من هم أولياء الله

[الغدفاوي]

بسم الله الرحمن الرحيم

أولياء الله:

أخلاقهم القنوع، وشعارهم الخشوع، وأفعالهم السجود والركوع، يُطفون الضلوع على الجوع، ويؤثرون على أنفسهم سائلاً وفقيراً {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً } [ الإنسان: 8].

قد غضُّوا الأبصار ، وأخرسوا الأفواه، وعفَّروا الوجوه والجباه، وقالوا لفقرائهم { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّه } [الإنسان: 9].

قد شربوا من كأس حبه كَئوساً، واستجلبوا من أنوار مشاهدته شموساً، وبرزت لهم الدنيا بزينتها عروساً، فقالوا: {إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً }[الإنسان: 10]. ياله من يوم يحير من هوله كل قوم، ويطير من شدته عن العيون النوم.. { فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ } [الإنسان: 11].

اخترقوا حُجب الأنوار، وفازوا بجوار العزيز الغفّار، في جنَّت تجري منة تحتها الأنهار، تخدمهم الملائكة مساءً وبكوراً {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً } [ الإنسان:19].

لا يحزنهم الفزع الأكبر يوم القيامة، ولا تلحقهم حسرة ولا ندامة، يستبشرون بعد طول سفرهم بالسلامة، ثم يقال لهم {إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً } [ الإنسان:22]. أحضرهم في حضرة قدسه، وتولاهم بنفسه،فسقاهم بكأس أنسه شراباً طهوراً.. وناداهم: عبادي وأحبابي، لطالما وقفتم ببابي، ولذتم بجنابي، وصبر كل منكم على مصابي،لأبوئنكم دار النعيم، ولأمتعنكم بالنظر إلى وجهي الكريم، ولأجعلن جزاءكم جزاءً موفوراً.

هم الذين قدَّموا نفوسهم قرباناً لله.. وباعوا أرواحهم رخيصةً في سبيله.. وضحُّوا براحتهم ابتغاء مرضاته..اتخذوا ربهم إلهاً عندما اتخذ غيرهم آلهته من اللذات والشهوات.. واختاروا رسولهم إماماً لهم حينما اتخذ غيرهم أئمتهم من الكبراء والعظماء.. وجعلوا قرآنه دستوراً لهم، حينما جعل غيرهم دستوره الفوضى و الهمجيَّة.. عفُّوا عن الحلال المباح حينما تهافت غيره على الحرام المحظور.. وأدُّوا النوافل والسُّنن حينما ترك غيرهم الفرائض والواجبات.. وتحلُّوا بالصَّبر والرضا، حينما تحلَّى غيرهم باليأس والقنوط.. وتجمَّلوا بالإيمان واليقين حينما تجمَّل غيره بالكفر والإلحاد.



نالوا بذلك فرحة وســــــروراً

وسعوا فأصبح سعيهم مشكـورا

قوم أقاموا للإله نفوســـــــهـــم

فكسا وجوههم الوسيمة نـــــورا

تركوا النعيم وطلَّقوا لذَّاتـــهـــم

زهداً فعوَّضهم بذلك ســـــرورا

قاموا يناجون الحبيب بأدمــــع

تجري فتحكي لؤلؤاً منثـــــــورا

ستروا وجوههم بأستار الدُّجى

ليلاً فأضحت في النهار بــــدورا

عملوا بما علموا وجادوا بالذي

وجدوا فأصبح حظُّهم موفـــــورا

وإذا بَدا ليل سمعت أنينــــهــــم

وشهدوا وجداً منهمو وزفيـــــــرا

تعبوا قليلاً في رضا محبوبهم

فأراحهم يوم المعاد كثيــــــــــــــرا

صبروا على بلواهموا فجزاهمو

يوم القيامة جنة وحريــــــــــــــــرا

قال الحواريُّون: يا عيسى، من أولياء الله؟

قال: ( الذين نظروا إلى باطن الدنيا حين نظر الناس إلى ظاهرها، والذين نظروا إلى آجِل الدنيا حين نظر الناس إلى عاجلها، فأماتوا منها ما يخشون أن يميتهم، وتركوا ما علموا أن سيتركهم، فصار استِكثَارهم منها استقلالاً، وذِكرُهم إيَّاها فوتاً – أي في عداد النسيان – وفرحهم بما أصابوا منها حزناً، فما عارضهم من نائلها رفضوه، وما عارضهم من رفعها بغير الحق وضعوه، وخَلَقت الدنيا عندهم فلم يجددونها، وخربت بينهم فليسوا يعمرونها، وماتت في صدورهم فليسوا يحيونها. يهدمونها فيبنون بها آخرتهم، ويبيعونها فيشترون بها ما يبقى لهم، ورفضوها فكانوا فيها من الفرحين، ونظروا إلى أهلها صرعى، قد خلت فيهم المثُلات – جمع مثلة وهي العقوبة – وأحيوا ذكر الموت، وأماتوا ذكر الدنيا، يحبون الله، ويحبون ذكره ويستضيئون بنوره، ويضئون به، لهم خير عجيب، وعندهم الخير العجيب، وليسوا يرون نائلاً ما نالوا، ولا أماناً دون ما يرجون، ولا خوفاً دون ما يحذرون). [رواه أحمد في الزهد ]