|
فلسطين والأقصى الجريح ملتقى يختص بالقضية الفلسطينية واقصانا الجريح ( تابع آخر الأخبار في غزة ) |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() تأملات حول قوله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) كتبه فضيلة الشيخ الدكتور/ ياسر برهامي حفظه اللـه الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فإن التوسلَ إلى الله -عز وجل- بأنه سريعُ الحساب، واستحضارَ هذا المعنى لهو من أعظم ما يداوي أمراض القلوب؛ التي تحصل بسبب الظلم الذي كثر وانتشر في المشارق والمغارب، في الشمال والجنوب، من مخالفة لأمر الله -عز وجل- بالشرك والكفر، والنفاق والعصيان، ومن مخالفةٍ لشرع الله -عز وجل- بفعل الفواحش وارتكاب المحرماتِ، وارتكاب المعاصي والمنكرات، ومن مخالفةٍ لشرع الله -عز وجل- بالبغي والإفساد في الأرض: من سفكٍ للدماء وانتهاك للأعراض، وقتلٍ للأطفال، وتهديم للبيوت، واغتصاب للأموال، وسلب للأراضي والبلاد، فما أكثرَ الظلم الواقع في هذه الأرض، وخصوصًا على عباد الله المؤمنين الموحدين. مع أن الله -عز وجل- حرم الظلم على نفسه وجعله بين الناس محرمًا، وقال لهم: (يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالَمُوا) (رواه مسلم)، وجعل الله -تعالى- الظلمَ سببًا لخراب الأرض وفسادِها، وشقاء أهلها، وإن كان قلب كل مؤمن ليتألم من الظلم الواقع في هذه الأرض، ويجد فيه غصة ومرضًا يحتاج إلى شفاء. فإن لم يتدارك الإنسان هذا المرض ويعالجه يوشك أن يوقعه في اليأس والإحباط، وترك العمل الواجب في ذلك الوقت أو سوء الظن بالله -عز وجل-، أو التخلف عن رفقة الصالحين الذين ساروا في الأرض؛ ليصلحوا ما وقع فيها من ظلم وجور، وعلى رأسهم أنبياء الله -تعالى- الذين أصلح الله -تعالى- بهم الأرض. وهذا أمر لابد أن يعلمه المسلم؛ لينتفع بفترات انتشار الظلم والظلام في نفسه، ولطائفته المؤمنة كذلك. وإن مما يداوي قلب المؤمن ويشفي صدره: ما أعده الله -تعالى- للكافرين والظالمين من عذاب في الدنيا من: ضنك وشقاء، وألم وحسرة؛ قال الله -تعالى-: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) (طه:124)، وقال -تعالى-: (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) (النساء:104). وكذلك مما يداوي قلب المؤمن ويشفي صدره: ما أعده الله -تعالى- للكافرين والظالمين من حساب في الآخرة، وما ينتظرهم يوم القيامة من عذاب أليم، قال الله -تعالى-: (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ . عَلَى الأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ . هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) (المطففين:34-36). وكذلك مما يداوي قلب المؤمن ويشفي صدره: أن يتدبر كتاب الله -تعالى- فإن فيه الشفاء؛ قال الله -تعالى-: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) (الإسراء:82)، فيشهد ما فيه من أخبار هلاك الظالمين، قال -تعالى-: (فَكُلا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (العنكبوت:40). وكذلك مما يداوي قلب المؤمن ويشفي صدره: أن يشهد أسماء الله -تعالى- وصفاته، وأن يتعبد لله -عز وجل- بمقتضاها، فيشهد إهلاك الله -تعالى- للظالمين بيقين قلبه قبل أن يرى بعينه؛ فيدعو الله -تعالى- بها، كما علمنا النبي - ![]() وإن شهود عدل الله -عز وجل- وسرعة حسابه؛ لهو من أعظم الأمور التي تجعل العبد -وإن كان مظلومًا في أشد درجات الظلم وهو يرى أهله وإخوانه والمسلمين من حوله يتعرضون لأنواع الظلم- يرى أن الله -تعالى- لا يظلم الناس شيئًا، وأنه سريع الحساب، وأنه -عز وجل- هو العليم الحكيم. فعند ذلك؛ ينزِلُ البَردُ على قلبه، ويحصل له من أنواع الخيرات ما يستمد بها طاقة يسير بها على الطريق، مع بقاء كراهيته للظلم والظالمين، ومع استمرار دعائه وتضرعه وانكساره لله -عز وجل-. وقد يملي الله -عز وجل- للظالمين ويؤخرهم فترة -مدة من الزمن- حتى يظنَّ أكثر الناس أنهم لن يُعاقبوا، مع أن الله -تعالى- سريعُ الحساب، فكيف ذلك وقد تمر على الناس قرون يزداد فيها الظلم والعدوان؟! هذا لنعلم أن الله -عز وجل- قد قسَّم الأخلاق والأعمال، والأحوال بين الناس قسمة عدل، وهو -عز وجل- حكم قسط، سريع الحساب. عن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - ![]() ومن سرعة حسابه -عز وجل- بالظالمين: ما يلقيه الله في قلوبهم من الرعب، والقلق والاضطراب والخوف وعدم السكون؛ جزاء لهم على ظلمهم، وهذا لا يراه كثير من الناس! وإنما يعلمه المؤمنون من أحوال الظالمين، كما أنهم يرون قطرة منه إذا عرَّضوا أنفسهم للظلم، فيجدون انقباضًا وضيقـًا في الصدور، ويجدون ألمًا وهمًا وغمًا وكربًا بما قصروا في الواجب وبما ظلموا أنفسهم فضلاً عن أن يظلموا غيرهم، ويعرفون ذلك بهذه القرينة، وبمقارنة حال الظالمين الأشد ظلمًا كيف أن الله -عز وجل- يجمع على الظالمين الآلام والشقاء والتعب! وهم وإن كانوا يملكون الدنيا بمالها، وسلطانها، وشهواتها المختلفة ويملكون الأمر والنهي، ويظنون أن الأمور بأيديهم، فمع ذلك تجد في قلوبهم فزعًا عجيبًا، واضطرابًا وقلقـًا شديدًا، كما قال -تعالى-: (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ) (آل عمران:151)، وكما قال الله -تعالى- عن إبراهيم -عليه السلام-: (وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ . الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (الأنعام:81-82). ويبقى على الكافر والظالم من الألم ما لا تذهبه حلاوة الشهوات، ولا لذاتها، التي هي من جنس اللذة التي يجدها الخنزيرُ في أكل الروث! والتي هي من جنس حَكَّة الجربان إذا حك جلده ومزقه؛ ليحصل على شيء من اللذة أثناء الحك، وهو يؤذي نفسه ويدميها ويضرها أعظم الضرر! ولا يجد شيئًا يسكِّن الألم والمرارة والضيق الذي يجده في صدره -وإن كان يضحك كثيرًا فإنه يضحك وقلبه يتمزق- فأكثر الناس مغرورون بالشهوات غارقون في بحارها، وهم في سكرتهم يعمهون، وهم لا يدرون أنهم يزدادون ألمًا فوق ألم، كما قال الله -تعالى-: (وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) (النساء:104). ومن سرعة حسابه -عز وجل- لعبده المؤمن: أنه إذا ظـُلم وتعبد لله -عز وجل- بالعبوديات الواجبة -حال تعرضه للظلم- يجد من الأمن والطمأنينة والسكينة، والهدوء والراحة والسعادة ما لا يجده غيره، حتى ولو كان في أشد لحظات البأساء والألم. ولكن ألمه قد زال بالصبر واليقين، واستحضار معية الله -عز وجل- للصابرين كما قال الله -تعالى-: (وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) (البقرة:249)، فهذه المعية التي تجعل المؤمن في حال آخر، في حلاوة تذوب معها مرارة الألم، فلو أذن للمؤمن -حينئذ- أن يتمنى مزيدًا من البلاء لفعل، لكنه يسأل الله العافية، فإنه يجد اطمئنانـًا وسكينة، قال الله -تعالى-: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد:28). فهذه الحلاوة تذهب مرارة الألم؛ فمرُّكُم أيها المؤمنون معه عسلٌ تـُذْهِبُ مرارتَه، وأما مرُّهم فلا حلاوة معه، بل تبقى معه المرارة دائمًا. فرجاء الله -عز وجل- يبدد ظلمات اليأس، والله -عز وجل- يجعل في قلب عبده المؤمن من محبته وتعظيمه واستحضار معيته، ورجاء فضله ويقينه بوعده وثقته بما أعده الله -تعالى- له في الدنيا والآخرة ما يذهب معه كل مرارة وألم، ويستعذب في سبيل الله كل ما يصيبه ويرى أنه -بفضل الله- في أحسن حال. كما كانت أيام إبراهيم -عليه السلام- عندما ألقي في النار خير أيامه، قال -تعالى-: (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ) (إبراهيم:69)، وأعلى الله -تعالى- بذلك منزلته، وأظهر الله -تعالى- فضله بتلك المحنة، وجعله إمامًا للناس، قال الله -تعالى-: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (النحل:120). وكذلك كان النبي - ![]() ![]() وكذا يوم بدر لما أراد المشركون إهلاك هذه العصابة المؤمنة أنزل الله -تعالى- عليه - ![]() ![]() ![]() وكذا يوم أحد، يوم قتل سبعون من أصحابه - ![]() ![]() ![]() ![]() وكذا يوم الأحزاب، حين اجتمع الأحزاب لاستئصال دعوته - ![]() ![]() فبهذه المواقفِ وغيرِها أظهر الله -تعالى- قدرَ رسولهِ - ![]() ومن سرعة حسابه -عز وجل-: أنه يجعل الكافرين والمنافقين والظالمين يعذبون بلذاتهم، قال الله -تعالى-: (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ) (التوبة:55)، فالأموال والأولادُ من أسبابِ السعادةِ للإنسانِ، ولكن يجعلها الله -تعالى- سببًا لعذاب الظالمين: فأما الأموالُ؛ فيعذبون بها في الدنيا وعند الموتِ، وفي القبرِ وفي القيامة. ففي الدنيا: من يجمع المالَ من حرامٍ فإنه يشقى به؛ يشقى بطلبهِ، ثم بعد ذلك يشقى بحبسهِ والحرص عليه، والقلقِ على نفاده -فالبخلٌ داءٌ يجعل الإنسان شقيًا في حياته متألمًا في جميع لحظاته-، ويشقى بإنفاقِ ما ينفق بلا سماحةٍ، ولا رضا، ولا رغبةٍ فيما عند الله -عز وجل-، ويتألم في المصائبِ التي تصيبه حين يفقد ما يتمنى تحقيقَهُ؛ فيزداد ألمًا بعد ألم. حتى إذا جاء الموتُ كان ذلك أعظمَ الألم الذي يلقاه في دنياه، ويشتد عليه عندما يعاين السكرات، فهذه شدة عظيمةٌ إلا أنها لا تزال بدايةَ الشدائد. فإذا مات كان كنزه وماله ضجيعًا له في قبره كثعبانٍ يلدغهُ ويقضم يده، يلتف حول رقبته، ولا يجد منه مهربًا، ويقول له في القيامة: "أنا مالُكَ، أنا كنزُكَ"، ثم يطوقه الشجاعُ الأسود ذو الزبيبتين -النقطتين-. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - ![]() فإذا جاءت القيامة: فإنهم يعذبون بما اكتنزوه من أموالهم ولم يؤدوا حقها، قال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ . يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) (التوبة:34-35)، وقال النبي - ![]() وأما الأولادُ؛ فإنهم يعذبون بهم في الدنيا وفي القيامة: في الدنيا: بمنازعتهم لهم دائمًا، وبمخالفتهم إياهم، فيحرمون برَّهم، وبشقائهم بهم عند فقدهم، حتى ربما تهلكُ نفسُ أحدِهم بسبب ابنه إذا فقِد، أو مَرِِضَ أو أصابه ما أصابه، فيعذَّب به، ثم بعد ذلك بالفراق الذي لا التقاء بعده إلا في النار، والذي يزيد الشقاء شقاءً. وفي القيامة: يفر أحدُهم من أخيه، وأمه، وأبيه، وصاحبته، وبنيه، قال الله -تعالى-: (يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ . وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ . وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ . وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ) (المعارج:11-14)، فعندما يَصلَى النارَ يعرف الألم والعذابَ بالأولاد والأموالِ -نعوذ بالله من ذلك-. ومن سرعة حسابه -عز وجل-: أنه يحيي المؤمنَ الحياة الطيبةَ: فالله -عز وجل- يعدُّ للمؤمنين من الخيرات ما تطمئن به نفوسهم ما يدركون به مآلهم عند الله -تعالى-؛ قال الله -تعالى-: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل:97)، فالمؤمن يسعدُ بالمالِ والولدِ في الدنيا والآخرة. فأما سعادتُه بالمال: ففي الدنيا: عندما يعمل ويكتسب الرزقَ الحلال فإنه يحتسب ذلك لله -عز وجل-، وعندما ينفق على نفسه وأهله وعياله؛ فإنه يحتسبه عند الله -تعالى-، فيجد في ذلك من السعادة والراحة أضعافـًا مضاعفة، فإن سعادة المعطي بالعطاء أعظمُ من سعادةِ الآخذ بالأخذ -سعادة الآخذ إن لم تكن ضرورة فهي عذاب على صاحبها-. وفي الآخرة: قال النبي - ![]() وأما سعادته بالولد: ففي الدنيا: هم قرةُ العينِ كما قال الله -تعالى- عنهم: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) (الفرقان:74). فقرةُ العينِ بالأهل والذريةِ إنما بكونهم على طاعة الله -عز وجل-، وبكونهم على طريق العبودية لله -عز وجل-. وبعد موته: يدعو له كما قال - ![]() وفي الآخرة: يشفع له إن مات صغيرًا؛ فعن أبي حسان قال: قلت لأبي هريرة -رضي الله عنه-: إِنَّهُ قَدْ مَاتَ لِيَ ابْنَانِ فَمَا أَنْتَ مُحَدِّثِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - ![]() وإن مات كبيرًا؛ فقد قال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) (الطور:21)، قال ابن كثير -رحمه الله-: "يخبر -تعالى- عن فضله وكرمه، وامتنانه ولطفه بخلقه وإحسانه: أن المؤمنين إذا اتبعتهم ذرياتهم في الإيمان يُلحقهم بآبائهم في المنزلة وإن لم يبلغوا عملهم، لتقر أعين الآباء بالأبناء عندهم في منازلهم، فيجمع بينهم على أحسن الوجوه، بأن يرفع الناقص العمل، بكامل العمل، ولا ينقص ذلك من عمله ومنزلته، للتساوي بينه وبين ذاك؛ ولهذا قال: (أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ)... هذا فضله -تعالى- على الأبناء ببركة عمل الآباء، وأما فضله على الآباء ببركة دعاء الأبناء فقد قال النبي - ![]() ومن سرعة حسابه -عز وجل-: ما يقدِّره على الكافرين والظالمين وأهل العدوان من: مصائبَ تصيبهم عاجلاً بلا تخفيف لآلامهم، ولا رجاءٍ لثواب الله -عز وجل-؛ ولذا تجدهم يجزعون أشدَّ الجزعِ، ويخافون أشدَّ الخوف؛ فالله -سبحانه- يبتلي عباده جميعًا بالمصائب، وهو -عز وجل- قدَّر وجود الشقاء على كل من على ظهر الأرض كما قال لآدم: (فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى) (طه:117)، فلا يزال -سبحانه- يبتلي عباده بأعظم المحن، فأما الكفرة والظلمة فلا يخفف عنهم من تلك المصائب، بل مصيبة واحدة تكاد تذهب نفوسهم بالكلية، وتتضاعف آلامها، ولا يجدون أبدًا سكينة ولا طمأنينة، وأما المؤمنون بصبرهم واحتسابهم يتحول البلاء إلى نعمة، وسعادة وسكينة وطمأنينة. وتأمل في حالهم عند خروج أرواحهم وهي من أعظم مصائبهم فإنهم ينازعون أعظمَ النزع، وتضرب الملائكةُ وجوههم وأدبارَهم، كما قال الله -تعالى-: (وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ) (الأنفال:50). ومن سرعة حسابه -عز وجل-: لعبادِه المؤمنين أنهم عندما تصيبهم المصائبُ يصبرون ويسترجعون؛ فتتنزل عليهم الرحمةُ والهداية، قال الله -تعالى-: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ . أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (البقرة:155-157)، فنعم العَدْلانِِ ونِعمَت العلاوةُ. قال ابن كثير -رحمه الله-:نتابع ... |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |