في رحاب سورة آل عمران

[نور من الله]

ولما أخبرت مريم (عليها السلام) بخرقه -سبحانه- العادة معها عللت ذلك بقوله:
(ان الله يرزق من يشاء بغير حساب): في تجديد الاسم العظيم في النبأ اشعاراً باتساع النبأ وايذاناً بأن ذلك يكون لك ولمن شاء الله كما هو لي بما شاء الله!!!والحساب ، يقتضي حصر الشيء المحسوب بحيث لا يزيد ولا ينقص، فالمعنى ان الله يرزق من يريد رزقه بما لا يعرف مقداره لأنه موكول الى فضل الله...
(بغير حساب): عطاء متصل … فلا يتحدد ولا يتعدد، فهو رزق لا متعقب عليه... لأن كل رزق في الدنيا محاسبون عليه في الآخرة... فكان في رفع الحساب بشرى لهم وكفالة بالشكر عنه، لأن من أعظم الشكر لرزق الله -سبحانه- معرفة العبد بانه من الله!!!
عندئذ تحركت في نفس زكريا (عليه السلام) الشيخ الذي لم يوهب ذرية تحركت تلك الرغبة الفطرية القوية في النفس البشرية الرغبة في الذرية في الامتداد في الخلف... الفطرة التي فطر الله الناس عليها!!!
(هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة انك سميع الدعاء)
مقولة مريم (عليها السلام)...(ان الله يرزق من يشاء بغير حساب). لفتت زكريا ونبهت ايماناً موجوداً في اعماقه وحاشية شعوره... اخرجت الايمان من حاشية الشعور الى بؤرة الشعور فاتجه زكريا (عليه السلام)... قلباً وقالباً الى الله.
(هنالك): في ذلك الوقت وذلك المكان العظيم المقدار.
(دعا زكريا ربه): تذكراً لما عودهم الله -سبحانه- من الاكرام ولما اشهده الله -سبحانه- انه يخرق عادته لمن شاء في حق كفيلته في الظاهر … الكافلة له في الباطن..دعا ربه الذي عوده بالاحسان ان يرزقه ولداً في غير اوانه كما رزق مريم (عليها السلام) رزقاً في غير مكانه... فوجب دعاؤه.
(قال رب): الذي عودني باحسانه...
(هب لي من لدنك): عطاؤك رب هو هبة لي وليس حقاً فحتى الذي يمتلك الاستعداد للإنجاب من صغر سن وصحة تجده يحرم الانجاب.. القضية أخي (هبة من الله)
والهبة: احسان محض ليس في مقابلة شيء!!!
قوله تعالىلله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثاً* ويهب لمن يشاء الذكور* ويجعل من يشاء عقيما انه عليم قدير)
و(لدنك): طلب من باطن الأمر، وهو المقام الثالث، مقام انعزلت فيه الأسباب
قوله تعالى: (وحناناً من لدنا)
(ذرية طيبة ): والطيب: هو الذي تستطاب أفعاله واخلاقه..
(طيبة):صالحة ومباركة مطيعة لك وهذا طلب أهل الخصوص والكلام فيه اشعار بكثرة ونسل باق فاجيب بولد فرد لغلبة الروحانية على انسانيته...
(انك سميع الدعاء): لأن من شأن من يسمع ولم يمنع ان يجيب اذا كان قادراً كاملاً، وهو -سبحانه- الحي القيوم...
ودلت هذه الآية على طلب الولد، وهي سنة المرسلين والصديقين...
قوله تعالىولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم أزواجاً وذرية).
وفي صحيح مسلم: أراد عثمان ان يتبتل فنهاه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولو أجاز له ذلك لاختصينا...
وقال سيد الخلق محمد (صلى الله عليه وسلم):
(النكاح من سنتي فمن لم لم يعمل بسنتي فليس مني وتزوجوا فاني مكاثر بكم الأمم ومن كان ذا طول فلينكح ومن لم يجد فعليه بالصوم فانه له وجاء)
وقال (صلى الله عليه وسلم): (اذا مات احدكم انقطع عمله الا من ثلاث ، علم نافع او صدقة جارية، او ولد صالح يدعوله)
فوجب علينا أخي ان نتضرع الى الله خالقنا في هداية الزوج والولد.. وان يكونا معينين لنا على ديننا ودنيانا حتى تعظم منفعتنا بهم في اولانا واخرانا... اللهم آمين وكذلك نجدنا أخي امام حادث غير عادي يحمل مظهراً من مظاهر طلاقة المشيئة الالهية.. وعدم تقيدها بالمألوف للبشر.. ومن ثم فهم يشكون في كل حادث لايجيء في حدود قوانينهم البشرية.
فاذا لم يستطيعوا تكذيبه لانه واقع صاغوا حوله الخرافات والاساطير
فها هوذا..(زكريا) عليه السلام) الشيخ الكبير وزوجته العاقر التي لم تلد في صباها.. تجيش في قلبه الرغبة العميقة الفطرية في الذرية..غريزة الامتداد … وهو يرى بين يديه مريم البنية الصالحة المرزوقة.. فيتوجه الى ربه يناجيه...
فما الذي كان من هذا الدعاء الخاشع الحار … المنيب؟
كانت الاستجابة أخي!!
التي لا تتقيد بسن ولا تتقيد بمألوف الناس..
لأنها تنطلق من المشيئة المطلقة التي تفعل ما تريد!!! كان زكريا (عليه السلام)... يدعو ويضع كل أمله في الله فهو لا يريد الولد... لقرة عين .. او لعز انه يريده لحمل منهج الله في الأرض.