التراجم، والحديث المتقدم العائل المزهو، وهو يعادل الفقير المختال؛ لأنه بمعناه، وهو المقصود بالحديثين، فقال:
(أربعة يبغضهم الله).
أربعة يبغضهم الله، وفيه إثبات البغض لله عز وجل، وأنه يبغض من شاء ويحب من شاء.
( البياع الحلاف ).
البياع الحلاف، أي: الذي يكثر الحلف في البيع، وينفق سلعته بالحلف الكاذب كما سبق أن مر في بعض الأحاديث: ( ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم: المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب )، وهنا قال: ( البياع الحلاف )، الذي يبيع ولكن شأنه الحلف، وكلامه في ترويج السلع إنما هو بالحلف، ويكون بالكذب وقد يكون بالصدق، ولا ينبغي للإنسان أن يعود لسانه الحلف ولو كان صادقاً، بل الإنسان يصون لسانه من كثرة الحلف حتى لا يحصل منه ما لا ينبغي، وأما إذا كان الحلف مع الكذب، فهذا سوء إلى سوء والعياذ بالله.
( والفقير المختال ).
والفقير المختال، وهذا هو محل الشاهد، والشيخ الزاني، وقد مر، والإمام الجائر، وهذا مثل ما تقدم إلا أن هناك بوصف الكذاب، وهنا بوصف الجائر، والجور هو ضد العدل.

تراجم رجال إسناد حديث: (أربعة يبغضهم الله عز وجل... والفقير المختال...)


قوله: [أخبرنا أبو داود ].هو سليمان بن سيف الحراني، وهو ثقة، أخرج له النسائي وحده.
[ حدثنا عارم ].
هو أبو النعمان محمد بن الفضل، لقبه عارم، وكنيته: أبو النعمان، وهو مشهور بكنيته، ومشهور بلقبه، ويأتي ذكره بالكنية، ويأتي ذكره باللقب كما هنا، قال: عارم، وعارم هو: محمد بن الفضل، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا حماد ].
هو ابن زيد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا عبيد الله بن عمر ].
هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر العمري المصغر، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سعيد المقبري عن أبي هريرة ].
هو سعيد بن أبي سعيد المقبري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
وقد مر ذكره، وكذلك ذكر المقبري.


فضل الساعي على الأرملة

شرح حديث: (الساعي على الأرملة والمسكين...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ فضل الساعي على الأرملة.أخبرنا عمرو بن منصور حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا مالك عن ثور بن زيد الديلي عن أبي الغيث عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله عز وجل ) ].
أورد النسائي هذه التراجم، وهي: فضل الساعي على الأرملة، والأرملة هي التي لا زوج لها من النساء، وأورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال عليه الصلاة والسلام: ( الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله عز وجل )، والمراد بالساعي: هو الذي يعمل لتحصيل الشيء الذي يتصدق به على الأرملة وعلى المسكين، أو ينفق به على الأرملة والمسكين، فهو كالمجاهد في سبيل الله؛ لأن هذا مشتغل بالعمل الذي يحصل من وراءه كسباً ليصرفه في هذا السبيل الخير، ألا وهي الصدقة والإحسان على الأرملة التي ليس لها من ينفق عليها، وكذلك المسكين الذي ليس له من ينفق عليه وهو محتاج إلى الصدقة والإحسان، فهو كالمجاهد في سبيل الله عز وجل، وهذا يدل على فضله؛ لأنه شبه بالمجاهد في سبيل الله عز وجل.


تراجم رجال إسناد حديث: (الساعي على الأرملة والمسكين...)


قوله: [ أخبرنا عمرو بن منصور ].هو النسائي، وهو ثقة، ثبت، أخرج له النسائي وحده.
[ حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا مالك ].
هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
يروي عن مالك ، وقد مر ذكره.
[ عن ثور بن زيد الديلي ].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي الغيث ].
هو سالم المدني مولى ابن مطيع ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
وقد مر ذكره.


المؤلفة قلوبهم

شرح حديث: (... تعطي صناديد نجد وتدعنا قال: إنما فعلت ذلك لأتألفهم...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ المؤلفة قلوبهمأخبرنا هناد بن السري عن أبي الأحوص عن سعيد بن مسروق عن عبد الرحمن بن أبي نعم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: ( بعث علي رضي الله عنه وهو باليمن بذهيبة بتربتها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين أربعة نفر: الأقرع بن حابس الحنظلي، وعيينة بن حصن الفزاري، وعلقمة بن علاثة العامري، ثم أحد بني كلاب وزيد الطائي ثم أحد بني نبهان، فغضبت قريش، وقال مرة أخرى: صناديد قريش، فقالوا: تعطي صناديد نجد وتدعنا؟! قال: إنما فعلت ذلك لأتألفهم، فجاء رجل كث اللحية، مشرف الوجنتين، غائر العينين، ناتئ الجبين، محلوق الرأس، فقال: اتق الله يا محمد! قال: فمن يطع الله عز وجل إن عصيته؟ أيأمنني على أهل الأرض ولا تأمنوني؟ ثم أدبر الرجل، فاستأذن رجل من القوم في قتله يرون أنه خالد بن الوليد رضي الله عنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن من ضئضئ هذا قوماً يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد ) ].
أورد النسائي هذه التراجم، وهي: المؤلفة قلوبهم، والمؤلفة قلوبهم هم: أحد الأصناف الثمانية الذين جاء ذكرهم في أهل الزكاة الذين تصرف لهم الزكاة: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَة ِ قُلُوبُهُمْ [التوبة:60]، والمراد بالمؤلفة قلوبهم: هم الذين يراد بإعطائهم المال استمالتهم حتى يدخلوا في الإسلام، ويرغبوا في الدخول فيه، ولهم أتباع يتبعونهم، ويكون بإسلامهم إسلام الفئات من الناس، والخلق من الناس، فهم متبوعون، فيتألفون ليسلموا أو ليقوى إسلامهم، يعني: إما ليدخلوا في الإسلام، أو ليقوى إسلامهم، ويتألفون على الإسلام بحيث يثبتون عليه، ولا يرجعون عنه بعد أن أكرمهم الله عز وجل في الدخول فيه.
والتأليف يكون لشخص متبوع، يعني: له منزلة وله مكانة، وعظيم في قومه، وكبير في قومه، إذا أسلم أسلم معه الفئام من الناس، فيتألف ويعطى من المال، ومن الزكاة ليثبت على الإسلام، وليسلم بإسلامه الخلق الكثير من الناس، هؤلاء هم المؤلفة قلوبهم.
وقد أورد النسائي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما كان في اليمن بعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذهيبة في تربتها، المقصود من ذلك أنها قطعة من الذهب لم تصف، فقسمها بين أربعة من كبار القبائل، وهم: الأقرع بن حابس الحنظلي التميمي، وعيينة بن حصن الفزاري، وعلقمة بن علاثة العامري، ثم من بني كلاب، يعني: المقصود بهذه نسبة خاصة، والعامري نسبة عامة، يعني: الأولى نسبة عامة، والثانية نسبة خاصة، يعني: هو من القبيلة عموماً، ولكنه على الخصوص من القبيلة الفلانية، فهو مثل ما يذكر الوصف العام ثم الوصف الخاص، مثل ما يقال: عمرو بن عبد الله أبو إسحاق الهمداني السبيعي؛ لأن سبيعاً جزء من همدان.
ثم أحد بني كلاب؛ لأن بني كلاب هم جزء من بني عامر العامري، جزء ممن ينسب بهذه النسبة، ثم زيد الطائي، ثم من بني نبهان، يعني: من طيء، وهي نسبة عامة، ثم من بني نبهان وهي نسبة خاصة، هؤلاء الأربعة وهم من كبار العرب، وصناديد العرب أعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم هذه الذهيبة وقسمها عليهم، فقال: [ فغضبت قريش، وقال مرة: صناديد قريش ].
أي: فغضبت قريش، وقال مرة: صناديد قريش، وقالوا: تعطي صناديد نجد وتدعنا؟! فقال عليه الصلاة والسلام: ( إنما أعطيتهم لأتألفهم )، وهذا هو محل الشاهد، محل الشاهد من إيراد الحديث للتراجم: أعطيتهم لأتألفهم، فيعطى ولو مع غناه، ما يعطى لفقره، بل وهو غني يعطى؛ لأن المقصود هو ليس سد فاقته، وإنما المقصود تألفه، وكونه يسلم بإسلامه الخلق الكثير من الناس، فهو يعطى ولو كان غنياً، ما يعطى لفقره، يعطى ولو كان غنياً؛ لأن المقصود من إعطاؤه هو تأليفه، وأن يدخل في الإسلام، أو يثبت في الإسلام ويقوى في الإسلام؛ ليسلم بإسلامه الخلق الكثير من الناس.
[ فجاء رجل كث اللحية، مشرف الوجنتين، غائر العينين، ناتئ الجبين، محلوق الرأس ].
(فجاء رجل كث اللحية) يعني: كبير اللحية، عظيم اللحية، (ناتئ الجبين) يعني: بارز، (مشرف الوجنتين) يعني: بارز الوجنيتن، (غائر العينين) يعني: داخلة، محلوق الرأس، يعني: هذه صفات ذلك الرجل الذي جاء وقال للنبي عليه الصلاة والسلام: [ اتق الله يا محمد!] وفي بعض الأحاديث: [ اعدل ]، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال:
(فمن يطع الله إن عصيته؟! يأمنني على أهل الأرض ولا تأمنونني)، يعني: يـأمنني على أهل الأرض إذ يرسلني إليهم كافة لأدعوهم إلى عبادته ولإخراجهم من الظلمات إلى النور، وأنتم ما تأمنوني على مقدار من المال أقسمه وأضعه حيث أرى المصلحة في وضعه، يأمنني الله على أهل الأرض ولا تأمنونني، يعني: يقوله في حق هذا الرجل الذي قال له: اتق الله! وفي بعض الأحاديث أنه قال: اعدل فإنك لم تعدل، فقال بعض الصحابة: دعني أقتله، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن له، وقيل: إنه خالد بن الوليد، وقال: إنه يخرج من ضئضئي هذا قوم يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم.
( إن من ضئضئ هذا قوم يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان ).
والمراد بذلك الخوارج.
قوله: (إن من ضئضئ هذا)، أي: من نسله، ومن قبيلته، أو من جماعته قوم يقرءون القرآن، يعني: يتصفون بالعبادة، ويعنون بالقرآن، ولكنهم يقرءونه ولا يجاوز حناجرهم، يعني: ما عندهم الإيمان ولا عندهم الفهم، ولكن عندهم الانحراف مع كونهم أهل قرآن ويعنون بالقرآن، ولهذا يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، ثم قال: يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، يعني: شأنهم أنهم يخرجون على الإمام، ويقتلون أهل الإسلام ويقاتلونه، وهذا هو الذي حصل؛ فإنهم خرجوا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقاتلوه وقاتلهم رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وقد جاء في الحديث: أنهم يخرجون على حين فرقة من المسلمين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق، وقد قاتلهم علي رضي الله تعالى عنه وأرضاه، فهم يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان.
( يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ).
قال بعض أهل العلم: في هذا دليل على أنهم كفار، والمشهور عن أهل العلم أنهم ليسوا كفاراً، ولكنهم ضلال، ولكنهم مبتدعة، ومن المبتدعين الذين أحدثوا في دين الله عز وجل وفهموا النصوص على غير فهمها، وخرجوا على ولي أمر المسلمين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه وقاتلوه وقاتلهم، وقتلهم رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
( لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد ).
يعني: قتل استئصال، كما قال: فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ [الحاقة:8]، يعني: أنهم استئصلوا وأهلكوا عن آخرهم بالريح التي تدمر كل شيء بأمر ربها، وأصبح لا يرى إلا مساكنهم.


تراجم رجال إسناد حديث: (... تعطي صناديد نجد وتدعنا قال: إنما فعلت ذلك لأتألفهم...)


قوله: [أخبرنا هناد بن السري ].هو أبو السري الكوفي، وهو ثقة، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[ عن أبي الأحوص ].
هو سلام بن سليم الحنفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سعيد بن مسروق عن عبد الرحمن بن أبي نعم].
هو والد سفيان الثوري؛ لأن سفيان هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، فسعيد بن مسروق هو والد سفيان الإمام المشهور، وأبوه سعيد بن مسروق ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو ابن أبي نعم، عبد الرحمن بن أبي نعم، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقد ذكر في ترجمته أنه عبد الرحمن بن أبي نعم بضم النون وإسكان العين.
[ عن أبي سعيد الخدري ].
هو سعد بن مالك بن سنان الخدري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مشهور بكنيته أبو سعيد ، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.


الصدقة لمن تحمل بحمالة

شرح حديث: (... إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة: رجل تحمل بحمالة...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ الصدقة لمن تحمل بحمالة.أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي عن حماد عن هارون بن رئاب حدثني كنانة بن نعيم (ح) وأخبرنا علي بن حجر واللفظ له أخبرنا إسماعيل عن أيوب عن هارون عن كنانة بن نعيم عن قبيصة بن مخارق رضي الله عنه أنه قال: ( تحملت حمالة فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسألته فيها، فقال: إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة: رجل تحمل بحمالة بين قوم فسأل فيها حتى يؤديها ثم يمسك ) ].
أورد النسائي ترجمة: الصدقة لمن تحمل بحمالة وهو: الذي غرم مالاً لإصلاح ذات البين لإطفاء فتنة، ولتخليص الناس من إراقة الدماء، وإزهاق الأنفس، فأصلح بين الناس، وتحمل هذا المقدار، أو تحمل مقداراً من المال، فإن هذا تحل له المسألة؛ حتى يحصل ذلك المبلغ الذي تحمله ثم يمسك.
وقد أورد النسائي حديث قبيصة بن مخارق ، وقد ذكره هنا مختصراً، ذكر الثلاثة، ولكنه ما ذكر إلا واحداً منهم، وهو الذي محل الشاهد للتراجم، وأورد بعد ذلك الحديث من طريق أخرى، وهو مشتمل على ذكر الثلاثة بالتفصيل، هنا ذكرهم إجمالاً ولم يذكرهم تفصيلاً، بل ذكر واحداً منهم، وهو الذي المقصود بالتراجم، أو الذي تدل عليه التراجم، أو الذي هو شاهد للتراجم.


تراجم رجال إسناد حديث (... إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة: رجل تحمل بحمالة ...)


قوله: [أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي ].ثقة، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن الأربعة.
[ عن حماد ].
هو حماد بن زيد بن درهم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن هارون بن رئاب ].
ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود والنسائي.
[ عن كنانة بن نعيم ].
ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي.
[ ح ].
(ح)، وهي تدل على التحول من إسناد إلى إسناد.
[ وأخبرنا علي بن حجر ].
هو ابن إياس المروزي السعدي ، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي.
[ واللفظ له ].
واللفظ له، أي: اللفظ للشيخ الثاني، وليس للشيخ الأول الذي هو يحيى بن حبيب بن عربي.
[ أخبرنا إسماعيل ].
هو إسماعيل بن علية ، وهو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أيوب ].
هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن هارون عن كنانة ].
وقد مر ذكرهما في الإسناد السابق، الذي حصل التحول منه إلى هذا الإسناد.
[ عن قبيصة بن مخارق ].
هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صحابي، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي. يعني: هؤلاء الثلاثة الذين هم: هارون بن رئاب وكنانة بن نعيم وقبيصة بن مخارق أخرج لهم جميعاً هؤلاء الثلاثة: مسلم وأبو داود والنسائي.

شرح حديث (... إن الصدقة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة...) من طريق أخرى


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا محمد بن النضر بن مساور حدثنا حماد عن هارون بن رئاب حدثني كنانة بن نعيم عن قبيصة بن مخارق رضي الله عنه أنه قال: ( تحملت حمالة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسأله فيها، فقال: أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك، قال: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا قبيصة! إن الصدقة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش أو سداداً من عيش، ورجل أصابته جائحة فاجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته فاقة حتى يشهد ثلاثة من ذوي الحجا من قومه قد أصابت فلاناً فاقة، فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش أو سداداً من عيش، فما سوى هذا من المسألة يا قبيصة سحت، يأكلها صاحبها سحتاً ) ].أورد النسائي حديث قبيصة بن مخارق من طريق أخرى وهو مشتمل على ذكر الثلاثة الذين تحل لهم المسألة، وأولهم الذي مر ذكره في الحديث السابق هو الذي تحمل الحمالة، والذي له أن يسأل حتى يصيب قواماً من عيش أو سداداً من عيش، وما تقدم: أنه حتى يصيب قوماً من عيش ثم يمسك، يعني: يسدد هذا المبلغ الذي تحمله للإصلاح بين الناس.
(ورجل أصابته جائحة فاجتاحت ماله ).
(فاجتاحت ماله) يعني: حصل له نكبة، وحصل له أمر قضى على ماله، فكان بعد أن كان غنياً أصبح فقيراً، فإن له أن يسأل حتى يحصل ما يسد به فاقته، وما يكون به قضاء حاجته.
( ورجل أصابته فاقة حتى يشهد ثلاثة من ذوي الحجا من قومه قد أصابت فلاناً فاقة ).
(ورجل أصابته فاقة) يعني: فقر، يعني: كان فقيراً؛ فيشهد ثلاثة من أهل الحجا، يعني: من أهل العقول، الحجا هو العقل؛ لأن الحجا والنهى المقصود بها العقول، فيشهد ثلاثة من أهل الحجا من قومه أن فلاناً أصابته فاقة، فتحل له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش أو سداداً من عيش ثم يمسك، يعني: لا يستمر في السؤال ويدوم على السؤال، وينتهي عمره وهو في السؤال، وإنما ترخيص مؤقت وليس دائماً مستمراً.
(فما سوى هذا من المسألة).
قال: فما سوى ذلك فهو سحت يأكله صاحبه سحتاً، يعني: ما سوى ذلك، يعني: من المسألة فهو سحت، الإنسان الذي يسأل لغير هذه الأمور الثلاثة هو من السحت، وما يأخذه هو سحت، يعني: يحرم عليه السؤال؛ لأنه إنما يحصل بسؤاله سحتاً، والسحت هو: الحرام الذي لا خير فيه ولا بركة فيه.

تراجم رجال إسناد حديث (... إن الصدقة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة...) من طريق أخرى


قوله: [ أخبرنا محمد بن النضر بن مساور ].صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي.
[ حدثنا حماد عن هارون بن رئاب حدثني كنانة بن نعيم عن قبيصة بن مخارق ].
وقد مر ذكر هؤلاء الأربعة.


الصدقة على اليتيم

شرح حديث: (... نعم صاحب المسلم هو إن أعطى منه المسكين...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ قال: الصدقة على اليتيم.[ أخبرني زياد بن أيوب حدثنا إسماعيل بن علية: أخبرني هشام حدثني يحيى بن أبي كثير حدثني هلال عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: ( جلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على المنبر وجلسنا حوله، فقال: إنما أخاف عليكم من بعدي ما يفتح لكم من زهرة، وذكر الدنيا وزينتها، فقال رجل: أو يأتي الخير بالشر؟ فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقيل له: ما شأنك؟ تكلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا يكلمك، قال: ورأينا أنه ينزل عليه، فأفاق يمسح الرحضاء، وقال: أشاهد السائل؟ إنه لا يأتي الخير بالشر، وإن مما ينبت الربيع يقتل أو يلم، إلا آكلة الخضر، فإنها أكلت حتى إذا امتدت خاصرتاها استقبلت عين الشمس، فثلطت ثم بالت ثم رتعت، وإن هذا المال خضرة حلوة، ونعم صاحب المسلم هو إن أعطى منه اليتيم والمسكين وابن السبيل، وإن الذي يأخذه بغير حقه كالذي يأكل ولا يشبع، ويكون عليه شهيداً يوم القيامة ) ].
أورد النسائي هذه التراجم وهي: الصدقة على اليتيم، واليتيم هو: الذي فقد أباه الذي يحسن إليه ويرعاه، فالصدقة عليه من خير الصدقات، ومن أفضل الصدقات، وقد أورد النسائي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وجلسنا حوله، وقال: (إنما أخاف عليكم من بعدي ما يفتح لكم من زهرة، وذكر الدنيا وزينتها) الرسول صلى الله عليه وسلم بين أنه لا يخشى عليهم الفقر، ولكن يخشى أن تفتح عليهم الدنيا، وما يحصل فيها من المتع واللذات.
(فقال رجل: أو يأتي الخير بالشر). يعني: هذه الدنيا التي يفتحها الله علينا، وهي رزق يسوقه الله إلينا أو يأتي الخير بالشر؟ فالرسول صلى الله عليه وسلم سكت، وكان يوحى إليه، ثم أفاق وقد انتهى الإيحاء إليه يمسح عن وجهه الرحضاء، وهي: العرق الذي يكون كثيراً على الجلد، وهو بسبب الإيحاء إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد كان في اليوم الشاتي عندما يوحى إليه يتصبب عرقاً، حتى ينتهي الإيحاء إليه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، (فأفاق يمسح الرحضاء عن وجهه)، وهي العرق الكثير الذي غطى الجلد، واستوعب الجلد لكثرته.
(فقال: أشاهد السائل؟). يعني معناه: أنه يقابله، أو أشاهد السائل؟ يعني: هل الذي سأل حاضر حتى يجيبه إلى سؤاله، ثم قال عليه الصلاة والسلام (إنه لا يأتي الخير بالشر).
(وإن مما ينبت الربيع يقتل أو يلم).
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب مثلين: أحدهما: للذي هو مفرط في جمع الدنيا وتحصيلها، والتهالك عليها، وأن ذلك يفضي به إلى الهلاك، أو إلى مقاربة الهلاك، وكذلك الذي ليس كذلك، وإنما هو مقتصد، وليس مفتتناً في الدنيا، فقال عليه الصلاة والسلام: (إن مما ينبت الربيع يقتل أو يلم)، إن مما ينبت الربيع، يعني: ما يحصل من النبات في الربيع، ما يكون سبباً في قتل البهائم أو يلم، يعني: يقارب القتل، يعني: من شدة المرض وشدة التضرر من كونها توسعت في الأكل، وأكلت من كل ما تجده من هذا الربيع حتى حصل الاحتباس في بطونها، فتضررت فحصل لها الهلاك أو ما يقارب الهلاك، وهذا مثل للذي يفتتن في الدنيا ويجمعها من أي طريق، ويأخذها من أي طريق، فإنه يكون هذا شأنه؛ فإما يكون ذلك سبباً في هلاكه، أو إما يقارب هلاكه.
قال: (إلا آكلة الخضر). وهذا هو المثل الثاني للذي هو دون ذلك، وقيل: هذا استثناء منقطع، لكن آكلة الخضر، وهي: الدابة التي تأكل الخضر التي هي نوع من أنواع البقول، والتي تكون قليلة، أو قيل: إنها تكون في آخر الربيع فتأكلها الدابة، وإذا امتلأت خاصرتاها وشبعت بركت واستقبلت عين الشمس لتستمرئ هذا الذي أكلته ولتستريح.
(فإنها أكلت حتى إذا امتدت خاصرتاها استقبلت عين الشمس فثلطت ثم بالت ثم رتعت).
فأكلت، فثلطت ثم بالت، يعني: أنه خرج ما في بطنها، يعني: انتفعت به، وخرج ما في بطنها مما هو أذى، وهذا هو شأن الذي لا يكون متهالكاً على الدنيا ومفتتناً في الدنيا، بل يأكل منها ما يكفيه، ويستعمل منها ما يكفيه، فتكون نتيجته أو شأنه مثل هذا الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الدابة التي هي آكلة الخضر التي انتفعت به، ثم ثلطت، يعني: خرج منها بسهولة ويسر، ولم يحصل لها الأذى الذي حصل للتي أكلت من أنواع البقول في شدة الربيع، وفيه ما يضر البهائم، ويكون سبباً في احتباس الطعام في أجوافها، مما يكون سبباً في هلاكها وفنائها.
(وإن هذا المال خضرة حلوة، ونعم صاحب المسلم هو).
نعم صاحب المسلم المال الذي يضعه في موضعه، يأخذه من حله، ويضعه فيما شرع أن يوضع فيه، يعني: نعم المال الصالح للرجل الصالح، نعم صاحب المسلم هو، يعني: المال.
(إن أعطى منه اليتيم والمسكين وابن السبيل).
إن أعطى منه المسكين واليتيم وابن السبيل، وهذا هو محل الشاهد، يعني: الصدقة على اليتيم، إن أعطى منه المسكين واليتيم وابن السبيل، نعم المال إن كان ينتفع به وينفع غيره، فنعم المال لهذا الرجل.
( وإن الذي يأخذه بغير حقه كالذي يأكل ولا يشبع، ويكون عليه شهيداً يوم القيامة ) .
وإن الذي يأخذه من غير حقه كالذي يأكل ولا يشبع، لا يحصل بركة، ولا يحصل منه فائدة، بل دائماً يأكل وشهيته متفتحة فلا يشبع، فهو دائماً وأبداً في نهمة، ولكنه لا يستفيد من هذا الأكل؛ فهو طعام ورزق منزوع البركة.

تراجم رجال إسناد حديث: (... نعم صاحب المسلم هو إن أعطى منه المسكين...)


قوله: [أخبرني زياد بن أيوب ].هو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[ حدثنا إسماعيل بن علية ].
وقد مر ذكره.
[ أخبرني هشام ].
هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني يحيى بن أبي كثير ].
هو يحيى بن أبي كثير اليمامي ، وهو ثقة، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني هلال ].
هو هلال بن علي ، ويقال: ابن أبي ميمونة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عطاء بن يسار ].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي سعيد ]، وقد مر ذكره.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 25-07-2022, 09:55 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,405
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الزكاة

(409)

- (باب الصدقة على الأقارب) إلى (باب فضل من لا يسأل الناس شيئاً)


حبب الشرع الصدقة على الأقارب وأنها تعتبر فوق ذلك صلة، وذم سؤال الناس لغير الضرورة، وأن ذلك يذهب ماء الوجه من الحياء حتى يأتي فاعله يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم، ويشرع لصاحب الحاجة أن يسأل أهل الصلاح والخير؛ لأنهم أولى بالإحسان من غيرهم.
الصدقة على الأقارب

شرح حديث: (إن الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم اثنتان: صدقة وصلة)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ الصدقة على الأقارب.أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد حدثنا ابن عون عن حفصة عن أم الرائح عن سلمان بن عامر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم اثنتان: صدقة وصلة) ].
يقول النسائي رحمه الله: الصدقة على الأقارب.
الصدقة على الأقارب إذا كانوا أصولاً وفروعاً فإنها لا تكون عليهم الصدقة، ولكن إذا كانوا ليسوا بأصول ولا بفروع كالإخوان، والأخوات، والخالات، والعمات، فإنها تحل لهم الصدقة، لكن لا ينبغي للإنسان أن يجعل الزكاة أو الصدقة وقاية لماله فيعطيها أقاربه من أجل أن يسلم من إعطائهم شيئاً من ماله، فيجعلها وقاية للمال، ويكون إعطاؤه أقاربه من الصدقة حتى يسلم ماله فلا يؤخذ منه شيئاً غير الصدقة؛ لأن الأقارب لهم حق غير الزكاة؛ الأقارب لهم حق وإن لم يكن الإنسان ذا زكاة، وهذا من صلة الأرحام، لكن إذا كان المال قليلاً ولا يتسع لإعطاء الأقارب من المال، فكونه يعطي أقاربه زكاته إذا كانت قليلة لا شك أنه أولى؛ فالأقارب الذين لا تجب عليه نفقتهم هم أولى الناس ببره وإحسانه ومعروفه، وهي صدقة وصلة.
وعلى هذا فالصدقة على الأقارب فيها تفصيل؛ هناك أناس لا تصرف لهم الصدقة وهم الأصول والفروع، وهنالك من تحل لهم الصدقة وهم غير الأصول والفروع، لكن لا يجوز أن تتخذ الصدقة أو الزكاة وقاية للمال، فيتخلص من حقوقهم عليه بإعطائهم الصدقة أو الزكاة، ليسلم من حقوقهم التي هي عليه؛ لأن القريب له حق القرابة وحق الصلة فلا يجعلها وقاية لماله. فإذا كان المال قليلاً فالزكاة أو الصدقة هم أحق بها.
وقد أورد النسائي حديث سلمان بن عامر رضي الله تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( الصدقة على المسكين صدقة )، وهي على القريب صدقة وصلة، فهي على القريب اثنتان صدقة وصلة. أما المسكين الذي هو ليس بقريب فالصدقة عليه صدقة فقط؛ لأنه ما هناك علاقة تربطه بالمتصدق، وإذا كان المسكين الذي يعطيه المتصدق قريباً فهي صدقة وصلة، صدقة عليه وصلة له، وهذا يدلنا على أن الأقارب أولى الناس بالبر والإحسان، فمن حيث التطوع وصدقة التطوع هم أولى الناس بها إذا كانوا محتاجين.
وبالنسبة للزكاة التي هي الصدقة الواجبة -كما أسلفت- فإنه لا يصلح أن تعطى للأصول والفروع، وإذا كان المال قليلاً وزكاته قليلة ولا يتسع المال لإعطاء الأقارب منه، واحتاج إلى أن يعطيهم من الزكاة، فإن ذلك لا بأس به؛ لأنها صدقة وصلة، وأولى الناس ببره وإحسانه وصدقته هم أقاربه، ومن تربطهم به قرابة، فهم أولى الناس ببره وإحسانه.
فالحديث يدل على فضل الصدقة على الأقارب، وأن الصدقة عليهم تجمع بين خصلتين محمودتين، وهما: الإحسان بالتصدق، وكذلك الصلة لذوي الأرحام بأن يصل إليهم بره وإحسانه وصدقته عليهم.


تراجم رجال إسناد حديث: (إن الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم اثنتان: صدقة وصلة)


قوله: [ أخبرنا محمد بن عبد الأعلى ].هو محمد بن عبد الأعلى الصنعاني البصري، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأبو داود في كتاب القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
[حدثنا خالد ].
هو ابن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا ابن عون ].
هو عبد الله بن عون البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن حفصة ].
هي حفصة بنت سيرين، وهي ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة.
[ عن أم الرائح ].
هي الرباب بنت صليع، وهي مقبولة، أخرج حديثها البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن الأربعة.
[ عن سلمان بن عامر ].
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه البخاري وأصحاب السنن الأربعة.


شرح حديث: (تصدقن ولو من حليكن... لهما أجران: أجر القرابة وأجر الصدقة)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا بشر بن خالد حدثنا غندر عن شعبة عن سليمان عن أبي وائل عن عمرو بن الحارث عن زينب امرأة عبد الله رضي الله عنهما أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للنساء: ( تصدقن ولو من حليكن، قالت: وكان عبد الله خفيف ذات اليد، فقالت له: أيسعني أن أضع صدقتي فيك وفي بني أخ لي يتامى، فقال عبد الله: سلي عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قالت: فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإذا على بابه امرأة من الأنصار يقال لها: زينب تسأل عما أسأل عنه، فخرج إلينا بلال رضي الله عنه، فقلنا له: انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسله عن ذلك ولا تخبره من نحن، فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: من هما؟ قال: زينب، قال: أي الزيانب؟ قال: زينب امرأة عبد الله وزينب الأنصارية ، قال: نعم، لهما أجران: أجر القرابة وأجر الصدقة ) ].أورد النسائي حديث زينب امرأة عبد الله بن مسعود عن بلال رضي الله تعالى عنهما أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( تصدقن ولو من حليكن )، الحديث فيه شيء عن زينب وفيه شيء لم تسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه بواسطة بلال حيث سأل وأخبرهن، فالحديث أوله هو أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب النساء، وقال للنساء: ( تصدقن ولو من حليكن )، فكانت زينب الثقفية امرأة عبد الله بن مسعود سألت زوجها عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، قالت: أيسعني أن أجعل صدقتي فيك وفي أبناء أخ لي أيتام، فقال لها: سلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهبت لتسأله، ووقفت في الباب، ووجدت امرأة حاجتها مثل حاجتها، أنصارية اسمها زينب تريد أن تسأل نفس السؤال الذي تسأل عنه زينب الثقفية ، فوقفتا وقالتا لبلال : انطلق واسأله، ولا تخبره من نحن، فأخبره بأن امرأتان تسألان -يعني: بالباب- عن كذا وكذا، فقال: من هما؟ قال: زينب، قال: أي الزيانب، قال: زينب امرأة عبد الله وزينب الأنصارية ، وكان قد أخبره بسؤالهما، فقال: نعم، لهما أجران: أجر القرابة وأجر الصدقة ].
(لهما أجران) يعني: لهاتين المرأتين السائلتين أجران: أجر القرابة وأجر الصدقة، (أجر القرابة وأجر الصدقة)، أي: أجر صلة القرابة، وأجر الصدقة، فهو مثل الحديث الذي تقدم: ( الصدقة على المسكين صدقة، وعلى القريب صدقة وصلة )، وهذا الكلام الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم لـبلال ليخبر به هاتين المرأتين هو مثل الكلام في الحديث السابق، لهما أجر القرابة، وأجر الصدقة، أي: أجر صلة القرابة، أجر صلة القرابة.
وأجر الصدقة، والرسول صلى الله عليه وسلم قال للنساء: ( تصدقن ولو من حليكن )، فيه: الحث على الصدقة ولو كانت من هذه الأشياء التي تكون حاجة النساء إليها قائمة، وهي الحلي التي تتجمل به لزوجها، وهذا يدل على أنها ليست الصدقة الواجبة؛ لأن قوله: ( تصدقن ولو من حليكن ) يشعر بأنها غير الصدقة الواجبة؛ لأن الزكاة إنما تجب في المال الذي بلغ النصاب وحال عليه الحول، وهنا قال: تصدقن ولو من حليكن، وهو ما لا تستغني عنه المرأة، والذي تحتاجه المرأة للتجمل الذي هو الحلي، فالحديث يشعر أنه ليس في الزكاة الواجبة، لكن السؤال الذي قالته امرأة عبد الله يشعر بأنه إنما هو لصدقة واجبة؛ لأنه لو كان المقصود بالصدقة المندوبة المستحبة لكان أمرها هين، وتوضع في الفقير الذي يحتاجها، والذي يستحقها، وهي صدقة وصلة، لكن الشيء الذي يحتاج إلى معرفته هو الزكاة الواجبة، هل توضع في القريب المحتاج أو لا توضع؟ عرفنا آنفاً التفصيل الذي فيه، وأن الأصول والفروع لا تكون الصدقة لهم، وأما غير الأصول كالحواشي، فإن الصدقة لهم فيها التفصيل الذي أشرت إليه، حيث لا يكون هناك وقاية للمال بأن يتخلص الإنسان من حق القرابة بدفع الزكاة للأقارب؛ ليتخلص بذلك من الحقوق التي على القريب بسبب القرابة.
( تصدقن ولو من حليكن )، فقالت امرأة عبد الله: أيسعني؟ يعني: تسأله، يعني: قد يكون عنده علم في ذلك، فلم يكن عنده علم، فأحالها إلى أن تسأل الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يسأل هو ولم يشأ أن يسأل، يعني: يبدو استحياءً؛ لأن كونه يذهب ويستفتي هل زوجته تعطيه صدقتها؟ يعني: قد يكون هناك شيء يقتضي أن لا يفعل ذلك، بل جعلها هي التي تسأل؛ لأنها صاحبة الصدقة وصاحبة الزكاة، فذهبت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ووجدت على الباب امرأة حاجتها كحاجتها، فطلبت من بلال أن يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يخبره من هما، يعني: المقصود أنه لا يقول فلانة وفلانة تسألني عن كذا وكذا ابتداءً، فلا ينافي كونه لما سأله الرسول صلى الله عليه وسلم قال: فلانة وفلانة؛ لأن المقصود أنه لا يخبر ابتداءً؛ لأنها قالت له: لا تخبر من نحن، يعني: أرادت منه أن لا يقول: فلانة وفلانة تسأل عن كذا وكذا، وإنما يقول: امرأتان تسألان عن كذا وكذا، فلما سأله الرسول صلى الله عليه وسلم من هما؟ أجابه، فقال: زينب امرأة عبد الله وزينب الأنصارية، فكونه أجاب الرسول صلى الله عليه وسلم لا ينافي قولهن له: لا تخبره من نحن؛ لأن المقصود أنه لا يخبرهن بالسؤال، لا يقول له: فلانة وفلانة تسألني عن كذا وكذا، قل: امرأتان تسألان عن كذا وكذا، لكن إذا سأل الرسول صلى الله عليه وسلم فيجاب، ولا ينافي هذا كونه يقال: إنه خالف ما أردن منه؛ لأنه لم يخالف؛ لأن المقصود من ذلك هو أنه لا يخبر ابتداءً، فيقول: فلانة وفلانة تسألاني، أما إذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم من هما؟ فيتعين عليه أن يجيب الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن يخبره بأسمائهما، فلا تنافي بين هذا وهذا.
فالرسول عليه الصلاة والسلام قال: ( لهما أجر القرابة وأجر الصدقة )، (لهما أجر القرابة)، أي: أجر صلة القرابة، (وأجر الصدقة)، وهذا هو محل الشاهد للترجمة من الحديث؛ الشاهد من الحديث للترجمة: الصدقة على الأقارب، وهو متفق مع حديث سلمان بن عامر المتقدم: (وعلى ذي الرحم اثنتان: صدقة وصلة).


تراجم رجال إسناد حديث: (تصدقن ولو من حليكن... لهما أجران: أجر القرابة وأجر الصدقة)


قوله: [أخبرنا بشر بن خالد ].ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا غندر ].
هو محمد بن جعفر البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وغندر لقب اشتهر به محمد بن جعفر، ويأتي كثيراً باسمه، ويأتي أحياناً بلقبه كما هنا، ومعرفة ألقاب المحدثين نوع من أنواع علوم الحديث، وفائدة معرفة ذلك النوع: أن لا يظن الشخص الواحد شخصين فيما إذا ذكر باسمه في بعض المواضع وذكر بلقبه في بعض المواضع؛ فالذي لا يعرف أن غندر لقب لـمحمد بن جعفر البصري يظن أن محمد بن جعفر شخص وأن غندر شخص آخر، لكن من عرف ذلك لا يلتبس عليه هذا، فهنا ذكر محمد بن جعفر البصري بلقبه، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن شعبة ].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن سليمان ].
هو سليمان بن مهران الكاهلي الأعمش، ويأتي باسمه كما هنا، ويأتي بلقبه الأعمش كثيراً، فهو مثل محمد بن جعفر، يأتي باسمه ويأتي بلقبه، وقد جاء محمد بن جعفر بلقبه هنا، ويأتي الأعمش كثيراً بلقبه، وقد جاء باسمه هنا، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي وائل ].
هو شقيق بن سلمة الكوفي ، وهو ثقة، مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته أبو وائل ، ومشهور باسمه أيضاً، ولهذا يأتي في بعض الأحاديث شقيق بن سلمة، وفي بعضها شقيق بدون نسبة، ويأتي في بعضها بكنيته كثيراً كما هنا أبو وائل، وفائدة معرفة كنى أصحاب الأسماء هي مثل فائدة معرفة ألقاب المحدثين، وهي أن لا يظن الشخص الواحد شخصين فيما إذا ذكر بكنيته في بعض المواضع وذكر باسمه في بعض المواضع، فمن لا يعرف الحقيقة يظن أن هذا شخص وهذا شخص، ومن يعرف الحقيقة لا يلتبس عليه الأمر، وحديث شقيق بن سلمة أبو وائل أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن عمرو بن الحارث ].
هو عمرو بن الحارث الثقفي، وهو ابن أخي زينب الثقفية، امرأة عبد الله بن مسعود، يعني: يروي عن عمته، يعني: عمرو بن الحارث الثقفي يروي عن عمته زينب الثقفية، فهو رواية قريب عن قريب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن زينب ].
هي زينب بنت معاوية الثقفية امرأة عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.
والحديث كما ذكرت أوله يعني: هو عن زينب؛ لأن قول الرسول: (تصدقن ولو من حليكن)، هذا الراوية له زينب، لكن آخره الذي فيه الصدقة والصلة لم تسمعه زينب من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنها كانت في الباب، ولكنها أرسلت رسولاً، وواسطة بينها وبينه وهو بلال، ولهذا قال: [ نعم لهما أجران، أجر القرابة وأجر الصلة] فالحديث أوله عن زينب نفسها، وآخره عن بلال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبلال صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.


المسألة

شرح حديث: (لأن يحتزم أحدكم حزمة حطب على ظهره فيبيعها خير من أن يسأل رجلأً فيعطيه أو يمنعه)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ المسألة.أخبرنا أبو داود حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب : أن أبا عبيد مولى عبد الرحمن بن أزهر أخبره أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( لأن يحتزم أحدكم حزمة حطب على ظهره فيبيعها خير من أن يسأل رجلاً فيعطيه أو يمنعه ) ].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: المسألة، يعني: ذمها، المقصود من الترجمة ذمها، وأنه لا ينبغي للإنسان أن يصير إليها إلا إذا كان مضطراً إليها كما سبق أن مر وكما سيأتي، كما سبق أن مر في حديث قبيصة بن مخارق وكما سيأتي أيضاً.
الإنسان إذا سأل وهو محتاج معذور فهذا ليس بمذموم، ولكن المذموم هو الذي يسأل وعنده ما يكفيه، أو يستكثر بالسؤال، ويتكثر بالسؤال، أما من كان مضطراً إلى السؤال وهو غير قادر على العمل وليس عنده شيء يغيثه فإن هذا يكون معذوراً، وعلى هذا فالمسألة فيها تفصيل، وقد عرفنا ذلك فيما مضى، ونعرف هنا، وكذلك سيأتي أيضاً حديث قبيصة بن مخارق من طريق أخرى، وهو دال على التفصيل الذي أشرت إليه، وأورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ( لأن يحتزم أحدكم حزمة حطب على ظهره فيبيعها خير من أن يسأل رجلاً فيعطيه أو يمنعه ).
هذا الحديث يدلنا على أن الإنسان الذي ليس عنده شيء، ولكن عنده القدرة على الاكتساب أن يكتسب ولو كان ذلك الاكتساب فيه مشقة؛ لأن مشقة التعب والنصب الذي يحصل من وراءه الرزق أسهل وأهون من مشقة ذل السؤال وما يترتب عليه من الذلة وسؤال الناس؛ ولأن الخيرية هنا يعني: من أجل أن هذه فيها مشقة، وهذه فيها مشقة، ولكن المشقة التي تكون بهذا التعب وبهذا النصب أهون وأحسن وأفضل من المشقة التي تكون بالذلة، وكون الإنسان يمد يده مع أنه قادر على العمل والاكتساب.
قوله: (لأن يحتزم أحدكم حزمة على ظهره)، يعني: يذهب ويأتي بحزمة حطب يحملها على ظهره فيبيعها ويستفيد منها ويقتات منها خير من أن يسأل أحداً فيعطيه أو يمنعه، سواء أعطاه أو منعه، إن أعطاه فذاك أهون، وأن منعه فحصل الذل وما حصلت الفائدة، يعني: ما حصلت الفائدة من ما أقدم عليه من كونه أذهب ماء وجهه بالسؤال، ومع ذلك لم يحصل على طائل، فهو قال: في الحالين، سواء أعطاه أو منعه، سواء حصل أو لم يحصل، يعني معنى هذا: أن السؤال لا ينبغي أن يصار إليه إذا كان الإنسان قادر على الاكتساب أو عنده ما يكفيه.


تراجم رجال إسناد حديث: (لأن يحتزم أحدكم حزمة حطب على ظهره فيبيعها خير من أن يسأل رجلاً فيعطيه أو يمنعه)


قوله: [ أخبرنا أبو داود ].هو سليمان بن سيف الحراني، وهو ثقة، أخرج له النسائي وحده.
[حدثنا يعقوب بن إبراهيم ].
هو يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا أبي ].
هو إبراهيم بن سعد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة أيضاً.
[ عن صالح ].
هو صالح بن كيسان المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن شهاب ].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو: ثقة، فقيه، من صغار التابعين، مكثر من رواية الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو الذي قام بجمع السنة بتكليف من الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمة الله على الجميع، وهذا، أي: القيام بالجمع بصفة رسمية بتكليف من والي الأمر الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه، وإلا فإن الكتابة كانت من قبل؛ كتابة الصحابة لأنفسهم الأحاديث، فمن كان منهم كاتباً فإنه كان يكتب لنفسه كما كان عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه يكتب لنفسه كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، ولكن بتكليف من والي الأمر فأول من قام بذلك الزهري بتكليف من عمر بن عبد العزيز، ولهذا يقول السيوطي في الألفية:
أول جامع الحديث والأثر ابن شهاب آمراً له عمر
[ أن أبا عبيد مولى عبد الرحمن بن أزهر ].
هو سعد بن عبيد، كنيته أبو عبيد، واسمه سعد بن عبيد مولى عبد الرحمن بن أزهر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق عنه.

شرح حديث: (ما يزال الرجل يسأل حتى يأتي يوم القيامة ليس على وجهه مزعة من لحم)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن شعيب عن الليث بن سعد عن عبيد الله بن أبي جعفر قال: سمعت حمزة بن عبد الله يقول: سمعت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( ما يزال الرجل يسأل حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة من لحم ) ].أورد النسائي حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما: ( ما يزال الرجل يسأل حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم )، لما أورد الحديث المتقدم الذي فيه كونه يحتزم حزمة على ظهره ويبيعها ويصبر على هذا التعب والنصب، وأنه خير له من أن يسأل أحداً يعطيه أو يمنعه أرشد إلى ذم السؤال وذم المسألة، وأن الإنسان يلحق الضرر بنفسه، وأنه يسأل حتى يذهب ماء الحياء عن وجهه، فيأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم.
يعني معناه: كما أنه أذل نفسه بالسؤال، وأذهب ماء الحياء من وجهه بإقدامه على السؤال، وإكثاره من السؤال، واشتغاله بالسؤال، حيث قال: (ما يزال) يعني معناه: أنه يحصل منه تكرار ذلك، ومداومة ذلك.
(يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم)، فسر بعدة تفسيرات؛ أنه يأتي ذليلاً كما أنه كان ذليلاً في الدنيا بسؤاله، وهو يدل على الذلة وعلى المهانة، أو أنه عومل بمثل ما حصل منه، أو بشيء يوافق ما حصل منه، وهو أنه لما أذهب ماء الحياء عن وجهه بهذه الذلة، فإنه يأتي ووجهه يوم القيامة على هذه الهيئة التي فيها إذهاب لحم وجهه، بحيث يأتي وليس في وجهه مزعة لحم، فتكون العقوبة من جنس العمل، فتكون العقوبة في الوجه كما أن الإنسان أذهب ماء الحياء من وجهه بامتهانه السؤال، وإلحاحه في السؤال، وتكرار السؤال منه، وكثرة السؤال منه.
وقد عرفنا أن هذا فيما إذا لم يكن هناك من ضرورة تدعو إلى ذلك، أما إذا كان هناك ضرورة تدعو إليه فقد جاء ما يدل على جوازه كما في حديث قبيصة بن مخارق رضي الله تعالى عنه.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 25-07-2022, 09:55 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,405
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

تراجم رجال إسناد حديث: (ما يزال الرجل يسأل حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة من لحم)

قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ].هو محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[ عن شعيب ].
هو ابن الليث بن سعد، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي.
[ عن الليث بن سعد ].
هو الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبيد الله بن أبي جعفر ].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ سمعت حمزة بن عبد الله ].
هو حمزة بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أخو سالم.
[ سمعت عبد الله بن عمر ].
صحابي ابن صحابي، هو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث: (... لو تعلمون ما في المسألة ما مشى أحد إلى أحد يسأله شيئاً)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا محمد بن عثمان بن أبي صفوان الثقفي حدثنا أمية بن خالد حدثنا شعبة عن بسطام بن مسلم عن عبد الله بن خليفة عن عائذ بن عمرو رضي الله عنه: ( أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسأله فأعطاه، فلما وضع رجله على أسكفة الباب، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لو تعلمون ما في المسألة ما مشى أحد إلى أحد يسأله شيئاً ) ].أورد النسائي حديث عائذ بن عمرو رضي الله تعالى عنه: أن رجلاً جاء وسأل النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاه، ولما كان في أسكفة الباب، يعني: في عتبة الباب، يعني: يريد أن يخرج، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
( لو تعلمون ما في المسألة ما مشى أحد إلى أحد يسأله شيئاً )، يعني: لو تعلمون ما فيها من الذلة ومن العقوبة، ومن المعلوم أن ذلك حيث لا يكون هناك ضرورة تدفع إلى ذلك، ما مشى أحد إلى أحد، وأما بالنسبة للذلة والمهانة فهي موجودة، يعني: في الدنيا، يعني: لكن المضطر إليها معذور، وغير المضطر ليس بمعذور.
( لو تعلمون ما في المسألة ما مشى أحد إلى أحد يسأله شيئاً )، يعني: هذا فيه تحذير وتنفير من المسألة، وأن الإنسان لا يستهين بها، ويقول: إن كونه يمد يده ويعطى شيئاً تكون غنيمة باردة بدون تعب وبدون مشقة، بل هي في الحقيقة فيها مشقة، وهي مشقة ذل السؤال، وإذهاب ماء الحياء من الوجه، لكن بعض الناس لا يكترث بذلك، فلهذا نجد أن بعض المحترفين لمهنة السؤال يصعب عليه أن يتركها، بل سمعنا أن بعض هؤلاء السائلين يوجد عنده من الأموال الطائلة الشيء الكثير؛ لأنه اعتاد ذلك، وماء الحياء ذهب عن وجهه فصار لا يحصل تعباً، وإنما يمد يده بدون حياء، فيعطى ما يعطى، ثم يكدس الأموال الطائلة، ثم يذهب عنها ويأخذها غيره من الورثة، فيكون هو حصلها من هذا الطريق الغير المشروع، وغيره هو الذي استفاد منها.


تراجم رجال إسناد حديث: (... لو تعلمون ما في المسألة ما مشى أحد إلى أحد يسأله شيئاً)


قوله: [ أخبرنا محمد بن عثمان بن أبي صفوان الثقفي ].ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[ حدثنا أمية بن خالد ].
صدوق، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وهو: أخو هدبة بن خالد شيخ البخاري ومسلم، والذي يقال له: هداب ، يعني: يأتي ذكره هدبة ، وأحياناً هداب ، فهذا هدبة بن خالد وهذا أمية بن خالد.
[ حدثنا شعبة عن بسطام بن مسلم ].
شعبة، قد مر ذكره.
وبسطام بن مسلم، ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود في المسائل، والنسائي، وابن ماجه.
[ عبد الله بن خليفة ].
مجهول، أخرج حديثه النسائي وحده.
[ عن عائذ بن عمرو ].
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرج حديثه البخاري ومسلم والنسائي.


سؤال الصالحين

شرح حديث: (... وإن كنت سائلاً لابد فاسأل الصالحين)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ سؤال الصالحين.أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن جعفر بن ربيعة عن بكر بن سوادة عن مسلم بن مخشي عن ابن الفراسي أن الفراسي رضي الله عنه قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أسأل يا رسول الله؟! قال: ( لا، وإن كنت سائلاً لا بد فاسأل الصالحين ) ].
أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: سؤال الصالحين، المقصود من هذه الترجمة هو: أن السائل إذا احتاج الإنسان إلى أن يسأل فليسأل أهل الصلاح وأهل الاستقامة الذين هم مظنة أن يجيبوا وأن يحققوا الرغبة، وأيضاً إذا صار الإحسان منهم فهو أولى وأفضل من الإحسان من غيرهم، وكون الإنسان يمد يده لرجل صالح غير كونه يمد يده لرجل فاسق، فهذا أولى، فهو أولى من هذه الناحية، وأيضاً من أجل تحقيق المراد أنه مظنة أن يحصل ما يريد عندما يسأل رجلاً صالحاً يقدر على تحقيق رغبته، فهذا هو المقصود من هذه الترجمة.
وقد أورد النسائي حديث الفراسي.
[ قال الفراسي لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أسأل يا رسول الله؟! قال: ( لا، وإن كنت سائلاً لا بد فاسأل الصالحين )].
جاء الفراسي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: أسأل يا رسول الله؟، يعني: يستأذنه أو يسأله هل يسأل؟ يعني: الناس، فقال: لا، يعني: لا تسأل، وإن كنت سائلاً ولا بد، أي: إن كنت سائلاً لا بد من السؤال وأنت مضطر إلى ذلك، وأنت محتاج إلى ذلك، فاسأل الصالحين.
الحديث يدل على ما ترجم له النسائي من حيث أن الإنسان يسأل الصالحين، وهو من حيث المعنى مستقيم؛ لأن سؤال الصالحين كما أشرت أولى من سؤال الفساق، وكون الإنسان يمد يده لرجل صالح يسأله قضاء حاجة خير من أن يمد يده لفاسق من أجل يقضي له حاجة.
ثم أيضاً: المقصود من السؤال هو: الحصول على المراد، وسؤال من يكون صالحاً ومن يكون مستقيماً فيه مظنة تحقيق المراد، لكن الحديث فيه من هو مقبول ولم يتابع، فليس بصحيح، وقد ذكره الألباني في ضعيف سنن النسائي، لكن من حيث المعنى -يعني: كما أشرت- لا شك أنه مستقيم من جهة أن الإنسان يسأل صالحاً خيراً من كونه يسأل فاسقاً.

تراجم رجال إسناد حديث: (... وإن كنت سائلاً لا بد فاسأل الصالحين)

قوله: [أخبرنا قتيبة ].هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا الليث عن جعفر بن ربيعة ].
وقد مر ذكره.
وجعفر بن ربيعة المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن بكر بن سوادة ].
هو بكر بن سوادة المصري أيضاً، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[ عن مسلم بن مخشي ].
مقبول، أخرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجه.
[ عن ابن الفراسي ].
وابن الفراسي قال الحافظ ابن حجر: إنه ابن الفراسي عن رسول الله، وقيل: ابن الفراسي عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يعرف اسمه، ومن المعلوم أن الذي جاء يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم صحابي، لكن ابنه هذا الذي أخبر عن أبيه أنه جاء يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعرف، وفي بعض الأسانيد أن الحديث عن ابن الفراسي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن كان ابن الفراسي هو الذي سأل الرسول صلى الله عليه وسلم فيكون مثل أبيه، يعني: إما هذا وإما هذا، إما أبوه وإما هو، فمن سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو صحابي؛ لأنه تشرف بلقي الرسول صلى الله عليه وسلم وبصحبته، لكن الإسناد فيه مسلم بن مخشي وهو مقبول، فالحديث من الإسناد غير مستقيم، ولكنه من حيث المعنى لا شك أنه مستقيم؛ لأن سؤال من هو صالح وأهل الاستقامة وأهل الصلاح أولى من سؤال أهل الفسق.


الاستعفاف عن المسألة

شرح حديث: (... ومن يستعفف يعفه الله...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ الاستعفاف عن المسألة.أخبرنا قتيبة عن مالك عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: ( أن ناساً من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، حتى إذا نفد ما عنده قال: ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف يعفه الله عز وجل، ومن يصبر يصبره الله، وما أعطى أحد عطاء هو خير وأوسع من الصبر ) ].
أورد النسائي الاستعفاف عن المسألة، يعني: بعد أن ذكر المسألة، وذكر ذم المسألة، ذكر هذه الترجمة وهي الاستعفاف عن المسألة، كون الإنسان يستعف ولا يذل نفسه للسؤال، وإذا كان عنده قدرة على تحصيل ما يقيته بدون سؤال صار إلى ذلك، ولا شك أن هذا هو المطلوب، وهذا هو الذي ينبغي، وهذا هو الذي فيه غنى النفس؛ لأن من استغنى أغناه الله، ومن استعفف أعفه الله، ومن يصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاءً خير من الصبر، فكون الإنسان يصبر على الفقر، ويصبر على الشدة، ويجتهد في تحصيل ما يريد عن طريق غير السؤال، فهذا هو الذي ينبغي، لكنه إذا اضطر إلى السؤال، فقد عرفنا أن ذلك سائغ، كما مر وكما سيأتي.
وقد أورد النسائي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه: أن ناساً من الأنصار جاءوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فأعطاهم، ثم جاءوا إليه فأعطاهم، يعني: كرروا المسألة حتى نفذ ما عنده، فقال عليه الصلاة والسلام: ما يكون عندي شيء فأدخره عنكم، يعني: ما يكون عندي شيء فأدخره وأبقيه لنفسي، واستأثر به عنكم، بل أعطيه لكم، وأعطيه من يستحقه، ولا يبقى عندي شيء، وقد سبق أن مر بنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما صلى بأصحابه مرة، ولما فرغ من الصلاة، انصرف عنهم وقام بسرعة مسرعاً، وذهب إلى بيته، فالصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم خشوا أن يكون هناك أمر يخشى منه، فخرج عليهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فسألوه، يعني: ما الذي جعله يفعل أمراً ما كان يفعله من قبل، فقال: إنه شيء من ذهب، كان عنده وكان نسيه، فأراد أن يبادر -لما ذكر- إلى إخراجه وتوزيعه، فهو كما قال عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث: ما يكون عندي شيء فأدخره عنكم، يعني: فإنما هو لكم، وأعطيه من يستحقه، ثم أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى الاستعفاف والاستغناء، وقال: ومن يستعفف يعفه الله، يعني: يعطيه الله عز وجل ما يكفيه، ويجعله عفيفاً، ويجعله غني النفس، وإذا وجد غنى النفس وجد الغنى الحقيقي؛ لأنه كما جاء في الحديث: (ليس الغنى عن كثرة العرض، إنما الغنى غنى النفس)، يعني: ليس الغنى كثرة المال؛ لأنه قد يكون المال كثيراً والنفس غير غنية، فتجده ما يشعر بأن عنده مال، بل يبحث عن الاستزادة والتكثير من المال، فإذا وجد غنى النفس سواء صار اليد فيها شيء، أو لم يكن فيها شيء فهذا هو الغنى الحقيقي، الغنى غنى النفس، سواء إن وجد معه غنى اليد أو ما وجد معه غنى اليد، ( من يستعفف يعفه الله ).
( ومن يصبر يصبره الله ) من يصبر على الفاقة، وعلى الحاجة وعلى قلة ذات اليد ولا يقدم على سؤال الناس يصبره الله، يعني: يرزقه الله الصبر، ومن المعلوم أن العلماء اختلفوا في أيهما أفضل: الغني الشاكر أم الفقير الصابر، فهذا له فضل وهذا له فضل، وكلام العلماء أيهما أفضل؟ هذا أو هذا؟ فإذا صبر على فقره ولم يذل نفسه بالسؤال، وسعى لتحصيل الرزق بالطرق المشروعة على حسب ما يستطيع، وعف نفسه، فهذا خير له، ثم قال: ( وما أعطي أحد عطاءً هو خير وأوسع من الصبر )، لأن الإنسان إذا كان صابراً محتسباً فسواء كان بيده شيء أو ما بيده شيء هو على خير؛ لأن نفسه غنية، وهو صبور، وهو على صبره مأجور.

تراجم رجال إسناد حديث: (... ومن يستعفف يعفه الله ...)

قوله: [أخبرنا قتيبة عن مالك عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد ].قتيبة عن مالك عن ابن شهاب، وقد مر ذكرهم.
و عطاء بن يزيد، هو الليثي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي سعيد ].
أبو سعيد الخدري هو سعد بن مالك بن سنان، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مشهور بكنيته، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث: (لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير له من أ، يأتي رجلاً ... فيسأله أعطاه أو منعه) من طريق أخرى


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا علي بن شعيب أخبرنا معن أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( والذي نفسي بيده لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره، خير له من أن يأتي رجلاً أعطاه الله عز وجل من فضله فيسأله أعطاه أو منعه ) ].أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى المتعلق بكون الإنسان يأخذ حبله ويأتي بحزمة من حطب فيبيعها ويستفيد منها، خير من أن يسأل أحداً أعطاه الله من فضله، فيعطيه أو يمنعه، يعني: هذا يدل على أن الإنسان يستعف ويستغني ويبذل ما يستطيع لتحصيل الرزق بالطرق المشروعة، ولا يصير إلى السؤال وإلى ذل السؤال؛ لأن في ذلك استعفاف، يعني: يستعف عن الناس وعن ما في أيدي الناس، ويفعل ما يستطيع في سبيل الحصول على الرزق من الوجه المشروع.

تراجم رجال إسناد حديث: (لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير له من أن يأتي رجلاً ... فيسأله أعطاه أو منعه) من طريق أخرى


قوله: [أخبرنا علي بن شعيب ].ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[ أخبرنا معن ].
هو معن بن عيسى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أثبت أصحاب مالك.
[ أخبرنا مالك عن أبي الزناد ].
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، المشهور، الإمام، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة.
وأبو الزناد هو عبد الله بن ذكوان ، لقبه أبو الزناد، لقب على صفة الكنية، وكنيته أبو عبد الرحمن، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن الأعرج ].
هو عبد الرحمن بن هرمز ، مشهور بلقبه، ويأتي بلقبه أحياناً وباسمه أحياناً، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
وقد مر ذكره.


فضل من لا يسأل الناس شيئاً


شرح حديث: (من يضمن لي واحدة وله الجنة... أن لا يسأل الناس شيئاً)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ فضل من لا يسأل الناس شيئاً.أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا ابن أبي ذئب حدثني محمد بن قيس عن عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية عن ثوبان رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( من يضمن لي واحدة وله الجنة )، قال يحيى : ها هنا كلمة معناها: أن لا يسأل الناس شيئاً ].
ثم أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: فضل من لا يسأل الناس شيئاً، يعني: كما أن عدم السؤال فيه عزة النفس، وفيه غنى النفس، وفيه الابتعاد عن ذل النفس، فأيضاً فيه فضل وفيه أجر، وأن له الجنة كما جاء في الحديث الذي أورده النسائي هنا، وهو حديث ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من يضمن لي واحدة وله الجنة) ثم قال يحيى كلمة معناها: أن لا يسأل الناس شيئاً، يعني: أن اللفظ الحقيقي أو اللفظ الصيغة التي جاءت في الرواية ما كان يحيى يضبطها بلفظها، ولكنه ذكرها بالمعنى، قال يحيى كلمة معناها: كذا، يعني معناه: أنه رواية بالمعنى لهذا اللفظ، أما الأول فهو باللفظ فليس فيه إشكال، وإنما الجملة الأخيرة التي هي الواحدة أو تفسير الواحدة، هي كونه لا يسأل الناس شيئاً، يعني: هذا هو المعنى، وليس هو اللفظ تماماً.
وقوله: لا يسأل الناس شيئاً بعد قوله: (من يضمن لي واحدة وله الجنة)، كونه يذكر الشيء ويذكر ثوابه دون أن يسميه فيه تطلع، أو يجعل السامع يتطلع إلى معرفة هذا الشيء الذي هذا شأنه، وأنها واحدة يكون بها ضمان الجنة، فقال: لا يسأل الناس شيئاً، أو كلمة معناها هذه الكلمة.

تراجم رجال إسناد حديث: (من يضمن لي واحدة وله الجنة... أن لا يسأل الناس شيئاً)


قوله: [ أخبرنا عمرو بن علي ].هو عمرو بن علي الفلاس، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثنا يحيى ].
هو يحيى بن سعيد القطان، وهو ثقة، ناقد، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا ابن أبي ذئب ].
هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني محمد بن قيس ].
هو محمد بن قيس المدني، وهو ثقة، أخرج له مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه.
[ عن عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية ].
هو عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، وهو صدوق، أخرج حديثه النسائي وابن ماجه.
[عن ثوبان ].
مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

شرح حديث: (لا تصلح المسألة إلا لثلاثة ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا هشام بن عمار حدثنا يحيى وهو ابن حمزة حدثني الأوزاعي عن هارون بن رئاب أنه حدثه عن أبي بكر عن قبيصة بن مخارق رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ( لا تصلح المسألة إلا لثلاثة: رجل أصابت ماله جائحة، فيسأل حتى يصيب سداداً من عيش ثم يمسك، ورجل تحمل حمالة فيسأل حتى يؤدى إليهم حمالتهم ثم يمسك عن المسألة، ورجل يحلف ثلاثة نفر من قومه من ذوي الحجا بالله: لقد حلت المسألة لفلان، فيسأل حتى يصيب قواماً من معيشة ثم يمسك عن المسألة، فما سوى ذلك سحت ) ].أورد النسائي حديث قبيصة بن مخارق رضي الله تعالى عنه، [ فضل من لا يسأل الناس شيئاً ].
فضل من لا يسأل الناس شيئاً، الحديث ليس واضحاً في الترجمة؛ لأن الحديث في الفضل، وهذا ليس فيه شيء يدل على الفضل، وإنما فيه بيان أن المسألة تحل لهؤلاء الثلاثة، لكن ما فيه تصريح وشيء يدل على الفضل، يعني: فضل من لا يسأل الناس شيئاً، الحديث السابق واضح الدلالة على المقصود؛ لأن من يضمن لي واحدة أضمن له الجنة أن لا يسأل الناس شيئاً، فهذا يدل على الفضل، لكن هذا الحديث الذي معنا حديث قبيصة ليس فيه دلالة على الفضل، ولكن فيه دليل على حل المسألة لهؤلاء الثلاثة الذين هم من اجتاحت ماله جائحة فذهب ماله، ويسأل حتى يحصل سداداً أو قواماً من عيش، يعني: يفيده، أو تحمل حمالة لإصلاح بين الناس حتى يؤدي هذا الذي تحمله إلى من تحمله لهم، أو إنسان ذو فاقة فيحلف ثلاثة من ذوي الحجا من قومه ومن أهله ومن العارفين به أنه حلت به فاقة فيسأل حتى يحصل سداداً من عيش أو قواماً من عيش، ثم قال: (وما سوى ذلك سحت)، (وما سوى ذلك)، يعني: ما سوى هذه الأمور الثلاثة، أو السؤال في هذه الأحوال الثلاثة فهو سحت، وهذا يدلنا على أن المسألة المذمومة التي فيها الوعيد هي التي لم يرخص فيها، أو التي ما حصل الترخيص فيها من أجل الضرورة، أما إذا كان من أجل ضرورة والإنسان يقتصر على ما يدفع به تلك الضرورة فإن هذا ليس معذباً أو ليس مذموماً ذلك الذم الذي ورد في الأحاديث المتقدمة.
وحديث قبيصة بن مخارق هذا سبق أن مر ذكره من طرق متعددة في من تحمل حمالة.

تراجم رجال إسناد حديث: (لا تصلح المسألة إلا لثلاثة: ...)

قوله: [ أخبرنا هشام بن عمار ].صدوق، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن الأربعة.
[ حدثنا يحيى وهو ابن حمزة ].
ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني الأوزاعي ].
هو عبد الرحمن بن عمرو أبو عمرو الأوزاعي ، ثقة فقيه، فقيه الشام ومحدثها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن هارون بن رئاب ].
ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي.
[ عن أبي بكر ].
هو كنانة بن نعيم الذي سبق أن مر ذكره في الأسانيد السابقة باسمه، وكنيته أبو بكر، فجاء هنا بالكنية وفي أحاديث الروايات السابقة باسمه كنانة بن نعيم، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي.
[ عن قبيصة ].
قبيصة، وحديثه أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 25-07-2022, 09:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,405
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الزكاة

(410)

- (باب حد الغنى) إلى (باب مسألة الرجل ذا سلطان)



بيّن الشرع الحنيف حد الغنى، ونهى عن الإلحاف في السؤال، وبيّن حده، وأن الصدقة لا تحل لغني وقادر على الكسب، وجوز السؤال في أمر لابد منه، وأن ذلك لا يعد من المسألة المذمومة.
حد الغنى

شرح حديث: (... قيل: يا رسول الله! وماذا يغنيه ... قال: خمسون درهماً أو حسابها من الذهب)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حد الغنى.أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا يحيى بن آدم حدثنا سفيان الثوري عن حكيم بن جبير عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد عن أبيه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( من سأل وله ما يغنيه جاءت خموشاً أو كدوحاً في وجهه يوم القيامة، قيل: يا رسول الله! وماذا يغنيه؟ أو ماذا أغناه؟ قال: خمسون درهماً أو حسابها من الذهب )، قال يحيى : قال سفيان: وسمعت زبيداً يحدث عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد ].
يقول النسائي رحمه الله: حد الغنى، أي: المقصود الغنى الذي ليس للإنسان أن يسأل، وعنده ذلك المقدار الذي يغنيه ويكفيه، هذا هو المقصود بالغنى، وليس المقصود بالغنى الغنى الذي يقابل الفقر الذي يكون معه المال الذي يزكى، وكون الإنسان يكون عنده المال الذي يحول عليه الحول ويزكيه، الذي هو النصاب فأكثر، ليس هذا هو المقصود هنا؛ لأن الغنى يراد به الغنى الذي يكون معه إخراج الزكاة لكونه غنياً، والغنى الذي عنده ما يكفيه، فلا يسأل الناس، ولا يمد يده للناس؛ لأن عنده ما يكفيه، والذي في التراجم هنا: الغنى الذي ليس للإنسان أن يسأل، والغنى الذي فيه حصول الزكاة، وهو المقابل الفقير، هو الذي جاء في حديث معاذ بن جبل في بعث النبي صلى الله عليه وسلم إياه إلى اليمن، وفيه: (أخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم)، فالغني في هذا الحديث: هو الذي يخرج الزكاة، وعنده مال يزكى، ويقابله الفقير الذي هو بخلافه، ولكن الغنى الذي هنا غير الغنى الذي في حديث: (تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم)؛ لأن ذلك الغنى الذي يكون معه إخراج الزكاة، ووجود مال يزكى، والغنى هنا الذي ليس للإنسان أن يسأل، وعنده ذلك المقدار الذي يغنيه ويكفيه، هذا هو المقصود بالتراجم.
وأورد النسائي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
( من سأل وله ما يغنيه جاءت خموشاً أو كدوحاً في وجهه يوم القيامة )كدوحاً بالدال.
خموشاً أو كدوحاً في وجهه يوم القيامة، يعني: جاءت مسألته على هذه الوصف، وعلى هذه الهيئة، خموشاً وكدوحاً في وجهه، والخموش هي: التي تكون في الوجه نتيجة لخمش شيء له، إما عود أو حديد، أو ما إلى ذلك من الأشياء التي يكون فيها تغيير البشرة بتشققها نتيجة لأشياء تمر عليها تجرحها وتجعلها متغيرة، أو كدوحاً وهي بمعناها، (أو) للشك، يعني: هل قال الرسول: خموشاً أو قال كدوحاً؟ وهي بمعنى واحد.
[ قيل: يا رسول الله، ماذا يغنيه، أو ماذا أغناه؟ ].
لأن الذي جاء في الحديث: وله ما يغنيه، فسأله عن المراد بهذا الغنى الذي يمنعه من السؤال، قالوا: وما الذي يغنيه؟ أو ما الذي أغناه؟ حتى لا يكون أهلاً للسؤال، وحتى لا يجوز له أن يسأل، قال: قدر خمسين.
(خمسون درهماً أو حسابها من الذهب).
خمسون درهماً التي هي وقية وربع، وهي ربع النصاب في الزكاة؛ لأن نصاب الفضة مائتا درهم، والخمسون هي ربعها، يعني: من كان عنده ما يعادل ربع النصاب من الفضة، أو ما يعادل هذا المقدار من الفضة من الذهب، فعنده ما يغنيه وليس له أن يسأل.
الحاصل: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من سأل وله ما يغنيه جاءت)، أي: مسألته خموشاً، أو كدوحاً يوم القيامة، وهذا فيه أن الإنسان يؤاخذ، ويعاقب، ويجازى يوم القيامة وفقاً لما حصل منه، وذلك لأنه أراق ماء وجهه، وأذهب ماء وجهه في سؤال الناس، وهو غير محتاج إلى سؤالهم، وغير مضطر إلى ذلك، فتأتي يوم القيامة مسألته على هذا الوصف في وجهه، وكان عقابه أن يكون ذلك ظاهراً على وجهه، كما أضاع، أو أتلف، أو أذهب ماء وجهه في سؤال الناس، وكونه لم يستحِ ولم يبالِ، فإن ذلك الجزاء يكون على وجهه يوم القيامة خموشاً أو كدوحاً، وعندما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم هذا القيد في ذم المسألة، وهو أن له ما يغنيه، سألوه عن الذي يغنيه، والذي يكفيه بحيث لا يكون أهلاً للسؤال، فقال عليه الصلاة والسلام: ( خمسون درهماً أو ما يعادلها من الذهب ).
الحاصل أن الحديث مطابق للتراجم، من جهة أن النبي صلى الله عليه وسلم بين حد الغنى الذي يمنع المسألة، والذي لا يسوغ معه سؤال الناس، وهو أن يكون عنده قدر خمسين درهماً أو ما يعادلها من الذهب.


تراجم رجال إسناد حديث: (... قيل: يا رسول الله! وماذا يغنيه .... قال: خمسون درهماً أو حسابها من الذهب)


قوله: [ أحمد بن سليمان ].هو أحمد بن سليمان الرهاوي، وهو ثقة، حافظ، أخرج له النسائي وحده.
[ عن يحيى بن آدم ].
هو يحيى بن آدم الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سفيان الثوري ].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة، ثبت، فقيه، إمام، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن حكيم بن جبير ].
ضعيف، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.
[ عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد ].
ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة.
[ عن أبيه ].
هو عبد الرحمن بن يزيد النخعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد الله بن مسعود ].
هو عبد الله بن مسعود الهذلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من فقهاء الصحابة وعلمائهم رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وكانت وفاته سنة 32هـ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو ليس من العبادلة الأربعة المشهورين في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم في طبقة واحدة من صغار الصحابة، وهم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأما عبد الله بن مسعود فإنه متقدم عليهم لمدة طويلة، وكان متقدم الوفاة، وهؤلاء من صغار الصحابة، أدركهم من لم يدرك ابن مسعود، وأخذ عنهم من لم يأخذ عن ابن مسعود، فـابن مسعود قال بعض أهل العلم: أنه أحد العبادلة، لكن الصحيح والمشهور أن العبادلة هم في طبقة واحدة، وهم من طبقة صغار الصحابة الذين عاشوا بعد ابن مسعود وأدركهم من لم يدرك ابن مسعود، وحديث عبد الله بن مسعود أخرجه أصحاب الكتب الستة.
ثم إن النسائي أشار أو ذكر إلى أن سفيان الثوري روى الحديث من طريق أخرى غير هذه الطريق التي فيها الرجل الضعيف، وهي طريق قوية، وهي أن سفيان روى الحديث من طريق أخرى عن زبيد اليامي، عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد، فعلى هذا فالحديث جاء من طريقين: طريق فيها مقدوح ومجروح، وطريق فيها ثقة، وهو زبيد بن الحارث اليامي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وعلى هذا فوجود الضعيف بالإسناد الأول لا يؤثر شيئاً على صحة الحديث؛ لأن الحديث ثابت بالطريق الثانية التي فيها رواية سفيان عن زبيد بن الحارث اليامي، وزبيد في الإسناد بدل حكيم بن جبير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.


باب الإلحاف في المسألة

شرح حديث: (لا تلحفوا في المسألة...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ الإلحاف في المسألة: أخبرنا الحسين بن حريث ، قال: أخبرنا سفيان ، عن عمرو ، عن وهب بن منبه ، عن أخيه، عن معاوية رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( لا تلحفوا في المسألة، ولا يسألني أحد منكم شيئاً وأنا له كاره فيبارك له فيما أعطيته ) ].أورد النسائي هذه التراجم وهي: الإلحاف في المسألة، وهي: شدة الطلب والإلحاح في المسألة، هذا هو المقصود بالإلحاف بها، فـالنسائي أورد حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه وأرضاه تحت هذه التراجم، وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( لا تلحفوا في المسألة )، لا تلحفوا، أي: لا تطلبوا وتشتدوا في الطلب، فإنه لا يسألني أحد فأعطيه وأنا كاره فيبارك له فيه؛ لأن الإنسان قد يشتد عليه في الطلب، ويبالغ فيه، فيدفع للتخلص من هذا الإلحاح، وهذا الإلحاف الذي قد حصل، لكن يكون عن غير طيب نفس، وعدم ارتياح للإخراج.
فالرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الإلحاف في المسألة، وأرشد إلى أنه قد يعطي وهو كاره لهذا الإعطاء، لكن بسبب هذا الإلحاف أعطى، فيقول عليه الصلاة والسلام: إذا كان الأمر كذلك أو أعطى الإنسان وهو كاره مع إلحافه ولشدته في الطلب، فإنه لا يبارك له في ذلك الذي أعطي، وإنما يكون الإنسان يسأل عند الضرورة، ولا يلحف في المسألة ولا يشتد في المسألة، لا يلحف فيها، لا يشتد بها، ولا يشدد في الطلب، وإنما يسأل بدون إلحاف، وبدون شدة، وتضييق على المسئول.

تراجم رجال إسناد حديث: (لا تحلفوا في المسألة ...)

قوله: [ أخبرنا الحسين بن حريث ].هو المروزي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
[ عن سفيان ].
هو ابن عيينة، سفيان بن عيينة الهلالي المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عمرو ].
هو عمرو بن دينار المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن وهب بن منبه ].
ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه أخرج له في التفسير فقط، ولم يخرج له في السنن.
[ عن أخيه ].
هو همام بن منبه، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن معاوية ]
هو ابن أبي سفيان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


من الملحف

شرح حديث: (من سأل وله أربعون درهماً فهو الملحف)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ من الملحف؟أخبرنا أحمد بن سليمان أخبرنا يحيى بن آدم عن سفيان بن عيينة عن داود بن شابور عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( من سأل وله أربعون درهماً فهو الملحف) ].
أورد النسائي بعد ما ذكر النهي عن الإلحاف في المسألة عقد هذه التراجم بعدها، وهي: من الملحف؟ من هو الملحف الذي يتوجه إليه النهي؟ فأورد حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، يعني: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( من سأل وعنده أربعون درهماً فهو الملحف )، التي هي وقية وهي خمس نصاب الفضة؛ لأن نصاب الفضة مائتا درهم، والأربعون هي خمسها، فمن سأله وعنده هذا المقدار الذي هو أربعون درهماً، وهو خمس النصاب الذي تجب فيه الزكاة، فإنه هو الملحف الذي جاء النهي فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإلحاف في المسألة، فلما ذكر النهي عن الإلحاف أتى بهذه التراجم بعدها لبيان من هو الملحف؟ وهو الذي عنده ما يكفيه، أو عنده ما يغنيه عن المسألة، وذلك أربعون درهماً فأكثر.


تراجم رجال إسناد حديث: (من سأل وله أربعون درهماً فهو الملحف)


قوله: [ أخبرنا أحمد بن سليمان عن يحيى بن آدم عن سفيان بن عيينة عن داود بن شابور ].الثلاثة الأولون تقدم ذكرهم، وهم أحمد بن سليمان الرهاوي ويحيى بن آدم الكوفي، وسفيان بن عيينة المكي، هؤلاء تقدم ذكرهم.
[ عن داود بن شابور ].
ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، والترمذي ، والنسائي.
[ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ].
هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، هذا هو عمرو بن شعيب ، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، وأصحاب السنن الأربعة.
يروي عن أبيه شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو، وهو أيضاً صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وفي جزء القراءة وأصحاب السنن الأربعة.
وشعيب بن محمد يروي عن جده عبد الله بن عمرو، والمقصود بالجد هو جد شعيب، وليس جد عمرو الذي هو جده الأول، وإن كان ذاك جده؛ لأن جد أبيه جد له، لكن المقصود أن عمرو يروي عن أبيه شعيب، وشعيب يروي عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص، وعلى هذا فيكون متصلاً ولا انقطاع فيه؛ لأن شعيباً بن محمد بن عبد الله بن عمرو ثبت سماعه من جده عبد الله بن عمرو، فالحديث متصل، ولا انقطاع فيه، وبعض العلماء يقول: إن الضمير يرجع إلى عمرو فيكون يروي عن أبيه شعيب، وشعيب يروي عن أبيه محمد، ومحمد يروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فيكون منقطعا مرسلا؛ لأن محمداً ما أدرك الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن على القول المشهور عن أهل العلم، وأن عمرو يروي عن أبيه شعيب ، وشعيب يروي عن جده، يكون الحديث متصلاً لا انقطاع فيه، وقد سبق أن مر بنا قريباً حديث فيه هذا التفصيل، وهو أن عمرو روى عن أبيه شعيب، وشعيب روى عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن عمرو بن العاص صحابي ابن صحابي، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين تقدمت الإشارة إليهم قريباً.

شرح حديث: (من استغنى أغناه الله عز وجل ... ومن سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا قتيبة حدثنا ابن أبي الرجال عن عمارة بن غزية عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: سرحتني أمي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأتيته وقعدت، فاستقبلني وقال: ( من استغنى أغناه الله عز وجل، ومن استعف أعفه الله عز وجل، ومن استكفى كفاه الله عز وجل، ومن سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف )، فقلت: ناقتي الياقوتة خير من أوقية فرجعت، ولم أسأله ].أورد النسائي حديث أبي سعيد الخدري، وهو دال على ما دل عليه حديث عبد الله بن عمرو بن العاص المتقدم، وذلك أن أبا سعيد الخدري أرسلته أمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان المقصود من الإرسال هو السؤال كما جاء في آخر الحديث، وجاء وجلس فاستقبله الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال: ( من استغنى أغناه الله).
(من استغنى أغناه الله، ومن استعف أعفه الله)، (ومن استكفى كفاه الله عز وجل، ومن سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف).
(ومن سأل وله قيمة أوقية)، يعني: أوقية أو ما يساويها أو مقدارها، (فقد ألحف)، وهذا فيه بيان التراجم، والشاهد للتراجم وهي: من الملحف، هو الذي يسأل وله قيمة أوقية، يعني: مقدار أوقية، أوقية أو ما يعادلها، فقد ألحف، ففيه بيان: من هو الملحف؟ وهي التراجم التي عقدها النسائي، وهو أنه يسأل وله أوقية أو ما يعادلها أو قيمتها، والأوقية كما عرفنا هي أربعون درهماً؛ لأن النصاب خمس أواق كما سبق أن مر في الحديث: ( ليس فيه ما دون خمس أواق صدقة)؛ لأن الأوقية أربعون درهماً، والنصاب مائتا درهم، ففيه بيان الشاهد للتراجم، وأن من كان كذلك فهو الملحف، والجمل الثلاث التي تقدمت فيها أن الجزاء من جنس العمل، فمن استغنى أغناه الله، ومن استعف أعفه الله، ومن استكفى كفاه الله.
[ قال: فقلت: ناقتي الياقوتة خير من أوقية ].
فقلت: أي: قال أبو سعيد : ناقتي الياقوتة -اسمها الياقوتة- خير من أوقية؛ لأن الرسول قال: عنده قيمة أوقية، فهذا عنده ناقة وهي خير من أوقية، فرجع ولم يسأل، وهذا يبين أنه كان ذاهباً للسؤال، وأن أمه أرسلته للسؤال، ولكنه لما سمع هذا الكلام رجع دون أن يسأل؛ لأن عنده أكثر من أوقية، وهي هذه الناقة.

يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 423.36 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 417.52 كيلو بايت... تم توفير 5.84 كيلو بايت...بمعدل (1.38%)]